تقارير وتحقيقات

تقارير وتحقيقات

نجحت ندوة تكريم الباحث الروائي المغربي سعيد بنسعيد العلوي، التي نظمت، أخيراً، ضمن فعاليات منتدى أصيلة الـ44، في إبراز مختلف جوانب التميز التي يتمتع بها المحتفى به، الذي بدا في غاية التأثر وهو يتوجه بالشكر للمنظمين والباحثين المشاركين والحضور، في ختام فعاليات تكريمه، فقال إن المشاعر تتداخل في نفسه بغير ترتيب أو نظام، وأن تكريمه يمثل شهادة على مسار ومرحلة.

وقال محمد بن عيسى، أمين عام مؤسسة منتدى أصيلة، في كلمة بالمناسبة، إن الأمر يتعلق بـ«اسم على مسمى: رجل سعيد بعلمه وانصهاره في البحث، وبتعدد مواهبه».

وشدد على أن الاحتفاء ببنسعيد العلوي يأتي تقديراً لما راكمه من أعمال رصينة ساهمت في إغناء الثقافة المغربية والعربية، على حد سواء.

وقال بن عيسى إن الأمر يتعلق بمفكر وباحث ومؤطر ودارس ومحلل ومبدع روائي، جمع بين صفات قل ما اجتمعت في شخصية بعينها.

وأَضاف أن مؤسسة منتدى أصيلة، ورغبة منها في صون ذاكرة الاحتفاء وتوثيق فعالية التكريم، عملت على إصدار كتاب جماعي يضم مداخلات وشهادات المشاركين في أشغال الندوة، الذين وجَّه لهم التحية على تناولهم لأعمال المحتفى به، سواء في انشغاله الفكري والفلسفي والتراثي والسياسي، وما أثاره من إشكالات تمس الراهن العربي، ومن قضايا ذات صلة بالحضارة والنهضة والحداثة وغيرها، أو في انجذابه الأدبي إلى عالم الرواية، وما تستدعيه من آفاق فنية وتخيلية، أو من خلال تقديم شهادات حية على مساره الوجداني والإنساني الثري بالمحبة ونشدان الأمل وكرامة الإنسان. من جهته، قدم عبد الإله التهاني، الكاتب والإعلامي المغربي، والمشرف على الندوة، ومضات من شخصية بنسعيد العلوي، الوازنة، المرموقة والمتميزة، وبعض المعالم البارزة في سيرة عالم فذ ومفكر ظل مرتبطاً بإشكالات الفكر العربي الإسلامي، وقضايا الفكر العربي المعاصر. وقال عنه إنه يستند إلى تكوين متين، واطلاع واسع على نفائس التراث العربي، وما أنتجته الثقافات الإنسانية من معارف، لذلك ظل عقله يجول في عدة حقول، وقلمه يعبر أزمنة المعرفة بأبعادها المتنوعة، إضافة إلى عطائه في المجال الفسيح للإبداع الروائي، مستلهماً عشقه للتاريخ وأحداثه وأبطاله وشخوصه باحثاً في حقل العلوم الإنسانية، حيث اهتم بالإشكاليات والقضايا التي تناولها الفكر العربي بمستوياته الفلسفية والدينية والسياسية منذ نشأته في ماضي الإسلام، وصولاً إلى امتداداته في الحاضر.

وأضاف التهاني أن بنسعيد العلوي عرف كيف يوفر لمساره البحثي مسلكاً ناظماً لكل اجتهاداته، وهو يغوص في دراسة الأطروحات البارزة في التراث، ولا سيما ما اتصل منه بالجانب الفقهي والتاريخي والسياسي. لكنه، بالتوازي، سيظل حاضراً بفكره، في تناول تحديات الحاضر وقضايا النهضة، والخوض في مشكلات التقدم والتنمية، والديمقراطية، والبناء الحضاري الجديد.

وشدد التهاني على أن الذاكرة الثقافية المغربية ستحتفظ لبنسعيد العلوي بآرائه وتوصيفاته التي تعكس فهمه للتراث العربي الإسلامي، لا يضاهيه إلا استيعابه العميق لمفاهيم الفكر الغربي، وهو ما أهله لأن يدرك وينفذ إلى طبيعة البنية التي تؤطر عقل كل منهما، من حيث المرجعيات والمحددات المعرفية.

وشهدت ندوة التكريم، ضمن فقرة «خيمة الإبداع»، برمجة أربع جلسات، قدمت خلالها مساهمات علمية رصينة، أحاطت بمنجز المحتفى به في مختلف تجلياته. كما توقفت عند بعض الجوانب الإنسانية من شخصيته، ومن ذلك مداخلة كمال عبد اللطيف، المفكر والباحث في الفلسفة والفكر المعاصر، الذي تحدث، في كلمة ألقاها بالنيابة عنه الشاعر والناقد أحمد زنيبر، عن معرفته بالمحتفى به ووشائج القربي بينهما، وذلك في ورقة حملت عنوان «سعيد بنسعيد العلوي... خمسة عقود من العطاء بسخاء». وقال إن اختلافهما المعلن في كثير من القضايا عزز وشائج القربى ودوائر الوصل بينهما، حيث «يرى الواحد منا في الآخر نفسه، وهو ليس كذلك».

وأضاف أن بنسعيد العلوي يمتلك فضيلة نادرة تتجلى في «العفة وأخواتها»، قبل أن يشيد بعدد من مناقبه، كباحث، التزم بمقومات البحث العلمي، فضلاً عن شغفه بالرواية، المعبرة عن حساسيته الفنية الجمالية، كاشفة صورة عن سخائه وعطائه الثقافي المتجدد والمتنوع. ورأى أنه يحمل في كثير من صور حضوره الجميل جوانب من شخصية البطل الروائي، فهو يفاجئك أحياناً بمواقف وسلوكيات، بل خيارات لا تخطر ببال أقرب المقربين منه.

وجاءت بقية المداخلات غنية في مضامينها، رصينة في تناولها لإسهامات المحتفى به في تعددها وغزارتها. فتناول عبد السلام بنعبد العالي، المفكر والباحث في الفلسفة والفكر المعاصر، بالقراءة والتحليل كتاب «صورة الآخر في أدب الرحلة المغربية»، وتحدثت حورية الخمليشي، الناقدة ودارسة الأدب، عن «تراكم الفنون في رواية (حبس قارة)»، بينما انصرف أحمد المديني، الأديب والروائي، إلى «تأويل التاريخ ومحتمل الرواية» في أعمال بنسعيد العلوي، مركزاً على رواية «سبع ليال وثمانية أيام».

وتطرق سعيد بنكراد، الناقد والمترجم والباحث في سيمائيات الأنساق الثقافية، إلى «وهم التاريخ وحقيقة التاريخ في (حبس قارة)». وقدم عياد أبلال، الباحث في السوسيولوجيا وأنتروبولوجيا المعرفة، خطوطاً عريضة لمشروع بنسعيد العلوي.

وتحدث الروائي مبارك ربيع عن «الوعي الروائي والتخييل المجتمعي في تجربة العلوي». واستعرض الروائي والباحث شعيب حليفي ملاحظات حول مجموع الأعمال الروائية للمحتفى به، تحت عنوان «الذاكرة والمعرفة في روايات العلوي».

وقدم فؤاد بن أحمد، الباحث في علم المنطق والإلهيات والفلسفة وعلم الكلام، دراسة نظرية في جانب من أعمال بنسعيد العلوي، في سبيل وضعها في سياقها الدولي، فيما طرح الكاتب والناقد نور الدين صدوق، في معرض مداخلته، سؤال «هل الروائي يكتب رواية واحدة؟». وتناول الباحث الأدبي والناقد المسرحي عبد الرحمن بن زيدان رواية «حبس قارة»، وقال إنها من الروايات التاريخية التي عملت على إعادة النظر في التاريخ لكتابة متخيلها.

أما الناقد والدارس الأدبي عبد المالك أشهبون فتناول استراتيجية التناص من زاوية رهانات تعدد الأصوات في رواية «سبع ليال وثمانية أيام»، بينما تحدث الباحث والمترجم العربي وافي عن إعادة التفكير في الحداثة لدى العلوي، من خلال ثلاثة من أعماله، وهي «الوطنية والتحديثية - دراسات في الفكر الوطني وسيرورة التحديث في المغرب المعاصر» و«الاجتهاد والتحديث - دراسة في أصول الفكر السلفي في المغرب» و«الآيديولوجيا والحداثة - قراءات في الفكر العربي المعاصر». فيما تطرق الناقد والدارس والمترجم أحمد بوحسن إلى «عالم سعيد بنسعيد العلوي الروائي من خلال رواياته الست»، وقدم الناقد والشاعر أحمد زنيبر مداخلة تحت عنوان «عين على الفكر وأخرى على الأدب»، كما قدم الناقد والمترجم والباحث محمد آيت العميم ورقة تحت عنوان «ثورة المريدين - في البحث عن المنقذ والمخطوط المفقود». فيما تناول عبد العزيز بومسهولي، الباحث في الفكر الفلسفي وتاريخ المعرفة، سؤال «لماذا ينشغل الفيلسوف بالرواية؟»، وقدم عبد الرحيم البيدق، الباحث في فلسفة المنطق والرياضيات، قراءة في كتاب «الخطاب الأشعري - مساهمة في دراسة العقل العربي الإسلامي».

***

أصيلة: «الشرق الأوسط»

نُشر: 16:39-30 أكتوبر 2023 م ـ 15 ربيع الثاني

بحضور عدد من كتاب والأدباء والاعلاميين وجمهور الشعر انتظمت بمدينة الثقافة بتوني وضمن أنشطة ومنتديات منتدى الفكر التنويري التونسي بادارة الكاتب محمد المي وباشراف المؤسسة الوطنية لتنمية المهرجانات والتظاهرات الثقافية والفنية لوزارة الشؤون الثقافية فعاليات الندوة التي كانت بمثابة التكريم للشاعر والروائي والاعلامي يوسف رزوقة وهي ندوة سبقتها ندوات وستليها أخرى حيث  بعثت لتترسخ تباعا لتكريم أعلام الثقافة التونسية..

في هذه الندوة تم تكريم الشاعر يوسف تحت عنوان لافت هو:  (يوسف رزوقة، بهلوان اللغة) وذلك من خلال عدد من المداخلات التي أتت على مسيرته لتشكل البورتريه من قبل شعراء مرحلته والنقاد ومن أحتضن تداربهم وبداياتهم بمرحه وضحكته العارمة وخصوصا لقاءاته بهم ومعهم لنذكر المنابر الاعلامية التي فتحها لهم ومنها بالصحافة والأيام ونادي الاربعاء الأدبي بالنادي الثقافي الطاهر الحداد وملتقى الأدباء الشبان بسيدي علوان بالمهدية وغير ذلك كثير... في الجلسة الفكرية، الأولى: سالم بو خداجة ( رئيسا)، كانت مداخلات كل من البشير المشرقي، حاتم النقاطي، آمال مختار، والحبيب المبروك

و في الجلسة الفكرة الثانية: بدر الدين بن هندة (رئيسا)، قدمت مداخلات لكل من سوف عبيد، خالد الماجري، هيام الفرشيشي وشمس الدين العوني. وكانت الجلستان مشفوعتين  بنقاش.  وفي الافتتاح تحدث محمد المي مدير المنتدى عن فلسفة النشاط والمضامين والكتب الصادرة عنه وفق اهتمام بالرموز والفاعلين قي الادب والثقافة والفكر ما يعززو جانبا مهما من تدوين الذاكرة الثقافية وذلك فضلا عن الجانب الاحتفائي والتثميني للتجارب .

و في كلمته تحدث الشاعر المحتفى به يوسف رزوقة عن قيمة الفكرة للمنتدى شاكرا المحاضرين والجمهور ومن جاء للمشاركة في هذا الحفل الأدبي اللافت..و تم بالمناسبة توزيع كتاب: الندوة وعنوانه "يوسف رزوقة، بهلوان العبارة " على الحضور، ومثل وثيقة انطوت على مداخلات المتدخلين.3829 yousef

و قرأ الشاعر موضوع الندوة شعرا ومن قصائده:

الأرض في متناول المنقار

هل كان يمكن أن أراك بجانبي

بمواصفات فراشة

لم تؤذ في يوم جناحيها

بجعلهما طعاما للحريق؟

كأن خارطة الطريق

تهم قطاع الطريق

ولا تهمك

أو كأنك أنت نفسك في عراك دائم

مع نفسك

التفتي تري

ماذا رأيت؟

الشيء غير الشيء

والرجل الذي في حالتيه ترينه رجلا

يفكر في الوصول إليك

عبر ثناء ثعلبه عليك

وأنت حواء الجديدة

كالتي سترينها و.. رأيتها

في دولة الدستوبيا

امرأة إلى مرآتها

الرجل الذي سترينه و.. رأيته

هو نفسه الرجل الذي يثني عليك

بثعلب ما، فيه محتال

إلى حد التحلي بالثقافة والتجلي:

نسخة عذراء

من بطل سيأتي ذات وهم..

والفراشة فيك

لا تحيا بمنأى عنك

فهي صنيعة الإهليلج الخفاق فيك

وما الفراشة فيك

إلا تلك أو تلك التي سيغرها شكل الثناء

فلا ترى إلاه شيئا

يجعل الشيء الذي فيها

يحلق أو يزقزق أو يحيد عن الطريق إلى الحريق

- ولي هنا، والليل ليل [ أن أوضح ما يلي ]:

لا ضد مجتمع الرجال أنا

ولا ضد النساء -

لكل مخلوق من الجنسين شكل حياته

في حالتيه:

نجاته وهلاكه

فقط السياق هنا

اقتضى ما يوجب الإيغال

في ما يجعل الإنسان إنسانا إلى شباكه

مع أن هذا الأمر

لا يعني هنا أحدا بشكل أو بآخر مطلقا

لا جاك دريدا ولا ميلان كونديرا

ولا حتى ابن جِنِّيّ

بفائض نحوه

أو سيبويه

يهمهم شكل العلاقة

بين مخلوقين من لحم ودمدمة كدمدمة الرعود

لكائن من كان أن يشقى كثيرا أو قليلا

تلك سكته

وللأنثى كما الذكر العلُوّ أو الغُلُوّ

توغلا في الجاذبية تلك أو تلك:

السماء بعيدة

والأرض في متناول المنقار..

هذا ما أرى..

أما أنا

فقد استطعت

بحيث لا امرأة هنا تحتك بي

برداءة امرأة بمفردها

قناعا وهي شتى

إلى رجل يمثلني

إذا لم يقتنع بيد على يده

بكى… ».

و من بين ماقدم نجد مداخلة ضمن تجربة الشاعر يوسف رزوقة وعنوانها " الشاعر يعلن حالة الطوارء " وهي قراءة في عمل شعري له تفاعلا بعد أخداث 11 سبتمبر 2001  وفيها " ... تعددت اصدارات الشاعر والروائي والكاتب يوسف رزوقة منذ ديوانه الأول " أمتاز عليك بأحزاني " سنة 1978 وفق نظرته المخصوصة لفعل الكتابة الابداعية حيث الشعر لديه والسرد كذالك مجال قول بالذات واعتمالاته تجاه الأنا والآخر في كون مربك يحتاج فيما يحتاج ارسال الذئب في العبارة وهي عبارته الشهيرة اذ الكتابة عنده ضرب من نظر الانا الثاقب وهي تجترح لحبرها عوالم تصلح لكائنات هشة بالشعر تبرأ وبالكلمات تسلم ...و لكن ..هل يسلم هذا العالم اذ تطير البرتقالة ويعوي الذئب... وتنتظم الحفلة الكونية على آخر أنعوقة للغراب...هو الشاعر يرى الامور هكذا على نحو يجعله منهمكا في رقصه الباذخ..." سأراقصني في الظلام...".

تجربة ثرية في الشعر والكتابة من عناوينها "حاء لسيدة الحلال.. حاء لسيدة الحرام.." ذات مربد ثمانيني ما جعل الشاعر جوالا في الكلمات يدعو لها ملامحه وجنونه وخروجه الدؤوب عن السائد والمعتاد.. صوته يشبهه وقصيدته كذالك يذهب بالحروف شعرا وسردا الى مناطق غير مطمئنة و آمنة ليكتب وكأنه " يستل خنجرا ليغمده في قفاه..".

في حوار مهم مع اسماعيل الفقيه ببيروت بتاريخ 03فيفري من سنة 2018 في مجلة " لها "

و حوابا عن سؤال فحواه " تكتب الحزن والفرح، لكنّ الحزن يبدو أقوى في نصّك، لماذا؟.." يقول يوسف رزوقة مجيبا كالتالي "..أوّل ديوان لي مهرته بـ»أمتاز عليك بأحزاني» عام 1978... نظرت فيه الى الحزن ومشتقّاته، ثمّ تلته مرحلة «الكتابة المبتهجة»، ففي إزاء انفجار المسافات، المفاهيم والمصطلحات واتساع رقعة الحريق في الذاكرة (قلق، ضغط، إحساس فاجع بانقراض السلالة أو بانتفاء الدور، إلى غير ذلك)، فإن المرحلة اقتضت مني التنظير لتحقيق مناعة الحضور لمواجهة شتى الضغوط الحافّة بالنص أو بصاحبه، عبر التسلح الدائم، ولو في أشد المواقف خسراناً أو انكساراً، بالروح الانتصارية، العالية والتزام الكتابة المبتهجة مع الوعي الاستثنائي بشائكية الواقع الحضيضي، المتقلّب والمنفجر: قطعاً مع خطابات النكسة وأيديولوجيا البكاء. لكن مع فقدان الزوجة والبنت وشيء من قداسة الوطن، عدت إلى ما كنت عليه من همّ عظيم، أكتبه ويكتبني كمتنفّس لي في عالم متدهور، ملتاث وضنين...".

في هذه السياقات من التجربة في الكتابة والحياة كانت صدمة العالم ذات سبتمبر ونعني سبتمبر 2001 حيث سقوط البرجين وما تبع ذلك من تداعيات .. وهنا صدر ديوانه الشعري الجديد وعنوانه  " إعلان حالة الطوارئ  " وذلك بعد عدد من المؤلفات الشعرية والأدبية الأخرى ومنها الكتاب الشعري بعنوان " أزهار ثاني أوكسيد التاريخ" عن دار تبْر الزمان.

هذا الكتاب الشعري خرج فيه الشاعر الى طور ابداعي آخر وهو مساءلة اللحظة الراهنة بتبدّلاتها الغريبة والمربكة وكذلك ما خلّفته من حالات درامية انخطف أثناءها هذا الكائن الانسان بشيء من الذهول والدهشة وبذلك سعى الشاعر الى ارباك الزمن الحضاري الذي يعيشه خروجا عن المألوف والعادي الذي جعل الناس ينهمرون في هذا السقوط المريع.. سقوط القيم سقوط الحالة (الأوريجنالية) الأصلية.

غلاف الكتاب الأمامي به لوحة من أمتع ما أبدع الفنان محمد العايب حيث سهول شمال غرب تونس بحر من الاخضرار، إنه الأمل والخصب وتوق الانسان للحياة.. ثم لوحة أخرى لرومان أوبالكا حيث الأرقام المفتوحة والمنثورة الى اللانهاية وصولا الى النفاذة المقحمة في الفضاء نفسه وهي صورة كما يقول الشاعر مع حصاد هذا الزمان، كائن مثل كائنات أخرى يسقط من علوّه.. بل يلوذ بأرض في هالة من الرعب المفتوح مخلفا فوقه كنز ونجوم السماء.. إنه الانتهاء المريع والسقوط الملغم.

ملغمة قرية الطائرين نياما / أفكك شفرة ما يحدث الآن/ أعلن حالة الطوارئ..

هذا هو إذن كتاب الشاعر.. بحدسه العيني على كائنات الكون وهي ترقص بفعل الكلمات.. قد تكون للأخ الأكبر الذي اعتلى سرة الوقت باسم العراء لكن الشاعر في هذه القصائد الممتدة على سنة كاملة هي سنة ما بعد أحداث 11 سبتمبر سعى إلى تمثل مختلف الصور ودلالاتها الجمالية بشيء من فداحة الاحساس واللذة أيضا.. الاحساس بأهمية الانتباه للسقوط وما سيحدث واللذة المتأتية من سذاجة الكائن الذي تحول الى رقم بل الى صورة من أسمى درجات الذل..

"...أيها الناجون من الآتي: فكّروا في المستقبل وهي لابن النفيس ويراقبك الأخ الأكبر.. تخيّل صورة الآتي، حذاء وهو مطبوع على وجه الى الأبد.

أرض الحقيقة والقناع/ رسالة أخرى بعنوان جديد.

أتهجى الأرض ومعجمها هذه الأرض المشقوقة أرملة حبلى بغد الغازي المتفرعن، حاميها وحراميها.. لا غرب ولا شرق، انفجر المضروب على يده وانهال على غده.. وعلى الشفتين تيبست الكلمة.. للأخ الأكبر عين.. همّها الأكبر: فرض اليد والنّار..

رقصة للتلاشي هي خاتمة الكتاب المفتوحة أبدا كعين الشاعر السعيد بحزنه حيث نخاع الخرائط والشمس المشرقة في صحراء العينين.."

إن لغة الشاعر يوسف رزوقة مرهفة في تركيبها وكذلك مربكة في ما تحدثه من بناء درامي يدخلنا إليه الشاعر بل يقحمنا فيها طوعا وكرها على نحو يدعو للتلاشي والضحك والعود الى أصل الأشياء.. الطارئة مثلا هناك في أرض الروح الطفولة حيث كان العالم رتيبا في إيقاعه بعيدا عن تدنيس العين والوجه وليس بهذا الشكل على الأقل.

رقصة الشاعر المنتشي بآلام يصفها الانسان.. هناك أصوات منبعثة تسمعها وأنت تغوص في إعلان.. هناك عالم آخر تتخيله بل تعيشه بمجرد الانصهار.

إن لحظة السقوط المريع من أمرّ اللحظات وهي في الحقيقة حالة وحقبة عنوانها الانهيار حيث عمد الكائن الى العمل على تحويل الكون الى قرية أزرار ومتحف مهجور في الآن نفسه من أجل أسر الكائن الآخر وجلبه إلى أرض القناع حتى تبقى أرض الحقيقة يبابا..

ما معنى أن يتفرعن الكائن ويفرض اليد والنار ثم لا يلبث أن يسقط بفعل خياله الخصب هكذا من علو شاهق ليس تسلية أو استعراضا بل هروبا.. هروب من ماذا.. من سقوط آخر.. كل هذا بسرعة فائقة وساخرة أيضا حيث يسقط الانسان أمام أرقامه التي سطر وهو يضعها ويحصيها.. الارتطام.. وهكذا أيضا يعمل الشاعر يوسف رزوقة على أن يرتطم الجميع بأرض الحقيقة ليعود الانسان الى جسده الناعم وألوانه الخضراء ويسقط بالتالي الحالمون بالنار.. بشفافية شعرية عالية وانسياب درامي مؤلم وبحث مسترسل عن معان قد يفضي إليها كل نص في هذا الاعلان.. يمجّد الشاعر يوسف رزوقة في سخرية أخرى غير ملفتة أحيانا "فرعنة " الكائن الانساني الخاوية التي لن تفضي إلا الى متاهة موحشة غير منتهية مثل أرقام رومان أوبالكا.. لحظة حاسمة يلتقي خلالها الشاعر بعصره وقراءة وشهادة وكذلك استباق لترميم ما يمكن ترميمه في معمار العقل البشري الذي صنع الأخ الأكبر.. في غفلة من أبراج البهجة والتاريخ...".

ندوة وكتاب واحتفاء قتلا للذاكرة المثقوبة وانتصارا لفعل الكتابة حيث التجربة بدلالاتها الانسانية والوجدانية والجمالية  ال.....باذخة.

***

شمس الدين العوني

كل شيء يدور حول شغف مشترك كبير ألا وهو الأدب

على مدى أحد عشر يوما، من 6 ولغاية 16 أيلول/ سبتمبر 2023، أقيم مؤخرا في العاصمة الألمانية برلين، مهرجان برلين الدولي الثالث والعشرون للأدب internationalen literaturfestival berlin ilb)) في كلمتها أثناء حفل الافتتاح وسط حضور ثقافي وفني وسياسي أشارت وزيرة الدولة للثقافة والإعلام وراعية المهرجان "كلوديا روث" إلى العلاقة بين الحرية والأدب بالقول: «إن مهرجان برلين الدولي للأدب هو المنتدى المثالي، لذلك، أشدد على أن حرية التعبير هي حق من حقوق الإنسان، مثلها مثل الحرية الفنية. ولا يمكن التفكير في أي من هاتين الحريتين دون الأخرى. فإذا مات أحدهما، انتهى الآخر أيضا».. "جو تشيللو" سيناتور الثقافة والشؤون الاجتماعية عن حزب الخضر ببرلين، تحدث، "في الوقت الذي تهتز فيه العديد من المؤسسات، من الضروري أن نقرأ من بعضنا البعض، وأن نعرف بعضنا البعض، وأن نتحاور ونتبادل الحرية". يجب الاستماع إلى الأصوات المكبوتة".. كاتبة السيناريو والروائية الإيطالية "فرانشيسكا ميلاندري" ألقت خطاب المهرجان الثالث والعشرين الموسوم "الموجات فوق الصوتية للصمت" وقد تميز بنظرة ثاقبة حول مواضيع الثقافة ومواجهتها أحداث العالم المجتمعية والإنسانية والبيئية والسياسية. «دراسة ثقافة التذكر والتاريخ المنسي. بيانات مفقودة عن الآثار. الكلمات المحذوفة في الدساتير الوطنية. الأخبار التي لا تصبح في الصفحة الأولى. الإغفالات، والحذف، والمحو، والمراوغات المهذبة». التي غالبا ما تكون أقوى تعبيرا عن التاريخ والسياسة - وربما عن العلاقات الإنسانية بشكل عام - أو ما يكمن في ما يظل غير معلن. أو كما تقول : "فيفيان بيركوفيتش" الصمت وعدم التحدث وأنعدام حرية التعبير في ثقافة اليوم.. كانت الأمسية بداية ناجحة لتظاهرة ثقافية جمعت بين الفكر والأدب والموسيقى بمرافقة أوركسترا تريكستر.

في حفل إفتتاح المهرجان الذي اكتسب خلال 23 عاما شهرة عالمية ومشاركة أهم الكتاب والشعراء والفنانين العالميين من مختلف الأجناس والأعمار من أكثر من أربعين دولة، تناول الكاتب من أصول إيرانية "نافيد كرماني" الحاصل على جائزة السلام لتجارة الكتب الألمانية، في جلسة نقاشية بينه وبين مانجيت مان وفرانشيسكا ميلاندري، أدارتها فيفيان بيركوفيتش، الإجابة عن الأسئلة الأساسية حول الوجود والجنس والحرب والزوال، من خلال روايته الأخيرة التي تدور حول قصة كاتبة تعاني، في ذروة نجاحها المهني، من الفشل في حياتها الخاصة وتعريفها لذاتها. بشكل أدبي فريد من نوعه، يمزج بين الرواية واليوميات والمقال والتأمل. الممثلة ألألمانية النمساوية "إيفا ماتيس"، التي سجلت الكتاب بالصوت وتعتبر منذ السبعينيات واحدة من أهم الممثلات في الفيلم الألماني الجديد وكممثلة مسرحية على المسارح الرئيسية الناطقة بالألمانية، قرأت مقتطفات من الرواية .

على مدى أحد عشر يوما، كان مهرجان برلين الدولي الثالث والعشرين للأدب، بالإضافة إلى كونه واحة للاكتشافات الثقافية الجديدة، ملتقى عددا كبيرا من نجوم العالم، معظمهم من كتاب الكتب. وحتى في ظل رئيسته الجديدة مديرة المسرح والممثلة الدرامية "لافينيا فراي" ، التي تولت مهامها خلفا لمؤسس المهرجان عام 2001 "أولريش شرايبر" منذ بداية شهر مايو 2023، فإن تهجية المهرجان بالأحرف الصغيرة ستظل قائمة كما قالت في كلمتها الإفتتاحية التي جعلت الجمهور في مزاج جيد. وللإعتراف بالجميل، فقد أقيمت له ضمن البرنامج أمسية وداع "تكريم" بعنوان "النظر إلى الوراء" في 9 سبتمبر، في مكتبة (أونتر دن ليندن) الشهيرة (صالة هومبولدت Humboldt) مع مجموعة من الرفاق من الدرجة الأولى: المغنية باميلا بيرمان والموسيقار وكاتب الأغاني الألماني الحاصل على العديد من الجوائز الأدبية، وتعد مجموعاته الشعرية من بين أكثر الأدب الألماني مبيعا بعد الحرب "كارل وولف بيرمان". وكما كان متوقع فـ "التكريم" كان عاطفيا للغاية، حيث عرج المشاركون، ديتر باخمان، كريستين إيشيل، مونيكا جروترز، يواكيم هيلفر، فرانزيسكا هيرمان وغيرهم للحديث بشكل لا يخلو من الفكاهة والعجب، عن تعرفهم عليه في مناسبات وازمنة مختلفة احاطتها مواقف اختلط فيها الايجابي والسلبي معا.

مهرجان الأدب الدولي برلين ilb هو مهرجان أدبي يقام في برلين في سبتمبر من كل عام ولم يتوقف حتى في فترة انتشار وباء (الكورونا) حيث تم استعراضه عبر وسائل الإنترنت عالميا. ومنذ تأسيسه عام 2001، يقدم المهرجان التنوع الأدبي للشعر المعاصر والنثر والواقعية والروايات المصورة وأدب الأطفال والشباب من جميع أنحاء العالم. يظهر المؤلفون المشهورون جنبا إلى جنب الاكتشافات الدولية الجديدة في برنامج واسع النطاق. الراعي الرئيسي للمهرجان هو صندوق العاصمة الثقافي ووزارة الخارجية، ومؤسسة هاينريش بل، ومؤسسة جان ميشالسكي، تحت مظلة مؤسسة بيتر فايس للفن والسياسة، تقام عروضه في مواقع مختلفة أهمها "بيت مهرجانات برلين" Haus der Berliner Festspiele. وهدفه التواصل بين الكتاب في جميع أنحاء العالم وتحقيق المشاريع (الأدبية) الدولية. يتوزع برنامجه إلى عدة أقسام: أدب العالم، الأدب العالمي للأطفال والشباب، التأملات، العلوم والعلوم الإنسانية، العروض الخاصة والذاكرة. وينظم سنويا كجزء من المهرجان يوم الرواية المصورة وسلسلة "أصوات ألمانية جديدة". أيضا سلسلة "الأدب خلف القضبان" حيث يشارك كتاب المهرجان في زيارة سجون برلين. وهناك تعاون مع دائرة العلوم التابعة للوزارة الاتحادية للتعليم والبحث. ومنذ 2019 توجه المهرجان للاحتكاك بالتساؤلات المثيرة التي تواجهها المنظومة الثقافية، مجتمعيا وسياسيا، على مستوى العالم منها على سبيل المثال "المجتمعات الزمنية" أو "الأدب من منظور عالمي".

إلتقى آلاف الزوار المحبين للأدب من جميع الأعمار والجنس بمؤلفيهم المفضلين، في مواقع مختلفة في برلين. في المسارح والمتاحف وقاعات الحفلات الموسيقية، وحتى في السجن. وسيطر المشهد الأدبي الدولي على الحياة الثقافية في برلين. في القراءات والأحاديث وورش العمل واللقاءات. وكان كل شيء يدور حول شغف مشترك كبير ألا وهو الأدب. فمهرجان برلين الدولي للأدب يعد أحد أهم الأحداث الأدبية في العالم. نطاقه الأسلوبي والموضوعي الواسع فريد من نوعه، يجلب الثروة الأدبية المعاصرة إلى برلين- سواء كان نثرا أو شعرا أو واقعيا أو رواية مصورة أو أدب الأطفال والشباب. أو من خلال برنامج موائد مستديرة مع الفائزين بجائزة نوبل في الأدب وعروض تشجيع القراءة والأدب. أيضا مناقشة موضوعات سياسية وخطابات علمية عالية الأهمية بالإضافة إلى اتجاهات سوق الأدب بجميع أشكاله وأمزجته وأساليبه، من التيار العام إلى المتخصصة. الهدف هو مخاطبة أكبر عدد ممكن من الجمهور وإشراكهم بعدة طرق. باختصار، يقدم المهرجان للناس في برلين والمنطقة فرصة استثنائية لاكتساب نظرة ثاقبة إلى عالم الأدب الرائع مع الالتزام بحقوق الإنسان والعالمية وتعدد وجهات النظر والحوار. وسيتعرف الجمهور بالإضافة لمشاهدة توقيع الكتاب ومناقشات مثيرة، على أسماء كبيرة في الساحة الأدبية ونجوم الغد في أجواء مميزة للغاية.

كل شيء كان مختلفا، خلال أحد عشر يوما و 150 حدثا، وأكثر من 200 من الكتاب والمؤلفين من 41 دولة من بينهم: فرانشيسكا ميلاندري، سلمان رشدي، مشتاري هلال، تشيون ميونغ كوان، دينسر جوتشيتر، جيفري أوجينيدس، لويزا نيوباور، مكسيم بيلر، نافيد كرماني، فولف بيرمان، كاتيا هوير، ريكاردو روميرو جيلدا. والمشهور عالميا كمخرج لأكثر من 40 فيلماً روائياً ووثائقياً تعد من معالم الفن السينمائي، ومؤلف روايات ومقالات والعديد من الإشارات إلى الأدب في أعماله – سواء كان ذلك تعليقا صوتيا أو مرئيا أو مراجع أدبية مهمة "فيرنر هيرتسوغ" Werner Herzog الذي تحدث في اليوم الثامن للمهرجان 14 سبتمبر في صالة بيت المهرجانات الكبيرة أمام جمهور غفيرعن أهمية الكتابة والأدب لعمله الفني مع الكاتب جان براندت. وقرأ نصوصا من مؤلفاته: أحداث "المناظر الطبيعية في نشوة".  «في المشي على الجليد» عن رحلة من ميونيخ إلى باريس في شتاء عام 1974، والتي لها سحرها الخاص كالتأمل في الحياة والموت، إلى المذكرات الأسطورية عن تصوير فيلم «فيتزكارالدو» مع كلاوس كينسكي وذكرياته » كل إنسان لنفسه والله ضد الجميع».

أخيرا وليس آخرا، ما هو أكثر وضوحا. فإن مهرجان برلين الدولي للأدب في دورته الثالثة والعشرين، سلط الضوء على الآفاق والتواصل عبر الحدود مع حوالي 150 حدثا، 50 منها في برنامج الأطفال والشباب، 148 مؤلفا من 41 دولة في 8 أماكن بها 12 مسرحا. من جانب آخر وهو المهم، فأنه، ومن خلال دائرة نقاشات شارك فيها مجموعة من الكتاب تناول تحت عنوان " أحداث خاصة" جملة من المواضيع التي كان لها آثار خطيرة على الانسانية. كان من بينها موضوعة الأدب والحرب تحت عنوان، (طالما كانت هناك كتب.. كان حرق الكتب علامة وحشية على السلطة الاجتماعية والسياسية). في عام 1933، زمن النازية آنذاك، فرض الاشتراكيون الوطنيون (القوميون) في ألمانيا الرقابة والحظر على الأدب تحت شعار « ضد العناصر غير الألمانية!» أدت إلى محارق مشتعلة.. يصادف عام 2023 الذكرى التسعين لحرق الكتب في ألمانيا بطريقة بشعة.

***

عصام الياسري

يُعيد قاطرة السينما العراقية إلى مَسارها الصحيح ويحتفي بالأفلام العربية

تتواصل الاجتماعات والمؤتمرات التي تتعلق بانطلاق فعاليات الدورة الأولى لمهرجان بغداد للفيلم العربي في 12 كانون الأول / ديسمبر 2023م وتستمر لغاية السابع عشر منه. ونتمنى، نحن المعنيين بالشأن الثقافي والفني، أن يُتوّج هذا المهرجان بالنجاح خاصة وأنّ القائمين عليه هم نخبة من الأكاديميين والفنانين، والنقاد السينمائيين إضافة إلى فريق إعلامي محترف يتابع هذه المؤتمرات والأنشطة الفنية ويحيطنا علمًا بكل جديد. ففي المؤتمر الذي عقده د. جبّار جودي العبودي، نقيب الفنانين العراقيين، ورئيس المهرجان في قاعة النقابة يوم السبت المصادف 26 آب / أغسطس 2023م قال بأنّ الدورة الأولى تحمل اسم المخرج الكبير محمد شكري جميل (1937م) الذي عرف بأفلامه النوعية مثل "الظامئون"، و "الأسوار"، و"المسألة الكبرى"، و "الفارس والجبل"، و "اللعبة"، و "الملك غازي". وأضاف د. جودي أنّ جميع القائمين على المهرجان حريصون على أن يكون هذا المهرجان متكاملاً لا تشوبه النواقص والعثرات اللوجستيه "وأن يليق بسمعة العراق ومثقفيه وفنانيه وسينمائييه". ولعلنا نراهن على خبرات المنظِّمين للمهرجان وقابلياتهم الأكاديمية والفنية في آنٍ معًا. فالدكتور جبار جودي، رئيس المهرجان، هو مصمم، وسينوغراف، وممثل، ومخرج مسرحي، وحاصل على دبلوم وبكالوريوس في الإخراج المسرحي، وماجستير ودكتوراه في جماليات وتقنيات المسرح. أخرج أربع مسرحيات من بينها "محنة" و "خيانة"، كما أخرج فيلمًا يحمل عنوان "فيلم" سنة 2017م، وشارك في العديد من المسلسلات التلفازية ونال عنها بعض الجوائز المهمة كان آخرها جائزة مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي عن إخراجه لمسرحية "حصان الدم" المأخوذة عن مسرحية "مكبث" لشكسبير. أمّا مدير المهرجان فهو الدكتور حكمت البيضاني، رئيس قسم السينما والتلفزيون في كلية الفنون الجميلة في بغداد. ولو وضعنا مؤلفاته الخمسة وأطاريح الماجستير والدكتوراه التي ناقشها جانبًا واكتفينا بمهرجانه الجميل الذي ينضوي تحت عنوان "3 دقائق في 3 أيام" الذي انطلقت دورته الأولى في3 آذار 2013م، فهو وحده يكفي لتأهيله لإدارة المهرجان. والمُلاحظ أنّ الرقم "3" هو القاسم المشترك لكل فعاليات مهرجانه النوعي، فلجان المشاهدة والتحكيم والجلسات النقدية تتحدّد بثلاثة أشخاص، ومدة الفيلم لا تزيد عن ثلاث دقائق، وجوائز المهرجان ثلاث فقط. كما أنّ المهرجان يبدأ في الساعة الثالثة من الشهر الثالث من كل عام. هذا إضافة إلى متابعة الدكتور حكمت البيضاني لبعض المهرجانات العربية والأوروبية مثل القاهرة و "كان" وبرلين وفينيسيا ومحاولة نقله بعض التجارب السينمائية العالمية إلى العراق. فحينما يتحمّل شخص مثل البيضاني مسؤولية إدارة المهرجان فلا نتوقع منه إلاّ النجاح والتألق وقد وصفه الدكتور جودي "بالشخصية الأكاديمية والمهنية في وقت واحد". وحسنًا فعل القائمون على المهرجان حينما اختاروا الفنانة الدؤوبة آسيا كمال نائبة لرئيس المهرجان ومديره في آنٍ معًا فهي تتوفر على خبرة جيدة في العمل الإداري مثلما تمتلك شغفًا كبيرًا في التمثيل التلفازي والسينمائي وقد اشتركت في عشرة أفلام أبرزها "في ليلة سفر" للمخرج بسّام الوردي و "مطاوع وبهية"، و "يوم آخر" لصاحب حدّاد، كما اشتركت في عشرات المسلسلات التي تبدأ بـ "عزيزة يمّه" وتنتهي بـ "الماروت". ونالت جائزة أفضل ممثلة عراقية لعاميّ 2010م و 2011م على التوالي. كما أن اختيار الإعلامية المثابرة عائشة الدوري كمساعدة لمدير المهرجان هو دليل آخر على دقة انتقاء في الجانب الإعلامي لبعض الشخصيات النسوية التي تتحدث اللغة الإنگليزية بطلاقة وتستطيع أن تتحاور بها في حال وجود ضيوف وإعلاميين أجانب. كما أنّ هاتين السيدتين ونساء أخريات سوف يُضفين لمسات أنثوية رقيقة على المهرجان برمته.3641 مهرجان بغداد

يشتمل المهرجان على عدد من الأنشطة الفنية والثقافية الموازية للعروض السينمائية مثل ورشة "كتابة السيناريو" التي يحاضر فيها السينارست ناصر طه، وورشة "الإخراج السينمائي" التي يتحدث فيها مخرج عربي معروف سيُعلن عن اسمه لاحقًا، وهناك ندوة فكرية بعنوان"تعزيز سبل الإنتاج السينمائي العربي المشترك" تسهم فيها أسماء معروفة في هذا الصدد. وإضافة إلى هذه الأنشطة هناك توقيع لخمسة كتب سينمائية وهي "مذكّرات مدير إنتاج سينمائي" للراحل ضياء البياتي و"الفيلموغرافيا العربية 1927 – 2023" للناقد مهدي عباس و"مواثيق السينما العربية" للدكتور علي الربيعي وحفل توقيع كتاب الفنان عبد الحسين ماهود "13 سيناريو فيلم روائي قصير" وعدد جديد من "مجلة السينمائي" التي يرأس تحريرها الإعلامي المواظب عبدالعليم البنّاء. أمّا ضيوف المهرجان فقد أكد الدكتور جودي بأنّ 60 ضيفًا سوف يحضرون من الوطن العربي وبقية بلدان العالم، و 60 شخصية فنية من المحافظات العراقية المساهمة في أعمال المهرجان، بالإضافة إلى النحات أحمد البحراني الذي صمم وأنجز تروفي المهرجان.

أكدّ البيضاني أنّ تنظيم مهرجان سينمائي عربي ليس حدثًا جديدًا على العراقيين فلقد سبق لهم أنّ رسخوا تجارب مهمة في هذا المضمار ولكن المعنيين في المهرجان سيركزون قليلاً على الأفلام العراقية من دون أن يغفلوا الأفلام العربية التي تجتاز مرحلة الفحص والاختيار على وفق الشروط الفنية المرسومة سلفًا للأفلام الروائية والوثائقية الطويلة والقصيرة وأفلام الأنيميشن وقد تسلمت لجان المهرجان 130 فيلمًا حتى الآن كانت مُشاركة العراق هي الأعلى بواقع 40 فيلمًا، تلتها مصر بـ 36 فيلمًا، فيما قدِمت الأفلام الأخرى من سورية وتونس والمغرب والسودان وفلسطين والسعودية واليمن. وفيما يتعلّق بمسابقة السيناريو فقد تقدم للمسابقة 117 سيناريو ستختار منها اللجنة سبعة سيناريوهات لإنتاجها من قِبل المهرجان على أن تُسند لها الميزانيات المناسبة على وفق متطلبات الفيلم.3642 مهرجان بغداد

لم ينطلق هذا المهرجان من فراغ فبينما كان السينمائيون العراقيون بمختلف اختصاصاتهم يحاولون تحريك المياه في البحيرة السينمائية الساكنة قدّم المخرج سعد نعمة والإعلامي عبدالعليم البنّاء طلبًا بإقامة مهرجان أفلام الخليج اقتداءً ببطولة "كأس الخليج العربي 25" وأوصلت الجهات المعنية المقترحَ إلى رئيس مجلس الوزراء لكنه ارتأى ألا تُحصر التجربة بالخليج العربي فقط وإنما تنفتح على العرب فوافق مجلس الوزراء على الصيغة المعدّلة بميزانية مضاعفة بلغت ملياريّ دينار يتم استحصالها عن طريق وزارة المالية.

ثمة عوامل كثيرة تساعد على إنجاح المهرجانات السينمائية كما أنها تعطي فكرة جيدة عن مهرجان دون آخر نذكر منها حقيبة المهرجان التي يجب تُصمم بشكل جيد ولافت للنظر ويوضع بداخلها، تمثيلاً لا حصرًا، كتالوغ المهرجان بنسختيه العربية والإنگليزية، والكتالوغات الموجزة لكل مسابقة على انفراد، والكتب السينمائية التي يطبعها المهرجان، وباجات الضيوف والمدعوين من داخل العراق وخارجه، ونشرة المهرجان اليومية، وبقية المستلزمات الأخرى التي يوفرها المهرجان لضيوفه. تبذل المهرجانات الحِرفية جهدًا كبيرًا لتوفير وسائل النقل الحديثة التي تحمل اسم المهرجان وشعاره وتتحرك بانسيابية من الفنادق إلى صالات السينما وقاعات المحاضرات والأنشطة الفنية الموازية وبالعكس. كما يتم التركيز على حُسن استقبال الضيوف وتوديعهم بحرفية وحميمية وإتقان يتذكره الضيف لمدة طويلة من الزمن. وفي الختام أتمنى على الأخوة القائمين على المهرجان أن يأخذوا بهذه الملحوظات التي استقيناها وتعلمناها من مهرجانات عربية وعالمية ناجحة لا يمكن أن تغادر ذاكرة الضيف بسهولة، وأعتقد أن نُخبنا الثقافية والفنية في العراق قادرة على أن تكون أنموذجًا يُحتذى به في عالمنا العربي في أقل تقدير.

***

عدنان حسين أحمد

أقام اتحاد أدباء وكتّاب صلاح الدين أمسية ثقافية عن النقد اﻷدبي في 24/6/2023، وكانت بعنوان ”فيصل عبد الوهاب ناقدا“، تحدث فيها اﻷساتذة؛ د. سامي الزهو أستاذ الاستشراق في جامعة تكريت والناقد الدكتور باسل التكريتي والشاعر الدكتور ذر الشاوي عن الكتابين النقديين لكاتب السطور "بلورات من الحكمة" 2014 و"قراءات أدبية" 2019 الصادرين عن مؤسسة شمس للنشر والإعلام في القاهرة. كما تحدث اﻷستاذ إسلام شمس الدين مدير مؤسسة النشر عن تجربته في النشر بشكل عام ومع اﻷدباء العراقيين على نحو خاص. وتحدث د. سامي الزهو عن غنى التجربة اﻷدبية لكاتب السطور، وأشار إلى مقالة ”في الاستشراق اﻷمريكي“ التي نشرت في أحد مواقع النت؛ ومن ثم في كتاب “بلورات من الحكمة” وهي عن مناقشة رسالة الماجستير للمتحدث نفسه. وقال إن هذه المقالة كان لها اﻷثر الكبير في انتشار رسالته. ثم أعقبه الناقد د. باسل التكريتي الذي أشار إلى كتاب هو أحد مؤلفيه ”نجوم زاهرة في سماء تكريت في العصر الحديث“ والذي يضم السيرة العلمية واﻷدبية لكاتب السطور، وأورد مقتطفات عن هذين الكتابين وعن أهم مميزات الكتابة لدى الناقد حيث يقول إن كتاباته تتميز بجمال الشكل والمضمون إضافة إلى جمال الروح، وأنه أثّر في جيله، وتعلم منه وعرف كيف يبدع على المستويين الأكاديمي والثقافي. كما أضاف أن منهج كاتب السطور يتصف بالذوق وهي صفة مكملة للموهبة، ويتمثل ذلك في حسن اختيار النصوص والتمييز الدقيق في المعاني والصور والألفاظ وأصواتها وإدراك التناسق والتنافر في ترتيب الكلمات في الجملة. وهذه الموهبة في التذوق النقدي قد ساعدته في تذوق الأعمال الأدبية ونقل ذلك للقراء. وهذا ناتج من إلمامه بأصول النقد وطرقه وبالتراث النقدي العربي والحركات النقدية المعاصرة واتجاهاتها. وأضاف بالقول إن الناقد يتصف بالإنصاف في نقده حيث يقدّر ثمرات الكتّاب، أو يوصي بالتعديل والتصحيح. وختم كلمته بالقول إن هذه العجالة لا تكفي للإحاطة بالموضوع قيد الدراسة.3473 امسية تكريت الادبية

ثم استخلص الشاعر د. ذر الشاوي ملاحظاته عن الكتابين النقديين بجمل قصيرة، وقال إن تلك المقالات التي قرأها تتصف بالتكثيف وتشذيب القول وبلوغ الهدف بجلاء. وأنها تتصف بالمرونة في تداول الأفكار المختلفة والانفتاح على الثقافات وطرح وجهة النظر دون استبدادية الفكرة. وأكد الشاعر الشاوي على أن هذه المقالات لها امتداد أفقي في دراسة الأجناس الأدبية والاهتمام بالجماليات وامتداد عمودي تاريخي في دراسة تشكيل وتطور الآداب والفنون ودراسة السياقات المتتابعة والمترابطة في الوصول إلى النتاج الأدبي حتى العصر الحالي. كما أنها تراعي شروط التحليل المنهجي مع الرؤية الانطباعية بتوازن تجاه تحليل ونقد النصوص الأدبية. كما أكد على أن هذه المقالات تُعنى بدراسة العوامل الأساسية لإنتاج النص الأدبي أو العمل الفني وتحليل مسببات وبواعث النص ومراعاة أخذ الكاتب على محمل السياق الاجتماعي والأدبي والسياسي والتاريخي، وعلى أرضية الموهبة والفرادة في تكوين نص أدبي أو فني مميز. وأضاف أنها تستلهم الفكر الإنساني بأسلوب الفهم المعمق لا النقل المباشر، وتنتخب موضوعات محورية وحساسة لسبر أغوارها والإحاطة بها. وأشار الشاعر الشاوي أن تلك النقود تتسم بأنها نقد حيادي لا يوجد فيه تحامل على الكاتب بقدر ما هو وضوح وصراحة منطقية تشير إلى موضع الملاحظة، وتمتاز بالتخصيص دون التعميم. وقال إنها تواكب التنوع الأجناسي والأسلوبي وعدم اعتماد لون واحد في الكتابة، بل وشمول السينما والمسرح وبقية الفنون. كما أنها توثق المؤتمرات، وتسهم في تقويم نتائجها وتعيين السلبيات وطرح المقترحات. وختم الشاوي ملاحظاته بالقول إن تلك المقالات تركز على أهمية الثقافة ودور المثقف في المجتمع بطروحاته ومواقفه وتأثيراته الإيجابية والسلبية.3474 امسية تكريت الادبية

ثم شرح الأستاذ إسلام شمس الدين مدير مؤسسة شمس للنشر المصاعب المادية والمعنوية التي تواجه مهنته حيث التكاليف الباهظة لمعارض الكتب وارتفاع تكاليف الطباعة ومستلزماتها، ولكنه أشار إلى جانب مضيء في الثقافة العراقية وإقبال الكتّاب في العراق على النشر في مؤسسته حيث نشر ما يزيد على 200 عنوان لهؤلاء الكتّاب. ومن الجدير بالقول أن مؤسسة شمس تساهم إلى حد بعيد في انتشار الكتّاب بعلاقاتها الإعلامية الواسعة مع وسائل الإعلام العربية ومنصات الترويج الإلكترونية، حيث تجد الكتاب معلنا عنه على نطاق واسع فيها، وهذا ما يشكل عامل جذب قوي لهؤلاء الكتاب للنشر فيها.

وفي ختام الأمسية تحدث كاتب السطور عن تجربته في النقد الأدبي، وتناول بداياته في نشر مقالاته في الصحافة العراقية والمواقع الأدبية الإلكترونية العربية وخاصة منتدى القصة العربية برعاية القاص السعودي جبير المليحان، إضافة إلى المواقع الأخرى مثلاً؛ من المحيط إلى الخليج والفينيق ومرافئ الوجدان ولغتي الخالدة وسواها. كما تحدث عن إشكاليات الكتابة النقدية، وأشار إلى معضلة إيجاد النص المميز الذي يجذب الناقد، ويغويه للكتابة عنه. وختم كلمته بالقول إنه لم يكن يهتم بشهرة الكاتب، وإنما جودة النص لذلك كانت مقالاته تهتم بالمشاهير من الكتّاب والمغمورين منهم على السواء.

***

فيصل عبدالوهاب

نظم مركز عناية ندوة علمية، يوم السبت الثامن من شهر يوليوز 2023، بمجمع الابتكار التابع لجامعة القاضي عياض بمراكش وذلك احتفاء بأحد العلامات البارزة للدرس الفكري والبلاغي بالمغرب والوطن العربي العلامة الدكتور عباس أرحيلة.

ولما يزيد عن ثلاث ساعات، تدارس خيرة من الباحثين والمتخصصين، آخر إصدارات الدكتور عباس أرحيلة: "تراثنا في مسار التحديات" و "مدن مغربية من الاحتلال إلى التحرير"، إذ أبرزوا جميعهم المرجعيات الفكرية التراثية لهذين الكتابين والتي لا تبتعد في مجملها عن التصور العام وعن الهم الفكري الأكبر الذي حمله الدكتور أرحيلة لأزيد من أربعة عقود وما زال، منافحا عن الهوية الإسلامية ومدافعا عن التراث الإسلامي من خلال ما يتيحه الدرس الأكاديمي والتأليف النقدي، بلورة لمفهوم التجديد والحركية المتلازمين لهذا الموروث.

وألقى رئيس مركز عناية بالمغرب الدكتور مصطفى غلمان، كلمة بالمناسبة ذكر من خلالها بانخراط المركز غير المشروط وبمختلف أطيافه، في هذه الحركية العلمية الكبرى داخل مراكش وخارجها معتبرا أن لقاء الثامن من يوليوز سنة 2023 هو استمرار للتوجه العلمي للمركز، مشيرا إلى انتصار قيم الثقافة وبناء الإنسان في مواجهة الكم الهائل للغوارب الغاصبة للهوية والوجدان الثقافي الوطني.

ودعا غلمان إلى استعادة جذوة هذه الأخلاقية التي تشهد راهنا مقاومة تعكس خطورة المحتوى المنقول عبر الأشكال الجديدة للترويج الثقافي، وأثر ذلك على الأجيال والعمران.

وجاءت المداخلات المؤطرة من قبل، الدكتور عبد الجليل هنوش، الذي استدعى من خلال قراءته لكتاب "تراثنا في مسار التحديات"، إمكانات مؤلفه الأكاديمية والبيداغوجية، واستحضاره من خلال طفرات علمية بالجامعة، مراحل تاريخية هامة، كان فيها بناء العلم لبنة أساسية من لبنات تمتين علاقة التراث وسيرورته بالتكوين والتربية.

أما الدكتور عبد الرزاق مرزوك، فقد أجاب من خلال قراءته العميقة التي عنونها ب"مشهد التحدي في كتاب تراثنا في مسار التحديات دلالات وتجليات"، عن أسئلة المفهوم والمصطلح، وتقييماته النظرية والاعتبارية للعديد من منجزات المحتفى به، مستحضرا هو الآخر، نصوصا ثاوية من معين "الكتاب، الذي يستأثر ـ يقول مرزوك ـ بالنصيب الأوفر من روح مشروع ارحيلة ومناطاته السامية، "في تحقيق الفضيلة والأخلاق".

وأبرز الباحث مرزوك معالم تشكيل هذه الشخصية العرفانية، في مثارة المؤلف، حيث لا يمكن التقعيد لها، دون المرور من سلطانها الكبير على المعرفة وصناعتها". 

3467 حفل كتاب مراكش

بيد أن مداخلة الدكتور عبد الوهاب الأزدي، تزاوج بين العام والخاص، فقد قارب قراءته الإشكالية الموسومة ب"التراث الاسلامي بين ضميرين للاتصال والانفصال (تراثنا) و"معنى التراث"، انطلاقا من مرجعية العلامة ارحيلة، البلاغية والموسوعية. واضعا أسس التراث الإسلامي على مفرقي "الاتصال" و"الانفصال"، حيث يتكامل السياقان في محمل واحد ، ينفرد بهما فكر مجيب عن كل أشكال الضميرين المذكورين.

وفي ذات السياق، أفاض الدكتور عبد العزيز لحويدق، في تجسيد هذه الرؤية السابحة في ذرى "التراث الإسلامي" ماهية ومنهج. وهو ما يثير أكثر من تساؤل حول اشتغال العلامة الرحيلة، ضمن مشروعه الفارق، والذي يؤسس لمنهج بياني فائق الدقة والمرجعية.

وأشار لحويدق بهذا الخصوص، إلى تسلسل المشروع وارتقائه لمصاف العلم النافع، ووجوده كعلامة مشعة في الدرس الجامعي والأكاديمي، داعيا إلى إعادة قراءته وتجويد أساليب توجيهه وتقديمه للأكاديما والجامعة.

أما الأستاذ عبد العزيز أيتبن صالح فقد عرج على كتاب "مدن مغربية من الاحتلال الى التحرير" معنونا مداخلته ب: "كتاب باحث بنصوص وقيم باستقامة وناظر بنظر"، حيث تساءل عن هذا النمط الجديد في كتابات المفكر الدكتور عباس أرحيلة والذي وظف التأريخ لضبط إيقاع الهوية من زوايا غير معتادة.

وأجاد الباحث ايت بنصالح في القراءة التأصيلية لمشروع الكتابة لدى ارحيلة، مرتبطا بمدلولات التأريخ للحظات حاسمة من تاريخ مدن اختارها المكرم بعناية فائقة.

وقال ايت بنصالح إن الكتاب هو جزء من مشروع ارحيلة، حيث يسكن الهوس البلاغي لاكتشاف أسرار الفضاءات المتحلقة في أعماق وجدان الكاتب.

مساهمات علمية دقيقة جاءت مقاربة بشكل محفز للمفهوم والمنهج والتصور، استحضرت من خلالها كل وفق تصوره ومرجعياته الأبعاد الهوياتية والفكرية التي نحتثها الدكتور أرحيلة وطورها في مختلف مواطن إنتاجه الفكري والنقدي، سواء كان تأليفا أم تدريسا.

مخلصين إلى إن الإيمان بهذه المرجعيات، ظل وسيظل إلى ما شاء الله، المحفز الأكمل لإنتاج المزيد من الأفكار والأبحاث حول تراث أمة غارقة في عدم المبالاة، تركن لطمس ملامحها وكينونتها، ولا تبدل إلا القليل من أجل استرداد بعض مجدها الفكري والعقدي.3468 حفل كتاب مراكش

وكان من أهم محطات اللقاء، عرض شريط سجل أهم المراحل الحياتية والعلمية للدكتور عباس أرحيلة مع عرض لمختلف التآليف والأبحاث التي أنجزها المحتفى به، وكانت بعدها لحظة بث كلمة / شهادة الدكتور المصري سعد مصلوح، أستاذ اللسانيات، المتخصص في الأسلوبية، اللحظة الفارقة الفارهة والتي حرصت اللجنة التنظيمية على جعلها مفاجأة في هذا اللقاء الوازن، لما للرجل من مكانة خاصة لدى المحتفى به، فما بينهما من مشتركات علمية وانسانية أمر لا يغفله متخصص ولا متابع.

كانت لحظة بث كلمة/شهادة الدكتور المصري سعد مصلوح، أستاذ اللسانيات، المتخصص في الأسلوبية، اللحظة الفارقة الفارهة والتي حرصت اللجنة التنظيمية على جعلها مفاجأة في هذا اللقاء الوازن، لما للرجل من مكانة خاصة لدى المحتفى به، فما بينهما من مشتركات علمية وانسانية أمر لا يغفله متخصص ولا متابع.

وختم اللقاء بعد مناقشة استشرافية على أمل اللقاء في ندوات فكرية أخر، تطويرا للنقاش وتفعيلا لقناعات راسخة في أن الهدف من مثل هذه الأعمال والندوات هو مد الجسور بين من لهم الفضل من الأساتذة، والشيوخ من رواد البحث العلمي في الجامعة المغربية وبين أجيال متحمسة تواقة من أبناء هذا البلد .

***

مراكش / خاص

نظم الدكتور محمد الفحلي، مساء يوم السبت 08 يوليوز 2023 بمقر سكناه الفاخر بمراكش، حفل تقديم كتاب أبيه الشاعر والوطني الراحل أحمد شوقي الدكالي الفحلي الموسوم بـ "من شعر أحمد شوقي الدكالي (الفحلي)"، تأليف الباحث أحمد متفكر، والصادر، مؤخرا في طبعته الثانية، عن المطبعة والوراقة الوطنية بذات المدينة.

وقد حضر فعاليات هذا الصالون الأدبي، إضافة إلى عدد من أفراد أسرة الشاعر والمناضل الراحل، مجموعة من رجالات الفكر والثقافة والأدب والإعلام والفن بالمدينة الحمراء.

في مستهل هذا الحفل، الذي أدار فعالياته الباحث الدكتور مولاي المامون المريني، ألقى ابن المحتفى به  ومنظم الحفل كلمة ترحيبية، باسم العائلة وباسمه الخاص، شكر من خلالها الحضور الكريم، مؤكدا أن ذكرى أبيه ستبقى منقوشة وخالدة في قلبه، مشيرا أنه كان، بالنسبة له، السند الذي لا ينهار، والمثل الأسمى الذي يستمد منه طاقته وقوته، والقدوة التي أنارت مشواره الدراسي، ومبرزا أنه لن ينسى غيرته المشتعلة على الوطن وهو يحثه على الإيمان بقدسيته، وكان يصغي إليه، بكل اهتمام، وهو يحكي عن مسيرته التعليمية، رفقة أستاذه الكبير والهرم الشامخ المختار السوسي، كما كان يستمتع بقصصه ومغامراته المشوقة ضد المستعمر، التي كانت عبارة عن مضايقات واعتقالات تعسفية عاشها، بمعية رفاقه عبد الله إبراهيم وعلال الفاسي، وابن عمه أبي شعيب الدكالي، إضافة إلى مناضلين آخرين، الذين شكلوا نخبة من خيرة رجال البلد، الذين كان هدفهم المنشود هو الحفاظ على كرامة الفرد، وانتمائه لوطنه، بكل شرف وصدق.3458 القاروني

وعن الباحث متفكر، قال الدكتور الفحلي إنه يبعث الروح في التاريخ المنسي لمراكش، هذا التاريخ الذي كاد أن يضيع ويتلاشى ويتبخر في غياهب النسيان، لكن، بصبر واجتهاد هذا الباحث الجليل، أصبحت دروب البحث الوعرة بساطا من حرير، قضى فيها الباحث عشرات السنين، ليكتب عشرات الكتب القيمة، التي ستبقى نبراسا مضيئا لكل الأجيال المراكشية والمغربية والعربية.

إثر ذلك، ألقت منال الفحلي، حفيدة الشاعر، قصيدة في حق جدها تشيد بمناقبه، خصوصا وطنيته ونضاله، من أجل تحرير الوطن من ربقة الاستعمار الفرنسي.

وبدوره، قدم الناقد عبد الرحمان الخرشي قراءة في الكتاب، موضحا أن الكاتب والبحاثة متفكر قد ضاعف الجهد لإخراجه مادة لا يستغني عنها باحث رصين، في مجال الدراسة، بالرغم مما وقف في وجهه من صعوبة في الجمع، وتدقيق استدعاه التقديم، وسداد اقتضاه التعليق، ومبرزا أن الباحث قد جمع خيوط وسدى هذا الكتاب، كما حبك مادته من صميم تجربته البحثية الطويلة، ومن فائق عنايته وصفاء ذوقه المتسق، وحسه المترجم مع حس فني شفاف وأسلوب أثيل، وعمق نقدي رصين ومنهج واضح المعالم.

ومن جهته، بسط الناقد محمد إكرام السباعي قراءة في الكتاب معنونة بـ "الشاعر أحمد شوقي الدكالي الفحلي وتجليات النبوغ"، ملقبا الباحث متفكر بمؤرخ الحضرة المراكشية، لكونه قد جعل من هذه المدينة قطب الرحى ومركز الثقل، حيث كتب عن أعلامها ومعالمها، ونفض الغبار عن كثير من زواياها، ليغوص، بعد ذلك، في قاموسها مستخرجا الدرر والنفائس، التي لولاه لطواها النسيان، ولما حظي بحسنها وجمالها إنسان، من بينها كوكبة من شعراء مراكش، التي أخرجها من الكمون إلى الظهور.3459 القاروني

وبخصوص هذا الكتاب، موضوع اللقاء، لقد كان لي شرف مواكبته إعلاميا، فور صدوره، من خلال قراءة تناقلتها مجموعة من المنابر الإعلامية الدولية والوطنية.

وفي شهادتي، أثناء مناقشة أعمال ومجريات هذا الملتقى، أكدت أن الشاعر الدكالي الفحلي كان مخلصا للقبه، فحلا ومتميزا في قرض الشعر، ما جعل الشيخ المختار السوسي يلقبه بشوقي المغرب، كما كان وطنيا كبيرا من الرعيل الأول، إضافة إلى أنه لم يحظ بالمواكبة الإعلامية التي تليق بقدره وعطائه الأدبي والشعري. وبخصوص الباحث متفكر، أوضحت أنه من أساتذتي الأجلاء، الذين تتلمذت عليهم بسلك الثانوي التأهيلي، خلال بداية ثمانينيات القرن الماضي، وكانت لي فرص عدة لمواكبته إعلاميا، باللغتين العربية والفرنسية، في مجموعة من محطاته الفكرية والبحثية، بدءا بجريدة "لوبينيون" (الرأي)، الناطقة باللغة الفرنسية، سنة 1997، بمناسبة مساهمته القيمة في برنامج "ذاكرة المدن" للإعلامي الراحل عبد الحفيظ الرفاعي، ومرورا بمقالات ترصد وتعرف بمسار حياته وفكره بالنشرة الإخبارية للأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين مراكش- آسفي، ومجموعة من المنابر الإعلامية الدولية والوطنية، مع بداية العقد الثاني من القرن الحالي، وانتهاء بتقديم قراءة لعدد من إصداراته الرصينة حول ثلة من الوجوه البارزة، في ميدان العلم والشعر المغربيين، عبر أعمدة الصحافة الوطنية والدولية، خلال السنوات القليلة الماضية، داعيا إلى مأسسة المشروع البحثي لمتفكر، حتى يشمل المزيد من الوجوه الثقافية المغربية، التي يطالها النسيان،  وحتى نضمن له الاستمرارية والمزيد من التوهج والإشعاع.

وفي الختام، تناول الباحث متفكر الكلمة ليشكر منظم هذا الحفل، الذي له الفضل في إخراج هذا المؤلف إلى النور، وفاء لما قدمه المرحوم والده من خدمات جليلة، في مجال الشعر والأدب والحركة الوطنية المغربية، وكذا كل المتدخلين والحضور في هذا اللقاء، متمنيا عقد لقاءات أخرى، من هذا الصنف، فيما يستقدم من أيام.

***

عبد الرزاق  القاروني - المغرب

 

ندوة أدبيّة للكاتب ناجي ظاهر في مركز محمود درويش في الناصرة

أقام مركز محمود درويش الثقافي البلدي في الناصرة مساء الخميس 2023/6/8 ندوة تكريمية للأديب ناجي ظاهر احتفاءً بصدور كتابه الجديد «أجنحة الذّاكرة مجالس نصراوية منوّرة وشخصيات مؤثّرة»، بمشاركة د. رافع يحيى، الكاتبة حوا بطواش والباحث خالد عوض وبإدارة رنا أبو حنا. 

وافتتحت الندوة مركّزة البرامج الثقافية في مركز محمود درويش، عُريب زعبي، التي رحّبت بالحضور وأشادت بالكتاب المحتفى به قائلة إنّ أجنحة الذّاكرة تحليق فوق محطات لنبش الذّاكرة وتسليط الضوء على الماضي بهدف معرفة الحاضر وتسديد الخطى نحو المستقبل المنشود، في عمق الحنين إلى أيام مضت وفي ميلٍ متأصّل للمشاركة في الرّأي  والرؤية. كما أشادت بالكاتب ناجي ظاهر  قائلة إنّه أثرى نشاطه الأدبيّ بعطاءٍ لا يمكن تجاهله وفي جعبته المزيد. بحسّه المرهف وموهبته أخذ يغترف من أعماق روحه ووجدانه وينسج من نور الشمس خيوطًا ذهبيّة، فيحيكُ منها تارةً قصيدة وأخرى قصّة حزينة تنبع من أعماقها معاني الإنسانيّة.3337 ناجي ظاهر

ثم تولّت إدارة الندوة رنا أبو حنا التي تحدّثت عن الكاتب ناجي ظاهر، عن حبّه لمدينته الناصرة وتحدّثت عن الكتاب قائلة إن ناجي ظاهر يعرّفنا فيه على شخصيات مؤثّرة في حياته، دفعت به إلى الأمام وبقي يذكرها على الدّوام، وربما خلقت منه شخصًا أكثر نضجًا وإدراكا بأنّ الوطن عنده هو وطن ذكرياتٍ وأناس عظماء تخطّو حدود النمطيّة في حياتهم وحقّقوا النجاحات الكبيرة وهم موجودون في الماضي وفي صفحات التاريخ ووجدان من أحبّوهم، نسمع ونقرأ عنهم وقد لا نعرف الكثير منهم.

واستعرضت بعض المجالس التي يتحدّث عنها الكتاب وأكّدت على أهميّة الصالونات الثقافيّة التي تُعتبر من أفضل أنواع التغذية العقليّة في كل المجالات ولها تأثيرٌ علينا حيث أنّ القراءة هي التعامل الذّاتي مع ما نقرأ. وتحدّثت عن مجلس تذكاريات طه للأديب الراحل طه محمد علي الذي كان يستقطب كبار الكتاب والأدباء في البلاد وذكرت أن الشاعر الكبير محمود درويش في زيارته التاريخية للناصرة عام 2008 أبى إلا أن يزور تذكاريات طه تأكيدًا على أهميّة هذا المجلس الأدبيّ واحترامًا وتبجيلًا للأديب الكبير طه محمد علي.

ثم تحدّث د. رافع يحيى في مداخلته عن بعض المجالس النصراوية التي ذكرها الكاتب في كتابه، مثل: مجلس السّيدة قادرية، مجلس طه محمد علي، مجلس جمال قعوار، مجلس المطعم الشّعبيّ، وقال إن لمجلس محمود أبو رجب في صحيفة الأخبار أثرٌ في قلب الكاتب ناجي ظاهر ويشرح في كتابه كيف شكّل مكتب الأخبار مجلسًا يوميًّا لكلّ زائر وينقل لنا وقائع لنقاشات بين أدباء مختلفي الميول والمشارب.

كما تحدّث عن تميّز الكتاب بذاكرة خصبة ارتأى الكاتب أن ينشرها كمذكّرات شخصيّة رقيقة وعميقة وأنّه أحبّ الصّدق الذي في الكتاب. وأضاف: إن ناجي ظاهر يقدّم لنا صورةً حضاريّة خصبة عن الناصرة وهي سجل اجتماعي ثقافيّ، سياسيّ لكثير من المشاهد الثقافيّة في بلادنا، فكلّ مجلس وكلّ شخصيّة عالم قائم بحدّ ذاته وللأسف سيطرت وسائل التّواصل على حياتنا، وتكاد بلادنا تفتقر لهذه المجالس الثريّة والغزيرة بالعطاء وحبّ الوطن والثّقافة. وفي النّهاية تساءل: هل ما زالت الناصرة هي الناصرة؟!3338 ناجي ظاهر

ثم قدّمت الكاتبة حوا بطواش مداخلة عن لحظات الانكشاف والاكتشاف التي عاشها الكاتب ناجي ظاهر في تلك المجالس والصالونات الأدبية التي شهد فيها مناقشاتٍ وحواراتٍ عميقةً في القضايا الأدبيّة والثقافية كلّ القضايا المُلحّة في المجتمع، حيث أحدثت عصفًا فكريًّا واحتكاكًا لا بدّ منه لإشعال موقد الكتابة والإبداع. وتساءلت: لماذا نعود إلى الماضي؟ هل هو الحنين إلى الماضي؟ وهل من المهمّ أن نعود إلى الماضي؟ وقالت إن الكاتب ناجي ظاهر يعود في كتابه هذا إلى الماضي بهدف فهم الحاضر وتسديد الخطى نحو المستقبل المنشود ويرى أنّ التّجربة هي ما يبقى بعد مضيّ الأزمان وأنّ عمقها هو ما يشفع لها في الإطلال بقوة على الحاضر من سماء الماضي. واعتبرت إن الطريقة التي اتّبعها ناجي ظاهر في كتابه هذا هي كتابة من إدراك النهاية، أي من إدراك تحوّل ذلك الصّبيّ الذي تحدّث عنه ناجي ظاهر في المجلس الأول، مجلس السيّدة قادرية، إلى كاتب. هذه كتابة لا تنشغل برصد اهتزازات الواقع نفسها، انما تلك التي ترصد من الواقع لحظات الاكتشاف والإدراك، التعرّف والاختيار.

ثمّ قدّم الباحث خالد عوض مداخلة عن المجالس النصراوية ونوستالجيا الزّمكانية، وتحدّث عن المجلس الأول في الكتاب للسيدة قادرية، وقال إن في اعتقاده أن ناجي ظاهر اكتسب فيه المضامين الأولى لكتابة القصّة، حيث فتحت له خزّانة الأدب والفن وأرشدته إلى «ما في الحياة من ثراء قصصيّ»، وفيه فُتح أمام الكاتب صاحب الحسّ المرهف البابُ على مصراعيه ليحلّق بعيدًا في عالم الكتابة والأدب. وقال إنّ مجالسه الأخرى كثيرة ومتنوّعة ومرتبطة بأسماء وشخصيّات نصراويّة غادرت الحياة الدنيا في غالبيتها، لكنّها لم تغادر مخيّلة كاتبنا ولم تغادر رونق حياته الشخصيّة، جعلته يعيش في حالة من الحنين المستمر، وهي حالة مرتبطة بنوستالجيا الزّمان والمكان. وقال إنّه مهما تحدّثنا عن كتاب «أجنحة الذّاكرة» وحاولنا سبر أغواره ومجالسه المتنوّعة والذكريات لشخصيات مؤثرة كانت قد مرّت في حياة الكاتب، إلا أن الذكريات تبقى كالطيور، ذلك أن الفكر والإبداع والشخصيات الأدبية والفكرية كأجنحة الطّيور التي تحلّق في سماء لا تموت مع موت أصحابها وانما تسبح وتطير في الفضاء الواسع.

بعد ذلك أجرت رنا أبو حنا حوارًا قصيرًا مع الكاتب تحدّث فيه عن ملابسات تأليفه للكتاب وعن هدفه الواسع من تأليفه له، منوّهًا إلى ميله الفطريّ لمشاركة الآخرين بما يحسّ ويشعر به ويعيشه من التجارب. كما تحدّث ضمن إجاباته عن شخصيّاتٍ كان لها أثرٌ عظيمٌ في حياته، مثل: جمال قعوار، فوزي عبد الله، محمود غنايم وحسين فاعو الساعدي... وألمح إلى إمكانيّة اعتبار الكتاب استمرارًا لكتاب سابق صدر له قبل سنوات حمل عنوان «حياض غثيم». وشكر كل من شارك في الأمسية، سواءً بالتّحدّث أو بالحضور والإصغاء.

وفي الختام بارك الحضور للكاتب ناجي ظاهر على كتابه الجديد والتُقطت الصّور التذكارية معه.

فألف مبروك للكاتب ناجي ظاهر على هذا الإصدار الجديد وإلى المزيد من التقدّم والتألّق في سماء الأدب.

***

بقلم: حوا بطواش

إحتضن مسرح مركز الفنون الأرثوذوكسية بغداد/ حي الكرادة الحفل الأول لخريجي الدفعة الأولى من بيت العود/ بغداد لهذهِ السنة بإشراف الموسيقار سفير اليونسكو للسلام (نصير شمه) وبالتعاون مع الفنان بسمان عتيشا يوم الجمعة المصادف 26/5/2023 وقد إفتتح الحفل الفنان آندي خالد أحد تلاميذ الفنان عتيشا الحفل بالموسيقى الكلاسيكية حيث عزف مقطوعتين الأولى موسيقى رومانس من التراث الكلاسيكي وهي مجهولة المؤلف رغم إنتشارها الكبير بين الناس والمقطوعة الثانية هي مقطوعة روما لمؤلفها بوتينتي أميگو وقد شاركه عزف المقطوعة الثانية عازف العود الفنان كرم ثامر وعازفي الآلات الإيقاعية محمد عمار على آلة الرق والفنان خليل درامز على آلة الكاخون.

بعدها قدّم الأساتيذ الفنانين خريجي بيت العود المتألقين (كرم ثامر ، رحمن الماجد ورعد رياض) مع أستاذهم المباشر الفنان محمد العطار مدير بيت العود العربي في بغداد برنامجهم الموسيقي بعد كلمة تعريفية مختصرة من الفنان بسمان عتيشا عن بيت العود وقد قدموا ضمن منهاجهم للأمسية الموسيقية مقطوعة گارسيا لوركا للدكتور نصير شمه.3264 مسرح بغداد

عزفوا أغنية أول مرة تحب يا قلبي للعندليب الراحل عبدالحليم حافظ. بعدها سولو بعيد عنك للفنان كرم ثامر وهي على مقام البيات ومن ثَـمَّ إستقبلوا أصغر عازف في بيت العود الموهوب جداً محمد دريد ذي الـ (10-11) عاماً والذي عزف مقطوعة رقصة الفرس للموسيقار نصير شمه وهي مقطوعة مصنّـفة من أصعب القطع كمؤلَّـف موسيقي استطاع الطفل محمد بحرصه وإجتهاده أنْ يقدمها بصورة رائعة.

كما وعزفوا أغنيتي غني لي شوية شوي والف ليلة وليلة لكوكب الشرق السيدة أم كلثوم كقطعة واحدة بتعشيق موسيقي مدروس. ومقطوعة الطريق إلى شقلاوة و شكت للموسيقار نصير شمه بمشاركة الفنان بسمان عتيشا- على آلة الگيتار.

بعدها وخارج المنهج أيضاً قدم الفنان رحمن الماجد مقطوعة حب العصافير للفنان نصير شمة كذلك والتي حسب ما وصفها العطار بأنها من أصعب القطع الموسيقية وحتى تدوينها في النوتة صعب جداً، كما أضاف الأستاذ بسمان بأنَّ الفنان نصير شمه قد دون هذهِ المقطوعة بعد رؤيته للعصافير تلعب وتلاحق بعضها البعض مما أوحى له بترجمة ذلك إلى عمل موسيقي مما يدعو المستمع أو المُـتلقي إلى سماع الموسيقى أبعد من الأذن متغلغلةً إلى الروح.3265 مسرح بغداد

كما قدم الفنان رعد رياض خارج المنهج أيضاً عزف قدود حلبية على العود من بلاد الشام متضمناً عزف أغنيتي يا مال الشام وآه يا حلو للفنان الكبير صباح فخري، وقد أشار العطار أن خريجي بيت العود في بغداد هم إمتداد للمدرسة العراقية الحديثة للعود التي أسسها الشريف محي الدين حيدر وتلاميذه جميل بشير، سلمان شكر، غانم حداد، منير بشير وسالم عبدالكريم.

وقبل ختام الحفل قدم الفنان بسمان عتيشا برفقة تلميذه آندي خالد ثلاث قطع متداخلة عن طريق عمل مكس: القطعة الأولى أوستوريوس والقطعة الثانية كونشيرتو آرانخوير لخواكين رودريغو المعروفة خطأً بكونشيرتو مونامور والتي ألفها رودريغو هدية لزوجته المتوفاة والعمل الثالث إنتر دوس زاگوس للموسيقار پاكو دي لوسيا وزاگوس معناه بينَ شيئين ويعني كسر خط التلاشي الذي يربط بداية البحر المتوسط.

ثم أُختُـمم الحفل الموسيقي بعزف مقطوعة إشراق للموسيقار نصير شمه عزف مشترك بين عازفي بيت العود وبسمان وآندي مع عزف تقاسيم كرد للفنان كرم ثامر.

وقد إختتم نهاية الحفل التي الأب يونان ألفريد بكلمته التي إبتدأت بالثناء على جهود العازفين جميعاً لما قدموه من موسيقى أمتعت الحضور الذينَ شكرهم بدوره كونهم مساندين وداعمين من خلال حضورهم للأمسيات المقامة في مركز الفنون الأرثوذكسي وأضافَ أنَّ أحد طرق مقاومة ظروف الحياة هو وجود شباب من أمثال العازفين البارعين الذينَ أحيوا الحفل كما أكد الأب ألفريد على وجود المزيد من الفعاليات والأنشطة الفنية والثقافية القادمة، وأضاف الفنان عتيشا أنَّ الأب ألفريد هو صاحب فكرة إنشاء مركز الفنون الأرثوذكسي في كنيسة الروم الأرثوذكس ليكون منبراً ثقافياً يحتضن العديد من الفعاليات الثقافية والفنية والندوات في مختلف المجالات والإختصاصات.

ومما تجدر الإشارة إليه أنَّ خريجي بيت العود الثلاث قد تخرجوا أساتيذ على آلة العود بدرجة صوليست في العاشر من الشهر الجاري بعدَ أنْ إجتازوا إختبار اللجنة المشرفة في قاعة الرباط بحضور نخبة من الفنانيين والموسيقيين.

***

هبة الزبيدي - بغداد

(بورك من جمع بين همة الشباب وحكمة الشيوخ) طه حُسين

مِنْ حَافظةِ الذاكرةِ المُتوقِّدةِ المُتوهِّجة وَبصوتٍ وَاثقٍ خَفيضٍ يَستلُّ سَيلَ كلماته المُتَّزنة، وَهو يَروِي للحضورِ الذِي حَضَرَ لقاعةِ الأمسيَّةِ، كانَ حديثهُ المُسترسِل السَّلِس بالضَّبطِ متطابقٍ كما جاء في وصفِ الإعلان التعريفي بالأمسية (لقاء مع البرفسور د. يوسف سلامة في حوارٍ من القلبِ، حديث وجداني عَنْ الإنسان الداخلي وبعض من ذاكرة وحنين وحكايا نسمعها أول مرة)

بكلماتٍ شَفيفةٍ رَقيقةٍ رَشِيقةٍ رَحبتْ، مديرة أدارة الجلسة وَالحوار الأستاذة (ندى العلي) بالحضور الكريم وبالمحتفى به البرفسور الدكتور (يُوسف سَلامة) معلنة عن بدأ الأمسية ومحاورها، معرفة بالضيف المحتفى به: كاتب فلسطيني/ سوري / أستاذ الفلسفة الغربية المعاصرة في كلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة دمشق من عام (1998 حتى 2011). رئيس تحرير مجلة (قلمون)المحكمة، له عدد كبير من الدراسات والبحوث والمؤلفات والمحاضرات المنشورة.

ثم تم عرض فيلم وثائقي عن حياته، تخللته شهادات حية لبعض من طلابه به وبأسلوبه في طريقة التدريس، وأخر محطات حياته حيث يحط فيه الرحال والترحال لاجئ في (مملكة السويد) مقيم في (مدينة مالمو) مع زوجته الكاتبة والناشطة الست (وفاء أحمد سليمان) وعائلته.

بودٍ طلبَ منها الدكتور (يُوسف سَلامة) الحديث للتوضيح أن حديثه هذه الأمسية سيكون بعيداً عن الفلسفة ومحاضراتها، سيكون حديثاً أخوياً عفوياً عَنْ بعضٍ مِنْ مَراحلِ حياته.

كانَ السؤالُ الأول الذي طلبت مديرة الجلسة الست (ندى العلي) أن يحدثنا عنه ضيف الأمسية، الولادة والنشأة ...3262 يوسف سلامة

من مواليد (فلسطين / قرية أم الزينات/حيفا/ التي تقع على سفح جبل الكرمل) بعمر حوالي (3) سنوات بدأت رحلة حياته مع عائلته في مخيمات للاجئين في سوريا.... حدثنا بألمٍ وأسى عَنْ حياةِ المخيماتِ معرفاً اياهُ (المُخيمُ لا وجود) وَ (المُخيمُ بؤس عظيم) أو واصفاً المُخيم كما يقولُ المفكر الأستاذ (إدورد سعيد 1935- ت 2003م): (جرحٌ فِي القلبِ، جرحٌ فِي الذاكرةِ).

ثمَ استطرد يحدثنا بألمٍ من لغةِ الذاكرة البعيدة: (لَمْ أذهبْ مع الأولاد الذين بعمري للمدرسة عندما كبرت وأصبحت بعمر المدرسة، كنت أشعر بالعذاب والألم جميع الأطفال في المدرسة وأنا قعيد الدار أعمى) ...حدثنا كيف كان يلعب أحياناً مع الأطفال الذين بعمره بالشارع.

وفي البيت كنت استيقظ مع (والدي) مبكراً من الصباح وأسمعه وهو يقرأ (القرآن) وكذلك أسمعه عند عودته من العمل وهو يقرأ (القرآن)في المساء من خلال هذه الفترة حفظت أجزاء كبيرة من (القرآن)...

عندما أدخلوا طريقة (برايل) لتعليم المكفوفين في سوريا، دخلت مدرسة المكفوفين للتعلم وأنا بعمر حوالي (14/15) عاماً... خلال فترة قصيرة جداً تعلمت؛ خلال سنتين أكملت الصف (التاسع) وأدركت زملائي والتحقت بالثانوية!

  أخذت البكلوريا بشكل نظامي، (أمي) كانت تشجعني وتدعمني على إتمام دراستي الجامعية، فيما كان أبي يفضل أن أصبح (شيخاً) أو أذهب للتعلم بالأزهر، سمعت كلام (أمي) وتشجيعها!

وسألته مرة أخرى الست (ندى العلي) عن المرحلة الأخرى من مراحل حياته الدراسة الجامعية، فحدثنا عن كثيرٍ من المواقفِ والمحطات فيها ... ومنها:

(بليتُ بلاءً حسناً في الجامعةِ وحصلتُ عَلَى المرتبةِ الأولى ... وحصلتُ عَلَى بعثةٍ دراسيةٍ للدكتوراه!

حَدثنا عن طريقةِ تعلمه في الجامعة والصعوبات الكبيرة والكثيرة التي كانتْ تقفُ امامه، لكن صبره وطموحه وإيجابية تفكيره ابتكر لنفسه عدة طرق ليتعلم.

كان خيار الدراسة العليا أما الموسيقى أو الفلسفة.

(أبليتُ بلاءً حسناً في دراسةِ الموسيقى... دَرستُ ما استطعت عن الموسيقى، درستُ الموسيقى الشرقية والغربية، وأطلعت على تاريخ الموسيقى، فحصلت في (السبعينات) على منحة دراسية لدراسة الفلسفة في (القاهرة / جمهورية مصر العربية) فتركت الموسيقى وذهبت لدراسة الفلسفة، والتي تتطلب ضمن دراستها دراسة اللغات الأجنبية فدرستُ اللغة الفرنسية والإنكليزية والألمانية ...)

خلالَ حديثه الشيق والمتميز، سَرحتُ محلقاً بعيداً جداً رحتُ أقارن بين هذا الرجل الوقور الجالس أمامنا وهو يحدثنا عن تجربته الفريدة المثيرة.

طفلٌ صَغيرٌ مُهجرٌ نازحٌ معَ عائلتهِ مِنْ قرية (أم الزينات) الفلسطينية لتتلقفهُ أهوال العيش في المخيماتِ وَمعها تصيبهُ مصيبةٌ (آفة العمى).

كنتُ أصغي بكلِ جوارحي لحديثه لكنْ معها كانتْ صورة الكبير عميد الأدب العربي (طه حسين 1889- ت1973م) ترافقني، وسيرته في كتابه الشهير (الأيام) وموسوعته الأدبية الكبيرة (حديث الأربعاء) ورحلاته وجولاته في الحديث وطلب العلم، ومعها صور الشاعر الجهبذ المفكر الفيلسوف الزاهد (أبي العَلاء المَعري 973- ت1057م) (رهين المَحبسين) فهو أيضاً فقد بصره وهو طفل صغير بعمر (4) سنوات عَلَى أثر أصابته بمرضِ(الجدري) وكذلك لهُ الكثير من الجولاتِ والرحلاتِ في بقاعِ الأرضِ لطلبِ المعرفةِ وِالعلم؛ (أبو العلاء المعري) الذي أحبِ بلده (الشام) وكلما بَعِدَ عنها يشتاقُ ويحن لها ففي كل رحلاته لمْ يطلْ البعاد عن (معرَّة النُعمان) التي ولدَ وماتَ فيها.

وها هو يتحدثُ أمامي بثقةٍ الدكتور (يُوسُف سَلامة) عن الأملِ والعملِ وعن الفلسفة ومدارسها وهو في ديار الغربة مختاراً أقصى شمال أوربا (السويد) موطناً جديداً له كلاجئ ...

إنَّهُ بِحقّ إنسانٍ مُكافِحٍ عَنيد، لَمْ يَفقدْ الأمَل؛ وَآفةُ العَمَى تَنالُ مِنهُ وَهُوَ طَفلٌ صَغير، فِي مُخَيَّمٍ بائسٍ للاجئِين...

وَعَنْ مرحلةِ التدريس في الكليةِ وهو أستاذاً للفلسفةِ المعاصرة في جامعةِ دمشق... قال كنتُ أُومن بطريقةِ(الحوار) مع طلبتي وَليس بطريقةِ المحاضرة المسترسلة...

وتحدثَ عن الحرية والديمقراطية... وأهمية الحوار، واحترام الأخر، والإقناع بالحجة، فهنالك احتمالات كثيرة مفتوحة للحقائق...

وَفِيما يَخصُ المَعرفةَ فقالَ عَنها إنها مَفتُوحة إلى ما لانِهاية ...

قَبلَ نهاية اللِقاء، السِتُّ (نَدى) مُديرة الجلسة تُفجر للحضور مفاجئة جميلة معلنة أنَّ ضَيفنا يُجيد الغناء وَيحِب أغاني الفَنان المُطرب (مُحمد عَبدِ الوَهاب) وبصحةِ عازفِ العودِ القادمِ من الدنمارك الموسيقار (محمد عبد الوهاب) أشنف أذاننا بصوتٍ شجيٍ عذب ببعضِ المقاطع من أغاني الفَنان (مُحمد عَبدِ الوَهاب).

وَقد أخبرنا د. (سَلامة) بسعادته أنه أتيحتْ إليه فرصة وهو في (السويد) بهذا العمر بزيارة البلدة التي ولد فيها (أم الزينات/ حيفا) وحقق الزيارة وهي المرة الأولى له يزورها منذ غادرها قبل أكثر من (70) سنة.

في نهاية اللقاء كانتْ هنالك فقرة لبعض الأسئلة والاستفسار من الحضور للضيف المحتفى به (يُوسُف سَلامة) أجابِ عليها جميعاً بروح شفافة.

فيما كانَ مسكُ الختام فقرة جميلة (شعرية طربية) قدمها الشاعر المتألق صاحب الصوت الشجي الصديق العزيز (خضير كريم الرميثي) يصاحبه العزف على آلة العود الموسيقار (مُحمد عَبدِ الوَهاب) فقرأ العديد من القصائدِ الغزليةِ وغناها بذاتِ الوقت، أستمتعنا بها ... والتي نالتْ أستحسان وحرارة تصفيق الحضور.

في الختامِ كانتْ هنالك فسحة للحديث بين الحضور وتناول القهوة والمعجنات، والتقاط بعض الصور للذكرى.

كانتْ سَاعدتي كبيرة جداً بهذهِ الأمسيةِ الثقافية الفنية المتميزة والتي دعوتُ إليها من جمعية (إيد بإيد) في مالمو، فشكراً لها.

***

يَحيَى غَازِي الأَمِيرِيِّ

مالمو / السويد

الجمعة 2023.05.26

بمناسبة الاحتفال باليوم العالمي للشّعر الذي نطمته جمعية اِبن عرفة التونسية يوم الثلاثاء 21 مارس 2023

الشاعر المختار المختاري الزاراتي3022 المختاري الزاراتي

هو ثالث الثلاثة من الذين لفحتهم شمس الجنوب في عنفان العطاء هو. لا تكاد تراه جالسا إلا لينهض نشيطا من جديد لأنه حريص على نجاح اللقاءات الأدبية التي يشرف عليها في جمعية مراجعات وقد أضجت من أنشط الجمعيات الثقافية في تونس. هو ثالث شعراء ثلاثة كلهم إليها ينتسبون وينتمون إليها في عزة وإباء، ألا وهي الزارات، واحة تمتدّ على ساحل خليج قابس مُتسربلةً في اللون الأخضر ومتوشّحةً هدوءً وسلامًا أزرق البحر، هو ثالث ثلاثة:

أولهم الشاعر أحمد اللغماني وهو من فحول الشعراء التونسيين

ثانيهم الشاعر مختار اللغماني وهو من أبرز الشعراء الطلائعيين

والثالث صاحبنا هذا ـ الزاراتي مختار المختاري

صاحب هذه القصيدة التي تعبّر عن الحيرة الوجودية التي ما اِنفكت تلازم الإنسان الأول في عهود ما قبل فجر التاريخ إلى اليوم وقد عبّر الأدب التونسي القديم منذ اِعترافات القديس أوغسطين عن تلك الأسئلة حول الحياة والموت ناهيك عن تساؤلات أبي العلاء المعري في قصائد لزومياته وحيرة الغزالي في كتابه المنقذ من الضلال وهاهي قصيدة الزاراتي مختار تواصل حمل تلك الإرهاصات الإنسانية في شفافية البوح وقد أرخى الليل سُدوله ليبيّن تأرجحه بين الإيمان الوثوقي المطمئن وبين الحيرة الحارقة التي لا تهدأ ولا تستكين حتى كأني به يصل بعد هذه الحيرة إلى تخوم القول بوحدة الوجود في إيحاءات صوفية مشرقة بيّنت له الخيط الأبيض من الخيط الأسود.. قصيد تجديدي في معاني الوجود..

شيء من شيء ما

هذا الهدوء يخفي وجها ما

والليل نرجسيّ يحتمل التأويل

خارج السيطرة..

هذا الهدوء يسكن قاعا الأصناف

وأنا ما عدت أرتّب كلماتي

بما يصرف عنّي عقاب الصمت..

يا نرجسة اللّيل

يا منسيّة في خرافة تخفيها الذاكرة

عن تصابي الأجداد

يا حبّا يقف خارج مناطق الحياد

هذا الهدوء يسجن ما تبقى منّيا

في أصفاد الشوارع المكبوتة

بما يجب

وما لا يجب

من التعايش في هذي البلاد

وها أسقي التراب شذاك

واختم مشيئة الذهاب بغرس العناد

في أسطر يزرورق بحرها بحبر الليل

وخبر السواد..

و هذا الهدوء يخفي وجها ما

والليل نرجسيّ يحتمل التأويل

خارج السيطرة..

والهدوء استسلاما للغائب

في رقصة العبّاد..

أأكون ناسكا في الحبّ

أم من سلالة الزهّاد؟

أم أنني تركت جثتي مقبورة في صحراء

أولها كآخرها

موت وتشرّد وضياع وانقياد

لمطلق في مطلقه يرسم عدميّة الوجود

وانعدام الذات المرتلة في أوراد

ها أنا أعيش الليل وحدي

وأقبل على روحي برحابة روحي

لأثبت لي أنني عصيّ على التعداد

وأنني مفرد جامع

وأنني جمع زمن الآحاد..

وأنّك أضعت فرصة أخيرة

لتكوني خارج منطقة المزاد

لأنّ هذا الهدوء يخفي وجها ما

والليل نرجسيّ يحتمل التأويل

خارج السيطرة

وهذا الهدوء يسكن قاع الأصناف

وأنا ما عدت أرتّب كلماتي

بما يصرف عنّي عقاب الصّمت

واحتمال اختزال الحبّ

في تهمة الإلحاد

***

الشاعرة سليمى السرايري3023 سليمى السرايري

أسمّيها ـ الفراشة التونسية ـ لأنها عاشقة الألوان فمن أحمر وأخضر إلى أصفر وأزرق تتوشح بها من الرأس إلى القدم بل من حقيبة يدها إلى قبعتها إلى حذائها أيضا وكل ذلك في انسجام وتناسق فتخالها وهي قادمة كأنها فراشة تحلق في الفضاء..

تلك هي سليمة السرايري ذات المواهب المتعددة فهي شاعرة وكاتبة ورسامة ونحاتة وإذاعية ولها في التزويق والتحف وحتى في ابتكارات موضة الأزياء لمسات رائعة وقد ساعدها على في ذلك نهلها من تراث الأمازيغ في الجنوب التونسي فأخذت منه نصاعة الألوان المشرقة والهندسات والرموز وجعلتها ميزة واضحة في إبداعاته التشكيلية خاصة مما أكسبها التفرد في هذا المجال الفني.

أما شعر سليمى السرايري فهو تعبير عن وجدانها الكاشف عن شجونها وأحلامها وقد اتخذت الرموز والصور قناعا فأضحت بوحا يكاد يكون تصريحا بما فيه من توهج وصدق المعاناة فقصائدها أنات حينا وصرخات أحيانا واختلاجات ورغبات وأحلام وإرهاصات كامنة تتراوح بين القلق والشبق تنساق في لغة صافية رقراقة.. وأنت حين تسمعها وهي تنشد شعرها بصوتها الحالم تجعلك ترفل أو ترفرف في فضاء جنتك الضائعة

وكيف أنسى ـ صالون السّرايا ـ وهو ملتقى الشعراء والأدباء والمبدعين على اِختلاف مجالاتهم وبلدانهم وهو الفضاء الثقافي الذي تديره سليمى السرايري بمهجة ومتعة وتنفق عليه بكرم وترعاه بحدب وعناية فيلقى فيه روّاده الترحيب والتكريم بحيث صار ـ صالون السّراياـ أحد العلامات الثقافية في تونس العاصمة فتحية تقدير لهذه الشاعرة والفنانة التي أرجو أن تجد الدّعم والتشجيع لتواصل مسيرتها الإبداعية

القصيدة

كم أتمنّـى أن تختفي من المرآة

مِنْ جديدٍ أَرْتَطِمُ بِهذَا الأرَقِ

أَتَمَسَّكُ كَيْ لا أَهْوِيَ كَطَائِرٍ فاقِدِ الوَعْيِ

أو كطائرةٍ ورقيّةٍ تحطَّمَتْ أَجْنِحَتُها

مِثْلَ أيِّ وقتٍ مُنْهَكٍ

أسْتَرِقُ السَّمْعَ لِوَشْوَشَةِ جَارِنَا المُتَصَابِي

في تِلْكَ الغُرْفَةِ الواقِفَةِ على سَطْحِ العمارةِ

وهْوَ يُمارِسُ حَقَّهُ في العِشْقِ الحرامِ.

مِنْ جَدِيدٍ أَحْتَضِنُ صَمْتِي

أُقَبِّلُ وَجْهِي في المِرآةِ

يُرَاوِدُنِي طَيْفُكَ

كُلَّما أطَلّتِ الشَّهْوَةُ مِنْ عيْنَيْكَ

وَأَطْلَقَتْ صَفَّاراتِ جُنُونِها

أُدْرِكُ جَيِّدًا حينها

انًّكَ لن تتوقّفَ في فاصِلٍ ولا نُقْطَةٍ

عُبُورُكَ يَسْحَبُني للغَرَقِ

إلى شَغَفِ الإحْتِرَاقِ

كَأنَّناَ نَعْصِرُ عِنَبَا

نَرْتَشِفُ كُؤُوسَها بِبُطءٍ لذيذٍ

ونحنُ نُلَملِمُ ما وَقَعَ مِنّا مِنْ تَنْهيداتٍ..

أُدْرِكُ أنّي بِجانِبِ شُرُودِي

أتَمَعَّنُ في وجهي المتورّدِ

بينما تَنْهمِرُ القُبُلاتُ مِنَ المرآةِ

وَجْهِي الَّذِي يُشْبِهُ هذا السُّكُونَ

وتلك العُزْلَةَ الّتي تَمُدُّ ألْسِنَتَها

كلّما اشْتاقَني جُنوني

وانكَمَشَتْ أُنُوثَتي

كصبيَّةٍ مُنْكَسَرَةٍ في وحدتِها..

كَشُرْفَةٍ وحيدةٍ دون حِيطَان

سألتُني

وأنا أتسمّعُ إلى جارِنا النّحيلِ

وقد برَزَتْ عِظامُه ُمن تحتِ القَميصِ

(من أين يأتي بالفصاحةِ كُلِّها)

أُلامِسُ جَسَدِي الصّارخَ بالأُنوثةِ

أَلْمَحُ طَيْفكَ في هواجِسِي

عَبْرَ المرآةِ

يَتَحَوَّلُ فَجْأَةً إلى طائرةٍ ورقيّةٍ

عبثاً أُحَاوِلُ أنْ أُمْسِكَ الخَيْطَ الوحيدَ

الّذي يَشُدُّنِي إليكَ..

أنْزَلِقُ داخِلَ ارتِعاشاتي

الغرفةُ تَطِيرُ خَلْفَكَ

التفاصيلُ الصّغيرةُ تطيرُ أيضا..

الولاّعةُ الذّهَبيّةُ الّتي نسِيتَها

وربطةُ العُنُقِ المنقّطَةُ الّتي أحبُّها

الأشياء التي اقترفناها،

أعلنت كسرَ قوانينِ القبيلةِ

وطارتْ كَسرْبِ العصافيرِ.

لكنّك كنتَ بعيداً

بعيدا جدّا

تحاورُ حورياتِ السَّواقِي

وهُنَّ يُهَرْوِلْنَ تحت أَشْجارِ التُّوتِ.

دونك انا ألثُمُ الغيابَ الكَالحَ والسّرابَ..

مجرّدٌ هذا الهُراءُ المثقوبُ

من الرَّقصِ والنِّثارِ..

ولحظةُ اغرائي مسكونةٌ بقسوةِ الفقدِ

ووحشةِ الفراغِ

ماذا أنا بعدك؟

كتلةُ أشواقٍ في غُرْفةٍ خاويةٍ؟

وِسادةٌ صارخةٌ بلذّةِ سياطِ البُعدِ

تُذرِفُ دُموعَها في المسافةِ الفاصلةِ؟

مواكبُ الفوضى التي أقمتَها بداخلي

تصدّ عنك صهيلَ الرِّياحِ..

قوافلُ توسّلاتي،.. تصرخ:

رجاء لا ترحل..

والآنَ،

الآنَ فقط، كم أشتهي غِيابَك..

لم أعُدْ أنتظرك على ضفافِ شَهْوَتي

لقد أغلقتُ ميناءَ الوصولِ إليَّ

وأطلقتُ زوابعَ أمواجي الجارحةِ..

الرِّيحُ عاتيةٌ هذا المساءَ

السَّاعةُ الكبيرةُ توقَّفت دقّاتُ نواقيسِها..

فساتيني الشّفّافةُ تمرّدَت

أخرجت أكمامَها من الخزانةِ

كأنّها تُلوّحُ لِهذياني..

هي، وأناَ،

انتظرناك طويلا.. طويلا..

انفرَطْنا كعِقْدٍ

وتَدَحْرجْنَا كحبّاتِ خِرَزٍ

كم أتمنّى أن لا تأتِيَ هذه الليلةَ!!!

وكم أتمنّى أن يَختفيَ طيفُكَ منَ المِرْآةِ!!!

***

الشاعر الحبيب المبروك الزيطاني3024 الحبيب المبروك الزيطاني

على البحر البسيط وردت قصيدة الشاعر الحبيب المبروك ليتغنى بتونس مستهلا قصيدته بالفخر في امتلاك ناصية الشعر وذلك جريا على سنة العرب القدامى وكذلك على عادة شعراء اللهجة التونسية في الإعتداد بأنفسهم ولكن صديقنا الشاعر أضاف إلى فخره بنفسه الفخر بشعراء تونس فذكر مثلا الشابي والميداني بن صالح ونور الدين صمود مشيرا إلى خصائص كل منهما في إشارة بليغة لطيفة.

إن قصيدة الحبيب المبروك لئن وردت على نمط الإيقاع العروضي التقليدي إلا أنها نحت منحى التجديد في معاني التغني بالوطن عند استعراضها شواهد من أيقونات الشعر التونسي المعاصر وفي هذا دعوة إلى الاعتزاز برصيدنا الأدبي التونسي ضد كل محاولات التهميش والاستنقاص من مساهمة التونسيين في مختلف العصور وتتالي الأجيال في إثراء الأدب العربي والحضارة الإنسانية

القصيدة

تونس الشِّعر والأدب

يا تونسَ الشِّعرِ كم أمتعتنا ادبَا

واحاتِ نخلٍ وعِذقٍ أغدق الرُّطَبَا

إني مَدحتُ وما أنصفتُ مَن تَركوا

مِن شِعرِهم ما تحدَّى العُجمَ والعَرَبَا

فالحِبرُ يُدفَقُ والأقلامُ نابضة

كالبحر يَدفَع بالأمواجِ ما تعبَا

أمواجَ ابداعِكِ المرموقِ مَلحَمَة

تَعلو وترسُو فتُلقي الدرَّ والذَّهبَا

و الكُلُّ مُنْبهرٌ مِن حُسن ما نقشتْ

أيدي الفطاحِلِ مِن أشعارهم عَجَبَا

يا ويح قلبي كَمِ الأبيات تُثملني

كالكأس تُسكِرُ مَن قد ذاق أو شَرِبَا

تُتلى فتُفحِمُ مَن يَرجو يَعارِضُهَا

مَن ذا يُعارض هَطلَ الغَيثِ إن سَكَبَا

مهما يُحاولُ لا يَرقي لقمٌَتهِ

فالأصلُ يفحِمُ مَن في القعر قد رَسَبَ

ياموطِنا مَلَك التَّعبيرَ مِن قِدمٍ

مِنهُ المحابرُ قد غاضَتْ بما كَتَبَ

بلقاسِمُ العَلمُ المشهورُ يُرسِلُها

مِن شِعرهِ مُثُل تَستلهِمُ النُّخبَا

بن صالحُ ودواينٌ له نُشِرتْ

قد خلَّدت باسمهِ التّاريخ والحِقبَ

وجعفرُ الماجِدُ الرَّاقي ببَصمَتِهِ

ما زال مَنبعهُ الرَّقراقُ ما نَضَبَا

صمَّودُ بسَّط ما جاء الخليلُ بهِ

في عِلمه لخَّص الأوزان واقتضَبَ

وغيرُهم مِن ذوي الأقلام سامِقة

مَن ارسلوا الحرفَ في الٱفاق فانتَصَبَا

هم في الأعالي وما التَّكريم أنصَفهم

و الغيرُ يَكْرم مهما احتال أو لعِبَ

و رائدُ القول لا يُلقى لقولَته

ألا الفُتاتَ وإن زادوا فكم لقبَا

غَضبى حُروفي فما بالظُّلم قد رضِيَتْ

على الذي زيَّفَ الألقاب والرَّتُبَا

لكنَّني رَغمَ هذا الضَّيم مُلتمِسٌ

مَستقبلا فاضلا نَجلو به الحُجُبَا

***

الشاعر عمار النميري3025 عمار النميري

الشاعر عمار النميري كاتب صحفي أيضا ولعل مسيرته الإعلامية كانت على حساب موهبته الشعرية التي كانت تتجلّى من حين إلى آخر في بعض المناسبات ويبدو أنها تغلّبت على قلمه الصحفي لكنه في السنوات الأخيرة قد ـ عاد الدرّ إلى معدنه ـ كما يقول المثل وما هذه القصيدة الملحمة التي ننشر منها ثلاثة مقاطع إلا فيض من غيض من قادم منشوراته فالشاعر عمار النميري يُعتبر من شعراء التسعينيات في تونس أولئك الشعراء الذين تميّزوا باِطلاعهم الواسع على التجارب السابقة في الشعر التونسي فاستفادوا من إنجازاته الفنية وفتحوا ل لهم آفاقا جديدة باِطلاعهم على التراث العربي والإنساني وهذا ما يبدو واضحا في هذا الجزء المتميّز من ملحمة ـ سليانوس ـ وهو الاِسم القديم لمدينة ـ سليانة ـ التونسية

سليانوس.. يا سليل الأنبياء

ــــ 1 ـــ

في وحدتي..

ونيازك الأرق تُعربد تحت مئذنة القصيد،

لم تزرني سوى نملة ضريرة/كسيحة،

كانت هاربة من تحت أقدام جند سليمان،

تحمل على ظهرها الزّجاجيّ عراجينا من رمال..

وفي صمتها نبرة سراب، ورنين مسبحة من طين،

تقبس منها أجراس حلم طاعن في الموت،

وزئير حبّة قمح،

تعلوها غيوم من غبار زلال..

وفي شرفة من عينها تخبّىء بيضها،

النّاصع بالحياة..

وتسعى بين النّوء والضّوء،

ثم تتوضّأ بريقها المثخن بالأمنيات،

حين يحين وقت الصلاة..

وكانت تواري تقاسيم دموعها تحت أجنحتها،

حين أعلمتها أن وطني مازال على عواهن الزمان،

وعلى حاله، تماماً كدار لقمان..

لامستُها بأعلى صمتي،

وسيزيف يجترّ تحت صخرته، صرير صوتي..

نظرت وفي مقلتيها زغاريد آهات،

وقناديل من رثاء..

و.. همست:

- أراك إلها، يا.. سليانوس،

تبعث بين الكلمات رُسلا وأنبياء !!..

أذن سارع إلى مغفرة من نصّك المتمرّد،

الماكث تحت ظلال أناملك،

والطّاعن في الوفاء،

وتدثّر بقصيدة عرضها البحار والأرض،

أُعدّت للأنبياء، و.. للأحرار من الشعراء..

فإنّك جمعٌ حين تختلي بوحدتك،

كما النّسر سرب بمفرده،

وصمتك هدير،

قصيدتك تردّده …

ــ 2 ـــ

وحين غزاني الظّمأ،

لمحت هدهدا على أعتاب بيت القصيد..

رمقني ببسمة، بدت لي وميضا من بروق هادلة في عينيه..

و.. غمغم:

- ها إنني هنا، يا.. سليانوس،

بعد مفاوضاتك مع الله وسليمان،

ماذا ترجو، يا.. سليانوس ؟!

قلتُ ومنطق الطير مصقول في عينيّ:

- إن السّراب يعمّدني، أيها الحكيم،

يا من بجناحيك لنبض الحياة كاشف،

إنني ظمآن إليّ،

فهل من رغيف نور وماء ؟!

تصفّحني من خلال شرفة نصّ رضيع،

وعبر ثقوب ظلّي،

وبين ثنايا نمارق الحروف والكَلِم المنفوش،

و.. حلّق مرفرفا بعينيه في قباب البيت، بيت القصيد..

ملوّحًا بجناحين من غيمات ودلاء..

و.. ضرب بنظراته اللّاهوتيّة تحت قدميه،

فتدفّقت في راحتيّ بئر نور وماء..

وبعد هنيهة من رذاذ،

طار "هدهدي"، وهو يغنّي بين بروج السماء:

- هذه "زمزمك" يا.. سليانوس، بين كفّيك،

جنّات عدن تجري من تحتها أنهار الوفاء..

فيها النّخيل والعنب والتّين..

فاغتسل بعَرَقِ الحروف،

و.. كن قرير الشّعر،

ولا تكن من الغاوين ..

فأنت يا صاحبي سليل الأنبياء …

ـــ 3 ــ

ومن تحت ظلّ نهديْ قصيدة سافرة،

لها غمّازتان من وله،

أرهفتُ النّظر وأمعنتُ السّمع،

فإذا بريح ممشوقة الأصابع،

مصقولة الخصر،

تتماوج على شفاه غيمة حبلى بدهشة ومضة متسلّلة،

من قصيدة طويلة الوجع، نازفة الوتين،

تراودها أنامل قوس قزح،

تهتفُ متسلّقة كتفيّ:

- هذه أكفّي لا شرقيّة ولا غربيّة،

تكاد أناملها تضيء،

وهي لك، مرعى لسنابل أحلامك والأمنيات ..

فارجع إليك راضياً مرضيّا،

واقطف من أهداب سنابكها، يا.. سليانوس، رطبا شهيّا..

قلتُ وعناكب الغياب عنّي، تغتالني،

وتطوّقني النّوستالجيا:

- إنني حفيد سليمان، فاجعلي لي بساطا لا ذهب يؤثّثه

ولا فضّة..

أركانه، فقط، من ينابيع عطر معتّق،

وسلال حرير من الكلمات..

فالشّوق الجائع إليّ، أيتها الرّيح،

يخترق كل مسامّي بلهفة عصفور أجنحته متكسّرة،

وظامىء إلى هبّة نسمة هاربة من جثة الغسق،

وهو على أعتاب ظل شجرة ثكلى بلا معطف ولا منسأة..

حدجتني بنظرة وخرير سراب مدلهمّ في مقلتيها،

ثم بلكنة نابضة تحت جفنيها، همست:

- هذا بساطك، يا.. سليانوس، مكتظّ بك،

مدجّج بأمنياتك،

لك فيه عرش باذخ، فامضِ بقصائدك،

وهذه كاليوبي الإلهة تنحني تحت نواقيس ظلّك،

لالتقاط النبيذ من حبرك،

إنّك الأقدس والأكبر..

فاسرِ إليك،

واعرج إلى ذاتك متى تشاء،

بوراقك الشعر،

وثق، يا.. سليانوس، انّك من فصيلة الأنبياء..

- ولكنّني، يا.. أيتها الرّيح،

أجّلتهن إلى فلق مسمّى،

بين المجاز والمعنى،

وإذا جاء مولدهنّ،

فإنّني كنتُ بقصائدي بصيرَا..

**

الشاعرة فاطمة عبد القادر3026 فاطمة عبد القادر

إن هذا العمر ماض في سطورْ

في ثنايا الموت في صمت القبور

سينادينا مناد ذات يوم في الغيوب

ذات يوم تَسقط الألوان منا.. نُفرغ كل الجيوب

إنّ هذا العمر أفّاك غرور

إن هذا العمر لصٌّ.. حُصِّل ما في الصُّدور..

هكذا تنتهي قصيدة الشاعرة فاطمة عبد القادر بمعاني التأمل في الحياة والموت على منهج شعر الزّهد من تراجيع قصائد أبي العتاهية ورابعة العدويّة وفي إشراقات قصائد التصوّف لابن الفارض وعمر الخيام فالقصيدة ذات معان ضاربة الجذور في ذاكرة الشعر العربي ومثل هذه النفثات صادرة عن إحساس إنساني يتجلى عند تأملات الحياة والموت وقد عبّرت القصيدة عنه في وقفة تأملية بعدما استعرضت الشاعرة مسيرتها في الحياة كأنها تحاسب نفسها حيث تقول:

كنت ألهو في الحياة كالمها

أففز بين العيون

أنسج الحلم وأبني لي قلاعا في الأعالي

رافضهْ كل السّجون

كان حلمي أن أراني طائرة

دون قيد يدمي نبض معصميّ

فإذا بها تجد نفسها كأنها في آخر الطريق قائلة:

إنّا صرنا في ختام العمر نعدو نحو وهم

غادر الحسن وصرنا كطيوف غرباء

تسحب منا حصيّات الطريق

القصيدة مطارحة ذاتية في شجون وحنين لشاعرة خبرت الحياة فجاءت وقد لفحها وهج الصدق والمكابدة.. نعم من الألم تزهر مثل هذه القصائد

نحو أبواب العروج

كنت ألهو في الحياة كالمها

أففز بين العيون

أنسج الحلم وأبني لي قلاعا في الأعالي

رافضهْ كل السّجون

كان حلمي أن أراني طائرة

دون قيد يدمي نبض معصميّ

دون قسّ يقبض ليلا عليّ

فمضيت نحو هاتيك العيون

أنهل من مائها العذب الجسور

كنت أسقي في طريقي كل جدب

ثم أعلو في ارتحال كالطيور

هذه الدنيا جبال من خطايا فاخرة

هذه الدّنيا فتون وفصول ساخرة

يركب الانسان صهوة العمر المسرّج بالذنوب ثم هيهات يعود.. ثم هيهات يتوب

كيف أنجو من خطايا ساقني الحب إليها

كيف أغدو كملاك يسكن عند الغيوب

هذه الدّنيا سقتني حين جادت بسخاء

وأراقت خمرها فوق الشّفاه

وأرتني رغد عيش وصنوفا من رفاه

إن قلبي يا إلهي فاض منه لك حبٌ عبّأ حبل الوتين

إنّ قلبي كالقلوب يخطئ رغم اليقين

إنما المرء ضعيف حين يهوى

يلبس ثوب الجنون

في مواقيت التجلي في ترانيم الخشوع

تصعد الاشواق مني

والصفا مني يضوع

يخرس التوق إليك

صوت شيطاني الرجيم

غير أن الأوب مني لا يدوم

أمضي عدوا نحو أنخاب الحياة

أغنم منها كؤوسا من نعيم

وأعود لطقوس الأوْب أختار النجاة

كم تبقّى في الحياة.. ؟

يملأ الدّمع الغزير محجريّ

كلما ألفيت ربي يستجيب

فإلهي رغم طيشي يسكن في قريب

هذه الدنيا تلوّح دوما لاشتهائي

هذه الدنيا تزيد بالسّخاء في بلائي

تمنح عمري ظلاّ ساحرا حلوا ظليلْ

وعطايا لم تهبها لسواي كسليمان الجليلْ

إنني أرنو لعفو من إلهي وخروجْ

ودليل يحذو روحي نحو أبراج العروجْ

يا رفيقي لا تسلني كيف أنكرت الدّنى

إنّا صرنا في ختام العمر نعدو نحو وهم

غادر الحسن وصرنا كطيوف غرباء

تسحب منا حصيّات الطريق

تفلت كف الرفيق

نقطع العمر وجوما في دروب الانتهاء

لا تسلني كيف أنكرت اللّيالي الساهرات

وتنكرت لهمس من نجوم سامرتنا لامعات

إنما العمر معنّى بالسّراب

واستفقنا يارفيقي حين أدركنا اليباب

فإذا الدنيا التي قد فديناها.. سراب

واذا العمر الذي شقه النهر يباب

اندفعت أنضو عن عمري القصير

ما تبقى فوق جسمي من لباس الدنيا

من همس الحرير

إن هذا العمر ماض في سطورْ

في ثنايا الموت في صمت القبور

سينادينا مناد ذات يوم في الغيوب

ذات يوم تَسقط الألوان منا.. نُفرغ كل الجيوب

إنّ هذا العمر أفّاك غرور

إن هذا العمر لصٌّ.. حُصِّل ما في الصُّدور

***

الشاعرة تاج الخياري3027 تاج الخياري

حِبرُ قصيدة الشاعرة تاج الخياري كأنه كُتب بماء البحر فهي تتماهي فيه موجةً من أمواجه العاتية إنها الصخب والهدير والزّبد وفي ذلك تعبير عن ثورتها وحيرتها بين الشك واليقين هي التي مضت إلى البحر قائلة

سأظل في حماك

وقد محت أصدافك أوزار سنيني

على موجك الهادر

أرسيت سفيني

فالبحر هو الملاذ وهو الصدر الحنون الذي تبثه شجونهاولا تعبأ الشاعرة حتى أن تتكسر على سواحله أو أن تغرق في يمّه وإنّ هذا الفرار إلى البحر واعتباره الحمى والنّجاة حيث تجد فيه الراحة والسكينة والهدوء والسلام يدلّ من حيث لم تصرّح أنها في قطيعة من دنيا الناس الذين هجرتهم إلى البحر وسواحله وأصدافه واِعتبرت نفسها موجة صاخبة لتؤكد رفضها وثورتها على الواقع فهذه القصيدة إضافة جديدة لمتون الشعر التونسي الذي جفلت قصائده المعاصرة بالبحر من بينها خاصة القصيدة الغزلية ـ حورية الموج ـ لمصطفى خريّف

شفّ صدر البحر عن سر الجلال، وطفت فيه اللآلي

فوق موج فاض من سحر الجمال، فاق تصوير الخيال

جال في حسن وإشراق

مستجيشا مثل أشواقي

والشاعر الحبيب الزنّاد في قصيدة ـ بكائية البحر ـ في موضوع الرّثاء والتي مطلعها

خرجتْ تتفقد الأحباب

كان البحرجميلا ساخرا كذاب

عقدت عليه أشواق الأهداب

ورمت إليه بما في العمر من أتعاب

أعجبها النخل على زيفه

و الرمل وضوح سراب

غير أنّ قصيدة تاج الخياري وردت في موضوع التأملات الذاتية وهي بذلك تمثّل إضافة نوعية للشعر التونسي هذا الشعر الذي يستحق التعريف به وجدير بالدّراسة وهذا ما دأبنا عليه بكل اعتزاز منذ سنوات عديدة

البحر

يا بحر

يا بحر

أنت مولاي سيدي

ومعيني

ذراعاك تحتويني

بين رموشك تهدهدني

سأظل في حماك

وقد محت أصدافك أوزار سنيني

على موجك الهادر

أرسيت سفيني

بحت إلى صدرك

لواعج حنيني

بحري أنت

اعماقك

شواطئك

على أمواجها تلقيني

أعشق صخبك

هدوءك.. لا.. لا

يستهويني

أنا ابنة موجة مجنونة

فدعني من فوضاك

أستلهم

شكي ويقيني

***

الشاعرة ثريا خلوط3028 ثريا خلوط

قصيدة البُشرى والتفاؤل والتحدّي التي تعلن فيها الشاعرة انّها تودّع ماضي الآلام واليأس والظلام والضباب والسراب وتستقبل بملء الأمل الفجر الحديد معبّرة بمثل هذه الصور ـ أجمع للآتي ـ نجوم الثريا في حقائبِ السّفر ـ فكأنّ نجوم الثريا تعني الشاعرة نفسها حيث طابقت اِسمها وفي صورة شعرية أخرى نراها توقد للفجر الشمس لتنير الأقبية وفي صورة أخرى تجعل اليأس غريقا فلا يمكن ان يكون رفيقا لها وتعلن أن القلم هو الخلاص الذي سيخط ماضي الحرائق الماضية

تؤكد هذه القصيدة أن الشاعرة ثريا خلوط متمكنة من ناصية الكلمة الشعرية بما فيها من صور موحية ورموز ذات أبعاد تحيل على تحربة عميقة في الحياة نقرأ ظلالها وبصماتها في هذه القصيدة التي اِنطلقت ـ من رحم الصّمت ـ فنطق صمتها إبداعا

الآتي الغريب

مِن رَحِم صَمتٍ

آتِيَةٌ أنا

أشُقُّ رداءَ سَرابٍ عقيم

مِن أعالي هِضابِ النّسيان

أُعلِنُ عن ذاك الآتي الغريب

أنا هنا

على عتباتِ السّماء

أجمعُ للآتي نجوم الثّريا في حقائبَ للسفر

و أوقِدُ للفجر شمسا فتيّة

تُنيرُ أقبيةَ سُكونَ الثَّرى

آتيةٌ أنا

أرمي الشِباكَ في بحور الخفاء

أَصيدُ أسرار الأعماقِ

و أسألُ اليأسَ

هل أنتَ الرَّفيق؟

يَنْتَحِبُ الجوابُ

أنا الغَريق

بينَ الأنامِلِ ضَجَرٌ ضبَابِيّ

و على سِنّ القَلَمِ حيرة

و بينَ الصّفحات حريق

آتِيَةٌ أنا

مِنْ رَحِمِ صَمتٍ.. غريب

بقلمي

الثُّريا بن مسعود خلوط

***

سُوف عبيد

زرت قبل أيام قليلة المتحف العراقي ببغداد، وهذه بعض الملاحظات والانطباعات التي كتبتها بعد زيارتي هذه، آمل أن يكون فيها بعض النفع والتعريف بهذا المتحف الجميل والذي ندر مثيله في العالم. ومن الطبيعي أن تبقى انطباعاتي وملاحظاتي محض وجهة نظر شخصية قابلة للنقاش والأخذ والرد. وبالمناسبة فقد لاحظت أن "المتحف العراقي" هو الاسم الحالي لهذا المتحف وقد كان يسمى "المتحف الوطني العراقي" سابقا، حيث حذفت كلمة "الوطني" بعد قيام حكم المحاصصة الطائفية والعرقية اللاوطني فوافق شنٌّ طبقة!4984 abo bint jabla1

1- تمثال الأميرة القتيلة آبو بنت جبلو الحضرية:

التمثال من حجر الحلان الكلسي. نقرأ في لوحة التعريف به أنه نُصب في المعبد الرابع "معبد عشتار" في مدينة الحضر عاصمة مملكة عربايا أو الحضر العربية التابعة اليوم لمحافظة نينوى في الفترة الهيلَنية، أي في عهد الاحتلال الإغريقي لأجزاء من بلاد الرافدين (بين 312 إلى 139 ق.م). وقصة هذه الأميرة الجميلة العاشقة غريبة ومأساوية، فقد قُتِلَت غيلةً بعد زواجها وهي في الثامنة عشرة من عمرها ولأسباب مجهولة. ويبدو أن حبيبها وزوجها فشل في العثور على قاتليها والثأر لها فقرر أن يقيم لها هذا التمثال ويصب لعنات الإله على من قتلها. وقد ترجم الدكتور فؤاد سفر الكتابة على قاعدة التمثال فكانت: "تمثال آبو بنت جبلو، أقامه لها زوجها "أشا بن شمشلطب"، وقد اغتيلت وهي في الثامنة عشرة (من العمر)، أستغيثُ بالآلهة مرن ومرتن وبرمن وبعل شمين واترعتا (من آلهة الحضر) لتنزل لعناتهم على كل من قتلها وشَمَتَ بقتلها، وعلى كل النساء اللواتي تكلمن عنها وقلن الكلام البذيء". والعبارة الأخيرة قد توحي بأن الأميرة آبا ربما تكون قد قُتلت بعد اتهامها بالزنى ولكن زوجها يبرئها من التهمة.

تظهر الأميرة آبو جالسة على كرسي رافعة يدها اليمنى إلى الأعلى بالتحية (وهذه الحركة مألوفة في الحضر ووجدت في الكثير من التماثيل ومنها التمثال الجميل للملكة آبو بنت دميون زوجة ملك الحضر سنطروق الأول)، ويدها اليسرى على ركبتها وهي تمسك بشيء قد يكون مغزلا ولفيفة صوف. وتبدو واضحة حليها الأنيقة على رقبتها وفي يدها وثمة قرطان كبيران يتدليان من أذنيها وعلى رأسها قبعة طويلة وفوقها غطاء. إن زيَّ الأميرة آبو عموما يشبه الأزياء الرافدانية في العهدين البابلي والآشوري.

***

...................

* هامش عن مملكة ومدينة الحضر "عربايا": تقع أطلال مدينة الحضر التاريخية على بعد كيلومترين شمال غرب الحضر الحية المعاصرة، وقد عُثِر على عدد من النصوص الكتابية محفورة على أحجار كبيرة تحتوي على بعض الأحكام القانونية والأعراف التي كانت سائدة فيها وخاصة التي تتعلق بالسرقة والعقوبة الصادرة بحق مرتكبيها. كما عرفت مملكة الحضر (مملكة عربايا) بهندستها المعمارية وفنونها وأسلحتها وصناعاتها، كانت هذه المدينة تجاري روما من حيث التقدم حيث وجد فيها حمامات ذات نظام تسخين متطور وأبراج مراقبة ومحكمة ونقوش منحوتات وفسيفساء وعملات معدنية وتماثيل كما ضربوا النقود على الطريقة اليونانية والرومانية وجمعوا ثروات عظيمة نتيجة لازدهارهم الاقتصادي.

* في يوم 8 آذار - مارس 2015 سيطر تنظيم داعش التكفيري على مدينة الحضر الأثرية وقام بتجريف أجزاء منها واعتبرت هذه العملية جريمة بحق الآثار العراقية حيث سمع سكان المنطقة دوي انفجار هائل في وقت مبكر، وذكر آخرون أن تنظيم الدولة دمّر بعض أكبر المباني الأثرية في الحضر بالجرافات. ولاحقاً، انتزعت قوات المتطوعين العراقيين في الحشد الشعبي مدينة الحضر من سيطرة عصابات داعش في 26 نيسان/ أبريل 2017 خلال معارك دامية لتطهير الشمال العراقي.

4985 nabooo2

2- تمثال الملك السومري أنتيمينا المسروق يعود من أميركا ولم يظهر بعد في المتحف، وتمثال الإله نابو العملاق في الهواء الطلق:

بعد الاحتلال الأميركي سنة 2003 سرقت قوات الاحتلال والعصابات الدولية والمحلية المرافقة لها والمحمية بها آلاف القطع الآثارية التي لا تقدر بثمن من الآثار العراقية الرافدانية وقد "سجلت إدارة المتحف آلاف المسروقات من القطع النحتية النادرة، والأختام الأسطوانية والألواح الطينية الثمينة ذات العمق التاريخي. ولعل أهم ما تمت سرقته ما يلي:

- تمثال باسيتكي. وهو التمثال البرونزي الأكدي لشاب يجلس على قاعدة دائرية.

- تمثال الملك السومري (أنتيمينا) ملك لكش المصنوع من الحجر الأسود. ويرجع تاريخ التمثال إلى 2400 عام قبل الميلاد ويزن نحو 136 كيلو غرامًا وهو مصنوع من الديوريت.

- تمثال ضخم من البرونز وزنه 272 كيلوغراما يعود إلى أكد.

- رأس تمثال أسد مدينة كالخ التي تسميها التوراة "نمرود" المصنوع من الحجر الجيري.

- تمثالان من البرونز لثورين يعودان إلى 2500 قبل الميلاد.

- وجه من الرخام لامرأة سومرية.

- أحد عشر تمثالا متنوعا.

- رأس تمثال يعود إلى الفترة الرومانية من مدينة الحضر.

- تسعة أحجار مختومة بأسماء الملوك والمعابد السومرية.

- تمثال هرمس.

- تمثال نحاسي لرجل جالس يعود إلى فترة الملك نارام سين الأكدي من عام 2250 قبل الميلاد.

- سرقة 4795 ختمًا أسطوانيًا و5542 عملة معدنية، ومجموعة خرز تاريخية وتعاويذ ومجوهرات لا حصر لها.

- لم تنج من عمليات النهب سوى قاعة واحدة هي القاعة الآشورية الكبرى بسبب ضخامة محتوياتها. من مقالة لوارد بدر السالم/ صفحة "ضفة ثالثة" بتاريخ 24 آذار مارس 2022 ".

وقد أعيدت فعلا بعض القطع إلى العراق بعد أن ضبطت تباع في السوق السوداء الدولية في الغرب، ومن هذه القطع تمثال ملك مدينة لكش السومري أنتيمينا. وقد كتبت عنه ذات مرة بمناسبة شقه لقناة "راضع" الغراف انطلاقا من منطقة مدينة الكوت وصولا إلى لكش شمال قرية البدعة وما دونها. وحين سألتُ عن التمثال أحدَ موظفي المتحف وعن إمكانية رؤيته وإلقاء التحية على "جلالته"، أخبرني الموظف بأنه أعيد من الولايات المتحدة فعلا، ولكنه لم يعرض بعد لأن قاعة السومريات وما قبل التاريخ تخضع لعملية إعادة تأهيل، تبرعت بتكاليفها مؤسسات ثقافية إيطالية ولا نعرف متى تنتهي.

ويرجع تاريخ تمثال الملك أنتيمينا مقطوع الرأس إلى 2400 عام قبل الميلاد، ويزن نحو 136 كيلوغراما، وهو مصنوع من حجر الديوريت البركاني، وهو حجر لونه أسود يشبه الغرانيت. وعلى الظهر كتابة بالخط المسماري تحصي إنجازات ملك السومريين، وتشير إلى محبة "الإله انليل" له/ الصورة من الأرشيف على الإنترنيت.

و"الإله نابو هو ابن الإله مردوخ كبير آلهة بابل حسب الأفكار والعقائد البابلية القديمة وإله الكتابة والحكمة، وكان في بداية عبادته إلهاً خاصاً بالزراعة وكاتب ورسول للآلهة، وهو إله القلم والعلم والرقيم وحامي الأدباء والمنسوخات. قد وردت هذه التسمية في معظم العصور التي ظهرت بها عبادته وخاصة في وثائق عصر أور الثالثة والعصر البابلي القديم ويعتقد أنها تحولت إلى "نابو" في عصور أحدث. الموسوعة الحرة"

وفي حدائق المتحف العراقي، ثمة تمثال عملاق للإله نابو مطلا على الشارع العام دون وقاية أو حماية. ونابو هو إله الحكمة والمعرفة في العراق القديم عثر عليه في العاصمة الآشورية كالخ او كالح واسمها التوراتي الأشيع هو "نمرود" وهذا الاسم "نمرود" لا وجود له في السردية الرافدانية القديمة بل هو من اختراع كتبة التوراة، مثله مثل كلمة "فرعون" التي لا وجود لها في السردية المصرية القديمة.

الصورة الثانية بعدستي لتمثال الإله نابو واقفا على قاعدة حجرية في العراء مكشوفاً لعوامل المناخ من أمطار ورياح وحرارة. ولا أدري إن كان هذا التمثال نسخة أصلية كما يوحي منظره العام أم أنه نسخة مصطنعة له، وهناك أكثر من تمثال مختلف لهذا الإله في المتحف العراقي وأماكن أخرى. يتبع.

***

علاء اللامي

اعتمد المؤتمر العام لليونسكو خلال دورته الثلاثين المنعقدة في باريس عام 1999 يوم 21 مارس/آذار اليوم العالمي للشعر والهدف من ذلك دعم التنوع اللغوي ومنح اللغات المهددة بالاندثار فُرص أكثر لاستخدامها في التعبير ويعتبر اليوم العالمي للشعر أيضا فرصة لتكريم الشعراء ولإحياء التقليد الشفهي للأمسيات الشعرية وبهذه المناسبة دعت جمعية ابن عرفة الثقافية في تونس الشعراء إلى الاحتفاء بهذا اليوم.

وجمعية ابن عرفة الثقافية هي جمعية تونسية مستقلة أسّست سنة 1946 ومقرّها بفضاء السليمانية قرب جامع الزيتونة بتونس العاصمة وقد كتبت الشاعرة فاطمة عبدالقادر ورقة تقريرية حول هذا اليوم تقول فيها:

الزّمان : الثلاثاء 21 مارس 2023

المكان ـ جمعية ابن عرفة بالمدرسة السّليمانية بالمدينة العتيقة

المناسبة : اليوم العالمي للشّعر

التأم مجلس ـ نادي الميعاد ـ على غير عادته يوم الثلاثاء 21 مارس بإشراف الاستاذ سوف عبيد بمناسبة اليوم العالمي للشّعر حضره السّيد حسن مطيع كاتب عام الجمعيّة وجمع بهي من الشّعراء جاؤوا يقرأون قصائدهم ويحتفلون بالحرف والإبداع كما حضره رئيس نادي القراءة بالجمعية الدّكتور محمد رضا الماجري عاشق الشعر و صديق الشعراء.

كان لقاء أدبيا ممتعا نشّطه كل من الشاعر عبد الحكيم زريّر والشّاعرة فاطمة عبد القاد روقدّم الاستاذ سوف عبيد لمحة عن الشّعر والمبدعين ولم يفته الحديث عن فلورس الشّاعر الذي نافس الرّومان في عقر دارهم وعانق حرفه الإبداع في إشارة إلى أهمية الإبداع بربوع تونس خاصة والعالم العربي عموما. أولى القراءات كانت للأديبة زهرة حواشي قصيدة بالفصحى "أحبك أنا" ثم قرأت الرّقيقة سليمى السّرايري نصّا جميلا بعنوان "كم أتمنّى أن تختفي من المرآة" ..من قصائد السّرد إلى النّمط العمودي قرأ الشاعر بشير عبيدي قصيدة بعنوان " قسما بتونس " وقرأ في الوطنيات أيضا الشاعر الحبيب مبروك الزيطاري قصيدة "يا تونس الفضل " ثم قرأ الشاعر رشيد الخلفاوي قصيدة بعنوان "رغم البعد تظلّين في شراييني" أماالشاعر منير الوسلاتي فقد أمتعنا بقصيدة "الضوء والنوء" وكانت مشاركة الشاعر الأستاذ عمار النّميري بقصيدة "عرق البحر "قصيدة يتحدث فيها عن بلوغه الستّين من عمره ..وقرأت الشاعرة انتصار عباس نصّا جميلا.. وقبل أن يلقي الشّاعر عبد السلام الأخضر قصيدته باللّهجة المحكية "فرحتنا بسيدي رمضان" قدّم الاستاذ سوف عبيد كلمة حول الشّعر المحكي وأهميته من خلال رأي حسن حسني عبد الوهاب في مجلة النّدوة الصادرة سنة 1953 يرى فيها أن الأدب تعبير صادق صادر عن الوجدان يأتي بكل وسائل التعبير فصحى كانت أم لهجة محكية ، ودعا الى ضرورة الاهتمام بالتراث الضخم للهجة التونسية الدّارجة من خلال جمعه وتأليفه و ضرورة تسليط علم النفس عليه..كما بين أن أكبر الأدباء التونسيين الذين تركوا آثارا بالفصحى كانوا قد كتبوا باللهجة المحكيّة ولابد من إزالة الغبار عنها والتعريف بها ..تفاعل مع هذا الرّأي الدّكتور محمد رضا الماجري وهو من المولعين بالتّراث وأصحابه.

الشّاعرة تاج الخياري كانت حاضرة رغم الغياب بنصّ جميل بالفصحى بعنوان" يا بحر" قرأته نيابة عنها الشّاعرة فاطمة عبد القادر و قرأت بلغة مليير الشاعرة روضة العدّاسي قصيدة لامست وجدان الحاضرين بعنوان l'orphelin des vivants "

وبالفصحى قرأ الشاعر المختار المختاري رئيس جمعية "مراجعات ثقافية" قصيدة "شيء من شيء ما" كما قرأت الشّاعرة الرقيقة ثريا خلوط بإلقاء متميز قصيدة بعنوان "آتية أنا" ثم قرأت الشاعرة بسمة درويش قصيدة بعنوان " بعثرْني"

من الفصحى إلى زجل الشاعر عبد الحكيم زريّر الذي قرأ لنا قصيدة "الانتريتي" أهداها للشاعر عمار النّميري بمناسبة إحالته على شرف المهنة.

كانت مداخلة الاستاذ سوف عبيد لمسة وفاء لشعراء فارقونا فقرأ لأبي القاسم كرّو نصا، ونصّا لزبيدة بشير بعنوان "فاتركوني" و ذكّرنا بالنص الجميل لمنور صمادح "عندما كنت صغيرا كنت أحبو الكلمات..." كما قرأ للشيخ الحبيب المستاوي الفقيه الذي جمع بين منهج الدعوة الدّينية ووجدان الملكة الشعرية جزءا من قصيدة في غرض الإصلاح "لقد عبث اليهود بأرض قدس..وقد ملؤوا البلاد بكل رجس" ..كما قرأ للشاعر الجزائري مفدي زكرياء مقطعا من قصيده "الذّبيح الصاعد"..وأشار في ختام مداخلته إلى أن الشاعر محمد العروسي المطوي كان قد كتب الشعر الحر منذ سنة 1938.

وفي ختام الجولة الأولى قرأت الشاعرة فاطمة عبد القادر قصيدة "نحو أبواب العروج ".

أما الفاصل الغنائي فقد كان بصوت اللاّمعة ضحى الكافي التي أطربت جلاّس الميعاد بأغنية " مضناك جفاه مرقده"

الجزء الثاني من الميعاد افتتحه الشاعر بشير العبيدي بقصيدة عمودية "قلمي فداك وأهلها الأقلام" ثم أخذتنا الأديبة زهرة حواشي إلى المحكي بقصيدة "لو كان جا عا كيفي" وقرأت فراشة الشّعر سليمى السّرايري قصيدة "شهقة"و ومضات رائعة وقرأ الشاعر الحبيب الزيطاري قصيدة "ملهمتي" .في الحب أيضا أمتعنا الشاعر الخلوق رشيد الخلفاوي بقصيدة رائعة بعنوان "امرأة صوفية الحب" ثم قرأ الشاعر عمار النميري قصيدة "سليانوس يا سليل الأنبياء".

يعود بنا الشاعر عبد السلام الأخضر إلى المحكي بقصيدة "متسلطنة ولا كيفها سلطانة". الشاعرة روضة العداسي قرأت هذه المرة بالفصحى قصيدة "عيّرتني" وفي فاصل غنائي ثان أمتعت به المجموعة الشاعرة زهرة الحواشي بأغنية "جمل يهدّر" تفاعل معها الدّكتور رضا الماجري بمداخلة حول الأغنية واللحن.

في قراءة ثانية أبدعت الشاعرة ثريا خلوط في قصيدة "بيْنٌ منحوت" ثم أسمعت الحضور مقطعا من أغنية من كلماتها وألحانها ..ثم قرأت الشاعرة بسمة درويش قصيدة بالدّارجة "أنت شكونك" ثم قرأ الشاعر عبد الحكيم زرير قصيد "ملاّ حالة" وقرات الشاعرة فاطمة عبد القادر "كم تكبر في حضني الأفكار".

وفي الختام قرأ الاستاذ سوف عبيد مقطعا من قصيدة "عروس البحر" ثم أشاد باستقلالية جمعية ابن عرفة عن الأحزاب ونوّه بهدفها الثقافي المعرفي.

الميعاد يكرم في اليوم العالمي للشعر الشاعرة والفنانة سليمى السرايري بشهادة شكر وتقدير وهدية قيّمة تمثلت في كتاب للرّسام والفنان التشكيلي علي بن سالم يضم لوحاته وابداعه في فن الرّسم

الميعاد الثّامن كان عرسا ثقافيا تمتع فيه الحاضرون بسماع الشّعر والغناء بين أطباق الحلوى والمشروبات وتصفّح الدواوين المعروضة.

***

سُوف عبيد ـ تونس

أقامت مؤسّسة تنوير في حيفا أمسية أدبية للكاتب ناجي ظاهر بمناسبة صدور مجموعته القصصية الجديدة «المصيبة الثانية»، بمشاركة د. فؤاد عزّام، د. جهينة خطيب، الأستاذ عطا الله جبر والفنان عبد عابدي.

حوا بطواشافتتحت الأمسية السّيدة سهاد كبها، مديرة مؤسّسة تنوير، التي رحّبت بالحضور وشكرت جميع الفنانين المشاركين في معرض الفن التشكيلي «آذار الثقافة، المرأة، الأرض» التي تُعرض في المؤسّسة هذه الأيام بمشاركة مجموعة من الفنانين ثم تولّت إدارة الأمسية الكاتبة حوا بطواش.

ثم تحدّث د. فؤاد عزّام في مداخلة له عن السّمات البارزة في أدب ناجي ظاهر، واعتبر أن هناك تطوّرًا ملحوظًا لدى الكاتب منذ روايته الأخيرة «مُحاق». وتطرّق إلى سمة اللابطل التي يتّسم بها معظم الشخصيات المركزية في قصص المجموعة، ففي معظم القصص الشخصية المركزية هي طفل يفشل في تحقيق الهدف، والهدف الأساسي هو حلّ مشكلة التهجير، تهجير الفلسطينيين من قراهم وبلداتهم، وهذا الأمر يتناسب مع الواقع، فالتهجير ما زال مستمرا منذ النكبة وحتى يومنا ولم تنجح الشخصية المركزية في حل هذه المشكلة.

كما تحدّث عن السّرد فأشار إلى وجود خطّين في سرد القصص: تقليدية السّرد وحداثيّة السّرد. السّرد التقليدي يسهّل على القارئ ويوصل الرسالة، أما السّرد الحداثي فيصعّب على القارئ لكن فيه تطوّر أكثر من ناحية الكتابة. وعن أسلوب السّرد لدى ناجي ظاهر في هذه المجموعة قال إنه بضمير المتكلّم وفي معظم القصص يروي الكاتب بأسلوب المتأخّر زمنيًّا.

بعد ذلك تحدّثت د. جهينة خطيب عن التهجير القسري وتأثيراته النفسية والاجتماعية في هذه المجموعة القصصية، وتطرّقت إلى عنوان المجموعة القصصية «المصيبة الثانية»، وقالت إنّه يستفزّ القارئ لمعرفة ما المصيبة الأولى والثانية، وهذه نظرة تشاؤمية ولكن واقعية فالمهجّر بانتظار المصيبة الثانية فالأولى كانت النكبة والتهجير من بلده. كما ذكرت أن المشترك بين القصص هو موضوع التهجير وأثر هذا التهجير. جميع الشخصيات الرئيسية مهجّرون هجرة داخل الوطن وهذه أصعب هجرة. المهجر لا يبتسم، غارق في لوعة الهجرة.

وذكرت أن معنى النكبة لدى المهجّرين الداخليّين تنفصل عن المعنى التاريخي والسياسي المتعارف عليه، وتحمل المعنى الشخصيّ أكثر : الأرض وكروم الزيتون التي صودرت، النّضال الذي قادوه على مدى السنين من أجل ترميم وبناء حياتهم من جديد، المجتمع المحلي الذي تفتّت وتشتّت، والألم والحزن والضّعف والهوان الكامن ، النّكبة في البيت الشخصي الذي تهدم، ونمط الحياة الذي انقطع.

كما أشارت إلى أنّ قصص المجموعة تعبّر عن إحساس المهجّر عن بيته ووطنه بما يحمله من أحلام وآمال، ووضّحت وجع التهجير الداخلي أن تكون مغتربا ولاجئا في وطنك.

وتحدّث الشاعر والباحث عطا الله جبر في مداخلته عن الكاتب ناجي ظاهر باعتباره صديقه المقرّب الذي تجمعه به معرفة وصداقة على مدى سنوات، فأكّد على حبّ ناجي ظاهر للناصرة حبّا كبيرًا رغم حنينه إلى قريته المهجّرة، سيرين. وقال إنه رغم الفقر الذي عاشه والضّياع والتهجير بقيَ ناجي ظاهر ابن البلد مؤتمنا على كلّ القضايا. في كل كلمة يكتبها يكتب عن المدينة، التهجير، الفقر، المعاناة، وعن الآخر الذي يريد أن يغتصب الحق. هذه هي المواضيع الأساسية في كل أدبه، وهي ليست جديدة. فهو يعيد كتابتها ليقول: أنا ما زلتُ أعاني. لم تنتهِ قضيتي. لم يُغلق الملف، والجرح ما زال ينزف يوميًّا منذ ذلك اليوم إلى يومنا هذا.

واعتبر أن بناء القصص في المجموعة هو بناء حداثيّ، ومن أهمّ أسس هذا البناء الحداثيّ أنه حوّل القصة من بناء تقليديّ إلى صورة تبدو وكأنها بسيطة جدًّا ولكن تحمل أبعد أعماق المأساة التي نعيشها.4964 ناجي ظاهر

وأشار إلى أن قصص ناجي ظاهر لا صنعة فيها، فهو لا يحاول الكتابة بلغة منمّقة، بل بلغة بلا تعقيدات، يمكن لكل الأجيال قراءتها فتُفهم وقد تُفهم على درجات متفاوتة، وفيها البُعد الإنساني، التناقض بين السّالب والموجب، الفقير والغنيّ، المغتصب والذي يريد أن يحرّر نفسه، هذا البُعد الإنساني، هي مواضيع إنسانيّة وليست محليّة، فلسطينية فقط فنحن جزء لا يتجزّأ من كون كامل في كل هذه المواضيع.

ثمّ تحدّث الفنان عبد عابدي في مداخلته عن الإبداع البصري وقال متأسّفا إنّنا شعبٌ قليل الاهتمام في العمل البصري، وذكر أن الإبداع البصري في الكُتب الأدبية كان له دور في الماضي في الكتب المهمّة، فالرسم هو تعبير حسيّ، بصريّ، صامت للأحداث التي واكبت الكتابة. وقال إن هناك من الكُتّاب الذين اعتبروا أن الفن البصري هو تتمة للإبداع الكتابي وهناك من اعتبروا العمل الإبداعي أو الرسم هو شريك غير مرغوب به في الكتابة. وذكر أن كتّاب مثل سميح القاسم، سلمان ناطور كانوا من الأشخاص الذين دأبوا على إيجاد عامل مشترك بين اللوحة المقروءة بصريا وبين الكتابة وذكر أن ناجي ظاهر مهتمّ منذ سنوات بالعمل البصري في كتبه.

بعد ذلك أجرت الكاتبة حوا بطواش حوارًا قصيرًا مع الكاتب ناجي ظاهر، فتحدّث عن مجموعته القصصية مشيرًا إلى وجود موضوع واحد لكل قصص المجموعة فهي متتالية قصصية، أراد من خلالها أن يدخل إلى حياة المهجّرين، وبالتحديد إلى تجربته التي عاشها، فعاد إلى سنوات السّتينيات والسّبعينيات وبدأ يغترف من هناك الأحداث والأهم من ذلك كلّه هو اغترافه بالخيال، وقال إن بذرة صغيرة في الواقع كانت تفجّر فيه عالمًا واسعًا من الخيال، فيكتب القصّة بكل ما لديه من مشاعر وبكل ما يمتلكه من وعي ولاوعي.4965 ناجي ظاهر

كما تطرّق إلى تركيز كتابته عن موضوع التهجير، فقال إنّه يكتب عن العديد من المواضيع، لكن الموضوع الرئيسي في حياة الكاتب هو موضوعه الشخصي. لا يستطيع أي كاتب أن يخرج من نفسه ويتحدّث عن أمور أخرى. وذكر أنه كتب ستّ روايات كلّها تحدّثت عن الأوضاع الراهنة ولم يعُد فيها إلى الماضي وإلى التهجير. انما تحدّث عن إسقاطات التهجير على مجتمعنا العربي وتحدّث عن المسكوت عنه. ولذا، اعتبر أن المسألة هي ليست مسألة تقوقع، كما يظنّ البعض، بل هو جرح خالد لا يمكن للكاتب أن يهرب منه مهما حاول.

كذلك تحدّث عن المدرسة الواقعية التي ينتمي إليها في كتابته، وقال إنّنا لا نختار المدرسة التي نكتب بها، بل هي التي تختارنا. وأضاف أنه يعتقد أن التجربة التي عاشها لا يمكن أن تأخذه إلا إلى المدرسة الواقعية. لكن الواقعية تختلف عن الواقع كلّيًّا، كما يرى. هناك الواقع وهناك الواقعية. وقال إنه كاتب واقعية. كل ما كتبه اعتمد على الخيال وعلى جنونه عندما يدخل إلى عالم القصة ويتفجّر عالم الخيال رويدًا رويدًا. الواقعية تختلف عن الواقع. هو واقع يعتمد الخيال وتخلق واقعًا آخر موازيًا للواقع.

وفي ختام الأمسية قدّمت السيدة سهاد كبها، مديرة مؤسّسة تنوير، شهادة تكريم للكاتب ناجي ظاهر.

***

تقرير: حوا بطواش

فاتحة الطايب في لقاء لتقديم كتابها الأخير"الوطن- الأمة وأوروبا المسيحية في رحلة ابن بطوطة"

نظم مختبر السرديات والخطابات الثقافية، كلية الآداب بنمسيك - الدار البيضاء والجمعية المغربية للباحثين في الرحلة، بشراكة مع المكتبة الوطنية  بالرباط، يوم الأربعاء فاتح مارس 2023  في الساعة الثالثة بعد الزوال، ندوة علمية حول الكتاب الأخير للأستاذة والناقدة المغربية فاتحة الطايب: "الوطن- الأمة وأوروبا المسيحية في رحلة ابن بطوطة"،  بمشاركة الأساتذة: عبد الرزاق الجاي وعبد الواحد بنعضرا ورضوان ضاوي.  وقد ترأس الجلسة الناقد والمترجم المقتدر الأستاذ أحمد بوحسن، الذي أشار في بداية اللقاء إلى مكانة الأستاذة فاتحة الطايب وأهمية مؤلفاتها في الدرس النقدي المغربي.

 وقف ذ.عبد الرزاق الجاي في المداخلة الأولى التي عنونها ب"عالمية الأنموذج المسلم في رحلة ابن بطوطة" على محطات رئيسية في هذه الرحلة، التي جعلت صاحبها يتميز بالعالمية والمواطنة الكونية. لخّص الجاي هذه المحطات في: التصوف، السياسة والخلافة، والمقارنة الاقتصادية. وبرهن في مرحلة أولى على أن ابن بطوطة ذي المرجعية الصوفية قد قدّم منظورا أوسع لمفهوم التصوف بحيث لم يربطه بالزهد في ملذات الحياة والبقاء في زاوية يذكر فيها المريد ربّه، وإنما بالسير في الأرض واكتشاف عجائب خلق الله. ثم بيّن كيف أن الرحالة قد أسهم من زاوية موقع بلده الحسن ضمن بلدان الأمة الإسلامية في الجدل الفقهي الذي كان قائما آنذاك حول الشروط الواجب توفرها في الخليفة، والتي حصرها في ستة مع التأكيد على ضرورة الجهاد والاجتهاد لتحقيق ازدهار الوطن والأمة. وفي هذا الإطار عمد ابن بطوطة إلى المقارنة بين العملة المغربية وعملة بعض البلدان العربية التي زارها، رابطا ازدهار اقتصاد بلاد المغرب، بالاستقرار السياسي والتضامن الاجتماعي، وليس بنوعية النقود وحجمها. في الأخير، أنهى الجاي مداخلته بِحثّ الطلبة والباحثين على العناية بهذه الرحلة التي تشكل جزءا هاما من تاريخ العالم لأن من لا تاريخ له لا حاضر ولا مستقبل له.

الورقة الثانية قدمها الأستاذ رضوان ضاوي وركز فيها على الفصل الثالث من الكتاب، الذي عالج مفهوم التوتر والتصادم الحاصل في الرحلة بين الرغبة في التعرف على الآخر المختلف والتقيد بالسلطة الدينية التي قسمت العالم إلى دارين، دار الإسلام ودار الكفر. وقد بيّن الكتاب كيف خفّ هذا الضغط الديني في القسطنطينية؛ مع انعدام  الرقابة، حيث تعامل ابن بطوطة مع المستوى الحضاري لغير المسلمين بموضوعية وبروح من التسامح. عرّج الباحث أيضا على ملاحظة الأستاذة الطايب بخصوص مساهمة المترجم البيزنطي المرافق لابن بطوطة في تشييد صورة متخيلة لهيبة القسطنطينية من خلال سلاح اللغة اليونانية التي كان يجهلها الرحالة؛ فالمترجم لم يكشف له عن الصراع المسيحي (الكاثوليكي-الأورثذوكسي) ولا عن المعالم الإسلامية (المساجد) التي كانت موجودة في القسطنطينية. مما يعني أن صمت الرحالة عن هذه المعالم، صمت يحيل على سلطة المترجم المتحكم في المعلومة والوجهة.

وفي سياق المقارنة، أشار ضاوي الباحث الألماني رالف إلغَر الذي قام بترجمة ألمانية ثانية لرحلة ابن بطوطة، وذكر في مقدمتها أن شخصية الرحالة تتميز بتعدد الآفاق والوظائف، فهو المتصوّف الذي يعمل على تقوية إيمان المتلقي المغربي والرحالة الذي يزوده بالغريب والعجيب والمسلّي. وسجل الباحث اتفاق الطايب وإلغَر على تعامل ابن بطوطة مع غير المسلمين بموضوعية مقرونة بإعجاب وبتسامح بمرجعية دينية، ما يجعل منه إنسانا كونيا. 

الورقة الأخيرة والموسومة ب "الخلافة وطموحات أبي عنان، قراءة في كتاب 'الوطن-الأمة وأوروبا المسيحية في رحلة ابن بطوطة""، قدمها الأستاذ عبد الواحد بنعضرا وخصت بالدراسة الفصل الثاني من الكتاب لتقدم لنا توسيعا علميا للبعد التاريخي في رحلة ابن بطوطة، من خلال تسليط الضوء على توظيف الألقاب في الرحلة. وقد لخّص أهم أفكار المؤلِّفة في نقط، منها؛ أن نص الرحلة مُعبّر بشكل كبير على طموحات أبي عنان، وأن السلطة المرينية تعمل جاهدة على تحقيق طموح توحيد المغرب الكبير، وأن ابن بطوطة في رحلته خصّ أبا الحسن علي ابن سعيد بلقب أمير المؤمنين دون سواه من الملوك. كما وقف بنعضرا على فكرة الطايب التي تفيد أن توظيف لقب أمير المؤمنين في حق سلاطين المغرب في رحلة ابن بطوطة تحيل إلى قوة المغرب في علاقته بالمشرق، وأن الرحالة وظّف آلية المقارنة للتأكيد بأن المغرب ينصر الإسلام ليخلص إلى اعتباره القطب والمركز، أي الأمة-الوطن مثلما يتّضح من تلقيب السلطان المغربي في الرحلة بخليفة الله في الأرض، وأن تخصيص ابن بطوطة لحيز كبير لذكر فضائل السلطان أبي عنان، هو تأكيد من زاويته لأحقيته في الخلافة وقدرته على توحيد صفوف الأمة الإسلامية. بعد ذلك استعرض بنعضرا العديد من الاستشهادات التي تفيد استبعاده فكرة أن تكون لأبي عنان طموحات للتوسع في المشرق وذلك لثلاثة أسباب: زوال هيبة الخلافة، عدم اعتراف الأدبيات المشرقية بالخلافة المغربية، واقتصار المؤرخين المرينيين على التأريخ للمغرب الأقصى.

استهلت الأستاذة فاتحة الطايب كلمتها في آخر اللقاء بعرض أهم دوافع اهتمامها برحلة ابن بطوطة، وصولا إلى تساؤلها بعد التعمق في دراسة الرحلة والأبحاث التي أُنجزت حولها: ما الذي يبرر اليوم وصف ابن بطوطة الفقيه المغربي  المسلم القروسطي (القرن 14م) بالمواطن الكوني والحال أنه لم يتعد النصف الشرقي للكرة الأرضية باستثناء  بضع أجزاء؟

لتُجيب بأن مفهوم المواطنة الكونية مفهوم متعدد الأبعاد في غياب وطن موحد مخصوص اسمه "العالم" ينتسب إليه المواطن باوراق ثبوتية يكتسب من خلالها الحق الفعلي في المواطنة. فأن تكون مواطنا كونيا اختيار  فردي له علاقة  بمدى إيمان الفرد  بانتمائه الإنساني  وقدرته على تقبل الاختلاف، مع العلم أن الاختيار الحر للفرد يظل مرهونا بالموقع الجيو -سياسي والإرث التاريخي والثقافي للوطن الذي ينتمي  إليه  المواطن بأوراق ثبوتية .

  اوضحت الطايب ان ابن بطوطة،  ثنائي اللغة والثقافة (عربية-أمازيغية)، الذي انطلق  وحيدا من مدينة  طنجة "البينية"،  قد قام برحلته واخترق العوالم الاسلامية وبعض الأجزاء الاوروبية المسيحية وهو واثق من نفسه بفضل انتمائه إلى المغرب، البلاد الشريفة، وانتمائه إلى الأمة الإسلامية. وفي اثناء رحلته يتضح لمتتبعه  أنه كان واسع الأفق وأن فطرة السياحة لديه جعلته يسعى إلى الاطلاع على العجيب والغريب مع الالتزام بالموضوعية المقترنة بخلفية دينية ليس في البلاد المسيحية فحسب، بل حتى في البلدان الوثنية. موضوعية مكّنته من عقد مقارنات، والتأسيس لعلاقة " لطف "  مع الآخر المختلف بعيدا عن كل تعصب في الغالب . الأمر الذي يجعل منه إنسانا متميزا  اليوم، شمل الانتماء إلى  الأمة  الإسلامية بالنسبة إليه الانتماء بالضرورة إلى  وطن  يملك خصوصية تغذي الاندماج ولاتعيقه،كما ان الانتماء إلى بيت خاص (طنجة -المغرب)، في ظل انتمائه إلى البيت الإسلامي، جعله يربط علاقة  إنسانية  مع الآخر المختلف الذي يثمن بموضوعية حضارته وثقافته المادية .

مايستفاد منه اليوم، أن الذات التي لا تنتمي إلى وطن خاص، ذات لاتملك مايخول لها السعي وراء المواطنة الكونية لأنها تعد في هذه الحالة على هامش العالم .

***

متابعة الباحثة: فاطمة الزهراء عجول

 

نكتفي بالصمت أنا وصديقي احمد الربيعي، منذ الخطوات البطيئة الأولى التي بدأت عند عتبة مقهى الشابندر في شارع المتنبي، الربيعي طبيب متخصص بالطب الباطني مقيم في استراليا،كان صباحاً مشمساً يدعونا للمضي أكثر، نجوس الطرقات المهجورة المؤدية الى مدرسته في سبعينيات القرن الماضي (الإعدادية المركزية)، وأرصفة الشارع عامرة بالخطى الواهنات، الشمس تصعد قليلاً بنور ساطع، يتجمع الناس كتلاً ودوائر، حول قاعدة تمثال، يلتقطون صور السيلفي مع المتنبي، أو حول مطعم كبة السراي الشهير، الأحاديث ممزقة متشنجة، الصمت متورم مملوء بالهواجس والخوف، كانت لدى الربيعي رغبة ملحّة في العودة إلى أيام الدراسة، حاولت أن أثنيه عن الزيارة، كنت أسعى أن لا يرى المكان على حقيقته الصادمة، اقترحت عليه بدائل أخرى ذات إيقاع مختلف، يقبل عليها الزوار.4881 جمال العتابي واحمد الربيعي

بظل ابتسامة ترتسم على شفتي الربيعي، سرنا على هواه ومزاجه وقياساته، على يسارنا مبنى الحكومة أو ما يعرف بـ(القشلة)، بحائطها السميك الذي تصاعدت فيه الرطوبة نحو أعلى تيجان الركائز الساندة للجدار، ما زالت حكايات الولاة العثمانيين الذين يمكثون في الحصن لم تنته، لدينا ألف تعلّة لم تنته، بموازاة القشلة مبنى آخر، ليس سوى جدار الواجهة الأمامية، البناية كانت تسمى متصرفية بغداد، هنا صوت يرن في خاطري خلف الجدار الوحيد المتبقي لمبنى نهشته أيادي السراق مثل فريسة أحالوها إلى ركام في حرب ضروس، صوت (والي بغداد)، في سبعينيات القرن الماضي، الذي أصدر فتاوى (تحريم الميني جوب).4882 جمال العتابي واحمد الربيعي

مضينا تطالعنا ملامح الأبنية المعذّبة، كنا نقطع شوطاً من المسافات مشياً، أعيد ما بيني وبين وزارة المعارف الملاصقة للشرطة العامة، من يردّ لها بياض الوجوه؟ من يستعيد بهاء العيون، منها انطلقت رحلة العمل في التدريس، في نهاية الستينيات صدر عنها أول أمر تعيين لي في الحكومة، رحت أبحث عن زاوية أودعت فيها بعض الأشياء، أوراق العمر، تركت عليها الأسماء، ثم نسيت الأسماء. خلف المبنى، يطلّ المصرف العقاري في  الركن المواجه للساحة التي يتعامد فيها شارع الزهاوي، أو ما يعرف بشارع حسان بن ثابت المركز الرئيس للمطابع ومقرات الجرائد لعقود من الزمن، المصرف الآن كأنه حقل محروق، أكداس من النفايات سدّت كل منافذه، ماذا لو قام أولئك الذين كانوا يشغلون الغرف الزجاجية فيه من مناماتهم، عن أي شيء سنحدثهم؟ لا ندري إن كانت تدبّ فيها حياة من جديد؟ أم أن الأزمان تمضي وتستقر في خزائن التاريخ اللانهائية؟ بلى كل الأزمان تمضي إلا زمن الخراب! ما زالت آثار مركز شرطة السراي شاخصة، وإن غلّفها الصمت، غارقة في نومها الأبدي، تفوح منها رائحة بول المعتقلين، أو المسفّرين الى السجون في أطراف المدن الصحراوية.4883 جمال العتابي واحمد الربيعي

قلت لصديقي أحمد، وفي نفسي صرخة محبوسة: كثيرة هي الجراحات، وغزارة النزف، كانت مركبة الشرطة تمضي بنا الى هذا المعتقل، لم يمر وقت طويل لاصطيادنا في فخ أقامه والي بغداد يستبيح فيه الورد وسيقان الصبايا الجميلات بأصباغ نتنة، كان الوالي يعيد عصر الظلام، ويترصد الجمال، ليخطف المعاني والأحلام، اقتادونا أنا وصديقي القاص عارف علوان إلى قفص حديدي، كأننا سبايا غزوات، وحشرونا على جدرانه ما بين حمّى الحقد وروح الإذلال، كانت الأيادي تعيدنا لإرث الصحراء، تلوح بالمقصّات لجزّ شعر رؤوس الخرفان، عفواً (الخنافس)، الذين تطاولوا على أمن الدولة، وتمادوا في إطلاق لحاهم، كان المشهد أشبه بحفل (عرس) أقامه الغجر البائسون، يرافقه صياح بوليسي هستيري: دعوا رؤوسكم مطأطأة أيها (المتخنثون)، هكذا تتعالى أصواتهم مثل سياط التعذيب.4884 جمال العتابي واحمد الربيعي

لم يتبق أمامنا سوى بضع خطوات لنكون في مواجهة البوابة الرئيسية للإعدادية المركزية، قلت لصديقي الربيعي: لنتوقف هنا عند هذا المبنى، ارفع رأسك قليلاً إلى الأعلى ما تزال بقايا لوحة (post) معلقة على الجدار تسألك: هل تذكرني؟ قال الشباك المفتوح، أسفل اللوحة، هل تعرفني؟ أنا دائرة البريد المركزي، ذبل لوني، وأصبح الحزن رفيقي، هل أتنبأ بأنك عدت الآن لتزورني وحائطي الأسود مبتل بسخام الطرقات؟ أكاد لا أصدق يا زائري أنك تعود إلى هنا حين غابت الخطوات عن الدرب، ما تزال صناديق الرسائل مغلقة، وأختام البوسطجيه مركونة في سلة حزن مهملة، أنا وحدي بقيت هنا، أبحث عن بلاد تضم رفاتي. تأوه أحمد حسرة، نفض عن يديه رماد الآجر المتآكل، لمحتُ في مآقي عينيه عَبرَة. قلت له: أريد أن أسمع ما يعتلج الآن في أعماقك، قبل أن تجتاز قدماك بوابة مدرستك:

– نعم يا صديقي أكاد لا أصدق صمت هذه الجدران، ولا خفوت رنين جرس المدرسة كان مثل قيثار يستفيق تارة ويصحو تارة أخرى، كأنه ناقوس دير يدعو للصلاة والشوق.

– دعنا يا أحمد أن نستعيد تاريخ هذا الصرح الذي كان موضع اهتمام الملك فيصل الأول، في غربه يجري نهر دجلة، يحجبه عنه دارٌ لبيت الحكمة، وشماله عبق التاريخ ممثلاً في القصر العباسي، وللحب طعم في جنوبه، في ملهى الهلال (مقهى البلدية) غنّت أم كلثوم في ثلاثينيات القرن الماضي. درسَ هنا عبد الكريم قاسم وطه باقر وحسين علي محفوظ وناظم الطبقجلي وقحطان المدفعي، وكمال السامرائي وفؤاد حسن غالي وعبد الوهاب البياتي، هؤلاء وغيرهم من نخب العراق الثقافية والعلمية تعلموا على يد أحمد سوسه وعبدالجبار عبدالله، يكفي المدرسة مجداً أن لجان تحكيم مسابقتها الأدبية كانت تتألف من علماء اللغة، أمثال مصطفى جواد، وعبد الستار الجواري.4885 جمال العتابي واحمد الربيعي

ما أضيع ما تسفحه الأدمع؟ كان الربيعي يتحسس الرحلة التي شغلها في صفه الخامس العلمي في الطابق العلوي، هنا قدمٌ، وهناك أقدام وحقائب، وأيادٍ تعطي، من قدسية الموضع، كان يرى ما لا أراه، يسمع ما لا أسمع، تُرى هل توسدت مدرستي أذرع البلوى، وغطّت في منام؟ أين شجرة السدر التي كانت تظلل الممشى؟ يبدو أن الفراشات ملّت رصاص الحروب، والعنادل حاصرها القتلة والجوع! أيا قدر المدرسة؟ يسألني:

– هذا ما يبيته لنا الزمان يا صديقي في تسلط هؤلاء الوافدين، لقد خسرنا الرهان، ها هي الريح تذرع المزابل، والشوارع والبيوت والمدارس، لتستقر في وجوه العابرين، تعبت خطانا يا أحمد تعبت في متاهات السنين، لنسترح قليلاً، فذا مكانك وكحل عينيك، تغفو وتصحو، والخراب هو الخراب.

لم يعد الماضي يسكن الساحة الأمامية للمدرسة، ليس له شميمه، ولا عطره ولا ذكرياته، بعد أن لملم زمانه الشائخ وانطوى، نقف في وسطها كما لو كانت حلماً أو ذكرى منسية، أمامك تسقط كل ذكريات الفتية وحقائبهم التي تحمل أسرارهم وأحلامهم، الفتية الذين تعلموا في أروقتك شرط وجودك الإنساني المتسامي، ومقامك العلمي الرفيع، وإرثك الباذخ في التفوق، ها أنا أرثي مجدك المضاع لأن الزمن لم يعد يأبه بالعلم والمدرسة، لكني أعرف عندما يهرم المرء، تتناساه ورود الصبح، غير أن الورد قد يذبل والماء قد ينضب، والوجه يهدم، وتظل الكلمات، فأي إرث هذا الذي تزمّين شفتيك كرهاً من دون أن تموتي؟

***

جمال العتاب - بغداد

 

ندوة فكرية تربوية بمراكش تقارب صعوبات التحصيل الدراسي وأساليب الدعم البيداغوجي

في إطار الشراكة التي تجمع بين كلية اللغة العربية ومؤسسة كشبريس الإعلامية، التأمت يوم الخميس 9 فبراير الجاري، برحاب كلية اللغة العربية مدرج العلامة محمد الشرقاوي إقبال، ندوة فكرية تربوية في موضوع “صعوبات التحصيل الدراسي وأساليب الدعم البيداغوجي”، بالإضافة إلى حفل توقيع كتاب بحثي ثمين “سارليكسيا: بوح شفيف” للكاتبة والشاعرة المغربية فوزية رفيق الحيضوري.

وافتتحت كلمات الملتقى، من قبل عميد كلية اللغة العربية الدكتور احمد قادم ورئيس المؤسسة الإعلامية كشبريس الدكتور مصطفى غلمان، ومدير الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين بمراكش آسفي الأستاذ مولاي احمد الكريمي، أضاءت جوانب هامة من إشكالية بيداغوجية أساسية، ترتبط بصعوبات التحصيل الدراسي. واتفق المتدخلون في كلماتهم، على أهمية عرض تجارب الاستماع في المدارس، وأدوارها في بناء الشخصية المتعلمة، مؤكدين انتصار الحوار مع المتمدرسين المتعثرين، وإدماجهم في المنظومة التربوية بشكل يضمن سلاسة العمل الميداني، بمقاربة تربوية فاعلة.

وفي أولى جلسات الملتقى التي قامت بإدارتها الدكتور فاطمة حسيني أستاذة التعليم العالي بالرباط، كشف الكاتب والباحث في التربية والتكوين الأستاذ عبد الرحيم الضاقية في مقاربته النقدية “من الإنصات إلى الحمق، إلى حمق الإنصات”، قراءة في كتاب سارليسكيا بوح شفيف، للكاتبة والباحثة فوزية رفيق الحيضوري، عن تهيب كبير، نظرا لزخمه من حيث حضور ظواهر تربوية ومجتمعية ونفسية وعاطفية .. كثيرة لا يكمن الإحاطة بها من إطلالة تخصص واحد بل تحتاج إلى قراءة متعددة ومنفتحة على مشارب مختلفة4847 ندوة المغرب

وحاولت القراءة الدخول إلى عالم هذا المؤلف من قراءة عكسية /عاكسة من خلال عدة مداخل، من بينها وضعية المؤلفة وهي في نفس سن التلميذات التي تنصت إليهن وهي أستاذة حيث كانت في هذا السن تنصت للمرضى النفسانيين في مستشفى الرازي بسلا، ومن هنا سوف تصاب بلوثة الإنصات إلى عمق التجربة الإنسانية.

وأبرز ذات المتحدث، في نفس السياق، الانتقال من الإنصات للحمق البارحة إلى حمق الإنصات اليوم عبر مركز الاستماع الذي أسسته في مؤسستها التعليمية بمراكش، ثم الانتقال من معلمة مستشفى الرازي، وهو طبيب فارسي عاش في القرن 3 هـ وهو أول من تحدث عن مرض الجسد ومرض النفس . إلى ثانوية للا عودة السعدية وهي في الأصل مسعودة الوزكيتية أم المنصور الذهبي التي كانت امرأة متمردة على التقاليد التي عرفها مجتمعها.

وقال الناقد الضاقية، أن الكاتبة تسرد حكايات حالات مررن معها في مركز الاستماع، وفي نفس الوقت تتحدث من خلالهن عن هواجس ووضعيات ذاتية تفكر فيها أو تعيشها أي أن المرآة العاكسة تنشغل بالآخر لكنها تصور الذات في الآخرعبر الحديث من خلاله، مبرزا أن المؤلفة تشتغل بمنطق عكسي بين الفراغ والامتلاء ففي الوقت الذي تحاول إفراغ ذوات المستفيدات من المركز من مشاكلهن وأثقالهن، تشعر هي بالامتلاء والمسؤولية مما يجعلها تزيد من إصرارها وصمتها الذي يعد شفاء للآخرين.

ومن وجهة نظر الباحث، يتابع الضاقية، فإن المحاولة تبقى إعادة قراءة للفضاء المدرسي بعين تغوص في ذات الأخر (ص 17) من أجل اجتراح أساليب وطرق لمعالجة الوهن النفسي  والوصول  إلى النتائج التي أدت إلى خروج المستفيدات من عنق الزجاجة وعلاج أمراض الروح قبل أمراض الجسد .ولن يتم ذلك إلا بمأسسة التجربة واستمراريتها على مستوى جميع الإعداديات والثانويات على مستوى ربوع الوطن كي لا تبقى أمثال سارة وبهية وونزيهة.. غارقات في بئر عميقة من الصمت.

أما الدكتور المصطفى عيشان، الأستاذ الباحث بجامعة القاضي عياض ورئيس الرابطة الجهوية لجمعيات أمهات وآباء وأولياء التلاميذ بجهة مراكش آسفي، فقدم مداخلة تحدث في محورها الأول عن نظرة عامة لمحتوى الكتاب وما تضمنه من مفاهيم ومصطلحات وذكر الفاعلين الذين كان لهم علاقة بتجربة مركز الاستماع والذي تحدثت عنه الكاتبة ضمن تجربتها بالثانوية التأهيلية العودة السعدية، إذ ركز على الهدف من تأليف الكتاب.

وذكر الباحث عيشان بالمصطلحات الواردة به، والأزمنة والأنشطة التي غطتها التجربة مع ذكر المظاهر المعاينة كالإقصاء الاجتماعي والعنف، والطلاق، واليتم، والفقر، والتحرش، والتنمر، والتمرد… كما بين مسرح الأماكن التي جرت فيها التجربة سواء على المستوى الدولي أو الوطني أو المحلي.

وتماهيا مع الكاتبة لخص الدكتور عيشان في المحور الثاني في عناوين نماذج الحالات التي استفادت من مركز الاستماع، مما خول له وضع مشروع تربوي ضمن المحور الثالث أسماه قراءات مفيدة يهدف قراءة عمل أدبي لتحقيق الامتاع والتأثير، ينتظر منه نشر ما ورد بكتاب سارليكسيا لكل غاية مفيدة.

وحول تجربة “سارليكسيا بوح شفيف” قدمت الأستاذة ليلى بنسليمان رئيسة جمعية أصدقاء المدرسة العمومية وعضو المجلس الأعلى للتربية والتكوين، إضاءة معرفية واعية بظروف واختيارات “سارليكسيا ..” مفهوميا وإبداعيا. وعرجت الخبيرة بنسليمان على قضية الوعي بالمشكلات المعقدة لصعوبات التعليم، مذكرة بشرطيات العمل الميداني التي أبرزتها المؤلفة في كتابها.

وأشارت بنسليمان إلى إضاءات الكتاب الفارقة، وسبل إعادة قراءتها من مجالات مختصة، داعية إلى إدارة القضية من زوايا التربية وبيداغوجيا التدريس، بالإضافة إلى ما يرافقها من أبعاد اجتماعية وإنسانية، كفيلة بضبط الأسئلة والبحث عن إجابات شافية عنها.

وفي الجلسة الثانية التي ترأسها الدكتور سعيد العوادي نائب عميد كلية اللغة العربية بمراكش، حول أعمال ومنجزات رائد علوم التربية الدكتور محمد الدريج، حاول الدكتور محمد الشرقي أستاذ التعليم العالي بمراكش، تقديم تقرير تركيبي حول إسهامات المفكر المغربي محمد الدريج أحدٍ أهرامات الفكر التربوي في بلادنا والذي تكونت على يديه ان بشكلٍ مباشر او غير مباشر اجيال من المدرسات والمدرسين.4848 ندوة المغرب

وما يلفت الانتباه ونحن نتحدث عن الاستاذ الدريج، يضيف الشرقي، هو غزارة إنتاجه في هذا المجال وهذا يبين انه لم يكن فقط أستاذًا ينفذ منهاجا تعليميًا رسميا بل كإن أستاذا متبصرا وفاعلا يتأمل باستمرار تجربته وممارسته المهنية مبينًا امكاناتها نقط قوتها ونقط ضعفها.

وأكد الباحث الشرقي، أن الدريج ساهم في تقديم مجموعة من البيداغوجيات الحديثة للقارئ العربي بأسلوب بسيط وبطريقة تعليمية مثل بيداغوجيا الأهداف وبيداغوجيا الكفايات ولم يكتف بتقديم هذه البيداغوجيات بل درسها دراسة نقدية مبينا إيجابياتها وكذا حدودها ومن بين حدودها في نظره أنها اهملت العمل على بناء شخصية المتعلم ولم تأخذ بعين الاعتبار المعطى السوسيوثقافي وخصوصية المجتمع المغربي.

واعتبر المحاضر، أن كتابه المنهاج الجديد يعد وثيقة تاريخية تناولت بالتحليل والنقد اهم منعطفات النظام التعليمي في المغرب ويسجل في هذا الإطار ان جل الإصلاحات كانت متسرعة وهيمن عليها التخبط والارتجال. لذلك نجده مافتىء يدعو للقيام بانتفاضة تربوية وبربيع تربوي يساءل الواقع التربوي والتعليمي في بلادنا بنظرة الباحث المتمرس الذي ينزل الى الميدان ويجيد الانصات لكل مكونات المنظومة والفاعلين فيها.

وحول “مقاربة التدريس بالملكات عند محمد الدريج”، حاول الدكتور محمد فخر الدين، أستاذ التعليم العالي، ترنو تبيان مساهمة الدريج في الإصلاح البيداغوجي لنظام التعليم، وجعله قادرا على مواجهة مختلف الصعوبات والتحديات  خاصة على المستوى المنهاجي – الديداكتيكي.

وقارب المتدخل، مسألة تعميم تعليم مندمج و أصيل عالي الجودة، و تبني مبادئ و مفاهيم تربوية تراثية، وكذا توظيف مفاهيم وأدوات تدريسية متجددة مما يشجع في المنظومة التربوية، التفاعل بين الموروث الثقافي والتطورات والكشوف التربوية المعاصرة، وذلك بالعمل على، دراسة الممارسات والتجارب التربوية في تراثنا وإغنائها وتوظيفها، دراسة التجارب التربوية العالمية وتقويمها والاستفادة منها، ومد الجسور التربوية-التعليمية بين هويتنا الثقافية والمنجزات العالمية المعاصرة، وترسيخ لدى المتعلم الهوية التراثية-الأصيلة التي ترفض الاغتراب والاستلاب وخلق الانسجام والتوازن بينها وبين الهوية المنفتحة التي تتميز بالحوار وبالتواصل المعرفي والانخراط في مسيرة الحضارة الكونية، والمساهمة في الانعتاق من النقل والتقليد، وتفعيل شخصيتنا الأصيلة والمبدعة، سواء كأفراد أو جماعات والمساهمة بفعالية في تقويتها بالتربية البدنية والتربية الفكرية وبترسيخ الاتجاهات الايجابية المقبولة والقيم الأخلاقية وقيم المواطنة، والرقي بشخصيتنا وقدراتنا المبدعة،من خلال هذا النموذج وغيره، وإصلاح شامل وعميق لوضعية البحث التربوي والعلمي في بلادنا (التطبيقي منه والأساسي)، حيث تنشأ مبدئيا النماذج وتتبلور الحلول وتنضج النظريات.

وانبرت مداخلة الدكتور عبد العزيز لحويدق، أستاذ التعليم العالي، والموسومةب”عقلنة الفعل البيداغوجي وأنسنته “إلى النفاذ للخلفية الإبستيمية للمشروع البيداغوجي للدكتور محمد الدريج الذي شكل منعطفا هاما في تاريخ التفكير الديداكتيكي في المغرب، إذ نقله من مرحلة التركيز على المحتوى والذاكرة إلى مرحلة الوعي بالأهداف والمقاصد والقدرة على تنزيلها إجرائيا في الفصول الدراسية وفق عمليات عقلانية تخطيطا وإنجازا وتقويما بنوع من التكامل والانسجام.

وبالرغم مما لوحظ على بيداغوجيا الأهداف من ملاحظات تهم بالأساس الجوانب السلبية الحافة بها كالسطحية، والتفكيك المفرط، والتنميط، يضيف الدكتور لحويدق، فإن محمد الدريج كان فطنا إلى تلك المزالق لأن سفر الأسس النظرية من الحقل الأكاديمي الأصلي إلى الحقل التربوي يقتضي التكيف مع المجال الهدف الذي محوره الإنسان في أبعاد شخصيته المتعاضدة في جوانبها الحسية الحركية والعقلانية والوجداني.

ومن ثم، يؤكد الباحث المحاضر، فأي تجديد لاينبغي أن يحدث قطيعة مع السلف البيداغوجي وذلك عملا بمنطق الاتصال والانفصال. وقد بدا هذا واضحا في كل المحاولات التجديدية اللاحقة إذ لم تستطع الانفكاك من نموذج بيداغوجيا الأهداف، وذلك ليس نقيصة وإنما هو ترصيد لما هو ضروري، وتغدية واستدراك بغية التجويد وتشييدفلسفة إنسانية تعد المواطن للحياة بتعقيداتها وما تتطلبه من قدرة على الابتكار والإبداع وحل المشاكل الطارئة، لأن الزمن المدرسي محدود وزمن الحياة ممتد،ومن هنا وجب التسلح بالمعارف والمهارات والقدرات وبالمنهج النقدي المرن القادر على اجتراح الأجوبة المناسبة للوضعيات الجديدة.

وخلص لحويدق، قائلا :”والحق يقال أن إسهام الدكتور محمد الدريج لم يفقد راهنيته، بل يعد مقدمة ضرورية لكل تجديد، وذلك انسجاما مع قولة مأثورة لأمين الخولي:”التجديد هو قتل القديم بحثا”.

وعرف الملتقى، تدخل كل من الدكتور محمد الدريج والأستاذة فوزية رفيق الحيضوري، اللذان ينتجان على مدارة معرفية واحدة، آثارا جديرة بالمتابعة والنقد، واستخلاص العبر.

وأفرد الدكتور الدريج في كلمته العميقة، جانبا ملهما في تجربة التحسيس بأهمية إيجاد وسائل بيداغوجية بديلة لإنتاج محتوى مائز لبناء أساسات متينة لمحاربة أو الحد من تداعيات الصعوبات التعليمة. وأكد المكرم على ضرورة انتقال الإصلاح التعليمي من مجرد التنظير إلى الإحفاز الفاعل على تدبير إشكالية خطيرة على المدرسة ومستقبل أبنائنا.

في حين اعتبرت الكاتبة فوزية رفيق الحيضوري، في كلمتها بالمناسبة، أن تجربتها في مراكز الاستماع، هي حصيلة معرفة وأفق مفتوح على كل واجهات العمل البيداغوجي والتربوي. مبرزة أفق الاعتماد على المكتسبات، وتقييمها من أجل غد أفضل.

نشير في الأخير، إلى أن اللقاء شهد توقيع كتاب “سارليكسيا بوح شفيف” للكاتبة فوزية رفيق الحيضوري، وكتاب “هل انتهى عهد البيداغوجيا؟”، بحضور كثيف ووازن تشكل من عديد وجوه ثقافية وأكاديمية وإعلامية .

***

مراكش - خاص

نظمت جمعية الأصيل للثقافة والفنون وجمعية آفاق الثقافية حفلا لتوقيع المجموعة القصصية "فحص مضاد" للأديب أبو الخير الناصري، وذلك مساء السبت 28 يناير 2023م، بمركز الحسن الثاني للملتقيات الدولية بأصيلة.

شارك في هذا اللقاء الذي سيره الأستاذ مصطفى البعليش الباحثون: الدكتور عبد المالك عليوي، والأستاذ محمد المودن، والأستاذ عبد الصمد مرون.

بعد كلمة ترحيبية للجمعيتين بالمناسبة، أُعطيَ  الكلمة الدكتور عبد المالك عليوي الذي اختار لكلمته العنوان "أبو الخير الناصري يمطر بوحا"، فقدم مجموعة من المفاتيح المساعدة على اكتشاف عوالم المجموعة من حيث لغتها، وأحداثها، وما تضمنته من أمكنة وأشخاص.

وقد أشار د.عليوي إلى أن هذا العمل يقدم فصولا من الحكي المشع بلغة شفافة، سلسة، تدعوك للوهلة الأولى إلى السفر بين روابي الاستعارات الناطقة بشعرية التفاصيل، وبحكايات شخوص وطباع أناس من القيعان الأصيلية وغير الأصيلية، وعادات و سلوكات بشرية قلما نعيرها اهتماما ونحن نمضي مع تشظي الزمان وانفصالاته القاتلة .

كما ذكر أن السارد في فضاء المجموعة يعيد ربطنا بأزمنة توارت وذاكرة متحركة تطبعها الحيوية، ولكن طابع الموضة والشرط التاريخي يجعل السارد مستمسكا بلغة الحنين، والمكان القابع في ذاكرة جمعية، تطارده عبر منعرجات الطفولة، والحاضر والمستقبل، هي حركة وجود يعشق ركوب فصول حلزونية تلقي به في أتون الحياة في سعتها وتقلباتها السريعة أملا في عشق الجمال وأملا في قبض فصل طويل من الحكي والحكي المضمخ برذاذ القيعان.

المداخلة الثانية كانت للأستاذ محمد المودن، وجعلها في محورين:

انطلق في المحور الأول من السؤال: "هل تخلى أبو الخير الناصري عن شخصية الناقد في عمله القصصي أم إن هذه الشخصية حاضرة في قصصه القصيرة؟".

وميّز في الإجابة عن السؤال بين من يمارس نقدا على العمل الأدبي وبين من يمارس نقدا من خلال النص الأدبي، وقال إن المجموعة المحتفى بها لا تخلو من ألوان من النقد الخفي وغير المباشر تدل على نضج المؤلف  الذي جعل النقد متكلما داخل فن القصة مع أنها من الفنون التي نعتها نورثروب فراي بأنها خرساء. واختار ذ. المودن عددا من قصص المجموعة لتحليلها وبيان المنزع النقدي فيها (دروب/ اختناق...).4764 الناصري

في المحور الثاني من مداخلته توقف المتدخل عند خصوصية المكان في المجموعة، واصفا إياه بأنه يؤدي أدوارا رئيسة، وذلك لأن أسماء الأمكنة في "فحص مضاد" ترتبط بتمثلات المتلقي، ولاسيما الأمكنة الحقيقية الموجودة بمدينة أصيلة (للا رحمة/ مدرسة ابن خلدون/ الطيقان/ حديقة محمد عابد الجابري/ سينما مكالي/ مقهى مكناس/ مقهى الأميرة/ مطعم الجوهرة/ CASA PEPE...)، وهي أمكنة لا تحمل الحدث فحسب، ولكنها تجعله حائكا لما يلي قراءة القصة من تأويلات واستحضار للذكريات.

وربط ذ.المودن المكان بالذاكرة، مقسما إياها إلى نوعين داخل المجموعة:

ذاكرة صادقة ارتبطت بذكريات عاشتها الشخصية وتم استرجاعها، فهي صادقة وترتبط في الغالب بمكان حقيقي تحركت داخله الشخصية في القصة،كاستحضار ذكريات مع الراحل محمد البغوري في مقهى الأميرة، وذكريات الطفولة مع بائع الكالينطي (قصة كليينطي)، وهذا النوع من الذكريات يؤسس أحداث القصة، أو يغير مجراها داخل المجموعة.

وذاكرة حالمة تحلق خارج نطاق الذكريات التي عاشتها الشخصية، فهي تمثل  ما كانت الشخصية تتمنى أن تعيشه، وهذا النوع من الذاكرة يلازم تفكير الشخصية ويرتبط بها ويشكل الحدث في القصة، ومثّل له المتحدث  بالقصتين "ليلة من حياة نادل" و"اختناق"، ليخلص من تحليل النصوص المذكورة إلى أن الذاكرة والمكان شكلا معا ثنائية تكاد تكون كيانا واحدا يضمن المؤلف من خلاله استمرارية  زمن وجود الشخص الأصيلي (ابن مدينة أصيلة).

أما الأستاذ عبد الصمد مرون  فانطلق من إشارات موجزة مكثفة عن عنوان المجموعة "فحص مضاد"، ولوحة غلافها، ثم قدم أربع ملاحظات على هامش المتن القصصي مزج فيها بين الحديث في شكل الخطاب ودلالته.

فقد نبه، أولا، على ارتباط الأحداث في قصص المجموعة بالواقع المعيش، مبينا أن الكاتب ينتزع بذرتها من الحياة أحيانا، ويضفي عليها ألوانا من التخييل كيما تستحيل عملا إبداعيا، وهي أحيانا محض تخييل، لكنه تخييل ممكن الحدوث، وهي إجمالا أحداث واقعية، يعزز واقعيتها أن بعض الأماكن حقيقية، وأن بعض الأشخاص من دم ولحم، بالإضافة إلى تعالقها بأحداث معروفة بأصيلة وخارجها كموسم أصيلة الثقافي الدولي.

وتحدث، ثانيا، عن أبطال قصص المجموعة، مبينا تعدد أنماطهم، ذاكرا نمط البطل/ المثقف الحامل لسمات النبل، والقادر على تقليب الأمور على وجوهها (كما في قصة "بسمة شرطي)، ونمط البطل الذي يخلع عن نفسه جلباب البطولة ليسلمه لشخص غيره (كما في قصة "تقرير لم يكتمل")، ونمط البطل/ المحتال الذي يتلاعب بمشاعر الآخرين لخداعهم والاستيلاء على مالهم (قصة دروب أنموذجا)، موازنا في ذلك كله بين نسبة حضور كل نمط من الأنماط الثلاثة.

وأبرز، ثالثا، هيمنة الراوي المتكلم (أنا) في أغلب نصوص المجموعة، مبينا قدرة هذا الضمير على  جعل القارئ يستشعر حميمية الذات (الأنا) بمشاعرها التي توهم بصدق الانفعال.

وتساءل، رابعا، عن الصلة بين شخصية الناقد والقاص في كتابات الدكتور أبو الخير الناصري، مؤكدا عنصر الانسجام بين كتاباته لانطلاقه من أسس واضحة، ولإدراكه خصوصية كل جنس تعبيري، مستدلا على ذلك بالموازنة بين كتاباته القصصية وكتاباته الفكرية والنقدية..مستخلصا أن قصص "فحص مضاد" تستنفر القارئ للتفكير فيما نعيشه، وتبني متخيلا حميميا، وتجعل من المألوف والمعتاد مساحة للتأمل والتفكير.

وفي كلمة أخيرة تحدث صاحب الكتاب الأديب أبو الخير الناصري عن ملامح من بداية صلته بالقصة والسرد منذ مرحلة الدراسة بالتعليم الثانوي الإعدادي، مشيرا إلى طابع الحكي الذي استمد بذرته مما كان يسمعه من مرويات والده، ومعددا بعضا من مقروءاته في القصة القصيرة ومظانها كمجلة العربي الكويتية، وجريدة العلم المغربية، والمجاميع القصصية لنخبة من الأدباء.

كما تحدث المحتفى بعمله عن محاولاته الأولى في الكتابة القصصية، وما لقيه من تشجيع من بعض أساتذته في مرحلة التعليم الثانوي، وذكر بداياته في نشر القصص والمشاركة بها في الأمسيات المخصصة لقراءة القصة، مبينا بذلك كله الطريق الذي سلكه قبل أن يجمع عددا من قصصه القصيرة بين دفتي "فحص مضاد"...

شارك في هذه الأمسية كذلك التلميذتان إخلاص أخزان وهبة قيسون بقراءة مختارات من المجموعة القصصية المحتفى بها، وتخللت اللقاء معزوفات موسيقية في الفن الكناوي من أداء فرقة الجمعية المغربية للحفاظ على التراث الكناوي بقيادة المعلم سعيد كويو، وأناشيد من أداء المطرب معاد دغنون، ليختم الحفل بتوقيع الكاتب نسخا من عمله لعدد من الحاضرين.

***

 

احتفت الأوساط الأدبية والثقافية والجامعية بالمفكر والأكاديمي العراقي الدكتور عبد الحسين شعبان، وذلك بدعوة من "اتحاد الكتاب العرب".

وقد استقبلت الدكتورة نجاح العطّار نائبة رئيس الجمهورية ووزيرة الثقافة الأسبق شعبان، كما التقى الدكتورة لبانة مشوّح وزيرة الثقافة السورية.

وكانت قاعة اتحاد الكتاب العرب بدمشق – المزّة قد اكتظّت بعدد كبير من المثقفين والأدباء والشخصيات العامة للاستماع إلى الأكاديمي والمفكر الدكتور شعبان الذي تحدّث عن كتابه "دين العقل وفقه الواقع"، في ندوة خصّصت لتقريظ الكتاب، والذي هو مناظرات مع الفقيه السيد أحمد الحسني البغدادي، حيث تناوله  كل من الأساتذة عمر زين الأمين العام لاتحاد المحامين العرب سابقًا والدكتور جورج جبور الرئيس الفخري للرابطة السورية للأمم المتحدة، والدكتور أحمد نزّال نائب الأمين العام لاتحاد الأدباء اللبنانيين، والدكتور بسام أبو عبد الله الدبلوماسي السابق والباحث بالقضايا الاستراتيجية.

هذا وقد التقى شعبان برئيس جامعة دمشق الدكتور محمد أسامة الجبان وعدد من المسؤولين في الجامعة، وتم الاتفاق الأولي على برنامج لمحاضرات وندوات وحلقات نقاش.

وكانت القيادات الفلسطينية قد رحّبت بوجود د. شعبان في الشام مشيدةً بمواقفه العروبية ومعتزّة بعلاقات الصداقة التاريخية التي تربطها معه، حيث التقى كل من الدكتور طلال ناجي الأمين العام للجبهة الشعبية – القيادة العامة، وخالد عبد المجيد الأمين العام لجبهة النضال الشعبي، وأبو أحمد فؤاد نائب الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، كما استقبل في مقر إقامته العديد من الشخصيات الإعلامية والثقافية السورية والعربية.

واختتم زيارته بحوار خاص وشامل أجرته معه أليسار معلّا للفضائية السورية، وغطّت وكالة أنباء سانا والصحف السورية بشكل عام تغطية كاملة لندوة اتحاد الكتاب العرب ونقلت ما جاء على لسان رئيس الاتحاد محمد الحوراني الذي قال: مرحباً بالأستاذ عبد الحسين شعبان الذي يتكلم عن الثقافة الجامعة وعن العروبة النقية التي تجمع أبناء الوطن على اختلاف طوائفهم وأديانهم وأعراقهم.

***

من عمّار علي - دمشق

- الفكر العربي المعاصر والتفلسف بالمطرقة مشروع كتاب يتناول فكر ماجد الغرباوي وتفكيك التراث

- (نُقَّاد يسلطون الضوء على جيل من المفكرين المُجَدِّدين

(المفكر التجديدي ماجد الغرباوي نموذجا)

يعتبر المفكر العراقي ماجد الغرباوي من المفكرين الثلاثة الذين ارتبط فكرهم بإعادة دراسة التراث وتفكيكه وهم: (حسن حنفي، محمد أركون ومحمد عابد الجابري)، إلا أن هذا الجيل كما يقول الدكتور قادة جليد وهو أستاذ بجامعة وهران لم ينل حظه من المتابعة الفكرية من قبل الباحثين والنقاد، رغم ما قدموه من جهود فكرية، بحيث لم يجد فكره انتشارا في الأوساط الأكاديمية والجامعية خاصة في المغرب العربي، لدرجة أن الكثير منهم يجهل اسم ماجد الغرباوي في الساحة الفكرية من المغاربة وهو الذي قدم دراسات عميقة حول التراث وشخّص أزماته وأعطى البدائل التاريخية للتراث.4698 ندوة الجزائر

المفكر العراقي ماجد الغرباوي من مواليد 1954 وفي ظل انتشار الفكر الشمولي والمذهبي في عهد صدام حسين هاجر إلى أستراليا ومارس البحث وأسس مؤسسة المثقف ومن خلالها ساهم في بعث النهضة الثقافية العربية نال خلالها مجموعة شهادات وأوسمة. اشتمل منجزه الفكري على مجموعة كتب تحت عناوين مختلفة: التسامح ومنابع اللاتسامح.. فرص التعايش بين الأديان والثقافات / إشكاليات التجديد / الحركات الإسلامية.. قراءة في تجليات الوعي / الضد النوعي للاستبداد.. استفهامات حول جدوى المشروع السياسي الديني / جدلية السياسة والوعي / تحديات العنف / النص وسؤال الحقيقة.. نقد مرجعيات التفكير الديني / الهوية والفعل الحضاري / مواربات النص / الفقيه والعقل التراثي / مضمرات العقل الفقهي / تحرير الوعي الديني / المرأة وآفاق النسوية / تراجيديا العقل التراثي / المقدس ورهان الأخلاق.

كتب عن منجزه الفكري والثقافي والأدبي عدد من النقّاد والباحثين، عرب وأجانب. كما صدرت عنه ثلاثة كتب للدكتور صالح الرزوق والدكتور محمود محمد علي والدكتور صالح الطائي. كما تُرجم كتابه التسامح ومنابع اللاتسامح إلى  اللغة الفارسية.

الفكر العربي المعاصر والتفلسف بالمطرقة

الفكر العربي المعاصر والتفلسف بالمطرقة كان موضوع ندوة فكرية نظمتها المكتبة الولائية للمطلعة العمومية بولاية معسكر غرب الجزائر قدمها الدكتور قادة جليد ومن تنشيط الأستاذ فؤاد النجار، سلط فيها المحاضر الضوء على الفكر العربي وأجياله. وموضوع الندوة هو عبارة عن مشروع كتاب يصدر في سنة 2024 يتناول فكر المفكر التجديدي ماجد الغرباوي ووضعه داخل إطاره التاريخي. يقول الدكتور قاد جليد: مع مطلع القرن الثامن عشر، شهدت الساحة الفكرية بروز جيلين من المفكرين، الجيل الأول ظهر مع بداية النهضة العربية ويمثله الطهطاوي، الكواكبي، الأفغاني ومحمد عبده وغيرهم، وهو جيل سمي بجيل الصدمة التاريخية فيه أدرك العرب تخلفهم وأدركوا المسافة البعيدة بينهم وبين الغرب، من هنا بدأ التساؤل حول لماذا تخلف المسلمون وتأخر غيرهم؟، ثم ظهر جيل جديد، وهو الجيل الثاني الذي طرح سؤال النهضة. وذكر المحاضر أسماء من هذا الجيل كالشبيل شملي، سلامة موسى، طه حسين، ووصل إلى المفكرين المعاصرين كمحمد أركون حسن حنفي وآخرون.

واعتبر المتحدث د. قادة جليد أن المفكر العراقي ماجد الغرباوي من المفكرين الثلاثة الذين ارتبط فكرهم بإعادة دراسة التراث وتفكيكه وهم: (حسن حنفي، محمد أركون ومحمد عابد الجابري)، إلا أن هذا الجيل كما يقول الدكتور قادة جليد وهو أستاذ بجامعة وهران لم ينل حظه من المتابعة الفكرية من قبل الباحثين والنقاد، رغم ما قدموه من جهود فكرية، بحيث لم يجد فكرهم انتشارا في الأوساط الأكاديمية والجامعية خاصة في المغرب العربي، وهو ما اعتبره جحودا في حق المشارقة الذين أعطوا مساحة خاصة للمفكرين المغاربة، لدرجة أن الكثير منهم يجهل اسم ماجد الغرباوي في الساحة الفكرية من المغاربة وهو الذي قدم دراسات عميقة حول التراث وشخّص أزماته وأعطى البدائل التاريخية لأزمات هذا التراث.

الإنسان العربي ومرجعيات التراث4701 ندوة الجزائر

من وجهة نظر الدكتور قادة جليد فإن الإنسان العربي لا يفكر إلا بمرجعيات التراث الذي أصبح يؤطر الإنسان العربي في فكره، ولذا يحاول المفكر ماجد الغرباوي أن يحدد علاقة الإنسان بتاريخه وهي رؤية ماضوية تقرأ بعقول أعدت للماضي، في الوقت الذي عرف الإنسان الغربي أو الأوروبي إن صح التعبير كيف يطور نفسه ولم يبق حبيس ماضيه، فمشروع الغرباوي إذاً يختلف عن الرؤية التغريبية والرؤية الاستشراقية التي يدعوا أصحابها إلى القطيعة مع الماضي، بل هو (أي الغرباوي) يدعو إلى القطيعة مع فهم معين للتراث وليس مع النص المقدس، فالغرباوي في نقده التراث والقداسة يفرق بين الدين والنص الديني، والمشكلة كما يضيف المحاضر هي في الفكر الديني، لدرجة أن الخطاب الديني أصبح ينافس النص المقدس. يقدم الدكتور قادة جليد مثالا عندما تحدث عن بعض الغلاة الذين جعلوا من صحيح البخاري نصا مقدسا بل جعلوه أقدس من القرآن نفسه، وهذا الذي ينتقده ماجد الغرباوي في دراساته.

 من خلال ما جاء في ندوة الدكتور قادة جليد يُفْهَمُ من كلامه أن هناك وجهات تقارب بين ماجد الغرباوي ومحمد أركون، هذا الأخير يسميها بالمدونات النصية الرسمية المغلقة، حيث أخذت طابع القداسة وأطلق عليها اسما آخر وهو السياج الدوغماتي، وهذا أخر تطور الفكر العربي، فالغرباوي يدعو إلى أرخنة التراث وعقلنته ويقول أن النص الديني شيء والفكر الديني شيء آخر، فهذا الفكر نشأ تاريخيا على فهم معين للنصوص الدينية، السؤال الذي طرحه الدكتور قادة جليد: كيف يستطيع الغرباوي بفكره أن يحول التراث إلى نسبي بعد أن كان مطلقا؟، الجواب هو أن الغرباوي من خلال دراساته بين أن المشكلة ليست في النص الديني المقدس وإنما في النصوص المتأخرة التي تشكلت على النص الأول المقدس وانتزعت منه القداسة، هذا الفكر الديني الذي أنتج العنف والإرهاب (داعش).

في هذه الندوة حاول المحاضر تبسيط الأفكار التي ماتزال موضع جدل وصراع بين الحداثيين والأصوليين وقال أن الصراع هو فكري محض، مشيرا بالحديث عن المثلث الأنثروبولوجي الذي تحدث عنه كل من محمد أركون وماجد الغرباوي ليبين مدى تقارب فكرهما، وقد سماه محمد أركون بالعقل الأرثوذكسي، أما عن المرجعيات التي وصفها المحاضر بالصامتة يحاول الغرباوي تفكيكها باستعمال منهجيات معاصريها دون أن يشير إليها مثل منهج التفكيك والتفلسف بالمطرقة التي تحدث عنه نيتشه، أو المنهج الأركيولوجي لميشال فوكو.4700 ندوة الجزائر

 يتفق الغرباوي وأركون من حيث تحليل التاريخ الاسلامي والثقافة الاسلامية حول مفهوم أساسي وهو الجهل المؤسس بالاضافة الى الجهل المقدس للفيلسوف الفرنسي أوليفي روا، لأن هذا الجهل هو الذي أنتج وينتج العقل الأرثوذكسي الذي يقوم على المثلث الأنثروبولوجي (الحقيقة، المقدس، العنف).

ويبدو من خلال رؤية الدكتور قادة جليد للفلسفة الغرباوية بأن ماجد الغرباوي مفكر تجديدي بامتياز بحيث استطاع أن يقفز على كل الاتجاهات الفكرية ليقدم صورة حقيقية للفكر العربي وأسباب تأخره، وهو ما أراد المحاضر تبسيطه بل إيصاله إلى المثقف العربي عندما تساءل عن سبب غيابه عن الساحة الفكرية عندما اختتم محاضرته بالقول أن المشكلة هي مشكلة مثقفين ونحن نفتقر إلى المثقف العضوي والمثقف الثوري، فالفكر كما قال هو ثوريٌّ في طبيعته ولابد أن تكون للمثقف الجرأة على قول الحقيقة وملامسته الجرح.

كانت هذه ندوة الدكتور قادة جليلد، بثت عبر شريط فيديو والحقيقة أن هناك باحثين ومفكرين وفلاسفة اشتغلوا في الفكر الديني وأسسوا منهجا فكريا لموضوعاتهم، إلا أنهم واجهوا مشاكل كثيرة أمام المحدثين قبلهم في حقب التاريخ الإسلامي، حيث طرحوا أسئلة تتعلق بكيفية التوفيق بين خطاب العقل وخطاب العاطفة ومدى تحكم العاطفة في هذا العقل، كما تساءلوا عن العلاقة بين الدين والعقل والعلاقة بين الدين والسياسية والتوفيق بينهم من أجل إعطاء الصفة العلمية للتفكير الديني أو الفكرة الدينية التي تحدث عنها المفكر الجزائري مالك بن نبي وآخرون، كانت هناك مقاربات بين الاتجاه الكلامي (من طبقات المتكلمين من سُنّة وشِيعَةٍ ومعتزلة وبعض الفرق الإسلامية) والاتجاه الفلسفي والاتجاه الصوفي العرفاني الذي تجاوز العقل ويقابله الاتجاه العلماني، هكذا وقعت صراعات وأزمات حول النص المقدس ولعل السبب في ذلك هو غلق باب "الاجتهاد”، حيث بقيت بعض الجماعات الإسلامية تجتر نصوصا منذ قرون دون إخضاعها للتحليل ويراد بذلك الذين يسمونهم بـ: “الغوغائيين” الذين لهم فهم تقديسي لكل ما يمس الدين حتى ظهر مُقَدَّسٌ ثالث هو “التراث” وهي النصوص التي استعملت النص المقدس.

والتراث في مفهومه العام هو كل الرؤى والأفكار والخبرات والإبداعات الخاصة بالمنتجات، فنشأت صراعات أيضا بين التراث (الأصالة) والحداثة والهوية في ظل نظام فكري حَجَبَ الواقع لصعوبة تحليل الواقع وخصوصيته، فيما أطلق عليه اسم "الإيديولوجيا"، وليس محمد أركون وحده الذي يذهب في الاتجاه التجديدي بل نقف مع المفكر الجزائري مالك بن نبي أيضا، حيث نلمس اهتمام مالك بن نبي بالفكر الديني من خلال مؤلفاته التي تركها لاسيما الظاهرة القرآنية، شروط النهضة، وجهة العالم الإسلامي، بين الرشاد والتيه وغير ذلك، كل هذه الكتب تناولها بالتحليل منذ عهد النبي إلى العصر الحديث الذي تميز بظهور الحركات المذهبية والطوائف التي أعطت للفكر الديني تفسيرات مختلفة لكيفية تشكل الوعي الإسلامي لدى الأفراد وقد قارن مالك بن نبي بين المجتمع النبوي الموحد وبين المجتمع المفكك اجتماعيا مجتمع خضع للاستعمار طيلة عقود من الزمن، حيث ارتبط عاطفيا بالدين، بحيث لم يكن له رصيدا لغويا يجعله يفهم الخطاب القرآني فهما صحيحا.

4699 ندوة الجزائر

هذا وكانت المكتبة الرئيسية للمطالعة العمومية لولاية معسكـر، بالتنسيق مع نادي بيت الحكمة للفكر والأدب والفنون لولاية معسكر تنظم، ندوة فكرية بعنوان:

"الفكر العربي المعاصر والتفلسف بالمطرقة.. ماجد الغرباوي "أنموذجاً"

تقديم: الأستاذ الدكتور قادة جليد

تنشيط: الأستاذ فؤاد النجار

يوم الجمعة 23 ديسمبر 2022

على الساعة 16:30 مساءً

 

بمقر المكتبة الرئيسية

وقد حضر الندوة التي تحدث فيها الاستاذ الدكتور قادة جليد عن المنجز الفكري لماجد الغرباوي لفيف من المثقفين واساتذة الجامعات في مقدمته البروفسور نابي بولي استاذ الفلسفة الاسلامية في جامعة معسكر، ودار حوار بين المتحدث والحاضرين.

***

متابعة علجية عيش

 للطلاع على الفديو

 https://www.youtube.com/watch?v=6nO3SkHXCJw

 

الأديبة مروة كريدية تستضيف لقاءً ثقافيًّا

تامبا، فلوريدا

احتفاءًا باليوم العالمي للغة العربية استضافت الأديبة اللبنانية مروة كريدية بدارتها في تامبا، لقاءا ثقافيًّا حضرته سيدات من الجالية العربية في فلوريدا، تناول "واقع تعليم اللغة العربية في الولايات المتحدة الأميركية" والتحديات التي تواجه أبناء المهاجرين الناطقين بها، كما ألقت كريدية بعضًا من قصائدها الوجدانية الواردة في روايتها " على دروب الصفاء"، وشمل الحفل عرضًا فنيًّا للقدود الحلبية والموشحات الاندلسية الزاخرة بالإرث الصوفي البديع .

وحول أهميّة هذا الحفل قالت كريدية:" إيقاع الحياة المتسارع في الولايات المتحدة يجعل من اللقاءات لا سيما العربي والثقافي منها أمرًا نادرًا على الرغم من أهميتها على الصعيدين الفردي والمجتمعي. فهي تساعد المرء ان يبقى على تواصل مع لغته الأم ومفرداته الثقافية القابعة في أعماق الوجدان . واللغة هي السفير الأول للثقافة والرسالة العابرة للتواصل بين الأمم والشعوب، وبطبيعة الحال فإن كثيرًا من أبناء الجيل الثاني أو الثالث من أبناء المهاجرين ممن يعرفون بعضًا من اللغة العربية الدارجة، يجدون صعوبة في فهم اللغة العربية الفصحى، وهذه اللقاءات على بساطتها تساعد في تعزيز الذائقة اللغوية والفنيّة واستشعار جمالية العبارة وغناها من جهة، كما تفتح المجال للتواصل ومناقشة العديد من التحديات بالترفيه والفنون "

 وعن وضع المثقف العربي في المهجر أجابت بالقول:" الفرص التي تمنحها حرية التعبير والتفكير كحقٍّ أصيل للمواطن الأميركي يجعل الانسان أكثر تألقًا وإبداعًا، حيث يبدع في مجال الفنون والآداب ويعالج الموضوعات دون الخشية من مقص الرقيب. لكن الأمر يتعلق بالقارئ والمتلقي أيضًا، فالسؤال المحوري الذي ينبغي أن نطرحه هو: إلى من يتوجّه الأديب المهجري الذي يكتب باللغة العربية في كتاباته؟

فهل هو يتوجه الى القارئ في البلاد العربية أم الى المُهاجر العربي في بلاد الاغتراب؟ وفي كلتا الحالتين غالبًا ما يبقى انتاجه الأدبي في إطار الهواية والرغبة الشخصية والشغف الفني والجهد الفردي، لذلك فإن معظم الكتاب والرسامين والمثقفين العرب في أميركا، يعملون للكسب المادي في ميادين عمل متنوعة غالبًا ما تكون بعيدة عن المجال الثقافي، لا سيما وانّ معظمهم غادر بلاده في مرحلة مبكرة بمقتبل الشباب. لذلك فإن انتاجه الفكري ولو كتب بالعربية يبقى "غير معروف " في بلاده الأم، ما لم تتبناه دور نشر قوية لها امتدادها وعلاقاتها العامة عربيا ودوليًّا ."

 وحول فرصة نجاح الكاتب العربي الذي انتقل حديثًا الى وطن جديد قالت:" إن كان الاديب شغوفًا بالكتابة فليكتب باللغة الاجنبية لا العربية، لأن فرص نجاحه وسعة انتشار كتاباته، علاوة على الحقوق المادية التي تتيحها له دور النشر الأجنبية، أفضل بما لا يقارن في الدول العربية، والأمثلة على ذلك كثيرة جدًا، وكثير من الأدباء في المهجر لم يكرموا في بلادهم الأصلية الى بعد أن كتبوا بلغات اجنبية واحتفت بهم اوطانهم الجديدة، ثم تُرجمت اعمالهم فيما بعد الى العربية، او هم عاودوا الكتابة وصياغة أعمالهم باللغة العربية، وجبران خليل جبران ومعظم ادباء تلك المرحلة خير مثال على ذلك، اما الأمثلة الحديثة المعاصرة فكثيرة جدًّا أيضًا فالشاعر صلاح ستيتية خط الروائع باللغة الفرنسية، فيما كثير من اللبنانيين لا يعرفون عنه شيئًا حتى وفاته اواسط 2020، وكذلك أمين معلوف الذي غادر لبنان في السبعينيات الى فرنسا وألّف العديد من الروائع باللغة الفرنسية وتألق في أوروبا، وغيرهما الكثير من المبدعين الذين لا يعرف عنهم العالم العربي ما لم تكرمهم أوطانهم الجديدة "

وقد عبّر الحضور عن سعادتهم في هذا الحفل آملين بأن يتحول إلى لقاء دوري، وقد علقت إحدى المدعوات على أهمية ذلك بالقول: "كجاليات مهاجرة في بلاد الاغتراب نشعر بالحنين لأي شيئ يذكرنا بعاداتنا القديمة واغنياتنا التراثية، كما نشعر بالرغبة في المساعدة والحسرة البالغة لما آلت اليه الأمور في بعض الدول العربية لجهة تراجع الحريات والاوضاع المعيشية هناك . لذلك فإن دورنا مزدوج، فمن جهة نرغب في نقل تجاربنا الناجحة إلى ابناء دولنا العربية، ومن جهة أخرى نحب أن نشارك المجتمع الأميركي الذي نحن جزء منه، بثقافتنا الجميلة، وبالتأكيد فإن اللغة هي المحور الأول الذي ينبغي تعزيزها كذلك الفن والأدب لأنها كالمحبة تبقى خير رسالة في كل الأحوال."

وكانت الأمم المتحدة قد اعتمدت الاحتفال باليوم العالمي للغة العربية في 18 كانون الأول/ ديسمبر من كل عام، وهو اليوم الذي صدر فيه قرار الجمعية العامة سنة 1973 المعني بإدخال اللغة العربية ضمن اللغات الرسمية ولغات العمل في الأمم المتحدة. ويهدف الى إذكاء الوعي بتاريخ اللغة وثقافتها وتطورها من خلال إعداد برنامج أنشطة وفعاليات خاصة.

الجدير ذكره أن مروة كريدية هي كاتبَة وأديبة لبنانيّة مقيمَة في الولايات المتّحدة الأميركية، حازت على عديد من شهادات التقدير لجهودها، كان آخرها إدراج إسمها على نُصب التسامح في ولاية ألاباما الأمريكية، الذي يكرم المدافعين عن القيم الإنسانية والسلام ويشرف عليه مركز الحقوق المدافع عن الحريات ومكافحة العنصرية وخطابات الكراهية. لها العديد من الإصدارات الفكرية منها: على دروب الصفاء، حوارات وآفاق، رهانات السلام، استراتيجيات الأمل في عصر العنف، عواصف النسيان، لوامع من بقايا الذاكرة .

***

 

رابطة كاتبات المغرب، فرع المحمدية

قهوة وكتاب: تقديم مجموعة "حلم امرأة مضحك" لرجاء بسبوسي

نظمت رابطة كاتبات المغرب فرع المحمدية لقاء ثقافيًا تحت عنوان "قهوة وكتاب" مع الكاتبة القاصة المغربية رجاء بسبوسي من أجل تقديم مجموعتها القصصية الجديدة "حلم امرأة مضحك"، يوم الأربعاء 19 أكتوبر 2022، ساهمت فيه كاتبات ومبدعات من حيث التسيير والقراءة، الأستاذة نجوى مصلية، والأستاذة حفيظة العناوي، والأستاذة سومية سعود (مسيرة اللقاء)، والأستاذة أمينة سبيل، كما عرف اللقاء حضور جمهور نوعي من المبدعات من داخل مدينة المحمدية ومن خارجها.

بعد الكلمة الترحيبية التي ألقتها عضو المكتب التنفيذي للرابطة الأم الأستاذة أمينة سبيل التي رحبت فيها بالحضور وبالكاتبة المحتفى بها، تحدثت عن مبادرات متعددة للرابطة وخاصة المؤتمر التأسيسي لرابطة كاتبات إفريقيا الذي سيتم تنظيمه يوم 9 مارس 2023، وعن مشاريع الرابطة المستقبلية وعن نجاحها في استقطاب الكاتبات والمبدعات على مستوى المغرب وخارجه.4419 رجاء بسبوسي

تميزت مداخلة الأستاذة الكاتبة نجوى مصلية رئيسة فرع المحمدية في الرابطة، والتي توقفت فيها على أهم ما جاء في المجموعة القصصية، حيث تطرقت إلى نصوصها بشكل مسهب تحليلي، مؤكدة على أن القارئ للمجموعة سيستشف أنها نصوص ذات حمولات قيمية ووجودية واجتماعية؛ وأن ما يشد القارئ فيها هو العنوان باعتباره نصا موازيًا. فالعنوان "حلم امرأة مضحك" والذي هو في الوقت عنوان أحد نصوص المجموعة، فيه تناص مع رواية "حلم رجل مضحك" للكاتب الروسي فيودور دوستويفسكي. فالدلالة مختلفة، تقول الأستاذة نجوى، فالمضحك في عنوان دوستويفسكي هو الرجل، لكن في المجموعة هو الحلم بحد ذاته، وجنس الحالم في العنوانين مختلف (رجل في مقابل امرأة). إن ما ميز المداخلة المذكورة هو وقوفها على جميع نصوص المجموعة كل نص على حدة بالتحليل والقراءة وسبر أغواره وأسراره الدلالية؛ إضافة إلى أهم الأفكار التي استحضرتها الكاتبة وقدمتها لقارئها؛ حيث أكدت المتدخلة في نهاية قراءتها أن رجاء بسبوسي كانت وفية لقضايا تهم المرأة سواء من خلال ما تم التطرق إليه من نصوص أم من خلال قصص تلامس جانبها الوجداني.

تساءلت الأستاذة الشاعرة حفيظة العناوي نائبة رئيسة فرع المحمدية في الرابطة، عما يتعلق بالقاطع أم اللعبة السردية واللغوية في المجموعة المحتفى بها غاية في إثارة وإيقاظ شغف البحث عما يجمع بين المجموعة القصصية وبين أقصوصة الروائي دوستويفسكي؛ فعلاقة استبدال حلم رجل بحلم امرأة تدفع القارئ إلى طرح السؤال: هل يتعلق الأمر بنرجسية نسائية تحاول محو الرجل لتتربع على عرش السرد وبالتالي لتغوص في حلمها الخاص؟ بل تساءلت عن سبب اختيار الكاتبة إسناد صفة المضحك للحلم وليس للرجل كما هو الشأن عند دوستويفسكي؟ فقراءة المجموعة، حسب الأستاذة حفيظة، تجعل القارئ(ة) يتحلق حول جميع نصوصها بشكل قوي ومثير، يدفعه إلى الوقوف على أفكار ومواقف الكاتبة من العديد من القضايا الاجتماعية وأهمها قضية المرأة بشكل خاص.

في رد الكاتبة رجاء بسبوسي على المداخلتين السابقتين، تحدثت عن تجربتها في الكتابة الأدبية، وفي القصة القصيرة وردود أفعال أصدقائها وزملائها في العمل والحياة؛ خاصة عند تحولها من كتابة الشعر إلى القصة، وكأنها اقترفت جرمًا أو ذنبًا. وبخصوص كتابة نصوص المجموعة فقد كانت على فترات متباعدة حاولت فيها أن تعبر عن هواجسها تجاه قضايا معاصرة قد تبدو في ظاهرها أنها تخص المرأة ولكنها في العمق تعكس قضايا الإنسان في بعده الكوني.

اثناء المناقشة تنوعت المداخلات حول مواقف المرأة المغربية المثقفة من قضيتها الأساسية المتعلقة بحقوقها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، إضافة إلى استحضار المواقف والأفكار التي عالجتها نصوص المجموعة في تحديد القضايا المطروحة في الواقع المغربي والعربي عمومًا والتي تؤرق فئات متعددة فيهما على المستوى الوعي والسلوك والفهم.

***

عزيز العرباوي: كاتب

مُنحت يوم الثالث من شهر تشرين أول/ أكتوبر 2022 جائزة نوبل في علم وظائف الأعضاء أو الطب للباحث السويدي “سفانتي بابو” لعمله وبحوثه في مجالات علوم التطور البشري.

وقالت اللجنة الخاصة بالجائزة إن العالم بابو قام بالمهمة “التي تبدو مستحيلة”، وهي العمل على الشفرة الجينية الوراثية لإنسان نياندرتال، أحد أقاربنا المنقرضين . كما قام بابو أيضًا بعمل “مثير” لأكتشاف أشباه البشر غير المعروفة سابقًا – والمسماة دينيسوفا.

وقد ساعدت أكتشافات الحائز على النوبل في الطب في أستكشاف تاريخ البشر التطوري وكيف صار عليه حال الأنسان في جميع أنحاء الكوكب.

والأهم من ذلك، حسب تقرير لجنة جائزة نوبل في الطب فقد وجد بابو Pääbo أيضًا أن نقل الجينات قد حدث من أشباه البشر المنقرضة الآن إلى الإنسان العاقل بعد الهجرة من إفريقيا منذ حوالي 70000 عام. هذا التدفق القديم للجينات إلى البشر المعاصرين له صلة فسيولوجية/وظيفية اليوم، على سبيل المثال في التأثير على كيفية تفاعل جهاز المناعة لدينا مع العدوى.

ومما لا غرابة فيه فأن الأنسان ظل مفتونا بأصوله، فلطالما تتردد الأسئلة: من أين أتينا، وما علاقتنا بمن سبقنا؟ ما الذي يجعل الإنسان العاقل مختلفا عن أشباه البشر الآخرين؟..

وقد أدى بحث  بابو الأساس إلى ظهور نظام علمي جديد تمامًا وهو علم الحفريات القديمة. فمن خلال الكشف عن الأختلافات الجينية الوراثية والتي تميز جميع البشر الأحياء عن أشباه البشر المنقرضة، توفرت الأدلة المهمة والأساس لأستكشاف ما يجعلنا بشرًا فريدًا.

ولكن…من أين أتينا؟

وفيما مسألة أصل البشر وما الذي يجعلنا متفردين، فأن علم الحفريات وعلم الآثار مهمان لدراسات التطور البشري. لقد قدمت الأبحاث دليلاً على أن الإنسان الحديث تشريحياً، Homo sapiens ، ظهر لأول مرة في إفريقيا منذ حوالي 300 ألف عام، في حين أن أقرب أقربائنا المعروفين، إنسان نياندرتال ، تطور خارج إفريقيا وسكان أوروبا وغرب آسيا من حوالي 400 ألف عام حتى 30 ألف عام مضت، حيث أنقرضوا عند هذه الفترة من التاريخ.  ومنذ حوالي 70000 عام، هاجرت مجموعات من الإنسان العاقل من إفريقيا إلى الشرق الأوسط، ومن هناك أنتشروا إلى بقية أنحاء العالم. وهكذا تعايش الإنسان العاقل والنياندرتال في أجزاء كبيرة من أوراسيا لعشرات الآلاف من السنين.

 ولكن ماذا نعرف عن علاقتنا مع البشر البدائيين المنقرضين؟ قد يتم أشتقاق القرائن من المعلومات الجينومية الوراثية. فبحلول نهاية التسعينيات، كان الجينوم البشري بأكمله تقريبًا قد تم تسلسله. كان هذا بحد ذاته إنجازًا كبيرًا، مما سمح بإجراء دراسات لاحقة للعلاقة الوراثية بين مختلف المجموعات البشرية. ومع ذلك، فإن دراسات العلاقة بين البشر الحاليين والنياندرتال المنقرضين تتطلب تسلسل الحمض النووي الجيني المستعاد من العينات القديمة.

مهمة تبدو مستحيلة

في بداية حياته المهنية، أنبهر الباحث السويدي بابو بإمكانية أستخدام الأساليب الجينية الحديثة لدراسة الحمض النووي لإنسان نياندرتال. ومع ذلك، سرعان ما أدرك التحديات التقنية الشديدة، لأنه مع مرور الوقت يصبح الحمض النووي معدلًا كيميائيًا ويتحلل إلى أجزاء قصيرة. وبعد آلاف السنين، لم يتبق سوى كميات ضئيلة من الحمض النووي، وما تبقى ملوث بشكل كبير بالحمض النووي من البكتيريا والبشر المعاصرين. كطالب ما بعد الدكتوراه مع ألان ويلسون، وهو رائد في مجال علم الأحياء التطوري ، بدأ بابو في تطوير طرق لدراسة الحمض النووي من إنسان نياندرتال، وهو مسعى أستمر عدة عقود.

في عام 1990، تم تعيين بابو في جامعة ميونيخ، حيث واصل عمله كأستاذ تم تعيينه حديثًا على الحمض النووي القديم. وقد قرر حينذاك تحليل الحمض النووي من “ميتوكوندريا” إنسان نياندرتال – عضيات في الخلايا التي تحتوي على الحمض النووي الخاص بها-.

ومن المرعوف فإن جينوم الميتوكوندريا صغير ولا يحتوي إلا على جزء بسيط من المعلومات الجينية في الخلية، ولكنه موجود بآلاف النسخ، مما يزيد من فرصة النجاح. وبفضل أساليبه المحدّثة، تمكن  بابو من ترتيب منطقة من الحمض النووي للميتوكوندريا من قطعة عظم عمرها 40000 عام. وهكذا، ولأول مرة، تمكنا من الوصول إلى تسلسل من قريب منقرض. أظهرت المقارنات مع البشر المعاصرين والشمبانزي أن إنسان نياندرتال كان متميزًا وراثيًا.

تسلسل جينوم الإنسان البدائي

نظرًا لأن تحليلات جينوم الميتوكوندريا الصغير أعطت معلومات محدودة فقط، فقد أتخذ بابو الآن التحدي الهائل المتمثل في تحديد تسلسل الجينوم النووي لإنسان نياندرتال. في ذلك الوقت، عُرضت عليه فرصة إنشاء معهد ماكس بلانك في لايبزيغ بألمانيا.

في المعهد الجديد، قام بابو وفريقه العلمي بأجتهاد واضح لتحسين طرق عزل وتحليل الحمض النووي من بقايا العظام القديمة. وقد أستغل فريق البحث التطورات التقنية الجديدة، التي جعلت تسلسل الحمض النووي عالي الكفاءة، كما أشرك بابو العديد من المتعاونين المهمين من ذوي الخبرة في علم الوراثة السكانية وتحليل التسلسل المتقدم، وقد كانت جهوده ناجحة فعلا.

لقد أنجز بابو ما يبدو مستحيلًا، حيث تمكن من نشر أول تسلسل جينوم لإنسان نياندرتال في عام 2010. وقد أظهرت التحليلات المقارنة أن أحدث سلف مشترك لإنسان نياندرتال والإنسان العاقل عاش منذ حوالي 800 ألف عام.

جائزة نوبل في الفيزياء

أما جائزة نوبل في الفيزياء لعام 2022 فقد منحت يوم الرابع من شهر تشرين أول/أكتوبر لكل من آلان أسبكت (فرنسا) وجون إف كلوزر(أميركا) وأنتون زيلينجر (النمسا) وذلك “لإجراء تجارب مع الفوتونات المتشابكة، وإثبات أنتهاك مبدأ (عدم مساواة بيل) والريادة في علم المعلومات الكمية أو الكمومية “.quantum information science,وعليه يمكن القول أن نتائج بحوث فريق العلماء الثلاثة قد مهدت الطريق لتكنولوجيا جديدة تعتمد على المعلومات الكمومية.

فلقد أجرى آلان أسبكت وجون كلاوزر وأنتون زيلينجر تجارب رائدة بأستخدام حالات كمومية متشابكة، حيث يتصرف جسيمان كوحدة واحدة حتى عند فصلهما. ومن المعروف في كيمياء الكم أنها تعبر عن مجموع نظريات الفيزياء والتي يمكن عن طريقها تفسير الظواهر على مستوى الجسيمات الدقيقة الذرية وما دون الذرية.. وهي بذلك تدمج بين الخاصية الموجية والخاصية الجسيمية، ليتوضح ما نسميه علميا بأزدواجية الموجة.

لقد بدأت التأثيرات التي لا توصف لميكانيكا الكم في إيجاد تطبيقاتها الخاصة حيث يوجد اليوم مجال بحث كبير يشمل أجهزة الكمبيوتر الكمومية، والشبكات الكمية، والأتصالات الآمنة المشفرة الكم.

ومن المعروف فأن أحد العوامل الرئيسة في هذا التطور هو كيف تسمح ميكانيكا الكم لجسيمين أو أكثر بالتواجد فيما يسمى بحالة التشابك، فما يحدث لأحد الجسيمات في زوج متشابك يحدد ما يحدث للجسيم الآخر، حتى لو كانا متباعدين.

وقد كان السؤال المطروح ومنذ فترة طويلة هو ما إذا كان الأرتباط ناتجًا عن أحتواء الجسيمات في زوج متشابك entangled pair على متغيرات خفية، وتعليمات تخبرهم بالنتيجة التي ينبغي عليهم تقديمها في التجربة. ففي الستينيات من القرن الماضي، طور العالِم جون ستيوارت بيل عدم المساواة الرياضية التي سميت بأسمه. حيث ينص هذا على أنه في حالة وجود متغيرات مخفية، فإن الأرتباط بين نتائج عدد كبير من القياسات لن يتجاوز أبدًا قيمة معينة. ومع ذلك، تتنبأ ميكانيكا الكم بأن نوعًا معينًا من التجارب سوف ينتهك عدم مساواة بيل، مما يؤدي إلى أرتباط أقوى مما يمكن أن يكون ممكنًا.

وقد طور جون كلوزر (الفائز بنوبل الفيزياء اليوم) أفكار جون بيل، مما أدى إلى تجربة عملية، فعندما أجرى القياسات، كان قد عززت نتائجها تلك مبدأ ميكانيكا الكم من خلال أنتهاك واضح لعدم المساواة في بيل. وهذا يعني أنه لا يمكن أستبدال ميكانيكا الكم بنظرية تستخدم المتغيرات الخفية.

ولكن بقيت بعض الثغرات بعد تجربة جون كلوزر. وهنا طوّر ألان أسبكت الإعداد أوsetup ، مستخدمًا إياه بطريقة أغلقت ثغرة مهمة. فقد كان قادرًا على تبديل إعدادات القياس بعد أن غادر الزوج المتشابك مصدره، وبالتالي فإن الإعداد الذي كان موجودًا عند أنبعاثهما لا يمكن أن يؤثر على النتيجة.

وبأستخدام أدوات محسّنة وسلسلة طويلة من التجارب، بدأ أنطون زيلينجر في أستخدام الحالات الكمومية المتشابكة. فمن بين أشياء أخرى، أثبتت مجموعته البحثية ظاهرة تسمى النقل الآني الكمي أو quantum teleportation، والتي تجعل من الممكن نقل حالة كمومية من جسيم إلى آخر على مسافة ليست قريبة منه.

“لقد أصبح من الواضح بشكل متزايد أن نوعًا جديدًا من التكنولوجيا الكمومية آخذ في الظهور. يقول أندرس إيرباك، رئيس لجنة نوبل للفيزياء: “يمكننا أن نرى أن عمل الحائزين على الجائزة مع الحالات المتشابكة أو entangled states  له أهمية كبيرة، حتى بعد الأسئلة الأساسية حول تفسيرات ميكانيكا الكم”...

جائزة نوبل في الكيمياء

لقد أعلنت لجنة جائزة نوبل يوم الخامس من تشرين أول/ أكتوبر 2022 عن منح الجائزة لبحوث كيمياء النقر Click Chemistry أو كيمياء التفاعل السريع والتفاعلات المتعامدة الحيوية .

تُستخدم كيمياء النقر Click Chemistry في تطوير المستحضرات الصيدلانية، ولرسم خرائط الحامض النووي وإنشاء مواد أكثر ملاءمة للأهداف البايولوجية الحياتية. ويكون ذلك  من خلال أستخدام التفاعلات المتعامدة الحيوية bioorthogonal reactions، حيث قام الباحثون بتحسين أستهداف المستحضرات الصيدلانية الكيميائية للسرطان مثلا.

وضع الفائزان بجائزة نوبل لعام 2022 في الكيمياء، باري شاربليس (أميركي) ومورتين ميلدال (دانماركي)، الأساس لشكل وظيفي من الكيمياء – كيمياء النقر- حيث تلتقي وحدات البناء الجزيئية معًا بسرعة وكفاءة.

أما كارولين بيرتوزي (أميركية)  – الحاصلة على جائزة نوبل في الكيمياء لعام 2022 – فقد أخذت كيمياء النقرات إلى بُعد جديد، وبدأت في أستخدامها في الكائنات الحية، حيث تحدث تفاعلاتها البيولوجية المتعامدة دون الإخلال بالكيمياء الطبيعية للخلية.

تهدف البحوث الفائزة بجائزة نوبل في الكيمياء 2022 إلى تسهيل العمليات الصعبة. فلقد وضع كل من الباحث باري شاربليس ومورتين ميلدال الأساس لشكل وظيفي من الكيمياء – كيمياء النقر- حيث تلتصق وحدات البناء الجزيئية معًا بسرعة وكفاءة.

ولطالما كان الكيميائيون مدفوعين بالرغبة في بناء جزيئات معقدة بشكل متزايد. ففي الأبحاث الصيدلانية، غالبًا ما ينطوي هذا على إعادة تكوين جزيئات طبيعية ذات خصائص طبية. وقد أدى ذلك إلى العديد من التركيبات الجزيئية الرائعة، ولكن إنتاجها يستغرق وقتًا طويلاً ومكلفًا للغاية.

“جائزة هذا العام في الكيمياء تتعامل مع عدم تعقيد الأمور، وبدلاً من ذلك تعمل على ما هو سهل وبسيط. يقول يوهان أكفيست، رئيس لجنة نوبل للكيمياء ، “يمكن بناء الجزيئات الوظيفية حتى من خلال أتخاذ مسار مباشر”.

وقد بدأ باري شاربلس – الذي حصل الآن على جائزة نوبل الثانية في الكيمياء – دحرجة الكرة. ففي حوالي عام 2000، صاغ مفهوم كيمياء النقر أو Click Chemsitry، وهو شكل من أشكال الكيمياء البسيطة والموثوقة، حيث تحدث التفاعلات بسرعة ويتم تجنب المنتجات الثانوية غير المرغوب فيها.

بعد ذلك بوقت قصير، قدم مورتن ميلدال وباري شاربلس – بشكل مستقل عن بعضهما البعض – ما هو الآن جوهرة التاج لكيمياء النقر: التفاعل العضوي azide-alkyne cycloaddition  وهو التفاعل الكيميائي الأنيق والفعال والذي يستخدم الآن على نطاق واسع. من بين العديد من الأستخدامات الأخرى، يتم أستخدامه في تطوير المستحضرات الصيدلانية لرسم خرائط الحمض النووي وإنشاء مواد أكثر ملاءمة للغرض.

أما كارولين بيرتوزي فقد نقلت كيمياء النقرات إلى مستوى جديد. فلرسم خريطة للجزيئات الحيوية المهمة والمراوغة على سطح الخلايا، طورت تفاعلات النقر التي تعمل داخل الكائنات الحية. وهي تحدث تفاعلاتها البيولوجية المتعامدة دون الإخلال بالكيمياء الطبيعية للخلية.

وتُستخدم هذه التفاعلات الآن عالميًا لأستكشاف الخلايا وتتبع العمليات البيولوجية. ومن خلال أستخدام التفاعلات المتعامدة الحيوية، قام الباحثون بتحسين أستهداف المستحضرات الصيدلانية للسرطان، والتي يتم اختبارها الآن في التجارب السريرية.

وخلاصة القول فأن كيمياء النقر والتفاعلات المتعامدة الحيوية أدخلت علم الكيمياء إلى عصر الوظيفية والتطبيقات العملية، وهذا بحد ذاته ما يمكن أن يحقق أكبر فائدة للبشرية.

***

د عامر هشام الصفّار

فاز الكاتب العراقي رشيد الخيون بجائزة الصحافة العربية في دورتها العشرين في فئة «أفضل عمود صحفي». ويُعد الخيون من ضمن أبرز كُتاب صفحات «وجهات نظر» في صحيفة «الاتحاد»، حيث ينشر من خلالها مقالاً أسبوعياً منذ 13 عاماً.

بعدسة التراث ويسلط رشيد الخيون عبر مقاله في صفحات «وجهات نظر» الضوء على الواقع بتفاصيله ويربطه بحقائق التاريخ. في يوم الأربعاء السادس من مايو 2009 كان موعدُ نشرِ أولى مقالاته في «الاتحاد»، التي جاءت تحت عنوان «العراق: نوري السعيد وبريطانيا!».  تنتصر مقالات الخيون  للتسامح والتواصل مع الآخر، وتناقش بجرأة المآلات والمستقبل.

ولكونه باحثاً في المذاهب الدينية، يضيء الخيون للقارئ بعض التفاصيل الخاصة بكل مذهب. وبروح الناقد والمفكر يضع رؤيته للمشهد العراقي طامحاً في مجتمع متسامح يتجاوز التعصب والشحن الطائفي.. يعود الخيون في مقالاته لفترات الحضارة الإسلامية الزاهية ويبحر في تفاصيلها، وفي عام 2017 فاز كتابه المعنون بـ«أثر السود في الحضارة الإسلامية» بجائزة الملك عبد العزيز للكتاب قسم التاريخ لعام 2017. ويحرص الخيون على سلامة لغة المقال ويكاد يضع تشكيلاً لكل مفردة من مفردات نصّه، فعلامات الإعراب رفعاً وجراً قد تغير المعنى وتربك الهدف من محتوى المقال، ومن يراجع مقاله يدرك اجتهاده في كل معلومة، ويرى دوماً في متونه روح الباحث والخبير الحريص على تحقيق التراث. على صفحات «الاتحاد» لم يدخر الخيون جهداً في مقالاته ليؤكد رفضه للطائفية وبغضه للمذهبية التي يرتكز عليها المتنطعون من غلاة التشدد ودعاة التطرف. ولطالما سجّل الخيون رفضه لدعاوى الميليشيات الطائفية، مؤكداً أهمية الدولة الوطنية كإطار ناظم للمجتمع بكل فئاته وأطيافه المذهبية والعرقية. ويستطيع قراء مقالاته كل أربعاء في «الاتحاد» التزود بشحنة معرفية رصينة ونقد جريء للواقع العراقي مع بيتين من الشعر أو أكثر يختتم بها مقاله.

صدرت للخيون المؤلفات التالية: «أبوظبي.. التصالح بين العقل والثروة.. مشاهدات وانطباعات» 2012. «مذهب المعتزلة من الكلام إلى الفلسفة 1994»، وكتاب (بغداد - دمشق) 2008. «معتزلة البصرة وبغداد» عام 1997. «السياسة تُصادر الطَّائفة» عام 2012. جدل التَّنزيل (تاريخ وقضية خلق القرآن) عام 2000. «الأديان والمذاهب بالعراق ماضيها وحاضرها» عام 2016. حروف حي (البابية والبهائية)، 2003. «المباح واللامباح» عام 2004. «المشروطة والمستبدة.. ثورة الدُّستور 1906» 2006. «طروس مِن تراث الإسلام» عام 2007. «المجتمع العراقي.. تراث التَّسامح والتَّكاره» عام 2008. «ضد الطَّائفية.. العراق جدل ما بعد 2003». «بعد إذن الفقيه.. الحرام والحلال في معاملة النِّساء والطُّفولة والكتابة والطَّعام» 2011. «تلخيص البيان في ذكر فرق أهل الأديان» (تحقيق وتقديم) عام 2011. «100 عام مِن الإسلام السِّياسي بالعراق (جزآن)، 2011. وكتاب «النزاع على الدستور بين علماء الشيعة (المشروطة والمستبدة)، 2011. «الديانة المندائية» (تحقيق)، مدارك 2012. «أثر السُّود في الحضارة الإسلامية» عام 2015.

***

طه حسيب (دبي)

كالعادة اثار فوز الروائية الفرنسية "آني إرنو" البالغة من العمر 82 عاما بجائزة نوبل للاداب الجدل كثيرا، مثلما اثير الجدل نفسه في السنوات الاخيرة بعد ان منحت الجائزة الى المغني الامريكي الشهير بوب ديلان . في كل عام ما ان يعلن اسم الفائز حتى يبدا نقاش ساخن حوله وعلى سبيل المثال فاز بجائزة العام الماضي كاتب من تانزانيا " عبد الرزاق قرنح " لم يعرفه القراء العرب إلا بعد ان اعلنت الاكاديمية السويدية فوزه، والمثير ان آني إرنو كانت على رأس قائمة المرشحين للفوز بالجائزة العام الماضي حيث وصفتها صحيفة الغارديان آنذاك بانها واحدة من اعظم الكتاب الاحياء في العالم .إلا ان القراء حول العالم لديهم رأي آخر، فبعد اعلان الفائز بالجائزة بنصف ساعة طرحت جائزة نوبل استطلاع رأى سألت من خلاله الجمهور: هل قرأت أى شىء لآنى إرنو؟، وقد كشفت نتائج استطلاع الرأى عن مفاجأة اعتاد عليها جمهور الأدب حول العالم، وهى أنه دائما ما يكون الكاتب أو الكاتبة من غير المشهورين على مستوى الجمهور الأدبى حول العالم، ولهذا كشفت نتائج الاستطلاع أن هناك أكثر من 85% من جمهور القراءة الذى انتظر معرفة اسم الفائز بجائزة نوبل للآداب هذا العام، لم يقرأ كتابا واحدا لها.

مع إرنو تعود الجائزة الى فرنسا بعد ثمانية اعوام حيث كان آخر الفائزين بها من ادباء فرنسا هو الروائي " باتريك موديانو" الذي منح الجائزة عام 2014، وكان هو ايضا قد اصابته المفاجأة: لو قال لي احد انت مرشح للجائزة ساظن حتما انه يسخر مني "، وكنت انا ايضا مثل كثيرين لم يتوقعوا ان يفوز روائي مغمور بالنسبة لنا، آنذاك ترجمت الروائية لطفية الدليمي في صحيفة المدى مقالا مطولا عن موديانو افتتحه بعبارة مهمة:" كان مُتوقّعاً أن يكون التساؤل الأوّل الّذي راود الكثيرين في شتّى أصقاع الأرض:"من عساهُ يكون باتريك مونديانو هذا؟ .

والآن ربما يتساءل الكثير من القراء من عساها تكون آني إرنو التي جلست على كرسي الجائزة متخطية اسماء مهمة مثل ميلان كونديرا وموراكامي وسلمان رشدي ودون ديليلو؟ . بالامس كتبت على صفحتي في الفيسبوك مقالا اتساءل فيه من سيكون صاحب الحظ الاوفر للفوز بالجائزة ووضعت اسم آني إرنو ضمن القائمة التي كان يتم تداولها الى جانب ماري كوندي، ومارغريت أتوود.4364 آني إرنو

في بيان لجنة جائزة نوبل وصفت كتابات إرنو بانها " تفحص باستمرار ومن زوايا مختلفة حياة تتميز بتباينات شديدة فيما يتعلق بالجنس واللغة والطبقة". ويضيف البيان ان " كتاباتها امتازت بالشجاعة والبراعة التي اكتشفت بها الجذور والاغتراب والقيود الجماعية للذاكرة الشخصية، فاعمالها مكتوبة بلغة واضحة ونظيفة "، في مقابلة على التلفزيون السويدي بعد الإعلان عن الجائزة، قالت إرنو: "لقد فوجئت للغاية ... لم أفكر أبدا في أن ذلك سيكون ..إنها مسؤولية كبيرة ..أن أدلي بشهادتي، ليس بالضرورة من حيث كتابتي، ولكن أن أدلي بشهادتي بدقة وعدالة فيما يتعلق بالعالم".

على صفحته في تويتر أشاد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بفوز إرنو واصفا ايها ب " صوت الحرية" لانها "على مدار الخمسين عامًا الماضية، كانت تكتب رواية الذاكرة الجماعية والحميمة لبلدنا" على حد قوله، وتجدر الإشارة إلى أن إرنو لم تكن معجبة بالرئيس الفرنسي وقد اعربت عام 2018 عن دعمها لتظاهرات اصحاب السترات الصفراء التي هزت ولاية ماكرون الأولى لتصف الرئيس الفرنسي بانه "منفصل عن الواقع". ومؤخراً، في مقابلة صحفية سخرت من حديث ماكرون عن حقوق المراة قائلة انه حشر نفسه في القضية .

لا تحب آني أرنو روايتيها الأوليتين " الخزائن الفارغة " 1974 و " ماذا يقولون " 1977 وتعتبر روايتها الثالثة " المرأة المجمدة " 1981، باكورة اعمالها الحقيقية، وفيها تتحدث عن طفولتها دون قيود، وتخبرنا انها عاشت مع والدين مختلفين تماما، أب رقيق وحنون وأم ذات شخصية قوية تبدو على ملامحها القسوة، وقد اعتبرت الرواية منشورا للدفاع عن النساء . الكاتبة التي قرأت بنهم اعمال سيمون دي بوفوار وفرجينيا وولف عاشت منذ طفولتها وسط عالم مليء بالكتب، احبت القراءة منذ الصغر، تصفها الصحافة بانها متحدثة باسم جيل كامل من النساء . تاخذ المرأة وقضاياها حيزا كبيرا في اعمالها، تقول انها عاشت وسط نساء قويات ومستقلات .

ولدت آني إرنو في الاول من ايلول عام 1940 وترعرعت في بلدة يفيتوت الصغيرة في نورماندي، كان لوالديها محل بقالة ومقهى . وصفت طفولتها بالصعبة، حاولت عائلتها ان تنتشل نفسها من الطبقة الفقيرة الى الطبقة المتوسطة تقول:" نشأت كطفلة وحيدة في محل بقالة ملحق بمقهى كان والديّ يمتلكانه، فكبرت بين الناس والزبائن الذين يأتون ويذهبون، كان هناك دائمًا أشخاص حولي أكثر من أبي وأمي، لم أشعر أبدًا بنفسي محبوسة في عائلة، ولم أكن أرى نفسي ووالديّ كعائلة منفصلة عن الآخرين، صحيح أننا كنا ثلاثة أفراد، أقارب بالدم، بالتأكيد، لكن العالم والأشخاص من حولنا كانوا على نفس القدر من الأهمية بالنسبة لي، والشيء نفسه كان ينطبق على والديّ، حيث كان عليهما توفير قدر كبير من الاهتمام والوقت لعملائهما أكثر من توفيرهما لي، لطالما كانت بيئتي هي السر الذي يمد حياتي بالقوة والإصرار". في معظم رواياتها تحاول إرنو ان تسلط الضوء على خلفيتها الريفية وعن التفاصيل الدقيقة لحياتها حتى ان بعض النقاد وصفها بـ " عالمة اجتماع " وليست كاتبة روائية. غالبا ما تشير إلى تاثرها برواية مارسيل بروست " البحث عن الزمن المفقود "، وتضيف لها كتابات عالم الاجتماع بيير بورديو وخصوصا فيما يتعلق بموضوعة الهيمنة التي غالبا ما تكون خفية وغير مرئية، والتي طالب بورديو بتعرية أسس شرعيتها وتجريح آلياﺗﻬا حتى يسقط قناعها القدسي .

انهت دراستها الجامعية لتعمل بالتدريس بعدها انتقلت الى الكتابة، تؤكد بانها حاولت ان تمزج بين التدريس والكتابة حتى انها قررت ان تُدرس للطلبة مادة تعلم الكتابة .

روايتها الرابعة الصادرة عام 1983 بعنوان " المكان " – ترجمتها الى العربية امينة رشيد - قدمت فيها صورة صادقة لوالدها وسلطت الضوء على بيئتها الاجتماعية، الرواية التي لم تتجاوز صفحاتها المئة، كانت اشبه بانوراما لحياة مجتمع في الخمسينيات، قالت إن الكتابة فعل سياسي يفتح أعيننا على عدم المساواة الاجتماعية. ولهذا الغرض تستخدم اللغة "كسكين"، كما تسميها، لتمزيق حجاب الخيال، للكشف عن الحقيقة، معتبرة نفسها وريثة شرعية لجان جاك روسو.

بعد بضع سنوات، تعطينا صورة لامها من خلال روايتها " امراة " – ترجمة سحر ستالة – وهي تكريم لامرأة قوية تمكنت أكثر من الأب من الحفاظ على كرامتها:" ليس هذا الكتاب سيرة، ولا رواية طبعاً، ربما هو شيء يقع بين الأدب وعلم الإجتماع والتاريخ، إذ كان من الضروري أن تتحول والدتي، التي ولدت في وسط مقهور لطالما تمنَّت الخروج منه، إلى تاريخ حتى أشعر بأنني أقلُّ وحدة وتكلَّفاً في عالم الكلمات والأفكار القاهر، الذي انتقلتُ إليه نزولاً عند رغبتها. لن أسمع صوتها مجدداً، إنها هي، وكلماتها ويداها وحركاتها وأسلوبها في الضحك ومشيتها، من كانت توحّد المرأة التي أنا عليها اليوم بالطفلة التي كنتها في الابق، وبموتها فقدتُ آخر رابط بيني وبين العالم الذي جئت " .

حصلت رواية " المكان " على جائزة " رونودو". تقول انها تخلت عن كتابة الرواية المتخيلة التقليدية، لتركز على تلك الرواية المستمدة أحداثها من سيرتها الذاتية، حيث تتقاطع فيها التجربة العامة مع التجربة الشخصية، ولهذا نجدها في رواية " المراة " تتحدث عن عن أمها وعلاقتها بها، وفي " شغف بسيط " تروي، علاقة حب حدثت في شبابها بينها وبين رجل اعمال، حيث تطرح ازمة علاقتنا بالآخر، وبالجنس، كما انها تكتب حول موضوع الجنس الذي تجد انه المحرك الاكبر للكثير من دوافع الانسان .جميع روايات آني إرنو حكايات من الذكريات التي ملأت في السابق دفتر ذكرياتها فتحول هذا الدفتر المليء بالأسماء والأرقام والعناوين والأحداث المهمة والغامضة والملاحظات الى روايات نابضة بالحياة .قالت إن الموضوعات الرئيسية لعملها كانت "الجسد والنشاط الجنسي، العلاقات الحميمة، عدم المساواة الاجتماعية وتجربة تغيير الطبقة من خلال التعليم، الوقت والذاكرة ؛ والسؤال الشامل حول كيفية كتابة هذه التجارب الحياتية".

في روايتها " العار" تستمر بتقديم صورة لحياة عائلتها حيث:" حاول والدي قتل والدتي ذات يوم أحد في شهر تموز، في وقت مبكر من بعد الظهر." تسعى إرنو إلى تجاوز الحد المسموح به من الصراحة: "لقد أردت دائمًا كتابة نوع الكتاب الذي أجد أنه من المستحيل التحدث عنه بعد ذلك، نوع الكتاب الذي يجعل من المستحيل بالنسبة لي أن أتحمل نظرة الآخرين." ترى ان الادب يمنحها الأدب ملاذًا لكتابة ما يستحيل التواصل معه في اتصال مباشر مع الآخرين ..

في روايتها " احتلال " – ترجمة اسكندر حبش – تاخذ موضوعة الغيرة حيزا رئيسيا وفيها ايضا تتناول حياتها الشخصية، بطلة الرواية امراة خرجت من تجربة زواج دامت 18 عاما اعتبرتها اشبه بالسجن، ترفض الحياة التقليدية بين زوجين تريد ان تتمتع بحريتها القصوى، لكنها في المقابل تخرج من قصة حب فاشلة انتهت بالخيانة من قبل رجل احبته .

 روايتها " السنوات " وصفتها بانها " سيرة ذاتية جماعية"، أشاد بها النقاد باعتبارها "ملحمة اجتماعية" رائدة في العالم الغربي المعاصر. تستبدل إرنو في السرد الذاكرة التلقائية للذات بصيغة الغائب من الذاكرة الجماعية، مما يشير إلى تاثير روح العصر على حياتها الشخصية .

عُرفت روايات إرنو بتمركزها، حول تجاربها الخاصّة والحميمة، حيث لا تغادر أعمالُها مواضيعَ مثل الأزمات العائلة، والإحساس بالعار تجاه الطبقة التي تنتمي إليها، إضافة إلى كتابتها عن علاقاتها العاطفية دون استعارات أو تورية، وهو ما تسبّب بإثارة العديد من النقاشات الحادّة عند صدور عدد من أعمالها". .روايتها الاخيرة "الشابّ"، تنتمي إلى هذه الأجواء، حيث تحكي فيها عن علاقتها العاطفية مع شباب يصغرها بثلاثين عاماً.

طورت إرنو رواية السيرة الذاتية للقرن الحادي والعشرين أكثر من أي كاتب آخر .لا تؤمن بالعقدة، وكتبها مزيج من السيرة والمواقف الاجتماعية الصادمة . هناك من ينظر إليها أحياناً بصفتها كاتبة فضائحية وأنها تقترب من فضائحية أناييس نِن. ترد بانها تحاول أن تروي جوانب حياتية غالباً ما يُحجم الآخرون عن الاكتراث بها. وهي ترى أن الكتابة نوع من ممارسة الكذب من أجل نقل أشياء تتعلق بالحقيقة.

***

علي حسين – كاتب

رئيس تحرير صحيفة المدى البغدادية

 

حَدَثٌ مُدهشٌ حقّا في لقاء الأجيال والشرائح العمرية والثقافية المتنوعة، فقد تسربلت قاعة المركز الثقافي (الفانوس) في عبلين بحُلّة تراثية وأجواء تراثية بامتياز، وغصّت بحضور حافل وكبير من أدباء وأصدقاء من المثلث والناصرة وحيفا والكرمل والجليل وعبلين، ونخبة من الجمهور المثقف الراقي المُصغي، وذلك احتفاءً بتكريم عبلين الجَليليّة بابنتها الأديبة الشاعرة آمال عواد رضوان، وتوقيع كتبها التراثية الثلاثة بتاريخ 30.9.2022، بمبادرة وتنسيق وتنظيم جمعية عبلين في القلب، بالمشاركة مع قسم المعارف في مجلس عبلين المحلي، والنادي النسائي الارثوذكسي عبلين، وجوقة الكروان، ونادي الكنعانيات للإبداع، والكشاف الأرثوذكسي وجمعية فسيلة، وأطر وجمعيات عبلينيّة عديدة  أخرى.

تولت إدارة الأمسية د. روزلاند دعيم الغالية رئيسة نادي الكنعانيات للإبداع، فقدّمت البرنامج بكل ثقة وبأسلوب وصوت وكلمات رائعة تليق بآمال، فهي فعلًا الجسر الذي يوصل بين القديم والحديث كما قيل عنها على المنصة.

ابتدأت د. روزلاند كلمتها بالترحيب بالحضور والضيوف، وقالت: يبحث الإنسان بشكل دائم عن وسيلة للتعبير عن مشاعره من فرح أو حزن، والغناء واحدة من هذه الوسائل التي تخدم الفرد والجماعة، والفنون الشعبية تعبر عن الآمال والأماني الخفية، وترافق المجتمع في مراحل دورة حياة الإنسان ودورة الحياة في الطبيعة؛ وحتى الحالات السياسية الثورية، فالفن الشعبي، إذًا، عمل فني شعبي له غرض اجتماعي ونفسي، وبالحالتين هو مخزون حضاري قيمي.

ولأن الفلاح الفلسطيني يبدأ سنته الزراعية مع موسم الخريف في عيد الصليب، ولا يكتفي بالتعبير عن تطلعاته وأمنياته الزراعية من خلال الأرض، وما تُغدق عليه فقط، بل من خلال كل المواسم الدينية والتراثية، فينتج أرشيفًا غنيًّا من المادة التراثية، وإن كنا نتحدث عن أمنا الأرض، فإننا نتقدم بجزيل الشكر للسيدات الرائعات من النادي النسائي الأرثوذكسي على الضيافة. وللتنويه، فإنّنا نتحدث عن منتجات أرضنا الصحيّة، وعن بوفيه أخضر داعم للبيئة.4345 امال رضوان

كان من المفروض أن تتحدث المربية حنين عودة عن كتاب المهاهاة والملالاة في زغاريد الأفراح، لكنها تغيبت لظروف وفاة عمّها، فباسمي وباسم الجميع نقدّم تعازينا الحارة، ونلتقيها لاحقا على خير وإبداع.

وأثنت د. روزلاند على كلّ من ساهم في تنظيم وتخطيط هذه الأمسية التراثية بامتياز، إذ ازدانت القاعة بحُلّةٍ وأوانٍ وديكوراتٍ وأمثال وأطعمةٍ تراثية، وبفقرات تراثية وشرائح عمريّة متعددة، ومداخلات ثقافية: أدبية ودبكة وتمثيل وغناء.

تلاها د. خالد شيخ أحمد مدير قسم المعارف بكلمة ترحيبية وتكريمية باسم مجلس عبلين المحلي، وقد أشاد بدور ونشاط آمال عواد رضوان الأدبي اللافت، في عبلين وداخل البلاد والعالم العربي.

قدمت جوقة الكروان بقيادة المايسترو نبيه عوّاد الأغنية التراثية (ع اليادي) بصوت أليسار حاج، بمرافقة عازفين من جوقة الكروان: صافي دعيم- قانون، سيمون أبو شحادة- كمان، موران عواودة- إيقاع/ رق، وساهر جبور- إيقاع/ رق.

أمّا د. إلياس روحي زيدان؛ المحاضر لموضوع الإدارة التربوية في جامعة حيفا، والمستشار التنظيمي صاحب الخبرة الواسعة، فقد أتحفنا بمداخلته الشيقة عن التراث في (كتاب أناشيد المواسم - آمال عواد رضوان)، وضرورة إحياء هذا الجمال في الأجيال الصاعدة، وختم كلمته قائلًا: أمسية تليق بآمالنا - آمال الخوري عواد رضوان- وتليق بالتشكيلة متنوّعة النكهات من ثمارها الادبيّة، وبقيادتها وتمكينها للعديد من نساء عبلين، ومنحهنّ دورا وحيّزا يليق بهنّ وبقدراتهن، دمتِ آمالنا ودام عطاؤك وإنجازاتك، ودامت الأخوّة بين بنات وأبناء صفّنا.

ثم دعا أبناء صفها وزملاء الدراسة الرائعين الذين نسقوا فيما بينهم مؤامرة جميلة، ليفاجئوها ويكرّموها ويقدموا لها أروع تكريم في هذا الحفل.

تلتها وصلة فولكلورية لفرقة جفرا للدبكة والفنون الشعبية، وقام المدرب محمود خطيب بتقديم درع جفرا  للأديبة آمال عواد رضوان.

أمّا الكنعانية المربية كفاية نجمي الشيخ أحمد، فقدّمت مشهدًا مسرحيًّا جميلًا بعنوان "بساط ستّي"، من تأليفها وإخراجها، وتمثيل الطالبتين :صهيل كامل عودة، وعرين أمير مواسي، للمَثل "رجعت حليمة لعادتها القديمة"، من وحي الكتاب "أمثال ترويها قصص وحكايا" لللأديبة آمال عوّاد رضوان"، ثمّ تحدثت الكنعانية كفاية عن هذا الكتاب  بإسهاب، وعن القصة التي تقف وراء كلّ مَثل.

ولأنّ الراوي اعتاد أن يحمل تاريخ القبيلة، والحكواتي يحمل هموم الناس وأحلامهم، قدّمت السّيدة نيلي سعيد - أم إيليا عضوة النادي النسائي الأرثوذكسي عبلين، حكاية المَثل "النصيحة بجَمَل"، من الكتاب "أمثال ترويها قصص وحكايا"، بسردٍ جميل مُشوّق.

أما الكنعانية د. روزلاند دعيم فقدّمت نبذة عن كتاب المهاهاة والملالاة في زغاريد الأفراح، ونوّهت إلى  أنّها قدّمت الكتاب بمقدّمة مستفيضة جميلة.4346 امال رضوان

وكان لونٌ آخر لنساء النادي النسائي الأرثوذكسي عبلين المبدعات، فقد اعتليْنَ المنصة، وغنّيْن ألوانًا من الأغاني التراثية بتدريب الأديبة آمال، وقدّمن وصلةً غنائية من أهازيج ومواويل وعتابا وميجانا بصوت ميلادة أبو شحادة (أم ونس) وابنها ونس، برفقة المايسترو نبيه عواد وعازفين من فرقة الكروان، فأضفنَ للجوّ رونقًا وجَمالًا تراثيًّا مميّزًا أصيلًا، وحلّقت في أجواء القاعة أصواتُ الزغاريد والأوف والميجنا والمهاهاة بأصواتهنّ العذبة.

وفي نهاية اللقاء تحدّثت عروس الاحتفال آمال عواد رضوان؛ مديرة نادي الكنعانيات للإبداع، ورئيسة النادي النسائي الأرثوذكسي عبلين، وشكرت كلّ الحضور والمنظمين والمتحدّثين والمشاركين، على ما بذلوه من جهود في إنجاح الأمسية الثراثية:

جمعية عبلين في القلب، مجلس عبلين المحلي، د. روزلاند دعيم ونادي الكنعانيات للإبداع، د. خالد الشيخ أحمد، د. إلياس روحي زيدان، جوقة الكروان والمايسترو نبيه عواد، جمعيّة جفرا للدّبكة بمدربها محمد خطيب، المربية كفاية نجمي الشيخ أحمد وفريقها، مصممة الديكور التراثي ياسمين غنايم سكران، نساء النادي النسائي الأرثوذكسي عبلين بكل التشكيلات والمأكولات والأهازيج التراثية، وشكرت كل المؤسسات والأطر العبلينية، وشكرت د. محمد خليل مدير منتدى الفكر والإبداع مع أعضائه، وكل الحضور من أهالي عبلين الشمّاء، وكلّ الأدباء والأصدقاء من كافة أرجاء البلاد، كما ثمّنت عاليًا الدور الإعلامي وتغطية الأمسية، متمثلا بتلفزيون هلا وكادره، والمصور الإعلامي رائف حجازي.

نعم.. كانت أمسية تراثية بامتياز بكل ما فيها، من أجواء تراثية ازدانت بها القاعة،  فالمسرح والمنصة فرشته ياسمين سكران بطراز بُسُط وألوان تراثية جميلة، الديوان، المقاعد، الشراشف، الأواني الفخارية والنحاسية القديمة، أدوات منزلية قديمة كالمهباج، وأطباق القش، الغربال، البريموس، المكوى، دلة القهوة، وكراسي القش القديمة.

أمّا موائد الضيافة الشهية والتنسيق الخلاب، فقد ضمت تشكيلة لذيذة من مأكولات وحلويات تراثية بيتية، ساهم بصنعها وتحضيرها نساء النادي النسائي الأرثوذكسي عبلين الحبيبات، بإدارة آمال عوّاد رضوان: دقّة، زعتر، زيت زيتون، مناقيش، زيتون أخضر مرصوص، وزيتون أسود، خبز مقلي، رُبّ الخرّوب، مُربّى تين وعنب وخوخ ومشمش وتفاح من صنع نساء النادي، بليلة وقمح مسلوق، قريش بأنواعه المختلفة وسمسم لتزيين القمح المسلوق (بربارة)، حبوب ترمس وفول، وحلويات: الغريبة، كعكات ستي بالقالب، مبروشة، هريسة، فستق عبيد بقشره، عنب وأكواز رمان وخيار تشريني، ومجففات قطين ومشمش وتمر وزبيب، وزينت الموائد القهوة العربية بنكهتها التي لا تقاوم.

والجدير بالذكر، أنّ جدران قاعة الفانوس ازدانت بلوحات لأمثال شعبية وحزازير وأناشيد تراثية بقلم الشاعرة آمال عواد رضوان، والمدونة بكتابها (أناشيد المواسم)، وهذه الامثال تماثلت مع المعروضات للضيافة وتزيين القاعة، وكأني بآمال تريد أن تعيدنا بهذا اللقاء الحميم الى خيرات الأرض، وعفوية الناس، وتمسك الفلاح بأضه.

ولأن الطبيعة الخلابة والسهول الخضراء تتعانق فيها الاشجار الباسقة وارفة الظلال بشموخها ورائحتها، الأمر الذي يحتم على من يرافق آمال ويقرأ لها، أن يشعر بأنها ترى بعيون خضراء كل ما حولها، فهي الطفلة العبلينية الخضراء التي درجت وتربت في بيت دافئ، تحت كنف والدين مُحبّين روحانيّين مدا لها يد العون، وغرسا في نفسها عشق الأرض ومَحبّة الآخرين.

هكذا أنا عرفت آمال بتواضعها وعنفوانها، ببساطتها وتألقها، بدعمها كل من حولها، بتسامحها ومحبتها، وبتضحيتها من أجل الغير، ولا يسعني إلّا أن أشدّ على يديها، وأوجّه شكري الخاصّ لنساء النادي النسائي الأرثوذكسي عبلين الفعّال، واللواتي حملن جرار العمر، وعملن جاهدات للتمسك بالتراث من حكايات ومفاهيم تربوية، فتركن للأجيال القادمة إرثًا لا يُعوّض، فالشكر الجزيل لكلّ من شارك وحضر.

وكتب د. محمد خليل: العزيزة آمال عواد رضوان، تستحقين ذلك وأكثر. بصراحة كان الحفل يليق بك وأنت تليقين به. كان احتفالًا رائعًا ترتيبًا وتنظيمًا ومضمونًا. شكرًا للكلمة الطيبة والنابعة من القلب. تهانينا مرة أخرى، وإلى المزيد من الإبداع والتميز وقطف الثمار.

وكتب الفنان موسى إبراهيم: حضوركم في توقيع كتب الأخت امال عواد رضوان أضفى على المشهد رونقًا وزاده ألقًا ومحبة . أدام الله عطاءكم ومحبتكم، وألف وردة للأخت الأديبة آمال عوّاد رضوان، وشكرًا على ما قدّمته في احتفالية توقيع كتبها الثلاثة، وعلى البرنامج الأكثر من رائع، فقد عدنا تملؤنا الطاقة والأمل، وغُمِرنا بكرم ضيافة عَبَلّين وأهلها الكرام.

***

بقلم: هيام مصطفى قبلان

المجلس الأعلى للُّغة العربيَّة بالجزائر يحتفي باليوم العالميّ للتّرجمة بندوة عــن:  "التّرجمة والهُويّة: أيّة علاقة؟ وأيُّ تأثير؟"

عُــقد في رحاب المجلس الأعلى للُّغة العربيَّة بالجزائر،   مؤتمر للاحتفاء باليوم العالمي للتّرجمة، والذي يصادف يوم:30سبتمبرمن كل عام، تحت عنوان: » التّرجمة والهُويّة: أيّة علاقة؟ وأيُّ تأثير؟«، وشارك في هذا المؤتمر مجموعة من الباحثين، من مختلف الجامعات الجزائرية، وألقيت في الجلسة الافتتاحية كلمة الأستاذ الدكتور صالح بلعيد؛ رئيس المجلس الأعلى للُّغة العربيَّة بالجزائر، والتي أشار فيها إلى عدة قضايا مهمة، وأكد من خلالها على أنّ التّرجمة الآلية تحتاج منّا كل الدّعم والتّطوير؛ لمزيد من حلّ المضايقات التّقنيّة التي تعيشها كلّ اللغات، وبخاصّة اللغة العربيّة التي لها من الخصوصيات مالها، وكلّ خصوصيّة تحتاج إلى برمجيات، وقد تحدث في الجلسة العلميّة الأولى العديد من الباحثين، من بينهم الدكتور هامل بن عيسى من جامعة الأغواط، والدكتور عمّار قاسمي من جامعة العلوم الإسلامية بقسنطينة، والدكتورة نصيرة شيادي من جامعة تلمسان، والدكتور يوسف بن نافلة من جامعة الشلف، والدكتور محمد سيف الإسلام بوفلاقة من جامعة الشهيد باجي مختار بعنابة.

ولا يختلف اثنان على أنه لا يُمكن للتّرجمة أن تنهض بمفردها بدور تطوير الفكر، وبناء الهُويّة الثّقافيّة، وإنّما تُعدّ التّرجمة من بين المُكوّنات التي تُساهم في عملية التّطوير والتقدم في المجال الفكري والمعرفي، وهي   تعني قراءة لنص بغير لغته، وإعادة بناء نص سَجَّـل نفسه على نحو مُغاير ومُختلف؛ ومن هنا تغدو الأعمال المترجمة جزءاً من الثقافة المُستقبلة، وذلك بعد انتقالها من اللُّغة المصدر(لغتها الأصلية)إلى اللُّغة الهدف، وكل من مارس عملية التّرجمة يُدرك أن المُترجم يُلفي نفسه مُوّزعاً بين هُويّات مختلفة، وهو ينهض بعملية التّرجمة؛ حيث إنه يضطر إلى إدخال ثقافة أخرى إلى نصّه، كما أنه في الآن ذاته بحاجة إلى الحفاظ على هُويّة وطنه، ومن يهتم بهذا الموضوع يجد أن مُقاربة الترجمة في صلتها بالهُويّة، وتركيز الاهتمام عليها يُمكن أن يكون بمنزلة وضع أحجار للنهوض بالبناء الفكري، والثقافي في المجتمعات التي تُركز عليها، وتمنحها قصب السبق، وتسعى إلى تنميّتها،  وقد يبدو الحديث عن الهُويّة الثّقافيّة، والتّرجمة حديثاً يحمل بعض دلائل التناقض؛ بيد أن النظرة المتأنية تكشف عن اتساق جوهري في هذه العلاقة بين الهُويَّة الثقافية، والترجمة ؛ فالترجمة في معناها البسيط نقل من ثقافة إلى ثقافة أخرى، ومن هــُوية ثقافية بعينها، إلى هـُويَّة ثقافية مختلفة، ومن جانب آخر؛ فالهُـويَّة الثقافية عبارة عن كيان معنوي متجانس، ومترابط في بنائه الداخلي، وتجلياته الخارجية، والترجمة قد تكون في بعض الأحيان مُكوِّناً من مُكوِّنات الهُويّة الثقافية لدى بعض الأمم، أو المجتمعات، كما تتراوح أهميتها بين ثقافة ، وأخرى، بحسب درجة انفتاحها على العالم، ويمكن القول إن الترجمة عن اللُّغات الأخرى تثري الهُويَّة الثقافية، وتُساهم في تقويتها، ولا تُضعفها، أو تُشوش خصائصها، كما لا تشدها إلى أغلال التبعية الثقافية كما يرى البعض، ويذهب العديد من الدارسين إلى أنها تندرج تحت لواء الغزو الثقافي؛ إذ أن الترجمة عامل فاعل في إثراء الهُويَّة الثقافية، ولكن نتائج عملية الترجمة ينبغي أن تمر بعمليات تنقية، وتصفية متعددة، وذلك انطلاقاً من مرحلة فعل الترجمة الفردي، ووصولاً إلى نتائجها التي تصب في المجرى الثقافي العام الذي يُشكل الهُويّة الثقافية، وإذا كان هناك قدر من الشك في أن الترجمة يُمكن أن تكون من عوامل التأثير السلبي على الهُويَّة الثقافية؛ فإن التجارب التاريخية المعروفة عن تاريخ الترجمة، وتأثيراتها في التراث الإنساني بشكل عام؛ تؤكد أن الهُويَّة الثقافية للحضارات التي مرت بتجارب مهمة، وواسعة النطاق في مجال الترجمة تبلورت بشكل أقوى، وأكثر وضوحاً من ذي قبل(1)، ومن بين الأمثلة التي كثيراً ما يتم استحضارها في هذا الصدد أن الحضارة العربية الإسلامية أفادت كثيراً من حركة الترجمة الهائلة التي واكبت بناء الدولة والمجتمع، وجوانب البناء الحضاري الأخرى؛ في بلورة هويتها الثقافية منذ السنوات الباكرة في التاريخ الإسلامي؛ ذلك أن هذه الحضارة أفادت كثيراً من عمليات الترجمة التي شكلت عوامل إضافة مهمة للهوية الثقافية؛ فقد ساعدت الترجمة المسلمين على الإفادة من تراث الحضارات السابقة؛ وهي الحضارات التي كانت تنتمي إليها الشعوب التي اعتنقت الإسلام ديناً، واتخذت العربية لغة (2)، ولا يُمكن لمن يتحدث عن العلاقة بين التّرجمة والهُويّة أن يصرف النظر عن التعمق في دور اللُّغة في بناء الهُويّة، وصلتها بالثّقافة، كما أن هذا الأمر يقود إلى الحديث عن العلاقة بين الثّقافة والهُويّة؛ ولا يُمكن البحث في واقع اللُّغة دون التطرق إلى صلة اللُّغة بالهُوية، وعلاقتها بها، حيث إن إدراك العلاقة القائمة بين اللُّغة والهُويّة في المجال العربي إدراك علميّاً؛ سيسمح بانبثاق سياسة لُغويّة ناجعة تؤدي إلى صون مُفردات الهُويّة وإثرائها من جهة، كما تُساهم في تحرير إرادات التنمية والنهوض من جهة أخرى، والحقيقة أن علاقة اللُّغة بالهُويّة علاقة مُعقّدة وبالغة الحساسية، ويظهر جانب من حساسية هذه العلاقة في شقها النظري؛ من حيث إن اللُّغة ليست معادلاً تاماً لجنس الهُويّة، ولا ُيمكنها الاستقلال عنها، بل هي جزء منها، ومن أبرز مُكوِّناتها الدينامية؛ فعند البحث عن العلاقة بينهما(اللُّغة والهُـويّة) ينبغي إدراك أنها علاقة الجزء المنتمي إلى الجنس(الهُـويّة)، والقصد من الإحاطة بهذه العلاقة وضع هذا الجزء بكلِّه تحت المجهر، ومن ثم تحليل طبيعة هذه العلاقة، وكشف النقاب عن التأثيرات المتبادلة بين طرفيها، واكتشاف تطوراتها؛ ويجمع الدارسون-أو يكادون- على أن اللُّغة منظوراً إليها من زاوية الهُويّة، ليست مجرد أداة تواصلية متسمة بالحياد والسلبية، بل إنها تتحول إلى كائن إيجابي وفاعل في إعادة إنتاج ذات الهُويّة، وتطويرها، أو على العكس من ذلك تحلُّلها وتدهورها(3)؛ وقد تثور إشكالية أخرى في معرض الحديث عن العلاقة بين التّرجمة والهُويّة الثقافية؛ تتصل بترجمة النصوص الدينية، وانطلاقاً من أن اللُّغات تُشكِّل وعاء تاريخيا للشرائع والرسالات السماوية؛ فقد طرحت قضية ترجمة هذه النصوص من لغة إلى أخرى مشكلات تصعب على الحل إلا بالإيمان بوجوب لزوم منهج المحافظة الترجمية، وقد أسس الباحث طه عبد الرحمن في مشروعه الفكري لافتراضين يرتبطان بعمل ترجمة النصوص الدينية انطلاقا من تجربة ترجمة الإنجيل :ممارسة الدعوة:حيث تنزل ممارسة الترجمة في هذا التصور منزلة ممارسة الدعوة، ذلك أن ترجمة النصوص الدينية اقترنت بإرادة القائمين على هذه الديانات والمنتسبين إليها في نشر تعاليم هذه الديانات بين الشعوب، وفي حمل أفرادها على اعتناق هذه التعاليم، فيكون العمل الترجمي الديني غير منفك عن مبدأ الدعوة إلى الدين.والقيام بالوساطة:ينزل المترجم في هذا التصور منزلة الوسيط، وواجب الوسيط في المجال الديني-كما هو شأن النبي- أن يبلغ ما يحمله تبليغا أمينا لا تبديل فيه ولا تحريف، حتى يعلم المبلغ إليه بحقيقة الرسالة، فينهض إلى التصديق بها والعمل بها على الوجه المطلوب، غير أن الدكتور طه عبد الرحمن لا يستحضر في هذا المقام من قاموا بعمل الترجمة لنصوص دينية لا يعتقدونها ولا يؤمنون بها، وإنما كان هدفهم من إجرائها والعمل عليها تحريفها عن مقصديتها وتشويهها، ونقد عناصرها ونقض أركانها، وهو كثير فيما يتعلق بترجمة القرآن الكريم ولا يكاد ينتهي إلى غاية بسبب ما حمله المستشرقون وغيرهم من المغرضين من كراهية في قلوبهم دعتهم لتنويع أساليب النيل من الإسلام والقرآن وحامل هذه الرسالة صلى الله عليه وسلم(4).

ومن بين الأسئلة التي تتصل بالتّرجمة والهُويّة الثقافية: هل توجد أصلاً ترجمة قادرة على القيام بوظيفة الحوار الحضاري بين الشعوب؟ ومن يبحث عن أجوبة لهذا السؤال، يلفي نفسه بالضرورة يُناقش إشكالية رئيسة معروفة في نظرية الترجمة هي إشكالية الاستحالة، حسب تعبير(جورج مونان)أو تعبير لادميرال، والإجابة على هذا السؤال تباينت تاريخياً بين ثلاثة مواقف رئيسة، هي: موقف مشكك في شرعية الترجمة ودورها الحضاري، وموقف مؤيد لها، وموقف ثالث توفيقي(5)، ومما لا يُخامره أدنى شك أن ترجمة النصوص المُقدسة، وعلاقتها بهُوية شتى المجتمعات، تظل مدار أسئلة كبرى في الثقافات المختلفة، ولاسيما منها الثقافة الإسلامية التي تُقر باستحالة ترجمة النص المُقدس، وإنما تُقرب معانيه من المتلقي بلغته، وتمثل التفاسير-على سبيل المثال-مظهراً منها، وهذه الأسئلة تُحيط بالمتن كله، وبمكوناته المختلفة(6)؛ لذلك فالترجمة والهُويّة الثقافية تمثِّل مجالاً خصباً للقراءة والتأويل، والسعي إلى استنطاق الخلفيات،  والتنقيب عن مختلف الأبعاد.

***

الدكتور محمد سيف الإسلام بوفلاقــة

كلية الآداب واللُّغات، جامعة عنابة، الجزائر

.................

الهوامش:

(1) قاسم عبده قاسم: الترجمة وسؤال الهُوية الثقافية، مجلة العربي، مجلة شهرية ثقافية تصدر عن وزارة الإعلام بدولة الكويت، العدد:620، شعبان1431 هـ، يوليو(تموز)2010م، ص:26 وما بعدها.

(2) قاسم عبده قاسم: الترجمة وسؤال الهُوية الثقافية،المرجع نفسه،ص:29.

(3)أمحمد جبرون: انشقاق الهُويّة: جدل الهُويّة ولغة التعليم في المغرب الأقصى من منظور تاريخي، دراسة منشورة في كتاب: اللُّغة والهُويّة في الوطن العربي: إشكاليات تاريخية وثقافية وسياسية، منشورات المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، ط:01، الدوحة، قطر،2013م،ص:51-52.

(4)  إدريس مقبول: ترجمة النص الديني وإشكال العالم التصوري: نموذج القرآن الكريم، مجلة بونة للبحوث والدراسات، مجلة دورية محكمة تعنى بالبحوث والدراسات التراثية والأدبية واللُّغويّة، العدد:18، رمضان1433هـ/يوليو-جويلية2012م، صفر1434هـ/كانون الأول-ديسمبر2012م، ص:12. وينظر:طه عبد الرحمن: فقه الفلسفة1- الفلسفة والترجمة، منشورات المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، المغرب الأقصى،ط:02، 2000م، ص:64.

(5)  أحمد جوهري: الترجمة التلقيحية وحوار الحضارات، مجلة المشكاة، مجلة الأدب الإسلامي، مجلة محكمة تصدر عن المكتب الاقليمي لرابطة الأدب الإسلامي العالمية في المغرب،وجدة، المغرب الأقصى، المجلد الثاني عشر، العدد:52،2009م، ص:24.

(6)  مليكة ناعيم: الغلاف في ترجمات الكتب المُقدسة-دراسة مقارنة-، مجلة حوليات كلية اللُّغة العربية، مجلة علمية سنوية محكمة تصدرها كلية اللغة العربية بمراكش، جامعة القاضي عياض،المغرب الأقصى،العدد:32، 1440هـ/2018م، ص:123.

 

نظم المرصد المتوسطي للتنمية والمواطنة واندماج الجاليات لقاء لقراءة الأعمال الأدبية والنقدية للدكتور أبو الخير الناصري، وذلك مساء يوم السبت 24 شتنبر 2022م بمقر المرصد بأصيلة.

شارك في هذا اللقاء الذي سيره ذ.محمد البوعناني المنسق العام للمرصد الأساتذة الباحثون الدكتور نجيب الجباري، والدكتورة نبوية العشاب، والأستاذ عبد الصمد مرون، والأستاذ محمد المودن.

المداخلة الأولى قدمها الدكتور نجيب الجباري في موضوع "الخطاب السجالي في كتابات الدكتور أبو الخير الناصري"، انطلق فيها من تحديد مفهوم الخطاب والسجال في اللسانين العربي والفرنسي، وخصائص الخطاب السجالي، وحضوره في الأدب العربي، ثم انتقل لتحليل طبيعة الخطاب السجالي، وتقنياته، وآلياته في كتابات الدكتور أبو الخير استنادا إلى عدد من مقالاته التي ضم بعضَها كتاباه "وردة في جدار" و"خارج القفص" ونُشر بعضها في أعداد من جريدة "الشمال".

وقد أشار د.نجيب الجباري إلى أهمية الموضوعات التي يُساجل فيها الناصري وتنوعها (موضوعات سياسية، وحقوقية، وتعليمية، ولغوية...)، وذكر مجموعة من سمات السجال عنده، ومنها: أنه ينظر إلى مُخاطَبه بنوع من التقدير والاحترام، وأنه ينأى عن استخدام الأساليب العدوانية والعبارات العنيفة، وأنه لا يُلغي خطاب من يساجلهم وتصوراتهم، بل يقدمها ويستحضرها ابتغاء منه للموضوعية وسعيا لإعطاء الآخر حقه في الكلام قبل الشروع في مناقشته، ممثِّلا لذلك كله بنماذج من سجالات الرجل لكل من رئيس الحكومة لسابق عبد الإله بنكيران، ونور الدين عيوش، والباحث محمد قنديل وآخرين.

وفي بيان أشكال السجال عنده وجدها تستجيب لأشكالها التي حددها الجاحظ في: محاجة الخصوم، ومناقلة الأكفاء، ومفاوضة الإخوان، ومثّل لكل شكل منها بضروب من سجالاته.

كما عرض لأساليب الاستدلال في سجالات أبي الخير، ومنها الاستدلال الاستنباطي، وأساليب بلاغية (كالاستعارة، والتشبيه، والتمثيل)، وأساليب إنشائية (كالاستفهام، والأمر، والتمني..)، وبيّن أنواع الحجج التي يعتمدها في سجالاته كالآيات القرآنية، والأحاديث النبوية، والوقائع العلمية والاجتماعية والتاريخية، وأشاد باللغة التي يعتمدها في سجالاته، واصفا إياها بالبساطة، والعمق، والجمال، والإفهام.

وانتهى إلى خلاصات منها "احترامُ د.أبي الخير، في سجالاته، لكل الآراء المعارضة حتى ولو لم يقتنع بها؛ وذلك لإيمانه بثقافة الاختلاف، وخلوُّ أسلوبه من السب والشتم، وانطلاقُه في سجالاته من معرفة كاملة ومن مصادر موثوقة متصلة بالقضية موضوع السجال، وقدرتُه على الإقناع والمناقشة وتقبل الرأي الآخر دون أن تكون غايته الانتصار على الخصم، والتزامُه بالموضوعية والابتعاد عن الذاتية والطعن الشخصي..".

بعد ذلك تناولت الكلمة الدكتورة نبوية العشاب في مداخلة عنوانها: أبو الخير الناصري من خلال كتابيه "في صحبة سيدي محمد الناصري رحمه الله" و"في صحبة أستاذي محمد الحافظ الروسي"، جعلتها في محورين أفردت كلا منهما لأحد الكتابين.

وقد وصفت الكتاب الأول بأنه "صغير الحجم، كبير الفائدة، يضم بين ثناياه قضايا تربوية هامة، ويقدم منظومة من القيم والمبادئ الأخلاقية التي تضبط علاقة الآباء بالأبناء، وتؤسس لمنهج قويم،  من أجل تربية سليمة"، وانطلقت تمثل لذلك بما ورد في الكتاب من مناقب الأب محمد الناصري - رحمه الله - كحرصه على تنمية ملكة القراءة عند نجله وتهييئ البيئة المناسبة لذلك، وبذله الغالي والنفيس لتطوير قدرات ابنه الفكرية والإبداعية، وتعلميه إياه الانفتاح على الآخر دون فقدان للهوية أو زعزعة للمبادئ، واتخاذه ابنه صديقا  وتقديم عصارة التجارب المعيشة له دروسا وقصصا صالحة للاعتبار والاتعاظ....لتخلص من تعداد تلك المناقب إلى أنها "نموذج للعلاقة الصحيحة المتينة و المثمرة التي ينبغي أن تكون بين الآباء والأبناء".

كما أشارت المتدخلة إلى جملة أمور لفتت انتباهها في هذا الكتاب، وذلك كالحس النقدي لمؤلفه، وتحريه الصدق في الحديث، وقدراته السردية التي تشربها من مجالسة والده وإصغائه لحكيه.

ثم انتقلت للحديث عن كتاب المحتفى به عن أستاذه د.محمد الحافظ الروسي، مبدية إعجابها بطبيعة العلاقة التي جمعت الطالب بشيخه، وهي علاقة "لا تقل أهمية عن علاقة الأب بابنه".

ونوهت د.نبوية كثيرا بما ضمه الكتاب من يوميات "تحكي عن المواقف والأحداث التي جمعت أبا الخير بأستاذه، والتي من خلالها خبر معدن الأستاذ الأصيل، ونقاء سريرته، وحسن ملاطفته لطلابه، وتقديره لظروفهم، وحرصه على إفادتهم، وتشجيعه إياهم على السير في طريق العلم، واعترافه بكفاءة الأكفاء منهم، وقبوله اقتراحاتهم وأفكارهم المفيدة..."، وهي إلى ذلك يوميات كاشفة عن أدب الطالب أبي الخير مع أستاذه، ومحبته له، واقتدائه به، واستفادته منه علميا وأخلاقيا.

وختمت مداخلتها بالقول "إنه ليس من باب المبالغة، ولا المجاملة، أن أنادي من هذا المنبر، بإدراج هذين الكتابين ضمن مقررات الدراسة. فما أحوج أبناءنا للأب القدوة والأستاذ النموذج".

في المداخلة الثالثة قدم الأستاذ عبد الصمد مرون "إضاءات في كتاب غيمات الندى للدكتور أبو الخير الناصري"، نبّه فيها على جملة أمور تخص هذا الكتاب الذي أفرده صاحبه لشخصية الأديبة الدكتورة سعاد الناصر وأعمالها النقدية والفكرية.

تحدث ذ.مرون عن الصنف التأليفي لـ"غيمات الندى"، مدرجا إياه "ضمن الكتب التي تُعنى بالتعريف بالرجال والنساء من ذوي العلم والمعرفة، فتقدم سيرتهم وإسهامهم الفكري والثقافي والتربوي"، وأشاد باحتفاء د.أبو الخير بأعلام أحياء خلافا للغالب على الساحة الثقافية التي يهيمن عليها "التأبين على هامش الرحيل"، كما أشاد بتعريف المؤلف بالشخصيات من خلال مرآة الذات الكاتبة وأهمية ذلك وضرورته.

وأشار المتدخل إلى عنوان الكتاب، ووازن بينه وبين عناوين كتب أخرى للمؤلف ككتابيه عن والده وأستاذه الدكتور محمد الحافظ الروسي، ليخلص إلى أن "غيمات الندى" عنوان "مخالف لما دأب عليه كاتبنا، حيث تبدو العلاقة بين المضمون والعنوان شاحبة في سياق يفترض الوضوح، ليستدرك بعدُ قائلا إن الكاتب تفطن لذلك فوضع عنوانا ثانيا فرعيا "يخصص ما شمله عموم العنوان الأول، وهو: سعاد الناصر، ملامح من شخصيتها ونظرات في أعمالها".

ولم تخل مداخلة ذ.مرون من نقاش صريح عبّر فيه عن اختلافه مع الطرح الفكري لأبي الخير وأستاذته سعاد الناصر في بعض القضايا التي عرض لها كتاب "غيمات الندى" كقضية المرأة وإمكان الانتقال من الحديث عنها إلى الحديث عن قضية الإنسان عامة رجلا وامرأة دون فصل وتمييز.

وختم حديثه بتحية صديقه الناصري الذي وضع أمام القراء قضايا خصبة للنقاش والاختلاف،  بعيدا عن كل نزعة نحو الحسم ووهم القول الفصل.

أما المداخلة الرابعة فكان عنوانها "محورية الغرض في مؤلفات أبي الخير الناصري"، ذكر صاحبُها الأستاذ محمد المودن أن "الغرض واحد في جميع مؤلفات المحتفى به، وهو الغرض الإصلاحي الذي سخّر له آليات النقد".

رصد ذ.المودن تجليات النقد الإصلاحي وخصائصه عند د. أبو الخير الناصري انطلاقا من خلال كتابيه "لا أعبد ما تعبدون" و"في صحبة سيدي محمد الناصري رحمه الله"، فنوه بحسن اختيار النصوص المقدمة لقراء الكتاب الأول، وقسم ما فيه من نقود قسمين هما "نقد الموضوعات أدبيا واستكناز ما لها وما عليها، ونقد الأفكار التي قد يكون الموضوع المدروس قدمها ظاهرة أو مضمرة"، مرتكزا لبيان ذلك على جملة من مقالات الكتاب، ليستخلص أن الرجل "عندما يدرس ظاهرة اجتماعية من خلال أحد النصوص، أو يكشف اللبس الذي قد يراود القارئ في بعض الأفكار أو المصطلحات، أو يكشف الأخطاء المنهجية لنص ما أو السرقات الأدبية فيه، فهو لا يقوم بهذا العمل من أجل مصلحة خاصة، بل يقوم بكل هذا النقد لتقديم أفكار تساعد على تنوير العقول التي تتعامل مع الأفكار والنصوص الأدبية دون تفكير دقيق"، منتهيا إلى أن "لا أعبد ما تعبدون" "لا يكتفي بنقل المشهد الثقافي وتقديمه للقارئ، بل يقدم المشهد، ويقدم رأي المؤلف الذي يحمل من التوجيه والمحاولات الإصلاحية الشيء الكثير".4326 ابو الخير الناصري

وعدّ ذ.المودن الكتاب الثاني (في صحبة سيدي محمد الناصري) "منهجا يجب على كل أب أن يقرأه ليُحسّن علاقته بولده"، كما عدّه "ترياقا لبعض المشاكل" التي تنشب داخل مؤسسة الأسرة، لا سيما بين الأبناء والآباء، مستدلا على ذلك بأهمية الموضوعات والإشكالات التي طرحها الكتاب، ممثلا لها بنماذج وأمثلة مختارة بعناية من بينها الإشكال "هل نعيش حياتنا أم حياة أخرى اختارها لنا آباؤنا؟"، فبيّن خطورة إقدام بعض الآباء على إهمال رغبات الأبناء وطموحاتهم، وتوجيههم توجيها سلطويا، مشيدا بطريقة توجيه الراحل محمد الناصري لابنه أبي الخير.

كما أشاد المتحدث بجوانب أخرى عرض لها الكتاب من أبرزها: الصداقة بين الوالد والولد، والحوار بينهما، وحرص الأب على تكوين أبنائه تكوينا علميا وأخلاقيا، وتدريبه إياهم على تحمل المسؤولية، ممثلا لذلك بأحداث ووقائع مما ذكره الكاتب في كتابه، مؤكدا من خلال ذلك كله أن هذا العمل "يقدم منهجا للحياة العائلية السليمة"، وتلك رسالة إصلاحية واضحة.

بعد هذه المداخلات تحدث الدكتور أبو الخير الناصري، فعَدَّ نفسَه ومنجزه ثمرةً لجهود الذين أسهموا في تعليمه وتكوينه ابتداء بوالديه، ومرورا بكل الشيوخ والأساتيذ الذي درسوه، منذ مرحلة المسيد حتى الدراسات العليا، دون إغفال أشخاص خارج قطاع التعليم شاركوا في تشكيل وعيه وإغنائه، قائلا إن الاحتفاء به وبأعماله إنما هو احتفاء بكل المذكورين واحتفاء بالمدينة (أصيلا) من خلال عطاء واحد من أبنائها.

وعرج المحتفى به على تصوره للكتابة، فقال إنها ليست ترفا فكريا، وليست بحثا عن وجاهة اجتماعية، ولكنها مسؤولية ينهض بها الكاتب من خلال التعبير عن الرأي الصادق تقويما للاعوجاج واقتراحا للبدائل.

وأضاف أن مؤلفاته كلها تؤطرها الرؤية الإصلاحية، سواء منها ما تعلق بالتصويبات اللغوية، أو ما كان مقالات رأي، أو دراسات نقدية، أو كتبا احتفائية بالشيوخ والأساتيذ.

ولم يغفل أن يشيد، في كلمته، بما قدمه الأساتذة المشاركون من مداخلات علمية، وأن يناقش بعض ما ورد فيها نقاشا أبان فيه عن الاختلاف في الرأي مع الحفاظ على أواصر الصداقة والمودة.

 

فاز الشاعر العراقي د. مصطفى علي بالجائزة الأولى لمهرجان الجواهري – الدورة التاسعة 2022م. عن قصيدته:

إكْليلٌ من الدمع على ضريح المَعَرّي

وكان الشاعر مصطفى علي قد شارك شخصيا هذا العام في مهرجان الجواهري، الذي شهدته مدينة فيرفيلد في سيدني يوم الأحد الموافق 14-8-2022 من الساعة الرابعة مساءً حتى الثامنة، وعلى قاعة المدينة، حيث انطلاق فعاليات مهرجان الجواهري التاسع.

وبعد نشاط أدبي تناوب فيه عدد من الشاعرات والشعراء منصة الخطاب، اعتلى الشاعر فؤاد نعمان الخوري ليعلن نتائج المسابقة الشعرية في حقل العمود، إذ اشار الى عدد النصوص العمودية المستلمة هي " 53 نصاً" ثم أعلن اسم الفائز الأول:

الشاعر الدكتور مصطفى علي

الذي حصل على أعلى الدرجات وبمنافسة جمالية مثيرة، كما جاء في تقريره. وقد استقبل جمهور الحاضرين الخبر بتصفيق حار، سيما أن إعلان النتائج جاء بعد إلقاء قصديته القيمة.41116 مصطفى علي

لقد كان حضور الشاعر القدير مصطفى علي القادم من مدينة ملبورن الاسترالية مميزا، وكان اضافة نوعية هذا العام. ومهرجان الجواهري كرنفال سنوي بإدارة وإشراف الصالون الثقافي في منتدى الجامعيين العراقي الاسترالي، وبإشراف الشاعر القدير وديع  شامخ.41112 مصطفى علي

صحيفة المثقف كانت حاضرة بشخص رئيس التحرير، الذي تلقى الخبر بفرح عامر، وشارك الشاعر وجمهور الحاضرين أفاراحهم، وهو جمهور نوعي متنوع وكبير.41113 مصطفى علي

يذكر أن الجائزة الأولى العام الماضي قد فاز بها الشاعر أحمد راضي من شعراء صحيفة المثقف أيضا. بهذا تفتخر المثقف بكتابها وشعرائها من السيدات والسادة، وتتمنى للجميع دوام التفوق والناجح.41114 مصطفى علي

وبهذا المناسبة العطرة نتقدم للشاعر مصطفى علي بأحر التهاني والتبريكات بالهذا الفوز الكبير، ونتمنىى له الصحة والسلامة.

41115 مصطفى علي

4117 مصطفى علي

4119 مصطفى علي

صحيفة المثقف

15 – 8 – 2022م

 

عرس إبداعي جمالي شهدته سيدني اليوم

إعلان نتائج مسابقة الجواهري الرابعة في حقول الشعر العربي

العمودي، التفعيلة، النثر

تصوير: جليل دومان

4128 مهرجان الجواهري

شهدت مدينة فيرفيلد في سيدني اليوم الأحد الموافق 14-8-2022 وفي الساعة الرابعة مساءً وحتى الثامنة، وعلى قاعة بلدية مدينة فيرفيلد،

Community Hall Fairfield 25 Barbara Street Fairfield NSW، انطلاق فعاليات مهرجان الجواهري التاسع –دورة الشاعر سعدي يوسف.4116 مصطفى علي

أفتتح المهرجان بكلمة ترحيبية لعريف الحفل الدكتور عماد برو مع الحضور الذي غصّت به قاعة المهرجان، وكان المتحدث الأول الدكتور ناطق جاسم رئيس المنتدى، ثم كلمة مدير الصالون الثقافي الشاعر والإعلامي وديع شامخ، بعدها تمتع الحضور بمشاهدة فلم وثائقي عن الشاعر سعدي يوسف بعنوان " الاخضر بن يوسف، الشيوعي الأخير "، سيناريو وحوار وديع شامخ، إلقاء سو بدر الدين، وديع شامخ، تسجيل الصوت في استوديو الفنان صلاح بغدادي، مونتاج واخراج رافق العقابي.

وكان للشعر حصة الأسد في المنهج، إذ افتتح الشاعر أحمد راضي الحائز على قلادة الجواهري للشعر العمودي في الدورة السابقة، ثم كان دور الشاعرالمبدع عبد الخالق كيطان، والشاعر المبدع عماد حسن الاديبة وبعدها كان دور الاديبة، والشاعرةأمان السيد ثم جاء دور الشاعر الدكتور باسم الأنصاري لقراءة ا لنص في اللغة الانكليزية. لينتقل البرنامج الى عرض شهادة حيّة متلفزة للسيدة بان الجواهري وهي تتحدث عن ذكريات وخصوصيات حميمية للشاعر الجواهري، وللمبدعة بثينة الناصري كلمة متلفزة، وبعدها جاء دور الشاعرة كيلدا عطيه، وكان للشاعر وديع شامخ مساهمة شعرية اخيرة.4129 مهرجان الجواهري

ثم اعتلى الشاعر فؤاد نعمان الخوري ليعلن نتائج المسابقة الشعرية في حقل العمود، إذ اشار الى عدد النصوص العمودية المستلمة هي " 53 نصاً" و كانت لجنة التحكيم تتالف من " الشاعر والاعلامي محمد صالح عبد الرضا، الشاعر المبدع كاظم اللايذ، الشاعر المبدع فؤاد نعمان الخوري "

وقد اعلن أسم الفائز وهو الشاعر الدكتور مصطفى علي من العراق الذي حصل على اعلى الدرجات وبمنافسة جمالية مثيرة.

وفي حقل النثر والتفعلية فقد أعلن مدير الصالون الثقافي في كلمة نيابة عن الشاعر المبدع وديع سعادة لغيابه لأسباب قاهرة، بأن عدد النصوص المستلمة هو " 100" نصاً ومن مختلف الجنسيات والبلدان والأعراق والأجناس، وقد تكونت لجنة التحكيم من " الشاعر المبدع وديع سعادة، الشاعر والناقد المبدع ريسان الخزعلي، الدكتورة هند كامل ".. وقد اسفرت نتائج الفرز عن فوز:

الشاعر العراقي عبد الحميد الصائح عن قصيدة النثر

الشاعر السعودي حسين علي آل عمار عن نص التفعيلة

بعد تنافس مثير وتقارب غير مسبوق في الدرجات الممنوحة لكل الشعراء الذين دخلوا مرحلة التنافس الأخيرة، وهذا يدل على عافية الشعر العربي وحيويته.. وقدرة المسابقة على نيل ثقة الشعراء والشاعرات على المشاركة وبأسماء معروفة ولها باع مهم في التجربة الشعرية.. في مقابل لجان تحكيم نزيهة وموضوعية ورصينة.

كان مسك ختام الشعر، دعوة الشاعر مصطفى علي الذي تقلّد قلادة الجواهري وانشد نصه الشعري الفائز في المسابقة لهذا العام.4111 مصطفى علي

ولأن الصالون الثقافي يؤمن بتكريم المشاركين فقد كان اقتراح هذا العام تكريم نخبة من المبدعين التشكيليين وهم جسّام خضر، علي عباس حمادي، أغنار نيازي، عدنان برزنجي، عاطف العبودي، هند القيسي، بسّام جبار، هناء علي"، الذين ساهموا في اقامة معرض تشكيلي ضمن فعاليات المهرجان. وكان هناك تكريم خاص للفنان صلاح بغدادي لجهده السخي في توفير المستلزمات التقنية الصوتية، وتوفير استوديو لتسجيل الصوت لفلم سعدي يوسف بجهود تطوعية.

واخيرا قدمت السيدة نادية البدري مديرة المركز الثقافي الإعلامي العراقي هدية للصالون الثقافي نيابة عن الاستاذ ماجد السعيد رئيس المركز في بغداد، تسلمها الشاعر وديع شامخ.4130 مهرجان الجواهري

علما ان المهرجان اشتمل ايضا على

- معرض كتب للكتبي صباح ميخائيل مع نخبة من الكتّاب في سيدني.

شكرا ومحبة لكل الجهود التي بذلت بسخاء لانجاح المهرجان من قبل اعضاء اللجنة التحضيرية:

البروفيسور أحمد الربيعي

ليث أمغيزل

سلام خدادي

أغنار نيازي

سو بدر الدين

حسان قصّقص

زيا يوخنا

الإشراف التقني

كاكا دانا كركوكي

سيف العوادي4133 مهرجان الجواهري

وتثمين بشكل خاص لجهود الزميلة سو بدر الدين في تزيينها لقاعة المهرجان بلمسات جميلة، مع جهود راقية للزميلة سميرة مسؤولة اللجنة الاجتماعية في المنتدى في اشرافها على الضيافة السخية ووضع لمساتها الجمالية التي ابهرت الجميع، والزميل الرائع حسن الناصري عضو الهيئة الإدارية للمنتدى على دوره في توفير المستلزمات المهمة التي تخص المهرجان إداريا وماديا.

شكر ومحبة لوسائل الإعلام المسموعة والمرئية والمقروءة وهم:

الإعلامية هديل صباح.. عن تلفزيون اس بي اس العربية

الإعلامي سمير قاسم... مدير قناة العراقية الفضائية

الدكتور علاء العوادي.. مدير مجموعة سواقي

الأعلاميين "جمانة، نادية العوادي، سيف العوادي" من مجموعة سواقي واذاعة

FM 2000

المخرج رافق العقابي

الصحفي خليل الحلي.. رئيس تحرير جريدة العهد

الشكر الأكيد لعدسة المبدع جليل دومان الذي أرّخ جماليا لكل لحظة في المهرجان.

شكرا للجمهور الكبير نوعا وكما، الذي لم يغادر القاعة حتى اللحظة الاخيرة لختام فعاليات المهرجان.. لقد كان ملح المهرجان حقا..

***

وديع شامخ

مدير الصالون الثقافي في منتدى الجامعيين العراقي الأسترالي

 

فريال فياضنظم منتدى "رؤى وإبداع"، برئاسة الفنان غازي شاذبك، سمبوزيوم ومعرض في بلدة بعذران بالتعاون مع بلديتها وبرعاية إدارة محمية الشوف، الممثلة بمديرها نزار الهاني.

وذلك، بمشاركة نخبة من الفنانين تخطت أعمالهم حدود الإبداع لتشعل فتيل الدهشة في قناديل الفن وتسكب الضوء على قماشة البوح باعثة الجمال في فضاءات المكان.

 هم صنّاع الجمال الذين نثروا ألوانهم على وجه الشمس واستحضروا مرايا الماضي في صور نوافذ لا تشيخ وأماكن تنبض بالأصالة وتعبق بالتاريخ.

في نهاية السمبوزيوم، مع بدء التحضير للمعرض، تُرك المنبر للشعر والموسيقى لتزدان المشهدية بلوحات من حروف بتوقيع الشاعر حكمت بشنق ولتهفو الأسماع لطرب الفنان ديفيد لطيف.

بالحديث مع رئيس منتدى "رؤى وإبداع" الفنان غازي شاذبك عن المنتدى وأنشطته، قال: "عندما ترتبط الرؤى بالوعي يولد الإبداع فكيف اذا تجسد هذا الإبداع بالفن التشكيلي من هنا ولد اسم منتدى "رؤى وإبداع". منذ خمس سنوات، ولد هذا المنتدى في أحلك الظروف، في وطن المعاناة لبنان، وبدأنا نقاوم المخرز بالحب والجمال، جمال الفكرة وتقنية اللوحة، فكان لنا عدة محطات منيرة في حياة الفن، كان آخرها وليس الأخير سمبوزيوم ومعرض بعذران السبت في 30 تموز 2022، حيث تفجر بركان الإبداع من سراي بعذران وفاح عطر الجمال في أرجاء الجبل ولبنان".

وقد صرح الفنان المبدع برنار رنو قائلا: "شارك حوالي ٥٦ فنان من كل المناطق اللبنانية، بدعوة من زميلنا الفنان غازي شاذبك الذي أحب أن تكون هذه السنة الدعوة على أوسع نطاق. بدأنا بجولة في المنطقة، انتقلنا بعدها للرسم في منطقة أثرية رائعة، رسمت فيها لوحتي المباشرة رقم ٢٣٠ التي أنجزتها خلال ٤٠ دقيقة أمام المشاهدين، وهي منظر من الطبيعة الخلابة بأسلوبي الخاص. كل فنان شارك بلوحتين إحداهما من رسوماته السابقة والثانية يرسمها مباشرة. عند الساعة الخامسة، عُلّقت اللوحات على جدران القلعة وكان معرضا جميلا بحضور حشد كبير من فعاليات المنطقة وأناسها وعند الختام كُرّم المشاركين بشهادات تقدير".

بدورها الفنانة سهام بشنق، أعربت: "كان يوما رائعا في ربوع بعذران، البلدة الشوفية الجميلة عريقة البناء، ذات الإطلالة الساحرة.4065 فريال فياض

بعد جولة في القرية، توزع الفنانون في باحة سرايا آل جنبلاط وهي قلعة بناها الشيخ بشير جنبلاط فوق آثار رومانية منذ ٦٠٠ عام. خلال السيمبوزيوم، عرضت لوحة واقعية معبرة بعنوان "جنان البوح"، ورسمت لوحة انطباعية في رسم مباشر، كانت عبارة عن مشهد من محمية أرز الشوف، لكونها كانت راعية للحدث إلى جانب منتدى "رؤى وإبداع". أتوجه بجزيل الشكر لكل من ساهم بإنجاح هذا اليوم من بلدية وأهالي وبالأخص رئيس المنتدى الأستاذ غازي شاذبك على المجهود الكبير وحفاوة الإستقبال وكرم الضيافة..".

كما كان هذا رأي الكاتبة والفنانة جومانا أبو مطر صلاح الدين عند سؤالها عن المعرض والسمبوزيوم: "إنه ارخبيل فن تصدح في فضائه الطيور بغبطة وسناء.. شلال جمال يتدفق ألواناً ساحرة من أفكار مبدعة وقلوب محبة للفن والثقافة والجمال. تجولت في فناء سرايا بعذران التاريخية وجلست في ساحة بيت الضيعة ووضعت أمامي لوحتي البيضاء وتأملت المكان والضيعة الوادعة الجميلة بأهلها وموقعها المرتفع على تلال الشوف العريق.. والوارف الظلال بأشجاره الباسقة الغنية بالوقار والجلال والتاريخ العريق بعاداته وأصالته الذي يتحدث عنه أهله بإسهاب..

كنا مجموعة فنانين من عدة مناطق لبنانية نحمل في قلوبنا نبضاً خفياً يقول للفن أهلاً وسهلاً.. وللصداقة ينثر عطراً شذياً فواحاً بالمحبة والإخلاص.. شكراً من القلب لبلدية بعذران ولجمعية محمية أرز الشوف وللمنظم الفنان المبدع الأستاذ غازي شذبك على الدعوة الكريمة والأجواء الفنية..".

و ذكرت الفنانة مهی ابو شقرا: "مشاركتي في المعارض هي رسالتي كفنانة وهدف أعمل علی تحقيقه. بعد الإنقطاع بسبب جائحة كورونا، العودة إلى الرسم هو تأكيد علی الحضور وتعبير عن الذات هو الشغف الذي أعيشه مع الفنانين، لذلك لبيت دعوة الأستاذ غازي ومنتدی "رؤی وإبداع" وأسعدتني هذه الدعوة فهي كباكورة لمشاركات لاحقة تتيح تعميق الثقافة الفنية ونشر هذا الشغف، الرسم هو لغتي التي جذبتني منذ كنت طفلة أشاهد أمي وهي ترسم، أعبر من خلالها عن طاقتي الإيجابية الكامنة في داخلي. كان يوما جميلا، ثقافيا وفنيا بامتياز".

ومن الفنانين المشاركين في هذا النشاط الفنانة ريما عوام التي عبرت: "كان سمبوزيوم ناجح بإدارة الفنان غازي شاذبك رئيس "رؤى وإبداع" في بعذران حيث استُقبلنا بالترحيب والكرم. حضره الفنانين من كل المناطق اللبنانية وكذلك من العراق وسوريا ولفت نظري تواجد سواح من تونس بين المدعوين. رسمت، خلال السمبوزيوم، منظر لمنزل في بعذران بالسكين شاركت فيه بالمعرض بالإضافة إلى لوحة بورتري لشي غيفارا".

وقد اختتم المعرض بتكريم المشاركين وتوزيع الشهادات التقديرية.

***

فريال فياض

 

 

إحتضن البيت الثقافي الروسي فردان _لبنان معرض بعنوان "أمارجي٢" من تنظيم مجموعة ريشة ولون العالمية، وذلك برئاسة الفنان العراقي حيدر اللامي. شارك في المعرض نخبة من الفنانين اللبنانيين، العراقيين، السوريين، والسعوديين الذين تنوعت لوحاتهم ما بين انطباعية، تعبيرية، وتجريدية بتقنيات وأساليب متميزة حملت بصمة كل مبدع نثر ألوانه على قماشة البوح ورسم بريشة الضوء مشاهد حيوية كسرت مرايا المسافات، كما حاكت قصائد تشكيلية للبوح والتلاقي بعشاق الألوان ومتذوقي الفنون. هذه الثقافة الفنية البصرية وماتحمله من قيم جمالية إبداعية تحاكي القلب والعين وتغني المشهد التشكيلي، هي من تعطي للفن مذاقه الخاص الذي يأسر المتلقي ويدعوه للإبحار في عوالم فنية ساحرة مليئة بالدهشة والفرادة.

وبعد جولة في المعرض، كانت لنا مع الفنانين هذه اللقاءات...

رئيس المجموعة الفنان حيدر اللامي:

"مجموعة ريشة ولون العالمية هي طائر حر يحلق في سماء الإبداع، يحمل على أجنحته رسائل ملونة، وينثر السحر والجمال في كل محطة يقف عندها، كذلك يستمد قوته من حضارته،" امارجي" تعني الحرية باللغة السومرية، ونحن بصدد ترك بصمتنا في كل مكان نحط فيه رحالنا".

المديرة التنفيذية هيفاء جواد:

"إنّ "امارجي" عبر عن مدى حرية الفنانين باختيار أعمالهم التي تترجم أفكارهم.. فتارة نجد أنفسنا بعبق حضارة عراقية، وتارة بعبق حضارة لبنانية، وتارة بعبق حضارة سورية،.. فالمعرض إذا ما دل على شيء فإنما يدل على مزيج لوني مشرف وجميل".

الفنانة منى العلي:

"وصلتني دعوة من الصديق الفنان حيدر اللامي، رئيس مجموعة ريشة ولون العالمية، للمشاركة بالمعرض كضيفة شرف، وقد تشرفت بكوني جزءا من هذا التجمع الفني الراقي الذي ضم نخبة من الفنانيين، أسعدني وشرفني أنني كنت من الفائزين بجائزة الإبداع إلى جانب الفنان محمد عباس والفنانة سهام بشنق".

الفنانة سهام بشنق:

"كان لي شرف المشاركة بمعرض "امارجي" بلوحة ناطقة بجمال لبنان، وأنا العاشقة لطبيعة بلادي، وأجد في رسمها متعة لا توصف.. هي منظر من بحيرات فالوغا، رسمتها بالأسلوب الواقعي، تهيبا من التدخل في لمسات الفنان الأكبر، الإله المبدع لهذا الجمال.. ولكم أسعدني أن تنال جائزة الأفضلية في المعرض، مع شكري لمجموعة ريشة ولون العالمية ورئيسها الفنان القدير حيدر علي اللامي على جهودهم البناءة في إذكاء شعلة الفن رغم كل الظروف.. وشكرا لكم على هذه الإضاءة".

الفنانة زينة الخطيب مكارم:

"هدف المعرض تعزيز التعاون الثقافي والتقاء الثقافات، وكان لي شرف المشاركة بلوحة عنوانها" النور والظلمة" هي مزيج بين الألوان الحارة والباردة مما خلق لها التناغم، فالإحساس بالألوان مرتبط بثقافة المشهد والبيئة حيث أعيش، فإذا أمعنّا النظر نرى بيوت القرميد وانعكاس حبات المطر والضباب والوادي العميق فهي بتجريدها اعتمدت على تأثير الأشكال والألوان فقط لأن التجريد هو التعبير عن الأفكار والخيال والمشاعر وليس تقليد للطبيعة وهذا المزيج الحاد بين الظل والنور أعطى انطباعا مفعما بالحيوية والطاقة الإيجابية فبعد الظلمة يأتي النور ليعطي الفرح والبهجة".

هنيئا للفائزين وللفنانين هذا الفيض من الجمال والإبداع وإلی المزيد من التألق.

***

فريال فياض

بيروت – خاص

نحاول أن نتشبث بالمخيلة حتى لو كانت بسعة الظل، حينما نراقب الأمكنة وهي على لائحة الموت، في إنتظار الدفن، ولعل أياً منا سيكون واحداً من إثنين، أحدهما الإحساس بعمق اللوعة حين يفقد المرء وطناً، والآخر سيستمع إلى هذه الحشرجة، كما يستمع إلى مقطع من مسرحية مأساوية لا يلبث أن ينساها بعد لحظات.

تلك المخيلة لم تعد قابلة للحضور كي يستعيد شارع الرشيد وجوده الماضي الجميل، الواقع خلاف الحلم، الشارع يرثي مجده المضاع! لم تعد الأماني وحدها قادرة ان تحيل الشارع الى ممشى للمشاهير في بغداد.

وهي فكرة قائمة جميلة وبسيطة، وعميقة في معناها، نفذتها دول عديدة في العالم، في مالمو من كبريات مدن السويد، أحالوا جسراً للمشاة إلى متحف لأحذية المشاهير من فنانين وأدباء وعلماء، وفي إحدى شوارع هوليود في ولاية لوس أنجلس الأمريكية، بدأت فكرة الممشى (walk of fam) عام 1959لمشاهير النجوم في السينما والموسيقي والادب والعلوم، بتثبيت نجمة خماسية على الارض تحمل إسم الشهير، منها على سبيل المثال الممثل شارلي شابلن، ورواد الفضاء الذين وطأت أقدامهم أرض القمر، ومحمد علي كلاي، الذي رفض أن توضع نجمته على الأرض، لئلا يطىء المارة اسم (محمد)، واحتراماً لرغبته وضعت نجمته على حائط مسرح كوداك، وهناك نجوم خصصت لشخصيات متخيلة، على غرار(ميكي ماوس)، وفرقة الروك.

الممشى تحول الى معلم سياحي مهم في هوليود، ووفر موارد مالية كبيرة لإدارة المدينة، ولا سبيل للمقارنة حقاً بين مدننا ومدن أخرى تأخذك الى دنيا تمر بها كالحلم... توحي لك بالمعاني كما يوحي لك الشعر.

يبدو لي للأسف الشديد ان مدننا تجهر عن نفسها انها مدن بلا ماضٍ، تريد أن تأخذ معها أعمارنا، فكلما أمعنّا في المراجعة إستطعنا أن  نتلمس قدرة الإنسان العراقي على تحويل الأماكن إلى رموز، ما الذي جرى إذاً.؟4019 ممشى المشاهير

شارع الرشيد كان طقساً من الطقوس المقدسة يمارسه البغداديون في خمسينات وستينات القرن الماضي، بتوازٍ تام مع طبيعة الحياة، وتجاسد صاف وتواصل روحي حميم، كان الشارع شرياناً من الشرايين المتدفقة النابضة بالجمال، في مرحلة شهدت التجديد وبدايات التنوير في العراق.

أحسب أن دهشة هذا الجيل وما بعده ستتضاعف لو علموا ان (أم كلثوم) غنت في مقهى (البلدية) الكائنة في الميدان، في ثلاثينيات القرن الماضي (المكان الآن خرابة للنفايات)، وكان الشعراء الزهاوي والرصافي والجواهري، يعبرون عن اللحظات الباهرة التي ولدت في الشارع، من الصعب ان نتصور على وجه الدقة لماذا إختار الملوك والباشوات والزعماء في العهدين الملكي والجمهوري، الحلاق الشهير في الرشيد حكمت الحلي الأنيق المهذب، غير تلك الصحبة الأنيسة الحانية في قص الشعر وتزيين الوجوه، التي دعت نوري السعيد وعبد الكريم قاسم ان يكونا من اصدقاء الحلي، لا يخفون عطشهم لشربت (حجي زبالة)، مع كعك السيد، ما الذي دعا الشاعر الغنائي  أحمد رامي القادم من وادي النيل، ليغرم بغناء محمد الگبنجي والمقام العراقي، وحين أراد أن يعلن عن هذا الحب، لم يستطع تحرير العاطفة، إلا بذاك الحوار من الصدق والعفوية مع الموسيقى والغناء دون خيلاء أو إدعاء، في حفل أقيم لضيوف مؤتمر الأدباء العرب في بغداد عام ١٩٦٤.

شارع الرشيد يؤرقه ماضيه حين يصحو، كلما داهم الحزن هاجسه، فيستفيق تطوف به الخيالات، مخضلة بإرتعاش الجراح، وحده يسكنه القلق كلما مرّ من أمام مقهى البرازيلية، أو مقهى البرلمان، أو عارف أغا، تتهادى مشيته أمام ستوديوهات التصوير، لعبد الرحمن محمد عارف وآرشاك، وانتران، يتراخى يبحث عن مقعد فارغ في مطعم عمو الياس، بعد إحتساء نبيذ الحياة في مطعم شريف وحداد، تختلج مدامعه خائفة حين لايرى أثراً للغائب طعمة فرمان وأبطال روايته (خمسة أصوات)، هناك في الزوايا اشباح لحسين مردان، والبياتي والسياب، وجواد سليم ومحمود صبري، ونزار عباس والونداوي.....

وحده. ينفق الليل، تؤنسه صالات السينما (الرويال، الحمراء، الوطني، ريكس، روكسي، الخيام، علاء الدين) يطوف به الحنين لثغور الصبايا في واجهات السينما، قيل انك يا سعاد حسني -زمزم - تسقين العطاشى، سأبحث عن حلمي وهواي في صورة الشحرورة المغنية صباح وهي تصهل من أعالي آثار بعلبك في لبنان.

أبارك فيك يا شارع الرشيد، هل فكرت في موعد لنا باللقاء؟ سأتحدث لك عن الطابوق الذي إنهال على رؤوسنا من أعالي مبانيك في عهد الزعيم، واعود إلى ذاك الزمن المنتفض مع متظاهري تشرين وكانون، لي حقوق عليك وانت تقاوم تاريخاً، كان الزمن المرّ يعاكسك، لكنك تبقى نقيض الموت، ونقيض اليأس، قد يطول المدى ويجيء الردى، والذي كنت تحذره قد حصل، أن تتحول إلى مدائن موحشة!! فإختر الآن أي المقادير شئت، أسوأها ان تكون جثة مهملة.

هب لي قبل ذلك ضوءاً من قناديل (اورزدي باك)، وحكمةً من مكتبة(مكنزي)، وكِسرةً من خبز باب الآغا، وموعد اللقاء قرب جامع مرجان، أو بيت الخضيري، وإن شئت عند أطلال (خان النبگة)، الذي إستباحوه وأحالوه إلى ركام، وهو المصنف ضمن الآثار المحمية في بغداد.

أما زلت تحلم ان ترصّع  ممراتك وزواياك بنجوم لمشاهيرك؟ كلهم مرّوا بشناشيلك وظلاك، حتى حسون الامريكي كان يرى فيك سبيلاً لمجد الحياة.

لم يعد ذلك بالإمكان يا شارع الرشيد، بعد أن صرت ما يشبه سراب صيف قائظ، ها أنت نحسٌ في الغروب، تلبس جلابيب الشحوب، أراك دامع العين تبكي مثل طفل، ليتها وفت لنا الأيام ما كنا إنتظرناه طويلاً، ضيعونا مثل قبضة رمل في التراب، سرقونا!! ماالذي تكتبه الآن ياشارع الرشيد الحزين؟؟ كل الذين عرفت مضوا، كن كما شئت وإختصر المسألة.

***

جمال العتّابي

 

في برلمان ولاية  نيو ساوث ويلز برعاية وزارة الثقافة - لبنان

نهار الجمعة الواقع فيه ١٥ تموز لعام ٢٠٢٢، أقامت جمعية إنماء الشعر والتراث حفل في برلمان الولاية في نيو ساوث ويلز لتكريم الشاعرين شربل كاملة وسهيل صقر برعاية وزارة الثقافة لبنان، والسيناتور شوكت مسلماني عضو المجلس التشريعي الأعلى.

ابتداء الحفل بالنشيدين الاسترالي واللبناني، وتزين بحضور وزيرة الظل للرياضة والشباب النائب جوليا فين، وسعادة سفير المملكة الاردنية الهاشمية في استراليا الدكتور علي كريشان ممثلاً بالسيد ماهر ماكابلا والسيد محمد نويران، وسعادة سفير دولة فلسطين السيد عزت عبد الهادي ممثلاً بالسيد عيس الشاويش، وسيادة المطران مار ملاطيوس ملكي راعي أبرشية أستراليا ونيوزيلندا للسريان الأرثوذكس السامي الاحترام ممثلاً بالأب نبيل كابلو، ونيافة الأنبا دانيال مطران الأقباط الأرثوذكس في سيدني وتوابعها ممثلاً بالأب يوسف فانوس، وسيادة المطران أنطوان شربل طربيه راعي الأبرشيّة المارونيّة في أستراليا ونيوزيلاندا وتوابعهما السامي الاحترام ممثلاً بالأب حنا البطي، وسيادة المطران باسيليوس قدسية راعي أبرشية استراليا ونيوزيلندا والفليبين وتوابعهم للروم الأرثوذكس السامي الاحترام ممثلاً بالارشمندريت المحامي افرام عباسي، ورئيس دير مار شربل الدكتور شربل عبود السامي الاحترام ممثلاً بالأب حنا البطي، والشيخ بايام جيزان من الطائفة المندائية، واعضاء الاتحاد العائلي للسلام العالمي في أستراليا، وجمعية هيميانا المندائية الممثلة برئيستها السيدة شهلا خميس وبعض الاعضاء، وجمعية الاسرة الاردنية الممثلة برئيسها السيد جرمان المعيت وبعض الاعضاء، والصالون الثقافي في منتدى الجامعيين العراقي والاسترالي الممثل برئيسه الشاعر والصحافي السيد وديع شامخ وبعض الاعضاء، والجمعية الدرزية الاسترالية الممثلة برئيسها السيد زاهي علامه وبعض الاعضاء، واعضاء من جمعية المشاريع الخيرية الإسلامية، والمنتدى الاسترالي المصري، والبروفيسور رفعت عبيد، والشعراء الاجلاء الشاعر المحامي الدكتور مروان كساب، والشاعر والاديب شربل بعيني، والشاعر طوني رزق، والشاعر  عباس مراد، والشاعر غسان المنجد، والشاعر فوزي جبارات، ورؤساء جمعيات ثقافية، واجتماعية، وأحزاب سياسية، وكبار الشخصيات الأسترالية واللبنانية والعراقية والمصرية والفلسطينية. هذا وحضر المناسبة ممثلو الإعلام المسموع، والمقروء والمرئي وجمع من مثقفي الجاليات العربية من لبنانيين، وعراقيين، ومصريين، وفلسطينيين، وأردنيين، وسودانيين، وسوريين.3984 بهية بوحمد

 قدم الاحتفال السيدة فرح عصافيري التي رحبت بالحضور وشكرت السيناتور والنائب شوكت مسلماني، ووزارة الثقافة في لبنان على هذا الحدث المهم، وشكرت ايضاً المحامية الدكتورة بهية أبو حمد، سفيرة السلام العالمي، على الجهود التي تبذلها لتكريم أصحاب المواهب والعطاءات المميزة كالأكاديميين، والشعراء، والمؤلفين، والفنانين، والصحفيين، وغيرهم ممن تركوا أثراً خالداً في التراث، والعلم والثقافة.

رحب السيناتور شوكت مسلماني بالحضور  وبالشعراء المكرمين، وشكر وزارة الثقافة في لبنان، والدكتورة أبو حمد، واثنى على جهودها وعملها الدؤوب في تكريم الشعراء والمثقفين، وأشاد بالنشاط المستمر الذي تقوم به لإقامة مثل هذه المناسبات الأدبية لأصحاب المواهب الخلاقة. وتحدث عن أهمية المناسبة ثم كرم الشاعرين كامله وصقر بهدية تذكارية تحمل رسم البرلمان الاسترالي.

وتوجه معالي وزير الثقافة في لبنان القاضي محمد وسام عدنان المرتضى بكلمة مسجلة على الفيديو الى الحضور والشعراء المكرمين واثنى على جهود الحكومة الاسترالية والدكتورة ابو حمد في تكريم المثقفين وتحدث عن تاريخ الزجل الذي ترك بصمة في تراث لبنان، واهميته، ومسيرة الشعراء على مدى السنين، ومبايعتهم للزجل بين لبنان استراليا، وهناء الشاعرين كامله وصقر على التكريم.3985 بهية بوحمد

ثم قرأ ت السيدة فرح عصافيري رسائل تهنئة وتقدير من اعضاء البرلمان الاسترالي الواردة اسماؤهم ادناه:

1) معالي وزير التعددية الثقافية، ومعالي وزير المسنين السيد مارك جوزيف كور.

2) نائب منطقة كاسل هيلز، والوزير السابق للتعددية التعددية الثقافية وخدمات للمعاقين السيد راي ويليامز.

3) سيادة المطران مار ملاطيوس ملكي راعي أبرشية أستراليا ونيوزيلندا للسريان الأرثوذكس السامي الاحترام

تحدثت ابو حمد بثلاث لغات بالانكليزية والفرنسية والعربية عن اهمية المناسبة، وشكرت الحكومة الاسترالية والبرلمان الاسترالي على افساح المجال لها ولوزارة الثقافة لبنان ولجمعية انماء الشعر والتراث لتكريم الشعراء والمبدعين. وشكرت معالي وزير الثقافة القاضي محمد المرتضى ومساعده سعادة القاضي نجيب براك على رعاية الحفل وعلى تعاونهما واهتمامهما بتكريم الشعراء. كما وشكرت ابو حمد نقابة شعراء الزجل في لبنان والممثلة بالنقبب الشاعر جورج ابو انطون على جهودهما الجبارة لدعم الشعراء والزجل.

واشاد نقيب شعراء الزجل في لبنان النقيب جورج ابو انطون بشعر مؤثر ومسجل عل الفيديو الى الحضور والشعراء المكرمين والدكتورة ابو حمد نال اعجاب الجميع، كما وارسل الشاعر ابو انطون رسالة تهنئة وتقدير باللغة الانكليزية للحكومة الاسترالية، ووزارة الثقافة لبنان، والشاعرين كامله وصقر، وجمعية انماء الشعر والتراث، والدكتورة ابو حمد واثنى على جهودهم البناءة لدعم الشعراء والزجل والمبدعين وأصحاب المواهب.3986 بهية بوحمد

والقى البروفسور رفعت عبيد بكلمة مؤثرة اثنى بها على جهود جمعية انماء الشعر والتراث والدكتورة

ابو حمد في تكريم الشعراء والمبدعين، واعطى ملخصاً عن الاحتفالات التي اقيمت لهذا الهدف، والجهود والعطاء على مدى السنين كٌرِّمَ خلالها العديد منهم. 

واشاد كل من الشعراء الاجلاء: الشاعر المحامي الدكتور مروان كساب بقصيدة زجلية رائعة وغزيرة الصور شنفت الاذان. الشاعر والاديب شربل بعيني بشعر فصيح نقلنا الى ربوع لبنان الجميلة. الشاعر طوني رزق الهب بشعره الرقيق قلوب المستمعين. الشاعر فوزي جبارات بشعر فصيح اشاد بالمكرمين ونقلنا الى ربوع الاردن. الشاعر السيد وديع شامخ بشعر فصيح وشعبي عراقي نال إعجاب الحاضرين.

جرى تقليد الشاعرين شربل كاملة وسهيل صقر بدروع تقليدية من قبل الحكومة الاسترالية، ونائب منطقة مانت درويت السيد ادمون عطالله، وسفير دولة فلسطين، ونيافة الأنبا دانيال، وسيادة المطران مار ملاطيوس ملكي، ورئيس دير مار شربل الدكتور شربل عبود السامي، وراعي الكنيسة الارمنية في استراليا المونسينور باسيل سوسانيان، ورئيس الاتحاد العائلي للسلام العالمي في أستراليا، وجمعية هيميانا المندائية، ونقابة شعراء الزجل في لبنان، ووزارة الثقافة في لبنان، وجمعية إنماء الشعر والتراث.

واعتبرت المحامية ابو حمد، في بيان، ان "هذه المناسبة أضافت رونقاً تراثياً زجلياً في أستراليا والعالم العربي، خصوصا انها تهدف لتكريم ارزتين شامختين من لبنان، وهامتين زجليتين، تقديراً لإنجازاتهم المميزة في الشعر، وسيتم تقديم مذكرة برلمانية بهذه المناسبة النبيلة" وبدورها شكرت الجميع.

***

"الرصاصة (العيار) اللي ما تصيب تدوش".. مثل عربي

اشهر نصب لمسدس في العالم المكنى بنصب (لا للعنف). رفض نصبه في البلد الاصلي الذي ينتمي اليه النحات كارل فريدريك رويترسفيرت  (1934 - 2016)،  فغزى هذا النصب اليوم ساحات مدن جميع انحاء العالم وطبعا وطنه الاصلي كذلك.

الكل يعرف مقولة: رب رمية دون رام.

التاريخ الانساني مليئ بحوادث لا نجد دوما سببا معقولا لحدوثها. كان هناك قوى غير مرئية من ما وراء الطبيعة تتحكم بها. الحوادث ليست مطلقة ولا نسبية وهي ليست مبهمة كذلك لكنها قد تغير مجرى التاريخ. قد يكون هناك علاقة بين الحادثة ولقاء شخصين في زمن معين ومكان محدد دون اي سابق معرفة او تخطيط.

الروليت الروسي لعب بالنار قد يؤدي الى انتخار الاعب اثناء اللعبة. تعتمد على الرصاصة الطائشة. مفهوم اللعبة تاتي من وضع رصاصة واحدة في مخزن السلاح (الشاجور الدوار) اليدوي اي المسدس (ذو الست رصاصات) من نوع (مالكوم) الشهير. هذا المسدس نراه على الاكثر في افلام الكابوي (رعاة البقر) وما يسمى افلام الغرب المتوحش. عرفت اخيرا ان العديد من تلك الافلام صورت في مدينة الميرة الاسبانية والتي فيها مناطق شبه صحراوية (يعتقد الناس بانه لا يوجد صحراء في القارة الاوربية) وقد تم بناء قرى باكملها على طريقة العمارة الامريكية البيوت الخشبية في الافلام الكابوي (رعاة البقر) وتحولت المنطقة الى مزار للسواح. لا يزال يصور هناك الافلام الى يومنا هذا. خاصة ما كان يسمى ب(افلام اسباكيتي كابوي) وكان معظم الممثلين من الطليان والاسبان.

3950 توفيق

صورة جدارية من متحف المرية، الاندلس

اما في مملكة السويد فهناك قرية سياحية (هاي شبرال) بني على نفس النمط (النمط الريفي الامريكي القديم) يزورها السياح مع اطفالهم كي يعيشوا في اجواء الغرب الامريكي. يؤدي الممثلين المحلين الادوار الشخصيات المشهورة والتي شاهدناهم في بعض افلام الكابوي

3951 توفيق

ملصق دعائي للقرية هاي شبرال السويد

الهدف من اللعبة اي الروليت الروسي هي ان يظهر الاعب اعلى درجات الجسارة والشجاعة اي لا يخاف حتى من الموت. استخدمت اللعبة في العديد من افلام هوليود الامريكية. السياسة الدولية اليوم يشبه كثيرا هذه اللعبة (القذرة) التي يرهب الاعب والمتفرج معا في نفس الوقت. العديد من الدول استخدمت هذه الرصاصة في لعبة الحرب والسياسة وكانت النتيجة دوما الخسارة كتلك الطلقة الطائشة تحيد من مسارها الطبيعي وتستقر في قلب احد الضحايا. كمن يقول (رب رمية من دون رام) هذه الطلقة الطائشة في العلوم العسكرية اجريت كتجربة على  100 اطلاقة مدفع اطلقت تحت نفس الضروف والاسلوب والمدفع نفسه. الا ان دوما احدى طلقاتها تحيد عن مسارها. وتلك الرصاصة الطائشة  كانت سببا لاشعال الحرب العالمية الاولى حين اطلق صربيا قوميا الرصاص على ولي عهد النمسا فرانس فرندينارد.

مخلص الكلام، هذه اللعبة تشبه مبدا الاحتلال في نتائجه السلبية على الظالم المعتدي، على الضحية البريئ وعلى المتفرج الذي ليس له (لا ناقة ولا جمل).

كنت قد كتبت كلمة (الإمبريالية الروسية) كمصطلح جديد في القاموس السياسي المعاصر في احدى مداخلاتي وطبعا استهزء بها البعض فيما قدم اخرون تعريفا لكلمة (الإمبريالية) لتوضيح الامر على انها اعلى درجات الرسمالية. اعادة امجاد الماضي حلم القوميين في كل زمان ومكان.

كنت مع زوجتي في زيارة قصيرة الى مدينة (مالمو) نهاية العام الماضي. المدينة تقع في جنوب مملكة السويد وتربطها عبر بحر البلطيق جسر جميل مع عاصمة الدنمارك، كوبنهاجن .إحدى صديقات زوجتي مشكورة، حجزت لنا في فندق وسط المدينة غرفة جميلة تطل على المحطة المركزية في المدينة. مدينة احببتها ودرست في جامعتها كباحث قبل أن أحال على التقاعد.

وكنت قد حللت في هذه المحطة لاجئ  قبل ٣٥ عاما. ولا زلت أتذكر شكل البناية القديمة، رغم التغيرات الكبيرة التي أجريت عليها من تكبير البناية وتحديثها.

نزلنا في هذا الفندق وفجأة وانا ادقق في اللوحة النحاسية في بهو الفندق والتي خط عليها أسماء المشاهير  والشخصيات من نزلاء الفندق عبر التاريخ ومنذ تأسيسها قبل الحرب العالمية الاولى. إذ بي ارى بين اسماء تلك الشخصيات من أمراء وفنانين وسياسيين والذي جلب انتباهي هذا الاسم بالذات لينين (فلادمير اتش لينين) الذي كان يوما ما أحد نزلاء هذا الفندق الجميل مع ثلاثين من رفاقة في طريقهم من  منفاهم زيورخ في سويسرا وعبر المانيا النازية والسويد وفلندا وصولا الى سانت بطرسبورغ

3952 توفيق

الصورة من المتحف الروسي في ملقا، الأندلس

هذا  الاسم بالذات غير تاريخ العالم باسره منذ ثورة 1917 وانهيار روسيا القيصرية ومن ثم تاسيس الإتحاد السوفيتي  عام 1922 و"الايام العشرة التي هزت العالم" وكاد لينين أن يموت غرقا في الحدود وفي إحدى بحيرات شمال السويد أو فنلندا وربما كانت تلك الحادثة حافزا له بعد سنوات حين آثر عدم إحتلال فنلندا حتى بعد حربه معها ويمكننا ان نشاهد آثار الحرب قائمة لحد يومنا هذا في الحدود مع روسيا وبذلك أصبحت جمهورية فنلندا دولة مستقلة. اليوم تغيرت الصورة ف (لو) ها هنا حرف شرط غير جازم يفيد التعليق في الماضي أو المستقبل ، فرضنا انه غرق في تلك الحادثة  وكانت البحيرة كالرصاصة الطائشة لكنا راينا عالما اخر غير هذا ما نحن عليه اليوم. الغريب ان التاريخ مليئ بتلك الحوادث التي كان من الممكن ان تغير مجراها. العراق شهد عملية اغتيال زعيمها عبد الكريم قاسم عام 1959 وكان بين المجرمين القتلة اسماء غيرت لاحقا تاريخ العراق المعاصر واتوا بالماسي على الشعب العراقي وجيرانهم. لكن سياسة الزعيم وتطبيقه مبدا " عفا الله عما سلف" كان السبب المباشر لعدم تنفيذ القصاص بحق هؤلاء المجرمين. اللذين وصلوا الى الحكم لاحقا وعاثوا فسادا في الارض.  الشيئ نفسه يمكن قوله بالنسبة للدكتاتور ادولف هتلر الذي اصابه رصاصة في الحرب العالمية الاولى ولم تستقر في قلبه ليخلص الانسانية من شروره. والقائمة طويلة بين اشخاص نجوا من الموت ولكنهم تحولوا لاحقا الى اشرار وطغاة نشروا الموت والعنف.

3953 توفيق

اللوحة التي تزين مدخل احد الفنادق وعليها اسماء شخصيات غيرت التاريخ.

العالم في تغير مستمر ومن يعتقد اليوم ان هناك ولو ظل من أفكار لينين في القيادة الروسية الحالية فهم في وهم كبير ويعيشون في الماضي. روسيا اليوم دولة رأسمالية ، امبريالية بكل المقايس  كما عليه القوميين الحالمين بمجد ماضيهم التليد حين كانوا امبراطوريات تسعبد الشعوب.

اعود الى الوقت الحاضر لاذكر للقارئ الكريم ان بعض ما جرى في الماضي نرى آثاره في المستقبل وتلك دورة زمنية ومكانية تنطلق ثم تعود الى نفس النقطة والاي بدات كنها (اعادة وتدوير).

الحرب إحدى تلك الدورات حتى لو عاد ك"  كوميديا ".

التاريخ مليئ بالامثلة فيما يخص احتلال جيش لاراضي دولة ثم تاتي الخسارة بعد نشوة النصر القصيرة. لو عدنا الى صفحات التاريخ نرى حتى شعوبا هاجمت واحتلت دولا ثم ذابت الشعوب الغازية  وانصهرت بين ظهراني تلك الشعوب واختفت تماما من الوجود. صفحات التاريخ مليئة بتلك الحوادث.  الاندلس والحكم الاموي فيها لم يكن ليتم لولا نجاة عبد الرحمن ابن معاوية من بطش العباسيين اللذين قتلوا

جميع الأمراء من الامويين. صقر القريش الذي يكنى به هذا الانير مثل (الطلقة الطائشة) الذي حكم في الثكقرة الاوربية. انظر الى بلاد الرافدين وكم من مرة احتلت ولم يبقى من المعتدي اليوم اي اثر. لا بل انظر الى مصر وتاريخ الاحتلال للمصرين. ربما الاهرمات التي تعتبر احد العجائب السبع للعالم القديم الشاهد الوحيد  الذي لا يزيلة الزمن والحروب وتبقى شاخصا ودليل على فناء الاحياء جميعا وبقاء التراب والحجر وشعب وثقافة الشعب المصري العريق

3954 توفيق

الاستثناء الوحيد (الطلقة الطائشة) بين جمع يؤدي التحية النازية

المشكلة كما اسلفت ان بعض القذائف الطائشة تؤدي لحدوث امور غير متوقعة في مكان ما. كما هي في ظاهرة حركة الفراشات في غابات الامازون الاستوائية التي تؤدي طيرانها الدائري الى حدوث فراغات هوائية في الجو تؤدي لاحقا الى عواصف واضطرابات في الغلاف الجوي نتيجتها قتل الالاف وخراب مدن باكملها في الولايات المتحدة مثلا. هذا حال العالم اليوم فالجسد واحد حيث يحدث مجاعة في مصر اذا جرى الحرب في اوربا مثلا. نعيش اليوم  في عالم العولمة التي يسميها البعض (القرية الكونية) عالم تحول فية الدنيا الى (اسنان المشط) اي ناكل ونلبس نفس الماكل والملبس ونفس الماركات (العلامات التجارية) ونستخدم نفس الاجهزة بل نغني نفس اللحن وقريبا سنتحدث بلغة مشتركة ونتواصل عبر الانترنت حيث المسافات والوقت تساوي صفرا حيث نرى مجرى الحوادث حال حدوثها اينما كنا حتى على القمر.

اما تلك الرصاصة الطائشة ك(الطفرة الوراثية عند البشر) التي تطلق من مكان ما وعن طريق اوامر غبي جاهل بالتاريخ ومساراتها المتعرجة وهو بنفسه وبالتاكيد منتوج سيئ لمجتمعات الجاهلة صانعة الغباء التي تنتج الطغاة.

اطلاقة المدفع الطائشة لها قصة طريفة كان استاذي للغة الالمانية (شبرينغر) قبل اكثر من اربعين عاما في النمسا يرددها على اسماع الطلبة الاجانب اللذين ينوون الدراسة في الجامعة ولكنهم في السنة التحضيرية. تلك القصة الطريفة ذو المغزى الاستهزائي عن تلك القذيفة الطائشة التي اطلقها النمساوين على مقر الحامية العثمانية في المدينة واستقرت طعبعا حسب روايتهم على الطاولة التي كان قائد الحامية يتناول غذاءه. كنت امر من امام البناية كلما ذهبت الى اعدادية كيبلر في الجهة الاخرى من نهر مور . هذا الزقاق يقع في المدينة القديمة والمسماة سبور كاسه. في هذه البناية يشاهد جنديا عثمانيا وقد خرج بنصف جسده من الشباك ليرى من اين جاءت تلك القذيفة.

3955 توفيق

هذا ما سوف تشاهده وانت تمر من امام مقر الحامية العثمانية في مدينة كراتس النمساوية

نعم تلك القذيفة (الفاشوش اي حكم الغبي)  الطائشة تاتي بنتائج سلبية على الجميع ويحرق الاخضر واليابس كما فعل الدكتاتور النازي ادولف هتلر وامثاله وما اكثرهم في كل الازمان . اينما تولوا وجهوكم واينما كنتم حتى على سطح القمر سيكونون هناك امثالهم.

***

د. توفيق آلتونجي

2022

ضيف اتحاد ادباء كربلاء يوم السبت 25-6-2022 وعند الساعة السادسة مساء الشاعر العراقي المغترب سامي العامري الذي استوطن بلاد الجرمان منذ عام 1986 وقد افتتحها الشاعر سلام البناي رئيس الاتحاد مرحبا بالشاعر العامري وبالحضور جميعا من ثم طلب مني ان ادير الجلسة وأنادي على الشاعر أن يجلس بجابني واقدمه للحاضرين من الشعراء والكتاب وجمع غفير من المثقفين والشعراء الذين لبوا الدعوة لحضور الامسية حتى امتلأت القاعة بالحاضرين وانا هنا اوجه الشكر الجزيل لكل من حضر من اعضاء اتحاد ادباء كربلاء والاخوة الذين جاءوا من بابل، الشاعر كامل الدليمي والشاعر علي حميد الحمداني، ومن الاسكندرية الشاعر ابراهيم الجنابي والشاعر عمران العبيدي والشاعر سالم سالم حميد ومن الناصرية الباحث والمؤرخ صباح محسن كاظم كما تلقيت عدة رسائل من اصدقاء من الجزائر والمغرب وفلسطين والمانيا وكندا وروسيا ولبنان يباركون هذه المبادرة والاحتفاء بالعامري، وبعد ترحيبي الحار بالشاعر العامري ومرافقيه (ابن عمه كاظم العامري والشاعر علي الزاغيني).3890 سامي العامري

قلت: احبتي واعزائي شعراءنا وكتببنا المحترمين، يسرني ويسعدني ان ادير هذه الامسية التي نحتفي بها بواحد من شعراء العراق المهاجرين المهمين والذي لم يُسلط عليه الاعلام ولم يتناول تجربته الابداعية من النقاد الا ما ندر، سامي العامري هو شاعر عراقي مقيم في ألمانيا، تولُّد بغداد في 27 – 4 - 1960 في قرية أبو غريب غربي بغداد. درس في معهد الإدارة والاقتصاد ولم يتمَّ دراستهُ بسبب ظروف الحرب، سنحت له فرصة عبور الحدود الى إيران عام 1984 واقام في هذا البلد لمدة عامين ثم غادر الى دمشق وبعد ذلك رحل الى المانيا عام 1986 واستقر في هذا البلد منذ ذلك الحين ولحد الان.

من اصداراته:

السكسفون المجنح مجموعة شعرية دار سنابل القاهرة 2004

كما صدرت الطبعة الثانية لنفس المجموعة عام 2010.

في العام نفسه، عام ٢٠١٠ صدرت له ثلاث مجموعات شعرية أخرى كُتبت على مراحل متفرقة وهي كالتالي:

- أعراض حفاوتي بالزنبق - مجموعة شعرية - دار سندباد - القاهرة

- العالَم يحتفل بافتتاح جروحي - مجموعة شعرية - مؤسسة شمس للطباعة والنشر - القاهرة 2010

- أستميحك وردا3895 سامي العامري

وأيضا مجموعة قصصية بعنوان النهر الاول قبل الميلاد. وكذلك رواية مكتوبة بلغة حديثة تحت عنوان : حديث ربة الشفاء صدرت عن دار الحضارة العربية – القاهرة كما أن له مجموعتين شعريتين قادمتين تحملان

1- اوقات من يواقيت

2- آناء الليلك وأطراف الجلنار .......

وكتاب شعري آخر باللغة الالمانية يحمل عنوان:

(قلادة من جزر) Halsketteaus Insln

لم يسبق لي ان التقيت بالعامري من قبل ولكننا كنا نلتقي في كل مساء عبر النت سواء في المواقع الالكترونية المختلفة كالمثقف وغيره او عبر الماسنجر وابدأ كالعادة اسمطه بماء مغلي اهلط به جلده هلطا حتى يصرخ من فوره: كنانويه سأنتف ريشك صدقني، لكنه سرعان ما يتراجع ويقول كنانويه امهلني اصعد الى السطح لأرى النجوم كيف تغمز لي فعندها أعلم أنه حلّق في جنونه واعتلى صهوة القصيدة، فالعامري شاعر سهل العبارة ومفرداته مختارة بعناية حتى لتظن انك تقدر تكتب مثل ما يكتب او تقول مثل ما يقول لكنك لا تستطيع وهذا هو السهل الممتنع، وبينما كنت اتحدث عنه كان هو ينظر الي مبتسما ويتصبب عرقا، فقلتُ ما بك؟ قال شدة سمطك آلمتني ومن جراء ذلك تهرأ جلدي وضحكنا، بعد ذلك طلبت منه ان يسمعنا ما احضر لنا من شعر فاختار ما طاب له من قصائده التي القاها على مسامع الحاضرين بطريقته النعناعية وبحركاته التي كانت تماثل تماما صور القصيدة . فقرأ عدة قصائد نالت اعجاب الحاضرين.3894 سامي العامري

وقد قدم الدكتور عمار الياسري شهادة بحق كتاب العامري الموسوم (النهر الاول قبل الميلاد).

وكذلك قال فيه الشاعر عبد الحسين خلف الدعمي قولا جميلا في مداخلته (سامي العامري شاعر تأملي).

 بينما الشاعر علي حسين الخباز قال عنه: لقد كتبت دراسة مستفيضة عن الشاعر سامي العامري عام 2011 ونشرتها في مركز النور وختم حديثه بالترحيب بالعامري بين اصدقائه في اتحاد ادباء كربلاء.

كما شارك من الناصرية المؤرخ والناقد صباح محسن كاظم بقراءة نقدية عن شاعرية العامري بالقول: مساء الورد لجميع الحضور ونحن نحتفي بصاحب أستميحك وردا ..الشاعر الذي يعبر بنصوصه عن عبق وضوع وأريج الورد رغم الإغتراب، والتشظي بين مكانين (الوطن -الغربة) لكن بقي شاعرنا الذي أسميته الحكيم الصوفي الشفيف وهو يمتح من الألم الرافديني بسبب الهجرة من الدكتاتورية التي جعلت الذاكرة مسكونه بالأمكنة والإرتباط المشيمي، عرفته للوهلة الأولى من مركز النور و موقع المثقف في ٢٠٠٧ حيث كنا نتبارى لرؤية نصوصه ..الحدسية ..العرفانية3891 العامري وصباج كاظم

الصوفية بشفافية قلب ينبض بحبه رغم ألمه وفراقه ..شكل مع حبيبنا يحيى السماوي ونخبة من شعراء الداخل حزمة ثقافية تربطهم أواصر الوعي والحكمة ..شاعر منحاز للمعنى، شاعر منحاز لجدوى الشعر، كتبت عنه بموسوعة فنارات في الثقافة العراقية والعربية -دراسات نقدية صدر في ٢ ٢٠١ نشرت قبلها بسنوات بالنور، وأتيت من الناصرية مدينة الشعر لأهديه نسخته التي إحتفظت بها لسنوات بوعده زيارة العراق ..قراءة وصفية لشعر سامي العامري في إغترابه، بالطبع خلال العشرة أعوام ظهرت عدة مدارس نقدية مابعد الكولونيالية تتمثل بالمنهج التكاملي الإجرائي،أو النظرية الذرائعية بالنقد لعبد الرزاق الغالبي، في ١٢ صفحة إستطعت تلمس شعرية المغترب سامي العامري ولا يمكن قراءة ذلك بالأمسية لفسح المجالات للأوراق النقدية الأخرى.....

اما علي لفته سعيد الذي اطلع على مجموعته الشعرية (استميحكِ وردا) قد قال في مداخلته: يتمتع سامي العامري بخصوبة عالية في كتابة قصيدة التفعيلة.. نعم هو ينبته الى القافية والوزن لكن كمية الشعر فيها كبيرة لأنه يبحث عن فكرة لا يبحث عن مفردات مموسقة.. وهو ايضا يحاول ان يكون فاعلا في غربته من خلال الشعر.. خاصة وان المعرفة الشخصية به كشاعر مغترب تجعل المتلقي يذهب مباشرة الى موضوعة الحنين.. ولهذا فان القصيدة لديه ما بين العرفانية والفلسفة مثلما ما بين اليومي والمباشر.. ولهذا فان الشعر لديه رسالة داخلية بالعامري .3892 علي لفته وسامي العامري

أما الشاعر علي حميد الحمداني فقد كتب قائلا (العامري كان تلقائيا جدا وطفلا مدهشا ومندهشا يجلس ازاء جمهور مثقف بثقافة مشوشة زرعتها ظروفنا الداخلية في قناعاتنا فأصبحنا نعتقد ان الظاهرة الصوتية لا بد أن تكون احدى ادوات الشاعر.. لكن سامي العامري عكس الصورة واعادنا ٤٠ عاما في عمق ذاكرتنا حيث كانت الكلمة هي الاساس..

لقد ابكاني العامري في قصيدته الاخيرة (اوصيك يا جرحي) ولمس عصبا حيويا مؤلما في ذواتنا واعاد الينا بعض انسانيتنا التي اختبأت خائفةً منا ومن جبروت لا مبالاتنا.. سامي العامري فيلسوف يقف بنصوصه على طرف نقيض من فلسفة (تفاهة الشر) التي استشرت فينا كمجتمع لذلك احسسنا به غريبا بيننا رغم ان سامي العامري هو نسختنا البريئة قبل نصف قرن.

شكرا لك لأنك احضرته وحين احضرته أحضرت معك ذواتنا المفقودة منذ عقود).

وفي الختام قدم الشاعر علي حسين الخباز شهادة تقديرية للشاعر العامري.

3893 سامي العامري

حمودي الكناني – قاص وشاعر

 

في حفل مميّز وبحضور شخصيات ثقافية، سياسية وإجتماعية، عشاق الشعر والصحافة العربية في سدني وقع الكاتب عباس علي مراد كتابه الثالث "حين تتعرى الجهات" وذلك مساء الأحد في 3/7/2022 في قاعة بلدية باي صايد في روكديل.

عرف الحفل الدكتور عماد برو وقال: سوف أعبر من البوابة الأكثر إشراقاً وهي بوابة الصداقة التي تنمو وتكبر بالمحبة.

3930 حين تتعرى الجهات

تحدث في الحفل كل من الشاعر فؤاد نعمان الخوري الذي قال: "تفكّر في العنوان وتتساءل: الى أية جهات يأخذنا عباس، وماذا كانت ترتدي، قبل أن يعلن عريها؟ وما هو الآن فاعل، بعد أن أضاعت ثيابها في غابة الغياب؟" وختم بقصيدة نالت إعجاب الحضور قال فيها:"وغداً جيلُ المنافي/ في صفائك يتمرّى،/ وتغنّي "عيترونٌ":/ من هنا عبّاس مَرّ"!

الإعلامية سوزان حوراني التي أشادت بمزايا الشاعر وعرضت لمواضيع الكتاب وقالت ان هذا الكتاب يختلف كلياً عما كتبه عباس سابقاً. وقالت:" ان الثقافة بألف خير، والشعربألف خير"، واسترجعت الجوانب التراثية في حياتنا التي يتشارك فيها أبناء القرى اللبنانية، واضافت:" ان الأرض لنا، والحب لنا، والفرح لنا وبيلبق لنا الفرح".

3928 سوزان حوراني 

المهندس الشاعر بدوي الحاج قال:" في تَعَرّيه بَقِيَ عبّاس مُحتَشِماً، حالِماً أكثَر منه فاعِلاً، ولَوْ كنتُ أتَمنّاه، وفي كَثير من عُروضِه، أنْ يَخدُشَ بَكارة القصيدة ويُداعِبَ حَياءَ عُذرِيَتِها!".

وتساءل: "ماذا لَوْ مَزّقَ عَبّاس الرِّداء وهَبَّت العاصفة؟!"

أما الشاعر وفي كلمته قال:" إن الكتابة والقراءة والفنون والإعلام من أهم نماذج التواصل الإنساني وارقاها، لأنها النبض الذي يدفع الدم الثقافي في شرايين الحياة، ويساهم في ارتقائها، ورفع مستواها، ويساهم في طرح الاسئلة عن وضعنا الإنساني وأخلاقياتنا وإسهاماتنا ودور الفن والأدب في التنمية الروحية التي تجعل المرء هو/هي يملك القدرة على فهم المشاعر الخفية التي تكمن في الجوهر الإنساني وتفاعله مع محيطه سواء كان سلباً او إيجاباً.

3929 عباس علي مراد 

شاكراً الحضور قال مراد:

"انتم رسل الصداقة، أنتم الصديقات والأصدقاء رفاق الغربة، اللواتي والذين يخففون من مواجع البعد، فكنتم الأهل والعون والفرح... هذا الحفل المميز ما كان ليكون لولا انتم. فوجودكم رغم سوء الأحوال الجوية ميّز هذا الحفل

مرة أخرى تثبتون انكم الأوفياء الذين واللواتي أكبر بكم ومعكم لأنكم أنتم وسام الصداقة التي أعتز بها والتي ولدت ونمت في تيه الهجرة والغربة، وإن قلت أشكركم فهذا بقليل.3931 بهية ابو حمد وعباس علي مراد

وبالختام قدمت الدكتورة بهية ابو حمد درعاً تقديرياً لعباس مراد

- الناقد علي الفواز: الشجرة تلعب دور الموجه في قراءة تجربة الشاعر

- الشاعر عمر السراي: سعد ياسين يمثل أمة من المحبة !!!

- أ. د. جاسم محمد جسام: نص سعد ياسين يوسف تأملي بامتياز.

- أ. د. علي حداد: سعد ياسين يوسف من بين شعراء المشاريع.

- الشاعرة سلّامة الصالحي: سعد ياسين يوسف مؤرخ للوعة الأشجار.

***

3847 سعد ياسينأحتفى أدباء العراق بالمنجز الشعري للشاعر د. سعد ياسين يوسف في جلسة أقيمت فيها بحضور كوكبة من أدباء العراق من النقاد وأساتذة الأدب العربي والشعراء والفنانين لمناسبة صدور مجموعته السابعة (الأشجار تحلّق عميقا ً) أدارها الشاعر جاسم العلي.

وخلال الجلسة قدم الشاعر عمر السراي الأمين العام لاتحاد الأدباء العراقيين باقة ورد باسم أدباء العراق وقال في كلمة له:

إن اتساع مساحات الجمال في الأدب تشكل نقصاناً في مساحات الخراب لذلك مازلنا نحتفي ببعضنا نقرأ قصائدنا لتصل إلى الآخرين نتفاعل في ظل كل الموجات العاتية من التخلف، فشكراً دكتور سعد وأنت تمثل أمةً من المحبة لتحملنا في رحاب قلبك الأجدى أن نتصفحه قبل أن نتصفح دواوينك وقصائدك وأن باقة الورد هذه تمثل الأدب العراقي داعيا الحاضرين جميعاً للمشاركة بتقديمها.

وأعرب الشاعر المحتفى به عن سعادته بهذه الحفاوة والحضور الكبير من الأدباء والمبدعين وقدم عدداً من قصائدة خلال الجلسة.

وقدم أ.د. جاسم محمد جسام أستاذ النقد الأدبي الحديث في الجامعة المستنصرية قراءة نقدية بعنوان سيكولوجية النص – علاقات التوازي (مجموعة الأشجار تحلّق عميقاً) جاء فيها:

إنَّ النصّ الشعري عند الشاعر سعد ياسين يوسف تأملي بامتياز أي أنه يستثمر الهوامش التي يتحرك عبر مساحاتها، ليجعل نصه واقعاً بين الواقع المادي المرير والواقع الحلمي المشتهى وكأنه يلعب دور المحرض والمعوض معا ً جاعلاً من نصه نوعاً من البديل الذي يعوض جفاف الواقع وبؤسه وبهذا يترك لنصه حرية واسعة ووظيفة مضافة ومزدوجة للتأملي والفلسفي مما يخلق دائماً ما يسمى بالضد الذي يزيد توتر وطراوة الحالة الشعرية فينتج مزيداً من الإيحاء والإيصال والتشويق للمتلقي.

-وقدم الأستاذ علي الفواز رئيس الأتحاد العام للأدباء والكتاب مداخلة ًجاء فيها:

أصدر الشاعر الدكتور سعد ياسين يوسف سبع مجاميع شعرية في ست ٍ منها أعتمد رمز الأشجار حيث تلعب الشجرة دور الموجه في قراءة تجربة الشاعر وتضعنا أمام تجربة تقترب من سمات الشاعر الرعوي الذي يحاول أن يجعل الطريقة مجالاً للأشتغال والحفر داخل هذه اليافطة العالية، فهل كان سعد ياسين يوسف شاعراً رعوياً وهل أقترب من تجربة الشاعر عيسى حسن الياسري، سيما وأن تجربة القصيدة الرعوية أرتبطت بالأساطير القديمة وإن الكثيرين من الشعراء الاغريق والرومان وجدوا فيها مجالا ً لكتابة القصيدة الحسيّة وأسطرة هذه القصيدة.

3849 سعد ياسينإن سعد ياسين يوسف حاول أن يجد في هذه الفضاءات مرجعاً له وهو لم يقلد أحداً، لكنه يبدو وكأنه الشاعر الذي يستفيد من جنوبيته من خلال القصيدة ولذا وجد في القصيدة الرعوية مجالا مخادعاً للدخول إلى فضاءات أخرى يعبر من خلالها عن احتجاجه وأسئلته عن العالم، فالقصائد عنده أقنعة تتعدد مستوياتها لتكون أقنعة العاشق والثوري والاجتماعي، وهكذا مقاربة تضعنا عند تجربة تقودنا إلى الجذر الإبداعي الذي ينطلق منه الشاعر عبر رمز الشجرة بما يضع القاريء أمام مسؤولية الكشف عن جوهر القصيدة ومعناها العميق.

فالاشجار هي عنوان للعُليّ للكبرياء لكنها بالمقابل قد تكون أشجار حرب وهي الأشجار المحروقة أو التي يختتطفها اللصوص مثلما هي حكاية زرقاء اليمامة حينما دخل الأعداء وهم يحملون الأشجار على رؤوسهم هذه اللعبة المخادعة هي التي تجعلنا ندرك أنَّ توظيف الثيمة وتوظيف العنوان والفكرة والرؤية في قراءة القصيدة هي التي تستفز القاريء الناقد لكي يدرك أن ما بعدية هذه القصيدة تكمن العوامل المؤلفة التي يمكن من خلالها أنْ ندرك ما الذي يريده سعد ياسين يوسف حينما يحلّق عميقاً بأشجاره وحينما يوظف الأشجار أو يجعل الأشجار هي المحرض الأسطوري على الذهاب نحو الجحيم العراقي ونحو الحلم العراقي ونحو الشهوة العراقية لأن هذه القصائد تستبطن العاشق والثوري وتستبطن الرجل الذي يبحث عن شيء ما أكان هذا الشيء امرأة أو صديق غائب أو وطن غائب أظن أن هذه هي اللعبة الشعرية التي ينبغي أن تقرا بعمق وتمعّن في شعر سعد ياسين يوسف.

- أما الشاعرة سلامة الصالحي فقد أكدت في ورقتها الموسومة "ثيمة الأشجار التي ظللت أشعار سعد ياسين يوسف" أنَّ الشجرة رمزٌ لتجلّي لله والقداسة والحياة والمكان حيث تُظهر لنا ماجادت به أغصانها وتخفي تحت الأرض تفاصيلها وعوالم صبرها..تعطي الظلال وتحتفظ لنفسها بأسرارها ولغتها التي اخترقها سعد ياسين يوسف ليخرج منها بحرير القصائد..

الشهيد شجرة تنبت في الأرض وتخترق السماء...يترك ظله خالداً في حكاياتها وصمتها..تقدس جداتنا وأمهاتنا الأشجار وتشد شالها بجذعها وتطلب منها أن تعيد لها أولادها الذين ساقوهم إلى الحروب..فنحن أبناء النخل الذي رضعنا ثماره حتى كبرت أغصاننا.

الأشجار تعطي ولا تأخذ سوى ما يغتال الحياة فتمضغه بصبر لتمنحنا رئات تتنفس الحياة..سعد ياسين يوسف ينظر لها أمهات تتجلى في الغياب الذي طال الحنان والرغبات ونشوة الحياة..يخترق جذعها ويجلس كالأطفال ينصت إلى حكاياتها فيخرج ظافراً بالقصائد وأسئلة الوجود التي أحتفظت الأشجار بأجوبتها في جذورها وهي تطعم وتسقي بعضها في الخفاء.

لايرى العابرون إلا ماظهر من الأشجار.. ولكن الشاعر يرى أسرارها ويخترق قبائلها لينتمي إليها في العطاء والنقاء الذي ترتديه دائما روح الشاعر الفائضة بالندى... يستمد نداها ويعقد أذان الصباح القران بين الورد والندى... يعثر على ثنائيات الوجود ويتعثر بالضوء الذي يمتد منه ليخترق العاصفة لامبالياً... فهو الشاعر الذي قبض على سر الخليقة بعد أن تأبط حقيبة الأسئلة الكبرى ولم يعد خائبا..فقد عاد بأسئلةٍ تحرج الوجود وتطلب من الأشجار أن تبوح له...

هذا الطفل الذي لايشيخ...يظهر راكضا في الشوارع يحمل رايته البيضاء فتخضبها الأيام برحيق الشهداء فلم تعد الراية بيضاء وصار بريق الشهادة عنوانا للحياة تحت نصب الحرية وهو يحصي شهداءه بشهادة شاعر...سعد ياسين يوسف مؤرخ للوعة الأشجار وهي تُنحر ليسرق أرضها الطارئون...فيردد اسمائها ويبكي وينظر لموتها الواقف...لكنها الثورة القادمة والراية لم تعد بيضاء.

3850 سعد ياسينوأستهل أ. د. علي حداد أستاذ الأدب الحديث جامعة بغداد مداخلته في الجلسة باستذكار محطات مهمة من علاقته بالشاعر سعد ياسين يوسف والمشاريع الثقافية التي جمعتهما معاً والمحافل الأدبية التي شاركا فيها والقراءات النقدية التي كتبها في منجزه الشعري وحينها كنت عائدً تواً من اليمن وتصادف أن إلتقيت الشاعر سعد ياسين يوسف وقد شدني ما يقدمه من إبداع شعري عبر منصة الجواهري وما يكتنزه من محبة وصفات وسجايا إنسانية.

وقال: لكل شاعر خصوصيات في التجربة تتحرك بين بعدي الشاعرية والشعرية فالشاعرية هي التجربة والشعرية هي خصوصية النتاج لدى الشاعر والذي يشتغل عليه ليصنع وجوداً وتجربة تبحث عنها فتجدها لدى هذا الشاعر دون غيره.

إنَّ الشعرية مساحة وجدان وتفاعل وعمق شعوري والمثاقفة تصنع للشاعر هذه الخصوصية في نصه، وإن كثير من الشعراء يخضعون للآني وللعاطفة المباشرة في الإشتغال على الهم في قصائدهم فيكتبه، لكن هناك شعراء يتركون مشروعاً شعرياً بمعنى أنّه وهو يكتب نصا ً هناك خلفية معرفية وجمالية تشده إلى ما أنتج وإلى ما سينتج ليصبح ذلك مشروعاً ومن بين شعراء المشاريع هو الدكتور سعد ياسين يوسف.

إنّنا أزاء هذه التجربة الشعرية في ديوانها السابع (الأشجار تحلّق عميقاً) وهو امتداد لدواوينه السابقة في اعتماد ثيمة الأشجار مما يثير تساؤلا ما الذي يجعل شاعراً يلح على هذه الثيمة التي قد يتصور البعض ممن لم يطّلع على تجربة الشاعر بوجود نوع من القصدية والتكرار لكن هذا غير موجود عند الدكتور الشاعر سعد ياسين فهو يشتغل على ماهو أعمق.

إن الشاعر سعد ياسين يوسف في هذا الديوان يلخص إشتغالاته في المقدمة في نصّ لأبن عربي، (إنّي نظرت إلى الكون وتكوينه وإلى المكنون وتكوينه فرأيت الكون شجرة) وهذا ما يلخص فلسفة مشروع الشجرة عند الشاعر سعد ياسين يوسف في دواوينه المتلاحقة ليصنع بهذا الشجر هذا الوجود المتلاحق المتدفق المنهمر الذي يتلون بألوان الوجود الإنساني.

فالأشجار لدى الشاعر سعد ياسين يوسف، ترسم لمعادل موضوعي يستدرجه الشاعر من معجميته وباذخ مدلولاته، ليؤشر دعوى التمسك بالمكان، والانتماء القيمي المتعالي إليه، إذ يتلاعب الشاعر بمواضعات الدلالة القارة في المفردات المنتمية إلى قاموسه (الشجري)، ويؤطرها في فضاء من التشكل المفارق. فالأشجار وهي تترسخ حضوراً في المكان لا تغادر امتدادها الصاعد في الفضاء، كما امتدادها الذاهب عميقاً في الأرض  لقد تبدت (الأشجار) أفقاً ترميزياً لا حد لها لإمساك الشاعر بمداليل كشوفاته تلك التي جعلها متسعة كل شيء ـ دلالة وتمثلاً.

وقدم الكاتب رجب الشيخ رؤيتة النقدية خلال الجلسة بعنوان:

الرؤية العميقة والشعورية لرهافة المعنى والصورة الشعرية للشاعر د. سعد ياسين .. في مجموعة (الأشجار تحلق عميقا) جاء فيها:

الامتداد الطبيعي للشعر هو امتداد لحضارة سومر وبقية الحضارات لوادي الرافدين، فالشاعر سعد ياسين يوسف هو الشاعر الطموح الأسمى في مجرات الإبداع والتميز الراقي وبعناوين الجمال والروعة التي تليق به من إنجازات كبيرة ورائعة جدا في مجال كتابة النص النثري الممتلئ والحداثوي، إضافة إلى كيفية التعامل مع أسلوبية فذة ترتقي لمستوى قياسي جديد من خلال الطرح المميز لشاعر الأشجار وإمكانياته في بناء الجملة الشعرية التي ترتقي لمستوى الاهتمام الضروري في عملية التأسيس وإبراز الجوانب الفكرية البارزة في عملية الطرح الجميل والمهم إضافة إلى كيفية استخدام الدلالات التفاعلية والاستعارات الصورية الوصفية البنائية في هيكلة القصيدة النثرية الجديدة المقرونة بتماسك قوي ورصين.

اعتمد الشاعر على بناء الفكرة داخل النص..والإمساك بها ضمن وحدة الموضوع، والفكرة هي إحدى عناصر القصيدة النثرية إضافة إلى الخيال والاسلوب التعبيري لصناعة النص بطريقة تقنية جديدة.

أما الكاتب يوسف عبود جويعد فقد قال في ورقته:

في المجموعة الشعرية (الأشجار تحلّق عميقاً) للشاعر سعد ياسين يوسف، نكتشف الرؤية الفنية التي أراد الشاعر تثبيتها وترسيخها وضمها ضمن بنية النص الشعري، لتكون حاضرة في عملية التشكيل والتكوين في القصيدة الشعرية النثرية، كما أشار لها في بنية العنونة سالفة الذكر، فعملية التحليق بالمتلقي وسحبه والهيمنة على حواسه وشحذ ذهنه وزجه وسط النص الشعري، ليحلق عميقاً مع القصيدة، ليس بالأمر الهين، ولا هو محظ صدفة جاءت ضمن صناعة القصيدة، بل أنه يتطلب حرفية ووعياً، وعملية اتحاد أدوات وعناصر ومكونات النصّ الشعري وتطويعه وجعله عجينة طرية يتحكم الشاعر في صناعتها حيث يشاء، تحتاج الى تخطيط مسبق، وسياق فني فطن وحاذق، وقدرة على إظهار عملية التحليق في النص الشعري.

إنَّ عملية صياغة القصيدة على هذا المنحى تتطلب من الشاعر، إعادة بناء جديدة وحديثة ومبتكرة، لكي يستطيع إيصال ما يبغي منها إلى المتلقي، بصورته الموحدة المحلقة فعلاً وصناعة، وعندما نقوم بتفكيك النص للوصول الى هذه الصورة الفنية داخل النص، نجد أنَّ الشاعر عمل على جعل قصيدته، متصلة متوحدة بكتلة متماسكة، باختياره لمفردات عميقة ودالة وقادرة على جعل المتلقي يحلق مع القصيدة ويتوحد معها، كونها خالية من التقطيع، متواصلة مع بعضها، ترتبط بوحدة موضوع وثيمة وإيقاع مدروس ينساب كالسحر الى ذهن المتلقي، فيبحر وسط بحر عميق، ويحلق في هذا العالم الشعري، وفق تراكيب فنية متقنة.

إنَّ الشاعر سعد ياسين يوسف، الذي أطلق عليه النقاد لقب شاعر الأشجار، ينتمي الى الشجرة بكل تفاصيلها، جذورها، أغصانها، أوراقها، ثمارها، نحيبها، غنائها، فرحها، شهيقها وزفيرها، وأنه منذ أن كتب الشعر وحتى هذه المجموعة، كانت الشجرة زاده وزواده في عملية البناء حتى أضحت صفة وسمة يتسم بها، حيث ينقل لنا في مستهل هذه المجموعة الشعرية مقولة لابن العربي يقول فيها:

"إنّي نظرتُ إلى الكونِ وتكوينهِ، وإلى المكنون وتكوينه، فرأيت الكونَ شجرةٌ".

وهي رؤية فنية للشاعر للتأكيد على أن الشجرة جزء من الحياة، بل أنها الحياة بكاملها، لما تحمل من عطاء ثر، وتلك الرؤية سياق فني مهم في قصائد الشاعر، والتي حملت كل مجاميعه الشعرية رمز الشجرة بأشكال ومعان مختلفة في بنية العنونة قبل أن تكون أداة رئيسة في عملية صناعة القصيدة الشعرية، ومتنها النصي.3851 سعد ياسين

وهكذا يمنحنا الشاعر هذا السحر الذي نسميه التحليق، لنطوف طوافاً متصلاً غير متقطع ولا متوقف مع النصوص الشعرية، وفي أولى قصائد تلك المجموعة التي تحمل عنوان (عطر اور) سنكتشف كل ما ذهبنا إليه

" من طينهِ الفراتِ

قُدَّ قلبُهُ، قارورةً من أور...

هذا الّذي هفا للضَّفّةِ الأخرى

بصدرهِ المسكونِ بالنُّورِ

أجنحةً ما صَدَّها

انهمارُ نيرانِكَ

الّتي أضحى بها مسلةً،

زقورةً.....

ترفعُ للسَّماءِ ما تبقى...

وكل ما ذكرناه سالفاً، وهو يطوف بنا مع الحضارة العريقة لهذا البلد، وهو يقدم لنا صورة شعرية رائقة عن الباحثين عن الوطن:

وفي قصيدة (مقِصُّ أبي) نكتشف هذا التحليق الشعري أكثر وضوحاً، حيث يضع لنا الشاعر صورة شعرية رائقة للأب وجوده ومكانته ودوره الكبير في الأسرة، لنحلق بهذه القصيدة عميقاً إلى الجذور:

" مُذْ أمسكَ بمِقَصِّ حياتهِ

الّذي كادَ أنْ يُطبقَ على غُصنه ِ

وهو يقصُّ لنا قَصَصَ التَّكوينِ

لنغفوَ قبلَ الموقدِ

نَحلُم بالبحرِ المنشقِّ،

بالرُّطبِ المتساقطِ.

يتفقدُ عَنَّا الجمرَ، الأغطية َ

سقفَ الغرفةِ لو أثقلهُ مزاحُ المطرِ....

يقايضُ بردَنا بسِترتهِ...

حينَ يشحُّ غطاءُ الدفءِ.."

وهكذا يتضح لنا أنَّ هذا التحليق هو الطواف المتصل والبناء المتراص المتماسك، والنفس الطويل الذي لا ينقطع حتى تنتهي القصيدة، ويجد الناقد صعوبة عندما يحاول نقل نصّ من القصيدة في أي موطن يتوقف لأنها متصلة، حتى يجد له منفذاً بالكاد يتوقف من خلاله، وعن وحشة البلاد، وعن الجمر المتقد بداخل الروح حباً بها يقدم لنا الشاعر قصيدته الشعرية (ما زَرَعتهُ البلادُ) التي تحلق بنا بعمق اكبر وأشد ضراوة:

"موحشٌ هو البحرُ

لا أشجارَ تصطفُّ على شاطئه ِ

تشيرُ بأغصانِها لموج ٍ

لن يعودَ...

إلا بحبّاتِ رملِ التَّوجّسِ"

وبالرغم من أنني اخترت نماذج من هذه المجموعة، إلا أن كل القصائد التي ضمتها، هي بمثابة تحليق عميق نحو العالم الساحر، والفضاء الرحب، والمفردة المنتقاة المعبرة، والخط المتواصل المتصل غير المنقطع والسياق الفني المحكم، لعملية بناء القصائد، التي تحمل معنى التحليق في رؤية فنية ضمن متن النصّ، لتظهر القصيدة وكأنها تدعونا لهذا التحليق الجميل.

الأستاذ رضا المحمداوي وفي ورقته قال:

منذ سنوات عديدة إجترحَ الشاعر سعد ياسين يوسف منطقة إشتغال شعري خاصة به، وظلَّ خلال إنجازاته الشعرية المتتالية طوال السنوات الماضية يحفرُ في تلك المنطقة الشعرية وينثرُ فيها بذورَ أشجارِهِ التي غدتْ الآن شديدة الخضرة،دانية القطاف، وارفة الظلال،لتصبحَ في المحصلة الأخيرة من العلامات الدالة على تجددهِ ومثابرتِهِ وحرصهِ على خصوصيتهِ ودأبهِ من أجل المحافظة على هذا العطاء الشعري المتميز وخصوبة تجربته.

لقد استعار الشاعر سعد.. هنا روح ذلك الفلاح السومري المثابر الدؤوب الذي يزرع حتى صفحة الماء الجاري حيث علَّمَ القصب والبردي أنْ يمدَّ جذورَهُ في تلك الممالك المائية الطافية.

يعالجُ الشاعر سعد ياسين يوسف موضوعاته وأفكاره الطافحة بالتأمل والخيال معالجةً قائمةً أساساً على صور النمو والإخضرار والحياة ومفرداتها ومترادفاتها الأخرى،وبإيقاع شعري ينسابُ متدفقاً في جذور القصيدة.

وهو يناغي أشجارَ قصائدهِ مثلما يناغي الطفلُ أبجدية اللغة التي أخذ يتعلمها للتو، ويُسمّي قصائدَهُ باسماء الأشجار، فهذه (شجرة العروج) وتلك (شجرة المفاتيح) وهذه (شجرة الانتظار) وتلك (شجرة كربلاء) أمَّا هذه فهي (أشجار لاهثة في العراء) فقد أخذ اسمها وجعلَ منها عنواناً جامعاً لقصائد مجموعته السابقة.. وبعد كل ذلك تحوَّلتْ القصيدة لدى الشاعر إلى شجرة.. شجرة ملتصقة بطين جذورها.

وكنموذج للتعامل أو التعاطي مع مفردات الشاعر وأفكاره وموضوعاته أُوردُ هنا،هذا المقطع القصير للتعبير عن إرادة الحياة وقوتها والانتماء الى الطبيعة والكشف عن سرّ ديمومتها.

" الشجرة التي غادرها الحطابون شتاء

بعد أنْ أسالوا دمها الأخضر

وقطعوا جذعها مقاعد لجلوسهم

واحرقوا غصونها لدفء ملذاتهم

في حفل شواء

لم تشهده الغابة من قبل

لوَّحتْ للربيع

بغصن صغير يرفعُ سبّابتهُ نحو الأعلى

هو الأقرب إلى الأرض."

وفي ختام الجلسة قدم الأكاديمي أ. الدكتور والفنان التشكيلي ماجد البيضاني باقة ورد للشاعر بالمناسبة.

***

3779 سعد ياسين- الشاعر المحتفى به يعانق أشجار طفولته وقصائده الأولى...

احتفت جامعة ميسان بالمنجز الإبداعي للشاعر الدكتور سعد ياسين يوسف لمناسبة صدور مجموعته الشعرية السابعة الأشجار تحلق عميقاً في جلسة أقامتها كلية التربية الأساسية في قاعة المعرفة في الحرم الجامعي وذلك بالتعاون مع اتحاد أدباء ميسان وحضرها جمهور من الشعراء والمثقفين وأساتذة النقد الأدبي وطلبة الدراسات العليا في قسم اللغة العربية في الجامعة .

 وأفتتحت الجلسة بكلمة لرئيس قسم اللغة العربية في كلية التربية الأساسية الدكتور قاسم القرشي قال فيها:

 انه لمن دواعي فخري واعتزازي وسروري أن يلتئم شملنا اليوم مع نخبة من حملة الفكر والهم الإنساني والإبداع للاحتفاء بقامة ميسانية كبيرة ليس لي أن أشير إليها أو أن أدلَّ عليها فليس لمثلي أن يشير للشمس في وضح النهار، تاركاً المنصة للأساتذة النقاد ولأوراقهم النقدية للأضاءة عما خفي عنا من جوانب هذا الكوكب الميساني الكبير سعد ياسين يوسف فمرحبا بك سيدي الكريم في رحاب قسمك وكليتك وجامعتك شرفتنا بمقدمك الكريم .

 قدم بعدها الشاعر والناقد نصير الشيخ الذي أدار الجلسة السيرة الإبداعية للشاعر المحتفى به وأبرز منجزاته واحتفاء الأوساط العراقية والعربية بمنجزه وقال:

نلتقيكم اليوم بنشاط مميز هو ثمرة يانعة من جهد متميز بين جامعة ميسان واتحاد أدبائها هذه الأصبوحة التي يحضر فيها الشعر متدفقا من نهر شاعر الأشجار ويزخر فيها نبضه كشفا جماليا للقصيدة ، هذه الاصبوحة تأتي لتأكيد أن الشعر حقل أخضر والنشاط الأجمل الذي يعيد لنا بهجة الحياة وعنفوانها ويسكت أبداً أصوات الاستلاب ومحو الهوية ،ولذا سيكون الشعر حاضراً متدفقا ، كيف لا وقائله ابن مدينة العمارة وأزقنها ومقاهيها ومكتباتها ، ففي كل ركن من محلة القادرية كان قد زرع رسالة حب مؤجلة وعند كل زقاق أليف كانت له أبتسامة موزعة على أبواب البيوت ومابين كنيسة أم الأحزان حيث المحبة وخطاه في شارع التربية ومحلة التوراة والحروف الأولى في قاعات المكتبة المركزية والصحف الأولى عند المكتبة العصرية كان شاعرنا يجد ذاته برفقة أصحابه رفقاء الدرب الحاملين لمشعل القصيدة والأمنيات .

قدم بعدها الشاعر كلمة شكر لمدينته ولجامعة ميسان واتحاد الأدباء والكتاب فيها وللحضور وقال:

العمارة تجري في دمي نبضاً ونوراً أحمله معي حيثما كنت في العراق أو في خارجه وتولد في كل قصيدة ٍ أكتبها .

ثم قرأ الشاعر المحتفى به عدداً من قصائدهِ التي تفاعل معها الجمهور لتبدأ القراءات النقدية .3780 سعد ياسين

- أ. د . سمير الشيخ أستهل القراءات النقدية بقراءة نقدية بعنوان (نظرة سيميائية في أشجار سعد ياسين يوسف) جاء فيها:

 (السيميائيات) الدراسة الفاحصة لطبيعة العلامات وأشكالها ووظائفها، بمعنى وصف وتحليل وتأويل بل ومقارنة علامات الحياة، وفي مقدمة علامات الوجود (الشجرة) التي تمحورت حول رمزيتها الفلسفات والأديان والآداب،فيما تغدو االعلامة محور الدرس السيميائي. العلامة الشيء الذي يوميء إلى شيء في العالم المادي الخارجي. والعلامة تغدو رمزاً إن هي أرتبطت يثقافة إنسانية متاحة. بهذا التصور، كانت (الشجرة) وماتزال مصدراً للمعنى الرمزي عبر الثقافات الإنسانية، هذا الجذر المتجذر عميقاً في الأرض وتلك الغصون الطليفة التي تكاد أن تعانق ثغر السماء يعطي الشجرة ذلك التناظر الذي يسبغ على وجودها معنى في الأساطير.والسيميائيات في أحد أشكالها المعرفية (فلسفة المعنى). ففي الأساطير الكونية تُعد الشجرة تمثيلاً أو ترميزاُ للحياة والقوة والرخاء. ولعل من أقدم الرموز للشجرة هو أنها تمثيل للنماء الجسدي والروحي بل الحرية والخصب. والشجرة قد توميء إلى الأنوثة في إحدى صورها الرمزية نظراً لإغصانها الطوال وأورقها الدالية، فيما يظل الجذع ترميزاً للفحولة.

لقد كان ظهور الأديان التوحدية التحول العظيم في رمزية الشجرة. ففي (الإنجيل) برز مفهوم (شجرة الحياة) Tree of Knowledgeفي (جنة عدن) والتي يظل مكانها (ميسوݒوتيميا) أو (بلاد ما بين النهرين)، وهي ترميز للحكمة مثلما هي ترميز للإغواء الشهوي والخظيئة. أما في خطاب (الكتاب المنير) حيث (جنة عدن) مسكنها السماء فإن علامات المشهد المقدس (الشجرة / الأفعى / التفاحة) والخصف على السوءة من لدن (آدم) و (حواء) لا تبتعد بعيداً عن فعل الإغواء الجسدي. والمساءلة الآن: ما رمزية الأشجار في (الأشجار تحلق عميقاً) ؟

هذه النظرة السيميايئة العجلى لا تروم البحث عن المعنى الرمزي لشجرة الشاعر (سعد ياسين يوسف) قدر ما تبغي الربط الخاطف لمعنى الشجرة بمسالك الوجود. فالشعر في معتقدي ثقافة تجري مجرى الصور، والعلامة شكل ثقافة قدر ما هي شكل معنى. في البدء، يرتبط الكون – الشجرة بمبدأ (الحب)، الجوهر الفلسفي الذي نادت به الإفلاطونية منذ أقدم الأزمنة:

(تتمايل في حضرتك ملايين الأشجار

رافعة كل غصون الورد

الأعشاش ، عصافير البهجة،

أطراف كفوف أرز الرب)

(محاولة ليست أخيرة، ص 22-23)

**

إن روح الحب يبعث في علامات الطبيعة سرانيتها وقوتها في الوريق الأبدي، وتقنة (التشخيص)، أي إضفاء السمات البشرية على الكائنات الطبيعىة من قبيل (أطراف كفوف أرز الرب) تسبغ على تلك الكائنات ذياك التوهج الذي لا يهدأ. لكن شجرة الشاعر لا ترتبط بماهو تجريدي حسب، بل أيضاَ هو ثقافي ما ثل في الذهن وفي السمع: أنها الموسيقى:

(حين أرتقيتِ

سلم شجرتي

شددنا معا وتر الغصن السادس

فتبسم "زرياب"

لتهبط علي الملائكة

وأنا في محراب التوهج

أنتظر نجمك المتلإليء

يمطرني بفراشات الضوء

بغيوم الأغاني الهاربة

عمداً إلى التيه

مع صوت تنفس الصبح

إذ نتوضأ بالدهشة.)

(شجرة العود، ص 26)

**

 لا يحتاج العقل الناقد إلى مزيد من المعرفة لإدراك العلامات الموحية بالفضاء الموسيقي (سلم / الوتر / زرياب)، غير أن المقطع الشعري بكليته يشكل (إستعارة ممتدة)، فثمة صور شعرية دافقة تتجاوز البيت الواحد لكأنها تيار مائي موار لا ينتهي إلا حين يبلغ مبتغاه. هذه البنبة الخطية تشهد تحولاً في المعنى تحيد عن لغة الإحالة لتدخل مدن المجاز الغرائبية التكوين. لنقرأ ثانية (يمطرني بفراشات الضوء / غيوم الأغاني الهاربة / صوت تنفس الصبح). هذه الدفق الصوري ليس بالمتاهة اللسانية أو الرطانة المتهافتة، بل ثمة دفق شعوري خبيء يقود قياد العلامات صوب الخلق الشعري السادر.

يرتبط الكون – الشجرة بالإنسان، صورةٍ الإله في الأرض، الإنسانِ الباحث عن وطن ليغدو بعد حين أبتسامة من دم أو أغنية للرصاص:

(كم من الدم يلزم هذه الأرض

لتغسل عتمة الحزن

عن وجهها،

ظلام ألف عام

وعام ؟

ألا تكفي ابتسامات الدم

في صدورهم

حين تعروا للرصاص

الباحث عن وطن فيهم

في رحلتهم الأزلية

للبحث عن وطن !)

(عطر أور، ص 8-9)

**

 قد يغني المغني غربته أو النفي عن وطنه، ولكن كيف تغني دماء الوردة اليانعه في أرضها وهي تُسفك على مقربة من (مجسر الزيتون) صادحة بنشيدها البكائي الرثائي الحزين (أريــد وطن) ؟!3781 سعد ياسين

- الشاعر ماجد الحسن فقد قدم قراءة نقدية بعنوان (تداولية الحدث اليومي الأشجارُ تحلّقُ عميقاً أنموذجاً)

جاء فيها:

لابد من الإشارة إلى أن تداولية الحدث اليومي هي مفارقة رؤيوية فتحت أفقاً مهماً في مسار التشكيل الشعري الذي تغير في ضوئه المعنى الشعري الذي اقترب إلى هموم الناس وتطلعاتها، فما عادت الرؤيا المتعالية لوحدها تعمق النص بل اليومي صار الأكثر حضوراً فيه، بالشكل الذي صار فيه عنصراً من عناصر الشعرية، ومن مميزات النص الحداثي، هي الابتعاد قدر الإمكان عن التراكيب اللغوية الموغلة بالإبهام والاقتراب من الهامش والمهمل، يعني الاقتراب إلى اليومي بتبسيط لا يخل بالعمق، حتى ظهرت الى العيان ما يسمى بـ (القصيدة اليومية) التي لم يدرج عليها الشعر العربي القديم إلا بشكل مختصر ونماذج قليلة فرضتها طبيعة اللحظة الحياتية (الآنية) التي يعيشها الشاعر، وإن مثل هذا الوعي بكل ما هو يومي يمكن تلمسه وبشكل عميق وانسيابي في نصوص الشاعر سعد ياسين يوسف، وحصراً في مجموعته الشعرية الموسومة (الأشجارُ تحلّقُ عميقاً) التي تسعى إلى تجسيد مهيمنات مضمونية وتراكيب لغوية ذات نسق خاص ترصد من خلاله عمق اللحظة.

 إن انفتاح (الأشجار تحلق عميقاً) ينطوي على وعي كبير يكشف عن إشكالية حياتية وفي بعدها المغيب، وأن هذا الوعي أسهم بإنتاجية المعنى وتعميقه، واتساع فضاء الدلالات، فنصوص المجموعة برمتها تكشف عن المضمر في الحياة اليومية، فالشاعر جسّد هموم الناس وجعلها كامنة في النص، فالمجموعة عكست حقيقة هذه المقاربة وهي المطابقة الحية بين النص والواقع أي بين التجسيد اللغوي ومراحل الوعي بهذا الواقع،

 الواضح من استقطاب اليومي هو للكشف عن جواهر الأشياء، الجواهر الحية التي تحكم الحياة اليومية، التي لم تكن كشفاً عن (الأنا) المتعالية، بل الكشف عن (الآخر) المهمش، ومن هنا يتبين لنا علاقة الذات بالعالم وما طبيعة هذه العلاقة، فاليومي يعطي دوراً مهماً للوعي النصي، وما الأشجار إلا تخليق لهذا الوعي.

 إن الوعي باليومي الذي جسدته المجموعة الآنفة، يظهر لنا أن هناك حياة مهملة، فاستقطابها مطلب ضروري وأساسي في النص، فلم تعد العلاقة بين تشكيل النص وبين السياق اليومي علاقة عابرة، فهذه المقاربة تمكننا من تسليط الضوء على كل ما هو إنساني، مع إدراك المعاناة وتمفصلاتها الوجودية كبنيات نصية لها فعلها وحراكها، ومهما يكن من أمر فان النص إذا ما أراد اكتساب صفة الحداثة فعليه أن يفعّل تلك البنيات بوصفها جزءاً مهماً من الاستراتيجيات النصية.

 إن معطيات اليومي بوصفها وحدات تشي بتنوع مضموني لها أهميتها في تعميق رؤى النص، وهذا ما يمكن تلمسه في مجموعة (الأشجار تحلق عميقاً)، لكون هذه الوحدات لا تنتمي إلى نسق ثقافي أو اجتماعي واحد أو محدد فالمعاني تتعدد فيه وكذلك الدلالات، وعلى هذا النحو فان النص الشعري عند الشاعر سعد ياسين يوسف يكشف عن عالم الواقع من مكونات تتسق داخل شبكة مضمونية متجانسة، على الرغم من أنها تتسم بطابع الاختلاف والتحول،

 إذن مقاربة اليومي وتشكيلاته تعكس رؤيا النص وبنائه، وبهذا تصبح النصوص في مجموعة الشاعر سعد ياسين يوسف هو البحث الدائم عن تفاصيل هذه التشكلات مع إعادة اكتشاف كل ما هو مهمل فيها، فالتفاصيل اليومية التي يستقطبها النص وفقاً لخصائصه السياقية تمكنه من الكشف عن الحياة الإنسانية، ليجعل النص ليس تشكيلاً متعلياً فحسب، بل يجعل القدرة على الحفر في المناطق المغيبة وتحولاتها الوجودية، فهذه المقاربة هي رهان شعري ينفتح على عوالم كثيرة تعد أهم جزء في معطياته، لغرض تجسيد رؤية الذات عن العالم، وإن هذه الرؤيا تخضع لتحولات تنطوي على دينامية نصية .

- و قدم الشاعر حامد عبدالحسين حميدي قراءة نقدية بعنوان:

)يابس وأخضر وشجرتها)

قال فيه وحدة النصّ الفاعل حضورياً مدخل / عنونة المجموعة (الأشجار تحلق عميقاً) الجملة الاسمية التي فيها مدلول انشطاري متضمن احتمالية التعاكس مرة والترابط ثانية ، فالتعاكس بين صفة التحليق والتسامي الى الأعلى وبين النزول في العمق السفلي العكسي المتمركز ضمن بعدية محددة .. واحتمالية الترابط في صفة التحليق لكن ضمن مدياته العميقة والتوغل فيه ضمن مستويات علوية مترابطة . فــمفردة (عميقاً) يمثل الجذر القاعدي الثابت وقبولية المعقول ، بينما (التحليق) هو الجذر الحرّ المتفرّع الرافض ... وحدة النص الفاعل / ثمة ترابطية بين قصيدتين: الأولى (يابس وأخضر) والثانية (شجرتها) ، حيث تضمنتا كينونة الأم وما تمثله من بعد حياتي وارتباطي كبير ، حاول الشاعر سعد ياسين يوسف ، أن يجعلها مرتكزا ومنطلقاً للبعد الدال المتحرّك ضمن منحيين متقاربين مرة ومختلفين ثانية . (في يابس وأخضر) الأمّ صورة ذات معنى عام وشمولي ، إنها الأشجار / الأغاني / البلاد / بوابات أوروك / الحاضنة الحقيقية لولادة الفرح والحزن . لنجد أن الشاعر في عنونته هذه جمع بين نقيضين (اليابس) ضده (الأخضر) وبما يحملانه من دلالات بعيدة ... ثم نجد قدرة الشاعر وبراعته في تطويع الأفعال ضمن متدرجات متتالية ، (أنجبن / ثُكلن / أنكرنَ/ رحنَ/ يركضن) والتي منحت النصّ حالتين تصاعدية وتنازلية لتنتهي بنقطة وقوف ثابتة .. أمّا في قصيدة (شجرتها) المهداة الى (الأم) خاصة ، والتخصيص أحياناً يهدف الى التعميم والشمولية ، فالشاعر خاصّ بما يحمله ، عام فيما يبثه من جزئية ضمن المجتمع العام . هنا صورة (الأم) اختلفت عما في النص الأول ببعض المؤثرات الداخلية واتفقت معها في المؤثرات الخارجية ، حيث انطلق الشاعر معبّراً عن نص مفتوح ضمن مدارات (النور / الخضرة / قناديل البهجة / شط العمارة / سحابة / السماء / الأفق / الضياء / التمتمات المقدسة / الهلاهل) لنجد أن ادراكية الشاعر كانت ضمن مؤثرات باعثة للأمل والتفاؤل في بداية البؤرة الدلالية ، لكنها سرعان ما توحدت مع النص الأول (يابس وأخضر) في تقاربية الضياع والبحث والفقدان والدخول في متاهات يومية ضاغطة ، الضياع في النص الأول / استرجاعي لموروث قديم ، بينما في النص الثاني / ضياع حدثي يومي ، حينما صوّر لنا عن تعرضه للخطف من قبل امرأة غجرية خبأته تحت عباءتها السوداء ليدخل في ظلامية قطع الأنفاس وتلاشيها ، وبين لهفة (الأم) وحرقة قلبها وهي تركض هنا وهناك بحثاً عنه ، لتبرز قدرة الشاعر وبراعته في تطويع النص القرآني في وصفه لــ هاجر ع ، وهي تركض بحثاً عن الماء بين الصفا والمروة ، ليستقر الأمر بعودته سالماً ... إذاً / النصّان حملا اقترابية واحدة في البحث والضياع ، وباختلافية نصية العموم والتخصيص ، فالشاعر مدركٌ وموفق في توظيف الصورة الموحدة ذات التشظي المتفرع الموروث والحدث اليومي.3782 سعد ياسين

وتوج الشاعر رعد زامل جلسة الاحتفاء بقراءة نقدية بعنوان (للأشجارأيضا ... قداستها الخضراء في قصائد د . سعد ياسين يوسف)

جاء فيها:

 لم يشهد مشهدنا الشعري الراهن ترسيخا وتكريسا وإخلاصا لصورة الشجرة ورمزيتها وتحولاتها ودلالاتها في تجربة شعرية واحدة كتجربة الشاعر العراقي د . سعد ياسين يوسف . وسيجد الدارس والفاحص لنصوص شاعرنا أن هناك علاقة حميمية تربط روح الشاعر بالطبيعة هذه العلاقة التي تذكرنا بشعراء الحركة الرومانسية في الأدب الانكليزي خاصة في نصوص وليم وردزورث الأب الروحي للشعراء الرومانسيين .

في كل الكتب الشعرية التي أصدرها الشاعر د . سعد ياسين يوسف سترى أن مفردة الأشجار أو الشجرة هي قطب الرحى أو مركز العنوان .. بحيث شكلت هذه المفردة لازمة جمالية في معظم أسماء الكتب الشعري مثلا (شجر بعمر الارض \ الأشجار تحلق عميقا \ شجر الأنبياء \ الأشجار لا تغادر أعشاشها \ أشجار لاهثة في العراء\ أشجار خريف موحش) فالشاعر هنا يوزع اخضرار روحه على كل أغلفة الكتب مثلما يوزع الأب ملامحه ليورثها عنه الأبناء والبنات تلك هي سنة الحياة بين الناس وتلك هي سنة الشعراء والكتب . من هنا ندرك أن خضرة الشاعر سعد ياسين يوسف ليست خضرة عابرة إنما هي خضرة الوارثين ثياب الأمل وخضرة المانحين ظلالهم الوارفة للمتعبين على قارعة القراءة . وهي خضرة من يصنع من دموعه بلسما للمجروحين في دوامة الحب في حدائق القصيدة .

في واحدة من أجمل نصوصه يمنح الشاعر أمه لقبا جميلا إلا وهو (شجرة الأشجار)

(معَ أوّلِ صرخةٍ

وأوّلِ إبصارٍ للنورِ

كانتْ خضرتُك تُربّت على صدري

- أنْ لا تخفْ ....

وكلَّما أدلهمَّ ليلٌ

أضاءتْ أغصانُ شجرتِكِ قناديلَ

البهجةِ

فتنطلق الكركراتُ ....

ناعمةً بيضاءَ

مثل رفيفِ نوارسِ شطِّ العمارةِ    ....)

**

لقد ذبلت في عين الشاعر صور المدن التي سرقت عمره إلا أن مدينة الشاعر (العمارة) ظلت روحا تسكن ذاكرته الخضراء فراح يرسم أنهارها وأشجارها وسوقها العتيق وهو يمضي في حوارية مع الأم بصور شعرية لا تتكرر أبدا إذ يقول:

(ومازالتْ لهفتُكِ محفورةً

على جدارِ ذاكرتي الغضَّةِ

يوم غرقتُ في زحمةِ السُّوقِ العتيقِ

لتسرقَني عباءةُ الغجرِ*

كانَ الأسودُ يسرقُ صوتَي

وكنتِ كمثلِ "هاجرَ" تبحثينَ عن بريقِ وجهي

وأنتِ تركضينَ بينَ "مروةِ" مدخلِ السوقِ

"وصفا "نهايتهِ

حتى أشارَ لي الواقفونَ وأخرجوني

لينهمرَ نهرُ ضياعِك

يقيناً وعناقا ....)

**

هنا يستذكر الشاعر طفولته الخضراء ففي الثالثة من عمره حاولت غجرية ما أن تخطفه تحتَ عباءتِها... نعم لقد كانت سرقة الأطفال من عادات الغجر إذا مروا في المدن لكي يعلموه الغناء إذا اشتد عوده لكنَّ القصيدة قبل الغجر سرقت روح الشاعر سعد ياسين يوسف وعلمته الغناء على ضفاف الحنين عند أنهار العماره ... لتسرقه بعد ذلك الجميلات من النساء غير أن الشاعر ظل مسكونا دائما بطهر الولادة وقد استوقفته صورة الأم المتداخلة مع صورة مدينته الأم ليعلن أن كل صلاة لا ترسم بريق عيون أمهاتنا إنما هي صلاة باطلة قائلا:

(وحينَ كبرتُ

كتبتُ القصائدَ لنساءٍ كثيراتٍ

ويا لجحودي !!!!

لم اكتبْ لك ِ

إلا السَّاعةَ بعدَ أنْ أدركتُ

أنَّ القصيدةَ التي

لا ترسمُ بريقَ عينيكِ

يا أُمّي ....

صلاةٌ باطلةٌ

لن تبلغَ السَّماواتِ)

في مثل هذا النص وفي نصوص اخرى يطرز الشاعر مشهدنا الشعري بصورة الشجرة الراسخة في وجدانه الانساني العميق ولسان حاله يقول ان كل شجرة في حقل الوطن انما هي صلاة خضراء في محراب القصيدة .

جرت بعدها مراسم تكريم الشاعر سعد ياسين يوسف بشهادات تقديرية وبباقات ورد ودرع الابداع من اتحاد ادباء ميسان وجامعة ميسان كليىة التربية الاساسية .

قام الشاعر بعد ذلك بتوقيع مجموعته الشعرية السابعة وتوزيعها بيت الحاضرين ... شاكراً اتحاد ادباء ميسان ورئاسة جامعة ميسان وكل الأدباء من نقاد وشعراء أسهموا في إغناء الجلسة .

***

المثقف / ميسان

الفن .. هذا الذهاب عميقا بحثا وتمحيصا وتأملا بما يستجيب للممكن الجمالي نهجا وتخيرا حيث المجال للقول بالحواس تبتكر ألوانها الملائمة وأساليبها في كثير من الشعرية.. شعرية الحال والأحوال ..

ثمة ما يشبه القلق حيث القلق ذاك العناد البعيد الموصل الى دهشة في الأقاصي.. ثمة نظر تجاه العميق والكامن في الذات من جليل الأسئلة حتى تبرأ النفس من أدرانها وهي تعارك الريح بفخار نادر.. ثمة هيام وبهاء.. و امرأة بابتسامتها تضيء كل الجهات.. الفن نور يسعى في الأمكنة والأرجاء يعلي من شؤون المتعة في الحواس وهي تتقصد فكرة تجميل العناصر والتفاصيل والأشياء ..

هكذا هي لغة الفن ونحن نمضي في دروبه الشتى نشدانا لما به تسعد الذات وهي تثيم في أكوانها بروح طفل وشموخ فراشة وبهاء نسيم عابر ذات مساءات صيف.. ها اننا نصل الى متاهات الفن التشكيلي الجميلة والصعبة وهي تعيدنا الى الكينونة حيث العبارة يانعة والفكرة جمال واللعبة باذخة .. كل ذلك في حيز من ألق التشكيل ومغامراته الرحبة..

هي فنانة تشكيلية تخيرت نهجها الجمالي في عوالم الفسيفساء الشاسعة بأسلةبها وفكرتها وطفولتها المتحدثة فيها لتأخذنا الى معرضها المميز الحاضن أعمالها الفنية وفق منحاها الجمالي المخصوص.

هو معرض الفنانة التشكيلية هناء كريشان في الفسيفساء بالمعهد العالي للفنون والحرف بصفاقس بادارة الدكتور الفنان فاتح بن عامر والذي كان افتتاحه يوم الجمعة المنقضي وذلك وفق عنوان متخير هو " Contexture/Contextile".

ان جولة متأنية بين الأعمال الفنية المعروضة للفنانة هناء كريشان تأخذنا الى عوالم من الجمال حيث الدقة واللعب بتقنيات الموزاييك وفق جماليات النسيج في ضروب من التناسق والتلاؤم فكأننا في سفر بابعاد متعددة في ما يشبه مناخات الرقمنة والزخرف المرقمن .. وهنا عملت هناء الفنانة بحساسية خاصة للخروج عن التعاطي الفسيفسائي المألوف شكلا ومضمونا..

فسحة مختلفة مع الفسيفساء في شغف فني وجمالي محبذ للنفس وللنظر وللتأمل والتأويل.. وهذا ما يفسح المجال شاسعا للغوص في اكوان الأعمال نظرا ومساءلة وتقبلا .. وفق لعبة الفن العميقة وعيا ووجدانا وتقصدا للآفاق الرحبة..

هذا المعرض يشهده رواق المعهد العالي للفنون والحرف بصفاقس وبتعاون مع المندوبية الجهوية للشؤون الثقافية بصفاقس وقد حضر حفل افتتاحه عدد من الفنانين وأساتذة المعهد وأحباء الفنون الجميلة وقام بتقديمه كل من مدير المعهد العالي للفنون والحرف بصفاقس الدكتور فاتح بن عامر والأستاذ محمد الهادي دحمان والأستاذة ألفة معلى والفنان والمؤرخ ومحافظ موقع تابسوس الأثري: ابراهيم الدقي والفنان والناقد الدكتور خليل قويعة وبحضور ضيوف منهم نجيب بوثلجة ممثلا عن جامعة صفاقس وليلى بوطبة ممثلة عن المندوبية الجهوية للشؤون الثقافية.و نسقت هذا المعرض الأنيق الفنانة الممتازة

الأستاذة المعرض فاطمة دمق وبمصاحبة مميزة لهذا المعرض من قبل الفنان والمبدع حلمي الجريبي مع حضور الأساتذة والفنانين سميرة عروس ومحمد الرقيق وخليفة البرادعي وهندة بوحامد وفاطمة الزهراء حاجي واسلام بلحاج رحومة وهالة هذيلي بن حمودة ..

و في هذه الاحتفالية وفي خانة التقديم ورد ما يلي ".. الفسيفساء من البوني الى الروماني الى البيزنطي الى الاسلامي الى الصفاقسي .. .. بدعوة كريمة من ابنتي الدكتورة هناء كريشان توليت تدشين معرضها الثاني صحبة الدكتور فاتح بن عامر مدير المعهد العالي للفنون والحرف بصفاقس والاستادة الفة معلى وجمع من الاستادة وممثلة مندوبية الثقافة وجمع غفير من الضيوف ورجال الثقافة .. . وبهده المناسبة الكريمة أثني على السيد رشيد الفخفاخ الدي كان له شرف بعث مادة الفسيفساء بالمعهد وانتدبني صحبة السيد محمد الشريف ونجوى عياد في البداية لتعليم مادة الفسيفساء خاصة وان ألمدينة تزخر بالتاريخ واليوم امام عملاقتين هناء كريشان ونسرين الغربي طورا فن الفسيفساء الى الأحسن .. الف مبروك لنجاح هذا المعرض .. ".

معرض وتجربة أخرى ونشاط في انفتاح هذا المعهد عى الساحة الفنية من حيث تقديم أعمال لتجارب مختلفة أمام جمهور الفنون وأحباء الابداع التشكيلي عامة.

***

شمس الدين العوني

الصفحة 1 من 4

في المثقف اليوم