صحيفة المثقف

الرؤية الانسانية الإيمانية للدين في فكر عبدالجبار الرفاعي

علي سلاميحمل استاذنا عبدالجبار الرفاعي هماً ومشروعاً طالما كان مخلصاً بجهده له، وهو ما أكده في مؤلفاته الثلاثة الأخيرة عن الدين، وهي:

1- الدين والنزعة الإنسانية.

2- الدين والظمأ الأنطولوجي.

3- الدين والاغتراب الميتافيزيقي.

يعمل الرفاعي على اكتشاف رؤية انسانية للدين، لذلك يوصف الدكتور الرفاعي في اعماله بالمدافِع عن الدين، وهذا التوصيف وجيه وواقعي.

عبد الجبار الرفاعي يختلف عن أكثر المدافعين عن الدين، فالدفاع لازم  الرد، إذ يحارب المدافع من اجل فكرته من يناهضها، وهنا نلحظ الاختلاف في بصمة الرفاعي، لأنه مشغول بالكشف عن مفاهيم الدين الانسانية، التي تعري بتلقائيةٍ نصوص المصنفات والمنابع التراثية التي تكشر عن العنف والارهاب والتصحر  الروحي، فهو يكتب ليس بتلك الطريقة التي تؤول اخطاء الرجال، اولئك الذين لبسوا من الدين جلبابا، ولا يدافع عن نصوص تعارض روح الكتاب الكريم، وتسوّد قلوب العباد، من اجل الدفاع عن او تلميع صورة زائفة للدين. رأيت الرفاعي لا يكتب ردا على من يناهضه أو يناكفه أو يشتمه أو يتهجم عليه.

ما يميّز عبد الجبار الرفاعي "عندي" إنه ينتج نصا رؤيويا ايمانيا إنسانيا، نابعا من تجربة ذاتية، بمعنى انه عاش النص فكتبه،  فالكلمات هنا كما يصفها الدكتور علي شريعتي بقوله: "بضعة من كياني"، لذا فالرفاعي لا يحارب بأدوات التراث وعلم الكلام والفقه التقليدية، ولا يكرر النصوص او الفتاوى او الاقوال القديمة، حسبه انه يعيش التجربة ويتذوقها ويكتبها، يبحث عن مواقع تلك الرؤى الانسانية في منابع ومصادر التراث والنصوص المقدسة، ويستعين بتوظيف ما هو جديد من علوم ومعارف، ليقرأ التراث من خارج التراث، ماسكاً بذهنه عامل الزمان والواقع الجديد، وشاعراً بحاجة الروح العميقة إلى الغيب الميتافيزيقي، وكيف تتحق الذات بالاتصال بالغيب، وكيف يروي ظمأ الروح بالإيمان.

بهذه الرؤية وهذه الصورة هو "مدافعٌ بارع" عن الدين، لا من موقع الدفاع التقليدي، الذي نحمله في اذهاننا، فاللغة بتعبيره "متهمة" .

عبدالجبار الرفاعي محاربٌ، لا في مجال دفاعه، لأن دفاعه لا يحمل هجوماً ولا حرباً ولا استعداء لأحد. إنه محارب بمعنى ان خطابه يتفرد بعدم نسيان الذات، وعدم نسيان الإنسان، واستحضار صورة جميلة للدين، قلما نجدها فيما نرى.

الرفاعي يرى ان الروح الحرة لا تقبل ان تكون نسخة عن غيرها، لأن خسران الذات يفقدها حقيقتها، وعندما تفتقد الذات ذاتها ينشأ الاستبداد ويترسخ.

يدعو الدكتور الرفاعي ان نحلل ونغربل ونمحص وننقد التراث، وان نستعمل مناهج البحث العلمي الحديثة، ونوظفها في دراسة الظواهر الدينية في حياة الفرد والمجتمع، كي نفهمها بشكل علمي، "ونوّلد تفسيرا للنص في ضوء متغيرات الواقع وحواره مع النص المقدس"، ولا نعيد انتاج واقعاً انتهى، ونصر على استئناف ما مضى كما مضى، فعصر نزول الوحي غير عصرنا، وزمانه غير زماننا.

المنهجية عند عبدالجبار الرفاعي هي الامساك بعلوم الإنسان والمجتمع الحديثة لاستنطاق التراث الديني وتفسير النص القرآني، والمشروع لديه هو بناء رؤية انسانية إيمانية للدين، والنتيجة صيرورة الدين دواء لا داء، والايمان محرراً لا مستعبداً، والتدين حالة روحانية اخلاقية جمالية، تتجلى فيها أجمل صورة لله والانسان والعالَم.

يقول عبدالجبار الرفاعي في أحاديثه بصراحة: "انا مؤمن بالله ووحيه ونبيه الكريم، ومؤمن بأن القرآن الكريم أوحى به الله إلى نبينا صلوات الله عليه.. لا أقلد أحدا، ولا يمثلني الا أقوالي وكتاباتي وسلوكي الشخصي.

أعمل حسب اجتهادي في الدين والمعتقد والفقه، لا أدعو احدا لتبني آرائي، ولم انصب نفسي مرجعاً للدين أو للفتيا، رؤيتي للدين مدونة بوضوح في كتاباتي".

 

علي سلام، "كاتب من الناصرية".

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم