نصوص أدبية

نصوص أدبية

أبكي على (القدس) أم أبكي على حالي

أنا المضاع بعرض الأرض ترحالي

*

أنا اليتيم الذي ما ظل والده

يرعاه منذ جاء للدنيا بأموالِ

*

أنا الصغير الذي قد كان تحمله

أمٌّ.. ولم أحمل بأعمامٍ وأخوالِ

*

الكلُّ مات على أطراف بلدتنا

وبعضهم مات موصوداً بأغلالِ

*

حتى كبرتُ على حالٍ ممزقةٍ

كذلك الناس في المنفى كأحوالي

*

أنا الطَّريد من (الجولان).. من (صفدٍ)

وما أزال بجيلٍ بعد أجيالِ

*

وما أزال بلا بيتٍ ومدرسةٍ

ولا رياضَ زهتْ يوماً بأطفالِ

*

قالوا نعود.. فما عدنا لدولتنا

و لن نعود.. وقد عادت بتدوالِ

*

هذا يقول: لها حلٌّ سيقسمها

للدولتين.. فلا حلّاً على البالِ

*

و لا نرى العُرْبَ يؤلونا ببارقةٍ

فيها الخلاص من الويلات بالحالِ

*

لذا نموت على أطراف غــزّتنا

موت المضحّين بالأرواح والغالي

***

رعد الدخيلي

 

استحلفك غزة بدم الشهادة

ولوعة أم ..تشظى بحضنها..

طفل رضيع...

بزلزال صبرك وعصف الجراح

ثوري سيوفا  لدحر الغزاة

وذري الرقاب كعصف الحصيد

فعزمك شامخ  و كفاح مرير

يا براق نبوءة وعهد أراق

سليل بسالة بإرث النضال

فما نصرك إلا ..مكابدة ولادة..

بمخاض فجر عتيد

ثـــــوري يا غزة ثــــــــــوري

طوفانا غزيرا…

يُغرِق فلول (نتن ياهم)

بدوامة نواح

ومزقي بقايا أحلامهم

بليل اجتياح

فتكبيرة صلاتك يا غزة

طعنات نصر بخاصرة العداة

حتى مروءة حجارتك ..صاعقة سلاح

وذرات ترابك ..صهيل رماح

فكيف يُدنس أريج هواك

واحشاء تلالك ضريح هاشم .

ثــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــوري

باهازيج بحة الأقصى "شدو بعضكم*"

وعرس زيتونة

مهرت نعيها

لشجرة القضية

حتى ادمنت نزف البلاد

وبلسمت اغصان عمرها

بضماد كوفية

لتربي أحفاد يُتمها

باحضان بندقية

فمنذ ثمانين عاما وجوى ثأر جدي

معلقا على مرايا جلده...

(أ..س..ر..ا..ئ..ي..ل....................

تيه فقاعة ببحور الهوية)

فكنت القلادة لعاتق الوصية

مفتاح بشارة 

لتقر أرواحك الزكية

ستكتحل بيارات فلسطين

بأثمد نصرك

وسيرتوي ترابك

من سحق أرواحهم

باشواط الهزيمة.

***

إنعام كمونة

.......................

* ترنيمة لختيارة فلسطينية

 

رواية قصيرة جدا

بعد انتهاء مراسيم التشييع والدفن ل (أبو عليجه) من قبل أهالي حي التنك، يتخلف (حنفوش) عند قبر رفيقه واضعا رأسه على القبر وقد هده التعب وأنهكه البكاء والعواء مخاطبا رفيقه:

يا أخي لم تسمح لي الظروف أن أجيب على سؤالك لي، من أنا، وكيف وصلت الى حي التنك ؟؟ سأخبرك بكل التفاصيل التي لا تعرفها عني وأنت في قبرك وقد الحق بك قريبا:

أثناء تجواله برفقة زمرة من مرافقيه ووكلائه في القرية، لفت أنتباه السيد، أنا الجرو ناصع البياض صاحب الغرة السوداء في جبهته، حينما كنت ألعب وأمرح مع مجموعة من الجراء على مرج القمح الأخضر، توقف ترجل من على صهوة جواده، وطلب من مرافقيه أن يحضروني له ليصطحبني معه الى قصره في المدينة، وكان له ما أراد، حيث أسروني قيدوني وضعوني في صندوق سيارته...

قبل إدخالي الى الدار عرضني على الطبيب البيطري لضمان سلامتي من الأمراض، الذي زرقني ببعض اللقاحات الضرورية، وزوده بالأرشادات في طريقة تربيتي وتدجيني والعناية بي في الدار..

أمرالخدم بتحميمي وغسلي جيداً بالشامبو والصابون المعطر، وتخصيص مكان خاص لي وأطعامي، ، مما أثار استغرابي كثيرا هل أنا في حلم أو علم، ماهذه اللحوم وما هذه العناية الخاصة والروائح العطرة، أطعمت الكثير من اللحوم الحمراء والبيضاء، وقد كنت أحلم بعظم مكدود وبعظام سمك ترمى لي من قبل أسيادي الفلاحين الفقراء في القرية، كنت أغتسل في ماء النهر الخابط ولا أعرف معنى الصابون ناهيك عن الشامبو !!!؟؟؟

تتراكم وتتزاحم الأسئلة في رأسي، أشتاق كثيرا للتمرغ برمل الشاطيء الندي واللعب مع أقراني من الجراء، افتقدت كسر الخبز اليابسة وفضلات الرز الأحمر(الحويزاوي) التي قلما تفيض من موائد أسيادي الفقراء، لم أتمكن من التأقلم مع مضجعي الجديد حيث السيراميك اللامع والأضواء البراقة والفراش الوثير، فأصبت بالكآبة وبالتخمة والضنك بسبب الوجبات الدسمة التي لم تتعودها معدتي بعد،وبسبب عدم الحركة، وهذا النعيم غير المسبوق في بيئتي السابقة.

مما دفع سيدي الى عرضي على الطبيب البيطري لمعرفة ما حل بي، فأخبره الطبيب بأني لاأشكو من أي مرض أو عرض لمرض بايولوجي، ولكن يبدو انَّ التغيير المفاجيء في بيئتي هو السبب لما أصابني من الخمول والضيق... نصح سيدي بأطلاقي في حديقة الدار وعدم الأكثار من اللحوم حيث سببت لي سوء الهضم كما قال...

نفذ السيد تعليمات الطبيب وبالفعل عدت تدريجيا الى الحركة واللعب، واعتدت أفراد العائلة وفي مقدمتهم سيدة المنزل الجميلة حيث اعتدت شم عطورها الفواحةالتي لم أشم مثلها من سيدتي في القرية.. التي ربما لم تتعطر الا في ليلة زفافها، فهي لم تعرف سوى البخور والحرمل للعطر والديرم كأحمر شفايف، وطين الخاوة والحناء، لشعر الرأس بدل الشامبو !!

وبمرور الأيام أصبحت أكثر ألفة منتصب الأذنين والذنب رشيق الحركة، أتشمم روائح أسيادي وأألف سكنة الدار من الأطفال والخدم وبعض الضيوف دائمي الحضور الى دار السيد...

كنت أشعر بالبهجة والفرح حينما أرى بعض ناس قريتي ومسقط رأسي، وهم يحملون الهدايا من القرية الى دار سيدهم، مثل طيور الحجل والدجاج والسمن واللبن، والتين والعنب والرطب بمختلف أنواعه وكل في وقته وموسمه حتى قبل أن يتذوقوه هم حيث يرون أنَّ السيد أولى به منهم... أستقبلهم بسرور وبمرح أتشممهم وألعب بين أقدامهم مستعيدا ذكرياتي معهم، أستذكر من أطعمني ومن دلعني ومن ضربني أو نهرني من النساء والرجال ولكني أشتاقهم جميعا وأحبهم جميعا...

يلاحظ السيد والسيده مدى توددي للقرويين دلالةالوفاء والمحبة والذاكرة التي لاتمحى بالنسبة للكلاب كما يقولون...

أقف أحيانا أمام القرويين التعساء وأخاطبهم بالقول:

أنتم محرومون من أكل لحوم الطير والأسماك والدجاج الذي تربونه في بيوتكم ولكنكم تأتون به لهؤلاء المكرشين الأثرياء المتخمين بشتى أنواع المأكولات التي لاتعرفون أنتم اسمائها أو طعمها وشكلها مثل الهمبركر، و الدجاج المقرمش، والبيتزا، والشاورمة... الخ

فيالكم من بؤساء كل ماتصبون اليه كسب رضا أسيادكم الذين كل ما يفعلونه هوالأمعان في استغلالكم وامتصاص دمائكم ودماء عوائلكم، تخشون غضب السيد كي لايطردكم من الأرض أو مضاعفة ديونه الربوية عليكم !!!

ينهرني الفلاحون غير مدركين لما أقول أو ربما يخشون أن يفهم كلامي سيدهم فيغضب عليَّ وعليهم...

لفت نظري زيارة (حياة) أبنة قريتي الحسناء السمراء فارعة الطول زنبورية الخصر بالغة الحسن والجمال زوجة ابن عمها المعتوه، كانت زيارتها للقصر في أيام غياب سيدة القصر وكأنها على علم بذلك، تأتي المنزل لا تحمل غير جمالها الأخاذ تجر عجيزتها الرجراجة بغنج وقد سلبت لب السيد، تأتي بعد أن تبيع الدجاج والبيض والسمك في سوق المدينة...

استقبلها هاشاً باشاً، أتفتل أمامها مشاركا سيدي في انبهاره وأعجابه بها، فتلتفت الي قائلة بغنج "حتى أنته روحك خضره يحنفوش ؟؟؟ ماتشوفلك وحده من هذني الـجلبات الانـﮓريزيات الداير ما دايرك وتﮒضي وطرك وياها"، تقول ذلك وهي تغمز بعينها المكحولة السيد المبهور الذي تأججت نيران شهوته واندفاعه لافتراس (حياة)

يستتقبلها السيد بالأحضان ويمطرها بالقبل بعد أن يصرف الخدم ما عدا الخادمة البنغالية السمراء التي يبدو أنَّها تعلم علاقة سيدهابحياة، فتعدلهاالحمام المجهز بأنواع من الشامبوات والعطوروأدوات الزينة فوروصولها المنزل،، تهيء المخدع الخاص للقاء السيد بعشيقاته في زاوية من الحديقة، فيدخل السيد وحياة وتوصد خلفهما الباب...

كنت أقعي خلف الباب وأظل أنبح محاولاً أقتحام الغرفة، تثيرني أصوات الغنج والتهتك الجنسي المتسربة من داخل الغرفة، تماثل ماأسمعها بما يحدث بين السيد وسيدة المنزل حينما يختليا في غرفة نومهما، فأكون مصدر أزعاج للسيد وعلى الرغم من طردي وأِبعادي عن باب الغرفة ولكني أعود ثانية، وحتى عندما يتم سجني في مخدعي الخاص لا أسكت الا بعد أن تغادر(حياة ) المنزل فكنت أخاف عليها من السيد فربما كان يؤذيها...

وغالبا ما تخاطبني (حياة ) قائلة:

- مالك يـ(حنفوش) دومك تنبح تخاف لو تغار علي من السيد، ألا تعلم أني في غاية الحرمان بسبب زوج معتوه وعاجز، وعلى الرغم من عجزه يسومني شتى أنواع العذاب ويلقي علي كل أعباء ومصاريف المنزل... لا تلومني لأني مظلومه، حرموني من حبيبي وزوجوني بالقوة هذا المعتوه لأنه ابن عمي...

- أهوهوبوجهها وأهز ذيلي وأذنيَّ أظهرعدم قناعتي بما تقول مخربشا الأرض بمخالب قدمي ناثرا التراب صوب السيد الذي يتغاضى عني ضاحكاً

-  اِسمع يـ(حنفوش) ردا على ظلمهم لي وحرماني من حبيبي قررت أن أنتقم من أهلي وعشيرتي لأخونهم مع من يستغلهم ويظلمهم، هذا السيد الجشع المتصابي، لاأحبه وغير مغرمة به على الرغم أنَّه يدللني ويغدق علي المال والحلي ويستجيب لكل طلباتي ويروي ضمأ جسدي... أفهمت ياحنفوش...؟

- هو هو هو! أهوهو وأنهش الأرض بقدميي لأسرح بعيدا مقارنا بين واقع حياة أنثى الكلب وأنثى الأنسان، فأنثى الكلب تعيش بكل أحترام ومساواة بين قطيع الكلاب، ويعود لها القرار الأول والأخير في اختيارها لشريك متعتها في مواسم التزاوج،حيث نتتبع نحن قطيع الكلاب الكلبه من مكان الى آخر، فان سارت نسيروأنْ توقفت نتوقف، نقدم لها مختلف مظاهر الطاعة، ويبرز كل واحد منا أمامها مهارته وقوته وجمال جسده، وهي تتفحص كل واحد منا. حتى يقع اختيارها أخيراً على أحد منا فيكون عريسها المفضل دون أي أعتراض أواستياء من بقية ذكور الكلاب ، فيتركون العريسين يعيشان متعتهما دون تدخل أو تطفل أيٍ منهم عليهما بل يقومون بحراستهما وحمايتهما من تطفل بني الأنسان عليهم، وبذلك نحن الكلاب أكثر تحضرا بما لا يقاس مع همجية ووحشية وقهر الأنسان الذكر للمرأة الأنثى، التي تجبر على الزواج من مايختاره ذويها عريسا لها، وأنْ تمردت تعرضت للقتل الوحشي بدعوى غسل العار وهو عار الذكور وليس الأناث..فماذا عساني أقول لك ياحياة ؟؟

حدث في أحد زيارات (حياة) وأنفراد السيد بها كالعادة في غرفته الخاصة في حديقة المنزل، بعد أنْ استحمت وتبرجت وتزينت فبدت عروسة بجمال يخطف الألباب، حدث أنْ عادت زوجة السيد الى المنزل لأمر ما خلاف المتوقع، لفت نظرها نباحي وأنا واقفٌ أمام باب الغرفة، وعندما شاهدت سيدتي أزداد وأرتفع نباحي وخربشتي للباب أدعوها لتأتي كي ترى ما يجري، فأتت مسرعة أِلي لتعرف ما داخل الغرفة وما الذي يثيرني...

- إهدأ ! إهدأ يا(حنفوش) مابك هائج مضطرب تنحَ عن الباب لأرى ما يحصل... فتحت الباب فكانت الصدمة الكبرى زوجها وحياة عراة وفي وضع فاضح لايمكن السكوت عليه، لطمت رأسها وصرخة وسقطت بباب الغرفة مغشيا عليها...

- فأخذت أحوم حولها في محاولة لأيقاظها وأنا في غاية الاستغراب متسائلا: هل قتل السيد حياة؟؟

أرتدت حياة ملابسها وغادرت القصر على عجل هاربة من الفضيحة كما تقول، في حين صب السيد جام غضبه عليَّ موجها لي الضربات والركلات بقدميه عقوبة لفعلتي.. طردني من الدار ومنعني من الدخول مصدراً أوامره للخدم بعدم السماح لي بالعودةوأذا أمكنهم قتلي والخلاص مني...

ما كان يفترض بك ياسيدي جلب كلب من القرية العراقية، بل تجلب كلبا غربيا تطبع على مثل هذه المشاهد في بيئته،ولم يحدث لك مثل هذه المصيبة هكذا خاطبه كبير الخدم....

أجابه السيدلاوقت لهذا الكلام الآن.. المهم أطردواهذا الكلب الحقيروأن تمكنتم منه فاقتلوه !!

- بصعوبة بالغة جررت نفسي زحفا، لألقي بجسدي المدمى تحت ظل شجرة على رصيف الشارع لألعق جراحي، وما أصاب عظامي من رضوض على أثر ضربات وركلات السيد والخدم... اسودت الدنيا في عيني، وأنا لاأدري ماذا أفعل والى أين أذهب وكيف لي أن أعيش في الشارع بعد أنْ أعتدت العيش في دلال وأمان..

لاحظت سيارة أسعاف تنقل أحدهم من القصر رجحت انها السيدة التي أصيبت بالأنهيار وفقدان الوعي مما استوجب نقلها الى المستشفى...

وبذلك فقدت مساندتها لي وفقدت أي رجاء وأمل في العودة الى الدار.. اغتسلت في أحد السواقي الجارية، لأطهر جسدي من بعض الدماء المتخثرة، ولكي أستعيد لياقتي في التوازن والحركة... أسير مترنحا متعب الجسد والفكر ، أسأل نفسي:

- الى أين تتوجه (ياحنفوش) بعد هذا الأذلال والأذى لا لشيء سوى أنك رفعت صوتك محتجا على فعل الرذيلة والخيانة وحاولت تخليص (حياة) من أذى السيد؟

- هل يمكنني العودة الى قريتي؟؟

-  ولكن كيف وبأي وسيلة ومن يدلني عليها، لا وألف لا فقد يكونون أشد قسوة عليَّ من السيد نفسه،ولا يستبعد أن يتبرع أحدهم بقتلي تقربا وتزلفا الى السيد، فهم لا يستطيعون مخالفة أوامره فكيف بكلب مثلي؟؟

- هل يمكنك (ياحنفوش) البقاء متسكعا في هذا الحي، فسلال النفايات لبيوت الحي متخمة بأنواع المأكولات من فضلات سكان الحي الأثرياء وولائمهم الباذخة... ولكنك تعلم جيدا أن لاحياة للكلاب السائبة في مثل هذه الأحياء الراقية، فستقتل فورا حينما لايعرف لك سيد من أهل الحي...

- أدخلت بوزي بحذر في أحدى سلال النفايات وأخذت ألتهم بقايا اللحوم والسمك لأسد جوعي بعد كل ماجرى علي وأمضيت ليلة كاملة بدون أكل، خلال أنهماكي في الأكل سمعت صرير باب تفتح حيث يبدو أنَّ صاحب الدار شاهدني عبر الكاميرا وخرج الي شاهراً سلاحه الناري لقتلي... فأسرعت بالفرار للتخلص من الطلقات التي تلاحقني... تسلقت جدار أحد الحدائق، ولكن ما أن دخلت حتى استقبلني حارس الحديقة بالصياح ورمييّ بالحجارة فضاقت بي السبل وقد أصابتني أكثر من حجارة، أخيرا وجدت منفذا يقود الى الشارع فهربت من مطاردة صاحب الدار و الحارس، لأدخل في لعبة خطرة مع السيارات التي تسير بسرعة البرق في شارع عام، حيث تمنيت لو تدهسني أحدها لأتخلص مما أنا فيه من خوف ومطاردة وعذاب، وعنف بشري غير مبرر، ولا أدري أسأل من قال بنجاسة الكلاب؟؟

- ولماذا الكلب نجس على الرغم من تفانيه في خدمة الأنسان ووفائه الذي أصبح مضرب الأمثال عند البشر، فهل الوفي المخلص نجساً؟؟.

دعك من هذه التساؤلات وتدبر أمرك الآن...

- أسأل نفسي الآن أين المفر يا (حنفوش)؟

- لامكان لك الا باللجوء الى الأحياء الشعبية في المدينة حيث الكلاب السائبة حتى المسعورة منها تسرح وتمرح في الشوارع دون رقيب على الرغم من شحة الأكل في مثل هذه الاحياء، ففضلات السكان قليلة جداوحاويات نفاياتهم خالية من اللحوم الحمراء والبيضاء،ليس كما في أحياء الأثرياء، بل وجود بعض العظام المكدودة وكسر من الخبز اليابس المتعفن أحيانا وربما بعضا من الرز والمرق ومزيدا من العظام بعد مآدب الأعراس و(الفواتح)، حيث تتنافس الكلاب والقطط مع المتسولين على براميل النفايات، وغالبا مايدخلون في عراك دامٍ للفوز بعظمة بائسة لسد رمق الأنسان أو الكلب أو القط من الجوع والحرمان...

- أسرع الخطوات محاولا تجنب مخاطر الطريق، يممت وجهي صوب الحي الشعبي المسمى بحي(التنك) على مشارف المدينة حيث تطوق المدن عادة بمثل هذه الأحياء البائسة المخصصة لسكن الفقراء والمنبوذين والمهمشين وأكثرهم من المهاجرين من الريف،بسبب الحروب أو الجفاف أو ظلم الأقطاعيين وتعسفهم أو الهرب من ثأر عشائري...

- أودع القصور والفلل الفارهة، أودع الأضواء البراقة والحدائق والنافورات، أودع الشوارع المعبدة النظيفة والسيارات الفارهة البراقة... وما أن أقف على مشارف حي (التنك) حتى تستقبلني عاصفة رملية مشبعة برائحة العفونة، أجتاز تلال النفايات التي وجدت الناس والكلاب والقطط والجرذان ينبشونهابحثا عن مخلفات نافعة، قطعة أثاث مستهلكة، قناني فارغة تصلح للبيع، بقايا فواكه نصف عفنة، أطعمة منتهية الصلاحية غالبا ماترميها الجهات الرقابيةالصحية في هذه المكبات لعدم صلاحيتها للأستهلاك البشري، طبعا بمقاييس الحكومة والاثرياء والدائمة الصلاحية بالنسبة للفقراء...

- تجاوزت تلال العفن وجمهرة النباشين متوغلا داخل الحي عبر أزقته الضيقة المأيسنة وبيوت التنك المتشابهة فيما بينها بحيث يصعب عليك التمييز بين بيت وآخر الا من خلال ماركات الشركات المثبتة على صفائح التنك الخارجيةكعلب الزيت أوالسمن أو الأصباغ الخ.

حال تجاوزي الأزقة الضيقة حيث انفتحت على ساحة مدورة تشبه مستودعا للسكراب والأطارات المستهلكة وبعض الأجهزة التالفة ووو، حتى ظهر أمامي قطيع من الكلاب ناتئة الأضلاع مكشرة الأنياب ما أن شاهدتني حتى دق لديها جرس الأستنفار والهياج والنباح، فهاجمتني من كل الأتجاهات كما يهجم جنود يقظين على عدو متسلل عبر الحدود، أِنها حدودهم ولامكان لأي كلب غريب الدخول اليها، فكل قطيع له محمية خاصة به لايسمح للآخرين بالدخول أِليها والغلبة للأقوى، تمكن بعضهم غرس أنيابه في ظهري وبطني، ولكني استبسلت في الدفاع عن حياتي وتمكنت من جرح وجدع أذان بعض الكلاب الهرمة على الرغم من كوني غير متمرس في خوض مثل هذه المعارك، كنت أتطلع الى أي ثغرة تمكنني من الهرب والخلاص من طوق الكلاب العدوانية، متسائلا مع نفسي:

- يا (حنفوش) لو تفهمت عدوانية البشر وخوفهم منك فما هو سبب عدوانية ابناء جنسك من الكلاب ؟؟ فهل الكلاب تحاكي البشر في صراعاتهم وحروبهم الدامية فيما بينهم لفرض السيطرة ونهب ثروات بعضهم بعضا والغلبة للأقوى، على الرغم من أنَّ ثروات الأرض تكفي كل البشرعلى الكوكب لو كانت هناك عدالة في التوزيع وسيادة السلام بين الشعوب... وأنا في هذه التداعيات التي أشعر أِنها أكبر من قدراتي العقلية لفتت نظري كلبة سوداء تهوهو بما معناه ماذا يفعل هذا الكلب الحليوه ابن الدلال هنا في حي الجوع والحرمان؟؟؟

- ياليتك تعلمين أيتها الجحمرش الهرمة ماذا جرى لي ومن أين أتيت وما الذي أوصلني الى هنا لأرى وجوهكم القذرة، ألا يفترض بكم بدافع الجنس الواحد تفهم حالي وتفهم قضيتي قبل أن تهاجمونني بهذه الوحشية دون سبب حتى قبل أنْ أُنافسكم على هذه النفايات القذرة؟؟

أخيرا وجدت فرصتي في الهرب مهدل الأذنين وذيلي بين رجلي، مخذولا خائفا لاأعلم أين أذهب، وجدت غرفة خربة بلا أبواب فآويت أِليها لألتقط أنفاسي وأشعر بالأمان وألعق جراحي من عظات وأنياب أبناء جنسي، فأخذتني سنة من نوم لأستعيد بعدها عافيتي فلم أستيقظ من نومي أِلا عندما مالت الشمس نحو الغروب، وقد مسني الجوع، استيقظت نفضت فروتي مما علق بها من الأوحال وقد ترقرت الدموع في عيني، انسللت من الخربة وأخذت أدور بحذر كبير في الأزقة باحثا عما أسد به رمقي فيما أعثر عليه في براميل وحاويات النفايات التي أغلبها خاوية، على حين غرة سمعت صوت فحيح وأنين في أحد الخرائب تقدمت نحوها بحذر كبير فاذا برجل ينكح آخر من جنسه وهو يتوجع دون أهتمام الناكح بمعاناة المنكوح ضخم الجسم، أقتربت منه وفاجأته بغرس أنيابي في مؤخرته المكشوفة فأصابه الهلع وأفلت المنكوح منه هاربامكشوف المؤخرة، طارد الرجل الناكح ممسكا مؤخرته،مهاجمني بأحجار فأفلت منه في أحد المنحنيات و أنا أسأل نفسي:

- أهذا هو مايسمى بالمثلية الجنسية والمثليين واللوطين المنحرفين، فما أسخف الأنسان وما أوضعه وهو يقوم بمثل هذه الممارسات، ويقال انهم شرعوا مثل هذا الشذوذ في بعض البلدان (المتحضرة جدا)، فنحن بنو الحيوان لانقوم بمثل هذا الفعل ابداً، فما أحقركم أذن؟؟

أثناء سيري خائف جائع أتلفت يمينا وشمالا خشية من الكلاب ومن البشر، لفت نظري شخص أشعث الشعر ممزق الثياب يعلق في رقبته خرج من الخيش ويمسك بيده عصا غليظة يهش بها عدواً موهوماً فربما يتوهم انَّه يهاجم من قبل أشباح ووحوش فيهشهابعصاه لطردها وتخويفها هذا كنت أنت يارفيقي (أبو عليجه)...

ما أن رأيتني حينها حتى توقفت عن الهش بالعصا وأخرجت من خرجك رغيف خبز رميته الي وكأنك كنت تشعر بجوعي، طالبا مني الأقتراب وعدم الخوف والأكل بأمان، استغربت كثيرا ووقفت حذرا متوجسا خيفة أنْ يكون رغيف الخبز مصيدة تريد الأيقاع بي وايذائي، ولكن ملامح وجهك وحركاتك وتوسلاتك بعثت الطمأنينة في قلبي فأخذت أقترب شيئا فشيئا منك، تناولت رغيف الخبز وأخذت ألتهمه بحذر، فخاطبني:

مالك خائف أيها الأخ، مالك مرعوب، أرى حالك كحالي طريد شريد وحيد، لاتطيقوهم ولايطيقونك، فربما اتبعت طريق الحق وعدم السكوت على الظلم، فأن كنت كذلك فأننا غريبان هاهنا (وكل غريب للغريب نسيب)...فكم أنا بحاجة الى رفقتك أخي المظلوم لنكمل مشوارحياتنا معاً وسط كل هذا الظلم من ابناء جلدتنا وغيرهم.

أخذ تيهو أهوه بعد أن أكملت أِلتهام الرغيف الثاني وشعرت بالشبع والأرتياح، اقتربت مني وأخذت تمسح على رأسي وتتفحص جراحاتي وكدماتي بحنان وعطف كبير لم ألمسه من أنسان قبلك، استلطفت شكلك ونباهتك وعطفك عليَّ... فقررت أنْ أكون رفيقك أينما ذهبت وأينما حللت ولايمكن أنْ يغدر بك الكلب كما غدر بك أخوتك بني الأنسان، فذكرت لي ما مرت به من السجون والمعتقلات والمطاردات وأنت المهندس الكفوء وصاحب براءات الأختراع والمبادرات والوطني الشريف، ولكنك لم تسكت على ظلم ولا تعسف من السلطات الحاكمة ولا من المجتمع المتخلف بقيمه وتقاليده الظالمة المتخلفه فعاقبتك السلطة ونبذك المجتمع ألا ماندر من الأحرار والشرفاء والأوفياء الذين يعطفون عليك ويتعاطفون معك...مسحت دموعك بطرف كمك المتسخ واصطحبتني وسرنا معا، وخلال رفقتنا الغريبة هذه تعرضنا الى الكثير من التنمر والأيذاء من قبل الصغار والكبار وبعضهم يهتف ( وحيد أبو عليجه حبسه الشرطي وخانه رفيجه )و (وحيد ابوعليجه ما بلع ريجه )، حيث يصفونك: بالمجنون وأحيانا يرمونك بالحجارة فتهشهم بعصاك ولكن دون فائدة، كنت أهاجمهم وأتلقى الضربات بدلا عنك... كانت تنتابك يارفيقي نوبات من اللامعقول فتصيح بأعلى صوتك وكأنك مسحراتي (ياناس أكعدوا، سرقت بيوتكم ونهتكت أسراركم) (ياناس اكعدوا سرقكم الحكام وخدركم الأمام فالى متى تبقون نيام)...وكنت غالبا ماتتعرض للسجن والضرب من قبل جلاوزة السلطة والمتزمتين من المتدينين حتى أن بعض أهل العمائم طالبوا بهدر دمك وقد أعتدت أناعلى تقلبات أحوالك،أزداد أعجابا وحبا وتعلقا بك يوماً بعد يوم، أقابل مراكز الشرطة وأظل أعوي ليل نهار عندما تتعرض للأعتقال، ولا أهدأ الا بعد أطلاق سراحك، وقد أخذ الناس يعلمون بسجنك واعتقالك في المركز الفلاني والسجن الفلاني تبعا لتواجدي وسماع عوائي، وكانوا معجبين بوفائي لصاحبب وغالبا ما يلقون لي الطعام تعاطفا وتضامنا معي حينما تغيب...

كان بعض الناس ومن مختلف المستويات يصفونك انت (أبو عليجه) بالأستاذ والحكيم وبهلول زمانك، على الرغم من بعض تصرفاتك التي تدل على اللاعقلانية والجنون ويرى البعض انها نتيجة للسجون وماتعرضت له من التعذيب والأذى من قبل السلطات الحاكمة، ويعتقد البعض أنك تفتعل وتمثل دورالمجنون والمهبول والصعلكة، جسورا غير هياب توجه أقذع الشتائم وأبشع الأوصاف للرموز الحاكمة ولأدعياء الدين من الكذابين والمزييفين ووعاظ السلاطين، وقد أشاعوا عنك انَّك شيوعي ملحد لاتؤمن بالله وحرضوا الناس على قتلك، وكنت غالبا ماترد عليهم بترديد قول مظفر النواب (انبئك عليا... لوجئت اليوم لقتلك الداعون اليك وسموك شيوعيا).

تزداد العلاقة حميمية بيني وبينك نتيجة للطفك وطيبتك واهتمامك بي، نأكل سوية مما يمنحنا الناس ممن يعرفون حقيقتك ويحترمونك ويتعاطفون معك فأحبوك وأحبوني بأعتباري رفيقك الوفي، كنا نفترش الأرض وننام في بعض الحدائق صيفا وغالبا ماأضع رأسي في حضنك وأغط في نوم عميق مع انّي حذر لأي حركة ومحاولة لايذاءك، وكنا ننام في أحد الخرائب شتاءا.

أحيانا أقوم بجولة حرة بين الخرائب ليلا أو نهارا بعد أن تشعر أنت بالتعب والأرهاق وأحيانا تطلب مني أن تختلي بنفسك للتفكير والتأمل،وأثناء أحدى الجولات أتيت اليك مسرعا أدعوك الى رفقتي هوهوتي فقد لاحظت أمرا عجباً، أستجبت لطلبي وتبعتني الى خربة حيث كان شاب يمارس الجنس مع أتان !!!، ضحكت مهونا الأمر عليَّ، وقلت لي: ياحنفوش أخبرك بما هو أغرب فأحدهم أجتنى أربع أتن في خربة وجلس في بابها كقواد لايسمح لأحد بممارسة الجنس معها ألا بعد دفع مبلغٍ من المال قد لايتجاوز الدينار الواحد وقد يسمح لأحدهم بالممارسة والدفع بالمؤجل وحين ميسرة!!!، مخاطبني:

ياحنفوش مشكلة الجنس والكبت الجنسي أحد الأمور التي يعاني منها الأنسان خلال فترة مراهقته وبلوغه، والأنسان يمارس الجنس في كل الأوقات وفي كل الفصول، وليس مثل الحيوانات لها موسم محدد للتزواج، وقد مارس الأنسان المكبوت الجنس مع الأطفال القصر ومع بعض المحارم أحيانا ومع العديد من الحيوانات كالأبقار والأتن والماعز والكلاب أيضا، كما أنك ستشهد ممارسة الجنس بشكل مبتذل بين رجل وأمراة في أحقر الأمكنة ومنها الخرائب والقبور وحتى في دورات المياه ووو.لم يكن فرويد على خطأ حينما أعطى أهمية كبيرة للدوافع الجنسية كمحرك لسلوك وتصرف الأنسان، تمسح على رأسي وتعود برفقتي الى الخربة بعد أن تدرك عدم معرفتي وفهمي من هو فرويد وماذا قال، متأملا أني فهمت ما قلته لي حول الممارسات الجنسية لدى الأنسان وأفهمتني أن لاأعير أهتماما لمثل هذه الممارسات حيث سأرى منها الكثير وعلى وجه الخصوص في الأحياء الفقيرة... وماذا عساك أنْ تقول ياحنفوش حينما ترى معارض (العراة) والأباحية وشرعنة المثلية الجنسية في العالم (المتحضر جدا)؟؟!!!

أرجو أن لاتمل من سردي لعلاقتي بك والأحداث التي مررنا بها سوية لأنك تعرفها ولكني أريد أن أعيدها على مسمعك فأرجو أن تحتملني فربما لا أستطيع المجيء اليك ثانية.

كنت تجالسني وجهاً لوجه وتحدثني حول واقع الحياة ومفارقاتها وما يعيشه أغلب الناس من كبت و ظلم وقهر مما يولد الزيف والشذوذ وتردي القيم من كذب وخيانة وغدر وتفسخ أخلاقي مريع... أصغي اليك متفهما ما تقول سواء بالكلام أو بالأشارة وحركات يديك وتبدلات خلجات وجهك وحركات عيونك...

وذات ليلة قمراء اصطحبتني معك الى المدينة دون أن أعرف سبب زيارتك ودون ان أعرف ماذا تريد من هذه الرحلة المحفوفة بالمخاطر فربما الحنين الى مكان سكنته وطفولتك واستعادة ذكريات عزيزة عليك، دخلنا المدينة في الثلث الأول من الليل والشوارع تغص بالناس والسيارات وعناصر الشرطة والأمن كالعادة في تواجدهم الدائم في الشوارع والساحات... تجولنا سوية مستعرضين واجهات بعض المحلات التي تعرض مختلف البضائع من السلع والملابس، والمطاعم الفخمة التي تفوح منها روائح القلي والشواء يسيل له اللعاب، استغربت حينها انّكَ تمتلك بعض النقود فابتعت (لفتين) من الهمبركر واحدة لك والأخرى لي، وبعد ان أكملنا أكلنا أستأنفت السير حتى وصلنا أحد أكبر ساحات المدينة يتوسطها تمثال كبير للحاكم يعتلي دكة عالية تحيطها الأزهار والأضواء، تقدمت نحو الدكة وجلست تحت النصب، وبعد قليل فاجأتني بالنهوض فأرخيت سروالك ورششت تمثال الرئيس بنافورة بولك الساخن، ففعلت مثلك فنحن الكلاب نفضل دائما ان نتبول على المرتفعات كبقية الكلاب، وقد ظننت انَّ هذا المكان مخصصا للتبول، وماهي أِلا لحظات حتى توجهت نحونا سيارات الشرطةوسيارات مدنية يستقلها اناس مسلحين..

تم ألقاء القبض عليك وأنت تضحك ضحكة مجلجلة عالية وكأنهم يدغدغونك ولايضعون القيود في يديك ويمطرونك ضربا بأيديهم وبأخمص مسدساتهم وبنادقهم حتى أدموك،زجوا بك في بطن السيارة وانطلقوا سريعا الى مكان مجهول، في حين هربت أناتلاحقني طلقاتهم النارية لمشاركتي أِياك في التبول على الرئيس !!!

أختبأت في خربة قريبةلأراقب باستغراب عملية غسل وتنظيف وتطهير التمثال بواسطة خرطوم مياه سيارة أطفاء حضرت في الحال !!!

تبخر الناس من الساحة فبدت خاوية موحشة،سيطر الهلع والخوف عليّ نتيجة قلقي الكبير حيث لايمكنني معرفة ماذا سيحل بك وكم وددت أن أسجن معك لأعرف ما يجري لك، بعد أنْ استعدت توازني وأمنت من خوف بعد أنْ توارى المسلحون فقد أنهكني الجوع والعطش، أتجهت صوب حاوية نفايات كبيرة على مشارف الحي الكبير قفزت الى داخلها وأخذت أنقب في محتوياتها، وقد عثرت على ما يسد جوعي لوفرة ما فيها من فضلات غذائية فقد كانت بالقرب من مخيم (فاتحة) لأحد الوجهاء، لعقت من ماء أحدى البرك في الشارع، ثم قررت العودة الى حي التنك بعد أنْ يئست من عودتك، دخلت الحي دون سند أو حماية، لاأدري ماذا سأقول لمحبيك حينما يروني بمفردي وكيف أفهمهم ماحل بك وكيف اخذتك الشرطة ولماذا..؟

عند دخولي الحي التف حولي بعض معارفك متسائلين عن مصيرك؟

هوهوت لهم بمرارة حد العواء المفجع والدموع تفيض من عينيي ألما على فراقك ولما جرى لك، تركتهم بعد أنْ فهمت انهم أدركوا أن هناك مصيبة حلت بك، وهم يعلمون أنها ليست المرة الأولى التي يتعرض فيها (أبو عليجه) للخطف والسجن والتعذيب بسبب تطاوله على المسؤولين بمختلف المستويات ولكنهم لايتوقعون ما حدث هذه المرة...

امتنعت يارفيقي عن الأكل حزنا عليك بعد أن انتابني اليأس من عودتك، مكثت في الخربة أترقب عودتك حيث اعتادنا أنا وأنت أن ْ نؤوي اليها بعد جولاتنا في أزقة الحي، في اللية الرابعة من الفقد فوجئت بسيارة تقف قرب الخربة وترميك جثة هامدة، فقد كنت عاريا مبتور العضو الذكري واللسان،مشوه الوجه، مقطوع اليدين، طرز جسدك بعدد من الطلقات النارية والطعنات الهمجية، وكأنهم يرسلون رسالة الى أهل الحي بأن كل من يتطاول على فخامة الرئيس سيلقى نفس هذا المصير...

تشممتك وذرفن دموع الألم، وأخذت بالعواء المرالمفجع بأعلى صوتي، فأخذ الناس يتجمهرون في الخربة ليطلعوا على الفعل الشنيع الذي ارتكبته السلطة بحق أبو عليجه، بلغ بهم الأستياء الصامت منتهاه وقد ذرف البعض دموع الحزن والحسرة على المصير المأساوي لرجل جسور غيور حكيم وعالم فذ قد تجاوز كل خطوط الخوف في مقاومة ظلم وتعسف وقهر السلطة والمجتمع...

أصدرت مديرية الأمن العام بيانا الى المواطنين تحذرهم من كلب عدواني مسعور (أبيض اللون في جبهته غرة سوداء) مطلوب حيا أو ميتا على من يقتله أو يمسكه تسليمه الى مقر المديرية وله جائزة مجزية لتخليص الناس من شره وعدوانيته...

بعد ساعات من الأعلان وقف الناس بالطابور أمام مقر المديرية وكل منهم يحمل كلبا مقيدا أو مقتولا أملا في الحصول على الجائزة، وقد حصلت معارك دموية بعضهم بعض للفوز بالكلب المطلوب طمعا بالجائزة، شعرت المديرية بالحرج فأين ستذهب بهذه الكلاب وكيف لهم معرفة الكلب المطلوب ولمن ستعطى الجائزة، لم تتوقف طوابير الناس من رجال ونساء وأطفال وكل منهم يظن أنه من أتى بالكلب المطلوب أصبحت أمام الدائرة صومعة من الكلاب، فاضطروا الى وقف عملية البحث عن الكلب ولفقوا خبر القاء القبض عليه في أحدى حدائق المدينة وقتله شاكرين للمواطنين تعاونهم مع الجهات الأمنية...ثم حملوا الكلاب كلها الحي والميت منها في سيارة مكشوفة وجرى دفنهم في حفرة كبيرة خارج المدينة...

واراك الناس الثرى في مقبرة المدينة بصمت خوفا من عيون الجواسيس، رافقتهم الى مثواك الأخير، رابضا عند قبرك عاويا باكياً ملتاعاً.

بعد أن انتهى من سرد حكياته لرفيقه توارى حنفوش عن الأنظار، في صباح اليوم التالي وجد عمال القطار وبعضهم من سكنة حي التنك جثته مهروسة على سكة القطار...فقرر أحدهم دفنه الى جوار قبر رفيقه (أبو عليجه).

***

حميد الحريزي - العراق

 

ألف آهٍ...

يافلسطين الجريحةْ

يغمِدُ الأعداءُ في

رئتيكِ باروداً

ليختنق الوصول...

وتَنْدَلقْ

أصوات شارعنا

فَتَذْرُوهَا

رياح الإفكِ..والأعوانِ

في كل شريحةْ !

كي لا نُوَاجِهَ...

أونُجَابِهَ...

أو نُقَاوِمْ

ونظل حَمْقَى كـ(قمَّـةٍ)

فَقَدَتْ بكارتها...

بلاشَرَفٍ تقودُ إلى الولائمْ !

فنموتُ إما بحسْرةٍ..

أو بالفضيحةْ !

*

ألف آهٍ..

مرةٌ أخرى

وأخرى تُضْرِمُ (العربي)

إذا العربي مَدَّ رِجَالَهُ سيفاً

لِيَفْلَقَ هَامَةَ الكفرِ القبيحةْ !

*

ويَغسِلَ عارنا المُمْتَد...

يمحو قُبْحَ

ماخلَّفْ لنا الأُجَرَاءُ

من خُذْلانِ

في أوطاننا اللامُسْتريحةْ !

*

فانهض إذن ياصاح

ولْتَحْمِلْ (فلسطيناً)

وبسم الله:

فلتَظْرِبْ بموتٍ من حديدٍ...

أوبِحَرْفٍ من قريحةْ !

***

محمد ثابت السميعي - اليمن

نوفمبر 2023 م

كنا معا على جسر الخوف

يغزونا وهم الانهيار

حين نبتت بذرة البراءة في دواخلنا

سرنا حثيثا حثيثا نخيط جراح الوطن

تملكتنا رغبة الانتصار بعويل الصمت

جمعنا شتات الصراخ

وألقينا على فوهة المدفعية

أبناؤنا، قلاع الوطن

على صدورنا تميمة أجدادنا،

والأكف مخضبة بدماء الأرض،

صرخاتنا تدوي في العروق

تنسج مشاريع شهداء

بعد صحو، التفتنا، أراضينا خراب

ونعيق الغربان على الجثث الثاوية في العراء

صخب الريح يكفن موتانا

الأشجار اليابسة تصلح وقفتها بشموخ

على البيارق وَهْمُ الحياة

على البيارق كل الحياة.

*

كل هذا الخراب -

بشموخ، الأشجار العارية

كفنا للشهداء !

***

بقلم: صباح القصير - كاتبة من المغرب

في طريق ذهابي للعمل صباح يوم الخميس، فتحت اليوتيوب على أغاني التسعينات وبداية الألفية، وضعت السماعات ورفعت الصوت لأعلى شدة متجاهلة الألم المزمن في أذني منذ سنوات أجاهد النعاس إلى أن أصل بعد 45 دقيقة ..

أعادتني تلك الأغاني إلى فترة المراهقة وماقبلها بقليل. وكالكثير غيري تلك المرحلة هي الأكثر ظلامية على قلبي.

كانت ذاكرتي حاضره مع كل أغنية وبتفاصيل شديدة الدقة. ماذا كنت أرتدي قبل 23 عام برفقة صديقاتي في الشاليهات، ملابسهن، ضحكاتهن، المحادثات التي تدور بيننا والتي معظمها يدور حول تعليقات على شكلي، ملابسي، طباعي الغريبة، مزاجي الحاد والذي كثيراً ما كان سبباً في تنمر الجميع تلك الفترة، لم يتقبله أحد ولم أشعر مطلقاً أن ثمة من يتقبلني كما أنا دون محاولة نصحي أو تغييري أو مقارنتي بفلانه الفرفوشه، وفلانه المؤدبة اللبقة في التعامل .. وفلانة الدلوعة.

لم يجمعني بالبنات حديث ولا إهتمام ولا هواية جميع أحاديثهن عن علاقاتهن الغرامية وعدد الشباب الذين عرفن وحكايات كنت أراها مبتذله، مبالغه وتحمل الكثير من التناقض ..

لم أكن متصله عاطفياً بأي شيء ولا بأي شخص وكأني أسير بشكل مستمر فوق فوهة لشيء ما غامضاً ومظلماً يسحبني إلى اللامكان. يبتلعني بداخله كلما حاول أحدهم أن يكسب المجلس على حساب التنمر علي مازلت أجهل للآن لماذا قد كانوا يفعلون ذلك، لماذا كنت مثار للتنمر والتعنيف والإستهزاء؟، لماذا لم يفكر أي أحد بإيقافهم؟ لماذا لم أوقفهم بدوري؟ بل مما يزيد الأمر سوءاً هو أنني لا أبكي مطلقاً كل ماكنت أفعله هو الإنفجار بنوبة غضب عنيفه دائما ما تنتهي إما بالتوبيخ أو بخسارة علاقة ما بحياتي ..

على خلاف البنات حولي فكل ما كان يجذبني كذلك مختلف..عشقت صيد السمك أمضي ساعات قد تطول إلى ست أو ثمان ساعات أمارس هوايتي لكني لم أقوى قط على نزع الصنارة إذا ابتلعتها سمكة والتي تتطلب سحبها بقوة لنزع أحشاء السمكة من الداخل، لم أحتمل فكرة تعذيب كائن حي بهذه الطريقة فأنتظر حتى تتوقف تماما عن الحركة لأجنبها كل ذلك الألم..

هذه الحساسية النفسية كانت مثار للسخرية خاصة من أخي الأكبر وقد طلب مني بالفعل التوقف عن الصيد اذا كنت غير قادره على تحرير سمكة واحدة على الأقل لكني لم أفعل..كنت أفضل دائما الصيد في الليل بعدما يهدأ الموج ويرحل عفاريت الدبابات البحرية حيث أن النهار مضطرب مفعم بكل ما يجبرني والأسماك للهروب إلى الأعماق.

في إحدى المرات قررت الصيد في النهار وفي وقت الذروة، كان الجميع يراقب توترت كثيراً وفجأة، اصطدت سمكة كبيرة فضية اللون من نوع " سلطان إبراهيم"

كان إنعكاس ضوء الشمس على قشورها ساطع وكأنها مرآة وكفيل بأن يجذب أنظار الناس إلي لأن الصيد في مثل تلك الظروف نادراً أن ينجح.. أثناء سحبها على السطح علقت بين صخرتين، ومن جديد لم أمتلك من القسوة مايكفي لإنتزاعها من بين الصخور فبكيت بشدة والجميع يسخر.

أتى شاب سألني عن سبب بكائي فأخبرته ضحك ومسح دمعتي بإبهامه.

تسمرت في مكاني أنظر كالمسحورة، هذه المرة الأولى التي يكترث أحدهم لأمري أو هي بالأصح المرة الأولى التي أسمح بها لأي إنسان أن يعاملني برقة..

وبدون تفكير قفز إلى البحر وحرر السمكة من بين الصخور ثم إبتسم لي وإلتفت إلى الجهه الأخرى وأكمل سباحة إلى منطقة الدبابات البحرية أخذ دبابه وانطلق في جوله إستعراضية أمام البنات، وقفت في أهدأ ركن في المكان أراقبه حتى إختفى من ناظري وتماهى في أقصى مدى هناك تلتحم السماء والبحر..كخيال كحلم قادم من بعيد .. شيئاً ما غير حقيقي.

لم يكن يشغل بالي فقط بل يعصف بكل تفكيري ومشاعري، ولأنه كان يكبرني ب بأربعة عشر عاماً لم يراني أكثر من مجرد مراهقة غريبة الأطوار وأن شيئا ما لعله الشفقه فقط تدفعه لمساعدتها ..

فترة العصر وماقبل المغرب كنت أرافق أخواتي لمشاهدة الدبابات البحرية لم تكن مشاهدة الدبابات البحرية إلا ذريعة فقط حيث أن الجسر ذاك كان بقعةً يجتمع فيها العشاق لتبادل الأغاني والغزل والنظرات حيث كان حباً ينتشر في الأجواء تمنيت يوماً أن يكون لي منه نصيب.

رأيته ينظر إلى فتاة، وقفت لأسلم عليه لكن عينيه وقلبه وكل كيانه كان يرقبها أينما ذهبت..

لم ينتبه لي ولم يراني أمامه..

شعرت حينها أن هناك شيئاً مايربطنا .. شيئاً ما يعذبنا معاً، هو: مكلوم بحب فتاة لشدة جمالها وغرورها لم تراه..

و أنا: مشغولة به معها كيف يراقب دخولها وخروجها، إرتباكه في حضورها تسارع نبضه اذا طرفته بعينها..

تعلقت بحبه لها وتمنيت أن ينجح، أن يمتلك الشجاعة أخيراً ويعترف لها دون أن تخار قواه العاطفية كلما رآها، حبه لها كان نقياً صادقاً للحد الذي منعه من إنكشافه..

وبعد مرور عدة أشهر خرجت في يوم ممسكة بيد شاب آخر شعرت بالغيرة تعصر قلبي ودمعت لأجله دون أن يدري أن هناك ظلاً ما يتبعه وقلبا هلامياً متصلاً بروحه يمتص الألم معه.

كنت أستيقظ في نفس التوقيت كل يوم الساعه الحادية عشر صباحاً بغض النظر عن عدد الساعات التي نمتها في الليلة الفائتة وأبقى في سريري إلى مابعد الثانية ظهراً منتظرة أن تصحو أخواتي غارقة في أحلام اليقظة لم تفارقني..

هناك حيث يمكنني البكاء، أن أرد على إهانة، أن أقول ما أريد، أن أعترف له بحبي، أحلم بأن أصبح شخصا آخر غير ما أنا عليه، أن أصبح بجمال رهام، وبلطافة ليال، أن تكون لدي صديقه حقيقية أو أن يغرم بي أحدهم، أن أنتقم من هذه وأتشاجر مع تلك أن أرتدي فستان رأيته في السوق.. كان حب ذلك الشاب ما منحني الأمل والألم معاً وصورته المنطبعة في ذهني بعد ليلة قضيتها بالبكاء مثل مطر روى صحرائي..

كنت دائماً أخشى، أحلم وأنتظر ..ولا أعلم أنتظر ماذا .. أنتظر أن تتغير ظروفي أن تتغير صديقاتي أن تتغير أطباعي أن يتغير من حولي كأن يصبحون لاسمح الله أكثر لطفاً مثلاً

أخشى أن أصحو لأبدأ يوماً جديداً حافلاً بالتنمر، المضاربات، الحقد والكثير من البكاء.

قضيت مراهقتي أحلم بشيء ما يحدث..

وها أنا الآن أحلم بشيء ما …أن يعود.

***

لمى ابوالنجا - كاتبة وأديبة من السعودية

 

كانت الأرغفة الساخنة تلفع راحتيها الصغيرتين وهي عائدة من مخبز الحي، حاولت أن تُنقِّل الأرغفة من يدٍ إلى أخرى، لعلّها تحظى بفترةٍ قليلة من الراحة، ولكن بلا جدوى فالبخار الحار المتصاعد من الخبز الساخن يحرق راحتيها، وعندما يئست هداها تفكيرها إلى أن تخلع معطفها، وأن تحمل الأرغفة فوقه، فحلت المشكلة، ولكنَّ البرد بدأ يتسلل إلى جسدها الغضِّ رويداً رويداً.

نظرت إلى القروش القليلة التي تبقت بعد أن دفعت ثمن الخبز، ثم دخلت إلى دكان الحي، ونقدته تلك القروش، وهمست: أريد لوحاً من الطباشير، أعطاها ما طلبت، فمضت إلى الجدار المقابل، رسمت عليه شكل رجل وكتبت بجانبه بابا، ثم بدأت تكتب حرف الألف ثم تتالت الحروف" انّي اخترتك".

سمعت أصوات طلقاتٍ في الجوار، ولكنَّها ومنذ زمنٍ بعيدٍ لم تعد تكترث لتلك الأصوات، فبعد خمس سنوات من الحرب اعتادت أزيز الرصاص، واستنشقت رائحة البارود، وحتى ملامح الموت خَبِرَتْها عندما سقط أبيها قتيلاً قبل ثلاث سنوات، وحينها نظرت إلى عينينه الجامدتين، وأدركت أنَّ الموت ما هو سوى اختيارٌ للصمت فحسب.

سمعت جلبةً خلفها كان بعض الجنود في حالةٍ هستيريةٍ قال أحدهم لزميله: اِحذر إنَّهُ هناك مختبئ ٌخلف النافذة انتبه، ثم مرَّت رصاصة بينهما فانبطحا تحت السَّاتر الترابي.

تابعت فرح الكتابة "يا وطن" وكانت تهمُّ باستكمال الجملة بحرف الياء، لأنها تعرف أنَّ الحكاية تبدأ دوماً من الألف وتنتهي حتماً بحرف الياء، وبين الألف والياء تموت كلّ الأشياء وبينهما تحيا.

تعالى صوت الرصاصة التي سمعتها وهي تخترق ظهرها وتطيح بقطعة الطباشير من بين أصابعها الصغيرة، خَرَّت على ركبتيها، كانت تتألمُ بشدةٍ، ولكنَّها أرادت رسم الحرف الأخيرالمتبقي، حاولت أن تزحف نحو قطعة الطباشير لتجلبها فلم تتمكن من ذلك، كانت قطراتٌ غزيرةٌ قد أخذت تتجمَّع على الرصيف، غمست سبابتها في إحدى قطرات الدَّم، وكتبت حرف الياء، ثم تكوَّمت بلا حراكٍ فوق الرصيف.

تحررت أرغفة الخبز من معطفها وهي تهوي أرضاً، وتَعَمَّدتْ بلونِ الدَّم القاني وأخذت تُدفئُ جسدَها البارد مرةً أُخرى.

***

جورج عازار - ستوكهولم- السويد

وِلادةُ العَـزْمِ ، تِــبْـرُ الأصل يَرْفِدُها

صَـوْبَ الـتألـقِ ، والعَـلـياءُ مسعاهـا

*

لـكـــلِ قــافــيـةٍ عَــزْفٌ، وتَــقْــنِـيـةٌ

وفي انـتـقاء المعاني يَـحلو مَغْـزاهـا

*

أجـواؤها إنْ حَواها الصِدقُ عامـرةٌ

وعَـذْبُ رافِـدهـا، يـروي مُـحَـيّـاهـا

*

والرأيُ إنْ جَـعَـلَ الإنصافَ غايـتَـه

تسْـمـو بـه الحالُ، مَـبْـناها ومَعناهـا

*

إذا النصوصُ تسامَتْ في بلاغـتِها

بـفضلِ مَـوْهـبةٍ قــد لامَسَـتْ فـاها

*

يـزهو النشيدُ بها فخرا بما وُهِـبَـتْ

زهْــوَ الـقلوبِ بحُـبٍ قـد تَـمَـنّـاهــا

*

مَلامِـحُ الـجِـدِّ، فـي انـسامهـا عَـبَـقٌ

وفـي الـتكلف تـبدي النفسُ شكواهـا

*

قالوا : وثـقْـتَ بأوصافٍ فـبُحتَ بهـا

فــقـلتُ : قـلبي قـبل العـيـن أفْـتـاهـا

*

لـمّا رأى، أنّ فـي مضمونها قـبَـسـا

مــن الحـقـيـقـة قــد أغْـنى مُـؤَدّاهـا

*

صَـوْتُ الـبـلاغةِ كي يعلو، يُـعـزِّزه

نَـقـاءُ نَــفْـسٍ، زهـا بالطِيب فحْواهـا

*

الطـبْـعُ ليس جَـمالُ العـينِ يـَكـشِـفُـه

كم مُـقْـلةٍ قــد تـمَـنّـتْ غـيرَ سُـكْناها

*

نَـهْـجُ الثـقـافـة يُـعطي نُـورَ أحـرُفِـه

للـنـفـس بُـغـيـةَ تَـهْـذيـبٍ لِمَـسْـراهـا

*

فإنْ تَــزامَـنَـت الأخـلاقُ تعـلـو بهـا

مَراتِبُ العِـزّ صَوْبَ الأفق مَـرْقاهـا

*

تـبـقى المواهبُ تمضي فـي توجهها

صَوْبَ العطاء ، لأن العَـزْمَ يهـواهـا

***

(من البسيط)

شعر عدنان عبد النبي البلداوي

عند باب المجمع التجاري أراهما يقتربان مني، تفلت ابنتهما يدها من يد والدها، تجري نحوي، أتلقفها مثل طائر حبيب، أحتضنها كم أنا أحبها، الصغيرة كبرت، احتضنها بين يدي أقترب منها، يتوجه إلي والدها، أبي ادخل معنا إلى المجمّع، يشير إليها في حضني إنها تحبك، منذ فترة لم تزرنا، لهذا هي تسأل عنك دائمًا، تريد أن تراك، ادخل معنا ريثما تشبع منك فيما بعد تنصرف، أقول لابني أنا مشغول يا ولدي، لدي الكثير من الكتابات التي تنتظر، سأعود إلى معتزلي، هناك أنا يجب أن أكون، سأزوركم فيما بعد، أما الآن لا استطيع، القصة لا تنتظر وعلي أن اكتبها قبل أن تطير شوختها من راسي.

تداعب الصغيرة في حضني شاربي، جدّي أنا أحبّك، أريد أن آتي معك، الصغيرة الشقية تحلّ المشكلة، لكن إلى أين تأتي معي؟ أنا في معتزلي هناك، حيث الغرفة الموحشة، الكلمات المهوّمة في الفضاء، الجنون الهارب، الفضاء الموحش اللامتناهي، ماذا أفعل، يقرأ ابني الحيرة في عينيّ، أبي خذها مشوارًا قصيرًا، وأعدها بعده، هي ستملّ بسرعة، لكن كيف أعيدها يا ولدي؟ يشير ابني إلى فتحة في سياج ضـُرب حول المجمّع حتى لا يتمكن أحد من الهرب، في حال وجود ” غرض مشكوك في أمره” أو عملية تفجيرية، من هذه الفُتحة يمكنك إدخالها والدخول معها أيضًا.

يبتسم ابني وزوجته، يمضيان، تتعلّق الصغيرة برقبتي، أين أنت يا جدي؟ اشتقت إليك، أبتسم لها، أنا هنا، أفكر في أن أشرح لها عن معتزلي، أن أقول لها إن جدّك بات شيخًا كبيرًا، يجري وراء أحلامه في الكتابة، أتراجع في اللحظة الأخيرة، تلحّ الصغيرة طالبة إجابة، لا أجد أمامي من مفرّ سوى أن أقدّم لها ما أرادت، سأكتب قصة لك. تبتسم الصغيرة، تكتب قصة لي، اروها لي.. اروها الآن، أحب أن استمع إلى القصص، لا أحبّ القصص التي يحكيها لي أبي وأمي، هم يرددونها دائمًا، أريد أن استمع إلى قصة جديدة منك. أبي قال لي إنك تكتب القصص، إحك لي قصة.

أرسل نظرة إليها، كم أحب هذه الشقيّة الصغيرة، تركتها قبل فترة وانصرفت إلى معتزلي، وها أنذا أعود بعد فترة لتملأ عالمي بالكلام، لم أكن أتصور أن يفلت لسانها بكلّ هذا الكلام بهذه السرعة، والدها، ابني، لم ينطق بكلمة إلا بعد أن بات أكبر منها الآن بسنة أو سنتين، ما زلت أتذكر كيف نطق بكلمته الأولى، كان ذلك حين وضعت فمي على أذنه وهمست فيها قائلًا، كم أحبك، فما كان منه إلا أن احتضنني، وأنا أحبّك يا أبي، من يومها زال حاجز الخجل وانطلق لسانه يقول أحلى الكلام، أما هذه الشقيّة ابنته الصغيرة، فها هي تطلب مني أن أحكي لها قصة، لا خوف ولا وجل، ما أفتح هذا الجيل.

أنطلق مبتعدًا عن المجمّع التجاري، تسألني الصغيرة في حضني، إلى أين أنا متوجّه؟ تمسك بياقتي، أريد أن أعود، أريد أمي وأبي. أفهم أن المشهد انتهى، الآن لا بدّ لي من أن أعيدها.

أبواب المجمّع مغلقة، تصدّني عنها، يعترضني حارس، أنت لا تستطيع أن تدخل، أسأله ماذا حصل، يرسل نظرة حاقدة نحوي، اقرأ فيها كلامًا أسود، أشعر به يقول لي تفعلون فعلتكم وتتساءلون؟.

أنزل الصغيرة على الأرض، لعلّه يراها، نحن أيضًا يوجد لدينا صغار، نخشى عليهم من نسمة الهواء، يبرم بوزه أكثر، يبدو أنه لم يفهم الرسالة.

أبتعد عنه، أنظر إلى عدد من الرجال يحملون صغارهم في أحضانهم، ربّما كانوا مثلي، أتذكر الفتحة التي تحدث عنها ابني، الفتحة في السياج، أرفع الصغيرة، أدلّيها بصعوبة منها، ما إن تلامس قدما الصغيرة الأرض حتى تطير منطلقة إلى الداخل كأنما هي فهمت الرسالة، بدون أن تركض قد لا تدخل وقد لا ترى والديها، ما إن أحاول أن ادخل وراءها، حتى يقترب منّي مجنّد وقف هناك رافعًا سلاحه، عُدّ وإلا.. أفهم الرسالة، بسرعة أفهمها، لست بحاجة إلى تكراره لها، نحن نفهم عليهم بسرعة، أما هم لا يفهمون علينا، سبعون عامًا ونيّفًا مضت ونحن نحاول أن نوصل إليهم الرسالة، وهم لا يسمعون، أما هم لا يحتاجون إلا إلى نظرة تقطر سُمًّا، حتى نفهم عليهم، نفهم رسالتهم الملأى دمًا وحقدًا.

أرتدُّ إلى الوراء، حالة من العجز تستولي علي، ما الذي حصل، أشعر بحاجة، إلى فهم ما حصل، أركن راسي إلى جدار قريب من هناك من المجمّع، أحاول أن استعيد ما حصل، شريط سينمائي ذو صور متلاحقة يمر من قُبالة عيني، أتوصّل في النهاية إلى النتيجة المُرعبة، ما أدراني أن ابني وزوجته في الداخل؟ ومِن أين لي أن أعرف أن الصغيرة وصلت إليهما؟ ألا يمكن أن تتوه هناك وأن يأتي مَن يقضي على الابتسامة الجميلة الحالمة برواية القصص الجديدة؟ ما أتعسني إذا حصل هذا، أشعر بنشاف في فمي، هل نحن على أبواب فترة قاسية جديدة؟ هل أنا أعيش الآن لحظة ستُضحي فاصلة في تاريخي الشخصي؟ هل سأؤرخ بها لنفسي قائلًا قبل حادثة المجمّع وبعدها؟

حالة من الخدر تجتاح أطرافي، ابني في خطر .. زوجته في خطر ..محبوبتي الصغيرة التي كبرت.. في خطر، أية لحظة هذه؟ ولماذا قُيّض لي أن أعيش في هذه البلاد المنكوبة بالسُخط، لماذا لم أولد في بلاد أخرى بعيدة تتقافز الطيور على أفنانها، وتطلق أغاريدها؟ لماذا ولدت هنا في هذه البلاد، حيث تصمت اللحظات، وتتوقّف الطيور عن التغريد، وتكفهرّ السماء؟ وماذا سأقول لابني ولزوجته، إذا ما خرجا، الآن بعد ساعة أو ساعتين، بعد يوم أو يومين ثلاثة؟ بل ماذا سأقول لنفسي؟ سأقول إنني كنت غبيًا وتصرفت برعونة كاتب يريد أن يكتب قصة؟ ما أتفه ما سأقوله، أمام دمعة والد ووالدة وجد ما زال يحلم بان يصبح كاتبًا يشار إليه بالبنان.

أسترخي.. أسترخي .. أسترخي، حالة من الاسترخاء تستولي علي، أهي لحظة النهاية تقترب؟ ربّما، آه لو لم أمرّ مِن هنا من قرب هذا المجمّع اللعين، آه لو بقيت هناك في معتزلي البدويّ المشرّد، بعيدًا عن هذا المُعترك المدنيّ المتأورب.

اللحظات تمرّ ثقيلة عسيرة. تمر كأنما هي لا تُريد أن تمرّ وأنا وحيد أمام كتل الاسمنت والبطون، لا أرى إلا حزني الصحراوي يطلّ على هناك ترافقه أرض رملية لا حدود لتعاستها، كم أود لو أن اللحظة ما كانت، لو أنني بقيت هناك في عالمي الموحش أركض وراء قصة هاربة أكتبها، الآن اكتملت دائرة الألم، الآن أشعر أنني بتّ نخلة وحيدة في صحراء العرب.

ماذا بإمكاني أن أفعل والمُجمّع مُغلق وعلى أبوابه جنود لا تعرف نظـّاراتـُهم الرحمة؟ ماذا بإمكاني وأنا أواجه لحظةً مصيريةً قد أفقد فيها سُعُفي وشمسي؟ مستقبلي وأيامي القادمات؟ أترك الأمور تجري كما هي وكما يشاء لها الجنود والحرّاس؟ نعم لأتركها، ثم من أنا الآن في هذه اللحظة خاصة، حتى أملي إرادتي على كلّ هذا الفضاء، بجنوده المدجّجين بالسلاح وحراسه؟ لاستسلم إلى اللحظة ولأدع الوقت يقدّم الإجابة، أنا لا أستطيع أن أقدّم أية إجابة، ما كتبته مِن قصص خـُلـّب ٍ الآن، لن ينفعني إلا في أمر واحد، هو كيف أتعامل مع لحظة قاسية .. لا تقلّ فيها فظاظة نظرة الجندي عن قُدرة عن التوماهوك.

نعم لأرخي راسي إلى كتلة اسمنت أخرى، ما إن أفعل ما إن أرخي راسي، حتى تطلّ صورة صغيرتي، من سمائي.. جدّي؟ لماذا تركتني وحيدة هنا بين أعداء لا يرحمون؟ أإلى هذا الحدّ أغرتك القصة فجريت وراءها. تهمي من عيني دمعة، لا أعرف ماذا يمكنني أن أقول لها. لا أعرف سوى أن أنتظر فمن يعرف فقد يأتيني غدًا بالأخبار من لم أزود.

أغمض عينيّ.. لا أريد أن أرى هكذا عالمًا.. ليعش هذا العالم جحيمَه، وليدع لي فُسحة من الحلم.. أفتح عينيّ.. لا أرى سوى الجنود والحرّاس.. أحاول أن أهتف بهم.. أن أقول لهم دعوني أدخل إلى المُجمّع.. دعوني أكون مع أحبائي هناك، إلا أن لساني يخونني.. أغمض عيني.. افتحهما .. كم هو مُرعب هذا المكان.

***

قصة: ناجي ظاهر

.........................

*من مجموعتي القصصية " بلاد الرعب".

لَبَّيْكِ غَزَّةُ جَاوَبَتْ أَعْمَاقِي

بَعْدَ اكْتِمَالِ بِشَارَةِ الْإِشْرَاقِ

*

لَبَّيْكِ غَزَّةُ قُلْتُهَا بِطَبِيعَتِي

أَنَا مُسْلِمٌ نَصْرُ الْكِرَامِ خَلَاقِي

*

وَكَتَائِبُ الْقَسَّامِ لَبَّتْ فِطْرَتِي

طُوفَانُ أَقْصَانَا الْحَبِيبُ الْبَاقِي

*

لَبَّيْكِ غَزَّةُ وَالطُّفُولَةُ دُمِّرَتْ

مِنْ سُفْهِ أَحْمَقَ مُعْدَمِ الْأَخْلَاقِ

*

قَدْ فَجَّرَ الْفُسْفُورَ فَوْقَ دِيَارِنَا

هَذَا السِّلَاحُ مُحَرَّمُ الْإِطْلَاقِ

*

لَكِنَّ إِسْرَائِيلَ فِي عُدْوَانِهَا

قَدْ طُبِّعَتْ بِالْغَدْرِ وَالْإِحْرَاقِ

*

وَالْمُجْرِمُونَ يُسَاعِدُونَ وَلَيْتَهُمْ

قَدْ أَوْقَفُوا طَيَّارَةَ الْإِخْفَاقِ

*

عَارٌ عَلَيْهِمْ يَدَّعُونَ حَضَارَةً

لَكِنَّهُمْ بِغَيَاهِبِ الْإِمْلَاقِ

***

بقلمي أ د / محسن عبد المعطي

شاعر وناقد وروائي مصري

يحاول المرء أن يخفي بداخلِهِ

و يظهر الوجه ما يعيي بكاهلِهِ

*

فلا الزهور إذا ضيمت و إن محلت

تزهو على القيظ في مرأى خمائله

*

و لا السماء إذا ليلٌ يداهمها

تضيء لو غاب ما يسني بآفله

*

كذلك المرء في الأحوال أحسبه

رهنَ الفصول إذا دارت بحائلهِ

*

فكن كما السيف .. لا يأبه بجوهرهِ

إذا أتى الضرب ممشوقاً بحامله

*

وكن كما النحل لم يعبأ بما حملت

أزاهرُ الروض من شوكٍ لعامله

*

وكن على الضيم والويلات منتصباً

نسراً على الطود لا بوماً بخامله

*

إذا ترى الناس قد راقت مسالكهم

أن يألفوا القرف مقبولاً بسابله

*

وإن ترى الغير فيما غير تعرفه

لا تمشِ في الوعر أو تزلق بمائلهِ

*

اسلك هوى ﷲ.. حسب ﷲ من سبلٍ

تهدي إلى الحق في أسمى فضائله

*

واحفر على الصخر بالإصرار ملحمةً

تخلد مدى الدهر في تاريخ قائله

***

رعد الدخيلي

اجدها دائمة القلق متذمرة، تقول كلمات لا افهمها:

- ضاع مفتاح البيت واخذت ابحث عنه في كل مكان حتى وجدت صندوقا فيه مفاتيح كثيرة، ورأيت فيها مفتاحا يشبه الذي اضعته، فكرت ان اجربه، ففتح الباب، ماذا كنت سأفعل ان بقي باب البيت مغلقا؟

- جميل جدا، وجدت اخيرا المفتاح الذي فقدته؟

- كنت قلقة وحزينة ولا ادري ماذا يمكنني ان افعل؟ لقد فقد مني مفتاح باب غرفتي التي احرص على اقفالها دائما، كيف كنت سأنام ان لم استطع العثور على مفتاح الغرفة؟ وانا لا استطيع الخروج في الليل البهيم، فوجدت حافظة اوراق كنت اظن انني لا اريدها، ففتحتها وعثرت على عدد من المفاتيح، قلت لنفسي يجب ان اجربها علني اعثر على مفتاح باب غرفتي، فقمت بتجربة المفتاح وفوجئت ان الباب انفتح اخيرا واستطعت ان اجد نفسي في النوم براحة ...

- ممتاز . عثرت اخيرا على بغيتك ..

- زارتني صديقتي المقربة، ارادت كتابا معينا من مكتبتي، فتحت حقيبتي اليدوية لم اجد المفتاح المطلوب، بحثت في كل الحقاب التي كنت اظن انني لا احتاجها، وجدت حقيبة صغيرة تركتها جانبا لأنني لا احتاجها وفيها عدد من الاشياء التي لم اعد بحاجة اليها، وكل يوم افكر انه يجب علي ان ارمي حقائبي اليدوية لأنني لم استعملها منذ فترة طوية، لكني كنت اؤجل هذه المهمة الصعبة الى يوم آخر، تناولت الحقيبة التي تهرأ جلدها واستبعدت ان يكون المفاتح فيها ـ ويا لفرحتي كان مفتاح المكتبة ساكنا فيها، لا ادري لماذا اختفى المفتاح داخل الحقيبة المتروكة؟ تناولت المفتاح واعطيت صديقتي الكتاب الذي كانت تريد ان تقوم بقراءته ..

- حسن جدا، نجحت في العثور على ضالتك وهكذا هي الحياة لا شيء فيها سهل الحصول عليه ..

- تعرفين انني اقفل كل الابواب في بيتي، انا حرة في ذلك، بعضهم ينتقدني لماذا اقوم بإقفال جميع الابواب وانا اعيش وحدي؟ ما شانهم هم؟ لماذا يثير عملي هذا استياءهم، كان باب المطبخ مقفلا، رغبت بشرب فنجان من القهوة، فالقهوة هي الشيء الوحيد الذي اقوم انا بأعداده ..

- وبقية الاصناف؟ نحن النساء نقوم بالطبخ واعداد الشاي والقهوة وعصير الليمون وشاي الدارسين وحتى البابونج بأنفسنا وكل الوان الطعام ..

- انا عندي من يقوم بهذه المهمة، كنت امس راغبة في شرب فنجان من القهوة، كنت اظن ان المفتاح في باب المطبخ وحين ذهبت لا فتح المطبخ لم اجد المفتاح، فأخذت ابحث واشتدت رغبتي في شرب فنجان القهوة، وقررت ان ابحث، اين ذهب المفتاح وليس معي احد؟

- لا يمكن ان يكون احد زوارك قد قام بالسرقة، ماذا يسرق؟ ماء او خبزا او قطعة جبن؟

- في البداية ظننت ان احدهم سرق المفتاح، ولكن بعد تفكير تبين لي انه من غير المعقول ان يقوم احد الزائرين لي بالسرقة وكلهم من علية القوم ..

- وهل وحدت المفتاح اخيرا؟

- بحثت في سنادين الورود وتعلمين انها كثيرة فانا اعشق باقات الورود بكل انواعها، فعثرت على المفتاح في احداها .

- وهل اعددت اخيرا فنجان القهوة؟

- لا ادري ..

- وهل ضاع منك مفتاح آخر؟

- غرفة الضيوف فقدت مفتاحها وزارتني قبل ساعتين احدى جاراتي، اين تجلس هذه الجارة؟ توجهنا الى غرفة الضيوف وكان الباب مغلقا، فدعوت جارتي كي تجلس في غرفة الجلوس، التي اقرا فيها عادة، وكانت اعداد الجرائد والصحف والمجلات موجودة هناك، اخذت احدى الصحف وناولتها للجارة لأريها الاخبار التي تزعجنا دائما، فسقط المفتاح من بين طيات الجرائد؟

- وهل كل المفاتيح فقدتها؟

- اي مفتاح؟ لم اذكر انا لفظة مفتاح !

***

صبيحة شبر

23 تشرين الثاني 2022

"الى روح نوس زوجتي في ذكرى رحيلها الفاجع"

كنتِ تملأينَ الارضَ

بانوثتِكِ الطاغيةِ حدِّ العنفوانِ

والغوايةِ والسحرِ والرغباتْ

وبجمالكِ الفاتنِ الذي كانَ يُقلقُ

النساءَ والغزلانَ والقمرَ

الذي يبدو خائفاً على هالتهِ

أَمامَ فتنتِكِ البابلية

*

وكنتِ تغمرينَ المدائنَ بإبتساماتكِ العسليةِ

وجنوناتِكِ المرِحَةِ

وعذوبتِكِ الوهّاجةِ

ولطفِكِ الذي تغارُ منهُ الصبايا

والمرايا وطيورُ الحبِّ

والعنادلُ ويماماتُ النهارِ

*

وكنتِ نجمةَ المسارحِ

وخاصةً مسرحَ "معهد الفنون الجميلة"

حيث ادوارُكِ المدهشةُ في "طيرِ السعد"

و"قضية الشهيد رقم ألف"

و"مضيِّفَة النزلاء" و"أُم الخير"

وكذلكَ مسرحياتُكِ وبطولاتُكِ

التي لا تُعَدُّ ولا تُنسى

أليْسَ كذلكَ " يا قاسم محمد؟

ويا رافدة إبراهيم ويا طارق هاشم

ويا صبرية عايد ويا كريم جثير وياسعاد جواد

ويا مناضل داوود ويا محمد سيف

ويا نداء صادق ويا احمد خليل"؟

وأَلَيْسَ كذلكَ يا أَيامَ الشَغَفِ والغرامِ

والأُغنياتِ والحلمِ الجميلْ؟

*

وكنتِ تُضيئينَ البيتَ

وأَعْني: بيتَنا البابليَّ الشاسعَ

تُضيئنَهُ بدفئكِ وترانيمكِ

وأُمومَتِكِ الحانيةْ

وقطوفكِ الدانيةْ

حيثُ تحضنيننا أَنا

و"ايلاف واوراس ومصطوف"

بلا كَلَلٍ ولاضجرٍ

ولا تعَبٍ من الدوامِ المدرسي

وتربيةِ الأطفالِ الشاقةُ

والمشاغلِ البيتيةُ

وقهرِ الحروبِ

والحصارِ الاسود

*

وكنتِ وكنتِ وكنتِ

ولكنّكِ واآسفي عليكِ

في غربةِ المنفى الحزينِ

قد مَرضتِ وذبلتِ

ثُمَّ "يا بَعْد روحيتي" مُتِّ

*

أهذا كلُّ مايبقى من الجمالِ؟

أهذا كلُّ ما يبقى من الأنوثة؟

أهذا كلُّ ما يبقى من الأحلامْ؟

أهكذا ترحلينَ يا "إنعامْ"؟

*

أَنا بالأَمسِ ...

وتحتَ نثيثِ المطرِ "الكندي"

وفي ذكرى رحيلِكِ الفاجعِ

كُنتُ قدْ زرتُكِ مضطرباً ومرتبكاً

وحينما دنوتُ من قبرِكِ

الذي هو الآن بيتُكِ الدافئُ الحنونْ

إحتضنتُهُ كما لو أَنني أَحضنُكِ

في ليالي العشقِ والتوقِ والجنونْ

ولحظتَها سمعتُكِ،

نعمْ سمعتُكِ يا "نوسُ"

أَخذتِ تهمسينَ لي

بتلكَ الأُغنيةِ التي كتبتُها لكِ

عندما كانتِ البلادُ والعبادُ

تنزفُ في حربٍ فاتكةٍ

وموتٍ مسعورٍ وطاغيةٍ أَحمقْ

ورحتِ أَنتِ تُدندنينَ بصوتكِ الشجي

شيئاً من كلماتِ أُغنيتنا القديمةِ:

" ياطائرَ الأقدارْ

خُذْني الى نوسي

أَطفالُنا والدارْ

كنزي وفردوسي"

ثُمَّ إختفى صوتُكِ الرهيف

ولكنَّ ضوءَ وجهِكِ البهيِّ

قَدْ لاحَ لي من خللِ الغيبِ

أَو من غيْهَبِ الغروبْ

فأَضاءَ مقبرةَ الغرباءِ

و " اوتاوا " الكئيبةْ

و" كندا " الباردةْ

وأَضاءَ ظلامَ العالمْ

***

سعد جاسم

13 - 10 -2023

...................

اشارات:

* كل الاسماء الموجودة في القصيدة هي للسيدة " إنعام حمزة - نوس" زوجة الشاعر وابنائهما ولصديقات وأصدقاء الفقيدة .

** أوتاوا: العاصمة الكندية 

يَا زَهْرَتِي

طُوبَى لَكِ

يَا قِبْلَةَ الْحُبِّ الْجَمِيلْ

وَنَهَارَ لَيْلِي

مُنْذُ ابْتِدَاءِ الْحُبِّ

كُنْتِ حَبِيبَتِي

كَانَتْ حَكَايَا حُبِّنَا

أَحْلَى الْحِكَايَاتِ الَّتِي قِيلَتْ

مَاذَا أَقُولُ وَقَدْ طَوَيْنَا صَفْحَةً بَيْضَاءَ فِي فَصْلِ الْخَرِيفْ؟!!!

وَتَرَفَّقَ الْمَوْلَى بِنَا

وَأَمَدَّنَا

بِالشَّمْسِ تُعْطِينَا شُعَاعَ الْحُبِّ

وَتُنِيرُ كُلَّ دُرُوبِنَا

وَتُسَجِّلُ الْأَحْلَامَ يَا زَهْرَةْ

يَا زَهْرَةَ السَّوْسَنْ

وَالْحُلْمُ صَارَ حَقِيقةً وَرَبِيعُ أَيَّامِي يَعُودُ مَعَ الصَّبَاحْ

مُدِّي لَهُ كُلَّ الْأَيَادِي كَيْ يَعُودَ مَعَ انْطِلَاقِهْ

نَادِي عَلَيْهِ

وَعَانِقِيهِ

وَبَارِكِي خَطْواً شُجَاعاً

فِي سَبِيلِ الْحُبِّ يَا زَهْرَةْ

لَا تَتْرُكِي أَحَداً

يَعُوقُ الْحُبَّ فِي إِحْدَى اللَّيَالِي

يَا زَهْرَتِي

أَنْتِ ابْتِسَامَةُ حُبِّي

أَنْتِ الْمَلَاكُ

وَأَنْتِ كُلُّ حَيَاتِي

نَحْنُ الْحَيَاةْ

هَيَّا نَعِيشْ

يَا زَهْرَتِي

هَيَّا أَضِيئِي لِلْحَيَاةْ

هَيَّا نَجُوبُ الْكَوْنَ

كَيْ تُعْطِي لَنَا

أَحْلَى ابْتِسَامَاتِ الْحَيَاةْ

هَيَّا نُسَافِرُ عَاجِلاً

فَتَوَجَّهِي لِلْحُبِّ يَا زَهْرَةْ

مَا الْكَوْنُ إِلَّا دَقَّةُ الْقَلْبِ الْكَئِيبِ

إِذَا أَتَاهُ الْغَيْثُ مِنْ أَيِّ اتِّجَاهْ

مِنْ أَيْنَ يَأْتِيكِ الْهَنَاءُ

وَأَنْتِ قَابِعَةٌ

فَقُومِي وَانْهَضِي

يَا وَاحَتِي

وَالْقَلْبُ ظَمْآنٌ إِلَى بَعْضِ الْهُدُوءْ

وَالنَّفْسُ فِي شَغَفٍ إِلَى حُبِّكْ

مُنْذُ انْطِفَاءِ الشَّمْعِ فِي شَهْرِ الدُّمُوعْ

وَالشَّمْسُ تَرْقُبُ مَا حَدَثْ

قَدْ صَمَّمَتْ أَنْ تَسْتَبِيحَ اللَّيْلَ فِي الزَّمَنِ الْجَدِيبْ

يَا زَهْرَتِي

شَمْسُ النَّهَارْ

قَدْ أَقْسَمَتْ

أَنْ تُنْهِيَ الْآلَامَ وَالْأَحْزَانَ يَا زَهْرَةْ

وَتَعَاهَدَتْ وَالْبَدْرُ حَتَّى يَنْتَهِي عَصْرُ الظَّلَامْ

وَتُحَقِّقَ الْأَحْلَامَ يَا زَهْرَةْ

***

شعر: أ. د. محسن عبد المعطي

شاعر وناقد وروائي مصري

وتباكى خطيبُ النهَّابَةْ

بدموع ِتماسيح ِالغابَةْ

*

يرثي للشعب ِ ويرثيه ِ

ويُثيرُ شجوناً لهَّابةْ

*

ويكيدُ بخُبْث ٍ لوبيّ

وتهاتِه ُ تُخفي أنيابَه ْ

*

والٱن وبعد أن ِاشْتعَلتْ

في بيتنا حرباً وحِرابه ْ

*

يدعوللظالم بالحُسنى

وعلى المظلوم ِبــ(دبَّابة ْ)!

*

ويــسُدُّ بوجهنا أبــــــــواباً

ولــ(أعْدانا) يُشرع ُ بابه ْ!؟

*

ويَغضُّ الطرف َإذا ارتكَبَت ْ

مجزرة ً تلك الخَرَّابَه ْ!

*

لاهَمَّ له ُ.. بوضاعَتِه ِ

إلا تسويق الــ(مِقْحَابَة ْ)!؟

*

في صورةِ (حَمْد ٍ) قَوَّاد ٍ

مُنْبَطِح ٍلعيال ِ جَنَابَه ْ!!

*

فليسقُط هذا المُتَباكي..

ومنابِرَه ُ.. والوهَّابَة ْ!

*

وجميع دراويش البلوى

وتحالف دعْم القَصَّابَة ْ!

***

محمد ثابت السميعي - اليمن

مارس 2020 م

ألفلسطينيون لا يموتون

فقد وِلدوا من أرحام بساتينهم

حَسبُهم أن يَتركوا لأشجار الزيتون

أن تُطلعَ حبّاتٍ لها ملامحُ وجوهِهِم

أما الذين وِلدوا من أرحام عنابر الشحن

في البواخر أو الطائرات

فسيولدون محشورين داخل الحقائب

يتنازعون على المكان الضيّق مع العتمة والعفن

وعندما يموتون

يأخذون الحقائب معهم إلى القبر

لعلّ بوقَ أية باخرة

أو هدير أية طائرة

ينتزع الحياة لهم من أفواه الدود

عندئذ يهبّون من قبورهم

حاملين عظامهم في حقائبهم

ليقفوا في صفوف الإنتظار

على أرصفة الموانيء أو المطارات

***

شعر: ليث الصندوق

لم يكن مطعم ابن عبد الله غير دكان صغير في حي شعبي لكنه عريق بأصول سكانه وانتماءاتهم السوسيوثقافية، يتعايشون شرفاء وعواما غنىً وفقرا، موظفين وحرفيين..

شهرة الحي من شهرة موقعه بين أضرحة الأولياء وإرثه التاريخي العريق، قريب من دار الدبغ شوارة، ودرازات الصناعات التقليدية على مختلف حرفها من جلد ونحاس ونسيج .. ودكاكين للتموين والصباغات وصناعة المشط من قرون العجول والبقر ..

كان المطعم لا يسع أكثر من خمسة اشخاص ينحشرون داخل الدكان يتناولون زليفات الحريرة صباحا أو عند المساء ..

عند مدخل الباب ينصِب ابن عبد الله على موقديْ الفحم طنجرتين إحداهما نحاسية عميقة والثانية من الأليمنيوم متسعة القاعدة مخصصة لقطع اللحم والحمص والطماطم مع التوابل:(التدويرة)

الى جوار المطعم الصغير كان دكان النجار المركاوي عازف الكمان المشهور، شده الفن برغبة و عن حرفته قد استغنى فأضاف ابن عبد الله الدكان الى مطعمه وهكذا صارالمطعم أكثر رحابة واتساعا، ثم أضاف مع الحريرة الكبدة مشرملة والمخ وبعض السَّلطات البسيطة ..

شهرة حريرة ابن عبد الله ذاع صيتها في الأحياء المجاورة لا يمكن ان تتقن مثلها اوقريبا من لذتها الا للات العيالات الفاسيات، فالحريرة كالتي يعدها ابن عبد الله،عليها يتهافت الزبناء كبيرا وصغيرا ذكورا وإناثا لا يقتصر الأمر على زوار المطعم من حرفيين وصناع وطلبة وانما يتعداه الى الرغبات المنزلية خصوصا إذا كانت الزوجة جديدة عهد بزواج وتقيم مستقلة عن حماتها ..

لم تكن حريرة ابن عبد الله هي ما يغري الزبناء فقط،فالرجل نظيف أنيق وسيم قد وهبه الله مع طول القامة جمال الصورة، وحلاوة اللسان وهو ما جر عليه نقمة بعض رجال الحي من يأكل الشك صدورهم خوفا على نسائهم خصوصا لو أنثى أصابها وحم فلا يمكن أن تمر على باب المطعم دون أن تسرق النظر الى وجه بائع الحريرة تشدها بسمات عيونه وغمازة خده .. بل كثيرا ما اثارت إحداهن زوار المطعم بتنهيدة وبسمة من عيون تواقة لهفة لجمال الرجل أو تدعي العطش فتطلب زليفة لتشرب من سبالة الحي المقابلة لدكان ابن عبد الله ..

لم يكن ابن عبد الله يلتفت لأنثى بقصدية أوتعمد فهو يكره أن يثير انتباه الزبائن بما قد يسيء لأنثى بوصمة دعائية قد تبلغ أهلها فتجني على سمعتها،ولئن كان يرمي نظرات عيونه في طنجرة حريرته ويده تحرك المحتوى بمغرفة كبيرة طويلة من عود العرعار فإن لسانه الذباح كان لا يتوقف عن مقطع أغنية يرددها او مثلا يرمي به أنثى دون أن يكلف عيونه الرنو اليها ..

يا اهل الهوى نصحوني

حر الشوق فناني

و انا عاد بديت

كان ابن عبد الله يعرف جميع سكان الحي ذكورا وإناثا بأسمائهم وألقابهم بل حتى بمشاكلهم الداخلية، يحيط بمعاناة الأنثى البايرة وخفة الصغيرة النزقة إحاطته بغطرسة المرأة المتكبرة القوية المتحكمة في البيت أو تلك الخانعة بذل وانكسار ..كما يدرك سطوة بعض الرجال وتحكمهم في النساء ادراكه لكل أنثى تزوجت بلا رغبة فارتبطت برجل يقمطها في ما لم تتعوده في بيت أبيها ..

كان ابن عبد الله يلتقط النظرة بإطلالة خاطفة فيعرف القادم يبادرها بمقطع من أغنية أو مثلا يناسب حالها:

فللمرأة الصبور على رجل خشن صعب يرمي كلمات:

"مظلوم ومعذب ساكت صابر..

.الجفا والهجر و نارك وناري"..

ولأخرى ظهرت بعد طول غياب :

"خيالك عندي حمام السلام

ونيسي ورفيقي في كل مكان"

كان ابن عبد الله كمخبر الحي يلتقط اسراره من ثرثرات الزوار ومن أفواه الصغار حين يأتون لشراء الحريرة لأمهاتهم، فتكفيه إشارة منهم ليعرف أفراح البيوت وأتراحها، لكنه كان كتوما لايبوح بخفايا الحي بين سكانه و لا يمشي بين أهله بنميمة ولا بدس او نفاق، يحرم على نفسه أن تشيع على لسانه معلومة لاتهم غير صاحبها،كان نصوحا أمينا لمن طلب رأيه، فاذا ما استشاره رجل عن بنت أرادها لابنه بزواج قدم له ابن عبد الله النصيحة في حدود مايعرف بلازيادة ولا نقصان أويقصده آخر أتى لبنته خطيب فيبادر الى ابن عبد الله ليعرف حقيقته وصدق ما ادعاه عند الخطبة لكن عند مرور زوجة السائل فهو يرميها بالحقيقة في مثل أو حكمة حتى تكون على بينة مما سأل عنه زوجها دون ان يبلغ ذلك علمه حتى لا تتعرض للشك وسين وجيم ..

يقول عن البنت الجميلة المكمولة يشجع عليها:

"للا مليحة وزادتها الترويحة(أي العطر)

ومن يتوكل على الله فهو حسبه"

وعن المشاكسة والمزاجية يقول:

"لا تشري حتى تقلب ولا تصاحب حتى تجرب،

الخريف،مرة شتاء و مرة صيف"

اما عن الخفيفة النزقة التي لا حدود لرغباتها

"قالُو لَلْحَمْقَة زَغْرْتِي، قالْتْ لِيهُمْ الدَّارْ ضَيْقَة"

أما عن الذكية التي تتصنع الغباء لقضاء أغراضها فيقول:

"حمقة وحواقة ومرشوشة بالهبال" ..

لا يدرج غريب في الحي حتى يصير ابن عبد الله عارفا به ملما بما يريد خصوصا إذا كان الزائر ممن يقتفي أثر إحدى بنات الحي أو بنت تريد التأكد من حال سكنى ادعاها خطيب ..

كان ابن عبد الله ثقة الرجال والنساء على السواء، الحي أمامه ينفتح بكل تركيباته لكن عن حياة ابن عبد الله ينغلق أصلا ونسبا، فمذ نبت في الحي وهو معروف بالاسم الذي يناديه به الكل .. قالوا حياني من قبيلة بني عمران، وقالوا يتيم رباه الملجأ لا يعرف أحد له أما ولا أبا .. هل هو متزوج أم أعزب ؟ عاقر أم له أبناء ؟ من تكون زوجته ؟ فالرجل في العقد الثالث من عمره واهتمامه بملبسه واناقته لا يمكن أن يُغيب أنثى حاضرة جلية بأثر وراء مظهره،كل مايعرفه الناس أنه يسكن في إحدى القرى خارج المدينة..

فجأة يغيب ابن عبد الله، والكل يجهل لغيابه سببا، قالوا مريض حتى إذا طال الغياب قالوا مات !! ..وقالوا ماتت زوجته الشابة الجميلة فهده الحزن والأسى، وقالوا فقد أحد أبنائه، بل من القوالين من ادعى أن إحدى بناته قد أتت منكرا فماعاد له وجه ليظهر به امام الناس، غيرهم قالوا رحل الى مدينة أخرى بعد أن طلق زوجته، حنت لغياب الرجل نسوة وتنفس غيرهن الصعداء بعد أن أطبق المطعم الأبواب على نفسه ..

صار ممر مطبخ ابن عبد الله خاليا ,افتقد سكان الجوار رائحة كانت تعطر صباحاتهم وأمسياتهم، وتحسر الرجال عن مخبر ناصح كان يساعدهم في اختياراتهم، حتى أصحاب الشك والغيرة خففوا من حصارهم لنسائهم وبناتهم..

الراحة يالله، لاخبر،لا اثر ..

بعد عشر سنوات يظهر شيخ في مطعم ابن عبد الله يعرض للبيع كل أدوات المطعم، حوله تجمع رجال الحي باستفسار وأرخت النساء الأسماع بفضول يلتقطن الأخبار عن صاحب ألذ حريرة في المدينة العتيقة، بل منهن من أرسلت بنتها لتتسقط لها خبرا :

"ابن عبد الله هو زوج والدتي، النكافة المشهورة بالياقوت .. أمي عشقت ابن عبد الله وبه قد تعلقت وعمرها ضعف عمره،وقد كان يبادلها نفس الحب، كلاهما تعلق بالأخر فتزوجا، لكن الوالدة اشترطت عليه أن يكون الزواج في السر اتقاء لاعتراض أبنائها،وحتى لا يقال: جدة تزوجت حفيدها .. كان يقيم معها في ضيعة كبيرة خارج المدينة تستغلها كقاعة للافراح ..

مرضت الوالدة فتوقف عن مطعمه لا يتركها لحظة أو تتركه يغيب عن عيونها ولما أدركت دنو أجلها كتبت له كل ما ورثته عن أبي وما ادخرته من عملها كنكافة ذائعة الصيت دون أن تحرمنا من حق ونصيب، ثم زوجته بعنبر بنت صغيرة كانت تربيها وهي اليوم من أسست مع زوجها ابن عبد الله المقاولة المشهورة في مراكش بمقاولة " عنبر و الياقوت للافراح " ..

ابن عبد الله رجل إنسان، فاضل كريم، يعترف بخير الغير عليه، استطاع بعد أن تفرق إخوتي غضبا لزواج أمنا به أن يعيد بناء لحمتنا في تجمع اسري هو ما كون مقاولته التي استطاعت أن تشق الآفاق بما تعده من شهيوات ولذائذ مغربية من طنجة الى الكويرة يعجز عنها أقدم الممولين واعرقهم حتى صار الممول رقم واحد لجميع المناسبات الدينية والوطنية وكثير من الأفراح.

***

محمد الدرقاوي ـ المغرب 

........................

 توضيحات

الزلافة: الماعون الذي تشرب فيه الحريرة سميت كذلك لأنها تًقرب إلى شاربها وتقدم له، يقال زلف الكأس: أي قربه وقدمه، وقال الله تعالى (وأزلفت الجنة للمتقين) أي قربت.

التدويرة: تدويرة الحريرة تتكون من قطع لحم صغيرة تطبخ مستقلة بكل ما تحتاجه من توابل ثم تضاف الى الحريرة

حواقة: أي تعرف الكثير لكنها تتعمد إخفاءه ..حوق تعني أحاط

تأسلموا وادّعَـوا من أنهم عـربُ

فصدّقَ الناسُ ما قالـوا وهمْ كَـذِبوا

*

قالـوا هُمُ العُـربُ والـقُـرانُ عَرّفَهُمْ

أهـلَ الـنـفاقِ ولا يُـغـني لهمْ نـسـبُ

*

ونـاصبوا اللهَ حـتّى ذلَّ غـابـرُهُمْ

فاسـتـسلموا وعلى أوتارهِ لَـعِـبوا

*

وصار اسـلامُهمْ بـابًا لمَـأربِهـمْ

فَصَـيّروا الدينَ إرهابًا وذا الاربُ

*

وأصبحَ القـتلُ باسمِ الله منهجَهُمْ

بهِ استباحوا وباتَ الحقَّ يُغتصبُ

*

تأريخُهُمْ حـافلٌ بالـعـارِ وثّـقَهُ

ما جاء منهُمْ وما في سِفرهمْ كتبوا

*

طُوفانُ غَـزّةَ عَـرّى كلَّ ذي خورٍ

وكلَّ ذي دَغَـلٍ من وقعه اضطربوا

*

طُوفانُ غَـزّةَ أبكى كلَّ ذي صَلَفٍ

طُـوفانُها الـطَّـفُ من جيّاشه هَـرَبوا

*

فكربـلا لم تزلْ كـربًا إذا ذُكِـرتْ

لآلِ صهيونَ ومَنْ في ركبِهمْ رَكِـبوا

*

وكـربلا لم تـزلْ للحُــرِّ مُنطـلقًـا

في غـزّةَ الـعِزِ صار الفجرُ يقترِبُ

*

طُوفـانُ غَـزّةَ أنهى حُلمَ سالبها

والسالبُ اليومَ مهـزومٌ لـه جًـلـبُ

*

وآلَ ما خططوا في ساعةٍ عـدمًا

لنُقطةِ الصفـر هـذا كلُّ ما كسـبوا

*

دويـلةَ الـشـرِ لا تحـمـيكِ حـاملةٌ

وأنَّ راعـيـكِ مـن أعـبـائـهِ تَـعِـبُ

*

وأنّ راعيكِ يخشى لو إذا اندلعتْ

أتـونُ حـربٍ فمعـناها لـه الحَـرَبُ

*

الى الحضيضِ سَيُمسي وهو في ندمٍ

والحـالُ حـالٌ كمر كافا بها عـطـبُ

*

تأسـلموا وادَّعَـوا من أنهم عربُ

بنو اللـقيـطةِ لا تعلـو بـهـمْ رتَـبُ (*)

***

الحاج عطا الحاج يوسف منصور

الدنمارك/ كوبنهاجن

السبت في 4 تشرين ثاني 2023

.....................

* اللقيطة هي دويلة آل صهيون وابناءُها هم الاعراب المتصهينون

قِـلادَةُ الجِّـيـدِ، مـهـما الـِتّـبْـرُ زَيَّـنَهـا

فَـعِـفّـةُ الجِـيـدِ،  مِــعْـيـارٌ و تَــقـيـيـمُ

*

مَـراتِــبُ الـعِـزِّ، بـالأفـعـالِ خــالِـدَةٌ

والــفخرُ فـي زائفِ الأقوالِ، تعْـتـيمُ

*

شــمسُ الكفاءةِ، تـزهـو فـــي تألقِـها

ولِـلطـُمُوح، مَـراســــيمٌ وتَـرْسِــــيـمُ

*

حُـبُ الـعُـلا، طـبْعُ مَنْ تَعْلو نفوسُهُمُ

وهـالـةُ المَـجْـدِ ، إشـــراقٌ وتـقـويـمُ

*

إنّ الأصالــةَ تعـزيـزٌ، لِــذي هَــدَفٍ

يـسعى الـيـه بـخَـيْـرٍ، فـيـه تـعـمــيـمُ

*

مَـن يـبـتغي مَسْـلكا ، يزهو به كَـذِباً

سَــدّا لِـنَـقـصٍ، فلا يُـجْـدِيـه تـرمـيـمُ

*

إنّ الـوِسـامَ عـلى صَـدْرٍ يـلـيـقُ بــه

قـولاً وفِـعلا، له فـي الأفـقِ تـرْنـيـمُ

*

ومـَن نَوَى فِـعْلَ خيرٍ، لا يجودُ  بـه

كَـمَن يُـهَــدِّئُ حـالاً، فــيـه تَــعْـويـمُ

*

إنّ الأكـاذيــبَ،  إيـهـامٌ ومَـنْـقــصَةٌ

فــيهـا الحـقـيـقـة، تَـغـلـيفٌ وتـكمـيمُ

*

في مِحْنَةِ الضيقِ،حُسْنُ الصبرمَحْمَدَةٌ

والـصّـبرُ للعُـسْـرِ، إذلالٌ  وتَــهْـزِيــمُ

*

(شـاوِرْ سِــواك إذا نـابَـتْـكَ نـائِــَبـةٌ)

إنّ التـعـالِـيَ دومـا، فــيــه تَــذمِـيــمُ

*

يـسْمو الذي في التأني، سار مُـتّعِظا

ويَهْـوِي مَـن فـيه تـسْـريـعٌ وتـوْهـيـمُ

*

(مـا كلُّ مـا يـتـمنى الـمَـرْءُ يُــدْرِكهُ)

والعزمُ فــي رِفْــقَـةِ الإيمانِ ،تصميمُ

*

إنّ المــهاراتِ في تَــنوِيعها ، نِــعَــمٌ

مِـثـلُ  الفـصاحَـة للـفُـرْسـان تــتمـيـمُ

*

ومَـن تـمنّى العُلا  مِـن دون تَـهْـيـئـةٍ

يـبـقـى الـتَـمَـنّي حَـبـيـسَا ، فيه تـنويمُ

*

(لا تيأسَـنَّ إذا مــا كـنـتَ مُـقــتـدِرا)

فالـيأسُ وسـْـوَسَــةٌ، والـوَهْـمُ تحطـيمُ

*

حُسْـنُ النوايا، لحسْم المُعضِلاتِ ، له

دوْرٌ، بــه لـم يَــعُــدْ للـشّــر ، تـأزيـمُ

*

لـكـلّ ذي فِـطـنَـةٍ ، عَــيـنٌ مـُـوافـِـيـةٌ

ونظـرةُ الحـقِّ للإنصافِ ، تجْـسِــيــمُ

*

لا تطلب العَوْنَ مِــمن فـــي سَـريـرَتِـه

داءُ التـشـفّـي، وفـــي كـفّـيــهِ تَسْـمــيمُ

*

(صَلاحُ أمْرِكَ ، للأخلاقِ مَــرجِـعُـه)

والعِـلمُ إنْ ســايــرَ الأخلاقَ، تـفـخـيـمُ

*

ومَــن نَـوَى الزيـْفَ فـي قـوْلٍ يُـزوِّقـُه

لِـغـايــةٍ، فـمَصـيرُ الــزَيـْـفِ تَـهـْـديــمُ

*

الفضلُ فــي مِــنَّـةٍ ، سُــــمٌّ الــى أجَـلٍ

والفضلُ فـــي نِـيَّـةِ الـتقــيـيـمِ ، تـكريمُ

*

مَـنْ يـرْتَضي مَـوْقـِفـا حاقَ الـنفـاقُ بـه

فـليـس يَـمْـنَـعُـه فــي الظـلـم ، تَـحْـريمُ

*

الـرّدْعُ قـبلَ التـحـرّي ، سـُـوءُ مَعْـرِفةٍ

وفـي التَروّي ، لِــسُوء الـفـهْـمِ ،تَحْجيمُ

*

الحُـبُّ إنْ عَـفَّ يـبْـني الصرْحَ في ثِقَة

والـنـفـسُ للصِـدق ، إيـنـاسٌ وتـســليـم

*

(يامَــن يَـعُـزّ عــلـينا أن نــفـارقــهـم )

ذِكـراكُـمُ فـــي الجّـوى، أنْـسٌ وتَـنْسِيـمُ

***

(على وزن البسيط)

شعر عدنان عبد النبي البلداوي

ما لم يَقُلْه الحارثُ بن ظالم

ونَجْمَةٍ مِهذارةٍ،

في عِيِّها،

شِفاهُها مِنَ الدِّماءِ سائلَةْ!

وقَيْسُنا،

كتَيْسِنا،

يَمُوْتُ في غَرامِ عَنْزٍ لِلتُّيوسِ قاتِلَةْ!

**

كالنَّرْجِسِ البَرِّيِّ،

عادَ قَوْمُ (نُوْحٍ) كُلُّهُمْ،

بِخَيْلِهِمْ ورَجْلِهِمْ،

أَسْرابَ طَيْرٍ مِنْ نَوافِذِ السَّفِينَةِ،

الَّتي يَهْتَزُّ صَدرُها عَلَى لُجِّ الدِّماءْ

عادَتْ ضُحًى،

إلى القُلوبِ الذَّائباتِ في نَبِيْذِ نارِها،

يَفُورُ مِنْها كُلُّ تَنُّورٍ دَمًا،

وكانَ أَمْسُهُ يَفُورُ كَوْثَرًا مِنَ الغِناءْ!

**

يا أَيُّها النُّجومُ،

يا ذاتَ الشِّفاهِ مِن خُلاصَةِ الغَباءْ!

يا أَيُّها السَّفِينَةُ الْـ يَهْتَزُّ جِذْعُها عَلَى البَحْرِ الجَحِيْمِ،

مُقْفِرًا مِنَ الحَياءْ

تحتَ الشُّمُوسِ،

والعُيُونُ في مَدارِها العَماءْ

لَنا هُنا ما لَيسَ في قامُوسِكُمْ:

لَنا النُّجومُ كُلُّها،

لَنا السَّماءْ

لَنا التُّرابُ،

والخُطُوطُ، عَرضُها في طُولِها،

لَنا (فِلَسْطِيْنُ) الإِباءْ

حَيْثُ الثَّرَى المُقَدَّسُ..

وحَيْثُ جَبَّارُ الشُّعُوبِ،

تَعْرِفُوْنَ "عَهْدَهُ القَدِيْمَ"/

تَشْرَبُوْنَ "عَهْدَهُ الجَدِيْدَ" مِنْ يَدَيْ أَطْفالِهِ،

وكُلُّ طِفْلٍ قامَ في كِيانِهِ (يَسُوْعُ)،

يُبْرِئُ العَمَى،

ويُبْرِئُ البُرْصانَ،

والعُرْجانَ،

والعُورانَ،

والحُوْلانَ مِنْكُمُ،

ويُحْيِيْ مَوْتَكُمْ بِمَوْتِكُمْ؛

تِرْياقُ كُلِّ لَدْغَةٍ بِلَدْغَةٍ،

وداءُ كُلِّ حالَةٍ كُلُّ الدَّواءْ!

**

وأَنْتُمُ،

ما أَنْتُمُ؟!

وما وَراءَ تَعْسِكُمْ مِنْ الوَراءْ؟

يَـبِيْضُ طَيْرُكُمْ عَلَى غُصْنِ الهَواءِ،

خابَ طَيْرٌ وَكْرُهُ عَلَى الهَواءْ!

لا عَيْنَ في العَيْنِ،

سِوَى سَفِينَةِ القُرصانِ،

تَسْرِيْ في فَضاءِ تِيْهِها،

مِنْ (طُوْرِ سَيناءٍ) إلى طُوْرِ الفَضاءْ

سَفِينَةُ القُرصانِ لَنْ تَنْجُوْ مِنَ الطُّوفانِ،

مَهما أَبْحَرَتْ في وَهْمِها وأَبْحَرَتْ،

بِلا صَباحٍ يُرْتَجَى ولا ارْتِجاءْ!

**

"فأُقْسِمُ ، لَولا مَن تَعَرَّضَ دُوْنَكُمْ،

لخالَطَكُمْ صافِـي الحَديدةِ صـارِمُ!

*

يَمينَ امرئٍ لم يَـرْضَعِ اللُّؤْمَ  ثَدْيَـهُ

ولَـمْ تَتَـكَـنَّـفْهُ العُروقُ الأَلائمُ"(1)

**

لكِنْ..

و"لكِنْ" تحتَها ما لا يُعَدُّ مِنْ قُرُوْنٍ،

ضَجَّتْ الشِّياهُ فِيها بِالثُّؤاجِ، واليُعارِ، والثُّغاءْ: ذ

يَظَلُّ سِرُّنا هُنا وسِرُّكُمْ،

ونُقْطَةُ الوَهْنِ العَتيقِ عِنْدَنا،

لا عِنْدَكُمْ،

وعُقْدَةُ اللِّواءِ،

في عَقِيْدَةِ الوَلاءِ والبَراءْ:

في كُلِّ صَدْرٍ يَعْرُبِـيٍّ:

مُضْغَةٌ،

تَمُوْتُ في رَصاصِ لَيْلَى قاتِلَةْ!

قَدْ لا يَكُوْنُ جَدُّها مِنْ (عامِرٍ)؛

لكِنَّ (قَيْسًا) جَدُّهُ مِنْ (باهِلَةْ)!

***

أ. د. عبد الله بن أحمد الفَيفي

..........................

(1) البيتان منسوبان إلى (الحارث بن ظالم المُـرِّي). وكان من المقاومين الأشاوس للتدخُّل الأجنبي- الفارسي أو الرُّومي- في بلاد العَرَب، قُبيل الإسلام.  وقوله: "لم يَرْضَعِ اللُّؤْمَ ثَدْيَهُ"، أي: لم يَرضَع ثَدْيَ اللُّؤمِ.

مَدى الْعُمْرِ

يرْقُبُ

شاهِدةً بِالْجِوار

تَقولُ لَهُ في الصّباح

تَوَكّل

على الْعَهد

مِثْلَ

عَظيمٍ عَلى خُلقٍ شاهقٍ لا يحولُ عنِ الْحَرْفِ

في

آيةٍ

مِنْ وَدادٍ قَديم

وَفي فَجْرِ كلّ مساءٍ يَلوثُ بِهِ تَعَبٌ وقَتامٌ كَثيفٌ

تَقولُ لَهُ

بِصَوْتِ الْحِسانِ الوَدودِ

تَمَدّدْ

بِجَنبي وَجَنْب السّكونِ الْغَميقِ أمامي

فإنّك

إنْ شِئتَ

ثِبْ

فَالأسافِلُ ما يَنْبَغي أنْ تُخيفَ

وَنَمْ

نَمْ

إذا لَمْ

تُروِّضْ بِجُرْحِكَ

وَحْشَ الْأَلَمْ

وَاسْتَعِنْ بِالتّراثِ الْكَثيفِ وَرائِحَةِ الظُّلْمَةِ الْآن

كَأَنَّكَ

بَعْدُ

جَنينٌ بِجَوْفي

وَإنّكَ

فِيهِ مُغَطّى

بِحَرِّ

الصَّميمَيْن..

وَإنْ

لَمْ

تَشَأْ

فَتَوَكّلْ كَدَأْبِكَ قَبْلاً

عَلى

آيَةِ الْفَجْرِ

عِنْدَ

انْبِثاقِ التّشَابُهِ فيه!

***

البشير النحلي

أمّة تحيا وشعْبٌ ثائرُ

وزمانٌ بفظيعٍ زاخرُ

*

هبّتِ الأشبالُ تَرعى غايةً

فأعادَتْ ما عَفاهُ الجائرُ

*

أيّها الحَقُ المُسَجّى عِنوةً

مَزَّقَ اللحدَ كُماةٌ جاهَروا

*

فإذا الأفقُ مُضيئٌ ساطعٌ

وثراها بدماءٍ عامرُ

*

هذه الدنيا اسْتدارتْ ضدّهمْ

ثمَّ داروا فتهاوى الساترُ

*

صنعَ القهرُ بديعاً رائعاً

يَتجلى فاسْتلانَ العاسرُ

*

كلّ مظلومٍ سَيَجْني سؤلّهُ

وظلومٌ في أوانٍ خائرُ

*

ضَيغمٌ فيها تبارى شامِخاً

فعَلا الآفاقَ جيشٌ عابرُ

*

هكذا الأرْحامُ تأتي جَوْهراً

وأصيلاً إقتفاهُ القاهرُ

*

أمّة الحَقِ أعادتْ ذاتها

ورَعَتْ جيلاً حَداهُ الظافرُ

*

يا حلالاً في ديارٍ غُصِبَتْ

وحَراماً كيفَ شاءَ الغادرُ

*

غابُ دنيا وأسودٌ أشِرَتْ

فاسْتباحتْ وتباكى العاثرُ

*

قاتَلوا شعباً وروحٌ ما خَبتْ

وتَعالتْ والبشيرُ الصابرُ

*

آمَنتْ دوماً بربٍّ قادرٍ

فأتاها حشدُ أمٍّ ناصرُ

*

يقظة الألبابِ فاقتْ وَعْيهمْ

فنُهاها رغمَ حَيفٍ باصرُ

*

نهضَ الحَقُ وجيلٌ حَولهُ

يَتناخى والضديدُ الخاسرُ

*

ثورةُ الإنسانِ أدْماها الضَنى

فجَلاها سَيْلُ فِعْلٍ هادرُ

*

شاهَتِ الأنظارُ والقلبُ غَوى

وانْتصارٌ من وجيعٍ صادرُ

*

نخوةٌ دامَتْ وعِزٌّ قادمٌ

وأليمٌ مِنْ أليمٍ نافرُ

*

كانت الدنيا ترانا فرقةً

وإذا الصدعُ براهُ الجابرُ

*

مرّتِ الأعوامُ كَلمى نكسةٍ

فتعافتْ والطبيبُ الساهرُ

*

"طلع البدر علينا" أمّتي

أشرقَ النور البديعُ الباهرُ

*

دفنوا بذرَ وجودٍ في الثرى

هطلَ الماءُ فقامَ الغائرُ

*

أمّةٌ هبّتْ وشعبٌ واثبٌ

وعَلاها في ذراها النائرُ

*

لنْ تهانَ الأمُّ مَهْما أوْجِعَتْ

نَهضةُ الروحِ ذُكاها الآثرُ

***

د. صادق السامرائي

........................

*هذا مقطع من نص طويل لايزال يكتب نفسه.

10\10\2023

أَنَا لَا أَدْرِي لِمَ الطُّغْيَانُ جَاءْ

يَغْصِبُ الْأَرْضَ وَيُشْقِي الْأَبْرِيَاءْ

*

أَنَا أَفْدِيكِ فِلِسْطِينُ وَغَزَّةْ

أَنْتِ فَخْرِي أَنْتِ تَتْوِيجٌ وَعِزَّةْ

*

أَنْتِ طُوفَانٌ لِأَقْصَانَا الْحَبِيبْ

لَمْ يَزَلْ فِي الْبَالِ مَا بَيْنَ اللَّهِيبْ

*

قَدْ أَذَاقَ الْوَيْلَ لِلْبَاغِي الْكَئِيبْ

فَانْبَرَى يَنْدُبُ حَظًّا بِالنَّدِيبْ

*

أَنْتِ يَا غَزَّةَ عُنْوَانُ الْفِدَاءْ

قَدْ دَرَى حَالَكِ رَبٌّ فِي السَّمَاءْ

*

قَدْ أَخَذْتِ الْعَهْدَ عُنْوَانَ الْجَهَادْ

تَنْشُدِينَ الْعُرْبَ فِي أَحْلَى اتِّحَادْ

*

إِنَّ أَهْلِي فِي فِلِسْطِينَ وَغَزَّةْ

لَمْ يَزَالُوا خَيْرَ أَبْنَاءِ الْبِلَادْ

***

بقلم: أ. د. محسن عبد المعطي

شاعر وناقد وروائي مصري

عَرَبُ التخاذل ِوالهوانِ تداعوا

وتحلَّقوا... وتباحثوا...وأذاعوا

*

خَبَرَ انتصارٍ حققوهُ بلحظةٍ

على العدوِّ وجُنْدِهِ وأراعوا !

*

وأطلقوا (رداً) على عِدوانهِ

أعذار كاسحةٍ هي الأوجــاعُ!

*

لاحل كي تنحل إلا واحـــــدٌ

لاغيرهُ... لانِصْفُ لا أَرْبَـــــاعُ

*

الحل يَسْتَوْفِ شُرُوطَهُ عِـــزَّةً

تأبى خُنُوع الزاعمينَ (ضِبَاعُ)!!

*

الصاغرينَ..المُفلسينَ زَعـامةً

وعَرَاقَـةً.. وكـــرامةً تَنْبَــــاعُ !

*

من غيرهم لبس اللحى متعللاً

بالدينِ تحت عباءةٍ لَمَّــــــــاعُ!

*

من غيرهم حَمِدَ العدو وآمنوا

وعلى يديهِ الإهتداء  ضَياعُ!

*

لا يفقهون سوى الحديث عن الزنا

والفقهُ في معنى الحديثِ جِمَاعُ!

*

مَنْ غيرهمْ سَبقَ التحدي بقمةٍ

خُتِمَتْ بِكَسْرِ قرونهمْ...فأطاعوا!!

*

بِنَا تحتمي أوطاننُا وسَنَحْمِها

ماذَادَ  عن أوطانِنا الأَ تْبـــَـاعُ!

*

نحن لها من هاهنــاك..وهاهنا

شَرَفٌ هو الإقلاع... والمِقلاعُ

*

حتْماً سَتَعٰتَزِلُ الـــــرُؤى قمصانها

وسيلبسُ الثوبَ الجديد (قِطَاعُ)!

***

محمد ثابت السميعي - اليمن

2023 م

طلبت منّي الكلّيّةُ التي تم قبولي بها صورةً شخصية لإكمال أوراقي الرسمية. حيث تركتُ الكثير من حاجياتي ولاسيما صورة قديمة، في دولاب غرفتي في قريتنا التي جئت منها، قاصداً هذه المدينة التي تم قبولي في إحدى كلّيّاتها. لهذا وجب عليّ الآن أن أذهب لمصوّر قريب، لكي ألتقط صورة جديدة لإكمال أوراق قبولي في الكلّيّة. وبالصدفة كان الفندق المتواضع الذي يقطن فيه الطلّاب، محاذياً لمقهى أجلس فيه ليلاً. أشرب الشاي والقهوة وأطالع مباريات كرة القدم وبعض البرامج. وحين كنتُ جالساً ليلتها سألت العامل الذي يعمل في المقهى عن مصوّر قريب، فأجابني: نعم هناك مصوّر على بعد شارعين من هنا. إنه "مُسيلمة". ليس هناك شخص في المدينة لا يعرف مكانه. إنه أفضل مصوّر في العالم..

في الحقيقة دُهشتُ حين سمعتُ باسمه للمرة الأولى.. مُسيلمة!!.. لاحظ وسمع الحوار بيني وبين العامل زبون من زبائن المقهى. ستينيّ السن كان جالساً لوحده. لديه شارب أبيض يغطي شفتيه، ويرتدي بذلة بنّيّة. أومأ إليّ منادياً وهو يبتسم: هاااا.. استغربتَ من الاسم بلا شك؟. دنوت من مكان جلسته وقلت له: حقيقة الاسم غريب بعض الشيء!!. وفي الحال انبجس ينبوع الصُّحبة بيني وبين هذا الزبون صاحب الشارب. إذ اقترح عليَّ أن أجلس لكي يعرّفني بأهل المدينة لأنني غريب. ولما سألته: كيف عرفت أنني غريب؟! أجابني: أمر سهل بلا شك. ليس هناك شخص في المدينة لا يعرف مُسيلمة سوى الغرباء.. هل تريد مصوراً جيداً يتلقط لك صورة جميلة تريح ناظريك وقلبك؟. فأجبته: نعم. فأجابني ضاحكاً: إذن اسمع كلام القهوجي واذهب حيث أرشدك.. ثم اقترح عليَّ الجلوس والحديث، فقبلت فوراً على شرط أن يحكي لي في البدء عن المصوّر "مُسيلمة" الذي أثار اسمه فضولي. وبالتالي أقضي بعض الوقت قبل الذهاب إلى الفندق. وفي الحال بدأ الرجل حديثه بعد أن اعتدل في جلسته قائلاً: يا سيدي هذا ليس اسمه بل لقبه الذي اطلقناه عليه منذ أربعين سنة تقريباً. في البدء كان لقبه "مُسيلمة الكذّاب"، وذلك بسبب أنه كذب على أهل المحلّة في بعض الحوادث. ابتسمتُ قائلاً له: كيف هذا؟!. فردَّ عليّ جليسي: لقد كان أبوه مصوّراً أيضاً، وقد ورث مهنة التصوير منه. ذات ظهيرة خرج علينا مُسيلمة حاملاً كاميرا تلك التي يخرج منها فلاش أثناء التقاط الصورة. الكاميرا كانت لأبيه، يحملها عند تجواله في الشوارع لالتقاط الصور للناس، ويقطعُ لكلِّ زبون وصلاً يستلم به الزبونُ الصورةَ من الأستوديو لاحقاً. خرج علينا مُسيلمة بتلك الكاميرا من منزله، وبدأ يمطرنا بالصور. فصار الأطفال يجتمعون حوله دوائر، ويلتقط لهم الصورة تلو الأخرى. وحجّته كانت أن في الكاميرا فيلم فائض عن حاجة أبيه، وأن أباه يريد تدريبه على مهنة التصوير، ووعده أنه سيطبع الصور لاحقاً لمن يصوّره الابن مجاناً. هنا سال لعاب الرغبة عند بعض الجيران من الرجال الجالسين على قارعة الطريق. فنادوا عليه وطلبوا منه طامعين أن يلتقط لهم صورة. والنساء اللواتي كنَّ جارات لنا أيضاً صار يلتقط لهن الصور في المنازل. ولم يكتف عند هذا الحد. بل سار ومعه زفّة من الأطفال الذين صاروا يهتفون ويصفقون فرحين. ملتقطاً صوراً متفرقة لبعض الأشخاص في الشارع. لشرطي مرور وبائع خضرة وسائق باص وغيرهم. الجميع كانوا مسرورين بعد أن وعدهم أن يحصلوا على صورهم مطبوعة. ومن ثم حدثت الكارثة. فقد انتبه إليه أحدهم عند إحدى الخربات، وكان برفقته أطفال يهتفون ويضحكون. وصاحبنا ينهال بلقطات من الكاميرا على حمار مربوط جنب عربة!!. وصدفة  كنتُ عائداً للمنزل، فسمعتُ صراخاً وعراكاً بين مُسيلمة وذلك الشخص الذي اكتشف صنيعه وفضحه. ولما احطنا به طلبنا منه أن يعطينا الكاميرا لنرى هل فيها فيلم أم لا. فرفض ذلك لكننا أجبرناه، واكتشفنا بالفعل أن لا فيلم في الكاميرا!!. وأن كلَّ ما في الأمر أنه كان يمطرنا بومضات الفلاش التي كنّا مبتهجين بسببها. هنا اطلقنا عليه لقب "مُسيلمة الكّذاب". وجرى اللقب على ألسنة الناس الذين استشاطوا غيظاً منه لأنه كذب عليهم..

أخذ الرجل ثوان ليرتشف ما تبقى من الشاي الذي أمامه، فاستثمرت الوقت القليل في سؤاله: وحتى هذه اللحظة لم ينس الناس لقبه؟!. سعل الرجل واضعاً قبضته على فمه التي افترش عليها شاربه الأبيض قائلاً: اللقب بقي كما هو ولم تتبدل سوى الصفة. فسألته مستغرباً: كيف يعني؟! فأجاب: لقد تحوّل لقبه من مُسيلمة الكذاب إلى "مُسيلمة النّصاب".. خرجت من فمي قهقهة وطلبت منه أن يكمل كيف تحولت الصفة بهذا الشكل فاستدرك قائلاً: بعد سنوات توفي أبوه. وورث مُسيلمة الأستوديو والمهنة أيضاً. وصار يقلّد أبيه في الخروج والتجوال في الشوارع لكي يلتقط الصور للناس. في البدء كنّا نسخر منه حين يمرُّ علينا ونحن جالسين. وكانت الأصوات تتقاذف عليه كالحصى من كلِّ جانب.. ها مُسيلمة هل نسيت الفيلم؟.. يبدو أن الكاميرا لا يوجد فيها إلا البطارية.. إذا التقط لنا صورة ستظهر بيضاء. وهكذا من هذه العبارات الساخرة، وكلُّ هذا بسبب كذبته علينا حين كان صبياً. ولكن رويداً رويداً، بدأ الناس يذهبون له للأستوديو لالتقاط الصّور، أو ينادون عليه في الشارع حين يعمل مصوراً جوّالاً. هنا تبدّل لقبه إلى "النّصاب". بعد أن امتعض الناس من رداءة الصور التي يلتقطها لهم. وكانوا يقولون له أن أشكالهم في الواقع أفضل من تلك التي في صوره القبيحة. في الحقيقة ولكي أكون مُنصفاً. الصور التي كان يلتقطها هي ذاتها صورنا وأشكالنا. لأنني التقطتُ عنده في حينها الكثير من الصور، فلم أر غير صورتي مع قليل من المفاجأة. فكما تعلم نحن حين نرى صورنا أو نسمع أصواتنا في تسجيل نستغرب، ونرفضها ولا نقبل بها مع انها منّا تماماً. على أية حال فقد ساء الوضع مع مُسيلمة في ذلك الوقت. فقد هجره أهل المدينة ولم يلتقط عنده الصور سوى الغرباء. ولم نسمع صراحة أن غريباً عن المحلة لم يرض عن صورته، إلا بعد سماعه بالحادثة الأولى وألقابه التي تداولتها الألسنة. وهذا الأمر من الغرائب، فقد صادفتُ ذات مرة غريباً جلس في مكانك بالضبط، يسكن في هذا الفندق الذي تسكن فيه أنت. التقط صورة عند مُسيلمة وقد كان راضياً عنها في البداية. إلا أنه قد بدّل رأيه سريعاً بعد سماعه بلقب مُسيلمة الكذاب ومن ثم النّصاب حين كان روّاد المقهى يتحدثون!!. حين اكمل الرجل كلامه ابتسمتُ وقلت له: لقد القيتَ التّردّدَ والشك في قلبي منه، وربما لن أذهب إليه غداً لالتقاط صورة للكلّيّة!!. لكن الرجل جليسي في المقهى أشار بكفّيه رافضاً وهو يقول: لا..لا.. أرجوك اذهب إليه فأنت لن تحصل على صورة جيدة في المدينة كلّها الآن إلا عنده. فتساءلت في دهشة: كيف تقول هذا بعد كلِّ الذي حدث؟! فأجابني الرجل بعد أن تنحنح وضحك ضحكة خفيفة: مُسيلمة حين شعر أن الزبائن انفرطوا من بين يديه كما تنفرط خرز المسبحة. استعان بمصوّر محترف شاب عاد إلى الوطن بعد ان كان مهاجراً في بلد أجنبي. يعمل على آلة الحاسوب. وقد أدخلوا في هذا الجهاز العجيب كما تعرف، كلَّ برامج التعديل والتجميل. ومن حينها وحتى هذا الوقت صار الجميع لا يلتقطون صوراً إلا عند مُسيلمة. الفتاة التي تريد عريساً تذهب إليه لكي يمنحها زينة على شكلها في الصورة. الموظف الذي يطلبون منه صورة لسجل الخدمة يذهب إليه. رب الأسرة الذي يريد صورة عائلية يذهب إليه. حتى السياسيون الذين يعلنون عن أنفسهم في الانتخابات، يذهبون إليه لكي يلتقط لهم صوراً جميلة من أجل نشرها في لافتات الدعاية. ولن أقول لك عن عدد الشباب والشّابات الذين يقفون عند باب الاستوديو، من أجل التقاط صور لهم لكي ينشرونها في يومياتهم وصورهم الشخصية في صفحات التواصل الافتراضية. حتى نسي الناس لقبيه السابقين (الكذاب) و(النّصاب)، وصارت المدينة كلّها تطلق عليه الآن لقب "مُسيلمة الحبّاب". هذا الرجل جعل الناس منشرحة صدورهم بصورهم التي يتفنّن صبيُّهُ الماهر في تزويقها وتجميلها. حتى أن كثيراً من الناس صاروا لا يعجبهم النظر في المرآة. لأن المرآة تعكس الصورة ذاتها التي لا يريدون رؤيتها. بل يريدون رؤية صورهم الجميلة الساحرة البهيّة التي يصطنعُها لهم ستوديو مُسيلمة.. يااااه.. الوقت قد تأخر ويجب عليَّ العودة إلى المنزل. لا تكترث وخذ بعضك واذهب إليه يا بني. سيلتقط لك صورة جميلة للكلّيّة. أغلب زملائك السابقين التقطوا عنده فلا تخش شيئاً من كلامي السابق. إلى اللقاء وحسابك في المقهى واصل..

شكرته وصرتُ أراقبه وهو يغادر المقهى على مهل. ونسيتُ صراحة حتى سؤاله عن اسمه!!.  على أية حال الأمور تمضي كما هي، لأنه أيضاً لم يسألني عن اسمي. لم أنتظر طويلاً بعد أن غادر الرجل، وعدتُ إلى الفندق الرث وأنا أفكر بكلامه والحكاية بكلِّ تفاصيلها. وحين دلفتُ إلى غرفتي، نظرتُ في المرآة طويلاً إلى شكلي.. لقد كان مُتعباً وشاحباً!!. هناك هالتان سوداوان أسفل عينيَّ!!. وتلك الشامة التي كأنها حصاة سوداء ملتصقة على جانب أنفي. اضافة إلى أنني لا أملك بذلة فاخرة وربطة عنق لكي ألتقط بها صورة أنيقة!!. أنا بحاجة إلى صورة جميلة أتباهى بها في مشواري الجديد.. شكراً للتكنلوجيا.. شكراً لِمُسيلمة..

***

أنمار رحمة الله – قاص عراقي

شعور بالزهو ِ أنتابها، وحنين شدها، ودمعة ُ تكاد أن تقفز َ من محجرهِا، حين َ وجدت نفسها تقف أمام الثورين المجنُحين وهما يثبان بشموخ ٍ أمام بوابة المتحف الوطني، فما كان منها الا أن تمضي وتدخل اليهِ دوَّن تردد. بعد صباحٍ حملها على الخروجِ هربا من جوِ المُناكدة، علها تُبدد بعضا من الضيقِ الذي أطبقَّ على صِدرها. حينَ لسعها بكلامهَ الجارح، وهو يعُيرها بفقرِ أهِلها وينتعها بعبارةٍ تستفزها كثيراً (بنت الفقر) وأعتاَد أن يكررها رحمك الله يا والدي لم تورثني سوى الخجل والخوف من المواجهة.

ذاك ما يزيدها عجزا عن الرد عليه وكأنه وضع (دستور نفسي لها). وهذا ما أجبرها على الاعترافِ بضِعفها والخضوع لمعاناةٍ لا مفر منها من أجل البقاء مع اولادها.. اقتربت بخِطواتها نحو المكان المخُصص للدخولِ. وفجأةً يد مرتعشُة تمتُد نحوها فتقطُع سيرها، كانت اليد لرجلٍ كبير في السنِ يفترُش الأرَّض، هزيلاً، يرتدي معطفاً اسود رثاً طويلاً، جالساً يستنُد بظهرةِ على سورِ المتحف، يلتحفُ السماء، يلفحُ وجههُ البرَد، َّ المركبات الماَّرة من أمامهِ وسط الشارع. اقتربت منُه رفع رأسه نحوها ومد يده مرة ثانية، حركة اعتاَد ان يفعلها المشَردون، قائلاً لها (يحفظ اولادك) ساعديني. كان هناك بصيصُ باهتُ في عينيهَ ظهرت منهُ التماعهً خافتة بالكادِ ترى وقد ضاعت مساحَة وجههِ بينَ دقنهِ وحاجبيه وما تبقى من مساحه وجههِ.

قالت: حين أخرج من هنا.. وهي (تشُير بيدها نحو المتحف) سأعطيك ما تريد لن أتأخر.. سارت مع حزنها وافكارها التي رسمت في مخيلتها، لوحةً جمعتها من احداثِ يومها ومن زحمِة الشارع، والباعة المتجولين، وقصاصات الورق المتناثرة. واخرهم المشرد الجالس بجانب سور المتحف. ا تدريجيا يتلاشى حزنها وهي تسير في ممرات طويلة صفت بالحجر، زرع على جانبيها مساحات عشبية خضراء تلألأت فوقها قطرات الندى. استقبلتها موظفة الاستعلامات بابتسامة مرحب، تفضلي من هنا بإمكانك حمل هاتفك النقال معك. أتمنى لك جولة ممتعة..

كانت باحة المتحف رائعة زيُنت بلوحاتٍ تاريخيةٍ منها السومرية والأشورية، واكاليل من الزهورِ دُست وسطها بطاقات اهداءٍ من وفود اجنبية، وهذا ما كان واضحا من الوجوهِ الاسيوية التي كانت هناك...القاعة الاولى كانت واسعة تردد صدى وقع أقدامِها وصوتُ أنفاسها. حفظت  فيها مسكوكات وعملات نقدية نحُاسية وذهبية واختامٍ اسطِوانية ومسطحة تراوحت احجاُمها، واشكاُلها، حفظت في خزانات زجاجية مربعة الشكل، ذهول يستولي على مشاعرها وهي تتنقل من قاعة الى أخرى الى أن بلغت القاعةُ الرابعة، والتي كانت تضم تمثالا لأشهر أميرات الحّضر، خُلدت بأبهى صورة !!

انعكاس للجلال والمهابة وترف يوسم ملابسها بكامل زينتها وهي على ما يبدو مزوقة بأحجار كريمة وقلَائد تُزينها، كما تُزين تاجها الاسطواني. الذي يدل على مقاّمها السامي، ترفع يدّها اليمنى كإشارة بالَترحيب.. وبالقربِ منها كانت هناك حُلي، وأساور، وقلائد من الذهبِ والاحجار الكريمة،اقتربّت منها وهي تنظر بعين ظمأى، ثم تبتسم ولها تلتقط الصور.. اليست أنثى مثلها !!

صوت رجل يقطع شرودها.. لم تلحظ وجوده، كرغم وقوفه في القاعة.. يقترب منها قائلا: انا موظف هنا ودليلُ سياحي، هل تقومين بأعداد بحث ما !. :

بإمكاني مساعدتك، المتحف كبير يضم اربعة عشر قاعة ستضيعين بين اروقتها. العاملون هنا أنُفسهم يجدونَ صعوبةً في الخروجِ منها

 لا شكرا لك أحبُ أن أكونَ لوحدي

ـ حسنا باستطاعتك اقتفاء الاشارات المثبتة على الجدرانِ سُترشدك لباب الخروج. واصلت سيرها لقاعة أخرى.. هنا يقف تمثاُل الثور المجنح بحجمةِ الكبير، وهنا لوحة لشمس مشرقةً عرفتها لكنها لم ترها من قبل، مثل ما رأتها الان. مضت تكُمل جولتها وهي تتنقل من قاعة الى أخرى فجأة ! تشعر من أن غبار يملأ المكان أسرى خوفا بداخلها. لمحت رجلا يركُض مسرعا حاملاً بيدِه سجلاً كبيراً يحوي اوراقًا رثة مصفرة تحمل عبق سنين غابرة، يرتدي ثياباً غريبة الشكل، ووجهُ شاحب مخُيف، حين رأتهُ تراجعت للخلف وهي ترتجُف، تقدم نحوها قائلا ـ كيف دخلت القصر؟..

ترد عليه وهي تتلكأ بالكلام: أنا كاد أن يغمى عليها، يكرر قوله !!... ؟ اسرعي في الخروج موكب الملك قادم كيف دخلت هنا.

ترتبك ومن خطواتها تجفل وهي تتعثر بها.. لم تستطع أن تكُمل زيارة باقي القاعات محاولة الخروج، وهي تبحث وتدور كخنفساء وقعت في حفنه دقيق، تبحث عن اية علامة تشير الى باب الخروج ! تفاجأت بوجودِ تمثال كبير جدا على وشك أن يلامس رأسُه سقف المتحف، كتب اسفله تمثال الملك حمورابي، تسمرت أمامه رفعت رأسها بذهول وخوف، حرك رأسهُ الكبير ونظر اليها قائلا

: ـ لا تخافي تحدثي ما بك؟

نظرت اليه بوجل وكأن دفْ مختبئ، تسرب الى جسدها فسرت سكينة صفو في داخلها، مولاي الملك أنا خائفة وأشعر بالخيبة كل يوم أطرقت صامته..علت على وجهه أمارت الغضب ! وهل أبناء الملوك يشعرون بالخيبة ! تركنا لكم ارثا معنويا وتاريخيا كبيرا،

رفع رأسه ونادى بصوت مرتفع، أفسحوا لها الطريق لتُخرج، عودي لن يعاودك هذا الشعور مجددا..

كان باب الخروج أمامها لكنها لم تره، ودعتها موظفة الاستقبال بوجه عبوس، من فضلك حقيبتك من هنا لغرفة التفتيش.

استيقظت وكأنها نامت دهرًا والى جانبها كتاب التاريخ. تمسكه وهي في ذهولٍ تفتحه وتغلقهُ ثانيةً وكأنها تقرأ الفأل...

***

نضال البدري

عضو اتحاد الادباء / العراق

مهداة الى كل من ردد القَسَم

سَــدِدْ خُـطاكَ، وأشّــرْ مـوضِعَ الخللِ

واسـتـنهِـض الحَـسْـمَ انـقاذاً مِن الزَللِ

*

إمـارةُ الـمُـلْـكِ ، كُــرسِـيٌ  قــوائـمُـهُ

تـنهارُ بالســوء والـتـدليـسِ والـهَــزَلِ

*

إحرِصْ عـلى أن تـنامَ العـيـنُ هـادئـةً

لا ظلمَ ..لاسُحْتَ ..لاإخلالَ في العمل

*

إنّ السـيـادةَ فــي الأعـمال تَـرْقــبُـهــا

ســيادةُ الـكوْنِ ،فاحـذَرْ كبْـوَةَ الخَطَـلِ

*

يـبـقى الـسُـموّ بِـعِـز النفـس مُـؤتـلِـقـاً

لافي المظاهـرِ ، أو فـي زِيـنَةِ الحُـلَلِ

*

إنّ الوِســـامَ عـلى صَـدرٍ يـلـيــقُ  به

قـوْلاً وفِـعـلاً ، لــه حَـظٌ مِــن الأمَــلِ

*

مـَـراتِــبُ الـعِــز ، بالأفـعـال خـالِــدَة

ومَـن يكـن عـالةً ، يدنـو مِـن الـشَــللِ

*

مَــنْ يـبـتغي مَـسْـلكا ً يزهو  به كَـذِبا ً

يَهْوِي به السوءُ ، في دَرْكٍ مِـن العِـللِ

*

قـــد أودَعـوكَ بـمِـلء العـين مِـقودَهـم

اقْـــسَـمْـتَ تَسعى الى الحُسْنى بِلا مَلَلِ

*

فاطْلِـقْ عِنـانَـك لا تـثـنـيـك جَـعْـجـعةٌ

ان الـتـرددَ ، لا يُـرقـي الــى الــقُــلَـلِ

*

فالـســيـفُ قـوّتُـه : إيــمانُ مُـمْـسِــكـهِ

والعـيـنُ  يُعرَفُ مَغْـزاهـا مِـن المُـقَـلِ

*

إنّ الأمانيَّ فـــي تسْــويـف مَـوْعِـدِهـا

يـُهـَـدِدُ الـثـقــةَ الـعـليـاءَ ، بـالــفَـــشَــلِ

*

ادْرِك شـراعَـك ، فالأنـظارُ فـي وَجَـلٍ

مِـن غَـدْرةِ الريـح فاسْـبقهـا على عَجَـلِ

*

ونَـمْ بـعَـيـنٍ ، ودَعْ أخـرى عــلى حَـذَرٍ

مِـن مَخْـلب الذئب، أو مِن بِرْكة الوَحَـلِ

***

(من البسيط)

    شعر عدنان عبد النبي البلداوي

لا رغبة عندي لمشاهدة التلفزيون، وكان النعاس قد بعد كلياً عن عيوني وشعرت أن السرير غير مريح على الإطلاق. أدرت جسدي نحو الجانب الآخر، وطالعت الجدار الموشّى باللون الزهري وثمة خطوط لظلال ورود صفراء صغيرة تطرزه  طولاً وعرضاً. كانت هناك جوار الحائط سندانة زرع صغيرة وُضعت فوق منضدة تهدّل منها بإهمال الغطاء الحريري. وسط السندانة غرس عود دقيق تتسلقه أوراق شجرة شبيهة بأوراق السرخس الأسفنجية، وظهرت من بين ثنيّات الأغصان بضع ورود بيض فاتنة.

تلك السندانة أتى بها رياض في اليوم الأول من دخولي دار رعاية العجزة، وقد شكرته على هديته، وتلك كانت مقدمة لتعارفنا الذي بات مجلبة لرضاي وبقائي صامدة في مثل هذه العزلة المضجرة والموحشة. لم أكن لأرغب البقاء وحدي، ولم أعتد ذلك منذ زواجي من أولف. وكنت لا أمقت في الدنيا شيئاً بقدر كرهي لساعات يقضيها أولف بعيداً عنّي.

في تلك الأمسيات الشتوية الطويلة، حين يهطل الثلج ثقيلاً في الخارج، كنت أجلس قرب المدفأة بانتظار أولف، فقد اعتاد أن يهاتفني ليخبرني أنه مضطر للبقاء في عمله إلى وقت متأخر. ولكن لم يكن ذلك الهاتف ليطمئنني عليه، فأنا كنت أحمل هواجس غريبة ومتعبة، وثمة إحساس بالخوف يراودني كلما أخبرني أولف بتأخره في المجيء. أشعر بالخوف يسربل روحي وأنا أستمع لصوت الريح وأشجار الصنوبر السامقة تهتز تحت ضربات الريح العاتية، وتتهدل أغصانها جرّاء ثقل الثلوج المتساقطة بكثافة. كنت أظل طوال الوقت ساهمة متوترة الأعصاب لحين قدوم أولف. أسمع صوت محرك سيارته وهو يدخلها المرآب، ثم طرق حذائه حين ينفضه عند الباب الخارجي.  هذا الأمر كان يتكرر بشكل متعب وقاسٍ، خاصة أيام العواصف الثلجية. كنت أفسر الأمر وأسميه عصاب الخوف من المجهول، وحين أخبر أولف بذلك يروح ضاحكاً ويضمني إليه.

ـ حبيبتي ما زلت تنتظرين...

ثم قبلة وكالعادة وردة براقة، كان يطلق عليها دائماً وردة الصفح والغفران، أي أن عليَّ أن أغفر له فعلته وتأخره كل هذا الوقت. ولكني كنت أحس بأن تلك الورود، وفي كل مرة، مبعث لشعور دافق بالحب وإبعاد ما يتلبّسني من مشاعر خوف وقلق.

شعرت بثقل الوقت وهو يسير ببطء مرير وممل. سحبت رسالة مصلحة الضرائب مرة أخرى ورحت أجول بنظري بين سطورها دون أن اقرأ جملة كاملة منها، فأنا حفظت محتوياتها عن ظهر قلب، وهي معي تشاطرني مضجعي منذ ذلك اليوم المشؤوم. أستطيع أن أعدّ كلماتها الجافة الخشنة الباعثة على الأسى والفزع. كيف يتسنى لهم فعل ذلك. مضى الكثير من الأشهر وهم يماطلون في اتخاذ القرار، أي برلمان يفعل مثل هذا. يا ترى ما دوافعهم من هذا الأمر، رغم الوعود التي يطلقونها عن قرب اتخاذ القرار. فحتى الآن، وحسب ما أخبرتني به السيدة سوزان ماساك، هناك أكثر من مائة من الجثامين محشورة في الثلاجات منذ أكثر من خمسة أشهر، تنتظر موافقة الدولة على مشروع الدفن الجديد. وقبل هؤلاء أصابت الخيبة الكثيرين من أهالي الموتى الذين ذهبت جثثهم بعد حين طعماً للديدان. كل تلك الجثث في الثلاجات المنتشرة في أماكن مختلفة من السويد، ومعها أحبتهم من العوائل المسكينة، تنتظر القرار دون جدوى. والأدهى من ذلك أن حفظ تلك الجثث في الثلاجات لا يتم مجاناً بل مقابل ثمن، خمسون كرونا لليلة الواحدة. وإن لم يتوفر لأهل الميت مبرر مقنع لبقاء الجثة في الثلاجة، فمصلحة الضرائب سوف تجبر أهله على دفنه بعد مضي ستة أشهر في أقصى احتمال، أو تأخذ مصلحة الضرائب على عاتقها أمر الدفن، وتحميل أهل الميت مصاريف ذلك. ولكني لم أدع الموضوع يمرّ دون البحث عمن ينقذ جسد حبيبي. ففي حالات استثنائية يمكن تمديد مدة بقاء الجسد لفترة أطول، ربما تتعدى حدود الأربعة أشهر أخرى. لقد قدمت طلباً بذلك، وعرضت فيه مبررات كثيرة لأجل الحصول على التمديد. عرضت عليهم ضرورة تلبية رغباتنا أنا وزوجي، وهي تمثل أهمية قصوى له ولي شخصياً. أخبرتهم بأننا دفعنا بدل الاشتراك كاملاً، ولكلينا ونحن سوية ننتظر أن ندفن على طريقة الدفن البيئي، وأن حبيبي أولف باتت روحه ترفرف الآن عند شجرة التفاح التي اختارها، تلك الشجرة التي حددها واختارها بعناية وكان وفي كل مرة نمّر من أمامها يحيّيها مبتسماً، ويطالعها بشغف ومحبّة وقد أخبرني بأنه يشعر بأن كيانه وروحه امتزجا مع نسغ تلك الشجرة. كنت أحسده على ولعه ومحبته لهذه الشجرة، لأني وبالعكس منه لم أنتقِ شجرة بعينها، بل حددت في ورقة الطلب، أن يكون جسدي جزءًا من شجرة ورد دون تعيين، واكتفيت بذلك. أمنيتي أن تمتزج روحي وبقايا جسدي وتنمو في برعم ينتظر الربيع ليفجّر طاقته، ثم تندفع روحي منسابة هادئة تنفرج عنها زهرة شذا عطرها يفوح في المكان.

أذكر ذلك جيداً الآن، وروحي تتمزق ألماً لفقد حبيبي. كانت لحظات غضب لم يدعها أولف تسيطر عليَّ أو تعكر صفو تلك الأمسية. فحين دفع الجريدة نحوي، تلك التي أردت أن آخذها وأرميها بعيداً، والتي اعتقدت وقتها أن أولف يتجاسر ليعرض عليَّ مقال السيدة ليندا أليكسون، ضحك أولف وضمّني إلى صدره وهدّأ من روعي، عارضاً ما يريد أن يطلعني عليه.

كان التقرير الذي حوته الجريدة يحتل صفحة كاملة. جلسنا وتناولنا عصير الفواكه، وناقشنا بحرارة تقرير السيدة سوزان ماساك أخصائية أبحاث البيئة، والتي تنشر مواضيعها الصحية والعلمية في جريدة الداكنز نهيتر أيضاً. كان أولف وهو يناقش أمر الطريقة الجديدة بالدفن، يشعر بغبطة فائقة وفرح يغمر روحه، وراح يصور الموضوع وكأنه اكتشاف لعملية إنقاذ تاريخية من معضلة كانت تؤرق البشرية. فجأة، وبنشوة غامرة قال أولف: لم يعجبني طيلة حياتي غير منظر شجرة التفاح حين تتفتح زهورها بذلك اللون الزهري الخلاب، كنت أجلس تحتها أفكر بتفاؤل وأنا أشاهد الزهور وهي تتساقط فوقي ومن حولي، أعتقد أن أمنيتي سوف تتحقق بعد ما عرضته السيدة ماساك، أريد أن أكون جزءًا من شجرة تفاح مثمرة فوافقته على فكرته.

كان تقرير السيدة سوزان ماساك في الجريدة، والذي قمنا أنا وأولف إثره بطلب لائحة الشروط وملء أوراق الطلب والحصول على الموافقات، وإتمام عملية دفع مبلغ التأمين الأولي وباقي الإجراءات، كان يتحدث عن عملية دفن حديثة للجسد، سمّته السيدة سوزان بالدفن البيئي. وقد شرحت بالكامل العملية والكيفية التي يتم فيها تحلل الجسد وما هي المكونات التي سوف تستقبلها تربة الأشجار، وتمتزج عناصره العضوية بعد تحللها  بالنسغ،  ومع مرور الوقت تكون جزء لا يتجزأ من جسد الشجرة وروحها. وقد قـُدمّ المقترح إلى البرلمان للموافقة عليه.

عملية الدفن البيئي تختلف كلياً في الكثير من الإجراءات عن عمليات الدفن العادي أو الحرق التي يذهب الجسد بعدها ليكون إما طعاماً للديدان، أو رماداً يوضع في قنينة تركن مهملة في إحدى زوايا البيت، إن لم تركن في قبو المهملات، ومع مرور الوقت تُهمل وتُنسى ويعلوها التراب، أو بعد أن يوضع اسم الميت فيها، ترمى القنينة في أقرب بحيرة أو بحر، أو حتى جدول ماء. السيدة سوزان شرحت العملية بالكامل. فهي ومجموعة أخصّائيّين توصلوا إلى طريقة بيئية للتعامل مع الجسد بعد الوفاة، ليكون الناتج بعد تحلله مجموعة عناصر كيميائية بخواص ومواصفات محددة. الطريقة تعتمد على العناصر الكيميائية في الجسد وفيزياء الحركة وغاز النيتروجين. يوضع الجسد داخل صندوق خشبي ثم يدخل في صندوق صنع من معادن فائقة المقاومة حيث يحاط التابوت بوسط كثيف من غاز النيتروجين وتحت درجة حرارة تبلغ  196 تحت الصفر بالتحديد، ليتم تجميد الجسد، وتكون هذه الدرجة ذات تأثيرات تحدثها تفاعلات الفلزات التي يحتويها الجسد، بعد هذا يتم رجّ الجسد داخل التابوت بقوة وسرعة تقارب سرعة الصوت، عندها تتم عملية تفتت الجسد ليصبح على شكل مسحوق ناعم لمّاع رطب، يخلط بنترات الرصاص وبعض الزئبق، بعدها يمكن تطويع المادة الناتجة إلى ما يشبه سائلاً ثقيلاً بعض الشيء، تحقن به جذور الأشجار وتوضع بقية منه بين الشقوق واللحاء والتربة المحيطة بالشجرة، ليكون تأثيره فعالاً في ارتفاع خصوبة التربة وزيادة في طبيعة نمو النبتة وليختلط جسد الشخص بروحها.

تلك الليلة سهرنا أنا وأولف حتى ساعة متأخرة من الليل، ناقشنا ما طرحته السيدة ماساك في جريدة الداكنز نهيتر بسعادة وغبطة. حاولنا أن نكون عمليّين. كان أولف عند الشهر الأول من العام الثالث لتقاعده عن العمل، وكنت قد لحقته بسنة واحدة حين أكملت الخدمة وطلبت الإحالة على التقاعد. لقد جهد أولف أن يعمل قدر المستطاع وبشكل كفوء وبنكران ذات لأجل صيانة سمعته كطبيب، وبروح شفّافة وواعية من أجل مرضاه. لقد كانت مشاريعه دائماً طموحة مثلما يطرح في بحوثه. عمل أكثر سني وظيفته في مستشفى مدينة يونشوبينغ، ولكنه في نفس الوقت كان كثير السفر ليشارك في المؤتمرات العلمية أو إلقاء المحاضرات ومناقشة بحوث في مختلف دول العالم. في جميع تلك السفرات كنت أجد نفسي، وفي كل مرة، أقترب كثيراً شيئاً فشيئاً من أولف، فكانت سعادتي برفقته لا توصف وكان طيلة الوقت يغمرني بالمحبة ودفء العواطف، ويقدّمني لزملائه وأصدقائه وحتى لتلامذته بكلمات وإيحاءات فخر وتشجيع لا يمكنها أن تغيب عن بالي، أو أفقدها بقدر ما يعني ذكرها نوعاً من السلوى التي تنعش حواسّي، وتثلج قلبي الذي أشعر به، وبعد أن هرب الوقت منا، قد كلّ وتعب وباتت الآلام والوحدة المضنية تثقل عليه، فأصبح هذا القلب يضيق بكل شيء مع اختفاء أولف الحبيب من أمام ناظري. لقد عشت أجمل سني حياتي مع أولف، أو إني لم أعش قطّ دون أولف. لست نادمة على أي شيء في حياتي معه، لقد شبعت من الحياة نفسها، لأني عشتها بين أحضان أولف، وهو لم يعد جواري الآن، أريد أن أذهب إليه فلم يعد لجسدي قيمة بعده، ولا يوجد ما أحتفظ به غير ذكرياتي معه.

أتذكر ذلك اليوم جيداً. كان يوماً خريفياً غائماً وأوراق الشجر غطت الشارع الواقع جوار مركز المحافظة. اليوم السابع والعشرون من أيلول عام 1945 كنا سبعة عشر شخصا نرفع لافتتنا الحمراء، ونقف أمام مركز المحافظة استنكاراً لجريمة الولايات المتحدة الأمريكية المتمثلة بإلقاء قنبلتيها النوويتين على اليابان. لفت انتباهي شابّ بشعر ذهبي يرتدي قميصاً شذري اللون تحت بلوزة بنفسجية خفيفة بأزرار مزدوجة. دخل وسط جوقنا وراح يردد معنا الأناشيد الثورية. سحب صورة صغيرة من تحت بلوزته وعلّقها فوق صدره. لفـّني فضول لمعرفة صاحب الصورة دون أن يستحوذ الشابّ على اهتمامي الكامل بادئ الأمر. نهاية تظاهرة الاستنكار اقتربت منه لأسأله عن صاحب الصورة فزاد جوابه من جهلي وحيرتي حين سماه لي: تروتسكي، ولكن من هو تروتسكي هذا، هكذا قلت.

 كانت تلك بداية تعارفنا، ومن بعدها استمرّت لقاءاتنا. لقد كنت في سنّ المراهقة، لم أكمل بعد السابعة عشرة، وكان هو يكبرني بثلاثة أعوام. تزوجنا بعد أربعة أعوام من لقائنا الأول ولم ننجب أطفالاً. فبقينا دائماً وحيدين نعيش لبعضنا البعض، يحبني مثلما أحبه، لم أجد يوماً ما مايدفعني للندم على شيء عشته مع أولف.

كانت آخر وصية تركها لي حين لفني بين ذراعيه قائلاً: لا تدعيهم يحرقون جسدي أو يطمرونه تحت الأرض. أريد أن أدفن وفق طريقة الدفن البيئي الجديدة. لقد دفعنا التأمينات ونحن نقف في الدور ولا أريدك أن تسبقيني، فإما أنا قبلك أو نكون سوّية.  

أشعر بالذنب وهذا يؤرقني بشكل لا يطاق.  فقد ذهب وربما كان يتملكه الغضب مني، لأني تركته وحيداً مسجّى في عربة الإسعاف. وجهه المنقبض لا يفارق مخيلتي، وتلك العينان الزرقاوان تطالعانني، بل كانتا تودعانني فأشعر برعدة في جسدي. تخشّب لساني وقدماي تيبستا. ما كان ينبغي أن أتركه، ولكن حالي المشوشة وارتعاش جسدي ووهنه، كل ذلك جعلهم يمنعونني من مرافقته. لا يهم فأنا أتبعه حتى الآن، وسوف ينتظرني كالعادة. أعرف أنه لا يطيق العيش دوني. سوف ينتظرني ونكون سوية مثل عبق الورود في صيف بليل. ينتظرني بوردة الصفح والغفران. وسوف أضعها في آنية وأسقيها كي لا تذبل. ما زلت مقتنعة بأنه كان على صواب حين اختار لنا طريقة الدفن البيئي، فهي العملية الوحيدة التي تمكننا من الالتقاء معاً وإبعاد الخوف عن روحينا. إنه يقبع الآن مجمداً في ثلاّجة جافة موحشة، ولكني أظن أن روحه تتطلع للقائي. لا تستوحش البرد فأنا قريبة منك، ولن أدعهم يفعلون بك ما يريدونه.

 عليَ أن لا أدع الأمر يفلت من يدي، فالرد الذي أترقبه ربّما أصل به مع مصلحة الضرائب إلى نتيجة تضمن الحفاظ على جسد حبيبي أولف، لحين موافقة البرلمان على مقترح الدفن البيئي، عندها يتحقق حلمنا لتنمو روحانا مرّة أخرى في الطبيعة ونبعد عن جسدينا دود الأرض. وإن أصرت مصلحة الضرائب والدوائر الأخرى، على دفن جسد حبيبي وفق ما يريدونه، فسوف أقوم بنقل الجسد إلى بلد آخر يقبل أن يحتفظ به لحين حصول موافقة البرلمان على مشروع الدفن البيئي. أجد أن ذلك مخرجاً جيدا بالرغم من أنه يتطلب جهداً ومالاً.. المال لا يعني شيئاً، ولكن من يتكفل بأعمال النقل، ذلك الشيء الذي يتطلب الكثير من المعاملات الخاصة، وأيضاً ربّما تعترضه الكثير من المعوقات.. ليس لي بعد الآن غير صديقي رياض، فهو شابّ خدوم قوي الجسد والعزيمة. ولكن أتراه يوافق على مثل هذه المهمة. سوف أعجّل بالأمر وأطلب منه ذلك في الصباح الباكر.

***

نقر طير دقيق المنقار فوق حاشية النافذة الخشبية محاولاً الوصول إلى حشرة اختبأت بين طيّاتها، كان يحاول التشبث بطرف النافذة الأملس. جناحاه الصغيران يرّفان بعجالة مرتبكة. يدسّ منقاره في الشق الرفيع ومخالبه تتشبث للإمساك بحافة النافذة، وبعناد ومثابرة كان منقاره في دأب يغوص ثم يغوص في البحث. كانت الشمس الكسيرة تشق بضوئها الشاحب سحابات رمادية جللت السماء. كان الجو مكفهراً ذلك الصباح. ثمة أوراق شجر صفراء تذروها ريح الخريف قرب النافذة، ترتفع ثم تهبط نحو الأرض متأرجحة مثل فراشات، أو تندفع لتصل حافّة البحيرة. كان رنين جهاز التنبيه يبعث صوته المكتوم بتكرار رتيب يتساوق مع دقات منقار الطائر المتسارعة. التاسعة صباحاً ثمة بعض الأصوات تصدر عن المصعد المجاور لباب الغرفة، وعاد الطرق ليتكرر فوق الباب ولكن وسط الغرفة لم تكن هناك من حركة توحي بالحياة. كانت السيدة أولف متيبّسة الجسد تطالع السقف بعينين زجاجيتين مفتوحتين على سعتهما، حين دخل رياض وسحب الملاءة البيضاء وغطى كامل جسدها الضامر. 

***

فرات المحسن

إنّي لأخجلُ من شهيدٍ أو شهيده

لو أكتفي بالشعر في نظم القصيده

و أرى بغــزّة ما أرى

الموت

والترويع

والطفل المحاصر

والشريده

وأرى الشيوخ الخائفين

على النساء

من للنساء إذا بقين على العراء

لا سقف

لا جدران

لا وطناً أمين

أمٌّ وطفلتها الوحيده

فلقد تمزّقتِ الرجال

وتفرّقتْ

حيث المتاهات البعيده

ماتت بغـ..ـزّةَ أمنيات

وتكوّرتْ

بالدمع ضحْكات الصغار

والحزن يحفر في الوجوه

أقسى التجاعيد الشديده

فتقطّبت كل الوجوه

حتى غدتْ

حجراً ومقلاعاً يثور

أنفاقَ جيلٍ من نمور

من كل شقٍّ يطلعون

يرمون قاذفةً جديده

ليخاف حاخامُ اليهــ..ـود

فتطيح قبته الحديده

و تعود غــزةُ من جديد

أُمّاً

و مرضعةً وليده!

***

رعد الدخيلي

مِن أهْدابِ النَّرجِسِ سُرقَت أَحْلامِي

من طَوق ِ البَنفسَجِ اغْتيلَتْ لهَفاتي

ارتَعَشَت عَصافيرُ حُنجرتِي

وهُناكَ على المقعَدِ الأسْمَر

ما زالَ ثَوبِي يَقطرُ دَماً

وأُمنياتي جاثِيَةً لتُقبِّلَ المطر

**

كُلَّما أُمَشِّطُ الشمسَ ..

يَقُطعّونَ أَصابعِي!!

كلَّما أُغازلُ  شَفةَ القمر ..

يَئِدُونَ أُنوثَتِي!!

وفي كلِّ مَرَّةٍ أتحَدَّى الريحَ ..

يطعنونني برُمحٍ وثَنيّ!!

يبدو لي أنَ الصباحَ بلوريٌ

أنّ الحُلمَ مُباحٌ

والليلَ طَليقُ الآهاتِ

فَتَبتَسِمُ في جسديَ الجراحُ

تَحُطّ الغادرينيا على شُرُفاتي

وتَتَساءَلُ روحي

أَمَا للفرحِ من شَهقَةٍ أَخيرَةْ؟

وللمَلائكةِ عرسٌ في السماءِ

هل سَتَحتَفِلُ الأَرضُ ٍبيوم ٍ للسلامِ؟

هل سَيُصَفِّقُ الرِّبيعُ للنصرِ؟

**

عُذراً لأَنني أَحلَمُ...

عُذراً لأنَني قَبَّلتُ الشمسَ

أنا زهرَةُ هَواءِ، أنْفاسُ ماء

ونَبْضُ حُريَّة وبَقاء...

سأبْقى أَحْلَمُ..

رَغمَ أَنْفِ الأَعَاصيرِ

وأعْشَقُ قَوسَ قُزَح

بُعثْتُ زرقاءَ اليَمامَةِ

عَمّدْنِي  يا مطرُ ...

عَمّدْنِي يا مطرُ ...

***

سلوى فرح - كندا

وَأَحْيَا

أَعِيشُ التَّجَارِبَ تِلْوَ التَّجَارِبِ

أَمْضِي

وَمِجْدَافُ حُبِّي

يُقَاوِمُ أَشْبَاحَ غَرْقَى

يُحَاوِلُ أَنْ يَسْتَمِدَّ الصُّمُودْ

مِنَ اللَّيْلِ

مِنْ حُلْكَةٍ لَا تُضَاهَى

فَهَلْ يَا تُرَى سَوْفَ أَنْجُو بِحُبِّي؟!!!

وَأَظْفَرُ بِالْوَصْلِ؟!!!

هَلْ أَسْتَفِيقْ؟!!!

وَأَعْبُرُ هَذَا الْمَضِيقْ؟!!!

وَأَرْوِيكَ يَا حَقْلَ حُلْمِي السَّعِيدْ؟!!!

تُرَاهَا تُشَارِكْ؟!!!

تُقَاسِمُنِي؟!!!

لَوْعَتِي فَرْحَتِي؟!!!

قُبْلَتِي بَسْمَتِي؟!!!

مَشْيَتِي رَقْدَتِي؟!!!

تُزَخْرِفُ أَيَّامِيَ الْحَالِكَاتِ

بَأَنْوَارِ حُبٍّ يَطُولُ النُّجُومَ

وَيَقْفِزُ لِلْمُشْتَرَى فِي شُمُوخٍ

يُعَانِقُهُ فِي اشْتِيَاقٍ وَحُبٍّ

وَيَرْمِي الْهُمُومَ

عَلَى الْأَرْضِ

يَخْلُو

مِنَ الشَّكِّ

هَذَا الْعَتِيِّ الْعَنِيدْ؟!!!

وَيَمْشِي عَلَى ثِقَةٍ وَاقْتِدَارٍ؟!!!

أُحِبُّكِ

هَلْ قَدْ عَرَفْتِ مَعَانِي الْحُرُوفْ؟!!!

تَقَاسَمَهَا

شَرَايِينُ قَلْبِي

وَأَوْرَدَةٌ

نَبْضُهَا لَا يَكِلُّ

فَهَلَّا اسْتَمَعْتِ لِدَقَّاتِ قَلْبِي

أَيَا وَرْدَتِي

هَلْ فَهِمْتِ

حَكَايَا الْفُؤَادِ السَّعِيدِ الْحَزِينْ؟!!!

نَقَلْتِ شُرُوقَ الشُّمُوسِ إِلَيْهِ؟!!!

وَأَهْدَيْتِهِ حُبّهُ الْمُنْتَظَرْ؟!!!

أُرِيدُكِ

شَمْساً تُضِيءُ طَرِيقِي

تُهَدْهِدُ أَبْنَاءَنَا الْقَادِمِينَ

بِإِذْنِ الْإِلَهِ لِدُنْيَا الْأَمَلْ

أُرِيدُكِ

أَرْضاً تُشَهِّي فُؤَادِي

فَيَعْشَقُ فِيهَا الْعَنَاءَ

وَيَشْقَى

يُرَوِّي التُّرَابَ

بِمَاءِ الْحَيَاةِ

وَيَحْصُدُ نُورَ السَّنَابِلِ مِنْهَا

أُنَادِيكِ يَا طِفْلَتِي

مِنْ زَمَانٍ فَهَلَّا سَمِعْتِ

النِّدَاءَ الْقَدِيمْ

وَكَمْ قَدْ مَضَى مِنْ سُهَادِ السِّنِينْ

تَعَالَيْ نُوَاصِلُ أَحْلَى طَرِيقْ

وَقَلْبِي لِقَلْبِكِ أَوْفَى رَفِيقْ

***

شعر: أ. د. محسن عبد المعطي

شاعر وناقد وروائي مصري

في ذاكرتهما،

تزحف الأرض المجعدة الوجه نحو الماء

تحبل البيادر المثخنة بالخصب

الصفصافة اليابسة وجهها مشرئب لحمرة الغروب

وتحت الزيتونة المتشحة بالسواد

يتناسل حديثهما على صرير المناجل،

نظرات ساهمة نحو السهول

يختلج قميصها الهواء ويبعثر حصادها،

يحمل الريح أصوات العابرين

ويعري بساط وجهها الأسمر،

فوق المقاعد الخشبية

عصافير حنطية كالخبز الجاف

وطريق التلال مصنوع من عرق الأجداد،

عراء فاتن يطفو على وجه النهر السادر

أيهيج طوفانا أم ينحسر على الضفاف ؟ !

*

لرائحة الأرض

يتناسل الحديث

لوحة العراء الفاتن!!

***

بقلم صباح القصير (المغرب)

انتبهت من نومها على مغص حاد في معدتها، إبرٌ تنغرز في دواخلها،حركت قدميها لتزيح عنها جزءا من الغطاء، أحست كأن الإبر قد صارت سهاما حادة تخترق أحشاءها، انذهلت !!.. الأنين قد تحول صيحات ألم..

بنصف نظرة ترنو الى زوجها، يغط في نومه بجانبها غير آبه بما أصابها،لم تحركه صيحة من صيحاتها، سوى أنه حين ركزته بقدمها تأفف واستدار الى الجهة الأخرى..

ـ "النوم قريبا منك صار عذابا "

قالها بغمغمة وهو يمد الغطاء على رأسه كأنه يريد أن يفصل صيحات آلامها عن مسامعه..

منذ مدة ومليكة تعي أن الأمان قد تلاشى بينها وبين زوجها، اهتز كل استقرار كان بينهما، فلا انسجام ولا تفاهم..

ـ لماذا؟.. أما أن أكون غبية خرساء،خانعة أستسلم لأوامره، ذليلة يستغلني و على كل ما أملك يبسط هيمنة، فيرضي أنانيته، منتشيا برجولة يدعيها وهو عنها بعيد، أو يكرهني إذا ما تمسكت باستقلاليتي، ووقفت بالمرصاد أمام غلو رغباته..

من عامها الأول معه و مليكة تحس أن شيئا ما يقع خلف ظهرها لكنها تتعامى حتى لاتزيد علاقتهما تعقيدا وتفسخا..

سكاكين الألم لازالت تقطع دواخلها، لا اثر لزوجها بإحساس، في نومه يغط وكانه عن غرفة النوم في غياب، تتحامل على نفسها، تبادر راكضة الى الحمام، وقد غلبها قيء مر يمجه فمها..

تنادي على زوجها.. نداءات متقطعة يكسرها الألم باختناق..

ـ إسماعيل أغتني.. أموت..

يغالبها القيء لكن هذه المرة كان دما،و كان كبدها قد انسحق في جوفها ثم فاض على فمها..

تسقط على بلاط المطبخ.. تتوقف أنفاسها ثم تهمد بلاحركة..

الساعة الثامنة صباحا، تصل الخادمة كما تعودت كل يوم، تفتح الباب بمفتاح لديها ثم تدخل المطبخ، وهي تخلع جلبابها داهمتها رائحة لم تتعودها في البيت، تدلف الى الحمام فتفاجئها مليكة متمددة على الأرض شعرها يتمرغ في قيئها الأسود وقد فقدت الروح..

تستغيت الخادمة بصياح..لا أحد يجيب.. تهرول الى غرفة النوم.. أسماعيل نائم ملفوف في غطائه، تناديه، لايرد..وهي تحاول العودة الى المطبخ لتأخذ هاتفها من حقيبتها، تنتبه أن الزوج يحاول إزاحة الغطاء عن عين واحدة ويتعمد الشخير..

تهاتف أم مليكة.. كانت المفاجأة على الام قوية زلزلت أعماقها.. كيف وقع ؟وماذا أصاب بنتها ؟

الى حدود الثامنة ليلا ومليكة عندها، تناولا عشاءهما معا، وكانت مليكة سليمة صحيحة منشرحة تنشر البهجة من حولها كعادتها..

تستعيد الام أحاديثهما، كانت ذكريات عن الوالد المرحوم، عن صرامته في مهنته، عن حبه لزوجته وابنته التي لم يرزق غيرها، عن حرصه على دراسة مليكة الى أن بلغت شأوا كبيرا أهلها لوظيفة سامية..

تعيد الام إطلالة على جثة ابنتها وهي تنتظر أخاها المحامي بعد أن هاتفته ليشاركها مصابها فهو أدرى بما يجب القيام به، تتذكر أن زوجها نفسه مات من جراء قيء مجه دما أسود.. هل يكون نفس الداء ما أصاب بنتها؟

يقبل الزوج متثائبا بصوت مسموع وهو يتمطى مستفسرا:

ماذا وقع ؟..

ـ يالطيف !!..كيف لم اسمع صوتها ولم انتبه لما وقع ؟ أهذا كله قيء منها؟..

يتعلل بأنه تناول منوما في الليل فلم يشعر بما يدور حوله، ولتبرير ما حدث لزوجته قال:

ـ تعودت مليكة أن تتناول طبيخ البابونج ليلا، الا يمكن أن يكون السبب في موتها؟ مرارا نبهتها الى التخلي عنه ربما يكون به خليط من أعشاب سامة..

تقدم من خزانة وكأنه يعرف كل محتويات المطبخ وترتيب أوانيه وأخرج إبريقا لازالت فيه بقية من طبيخ البابونج..

سلوك تستغرب له الخادمة كيف أهتدى إسماعيل الى الابريق دون تفكير رغم أن مكان الأباريق في زاوية أخرى، ولا يمكن لمليكة أن تضع إبريق دواء شربت منه ولازال فيه بقية في مكان غير المغسلة..

ـ مليكة شخصية كل شيء لها منضبط ومنطقي ومنها تعلمت تحديد مكان كل شيء في المطبخ..

"تسرع القاتل حين يتوهم استرجاع قوة وسيطرة كان يفقدها على القتيل بعد ارتكاب جرمه"

أول ملاحظة يكونها الخال عن إسماعيل..

تذكر الام أنها ومليكة قد شربتا معا طبيخا مماثلا أمس في بيتها بعد العشاء فكيف تعد مليكة غيره بعد عودتها الى بيتها؟..

لايغيب عن الام علاقة ابنتها المتوثرة مع زوجها،علاقة بدأت تنسج خيوطها مذ أسر الأب لمليكة :

ـ مليكة بنتي،أرجو أن تنتبهي لزوجك فالشكوك تحوم حول تجارته وعليه ألا ينسى أنه صهري، وأن سمعتي قد كونتها بامانتي وتعففي عما يسيء لوجودي وسمعة أسرتي..

بعد ذلك استلف إسماعيل مالا من زوجته لغرض تجاري، وتوجسا من سلوكاته تسلمت منه وصلا بضمان، مرت المدة المتفق عليها فشرع يماطلها في رد ما بذمته..

ازدادت العلاقة توثرا بعد أن بلغ إسماعيل أن زوجته مرشحة بقوة الى منصب وزاري في التعديلات القادمة..

اصر الخال كرجل قانون أن يستدعي الشرطة بعد الشك الذي داخله في زوج ابنة أخته، والموت فيه دم قد نزف من رأس مليكة بعد سقوطها من شدة الوجع، عارض الزوج تدخل الشرطة في أمر أسري ليس فيه سرقة ولا قتل. وهوما يجعل سمعة مليكة حسب رأيه تلوكها الأفواه بقراءات وسوء تأويل وظن.. يتفاقم النزاع بين الرجلين الى أن قال الزوج:

أرجو أن تنسحب لحال سبيلك فهذا أمر لا يهمك.، أنا "قاد بشغلي"..

رمى الخال على وجه إسماعيل ضحكة سخرية واستهزاء، أخرج هاتفه ثم استدعى رجال الشرطة..

لم يكن عسيرا ولا شاقا على رجال البحث بعد التشريح وقليل من الأسئلة أن الزوج هو القاتل. كان يعرف ان زوجته تشرب كأس ماء قبل نومها فوضع لها في الكأس سما هو نفسه الموجود في ابريق البابونج الذي لم يكن مطبوخا وانما مجرد زهرات موضوعة في ماء عاد.

تحليل دم الزوج لم تظهر أنه تناول أي منوم وانما هو ادعاء كاذب عززته الخادمة انها انتبهت لاسماعيل وهو يحاول أن يكشف عن عين واحدة وهي تستغيث به..

اعترافات الزوج أتت كالتالي:

كنت مدينا لزوجتي بخمسة ملايين درهم رفضت أن تتنازل عنها، رغم ما ورثته عن أبيها،وقد خيرتها لمجرد التهديد فقط بين ارجاع ما بدمتي وبين تخليها عن العمل عساها تتنازل عن المبلغ وتمزق الوصل الذي لديها مني، لكنها واجهتني بشراسة،وشراستها لم تكن عدوانا أو صياحا، شراستها كانت قدرة على احتضان الضحكة في عيونها و هي ترميني بكلمات ساخرة ذباحة تضعني امام تأدية الدين او الطلاق ومواجهة القضاء، وقد تفاقمت كراهيتي لها حين قالت:

حبذا لو كنت رجلا يستحق التضحية أما وأنت تعرف نفسك فالطلاق اضمن لك بستر عما تقوم به خلف ظهري..

كنت أخشاها، خشيتي على نفسي وأنا أتقلص أمام ارادتها وعزيمتها،، لم تكن تخفى عليها خافية من أموري، كان إحساسها باستقلاليتها وتحكمها في رغباتها هو ما يقزمني ويفنيني، كنت أسأل نفسي:

كيف تكونت لديها هذه الشخصية ؟.. تصل الى ماتريد بلا عنف أو صرامة،ضاحكة تنشر المسرة حولها.. تستطيع أن تسير دولة ببسمة وطلب.. كنت أمام قوتها أحس بحقارتي..

لما بلغني أنها مرشحة لمنصب وزاري في التعديلات القادمة أيقنت ان تركها لمنصبها كمسؤولة عن التصدير والاستيراد الخارجي قد يكون السبب في خسارتي، يكفي أن أقف في مطار أو محطة أو إدارة عمومية لتقضى كل أغراضي بلا تشديد أو تفتيش.. فباسمها ودون علمها أمرر أكثر من بضاعة بلا رقابة..أغري هذا وذاك بهدايا فيدخل اللعبة و لا يجرؤ على إبلاغها..

 زوجتي التي كانت ترفض أية توصية ولو صغيرة من أجلي وكثيرا ما انتابها شك في تجارتي، لن تتوانى إذا صارت وزيرة أن تتدخل ضدي خوفا من الرقابة التي تضغط بها المعارضة على الحكومة، وزوجتي كأبيها تموت ولا تسمح أن تفسد لها سمعة، فلماذا لا اقتلها كما قتلت أباها بنفس السم يوم شكاني اليه أحد رجال الجمارك بعد شكه في ما يختلط بصادراتي، صرت أخشاه، ولن يتوانى في التبليغ عني..

يتوقف قليلا وكأنه يخمد الحقد الذي يأكل صدره يبرز في عيونه كجمار حارقة.، ثم يتابع:

كل أصدقائي لهم نساء،هم من يتحكمون فيهن، تبعية مطلقة لأزواجهن، خجل وخوف من غضبهم، بعضهن ذوات تفكير سلبي يستطيع الرجل أن يراوغ ويتحكم ويأمر فيطاع، فما معنى أنا..تمنيت يوما أن اقودها وأستميلها لبعض أفكاري باللين حينا وبالشدة أخرى لكن كانت لها طريقة قاتلة في ردعي :

ـ أحمد الله ان لك زوجة بإرادة وعزيمة تستطيع أن تقودك الى عزك وغناك إذا اصدقتها النية، أنا سندك وعونك لا اطلب الا أن تكون معي صريحا.. اياك أن تتوهم أني لا اعرف كل خباياك، أنا فقط اتغاضى عساك تنتبه وترتدع.. ثق يا زوجي العزيز أني لن اسمح لك ولا لرجل غيرك ان يكون جَدْيا على ظهري يقفز بخداع..

منحني أبي من صدقه وعفته وضبطه لمهنته، ومن أمي ورث انوثتها وثقتها بنفسها واستقلاليتها التي استشعرها أبي بثقة فساعدها على ترسيخ تلك الاستقلالية بدعمه لها وتشجيعها على تحقيق أحلامها..

شيء لم استطع الايمان به فقد عشت محور البيت كأبي وكلمتي مسموعة على إخوتي البنات لايتحركن الا بإذني،فأنا الآمر الناهي..

انفجر باكيا بكاء جزع وفزع مما هو آت..

شرطية تضع يدها على كتفه إيذانا بانتهاء الاستنطاق..

 ***

محمد الدرقاوي ـ المغرب

وأعلن عجزي،

وأمقت ضعفي،

وأغبط الأحلام كيف تشكّلني

فارسا بصَارم،

طوفان أقصى،

وصاروخا بقبضتيّ،

خوذ العدو يدكّ،

وبالجماجم يُعمل حصدا،

وحرثا، وقلعــا..

*

وما أزال أرتّل عجزي،

وأمضغ ضعفي،

ومن الشاشات أهرب،

طفل بساق مبتورة،

من غزّة..

يعاتبني:

أطفَؤُوا حلمي..

أوقِدوا حلمي..

*

وجهه الأعذب من نُهير دوحٍ،

رقّة بي تفتك،

بأمومة حياله أوفر عقما..

*

ومن تراني أنا،

سوى شاعر بالوصف،

يجود شجوًا،

تُنهنه الدمعة،

وبه الأوجاع تُضرم نسفا،

وسفكـا..

*

لا بيتي يشكو فقرَ الإدام،

ولا ساحاتي تعرف للماء غورا،

ونضبا،

ولا سقف فوق رأسي تصدّع،

ولا لاهثا أتدافع

لخلاء يُؤويني،

وآمل فيه اتّقاء،

وأعلم أن القذائف تُواتر فيّ انذهالا،

خرائبُ، وما تبقّى هياكل، أنقاض،

بختم الرحيل تُدمغ قهرا..

وبعد قليل لبيت،

لأهلٍ، لنسلٍ

سأغدو ذكرى..

وبعد قليل سأمخُر عباب ذكرى

لعطر قد جال،

وقد صال مدّا، ورصفا

وفوق الزيتون

أشتل كفّا تلوّح،

هنا.. هنا

في حلوقكم صامدون،

لنا الحق، لنا الغد،

لنا الأمس، لنا الحاضر،

لنا الدهر،

لنا الآماد،

لنا الحياة..

لنا ما لم به يخبركم سِفرُ الخداع،

وإن بنا استمرّ الحَصد،

أو حولنا تجلبب الصمت،

أو بنا استطال القتل،

أو بنزفنا تشدّق الخطباء فُجرا،

وكُهنا، وعُهرا..

*

وأهوي بعجزي،

وأغبط الأحلام كيف تحولني،

تميد بي، فلا أنا أنا،

ولا ذاك أنا،

ولا القدرة مني سلبت،

ولا الأبواب في وجهي أبكمت،

أنا المغوار، أنا الصنديد،

أنا الجبان..

لا قضبان، لا أسوار، لا سجانين،

لا عصيّ تلاحقني،

وفي فمي أكثر من حنجرة،

للغناء، للأهازيج، للهدهدات،

تعلن نصرا، وفوزا..

*

أيها العطر الدامي

الذي من غزة يؤججني،

يطير بي إليك،

وأنا المتسمّر في فضاء يتقلّب

في منفى أخضر،

أستميحك عذرا،

فأنا أمام عبقك،

لن أكون سوى شاعر،

من الأحلام،

يستميحك عذرا..

***

أمان السيد

31/10/2023

ألا يــا قــدس فــي الـخفّاق نـارُ

وفــــي عــيـنـيّ أهــــوالٌ تـــدارُ

*

فـهذا الـطفلُ فـي الـنيران ملقىً

وطـفـلٌ فــي لـظـى عـيـنيه ثــارُ

*

يـخـوض قـريـنُه الألـعـاب لـهـوا

ويـنـشـئـهُ عــلــى اللهبِ الـغِـمـارُ

*

وذلــك لـيـس يُـعـرَفُ مَــن أبـوهُ

تـَـمـزّق جـسـمُـه الـزاكـي الـنـوارُ

*

سـوى فـي معصمٍ كُتِبت حروفٌ

كــــأنّ الــــروحَ قـيّـدهـا ســـوار

*

وهـــذي الأمّ تـبـكي أمــسَ ابــنٍ

ويُــهــدي غــيــرَهُ عــــمٌّ وجــــارُ

*

ووجـه الـشيخ أضحى في ترابٍ

إلـــى الـجـنّاتِ بــالآلاف ســاروا

*

فــغــزّة بـــابُ أمــجـادٍ سـتـأتـي

فَـفـخـرٌ أنـــتِ والـزعـمـاءُ بــاروا

*

وغـــزّة فـــي جـبـيـن الـعـزّ عِــزٌّ

كـشـمـسٍ لــيـس يَـقـربها الـغـبارُ

*

ومــا عَـقِـمت نـساؤك عـن عـزيزٍ

ولــكــن أُعـقِـمَـت فـيـنـا الـكِـبـارُ

*

كـــبــارٌ عـــنــد لــهــوٍ أو لــزهــوٍ

ولـكـن فــي الـشدائدِ هُـمْ صِـغارُ

*

يـثـرثـرُ بـعـضهم والـحـال جُـبـنٌ

فـأين الـجيش؟ أيـن الاقـتدارُ؟!

*

وأيــن رواجــمٌ مـن أجـل حـربٍ

لأجـــل الـحـقّ أيــن الانـتـصارُ؟!

*

فــإن لـم يـنتض الـصاروخَ جـندٌ

لـهـذا الـيـومِ عـَرّى الـجيشَ عـارُ

*

ولــكـن فـــي بـــلاد الله مــاتـت

قـلـوب الـعـدلِ حــلّ بـهـا الـتبارُ

*

ومــا عَـقِـمت نـساؤك عـن كـميٍّ

لـيُـتـلي الــثـار بــعـد الــثـار ثــارُ

*

فإن يك في جيوش العُربِ جُبنٌ

فـأيـن الـترك والأفـغانُ صـاروا؟

*

وبـاكـسـتان أيـــن بــهـا لــحـربٍ

لـنـصـر الــديـن هِــمّـاتٌ تُــثـارُ؟!

*

وإيـــــرانٌ وحـــــزب الله إنّــــيْ

أظــــنّ بُـعـيـد غـــزّةَ مـــا يُـــدارُ

*

فــإمّـا أنْ يــكـون زمـــانُ نــصـرٍ

لــغـزّةَ أو سـتـصـلى الــكـلّ نـــارُ

*

وهــل ظــنّ الـمـلوك يـكونُ قـدرٌ

وقـد جَـبُنوا؟! فـلن يبقى اعتبارُ

*

إذا خَـذَلـوا بـنـي الإسـلام خـوفاً

على الكرسيّ -لن يجدي اعتذارُ-

*

غـــدا سـيـدور يــا حـكّـامُ حــالٌ

ولـــن يــأتـي لـنـجـدتكم جِـــوارُ

*

ومــا بـعض الـعطاء أراه يُـرضى

عـطـاء الـحـرب جـنـدٌ واسـتـعارُ

*

وبـــذلٌ بــعـد ذلــك مــن ســلاحٍ

يُـــدكُّ بــه الأعــادي -لا تـمـاروا-

*

فــــإن نــألـم لـيـألـم كـــلّ نـــذلٍ

ونــصـر الله فــي عـيـنيْ الـنّـهارُ

*

كـشـفتم عــورة الـغـرب الـدنيءِ

فــــكـــذّابٌ وأفّـــــــاكٌ شَــــنـــارُ

*

فــلا أرضــى يـقـال لـهـم عُـدولٌ

ومـــن يُـخـدع فـمـخبولٌ عــوارُ

***

صلاح بن راشد الـغـريـبي

في هذا اليوم من بدايات تشرين المتقلبه التي تضج بالكثير من الأمنيات أمد نصل قلمي نحو أفق السماء لأرسم مفردة تزهر ربيعاً في زحام خريف طويل....

أريد أن أخترع حرفاً جديداً غير تلك الأحرف التي تعثر الجميع بها وترزح تحت وطأة حرارة الصيف والورق...

أردت أن أجعل من سطري مرآة تعكس رقة شعور يتكون في رحم القلم ويكبر في نبضك...

إنني أبث لهيب أبجديتي بألوان ممزوجة في ملامح الطبيعة حتى لا يصلك تطاير الكلمات الملتهبة...

إنني أسير بسرعة الظل على طريق الورق الأبيض حتى لا أرهق حرفي الذي أنهكه التعب من الركض خلف سرب مهاجر...

هل أنا وحدي أرى الأشياء في غير مكانها والأسماء في غير معناها أم إن الجميع أضحى يرى تبدلات تفاصيل الحياة بهذا الشكل الجنوني المرعب؟! ...

هل لا يزال الوقت ينسل من الحقيقة التي تشخص أمامي أم إنني لا زلت أتشبث بالوهم الذي يزين الحلم بسيل من الأحاديث الوهمية..؟!

ببساطة الأشياء التي تملك حق مجالستك أردت أن أستعيد تلك الصباحات التي كانت مؤثثة بك وبحضورك....

أردت دائماً أن أفتعل الفرح في ذبذبات نبضك بعزف قلمي على أوتار صوتك....

هل تدرك معنى أن أكون واقفة هنا على تلة الورق الأصفر أمسك بضوء حرف يخرجك من سبات حرفك وحديثك...!

***

مريم الشكيلية - سلطنة عُمان...

الفقرات الأخيرة من الرسالة مطوّلة جداً ومتعبة، لا بل جافة وقاسية. رّبما ظنّوها تفي بالغرض كمقدمة لإنهاء الأمر الذي رأوا فيه، وحسب ما حوته الرسالة، مشكلة كبيرة بالنسبة لهم. ومن جانبي أعدّه مسألة مصير، ولا يمكنني التخلي عنه بسهولة مثلما يظنـّون. رسالتهم احتلت وجه الورقة بالكامل ولم تترك فراغاً منها. تتزاحم في سطورها مبّررات وجدوها مهمة ومقنعة بالنسبة لهم، وتلك الجمل الباردة من الجائز أن تضغط على المرء لتضعه عند حافة الهاوية وتدفعه لحالة من اليأس والقنوط، حيث يكون في أقصى حالات التشويش والإرباك، فيستسلم لرأيهم ويقرّ لهم بما يريدون. لا شكّ أن بينهم أطباء خبراء، بعضهم نفسانيين، من الذين يعرفون المسالك المؤدية لتهشيم عناد البعض من أمثالي، وكيف يوقعون بهم. ويعرفون أيضاً كيف يكسبون الجولات التي يكون الخاسر فيها دائماً خصومهم. ولكن هيهات فأنا أكثر منهم تماسكاً، ولن أخضع لرغباتهم. هذا الشعور هو ذاته الذي انتابني في المرات السابقة حين تسلمت رسالتهم الأولى، ومثله يراودني اليوم. ولكني لا أنكر حالات أجد فيها القنوط والغثيان وصداعا شديدا ينتابني، وتكرر ذلك معي منذ الساعات الأول التي اطلعت فيها على رسائل مصلحة الضرائب، واستمر معي منذ أكثر من الأسبوعين ولحد الآن.

كان رأسي معبأً بأفكار مشّوشة، وعندما ألقيت نظرة عبر زجاج النافذة، لم أجد في الجوار ما يبعد الكدر عني،وكالمعتاد وكما في كل صباح، هدوءٌ يلف بحيرة نورفيكن المجاورة للحديقة الخلفية لدار العجزة الذي أسكن فيه منذ بضعة شهور، البحيرة تقع مباشرة أسفل نافذة غرفتي. ثمة زوارق تصطف عند الشاطئ الأخر للبحيرة، وريح الخريف تهزّ بعنف أغصان الشجر في الغابة الكثيفة الصاعدة بخضرتها الداكنة نحو أعلى الجبل المقابل. كان رأسي ثقيلاً يعجّ بالأفكار، ولكن هناك، في روحي، يقين بأني سوف أحصل على ما أريد. عليَّ العناد والإلحاح وهذا ما فعلته وسوف أفعله. لن أدع فحوى الرسالة يقلل من عزيمتي أو يدفعني للاستسلام. وها هي الأيام تفلت سراعاً، وسوف أجدهم يلبّون طلبي صاغرين.

سرقني منظر طائر النورس وهو يصارع الريح الخريفية العاتية، لذا لم أسمع بادئ الأمر الطرق الخفيف المتكرر على باب الغرفة، وكان جهاز التنبيه جوار السرير يبعث رنيناً خافتاً لم أنتبه له أيضاً. وأنا،  وفي كل مرة، كنت أضغط على الزر ليفتح الباب أو أطلب من الطارق الدخول. ضغطت على الزرّ ففُتحَ الباب بصرير مكتوم ليدخل الممرّض رياض، وهو شابّ في مقتبل العمر، حنطي البشرة عراقي الأصل من أهالي البصرة مسيحي الديانة، ودود ضخم الجسد، دون إفراط بالسمنة، وجبهته عريضة، رأسه حليق بالموسى. حيوي وذكي، ويتمتع بروح النكتة وله اهتمامات ثقافية. كان يمشي دائماً مطرقاً وجهه نحو الأرض، والسبب في ذلك محاولته إخفاء جرح غائر تحت حنكه من الجهة اليسرى وهو جرح واضح  يمتد نحو الرقبة. ومثلما أخبرني فالجرح كان اثر إصابة تعرض لها أثناء الحرب العراقية الإيرانية، وكان يرفض الحديث بالتفصيل عن أحداثها، ودائماً ما يسمي تلك الحرب، الجريمة التي لا تغتفر. وحين أردت منه أن يروي لي بعض وقائعها، سألني بدماثة أن لا أنكأ جراحه، فقد فقدَ فيها من الأحبة الكثير، وهو موجوع بقدر الألم الذي يحتضنه قلبي من فقداني حبيبي أولف. ورغم الحزن البادي في نظراته فرياض مستمع جيّد وإنسان مدهش في حكاياته، لا بل مسلّ جداً يجعلني أتمتع بأوقات من السعادة الغامرة، وبالذات حين يبدأ رواياته المشوقة عن بلاد ما بين النهرين. يجعل عقلي يطوف هناك في تلك الشعاب والوديان والسهوب التي يصفها لي بدقة عجيبة، وكأنه يشمّ ضوعها حين يتحدث ، لينقلني أحياناً عبر عصور غابرة، شارحاً لي تأريخ وطنه منذ ما قبل التأريخ. أحياناً يدغدغ رياض الجانب العاطفي في شخصيتي، حين يحدثني عن شعراء بلاده، ويترجم لي بعض المقاطع من قصائدهم التي يعشق قراءتها. إن لكل منا، رياض وأنا شخصيا، آراء مختلفة تماماً عن الكثير من مجريات التأريخ ووقائعه، والاختلاف هذا، حسب اعتقادي، يأتي نتيجة إفراط رياض في نزعته العاطفية إزاء ماضي بلاده. وأخاله  يعيش دائماً في نشوة حين يبدأ بتضخيم الأحداث والاستغراق في سرد سيرة أبطاله التاريخيين، وتأكيده على أن التأريخ بدأ من أرض العراق وليس من غيرها.

ـ إنه موعد تناول الدواء يا سّيدتي العزيزة.

ـ لقد نسيت هذا.. ما أكرم الرب حين أرسلك الساعة! أنا في لجّة من أفكار لا أستطيع طردها بعيداً، تعبت معها كثيراً.

ـ ما الذي يجعلك تضعين نفسك في مثل هذه الدوامة المتعبة..

ـ ليس أنا من يريد هذا.. الأمر يتعلق بزوجي أولف بيورن والرسالة التي وصلتني من مصلحة الضرائب، أعتقد أنك اطلعت على مثيلاتها سابقاً،  هي التي وضعتني في هذه الحالة النفسية المتعبة .. كذلك طلبي الذي قدمته إلى تلك الدائرة .. تذكره أنت جيداً.. أليس كذلك ؟...ها قد مضى وقت طويل دون أن يردني من مصلحة الضرائب جواب شافٍ على طلبي.

ـ نعم أذكر كل تلك التفاصيل يا سيدتي الجميلة، وأنا على يقين بأنهم سوف يردّون على طلبك. أعتقد أن إجابتهم سوف تأتي بعد أيام قليلة، فرسالتهم كانت إخطاراً يسبق الرد النهائي.

ـ لا أدري ما أفعله بالضبط ...لو أنهم أجابوا طلبي ؟ إني أفكر بنقل جسد حبيبي أولف إلى مكان آخر، ربما يكون لي بعد ذلك شأن، لحين إقرار قانون الدفن البيئي من قبل البرلمان.

ـ ولكنّ القانون واحد يا سيدتي، سواء في يونشوبينغ أو في أي مدينة سويدية أخرى ..وهي أيضاً ذاتها مصلحة الضرائب السويدية التي بعثت لك رسالة الإخطار عن قرب موعد انتهاء حالة الاحتفاظ بجسد زوجك في الثلاّجة.

ـ إذن ما الذي أفعله؟ فها هو الوقت يمضي دون أن تحسم مصلحة الضرائب رأيها وتوافق على طلبي بإبقاء جسد حبيبي أولف لفترة أخرى. ما أتعس تلك القوانين وما أخبثها! ... تثلم أحلام الناس وأمانيهم بقسوة وبرودة وحشيّتين.

شعرت برغبة في البكاء، ووجدت نفسي مدفوعة للعودة جوار النافذة والنظر إلى لون الشمس الخريفي الغارب، الساقط فوق مياه البحيرة الرجراج. لا أعتقد أن رياض يفهم ما أعانيه، ولم أجد منه اللحظة ما يساعدني على استعادة الهدوء لروحي.

 الأماني، الرغبات، مشاعر خاصة وغريزية.. أحاسيس لا يمكن ترجمتها أو شرحها للآخرين، وليس بمقدورهم إدراكها بسهولة. أعتقد أن من الصعب على العقل الآخر الوصول إلى خصوصيتها عند المقابل. تلك مشكلة رياض ومثله الآخرون، ومنهم مصلحة الضرائب، وحتى أعضاء البرلمان الذين يغلقون الباب بوجه إقرار لائحة المشروع الجديد الخاص بالدفن البيئي، ويبقى الوضع مسمراً على حاله لتكون جميع أجساد الناس نهشاً للديدان.

ـ لقد أخبرني أولف بأمنيته قبل الحادث بفترة طويلة. وأعددنا كل شيء ..ودفعنا مبلغ التأمين كاملاً.

ـ أعرف هذا سيدتي، فقد تحدثنا عنه سابقاً..تناولي حبّات الدواء وسوف تشعرين بالراحة. سوف أعاودك في الصباح . نوبتي اليوم مليئة بأعمال كثيرة . مساء سعيد سيّدتي الجميلة.أترغبين بمشاهدة التلفزيون ؟

ـ لا .. لا.. اعتقدت أنك ستبقى جواري لبعض الوقت..هناك تفاصيل لم أحدثك عنها سابقاً...

ـ آسف سيدتي.. اعذريني،  وددت هذا ولكن ما باليد حيلة، فاليوم يوم عمل شاقّ وكثير.. ليس فقط مع السيدات والسادة الرائعين من أمثالك، وإنما هناك عمل في مخازن الدار والمطبخ.مع السلامة سيّدتي وتصبحين على خير.

ـ مع السلامة.. تمنيّت أن تصغي لي كما في كل مرة ..لا أعتقد أن هناك شيئاً يستحقّ التفكير والجهد مثل حالة جسد حبيبي أولف.

همست بذلك حين كان رياض يدفع دفـّة الباب بهدوء، ويمنحني ابتسامته الهادئة الودودة. تناولت حبّات الدواء. وعلى الرغم من أن الساعة لم تبلغ بعد السادسة مساء، فقد فـّضلت إلقاء جسدي فوق السرير في محاولة للحصول على إغفاءة، وبالأحرى تمنيت ألاّ أظل يقظة ومشغولة التفكير في أمر هذه الرسالة لوقت طويل، ولكن وجدتني لم أنل من محاولاتي شيئاً يذكر.واليوم أجلس وحيدة ولم يعد أولف الحبيب جواري، يا لتعاستي .

كان ذلك في زمان صعب كاد يطيح بكل شيء. ففي ذاك اليوم الشتائي البارد جاءني أولف وابتسامة كبيرة تعلو محّياه. كان يحمل بيده جريدة داكنز نهيتر التي كنا على خلاف دائم حول اقتنائها وقراءتها، فأولف يعشق مواضيعها، وبالذات مقالات وتحليلات السيدة ليندا أليكسون، تلك المرأة المتصابية بصورتها الموحية باللؤم، وكنت بدوري لا أسيطر على مشاعري حين يحاول أولف الإشادة بما تكتبه.

 حين دفع الجريدة نحوي أردت أن أسحبها من يده وأرميها بعيداً، فقد اعتقدت أن أولف بعد كل تلك المشاحنات حول الموقف من السيدة ليندا، يتجاسر ليعرض عليَّ قراءة مقال صاحبته ليندا أليكسون، نعم صاحبته؛ فقد سمعته يحادثها بالهاتف. صحيح أن الحديث كان يدور حول مقالاتها وشؤون السياسة التي يود أولف دائماً الحديث حولها، ولكن ذلك قد يكون بداية لتطور العلاقة وتصبح في النهاية شكلاً أخر،هكذا فكرت وقتذاك. وكنت حينها أظن بالكامل بأن الرجال دائماً هم أصحاب مزاج متقلب، وسرعان ما يصيبهم العطب أمام الغنج والعواطف النسائية. في ذلك الوقت لم أكن أعرف، لا بل لم أرغب، أن أكتشف كون أولف يخونني أم لا، ولكني فوجئت ذات يوم وأنا أبحث عن ورق للرسائل، حين عثرت في أحد دواليب مكتبه على حزمة صغيرة من قصاصات جريدة داكنز نهيتر، تلك القصاصات كانت جميعها لمواضيع السيدة ليندا. انتابني تأثير مؤلم اعتصر قلبي، وشعرت بالوحشة تملآ جوانحي. كان مجرد الإحساس بأن أولف يخفي عنّي تلك القصاصات يوحي لي تماماً بوجود علاقة من نوع خاص بينه وبين تلك  الليندا، وكنت خائفة أشد الخوف من معرفة مدى ما وصلت إليه تلك العلاقة، وكان ذلك بذات القدر من الشعور بالعذاب والألم، اللذين استحوذا على كياني بالكامل. كنت خائفة وممزقة المشاعر والتفكير. أنكر أولف كل ما تحدثت عنه، وبابتسامة رضية كان يرد على كلماتي المتوترة المتسارعة، وبرر عملية جمع بحوث ومقالات السيدة أليكسون لأهميتها السياسية والاجتماعية وطرحها الجريء، وأنه أراد الاحتفاظ بها للمراجعة ليس إلا.

كانت أياماً صعبة وعصيبة ثقيلة على حياة كلّ منّا، فكلما نظرت نحو أولف شعرت بالخذلان والخيبة، فلم يكن يخطر على بالي أن يمارس حبيبي أولف الخيانة، أية خيانة كانت، وهو الذي اعتاد أن يكون معي، كما هو معروف عن الأطباء، أكثر صراحة ومباشرة، وهذا ما عوّدني عليه طيلة حياتي معه. بعد مضي أقل من شهر على حادث اكتشافي القصاصات الورقية فاجأني أولف بالقول إن علينا تلبية دعوة عشاء في نهاية الأسبوع. حينذاك كان مزاجي عكراً والنار تتقد في أحشائي، ولا أستطيع أن أركز نظري نحو وجهه، مثلما كنت أفعل دائماً. أعتقد أنه كان يشعر بذلك، فقد اعتاد طيلة حياتنا الزوجية أن يراني أدع عينيّ تغوران وسط عينيه الزرقاوين، وأتملى وجهه الطفولي الحبيب وشفتيه وهما تتحركان وتنفرجان بين الحين والآخر عن ابتسامة ودودة صافية. بعد ثلاثة أيام سألني أولف بصورة مفاجئة إن كنت بعد لم أصدق ما قاله لي حول موضوع السيدة ليندا أليكسون، أجبته بنعم قوية ودون تردد، فقال أعرف هذا، فأنا لم أعد أرى عينيك بذلك الصفاء الذي يجعلني أفرح وأتلذّذ بحديثي، أتعذب وأنا أراك تشيحين وجهك عني، ثقي أنك تسيئين الظن، ولكن دعيني أقول إنّ علينا تلبية دعوة العشاء مساء السبت، فربما نكتشف هناك بعضنا البعض مرة أخرى ، امنحي حياتنا فرصة التجديد.. أرجوك. ما زالت تلك الكلمات تتردد في خاطري وكأني أسمعها الآن، وبقيت حية مشعة في ذهني. لقد منحتني حفلة العشاء تلك فرصة ذهبية لأستعيد بها جمال حياتي الطبيعي مع حبيبي أولف.

كانت دعوة العشاء في بيت السيدة ليندا أليكسون ذاتها التي ملأت بمقالاتها التي تعلوها صورها المتعددة الوجوه والابتسامات، مكتب زوجي. استقبلنا عند الباب رجل بوجه باسم متورّد وجسد نحيل وشعر أشيب كثيف. كان أنيقاً معطراً يرتدي سترة كحلية وبنطالاً أبيض مائلاً للصفرة. رحّب بنا بحرارة وسحب يدي وقبّلها. وقبل أن يأخذ من أولف باقة الزهور سحبه من يده بعجالة وضمّه نحو صدره وقبله على وجنتيه، استغربت فعلته تلك، فالرجل السويدي قطعاً لا يفعل مثل هذا مع ضيوفه، والرجل لا يبدو أنه شرقي أو من أمريكا الجنوبية، فكل شيء فيه يوحي بسويديته. بعد لحظات أسرّ  لي زوجي أولف بعد أن لاحظ حيرتي، بأن السيد إدغار سرفاتكس، وهو السيد الذي استقبلنا قبل لحظات، من أصل يوناني. ولجنا الرواق الواسع المفضي إلى الصالة. وضعت على جانبي الباب من الداخل آنيتان زجاجيتان كبيرتان بألوان ونقوش شرقية، وعند الجدار الأيمن وُضعت لوحة لملاك بجناحين يمدّ يده عبر الغيوم. وردت في خاطري رسوم دافنشي، ولولا ألوان اللوحة الباردة وحركة جسد الملاك الهادئة الرخوة لرسخ في بالي ذلك الاعتقاد.عرفت بعد ذلك  أنها واحدة من لوحات السيد إدغار نفسه. توقفت للحظات أنظر إلى طاولة صغيرة وضعت عند نهاية الممر، فوقها جهاز هاتف ودفتر بغلاف جلدي يبدو أنه سجلّ لأرقام الهواتف كما بدا لي. كانت زخرفة المنضدة ذات شكل خلاّب يوحي بأنها صناعة صينية، فالعاج المحاط بخيط ذهبي يشكل جسداً لتنّين يلتف حول محيط الطاولة. كم من مّرة تمنّيت أن أحصل على مثل تلك التحف الجميلة التي شاهدت مثلها سابقا في الحي الصيني في لندن، ولكن لم أقتنِها وقتذاك بعد أن وعدني أولف أن يصحبني معه في سفرته القادمة إلى اليابان، لأشتري من هناك ما يعجبني، ولكّن تلك الأمنية بقيت عالقة في خاطري دون أن تتحقق.

حين انعطفنا نحو غرفة الضيوف الفارهة، كانت هناك مجموعتان من النساء والرجال. وقف الرجال لتحيّتنا والترحاب بنا، ومن ثم جلسوا ليتابعوا أحاديثهم التي كانوا يتداولونها قبل قدومنا. جلست قرب امرأة بدت وكأنها جاوزت الخمسين، ولكنها كانت تحافظ على بشرة نضرة وألق ظاهر في عينيها الخضراوين، تبادلنا الابتسامات لا غير. وكانت هناك مجموعة من أربعة أشخاص تتحلق حول طاولة صغيرة وُضعت فوقها كؤوس النبيذ، وفي الجانب الأيسر جلست ثلاث نسوة يتهامسن ويطلقن ضحكات خافتة خجولة. جلس أولف بجانبي وأحاط كتفي بساعده وراح يجول بنظره وجوه الباقين مبتسماً  لهم ويحيّيهم بحركة انحناء خفيفة من رأسه شعرت معها أنها المرة الأولى التي يلتقيهم  بها. ثم ركـّز نظره نحو الباب الذي ولج منه السيد إدغار نحو الداخل.

لوحة كبيرة الحجم عُلـّقت على الجدار خلف مجموعة النسوة، وكانت ألوانها دهنية فاقعة يطغى فيها اللون الأخضر الميال للزرقة، ويظهر بشكل واضح أنها مستوحاة من طبيعة الحياة في أحراش أفريقيا. دققت النظر جيداً وقرأت الاسم الموجود أسفل اللوحة، كان اسم السيد إدغار سرفاتكس أيضاً. مع دقة وتناسق الخطوط مع مساقط الضوء وتوافق الأبعاد وتمازج الألوان، تيقنت أن السيد سرفاتكس كان رساماً محترفاً. فأنا كنت هاوية رسم، وفي بداية حياتي مارست تلك الهواية خلال الدراسة المتوسطة والثانوية، وتلقيت الكثير من الثناء والإطراء على أعمالي، ولكن لم أكن راغبة في إكمال الشوط، لذا عفت الألوان والرسم بالرغم من إلحاح أولف عليَّ للعودة وممارسته.

فجأة ظهرت السيدة ليندا أليكسون من فتحة الباب حيث كان ينظر أولف. كانت تسحب بيدها اليسرى كفّ السيد إدغار الذي دفع يده اليمنى ليحيط خصرها. وقفت عند الباب وسط الصالة فأصبح السيد إدغار لصقها محتضناً إياها. حينذاك قالت السيدة ليندا: أيها الأصدقاء حفلتنا الصغيرة هذه مناسبة لها طعم خاص، لا بل معنىً آخر غير الذي تعودنا عليه.. حفلتنا اليوم نستقبل فيها للمرة الأولى صديقنا العزيز الدكتور أولف بيورن وزوجته الطيبة، وكان بودنا أن يكونا ضمن مجموعتنا منذ وقت بعيد، ولكن ظروف عمل الدكتور أولف وعملنا أيضاً لم يتوافقا أبداً، مثلما كنا نتوافق معه في الكثير من الآراء التي كنا نتحاور حولها. على أية حال، إنها فرصة سعيدة أن نراهما بيننا اليوم، ولأقدم شكري الخاص للدكتور بيورن على ملاحظاته السديدة القيمة التي أفادتنا دائماً في ما نطرحه من أفكار في الصحف والمؤتمرات. استدارت الوجوه نحونا وحّيتنا ببشاشة وتودّد. ثم أكملت السيدة أليكسون قائلة، المناسبة لدعوتنا اليوم هي أخباركم أيضا بقرارنا المصيري، ولكن قبل هذا أجد من المناسب القول، إنكم اليوم ستتذوقون وجبة عشاء يونانية خالصة من ألفها إلى يائها، وأنا لا دخل لي فيها سوى تحضير الصحون ووضعها فوق المائدة. وعذراً منكم إن لم نستطع جلب ماء الشرب من اليونان، زوجي الحبيب آدو هو من هيأ وأعد كل شيء. وأردنا من كل ذلك أن نجعلكم تتذكروننا كلما اشتقتم للطعام اليوناني، فقد قررنا أنا ليندا أليكسون وزوجي إدغار سرفاتكس أن نقضي بقية العمر في جزيرة إيدرا اليونانية، حيث مسقط رأس آدو الحبيب، هناك حيث تعيش بقية من أسرته، وربما لا يعرف البعض منكم بأن من هذه الجزيرة البديعة التي يجب أن تزورونا فيها، انطلقت حرب التحرير ضد الدولة العثمانية، وهناك سوف نطلق لحبّنا العنان ونحمله نجوب معه البراري والوديان. ثم التفتت ليندا نحو زوجها وضمّته إلى صدرها، وراحت معه بقبلة طويلة استقبلناها نحن الضيوف بالتصفيق والبعض بالصفير.

في طريق عودتنا إلى البيت، لم أستطع أن أنطق بكلمة واحدة رغم مداعبات وقفشات أولف، ولم ألتفت نحوه غير مرة واحدة، شعرت وقتذاك بالخجل يغطيني بالكامل، وكان وضعي النفسي سيئاً رغم مشاعر الفرح والطمأنينة التي تجتاح كياني، خليط من وجل، من سعادة، من توتر، وجدت نفسي في موقف حرج، ولكني كنت في الوقت ذاته راضية أقصى الرضا عن هذا الذي حدث، وتيقنت أنّه لولا أناة وحكمة أولف، لكان الأمر قد تطور وصار أكثر إيلاماً وتعاسة لكلينا. ما رأيته وسمعته في حفل العشاء جعلني أشعر بفيض من سعادة كان يغمرني بالكامل، شيء يستحقّ تسميته بالإحساس المفرط بالراحة والبهجة.

عند باب بيتنا، همست باسمه فالتفت نحوي، لم استطع السيطرة على مشاعري فرحت أجهش بالبكاء وبدوره ضمني إلى صدره، فشعرت وكأنها المرة الأولى التي أحسّ فيها مقدار الدفء والطيبة والطمأنينة التي يغمرني بها أولف. قد يكون أولف قد فعل ما يعيب، ولكني على يقين بأن ذلك لا يثلم من حبه لي شيئا، حتى وإن حدث مثل هذا فإني لم أعد أهتم بغير قدرتي على التعلق به، وبسيرة تلك السنوات المريحة الجميلة التي عشتها وحققت فيها أمنيات كثيرة، وإني لأشعر اليوم بقدرتي وجاهزيتي للحاق به وبأقرب وقت.

يتبع

***

فرات المحسن

لا أدري كلما أسير في الطريق الدائريّ للحبّ

تدهسني عربتُك الموشَّاة بالجمال

وحينما أصلُ الى دوّار العشق

تومئ لي لافتةٌ ، تنبِّهني قائلةً:

"أفضليةُ المرورِ لمنْ توجّعَ حبّا"

أتابع سيري مقرِّراً الاستدارة

فيمنعني وجهك رافعاً شارتَهُ الحمراء

فالعاشقُ السويُّ مستمرٌ في السير

حتى آخر مزالقِ العشق

أتنحّى جانباً

فيصدمني زقاقٌ ضيّقٌ خانقٌ

كُتِب في مدخلهِ:

"يمنع المرور إلاّ لعاشقٍ أنهكهُ النحول"

أقف انتظارا لفكاك السير بساعات الذروة

يوقعني حادث سريري في أحضانك

أركن لصق رصيفك

فتأخذني مشاويرك الى مرآب عينيك

أشم نسائمك منطلقا بلا كوابح توقفني

أنطلق الى كورنيش صدرك

أتوسّدهُ ليتأرجحَ رأسي بين أنفاسكِ

تلك هي هدأتي واستراحة المسافر

***

جواد غلوم

لم يبق في ذهني من تلك اللحظة سوى الضحكات، غاب عني كلّ شيء، وجوه أساتذتي، والطالبات، وسارية العلم الممتدة أمامي بثبات، وخفقة العلم بألوانه الأربعة، للحظة، لم أعرف أين أنا، ثمة شيء ما حصل،يشبهُ غرقي  في عمر العاشرة، لازال إحساس الماء حياً وهو يبتلعني، ويجرّني للأسفل، بينما قدماي تلبطان، هبطت بعض العتمة، ونفد كلّ الهواء من حولي، لولا أن كفين أحاطتا بي.

في حضن والدي عرفتُ أن عمراً جديداً بانتظاري. إنه ذات الإحساس، بنفاد الهواء، والسقوط نحو القاع، عدا أنّ لا كفين ترفعاني الآن، هناك في مكاني، حيث أواجه العار وحدي. والعيون تحدق بي، كانوا  يضحكون، ويهمهمون بأشياء لم أستبنها، فيما كنتُ متسمرةً أمام الجموع، كأني أضعتُ الطريق إلى حيثُ يجب أن أعود.

 كانت اليد التي جذبتني مختلفة كثيرا عن اليد التي حرّرتني من الماء، بدت قاسية قليلا على ذراعي وهي تزحزحني عن البقعة التي أقف فيها

لأعود إلى مكاني بخطىً متعثرة.

لا أذكر جيداً كيف مرت الساعات، كانت شديدة الوطأة، بدا لي الكون عيناً كبيرة واحدة تحدق بي، وتتهمني بالغباء والبلادة. كلّما رفعتُ رأسي، أربكني مشهد العين المخيفة.

في طريق الإياب إلى المنزل، لم أمر بالدكان كما اعتدت يومياً، لشراء الكاكاو إلى شقيقي ذي الثلاث سنوات، خطر لي أن صاحب الدكان سيقول شيئاً ما، خفضتُ رأسي وانسللتُ إلى المنزل، وعلى الفور دخلت غرفتي.

ثمة صمت مريب، لم أعتده يوماً، صمت ثقيل وكئيب، حتى صوت أمي وهي تناديني للجلوس على مائدة الطعام بدا جريحاً. أما أبي القريب مني فقد لاحت منه نظرة مرتبكة، سرعان ما حاول مداراتها، فيما راح أخي الصغير يقطع الصمت بهمهمات غير مفهومة! يقيناً أنهم علموا بما حصل! الأخبار هنا تنتقل مع الهواء،

كيف أشرح لهم أنها لحظة من لحظات القدر،  حيث كنتُ أحلّقُ مع كلمات النشيد الوطني، وعينيّ ترنوان بزهوٍ إلى العلم وهو يرفرفُ مع الريح: (موطني ..موطني..البلاء والشقاءُ في رُباك)! ثم انقلب كلُّ شيء مرة واحدة، صارت السكينةُ ضجة، والخشوعُ ضحكاً، والعنفوانُ سخرية مرّة.

في غرفة المديرة، ذات الصوت الغليظ، والعينين المحاطتين بخط متعرج من الكُحل، والنظارة ذات الإطار الأسود السميك، كان عليّ أن أبرر إهانتي للعلم الوطني أمام الجميع،

 حاولتُ عدم التفكير في عيني المديرة المضحكتين مع ذلك الكُحل الرديء، والتركيز فقط في الإجابة على سؤالها المدوّي: (كيف تجرؤين على إهانة الوطن والعلم أيتها العاقة)؟

من مكانٍ قريب  جاء صوت أستاذتي الخائب: (إخترتكِ لأنك أفضل طالباتي! كيف تفعلين ذلك)؟!

-(قولي! هل تعمدتِ ذلك)؟ صرخ مدرّس الرياضة، وهو يشدُّ العلم على كتفيه، مثل معطفٍ أو دثار.

إختلطت الأصوات، بينما ضاع صوتي، غار في زاويةٍ قصيّةٍ من روحي،

وجه المديرة بات قريبا، وصوتها حادّاً،

والكُحل سخيفاً بدرجةٍ دفعتني للضحك، أمسك بي معلم الرياضة، من ذراعي، هتف قائلاً: (نعم عرفتُ أنها عامدة ...انظروا إنها تضحك)!

وقعتُ على ورقة استدعاء والدي،

وأنا خارجة كان صوت المديرة يلحقُ بي: (مكانُك في السجن مع الخونة)!

نظرتُ إلى وجهِ أبي، بدا حزيناً، ويخفي كلاماً كثيراً، أشفقتُ عليه، كيف سيواجه غداً حقيقة أني خنتُ النشيد الوطني، في مكتب المديرة، وأمام الأقارب، والجيران، يا للهول! سيكون ظهره منحنٍ، ورأسه للأسفل،

حملت أمي الصحون بصمت، لم يأكلوا كما في كلّ يوم، حتى إنها لم تطلب مني أن أساعدها، هرعتُ إليها، لكن صوت أبي باغتني، بنبرةٍ هادئة ودودة:

(ندى  هاتي لي سجائري)!

رباه توقعتُ شيئاً آخر، لكن عينيه لازالتا ساهمتين، إنه على وشك أن يسألني، ويؤنبني، كيف استبدلتُ السناء والبهاء بالبلاء والشقاءُ!

هاهو ينفثُ الدخان، ويذهب بأفكاره بعيداً، لاشك أنه قرّر تسليمي إلى الأمن الوطني، ليعتذر من الوطن والشعب، تأملتُ سكونه العميق، ودخان سجارته الرقيق مثل غيمة، ثم قررتُ أن أستسلم تماماً، سأمضي معه بلا مقاومة، وأعترف بأني أنا ندى ذات الستة عشر عاماً، في الصف الخامس الإعدادي، قد أهنتُ الوطن والعلم والنشيد الوطني، ولن أعترض على حكم الشعب مهما كان.

عندما شرعتُ أغسلُ وجهي صباحاً، وأرفع خصلات شعري التي بعثرها النوم، رأيتُ أبي يُكمل هندامه، عرفت أنه بانتظاري، هو لا يريد الحديث، لكن عينيه قالتا كلّ شيء، وخطوات قدمية الثقيلات، غيرتُ ملابسي بسرعة، ومضيتُ دون أن اتوقف عند أمي الواقفة بقلق قرب باب المطبخ، خطر لي أن اعانقها، لكني لم أرد جعل الأمر صعباً، قبلتُ أخي قبلة خاطفة، ثم رافقتُ أبي إلى الخارج، ظننتُ أنه وقت مناسبٌ للحديث، لكن ثمة أصوات تأتي من المدارس القريبة، تقطع الصمت بضراوة، صادحةً: (موطني.. موطني.. السناءُ والبهاءُ...)، إرتجفت شفتا أبي، يقيناً أنه تذكر، ربما أصبح الآن أكثر تصميماً، كُنا على وشك صعود السيارة عندما داهمتنا همهمات ذلك الرجل المسن الغريب ذي الملابس الرثة، والسُحنة الشاحبة،  بدت المرارة جلية في نبرة صوته الخافتة (موطني.. موطني.. في رُباك)، جفل أبي وهو يمسك بي مخافةَ أن تلامس كتف الرجل جسدي، شاهدناه وهو يترنح، ويبصق ويهمهم، حتى ابتعد.

كنا نسيرُ بخطىً هادئة، وقد خفتت من خلفنا الأناشيد، تاركين خلفنا مبنى مدرستي، ومبنى الأمن الوطني، صامتين تماماً، قبل أن تنتابنا نوبة ضحكٍ هستيرية.

***

قصة قصيرة

تماضر كريم – أديبة وكاتبة عراقية

نحن صوت من لا صوت لهم

نحن البكاء

والصراخ

والعويل

نحن النشيج

وتحجر الدموع في المقل

نحن صوت المنفى

حين يندس

في حضن الوطن

حراس بوابة العبور

نحو

الضفة الأخرى

نقابل الابتسامة الأخيرة

بالأنين

نحن

رهائن الوجع

ومطارق القبور

في زمن العمى والصمم

نحن

أحاديث الصباح والمساء

في المقاهي الخالية

عن الدواء

والطحين

عن الوقود

عن كسوة الشتاء

والعودة إلى المدرسة

عن السهر أسفل عمود النور كل ليلة

لعلها تفتح النافذة

نحن

شعوب القهر

نشكل الأرصفة

لتتنزه الحكومات العاهرة

ولا تعيرنا انتباهها

للحظة

تدوسنا وتمضي

نحن

شعوب المؤامرات

والمكايدات

الإتفاقيات

والخيانة

خيانة السماء والسلام والمحبة

خيانة الحجر

خيانة النيل

خيانة الجبل

فهل من مجيب

توقفوا

وأنصتوا

تأدبوا

في حضرة موتنا الكبير

هناك

سرب أبيض يحلق عالياً

تأدبوا

في حضرة نزوحنا المرير

في حضرة الأسلاك الشائكة

في حضرة الحواجز المشانق

في حضرة السجون

تأدبوا

في حضرة أعلامنا

المضرجة بالدماء

في حضرة الأشلاء

والكلاب جوعى

تأدبوا

في حضرة الإله

تطهروا لمرة

من بغضكم

من نهمكم

من كذبكم

من بطشكم

وصلّوا

هل تعرفون أو تذكرون الصّلاة ؟

بالروح

بالجسد

بالحب

والعطاء

والرضى

تأدبوا في حضرة صلاتنا المشفوعة بالدعاء

الله على كل ظالم

الرّب عادل

في المعابد والكنائس والمساجد

في البيوت الباكية

في الشوارع المظلمة

تحت أنقاض المدن

ونحن

في انتظار حكمه

وإن تأخر الميعاد فإننا مجابون.

***

أريج محمدأحمد - السودان

25\10\2023

في نصوص اليوم