صحيفة المثقف

التحكم في "الإثنولوجيا" وسيلة للتعرف على الذَّات

علجية عيشفي مثل هذا الشهر من مارس 1974 انعقد المؤتمر العالمي الـ: 24  لعلم الإجتماع في الجزائر، أعلن وزير التعليم العالي والبحث العلمي عن موقفه المعارض لعلم الإثنولوجيا، مستندا في ذلك إلى منطق التعارض بين علم الإجتماع والإثنولوجيا، ففي نظره هو يختص الأول بالمجتمعات المتقدمة، والثاني بالمجتمعات المستعمرة، ولذا يجب رفض هذا العلم واستبعاده تماما من المجال العلمي الجامعي الوطني، غير أن الوزارة كما يقول مولود معمري لم تضع أي عائق لمسار البحث العلمي في ميدان الإثنولوجيا، وخير دليل على ذلك الأبحاث والدراسات التي قام بها المركز الوطني للبحوث في عصور ما قبل التاريخ وعلم الإنسان والتاريخ

يرى علماء الإجتماع  المعاصر ومنهم الباحث الفرنسي بيار بورديو أنه حان الوقت لإرساء "إثنولوجيا" من النوع الرفيع، يقوم بها باحثون قادرون على تجاوز القواعد العامة للبحث العلمي في الإثنولوجيا، ذلك بخوض البحث الميداني وفي إطار علاقات طبيعية وتلقائية، الشيئ الذي يسمح للباحث الحصول على المعلومات التي يود الوصول إليها دون جلب الإنتباه، ولذا يرى بيار بورديو أن التحكم في "الإثنولوجيا" وسيلة للتعرف على الذات وفهم التصورات الذهنية والفكرية، وكأنها نوع من التحليل النفسي الإجتماعي الذي يسمح بفهم اللاشعور الثقافي الوطني الذي يحمله الأفراد، فالمهتمزن بعلم الأجناس والنسب لم يتركوا إشكالية إلا وتطرقوا إليها من حيث الشرح والتحليل والتأريخ لها حتى تظل مرجعا يعود إليه الباحثون الجدد في بحوثهم ومذكراتهم، إلا أن هذه الدراسات والبحوث قليلة جدا، بل قد تكون نادرة لأسباب عديدة في ظل التغيرات التي يشهدها العالم جعلت البعض لا يولونها أهمية، بالرغم من أنها ذات قيمة تاريخية واجتماعية وعليها تقوم الدول والحضارات،  كان ذلك موضوع مناظرة علمية تاريخية دارت بين بيار بورديو ومولود معمري حول الإستعمال الصالح لعلم الأجناس أو كما يسمى بـ: الإثنولوجيا ، في هذه الورقة نقف على الدراسة التي تناولها بيار بورديو حول المجتمع القبائلي، وقارنها بمجتمعه الأصلي  البيارني (نسبة إلى منطقة بيارن جنوب فرنسا)، وبيارن هي عبارة عن مجموعة من القرى تمثل جمهوريات صغيرة مستقلة تتمتع بعاداتها وتقاليدها الخاصة وهي تشبه القانون العرفي القبائلي، لاسيما قانون الشرف، ومجالس القرية ذات التسيير الديمقراطي.

المقارنة كانت بين دراسات السعيد بوليفة ودراسات الأباء البيض، حيث  وقف بيار بورديو على جملة من الحقائق العلمية والتاريخية، وقال أن دراسات الأول كانت أكثر صدقا ، لأنه استطاع وصف المجتمع القبائلي والتعريف بالمنطقة، حتى ولو لم يكن الوصف بطريقة احترافية، بينما دراسات الآباء البيض حول المجتمع القبائلي تتمثل في كونها  مجردة من ايّة إشكالية علمية إثنولوجية أو سوسيولوجية، وكتاباتهم (أي الآباء البيض) فاقدة للثقافة الإثنولوجية التي كانت قادرة على أن تمكنهم من  وصفهم السطحي لتقاليد المجتمع القبائلي، كما  وقف بورديو على كثير من الحقائق العلمية والتاريخية، إلا أن أفكاره ونظرياته إزاء هذه الإشكالية (الإثنولوجيا كتخصص علمي) لقيت كثير من الإنتقادات -كما يقول هو- ، سواء من وجهة نظر ابستمولوجية أو من وجهة نظر سوسيولوجية، ما جعلته يدرس من جديد هذه الإنتقادات وفهم مغزاها، بالإعتماد على ابحاثه حول المجتمع البيارني الواقع جنوب فرنسا، الذي يشبه بدوره المجتمع القبائلي، إلا أن الأدوات والمصطلحات التي استعملها هذا المنقب فهي أوروبية  قد لايصلح استعمالها لدراسة المجتمعات الأخرى.

 وتعود دراسة بيار بورديو إلى علم الإثنولوجيا بحكم اختصاصه في علم الأنتروبولوجيا، الأمر الذي دفعه إلى دراسة إشكالية النسب في مجتمعه البيارني ومقارنته بالمجتمع القبائلي، ومعلوم أن بيار بورديو كانت له تجربة واسعة في الإحتكاك بالمجتمع الجزائري، منذ التحاقه بالجزائر  عام 156 لتأدية الخدمة الوطنية  وتدرجه  كجندي بسيط في القاعدة العسكرية الفرنسية إلى أن تم ترقيته إلى منصب الحاكم العام في الجزائر 56-1957، ثم أستاذ مساعد في جامعة الجزائر1957-1960 وهناك حيث انتقل إلى العمل الميداني، مركزا على حياة المجتمع القبائلي ، والتحولات التي شهدتها منطقة القبائل  وأثر الاستعمار في عملية نقل الأهالي من أراضيهم وبناء المحتشدات، التي قضت على المجتمع التقليدي البسيط، فمن وجهة نظره هو يرى بيار بورديو أن البحث حول المجتمع القبائلي في الجزائر ظل ولأسباب تاريخية معقد منعزل عن التيارات العالمية أو الخارجية، ولأن هذه الدراسات لم يقم بها مختصون في علم الأنساب بل تناولها عسكريون فرنسيون كهانوتو ولوتورنو، وتناولوها من منظورهم الخاص اي من منظور استعماري، مما جعلهم غير قادرين على رؤية الأشياء على حقيقتها.

 وأشار بورديو أن حالة المجتمع القبائلي شبيهة بحالة المجتمع البيارني، حيث كانت جل الدراسات وصفية محصورة في الحياة الإجتماعية في القرى  والنزاعاتها العائلية غالبا ما تدور حول الإرث والميراث وتقاليد العائلة ونظامها وقوانينها العرفية، ويقارن بيار بورديو بين دراسات السعيد بوليفة ودراسات الأباء البيض فيجد أن دراسات الأول اكثر صدقا ومصداقية، لأنه استطاع وصف المجتمع القبائلي والتعريف بالمنطقة، حتى ولو تكن بطريقة احترافية، في حين يرى أن  دراسات الآباء البيض حول المجتمع القبائلي تتمثل في كونها  مجردة من أيّة إشكالية علمية إثنولوجية أو سوسيولوجية، وكتاباتهم فاقدة للثقافة افثنولوجية التي كانت قادرة أن تمكنهم من  وصفهم السطحي لتقاليد المجتمع القبائلي، إلا أن مولود مهعمري كان له موقف آخر وهو أن المجتمعين  معا يعيشان أزمة حقيقية، بمعنى أن كل قيم وتقاليد هذه المجتمعات قد اضمحلت أو في طريق الإضمحلال.

النتيجة التي خرج بها بيار بورديو هي أن النظام الإجتماعي  أنه لابد من الإعتراف  بالإمتيازات التي يتمتع بها الباحث الذي يدرس مجتمعه الأصلي، في حالة ما إذا كان يدرك جيدا كل المخاطر التي قد تؤثر سلبا على عمله، اي التمييز بين ما هو جِدِّي وماهو غير جِدِّي،  بين ماهو مهم وبين ماهو غير مهم، الأمر يتعلق طبعا بالعلاقة بين البالتقليدي نزام تجاوزه الزمن، وكل محاولة من أجل إحيائه يمكن اعتبارها وهم  في ظل تنافر الإخوة عن بعضهم البعض  داخل العائلة خاصة بعد الحرب العالمية الأولى، إلا أنه ركز على دور البحث العلمي في كشف هذه الحقائق من ناحية تاريخية واجتماعية، فعن المستجوب  وجب ان يكون يتصف بالرزانة والهدوء لأنه يتكلم باسم الجماعة التي ينتمي إليها فهو ممثل الجماعة وحكيمهم، كونها تقترب من علم الإجتماع.

أما بالنسبة للباحث قال: على هذا الأخير أن يتذكر دوما أن الأحداث والأشياء تظل دوما معقدة، وهو أمر صعب على الباحث، خاصة إذا تعلق الأمر بموضوع النسب في المجتمعات التقليدية كالقبائل أو البيارن، السؤال الذي يمكن أن يطرح هنا هو كالتالي: لماذا موضوع الإثنولوجيا مرفوض مناقشته في الجزائر؟، يقول مولود معمري أن موضوع الإثنولوجيا في الخطابات الإيديولوجية في الجزائر كان غير مسموح به بل مرفوض، ففي مثل هذا الشهر مارس 1974 انعقد المؤتمر العالمي  الـ: 24  لعلم ألإجتماع في الجزائر، أعلن وزير التعليم العالي والبحث العلمي عن موقفه المعارض للإثنولوجيا ، مستندا في ذلك إلى منطق التعارض بين علم الإجتماع والإثنولوجيا، ففي نظره يختص الأول بالمجتمعات المتقدمة، والثاني بالمجتمعات المستعمرة، ولذا يجب رفض هذا العلم واستبعاده تماما من المجال العلمي الجامعي الوطني، غير ان هذا الوزير لم يضع اي عائق لمسار البحث العلمي في ميدان الإثنولوجيا.

 

قراءة/ علجية عيش

............................

من كتاب مترجم حول لقاء بيار بورديو ومولود معمري

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم