صحيفة المثقف

بداية مشروع: لقاء هوغو جابيث- صدام حسين

المشروع الذي أقصده هو نشر ما أحفظ عن تجربتي في الترجمة من الإسبانية وإليها للرئاسة العراقية بين أعوام 1989-1991 و 1998-2001.

هي في الواقع وقائع وذكريات أكثر منها حديث في شؤون السياسة. فليس الناطقون بالإسبانية باللاعبين الأساسيين في عالم السياسة، ولذلك لم تكن الإسبانية لغة سياسة ورسم سياسات، ولا أظنّ رئيس الوزراء الإسباني خوسيه ماريّا آثنار، حليف بوش وبلير، تكلّم يوما بالإسبانية إلى حليفيه، ولا هما توجها إليه مرّة بالخطاب بلغته.

ولمّا كانت فنزويلا بلدا ناطقا بالإسبانية فكان لزاما على جابيث، رئيسها آنذاك، أن يتكلم بها، وكان لزاما على ديوان الرئاسة والمراسم أن تستعين يومها بمن يعمل عندهم في ذلك الحقل.

الكلام في المناسبة طويل

لذلك أكتفي هنا بلقطة سريعة طُبعت في ذاكرتي عن ذلك الحدث الذي وصف يومها بالتاريخي.

***

الكلام عن المناسبة طويل كما أسلفتُ، على الرغم من أنّ الزيارة لم تدم إلا عشيّة وضحاها.

وطريق الزيارة طويل: ولا أقصد به الطريق بين فنزويلا والعراق، بل الطريق بين المنذريّة وبغداد.

ففي نقطة المنذريّة بخانقين حلّ الرئيس الضيف، قادما من إيران. وفيها كان الجميع بانتظاره، إلا رئيس مجلس قيادة الثورة صدام حسين ونائب رئيس مجلس قيادة الثورة عزة ابراهيم.

في المنذريّة كان نائب رئيس الجمهورية: طه ياسين رمضان

وكان وزير النفط الفريق عامر محمد رشيد

وكان حشد كبير من رجال المراسم والمخابرات والصحافة.

فالزيارة استثنائية والمناسبة استثنائية والظرف استثنائي والزعيمان "استثنائيان" في نظر "العالم الحر".

نحن في ظهيرة 11 آب من عام 2001.

انتظر الجميعُ وصول ركب الضيف من إيران. وطال الانتظار. وعلمنا من التسريبات أنّ ما سبب التأخير هو دعوة الغداء التي أقامها الرئيس الإيراني على شرف ضيفه. أمّا نحن، فلا فطور ولا غداء..

تجاوزت الساعة الرابعة عصرا حين وصل الركب بالسيارات.

حشرتُ نفسي حشرا بين الرئيس الضيف ونائب الرئيس العراقي. بل حشرني بينهما رجل المراسم المسؤول عن المترجمين. فقد رأيتُ أنّ جابيث يصطحبُ مترجمه، وظللتُ مترددا بين أن أكون أم أن يكون. ويبدو أنّ المسكين مرّ بالحيرة ذاتها. لكنّ الأمر استقرّ على أمر من دون اتفاق. وما هي إلا لحظات حتّى اطمأن المترجم الضيف، وهو فنزولي من أصل لبناني على ما أظن ومستشار للرئيس، على سير الترجمة قبل أن يسلّم بالأمر الواقع ويكتفي بمرافقة رئيسه ومتابعة ترجمة زميله.

دام الاستقبال والمؤتمر الصحفي قريبا من نصف ساعة كانت بالنسبة إليّ بمثابة الإحماء والتآلف مع لفظ الضيف والخطوط العريضة لأفكاره.

وحانت لحظة الانتقال إلى بغداد

حطّت طائرة هليكوبتر ضخمة صعدنا فيها الرئيس الضيف ونائب الرئيس ووزير النفط وأنا بينهم. كانت المرة الأولى التي أصعد فيها إلى واسطة النقل العملاقة تلك بضجيجها الذي كان يجبر الجميع على الكلام صراخا أو على توفير الكلام إن لم يكن هناك ما يستحق أن يقال. مع ذلك كسر المسؤولان العراقيان الصمت وهما يتكلمان للضيف عن محافظة ديالى التي كنّا نحلّق فوقها. وكسر هو الصمت فحدثهما عن والده المعلم الذي كان يكافح من أجل عائلته "في بلد يعوم على بحر من النفط".

لا أذكر كم من الوقت مرّ بين إقلاع الطائرة واقترابنا من مطار بغداد.

كانت طبقة كثيفة من الغبار تغطي الأجواء. فنحن كما أسلفتُ في منتصف آب. وزاد في كثافته دنو الطائرة من مهبطها.

وأفلحنا من بين غبار العاصفة في رؤية حشد المسؤولين المنتظِر.

لا أدري إن كان جابيث ينتظر أو يتأمل أن يكون صدام حسين على رأسهم.

لكنّه لم يرَ من كان ينتظر أو يتأمل أن يكون في استقباله.

مال إليّ، وكنتُ أجلسُ قبالته، ليسألني:

- هل ذاك [يقصد عزة إبراهيم] أعلى من هذا [يقصد طه ياسين رمضان] مرتبة؟

- نعم سيدي الرئيس. هو أعلى منه مرتبة.

    

 د. بسّام البزّاز

 

 

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم