أقلام حرة

أقلام حرة

قالوا فى تبرير مطاردة نائب رئيس الوزراء الأسبق رافع العيساوي إنه سعى إلى نشر الإرهاب، واشاعة الفوضى وانه متأمر وصدرت أحكام قضائية ضده.. لكنهم نفس الذين طالبوا بتعليق المشنقة له نجدهم بعد سنوات يخرجون علينا ليكتبوا قصائد الغزل بشخصية العيساوي وبوزنه "الثقيل" داخل الكتلة السنية، وباهمية عودته كما صرحت النائبة عالية نصيف مؤخراً في أحد البرامج التلفزيونية، ولتخبرنا " مشكورة " أن عودة العيساوي جاءت بقرار من التحالف الشيعي لخلق "ضد نوعي" وهذه العبارة بالتاكيد لم يفكر فيها حتى المرحوم ميكافيللي.. لم تكتف النائبة عالية نصيف بذلك بل أنها أكدت أن "رافع العيساوي له ثقله الجماهيري وثقله المجتمعي .". عالية نصيف وجماعتها الذين كانوا يغذون ماكنة الاحتراب الطائفي بكميات من البيانات عن إجرام رافع العيساوي وكانت بيانات وتصريحات عالية نصيف التي يحتفظ بها الانترنيت مشكوراً تقول فيها : "يجب أن لا يوضع في قائمة التسوية من استباح دماء الشعب العراقي وسمح لداعش بدخول العراق أمثال رافع العيساوي وطارق الهاشمي وخميس الخنجر وأثيل النجيفي وجمال الضاري وكل من تلطخت يداه بدماء شعبه وتآمر على البلد ".

المتاجرة بدماء الشهداء مهنة تجيدها عالية نصيف بجدارة، فالنائبة التي دخلت البرلمان بفضل أياد علاوي انقلبت عليه لتذهب مع جمال البطيخ ثم تنقلب عليه لتذهب مع "صاحب الخبزة" السيد نوري المالكي.. ولم تكتف عالية نصيف بذلك بل أنها في ليلة ممطرة من الخطابات والتصريحات حذرت رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي من إعادة رافع العيساوي وإلا فأنها ستلجأ إلى القضاء.. هل انتهت حكاية عالية "تصريحات"؟ . بالتأكيد هناك الكثير من المفاجآت، فقد خرجت علينا عالية نصيف لتبشر بعهد جديد للقضاء العراقي ، وأنه اي القضاء تعامل بمهنية مع قضية رافع العيساوي.. كان هذا بمناسبة صدور قرار قضائي ببراءة رافع العيساوي.

منذ سنوات وهذا الشعب الجاحد، يسخر من عبقرية عالية نصيف، وإصرارها على البقاء على كرسي البرلمان إلى أبد الآبدين، ويرفض أن يُمنح حسين الشهرستاني وسام الرافدين لجهوده في جعل العراق على قائمة الدول المصدرة للطاقة الكهربائية، ويسخر من النائبة "خالة" أبو مازن التي أخبرتنا أنها أصبحت خالة الشعب، وتجده، وأعني الشعب، يولول ويتبرّم كلما قيل له إن محمد تميم وضع العراق في مصاف الدول الأولى في مجال التعليم.

لعل موضوعي الأساسي في هذا المقال، ليس الدفاع عن رافع العيساوي ونصرته، أنا شخصياً مع أي سياسة حكومية تحاسب المفسد والقاتل وتقتص منه عبر سياسة متكاملة واضحة ومدروسة، فهذا أمر جيد لكن غير الجيد، هو تلك المزاجية التي تدار بها مصائر الناس .

***

علي حسين

المواقع والصحف تزدحم بالأفكار المنيرة، لكن طرق تقديمها، تساهم في التعتيم عليها ودفنها في تراب الكلمات ورمال العبارات، والكتابات المطولة التدويخية والتمويهية، التي تذر الغبار في العيون والعقول، وتدفع للنفور من المنشور.

العنوان جذاب، وأول فقرة في الخطاب تدعوك للمغادرة والتحرر من إعصار التدويخ والغثيان، الذي سيعصف بكيانك إن تواصلت مع السطور.

الفكرة يمكن إختصارها ببضعة كلمات، ويتم طمرها تحت أهوال العبارات.

فكيف يمكن إيصال الفكرة؟

عصر السرعة الفائقة للصوت، والتواصلات الفياضة الساعية للتعبير الخاطف عن الأفكار والأحداث والتطورات، يدعونا إلى مراجعة أساليب القرن العشرين وما سبقه من القرون السلحفاتية.

البشرية في الربع الأول من القرن الحادي والعشرين، ولا تزال أقلامنا تكتب بآليات القرون الماضيات، ولهذا فالنسبة العظمى من المكتوب لا يُقرأ، ولا يترك أثرا في الواقع القائم، وتجدنا قد كتبنا عن كل شيئ على مدى عقود وما تغير أي شيئ نحو الأفضل، مما يعني فشل الأقلام وفقدان الكلمة لدورها وقيمتها، والسبب يعود للكتّاب أنفسهم.

وعليه فالموقف يستدعي المراجعة والتفاعل الواعي مع عصرنا، لكي نكون أقرب إلى الإنسان المنشغل بأيامه المتوثبة إلى عوالم واعدة بالمستجدات.

الأفكار يجب أن تقدَّم على طبق شهي فيه من المقبلات ما يشد القارئ إليه، ويمنح الفكرة طاقة التفاعل الطيب مع عناصر الحياة، لترسم معالمها وتصنع مسارات ديمومتها، وتواصلها مع غيرها من الأفكار لبناء عمارة الوجود الأصيل.

الأفكار لا يجوز أن تطلق على عواهنها، إنها بحاجة إلى تأليف وإخراج وصياغة مؤثرة في القارئ ليستلهمها ويستوعبها، وأن يجتهد الكاتب بإستحضار المفردات البسيطة الواضحة، والعبارات القصيرة الوافية القادرة على النفاذ اليسير للعقول.

وهذا منهج محرري الصحف في الدول المتقدمة، فهمهم أن تكون الفكرة موضوعة في صياغة تعبيرية واضحة وسهلة الفهم والإستيعاب، فالتعقيد نوع من الهروبية والعجز عن فهم ما يريد الكاتب إيصاله للقارئ.

فهل لنا أن نكتب بمداد الوضوح؟!!

***

د. صادق السامرائي

لقد أصيب القسم الأكبر من خريجي الكليات والمعاهد والإعداديات المهنية بخيبة امل بعدما فشلوا في الحصول على فرصة عمل لدى القطاع العام أي دوائر الدولة الأكثر ضماناً للحقوق، فقد عانى أولئك الخريجون صعوبات لاتعد ولا تحصى في دراساتهم لسنوات طويلة وخصصت عوائلهم مبالغ طائلة قطعوها من لقمة أفواههم ليمنحوها لأولادهم الطلبة .. حتى صارت أيام دراساتهم عسيرة فيها ضنك العيش ومرارة الحرمان من وراء الظروف العصيبة التي مرت بها بلادنا مما تسبب في إحباط نفسي عميق لأولئك الطلبة عند نهاية مطافهم الدراسي، والعجيب أن الجامعات مازالت تدفع بأفواج الخريجين إلى الوجود بلا تخطيط فسببت تراكم أرتالهم وسط بطالة ساحقة ومنافسة عنيفة للتعيين ورشاوى وفساد وثورة في النفس وشد في الأعصاب أرهقت الكثير منهم وأخرجتهم عن طريق الخير لينظم بعضهم مرغماً بسبب الظروف المعيشية القاهرة إلى طريق الشر أو النصب والمراوغة في الأسواق المحلية وقد اضطر بعضهم بعد أن ضاقت به السبل أن يهرب من بلده ويتحمل مخاطر البحار ووحشة الغابات ويطلب اللجوء في الخارج وبذلك خسر المجتمع الكثير من الأشخاص الخريجين المؤهلين للعمل في دوائر بلدهم  الذين كان من الممكن أن يضيفوا الكثير من علومهم ومواهبهم إلى بيدر وطنهم، إننا ندعوا أساتذة الجامعات باعتبارهم الطبقة العلمية القيادية في المجتمع ان يضعوا الحلول لهذه البطالة الخطيرة عن طريق تقديم الدراسات والاقتراحات إلى الجهات الحكومية بدل من أن يستمروا في دفع وجبات جديدة من الخريجين الفائضين ورفع منسوب الضغط السلبي الخطير تجاه المجتمع ويبدو أن الأمر لا يعنيهم وقد اكتفى الكثير منهم من حملة الماجستير والدكتوراه بإلقاء محاضرته الروتينية والرحيل صامتاً خائفاً منكمشاً على نفسه ينتظر نهاية الشهر لاستلام مرتبه .. أننا نبني بعض آمالنا على تلك المجموعات التدريسية أصحاب الكلمة المسموعة عند الحكومة أن يضعوا معادلاتهم بهذا الخصوص بشكل موضوعي لخدمة المجتمع فبطالة الخريجين هي واحدة من المشاكل الكبرى التي يجب أن تمس اهتماماتهم وبحوثهم العلمية ولم نرى ليومنا هذا قيام مؤتمر يناقش هذا الأمر المهم مع احترامنا لجميع الأساتذة من حملة تلك الشهادات.. ونحن بالانتظار ..

***

ماهر نصرت – بغداد

تذكرني الإشهارات المروجة، للأدوية المعالجة لجميع الأمراض عبر وسائل التواصل الاجتماعي وشبكات الأنترنيت، ببائعي الأعشاب الذي كانوا قديما يفرشون عياداتهم، عفوا، بسطاتهم في حينا الشعبي "فاس الجديد " بـ "طالع وهابط" و"جوطية بوجلود" وباقي أسواق المدينة، مروّجين لقدرات خلطاتهم الخارقة على معالجة كل ما يصيب الإنسان من أمراض، خفيفة كانت أو مزمنة، كالزكام والحمى والسكري والضغط وعلل المعدة والقولون العصبي وتورم المفاصل والتهاب الرقبة والكتف وأسفل الظهر والركب، وكافة الأمراض الروماتيزمية، لاعبين على وتر حاجة المرضى للعلاج، الذي يدفع بهم للتعلق بأضعف أمل في الشفاء تعلق الغرقى بأوهن قشة للنجاة، فيقع الكثير منهم في شباك تجار المآسي الماكرين الذي لا يتورعون في استئجار زبانيتهم للترويج لنجاح تجاربهم مع الأدوية المعروضة للبيع في القضاء على أمراضهم ؛ الأمر الذي يذكرني كذلك بما يقوم به اليوم التجار الافتراضيين المستغلين لآلام الناس ومخاوفهم وجهلهم بتلك المركبات الدوائية، من تجييش معدومي الذمة والضمير من تقنيي الإعلام الرقمي للتعليق على أن المعروضات المغشوشة المروج لها، من الأدوية والمكملات الغذائية، هي مواد ناجحة وفعالة في مكافحة جميع الأمراض؛ ويبقى الأخطر من كل ذلك، الادعاء بأنها حاصلة على ترخيص من جهة ما، ما يشجع إقبال المتعطشين للشفاء من المرضى، والراغبين في الحصول على قوام مثالي من الرياضيين والنساء يزداد بصفة خيالية على تجريب كل مغشوش من تلك الأدوية ومواد التجميل، في ظل تركيز تجار المرض والموت على ما يحتاجه الكثيرون، من المنتجات الطبية، أو المواد الأولية أو المكملات الغذائية أو الأغذية الصحية أو مواد التجميل، المجلوبة في الغالب بطرق غير مشروع.

فليس المشكل في التعرف على الظواهر، لكن في معالجتها، كما أشرت في المقالة سابقة وبنفس العنوان، والتي حذرت من خلالها من ظاهرة إقبال الناس على الرقية والحجامة بدل أهل الاختصاص من الأطباء، الأقل خطورة من ظاهرة الترويج للأدوية المغشوشة وما عرفته في الآونة الأخيرة، من انتشار واسع على وسائل التواصل وشبكة الإنترنت، والذي ليس لإهماله، هو الآخر من مسوغات أو أعذار، لما تشكله من مخاطر مهددة لصحة المواطنين وتضاعف معاناتهم مع المرض والاستغلال الفاحش لجهلهم وقلة وعيهم إلى جانب ابتزاز أموالهم ؛إجمالاً على الجهات المختصة بالدولة، وفي مقدمتها وزارة الصحة والهيئات والجمعيات المحلية المهتم بصحة المواطنين ليس المكافحة الميدانية للظاهرة فقط، بل ورفع مستوى توعيتها للمواطنين إلى أقصى ما بوسعها، حتى لا يقع الناس فرائسة لتجار المرض والموت.

***

حميد طولست

مدير جريدة "منتدى سايس"

منذ أن عرف الإنسان الكتابة ومهاراته تتطور بإستمرار حتى وصلت الى ما هي عليه اليوم من تقدّم خدمة للبشرية على مختلف الصعد، وستبقى تتطور الى ما لا نهاية. فالمعرفة والتطوّر العلمي وهما تراكم كمّي ونوعي للمهارات والتجارب التي أكتسبتها البشرية على مرّ العصور لن يتوقفا في محطّة ما مطلقا، بل يستمر قطارهما بالسير قُدُما كلّ ما عبر محطة من محطات العلم والمعرفة. وعندما يدور الحديث عن المعرفة والتطوّر العلمي علينا الإشارة الى العلوم جميعها كحزمة واحدة تتطور بتتطور أي حقل فيها، لتساهم في رقيّ الإنسان وتقدمّه.

تعتبر المدرسة اللبنة الأولى في التعليم، فهي البيئة التي توفّر المعرفة عن طريق مناهج دراسية تنمّي مواهب الطلبة علميا وأدبيا، وهذه البيئة أي المدرسة بحاجة الى كادر تخصصّي متمرّس في زرع المعلومة العلمية عند الطلبة. لكن المدرسة تبقى عاجزة عن إنتاج جيل قادر على مواكبة العلوم والآداب، إن لم تتوفر في مناهجها التعليمية الحيادية في عرضها وتدريسها، ويبقى الطاقم التدريسي والإداري هما من العناصر الهامّة جدا في تقدّم العملية التعليميّة وجودتها.

لقد إهتمّ الإسلام الذي يدّعي رجال الدين والأحزاب والميليشيات الإسلامية ومعهم النسبة العظمى من أبناء شعبنا الإيمان به، بالتعليم وإنتشاره. وكان طلب النبي محمّد من أسرى بدر ممّن كانوا لا يملكون مالا بتعليم عشرة من أبناء المسلمين القراءة والكتابة ليشتروا به حريّتهم، دلالة على إهتمامه بالتعليم بإعتباره اللبنة الأساسية لقيام الدولة التي كان يعمل على تأسيسها. وكان هذا التعليم للأولاد وقتها أشبه بأوّل مدرسة للأولاد في الإسلام.

إنّ التعليم حرب لا تقل ضراوة عن الحروب الحقيقية، ومتى ما أنتصرت دولة في حقل التعليم فأنّها لا تعرف الخسارة بعدها، كونها إستثمرت في مجال الإنسان وعقله. وهذا الإستثمار بحاجة الى إرادة سياسيّة ووطنية عالية تضع مستقبل الشعب والوطن ضمن أولوياتها، من خلال تخصيص نسبة عالية من ميزانيتها لتطوير حقول التعليم المختلفة وفي مختلف المراحل الدراسية. فهل العراق بعد عشرون عاما على وصول الإسلاميين وحلفائهم من قوى المحاصصة للسلطة قادرين على خوض هذه الحرب والإنتصار فيها..؟

تنص المادة (٣٤) اولاً من الدستور العراقي على أنّ: التعليم عامل اساس لتقدم المجتمع وحق تكفله الدولة، وهو الزامي في المرحلة الابتدائية، وتكفل الدولة مكافحة الامية. ثانياً: التعليم المجاني حق لكل العراقيين في مختلف مراحله. ثالثا: تشجع الدولة البحث العلمي للاغراض السلمية بما يخدم الانسانية، وترعى التفوق والابداع والابتكار ومختلف مظاهر النبوغ. هنا يكون الإسلاميون قد بدأوا معركة التعليم، لكن على الورق وليس في المدارس والمعاهد والجامعات. وخسارتهم لهذه المعركة التي هي هزيمة ساحقة لشعبنا ووطننا تأتي من خلال فساد المؤسسات التعليمية وقلّة الأموال المخصصة للتعليم في الموازنة العامة، مقارنة بتلك المخصصة للدفاع والداخلية والحشد والأوقاف الدينية والهيئات الرئاسية وغيرها من أبواب الفساد. وبعيدا عن مقارنة الميزانية المخصصة للتعليم بالعراق مع غيره من البلدان، نعود الى ما تناولته اليونيسيف حول سوء التعليم في تقرير لها من " أنّ العراق أنفق في السنة 2015 – 2016 ، ما يعادل 5.7 % فقط من الأنفاق الحكومي على التعليم الأمر الذي يضع البلاد أسفل السلّم بالمقارنة مع دول الشرق الأوسط في أي سنة معينّة". ولو عرفنا مداخيل العراق المالية مقارنة مع مداخيل البلدان التي هي أعلى منّا في سلّم التعليم وجودته، نكتشف حجم الكارثة الحقيقية التي يرتكبها الأسلاميّون بحق بلدنا وشعبنا وخطرهم على مستقبلهما. أمّا لو قارنّا نسبة الأنفاق الحكومي عهدهم مع نسبته المخصصة لوزارة المعارف إبّان العهد الملكي في السنة المالية 1957 – 1958 والتي كانت 20.3 ، وهي بالحقيقة مقدار ما صرفته الوزارة لتطوير التعليم ونشره متجاوزة الميزانية المخصصة لها. فأننا نقف أمام مفارقة كبيرة وهي توجيه الأنتقادات لهذه الميزانية من قبل قادة الرأي وقتها، إذ ومع هذه الميزانية و" مع إهتمام وزارة المعارف بزيادة الأنفاق على تطوّر التعليم ومؤسساته الّا أنّها لم تسلم من كثرة الأنتقادات الموجهّة اليها من قادة الرأي في العراق، لقلّة أنفاقها على ميادين التعليم قياسا بأنفاقها على الدوائر الأمنية، ممّا يدل على عدم إكتراث الدولة في تثقيف الشعب وممارسة حقوقه الأساسية ليكون مواطنا صالحا"!! (1). أمّا في السنة المالية 1962 – 1963 فقد وصلت ميزانية التعليم الى 23% من ميزانية الدولة، ولترتفع في السنة المالية 1963 – 1964 الى 25%. (2) أعود هنا لأقول من أننا لو قارنّا ميزانية التعليم في عهد هيمنة الأسلام السياسي الأسلامي اليوم مع السنوات الأخيرة للعهد الملكي والأولى للعهد الجمهوري فأننا نكتشف حجم الجريمة التاريخية لحكّام اليوم بحق أطفالنا ومستقبلهم ومستقبل وطننا.

لنعود الآن الى الأخلاق التي ما أنفكّ الأسلاميون ورجال دينهم على وعظ شعبنا بها، وكأنّ شعبنا لم يكن يعرف الأخلاق قبلهم، علما أنّ الأخلاق عندنا تدهورت بشكل مخيف عهدهم الكارثي الذي وصل فيه الى تدمير شبه كامل للمنظومة الأخلاقية. لقد كانت الأديان منذ نشأتها لها ركيزتين أساسيتين هما العقيدة/ الإيمان والأخلاق، والأخلاق عند الأسلام والاسلاميين يدور حول الخير والشر والصالح والطالح والجيّد والسيء والحسن والقبيح والفضيلة والرذيلة. وكل ما يفيد الناس ويشذّب أخلاقهم هو خير وصالح وحَسِن وجيد وفضيلة، وكل ما يضرّ الناس وتسوء أخلاقهم بسببه هو شرّ وطالح وسيء وقبيح ورذيلة. ومفهوم الأخلاق عند الفلاسفة المسلمين يعني أستعمال العقل في تصرف الأنسان مع المفاهيم الأخلاقيّة في مجتمعاتهم، فهل الفساد على مختلف الصعد ومنه الفساد الأخلاقي اللذان أصبحا ظاهرة في العهد الأسلامي بالعراق اليوم، مقبولة عقليّا، وما هو موقف رجال الدين المتحكّمين بالشارع العراقي في دفع الناس لأستخدام عقولهم في تفسير الظواهر الأجتماعية الخطرة كضياع الأخلاق، على أعتبار أنّ الفساد هو الحاضنة الطبيعية لكل الموبقات وهو نتاج ضياع الأخلاق؟

يُعتبر فساد الخاصّة أساس لفساد العامّة في الفقه الشيعي، وفي هذا يقول الأمام علي بن أبي طالب: قوام الدين والدنيا بأربعة: عالم يستعمل علمه، وجاهل لا يستنكف أن يتعلم، وجواد لا يبخل بمعروفه، وفقير لا يبيع آخرته بدنياه، فإذا ضيع العالم علمه استنكف الجاهل أن يتعلم، وإذا بخل الغني بمعروفه باع الفقير آخرته بدنياه (3).

فإن كان الإمام علي يعني بالعالم رجل الدين، فلنا منهم جهلة وطائفيّون ولصوص وفاسدون ومفسدون بنسبة كبيرة، وإن كان يعني بهم أصحاب العلوم الدنيوية وهم الكفاءات التي نحتاجها لبناء بلدنا، فقد خلا العراق منهم تقريبا. أمّا جاهلنا فهو يريد أن يتعلّم، لكنّ المجالات أمامه بفعل أخلاق الحكّام وفسادهم مسدودة، أمّا الجَواد والذي يجب أن تكون الدولة محلّه فهو يسرق الفقراء والبسطاء، أمّا معروفه في بناء الوطن فهو بخيل به وسارقه، أمّا فقراء بلدنا فهم باعوا آخرتهم بدنياهم وهم ينتخبون لجهلهم عديمي الأخلاق والضمير من الفاسدين واللصوص والخونة والقتلة في كلّ إنتخابات.

إيذاء الناس ليست من أخلاق الإسلام، وفي هذا يقول النبي محمّد وقد ذُكرت له إمرأة من أنّها تُكثر من صلاتها وصدقتها وصيامها غير أنّها تؤذي جيرانها بلسانها أن: هي في النار. فكيف حال ساسة العراق الأسلاميين وهم يقومون بشعائر الدين ويسرقون الناس أموالهم ويدمرّون بلدا بأكمله!؟ يبدو أنّ أهل جهنم ومنهم هذا المرأة سيثورون إن أدخل الله أسلاميي العراق الى جهنم حيث تقيم ويقيمون، وحينها سيخلق لهم أي إسلاميي العراق جهنم تليق بهم وسعيرها أضعاف أضعاف سعير جهنم االتي يتحدثّون عنها ويصفونها لنا..

لقد بدأ الإسلام بكلمة إقرأ التي قالها جبريل للنبي محمد في غار حراء "اقرأ باسم ربك الذي خلق " ، وشعبنا اليوم بين أمّي ونصف أمّي وشبه أمّي. وآخر كلمة قالها النبي محمد في خطبة رسميّة وكانت خطبة الوداع هي الأخلاق إذ قال " إنما بُعثتُ لأتمم مكارم الأخلاق".  واليوم ونحن نعيش العهد الأسلامي الأسود وعهد الأنحطاط الأخلاقي ثلاثي الأبعاد،  فمن حقنا أن نسأل القوم عن أسلامهم بعد أن تبخّرت كلمة إقرأ وتلاشت الأخلاق بفضل فتاوى الدين وقوانين العشيرة. 

تمام الإخلاص إجتناب المعاصي (النبي محمّد).. وزوال الأخلاق الذي يُنْتِج الفساد هو وعاء المعاصي.

***

زكي رضا - الدنمارك

....................

(1) موازنة وزارة المعارف في العهد الجمهوري دراسة في آثارها التنموية ١٩٥٨-١٩٦٨ــ مـجلة مركز بابل للدراسات الإنسانية المجلد ٤ /العدد ٣ ص 121.

(2) نفس المصدر ص 143.

(3) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ١٩ / ٣٠٣.

عندما استمع لحديث طريق الحرير والافكار الصينية، ترجع بي الذاكرة الى فكرة الأستاذ السوري والتي عرضها سليم مطر في كتابه الذات الجريحة، فكرة لو تمت لغيرت شكل الاقتصاد العالمي، ولأصبح كل من العراق وسوريا قبلة للعالم، ولتشكل منافس اقتصادي حقيقي لاقتصاديات دول المنطقة بل والعالم، وقد تم التعامل مع الفكرة السورية بتجاهل تام، حيث كانت توجهات الحكم ألصدامي بعيد عن أي تخطيط للنهوض، بل جل أفكاره في الطريق الأمثل لديمومة حكمه، أم الجانب السوري فكان يدرك ممانعة النظام العراقي، مما جعلهم لا يهتمون بها، لان الفكرة لا تتم ألا باتفاق الدولتين.

الفكرة تتمثل بشق قناة نهرية لحركة السفن العملاقة، تمتد من سواحل سوريا على البحر المتوسط إلى شواطئ الخليج العربي في البصرة.

عندها ستكون حركة سفن أوربا أسهل وأسرع للوصول إلى النفط، وتصبح تجارة الصين واسيا بصورة عامة تمر عبر العراق وسوريا باتجاه اوربا، ويتشكل خط ملاحة تجاري جديد يلغي أهمية قناة السويس، بسبب الفرق في المسافة، وضمن فكرة الأستاذ السوري أن يتم استغلال ضفتي القناة من العراق إلى سوريا، ببناء مدن سياحية وفنادق ومدن ملاهي ومراكز تجارية وأراضي زراعية، حيث تتشكل نهضة اقتصادية وزراعية وسياحية واجتماعية للبلدين.

لكن معوقات الفكرة كثيرة، ومن أهمها:

الفوضى الداخلية للبلدين

يعيش العراق منذ عقود طويلة حالة من عدم الاستقرار، بسبب الصراعات السياسية، وتواجد العصابات الإرهابية، بالإضافة للفساد الكبير الذي ينخر في جسد كل مؤسسات الدولة، مما عطل أحلام العراقيين بحصول نقلة في حياتهم، ولهذه العوامل العديدة يتحول أي حلم إلى كابوس، خصوصا مع تواجد طبقة حاكمة لا يهمها ألا مصالحها.

أما سوريا فهي تعيش ظرف شديد التعقيد، بعد سنوات الحرب الطويلة، فالبلد محطم، والعصابات إرهابية تسيطر على بعض الأرض، وهنالك عامل إقليمي داخل في الساحة السورية بالفعل، كل هذه الأمور تجعل كل الأحلام مؤجلة إلى فرصة تاريخية أخرى.

قد يتحقق الحلم في زمن أخر مع شخوص آخرين، أما ما موجود ألان من ساسة، فلن يكونوا جزءا من أي الحلم.

رفض دول الإقليم

بعض دول الإقليم تمثل عقبة كبيرة أمام أي جهد للنهوض والأعمار، فالسياسة السعودية والقطرية ترفض المشاريع الكبيرة للدول ألأخرى، والتي قد تكون بوادر تغيير ايجابي لدولة ما، لأنها طامحة للانفراد بتفوقها الاقتصادي، وهي ترغب بإبقاء العراق وسوريا بحاجة دوما للأخر، فلا يسعدها هكذا مشروع عملاق، وكان نهجهم المعروف ضد العراق وسوريا، داعم لأي عنف أو فوضى وسعت بكل جهد كي لا يستقر البلدين، وهذا النهج مستمر وسيكون معوق حقيقي ودائم أمام الحلم الكبير.

وقد كان على الساسة في العراق وسوريا التوصل لتفاهمات ايجابية بعد 2003 مع دول الخليج المؤثرة مع تركيا ليبعدهما عن منطقة العداء مع القوى العالمية، فالسلام ممكن أن يتحقق عبر حزمة مصالح، والجلوس في مفاوضات حقيقية، وفهم وأدراك لمطالب الأخر.

الموقف الإسرائيلي الخفي

منذ وعد بلفور في بدايات القرن الماضي، والحرب مشتعلة بين العرب واليهود، وكانت مواقف إسرائيل دوما ضد إي سعي لنهضة عربية وخصوصا العراق وسوريا ومصر، لكن الغريب في العشرين سنة الأخيرة كان صوت إسرائيل ضعيفا، فهل يعني أنها اتجهت للسلم؟

الحقيقة أن هنالك من يقوم بما تريده إسرائيل، وهو الشروع بتدمير العراق وسوريا ومصر، فالعصابات التكفيرية المدعومة إقليما من القوى العظمى، قد فعلت أكثر مما فعلته إسرائيل طيلة حروبها مع العرب، ولهذا اتجهت للصمت، مع أن هنالك كلام كثير وتسريبات إعلامية عن دور إسرائيلي سري، ودعم غير مباشر لهذه الجماعات التكفيرية التي تحارب في العراق وسوريا، أي أن حربها ضد العرب لم تتوقف.

إسرائيل تعارض أي نهضة حقيقية للعراق وسوريا، وكل المصائب التي جرت على البلدين، كانت لإسرائيل يد فيها، فإسرائيل احد العوامل الخطيرة أمام شعوب المنطقة، لذا يعتبر الحلم صعب تحققه مع وجود كيان خطير كإسرائيل، يعلن العداء ويستمر في نهجه المسموم.

موافقة الدول العظمى

المشروع كبير ويهم الدول الكبرى، لذا الحصول على موافقة هذه الدول أمر يجعل الأمور متيسرة، لكن كان سلوك الساسة في العراق وسوريا، في تصعيد مستمر ضد أمريكا، فالفكرة لن تتحقق مع استمرار النهج المعادي لأمريكا، لأنها ستبذل كل جهودها لمنع تحققها، فقط لان سوريا رفضت المشروع القطري لنقل الغاز عبر أراضيها، ووافقت على المشروع الإيراني لنقل الغاز عبر أراضيها، مما دفع دول كبرى للسكوت أمام دخول الإرهابيين لسوريا، وعمليات التدمير الوحشية التي مارسها الإرهابيين، بل أخذت صبغة عالمية بان ما يجري في سوريا هو ثورة ضد الدكتاتورية.

المشاريع الكبرى تحتاج قادة حكماء، يفهمون طبيعة النظام العالمي، ويعرفون الطريق لكسب ألأحلام، ويخططون لكيفية كسب قضايا الوطن، عبر سياسة الاحترام المتبادل، والشراكة في المشاريع الاقتصادية، والدعم المتبادل، فالعداء يجر الويلات ولا يكسب حق ضائع.

الثمرة

الفكرة كبيرة جدا وتصل إلى حد الخيال، وهي ممكنة التحقق لكن بشروط، وهي:

الأول: استقرار البلدين وسيادة القانون.

ثانيا: انتهاج سياسة داخلية حكيمة للبلدين.

ثالثا: تحقيق وحدة سياسية اقتصادية بين البلدين.

رابعا: تغيير السياسة الخارجية بما يخدم مصالح البلدين.

***

الكاتب: اسعد عبد الله عبد علي

إحراق الغاز والتصاعد الخطير في الإمراض السرطان في العراق.

تجري مراكز بحثية تحقيقات، عن مدى الخسائر البشرية والبيئية، الناتجة عن عمليات حرق الغاز الأحفوري في العراق، مع التركيز على التدمير الناتج عن هذا، حيث يتم أطلاق غاز ثاني أكسيد الكارتون، المسبب لظاهرة الاحتباس الحراري، بنسبة قد تبلغ أكثر من 80 ضعفا، عن ما هو موجود في الغلاف الجوي، خلال عمليات الحرق تلك، ما يعني أن العراق هو المسؤول عن ثاني أكبر حرق للغاز في العالم.

الاحتراق يطلق ملوثات سامة تضر بصحة الإنسان، منها مواد مسرطنة للإنسان، يمكن أن تتسبب بأمراض سرطان الدم "اللوكيميا" حيث تشير التقارير الصادرة من وزارة الصحة العراقية، إلى إرتفاع نسبة الإصابة بالسرطان في البصرة، بنسبة 20% بين عامي 2015 و2018، وتحدث التقرير غير المتداول أن حالات الإصابة بالسرطان في المنطقة الجنوبية، أعلى بثلاثة أضعاف من الأرقام التي يتم الكشف عنها وتداولها في وسائل الإعلام..

الحكومة العراقية أعلنت وفي تقارير رسمية، عن وجود صلة بين التلوث الناتج عن الاحتراق، والأمراض السرطانية المنتشرة في البلاد، وبزيادة لافتة وخطيرة، تنذر بوجود أزمة حقيقية في إنتشار الأمراض السرطانية ..

عمليات الحرق الممنهجة ليست مشكلة محلية تخص العراق وحده، بل هي أزمة عالمية لكن لها حلول قابلة للتطبيق، وينبغي على الحكومة الانتقال إلى، ما هو أبعد من مجرد الاعتراف بالمشكلة، نحو ضرورة سن قوانين صارمة لتقييد عمليات الإحراق بشدة، ووضع آليات واضحة، لتوفير الخدمات الصحية المناسبة للمجتمعات المتضررة، من عمليات الحرق الملوثة للبيئة الوطنية ووفق القانون العراقي النافذ.

أن الزيادة في إنبعاث المواد المشبوهة ومنها الاحتراق الأحفوري، والتي تسببت بزيادة أمراض السرطان في البلاد، جاءت نتيجة لعدم إيلاء هذا المرض الاهتمام الكافي من قبل السلطات المختصة، سواءً من خلال توفير المستشفيات التخصصية والعلاجات اللازمة من مناشئ معروفة، أو من خلال حملات الفحص الدوري والتشخيص المبكر.

واقع حصول تلوث له أثار سلبية وخطيرة، يفرض على الحكومة العراقية أن تعتمد الأساليب الحديثة، لمعالجة الضرر الناتج من عمليات الحرق، مع العمل للإنتقال بعيداً عن الاستخدام الجائر للوقود الأحفوري، خصوصاً وأننا نسمع التصريحات الإعلامية للمسؤولين في كل المناسبات، عن خططهم لإيقاف حرق الغاز والاستفادة من عائداته، بدل تحمل العواقب الاقتصادية والصحية جراء حرقه.

إرتفاع أعداد الوفيات المستمر في البصرة والعراق عموماً، تمثل حالة مأساوية لكنها متوقعة، خصوصاً مع إرتفاع إنتاج النفط، مما سيسبب زيادة خطيرة في أعداد الوفيات، والتي نأمل أن تتراجع مع تقليص الشركات النفطية عمليات الحرق للغاز، وتقييد عمليات الانبعاثات الغازية من الآبار النفطية، وان تستخدم الوسائل الحديثة في عمليات إستثمار الغاز المصاحب بدلاً من إحراقه.

***

محمد حسن الساعدي

المنشور في الصحف والمواقع العربية يكتظ بالمفردات التشاؤمية، والعبارات اليائسة المعبرة عن القنوط وفقدان الحيلة، وعدم القدرة على المواجهة والتحدي والتغيير والتأثير الإيجابي، وتدعو للعويل والبكاء الشديد على الأطلال، وترفع شعارات منها "ليس في الإمكان خير مما كان "، و"الزمن السابق أجمل"، وغيرها من نداءات التقهقر والتراجع ألف خطوة وخطوة إلى الخلف، وكأن كتابها ينادون " إلى الوراء دُرْ"!!

فما تجود به الأقلام من إبداع بأنواعه، يشترك بالبكائيات والحزائنيات، والتعبيرات السلبية التخميدية، التي تسوّغ إستلطاف الوجيع والحرمان من أبسط حقوق الإنسان.

فالشعر لطميات، والقصص حزائنيات، والمفكرون يكتبون بمداد الدموع، وغيرهم بمداد النجيع، والجميع يبدو بإحتفاليات إنقراضية، وتفاعلات غبراوية، تريد أن تلغي الزمان والمكان، وتندحر في بقعة سوداء ذات تداعيات نكراء.

هذا السيل التشاؤمي الدفاق من أفواه الأقلام الجنائزية، يتسبب بتحقيق دمارات فردية ومجتمعية، لأنه يشحن النفوس بالمشاعر المؤذية المتسببة بإنهيارات تفاعلية تناهض الحياة.

والمطلوب أن تكون الكتابات تفاؤلية، وذات جرأة وطاقات تحدي وإستبسال، وتساهم في شحذ الهمم الوطنية، وتعزيز القدرات الواعدة المبشرة بمستقبل مشرق جديد، فالمجتمعات تمر بفترات قاسية لكنها تتخطاها وتحقق أهدافها، وتبني قدراتها اللازمة لصناعة ما تريد.

ولا بد من القول بأن الكتاب بأنواعهم يشاركون بما يصيب مجتمعاتهم، لأنهم قادته المعرفيون وبوصلة مسيره مع الأيام، وعندما يضخون المجتمع باليائس الحزين، فالوعي الجمعي سيختزن طاقات كفيلة بالتعبير عمّا ترسخ في دنياه منها.

فالأقلام تقود، وما تبثه وقود، وقد يحرق أو يعود، فعلينا أن نمتطي جواد الكلمة الطيبة، ونترجل عن حصان الكلمة الخبيثة القاضية بطعن الوجود.

فهل سنكتب بمداد النور والإيمان، وننتصر للحق وننبذ العدوان، ونتحدث عن حقوق وقيمة الإنسان؟

إنها تساؤلات، في مجتمعات تحسب البشر أرقام!!

***

د. صادق السامرائي

عانى العراق كثيرا بعد عام ٢٠٠٣ من ارث الحكم الشمولي وسلطة الحزب الواحد والقائد الملهم وما خلفته سياسات تلك الفترة العبثية من اثر سلبي على الدولة والمجتمع والاقتصاد، لكن ومع الاسف ترسخت فكرة لدى بعض الجمهور... ان العراق لا يحكمه الا رجل قوي. واصبحت هذه المقولة تظهر كلما واجهت البلد ازمة او مشكلة وآخرها ازمة إقرار الموازنة التي تجاوزت نصف العام الحالي وهي في مهب خلافات الكتل وتمسك كل طرف سياسي بموقفه وعندما اقرت لم تكتمل فقراتها واقرت جزئيا.

ان التعددية خيار لماع امام سلطة الحزب الواحد والديمقراطية وحكم الشعب افضل كثيرا من الديكتاتورية والاستبداد وحرية الرأي والتعبير تتفوق على القمع وتكميم الافواه. واذا كان الارث الشمولي بالظروف العامة يزول بعد جيل واحد او اكثر فانه يفترض الالتزام بالديمقراطية وحق الاغلبية وحسن إدارة دفة الحكم والبلاد لا فرض الارادات. ولكن الاخفاقات قد تقود وبلا شك الى الفوضى وعودة الديكتاتورية بصورة او بأخرى، وهذا ممكن جداً خصوصا في البلدان الحديثة العهد بها والتي لا تمتلك مؤسسات دستورية رصينة او تهزها الازمات في كل مناسبة او لا تستطيع التخلص من الارث الديكتاتوري الثقيل واصلاح اخطائه.

ومع هذه الصورة... فإننا في العراق بحاجة عاجلة الى: توفير الحياة الكريمة للمواطن اولا؛ وترسيخ الديمقراطية وتعزيزها ثانيا؛ ومباديء التداول السلمي للسلطة ثالثا؛ وتقوية المؤسسات الدستورية وسلطة القانون رابعا؛ والاهم من كل ذلك السمو فوق المصالح الاثنية والقومية والطائفية خامسا؛ حتى نضمن مستقبل افضل لابنائنا اولا؛ ونبعد شبح الديكتاتورية والى الابد ثانيا؛ التي قد تظهر في اي لحظة بالمشهد السياسي العراقي، وهي ما عانت منه ومع الاسف جميع الأطراف السياسية المختلفة حاليا في الماضي القريب.

***

جواد العطار

صاحب كتاب سوسيولوجيا المثقفين" جيرار ليكلرك" حينما كان يصنف المثقف يتمحور كلامه حول المثقف العضوي والذي بدوره يشطره إلى مثقف نستلوجي ومثقف داخلي.

وبالتالي هو لا يعير أهمية إلى مثقف الابتذال والطشة او مثقف الظروف التي طرأت!. ذلك مثقف لا يدخل ضمن نظرية "ليكلرك " في التعاطي ضمن حيز التأثير.

ولاحتى مثقف الشهادات العُليا التي صارت " بفلس"!.

بالأمس كان يراعُ المثقفِ بارزًا فيما يكتب، وتقصده الناس من خلال الصحف والمجلات والكتب كانت تلك وسائط نقل منضبطة، لاتتيح الرأي الا لمن يمتلك رأيًا حقيقيًا،فالامس كانت هناك صناعة خطيرة ومؤثرة لوعي (الذات والثورات والانتفاضات) والخروج من المألوف.

وقد لعبَ كُتاب الشيوعية في حينها وجماعة التنوير وصناع الحداثة وغيرهم دورًا بارزًا في صقل مهارات المجتمع بل حتى كتاب ومفكرين العالم الإسلامي رغم ركتهم كانت لهم آراء لابأس بها.

اليوم: اضع هذا السؤال أمام "هابرماس" و"جيرار" وغيرهم، ماذا صنعت (حوائط السوشل ميديا؟) هل خلقت مثقفًا عضويًا او مثقف نستلوجي؟ ما صنعت مساحات الحوار في الكلاب هاوس وتويتر؟

أنا أقول لاشي؟!.

بل أزعم أنها قيدت محتوى النضوج التنويري واستبدلته بمحتوىً فاقد الأهلية وارجعت دلالات "فوكايما" و"صاموئيل" وغيرهم إلى عالم تافه.

عالم ليس فيه "البيرتو ايكو" او "ميلان كونديرا"، عالم فارغ تائه.

لو اتيحت الفرصة لـ "جيرار ليكلرك " ان يكتب جزءً ثانيًا من سوسيولوجيا المثقفين لكان عنوانه: سوسيولوجيا التافهين!.

يقول  جيرار: ‏(وظيفة المثقفين الإنحياز إلى الشأن العام، والتشكيك في الحقيقة الرسمية المتمثلة في السلطات أو المؤسسات..وفي الحالتين تضع الطبقة الفكرية نفسها بتماس مباشر وصميم صراعي إلى حد ما مع الدولة، أو مع الطبقة السياسية، والطبقة المسيطرة في المجال الإقتصادي)

***

انور الموسوي

أصدرت  دار جبرا للنشر والتوزيع  الأردنية، كتابا جديدا للباحث سعيد بوخليط ، انتظمت مقالاته خلف يافطة عنوان : هواجس عالمنا الموبوء؛ سياقات وآفاق جائحة كورونا.

حاول المؤلِّفُ،على امتداد فقرات مائتي صفحة توثيق وجهة نظره الشخصية وهواجسه الذاتية، إبَّان الفترة التي عاشها العالم قاطبة؛واختبرتها الإنسانية جمعاء بكيفية تراجيدية حتما، نتيجة صدمة فيروس كورونا؛ ثم النتائج المترتِّبة قطعا عن تداعيات تلك اللحظة المغايرة لجلِّ ماسبق، بالتالي، تبلور تجليات سوسيو- تربوية مفصلية ضمن مسارات المجتمع المعاصر؛ قياسا لرتابة مختلف روافده السياسية، الاقتصادية، الاجتماعية، المعرفية القيمية،مثلما تشكَّلت أنساقها الإيديولوجية الكبرى، تبعا لنتائج الحرب العالمية الثانية، فالحرب الباردة، وانهيار المعسكر الشرقي، ثم هزَّات حربي الخليج الأولى والثانية،وصولا إلى توطُّد عولمة القطب الواحد، وكذا اندثار الإنسان بين ثنايا المنظومة الرقمية.

أربع وثلاثون مقالة، قاربت موضوعات شتى؛ من قبيل:

من يحكم اليوم العالم؟ إيحاءات الحرب في زمن الوباء .المستذئبون : حينما يمضي الإنسان وجهة التدمير.مجتمع الفرجة والاستعراض : الزيف العظيم. لم يعد للبشرية من ملاذ للحياة غير قبو ذاكرتها ! أيُّهما أولى : حياة مجتمع المواطنة أو موت "الوباء"؟ نحن والغرب: راهن كورونا، نفس مذاق الحنظل .سنة 2020 : سقوط القناع، عن الأقنعة.سياق الوباء وذكرى "ربيع" شتاء  سنة2010 .ثورة الزمان وترياق نوستالجيا الماضي.عالم موبوء : النوم ملاذ رحب للجميع. كورونا الذكرى الأولى: تجاذبات قميص عثمان! مصير العالم الجديد ودلالات القناع/ الأقنعة.حرب كورونا وطبيعة أفق المقاومة. ما الحل ؟السؤال الكوني المؤرق. التعايش مع كورونا.. دولة المواطنة نفسها.أبعد من كورونا : ماذا عن الموت الشفاف؟ مدخل الصحة : الحَجْر، الحِجْر، التَّحَجُّر، الحَجَر.أفق كورونا: ماذا عن الإنجاب؟ معركة كورونا :كم تلزمنا من الشجاعة. صدمة كورونا :عودة الوعي الإنساني. العالم بين الانهيار أو الانهيار: أربع صور ! الوباء وشاعرية فضاء المنزل.سياق كورونا : ماذا عن جيل ''السيبرانية'' والنمط الأمريكي؟ لحظات الضعف الإنساني، والأسئلة المصيرية. ثورة كورونا :القطائع التاريخية الأربعة؟ طقوس الموت ''فيسبوكيا'' :من نصدق؟ التطعيم : بين شفافية العلم وغوغائية السياسي.كورونا وأبناؤه (ها)البررة! أيضا سنة2022 ،  بطعم أزمنة المجهول. هل تجتاز البشرية حاليا أخطر مراحلها؟ جرعات تجرّع غير جفاء الحياة. تجَّار آلام البشر.شعوب الأرض وقضية استعادة الحياة.

تقول إحدى مقاطع الكتاب : "منذ زمن سحيق، استشرفت الآداب والسينما ممكنات الواقع المرير المترقب للحروب التوسعية الظالمة، والمعتقلات الجحيمية، والمافيات المنظمة والمهيكلة تحت يافطة التمدن، ومجتمعات مزارع الحيوانات التي يراقب أنفاسها الأخ الأكبر بقسوة لاتضاهى، والأصوليات وفق شتى تجلياتها، والشعبوية، والأتمة الاليكترونية، والرقمنة الافتراضية، والتوتاليتارية، وبلاهة التنميط، وبورصات الدعارة والاسترقاق، واستغلال الأطفال، والتعديل الوراثي والجيني، وفوبيا الاستهلاك، ونتاج الزومبي، والتيه، والجنون، وأمراض القهر، والترويض القسري، ومجتمعات الشراهة وجغرافيات العوز، وتدمير البيئة، والكوارث الطبيعية الكونية، والأوبئة، والإشعاعات النووية، إلخ.

توقعات، تحولت تباعا ارتباطا بسياقات تاريخية معينة، إلى حقائق اختبرتها البشرية مأساويا على أرض الواقع؛ ولازال أمرها كذلك ساريا،حسب حيثيات عدة تبعا لجدليات الخير والشر، الإيروس وتاناتوس، الآدمية والبربرية، الكم والنوع، التطور والكيف، البنية الفوقية والتحتية، متواليات الأحداث، كما الشأن حاليا مع راهن وباء كورونا".

مشهد مأساوي بكل المقاييس، يلتهم التهاما الواقع الإنساني الراهن، توخت دراسات وتأملات هذا الكتاب رصد بعض جوانب ذلك

كن: جذوة تفاعلات خلقية متواصلة لا تعرف التوقف، تتحرك وفقا لإرادة الدوران القابضة على الكنه المطلق، ولهذا فهي متسعة الإتجاهات، سرمدية التفاعلات، ذات معطيات غير محدودة.

"كن"  طاقة وجود أزلي أبدي متعاظم القدرات، لأن ما تطلقه يتصف بالتراكمية والتعقيد والتمدد والإنتشار البعيد.

ومَن يضرب بقدرة "كن" يعرف ما تؤول إليه إرادتها، وإلى أين تتجه حركاتها ومعطياتها ومنطلقات صيرورتها، وبهذا تكون صورة الوجود الكامن بعدها، واضحة ومتجسمة في الرؤية الحاضرة، وفي وعاء النون.

"كن" فيض حيوي دفاق يفاعل العناصر الموجودة في جوهر الكون، ويعيد ترتيبها بأبجديات ذات إمتدادات غير محدودة.

ومن هنا فهو يعلم ونحن لا نعلم، وهو يرى ونحن لا نرى.

وهو القادر القدير، ونحن الضعفاء المساكين، الحائرون المتخبطون التائهون في غياهب الغيب البعيد.

صدقت "كن"!!

وقال الكون الأمين!!

ويبقى المخلوق يحدوه حين!!

***

د. صادق السامرائي

ما يجري في السودان الطيّب، الشقيق، لا يصدّقه العقل السويّ والفؤاد الراشد. سلوك يشيب له الولدان؛ قتل ودمار لا يعقلان، ويوميّات المواطن السوداني أرّقها أزيز الرصاص ودوي القنابل وهدير الطيران.

أما آن للتقاتل بين الإخوة أن يضع أوزاره، ويهتدي الإخوة والأشقاء السودانيّون إلى سبيل غير سبيل الحرب الطاحنة؟ أم هو منطق رعونة الحمقى والمجانين؟

ما كان ينقص السودان الشقيق ليس إشعال فتيل الحرب بين أبناء الوطن الواحد والملّة الواحدة والتاريخ الواحد والمصير المشترك. وعلى مرّ الأزمنة المنصرمة من حياة البشريّة، لم تنتج الحروب الأهليّة والقبليّة والعشائريّة سوى الدمار والخراب. ولم تنسل سوى القتلى والجرحى والأيامى والأيتام والمصدومين.

إنّ عواقب الحرب السودانيّة / السودانيّة على المجتمع السوداني وخيمة على المديين القصير والطويل. ستنتهي لا محالة، كما انتهت قبلها وبعدها حروب أخرى مشابهة في زوايا كوكبنا. وسينتصر طرف على طرف، لكنّ المنتصر الأكبر هو الطرف الثالث، المستتر وراء الأكمة، وهو المستفيد الأكبر من رحى حرب الإخوة. إنّه الغرب الصليبي الشمالي، الحاقد على الجنوب، على أمّة العرب والمسلمين، والذي تقوده الفلسفة الصهيونيّة، التي تحرّكها الأطماع الاقتصاديّة في السودان وإفريقيا عامة.

إنّه لمن العجب العجاب – وما أكثر العجائب في زمن العولمة – أن يدّعي الغرب الإمبريالي، الاستعماري أنّه يسعى إلى توقيف الحرب الضروس في السودان الشقيق. إنّ الفلسفة الغربيّة والصهيونيّة فلسفة مخادعة وكيديّة ومنافقة، عندما يتعلّق الأمر بمصائر شعوب الجنوب، ومصير الأمة الإسلاميّة خاصة. حيث يعمد عرّابو السياسة في الغرب إلى إضرام نيران الحروب البينيّة بين الإخوة والجيران – كما هو جار اليوم في أوروبا الشرقيّة، بين روسيا وأوكرانيا – لينقذوا إقتصادياتهم من البوار والكساد والتضخّم، ويحموا مواطنيهم من شبح البطالة، وذلك بتسريع الإنتاج الحربي، وزيادة تصدير الأسلحة إلى ميادين الحروب.

إنّ ما يلحق السودان الشقيق، يوميا، من خسائر معنويّة وماديّة لا يمكن حصره في مجلّدات. ولعلّ أخطر تلك الخسائر، على الإطلاق، تمزيق النسيج الاجتماعي، وضرب الوحدة الوطنيّة السودانيّة، وإضعاف السودان إقليميّا وقاريّا، وتعريضه إلى خطر التقسيم الذي تصبو إليه القوى الغربيّة والصهيونيّة. إنّ إعادة بناء ما هدّمته هذه الحرب المجنونة، يتطلّب من الشعب السوداني الشقيق تضحيات أخرى جسيمة. وهل قدر هذا " العالم الثالث " أن يعيد، في كل مرّة، بناء ما دمرته إرادة أيادي الحمقى، وإصلاح ما افسدته النفوس المريضة بداء مزمن اسمه، الزعامة؟

ومن غرائب العالم الثالث، أن يتقاتل الأشقاء، أبناء الوطن الواحد، بمختلف الأسلحة الفتاّكة من أجل صنم غربيّ، اسمه الديمقراطيّة. وقد غاب عن أذهانهم أنّ الديمقراطيّة الغربيّة، فلسفة مدمّرة للبشر والحجر. لقد ارتكبت فرنسا الاستعماريّة في القرنين التاسع عشر والعشرين مجازر رهيبة في الجزائر، تحت ذريعة نشر الحضارة، في الوقت الذي دبّج مشرّعوها من فقهاء القانون الدستوري مباديء الديمقراطيّة، القائمة على الحريّة والأخوة والمساواة. ولم تكن تلك المبادئء سوى شعارات برّاقة لاستعباد الشعوب المستضعفة، وسرقة ثرواتها واستغلالها في بناء اقتصادياتها. وكذلك غزت جيوش أمريكا ودول الحلف الأطلسي أفغانستان والعراق، بمباركة بعض دول الجوار، وقتلت وسجنت وهجّرت من الشعبين مئات الآلاف من الأبرياء بحجة نشر الديمقراطيّة. ومازلت المواطن العربي في اليمن وليبيا وسوريا، يدفع ثمن سمكة أفريل ؛ " الربيع العربي ". لقد كان هذا الأخير، أكبر كذبة في حياة بعض الشعوب العربيّة. فقد استطاع الغرب، مخترع نظريّة " الفوضى الخلاّقة "، أن ينجز خديعته، ويُغرق شعوبا بأكملها في مسارات وخيمة العواقب. أيّها الشقّاء السودانيّون، لا تنتظروا الحلول من وراء الحدود، لتأتيكم بالسلام والطمأنينة لرأب الصدع بينكم. فقسما " بربّ النَّاسِ، مَلِكِ النَّاسِ، إِلَهِ النَّاسِ مِنْ شَرّ الوسْواسِ الخنّاسِ الذي يوسْوسُ في صُدورِ النَّاسِ من الجِنّة والنَّاسِ ". إنّ الصهيونيّة العالميّة تعيش أسعد لحظات حياتها وهي ترى أسلحتكم في صدور بعضكم البعض ونحوركم.

إنّ على الإخوة المتحاربين في السودان الشقيق، العودة إلى مربّع العقل الراشد. فليس من المعقول أن تقود أحلام رجلين بلدا بأكمله إلى الدمار والخراب، وشعبا طيّبا، مسالما، إلى إفناء الذات، أو تعيده قرونا إلى الوراء. لقد ولّى زمن داحس والغبراء، فاعتبروا يا أولي الألباب في السودان، ولا تخربوا بيوتكم بأيديكم، فقد تذهب ريحكم، ويطمع فيكم القاصي والداني. يومها ينادي المنادي، ولات ساعة مندم...

*** 

بقلم الناقد والروائي: علي فضيل العربي – الجزائر 

"عندنا بقيت الأحزاب مغلقة وذات قيادات تجدد لنفسها وغير ديمقراطية داخلها بينما تقول إنها تريد بناء ديمقراطية البلاد. لهذا كان انفصالها عن الجمهور هو الأمر الطبيعي، وهذا ما حصل لدينا. وهذا انعكس كأحد الأسباب لتظاهرات تشرين"..

هذه فقرة من حوار أجرته مجلة حوار الفكر مع السيد عادل عبد المهدي بتاريخ الرابع من كانون الأول عام 2020، وكما ترى عزيزي القارئ فإن رئيس الوزراء الأسبق يؤكد أن تظاهرات تشرين التي اندلعت عام 2019 يعود سببها إلى غياب الديمقراطية الحقيقية، وقبلها بأشهر خرج علينا السيد عبد المهدي نفسه ليقول بالحرف الواحد: "إن طريقة التعامل القاسية التي شاهدناها عبر مشاهد واضحة من رمي رصاص كثيف ضد المتظاهرين هي أمور مستنكرة ومستهجنة ويجب التحقيق فيها بدقة".

فما الذي تغير حتى يخرج السيد عادل عبد المهدي قبل أيام ليخبرنا بأن تظاهرات تشرين كانت "مؤامرة" ورغبة أميركية لإضعاف العراق؟.

يفقد البعض في لحظات النشوة الخطابية الصلة بالواقع، ونراه يحاول جاهداً أن يمنع الناس عن السمع والنظر.. ويصر على أن يطبق على مستمعيه طريقة تفكيره.. إن حديث السيد عادل عبد المهدي عن المؤامرة الأمريكية يعني بشكل واضح أن الذين خرجوا للتظاهر في معظم مدن العراق متهمون بالعمالة وأن الضحايا الذين سقطوا في ساحات الاحتجاج كانوا ينفذون مخططاً أمريكياً، وهو حديث للأسف يفضح كل ما كان مخفياً من شعارات عن الديمقراطية وحق المواطن العراقي بالخدمات ومحاربة الفساد ، وأيضا يفضح بالصوت والصورة السيد عادل عبد المهدي عندما كان يلتقط الصور مبتسماً مع جورج بوش أو أثناء تناول وجبات الغداء مع الحاكم المدني الأمريكي بول بريمر، أو خلال جلسات السمر مع رامسفيلد لتقرير مصير العراق.

والغريب أن السيد عادل عبد المهدي، يريد أن يختطف القضية بعيداً عن جوهرها الحقيقي، ويعيد تسويقها للناس على أنها معركة بين العراق والإمبريالية الأمريكية، وكأن الأمريكان هم من جاؤوا بصفاء السراي ورفاقه وأجلسوهم على كراسي مجلس الحكم.

أين هي الديمقراطية التي ينظر لها السيد عادل عبد المهدي؟، أية ديمقراطية في اتهام شباب بالعمالة لأنهم طالبوا بمحاسبة سراق ثروات البلد؟، أية ديمقراطية في تصدير وهم أن العالم يتآمر على التجربة السياسية في العراق؟، أية ديمقراطية هذه التي يريد بها البعض أن يمارس من خلالها وصاية على عقول الشعب تجعل الخروج بتظاهرة تندد بالخراب والبؤس معناه التآمر على العراق والعراقيين؟.

بالأمس تم اعتقال رئيسة الوزراء الأسكوتلندية السابقة نيكولا ستيرجون على خلفية اتهامها بتبديد تبرعات بقيمة 700 ألف دولار.. في بلاد الرافدين مثل هذه التهمة مضحكة فقد تم الإفراج عن نور زهير بعد أن سرق ما يقارب الثلاثة مليارات دولار . هذه هي الديمقراطية!!.

***

علي حسين

ان الجيل الجديد امره يدعو الى العجب، والاندهاش، والذهول، وذلك في المصطلحات الغريبة التي يستعملها وفي تبادل التعابير الغير مألوفة، على سبيل المثال لا الحصر عبارتي "مايضويش" يعني لا يضوّي بما معناه بالعربية الفصحى لا يعطيك صرفا من عدل، وعبارة "إعَفِّطْ" بما معناه بالعربية الفصحى يكذب، وخاصة في عبارات التعبير عن الحب، ودلع الحبيبة، او العشيقة، او الصديقة المقربة جدا، الخليلة،. فمن طرائف الدلع كلمة "قطوستي" باللهجة التونسية او "أُطتي" باللهجة المصرية، ومما يدعو للبهت والذهول فرح الشابة وانبهارها بهذا اللقب او الاسم او الكنية، وهنا نتساءل كيف ترضى شابة عاقلة على درجة من الثقافة والوعي ان يطلق عليها حبيبها او صديقها او عشيقها  "قطوستي"!، كيف تبتسم مبتهجة لمّا يناديها مدلعا امام الناس بهذا الاسم المذل والمهين جدا!، ويدلعها في المطعم او في المقهى؟!، فيسالها امام النادل ماذا تشربين قطوستي؟!، وهو يرمقها ضاحكا!، فترى الشابة ترنو اليه في عشق وتتيم وصبابة، وتمسك بيده وضحكات الغرام تزغرد في رعشة شفتيها، وعيونها في عينيه وطرب الحب يتراقص في نظراتها من شدة العشق، ربما ظنا منها انه يدلعها من شدة الحب والافتتان والهيام!، تميل راسها في غنج ثم ترد عليه وهي جذلانة، حبيبي قهوة!، وابتسامة عريضة على شفتيها!، دلع ما ينم إلا عن النظرة الدونية التي يكنها الرجل للمراة!، واحتقاره لها، اهانة متخفية ومبطنة ببطانة الممازحة المرحة، والمداعبة المقرة للمراة تحت عبارة الدلع!، لقد ظهرت عبارة الدلع المهينة هذه، وانتشرت في الاوساط الشبابية على اختلافها كانتشار النار في الهشيم، خاصة بعد انتشار زواج المساكنة، زواج الاخلاء، متخذات أخدان وهي ذات الخليل الواحد، أما كان الاجدر به ان يقول لها وردتي، زهرتي، قرنفلتي، عصفورتي، ياسمينتي، فلتي، الورد والياسمين، والفل،، والقرنفل يضوع منها عطر ينعش النفس ويبهجها، ويشرح الصدر، ويذكي الفكر، والعصفورة طائر نظيف، رقيق، خفيف، رشيق انيق غير متواكل، كثير النشاط والحيوية، والزقزقة، شدوه يبعث في النفس الارتياح والانشراح وبهجة الحياة، بينما القطة همها الوحيد بطنها، مالك الرغيف صاحبها حتى وان قُتِل مربيها امامها، انانية، متواكلة قلما تجتهد وان اجتهدت تبحث بين القمامة، وتاكل الحشرات، والصراصير حتى صراصير قنوات التطهير، والوزغ، والفئران، والطيور النافقة، والاسماك العافنة، طمّاعة، لا تحوم حولك إلا من اجل الاكل، غير وفية، اذا مات مربيها وحيدا فريدا في بيته تاكله، وليس هذا وحسب بل وتاكل ابنائها، رايت قطة اكلت هررها، ورايت قطا شيرازيا في حديقة المنزل قابعا حذو خلية النحل، تحت شجرة الغار والمطر غزير، تارة يغمض عينيه وتار يفتحهما، والقطة القزمة التايلندية المقنعة البيضاء نائمة تحت الخلية، وهررها حولها، فذهب ظني ان القط الشيرازي مغرم بها، وعاشق ولهان، بل ومتيم صب بالقطة لا يطيق بعادها، إلا انه غدر بها واكل الهريرة الجميلة،  القطط بشتى انواعها تمتلك طبع القطط الكبيرة، سريعة الغدر بصديقها او مربيها، في الواقع القطط سواء كانت اناثا او ذكورا لا تلجأ إلا للذي يطعمها،، حتى ان رؤية القطط في المنام غير محمودة فهي تدل على الغدر والخيانة، اي دلع هذا الذي يقرنها بالقطة في وحشيتها وشراستها!، وجشاعتها!، وانانيتها المفرطة!، وعدم وفائه!، خصالها القبيحة المتخفية خلف مظهر اللطف والوداعة!، حتى انها تضرب هررها ابناء الشهر الواحد حين يحاولون مقاسمتها اكلها!، وفي طبعها التنكر لابنائها!، وفي خوفها الشديد من الماء، تقول الاسطورة ان القطط خرجت من عطسة الاسد والنمر، ربما قيل هذا لامتلاكها نفس طباع القطط الكبيرة رغم انها من الحيوانات الاليفة، حقا للناس فيما يعشقون مذاهب!،وفي ميولاتهم عجائب!،

***

الأديبة والكاتبة فوزية بن حورية - تونس

الفرق بين الكلمتين تقديم وتأخير حرف العين على الراء، وفيهما يظهر جمال العربية ودلالاتها الرمزية الأخاذة.

فهل توجد علاقة بين الشاعر والشارع؟

الشعر لسان حال الإنسان العربي في أرجاء دول الأمة، ومنذ البدء إتخذت مجتمعاتها من الشعر منطوقا سلوكيا وأخلاقيا، وبوصلة مسير في دروب الحياة.

فالشعر العربي فيه القيم والقوانين السلوكية والأخلاقية التي تربت عليها الأجيال، فهو الذي يعيش بين الناس ويتحركون على ضوئه، وأوجدوا دولهم وإمبراطورياتهم مستنيرين بمشاعله الفكرية والمعرفية، ومعظم قادة الأمة في عصورها الحضارية كانوا من المولعين بالشعر، والحافظين له، والمقربين للشعراء الذين تحولوا إلى ناطقين بإسم الخليفة أو السلطان، وكانوا يمثلون الصوت الإعلامي للدولة.

فالشعر يتفاعل مع المجتمع، والعربي يميل إلى وعي الشعر وحفظه، وأي شعر لا يصل إلى الناس ويتمثلونه لا يستحق تسمية الشعر، فالناس هم المقياس الحقيقي لكون المكتوب أو المنطوق شعرا أم محض كلام لا منفعة منه ولا جدوى ترتجى.

فالتكريم الأكبر للشاعر أن يكون صوته مترددا في الشارع العربي، ومن لا تسير قصائده وكلماته في شوارع الأمة لا يستحق تسمية شاعر.

إن الكثير مما يُنشر على أنه شعر، لا يُقرأ ولا تحفظ الناس شيئا مما يطلق عليه بالشعر الحديث، بل حتى النخب التي تهلل له لا تتمتع به ولا تبحث عن دواوينه، لأنها في لا وعيها لا تجد فيه منفعة وقيمة معرفية تستحق القراءة والإهتمام، لكنها تناقض نفسها وتهلل لما تريد إقحامه في عوالم الشعر، بحجة التجديد، وكأن الشعر العربي لم يتجدد على مر العصور، وما أكثر الشعراء المجددون في مسيرته، الذين إستوعبوا تراث الأمة وما أنكروا قيمتها الثقافية ورموزها المبدعين في روائع الكلمة والأدب السامي الرفيع، بينما المدّعون بالتجديد يعانون من أمية تراثية مروّعة، ويتوهمون بأن  ما يأتون به من كلام هو الشعر الذي عليه أن يعيش، وما عاش منه شيئ وأكثره يموت قبل موت أصحابه.

فهل سنتمكن من ضخ الشارع بالشعر؟!!

***

د. صادق السامرائي

منذ أن وجهت إلى الثانوية لتخصص لم ارغب فيه "هندسة مدنية" كانت رغبتي التخصص الأدبي، كنت موهوبا في الأدب ، قارئا ممتازا لأمهات الكتب، بعد معرفتي التخصص الجديد فقدت الأمل في الدراسة وانطفأت تلك الشعلة في أعماق القلب، قضيت ثلاث سنوات من التيه والضياع ، بين الإنذارات وبالمشقة أصل إلى علامة عشرة وهكذا وصلت إلى النهائي بلا شغف وفي اليوم الأول لاجتياز شهادة البكالوريا لم أخذ معي مقلمة وضعت قلمين في جيب سروالي الازرق البارد فقبل أن اصل إلى مركز الامتحان ذابا وتلطخ السروال وظهرت فيه بقعة زرقاء كأنها خريطة وطن التائهين ومرت الأيام ونجح اغلب اصدقاء قسمي وفشلت انا بامتياز، فرح أصدقائي وذهبوا إلى الجامعة ونجحت أنا في مسابقة التعليم ، بدأت التدريس ومرت سنوات وأغلب أصدقائي الناجحين لم يكملوا دراستهم ومن أكملها بقي دون وظيفة فكنت أنا الطالب الفشل هو الناجح الوحيد وبعد خمس وعشرين سنة شدني الحنين إلى شهادة البكالوريا فاعدتها مع الأحرار وتحصلت عليها كنوع من التحدي سنة 2012 وانا في الرابعة والأربعين من عمري.

***

بقلم الكاتب والباحث في التنمية البشرية

شدري معمر علي

"تواصى كلُّ كرْسيٍّ بداءٍ

فلا تعْجَبْ لداهيَةِ البلاءِ"

القول بأن العلة في المجتمع العربي إنحراف تفكير وسوء تقدير، وإمعان بالإنحدارية والإنهزامية، فمجتمعات الدنيا بأسرها عليلة والكرسي داؤها ودواؤها، الكرسي الذي يمثل الرأس، فإذا إعتل الرأس فالمجتمع سيكون عليلا.

المجتمع الصيني عليل، والكوري والياباني والأندونيسي والماليزي والهندي والسنغافوري، والمجتمعات الغربية، وما حصل فيها أنها حظيت بكراسي وطنية ذات عافية حضارية، تمكنت من تطبيبها ورسم خارطة إنطلاقها السعيد إلى المستقبل الأفضل.

فالصينيون لم يصنعوا أنفسهم، وإنما أوجدهم قادتهم وفي مقدمتهم "ماو" الذي أعاد ترتيب آليات تفكيرهم، ووظف شعره كأداة لترميم وتهديم ما في الرؤوس من آليات عليلة تعيق الحركة للأمام.

المجتمعات تحركها الأفراد، والحضارات تصنعها الأفراد، والمجتمعات تتبعهم.

وفي زمننا المعاصر الهاتف النقال إبتكره فرد وسارت المجتمعات خلفه، وأصبح جزءاً من الفرد، فالمجتمع بأسره مرهون بالهاتف النقال، وكذلك الإنترنيت ووسائل التواصل المتنوعة، والمبتكرات الأخرى كالسيارة والطيارة، وغيرها الكثير من منتوجات الأفراد التي سادت المجتمعات.

فالأفراد يطوّرون المجتمعات، ولا يوجد مجتمع يصنع نفسه دون فرد يرشده ويقوده، وفي تأريح الأمة "محمد" الفرد الواحد صنع الأمة وأطلق ما فيها من القدرات الحضارية، فصار المجتمع رهن الفرد الذي أوجد كينونته الجديدة،، أو أولده من رحم ذاته بعد أن فجر طاقاته، وإستثمرها لبناء القوة والدولة والحياة الواعدة.

فالذين يتهمون ويلومون المجتمع مضللون ودجالون، ويبررون المظالم، ويحررون الكراسي من المسؤولية .

وحتى الديمقراطية مرهونة بالفردية، وتعاني منها المجتمعات التي تأتي بالأفراد وتضعهم في الكراسي، فتكتشف عدوانيتهم ونواياهم .

حصل ذلك في ألمانيا وإيطاليا، والعديد من الدول الغربية الديمقراطية، فالمجتمع يأتي بالفرد الذي يخدعه ويوهمه بأنه الأصلح والأقدر، وإذا به حال جلوسه على الكرسي، يخلع ما عليه من أقنعة، ويتنكر لوعوده وأقواله، وينغمس في رغباته وما تمليه عليه النفس الأمّارة بالسوء، لأن الكرسي من أهم القوى التي تطلقها وتعززها، فقانون الكرسي أقوى من قانون المجتمع مهما توهم .

فالكرسي يصنع ويبيد، والمجتمعات تريد!!

***

د. صادق السامرائي

إنّي واللهِ –الساعةَ- لحزين، فمع شروق شمس هذا اليوم الجمعة التاسع من يونيو غربت شمسُ الطبيب والمؤرّخ والأديب محمد الجوادي تَغمّده الله برحمته وتَقبَّله في الصالحين وأسكنه عِلِّيين. راسلني قبل أسابيع قائلا: اُدْع لي فإن المرض ينهش. وقبل أربعة أيام أرسلْت له رسالة لأطمئنّ عليه وختمتُها بالدعاء له، فما زاد على قوله: نسأل الله. وكأنّ مداد قلمه قد نفد، وتَرجَّل لسفر أَعدّ له كثير زاد من كُتب وموسوعات بالعشرات تعجز عن مثلها مؤسّسات. وهذا الصباح ، أرسلْت له رسالة: السلام عليكم، فجاءني الردّ سريعا: البقاء لله، فبُهِتّ وتَساءلْت: مَن يجيب؟ فكان الجواب: زوجته. لم ألتقيه وجها لوجه، فقط تواصلْت معه عند إعداد النسخة المنقَّحة والمَزيدة من كتابي (أطباء فوق العادة) قبل أربع سنوات، وكم كان جوادا كاسمه وكريما كأصله، حين طالع ما كتبتُه عنه بإمعان، بينما غيره من المشاهير قلّما يفضّ رسالةً تتعنّى في كتابتها وتتعنّى أكثر في وصولها إلى عتبته، ليس هذا فحسب، بل أتحفني بإيميل يقطر رقّة ومودّة، قال فيه: "بُوركت وبُورك قلمك ومسعاك كما بُورك منبعك ومسقاك، وحفظك المولى مثابة وأمنا، ومنارة وفنّا وراية للعطاء ودليلا للارتواء، وأنعم عليك بما أنت أهل له من التقدير والفضل وبما أنت منبع له من القول الفصل، وحباك لسان الذاكرين وعين المتفرِّسين وآذان الخيِّرين، وأدام عليك ما ظهر وما بطن من رضاه وما تقدَّم وما تأخَّر من نعيمه، وزاد من رفعتك فوق ما أنت فيه". ثم زاد وجاد فمنحني وساما عاليا بإهدائي كتابه (الاقتصاد في قبضة الناصرية)، والذي طُبع عام 2021، فكتب في صدره: (إهداء إلى الصديق الكريم الأستاذ الدكتور منير لطفي)، وما أنا بأستاذ ولا يحزنون، ولكنه النبيل في عصر كَثُر فيه اللئام، والوفيّ في أيام صارت الخيانة هي العنوان! وبقلمٍ ماهرٍ في سباحة المسافات الطويلة، والغوص في أعماق بعيدة، مع قدرة فذّة على الاختزال، كتب لي يوما: أنت مشرِّح، والشيخ الغزالي نسّاج، و جمال حمدان حفّار، والشعراوي مصوِّر، والحكيم بستاني، والعقاد خطيب، فسألته: وماذا أبقيتَ لقلمك؟ قال: اختر أنت، فقلت: صائغ، فردّ قائلا: اقتربْت، ثم اختار أن يكون معماريا. وحين صدرت السيرة الذاتية لأستاذ القلب د. جلال السعيد مطلع هذا العام 2023، سألته عن رأيه فيها، فرجاني إرسال نسخة للاطّلاع عليها، ولمّا ألمحْت إلى ضرورة كتابته لسيرته الذاتية، فاجأني بجواب ثقيل الحمل فقال: "أنا أختصّك بها فكلّما حكيتُ لك شيئا قصّه عندك و اسألني عن التفاصيل"، ولكن مرضه العضال الذي كشّر عن أنيابه في الشهور الأخيرة وألزمه المستشفى حتى كاد لا يغادرها، حال دون القصّ والحكْي وصادر التفاصيل فيما عدا القليل، فهكذا أمراض الأطباء، تثور كالبركان وتعصف كالإعصار، فتنخل أجسادهم نخلا وتدكّ عظامهم دكّا، وكأنها تقتصّ منهم كأعدى الأعداء حين أفنوا أعمارهم في حربها ودحْرها ليل نهار، ولكن لا بأس، فأشدّ الناس بلاءً الأنبياء ثمّ الأَمثل فالأَمثل، وإني لأحسبه تقيًّا صابرا حتى مُنتهى أنفاسه وآخر نبضاته، إذ أَوقف منشوراته الأخيرة هنا وهناك على استدعاء فقرات من كتابه في المتشابهات القرآنية، مع سيل جارف من الضراعة والابتهال إلى الله. ومَن يقرأ مقدّمات كتبه التي يختمها بدعاء مسهَب خاشع يستغرق نحو صفحة، سيعلم أن بينه وبين عبادة الدعاء سرّ خفيّ. لست شاعرًا لأرثيه، فدعاء الصالحين من قرّائه وزملائه ومحبّيه يكفيه، ولكنّي أستعير من قصيدةٍ أرسلها إليّ قبل شهور وطلب الاحتفاظ بها؟ ربما لأستشهد بها هنا، فللّه أهلٌ يُسِرّ إليهم أنْ تَجهَّزوا للقدوم ويُعلمهم بالرحيل قبل الرحيل! وهي لشاعر يمني قال فيها: أبا التاريخ فلتكتب كثيرا، حروفك شعلة منها اتّقادي. خطابك لا يضاهيه خطاب، لأنك نابغةٌ حسْب اعتقادي. أبا التاريخ قُل يحميك ربِّي، فحُبُّك قد تغلغل في فؤادي. بك الآذان تَطرَب كلَّ حين، كأنّك عندليبُ الصوتِ شادِي"..اللهمّ إنّ هذا عبدك محمّد بين يديك، فكُن له الأنيس بعد الوحشة والشفاء عقب المرض والأهل إثر الفراق والوطن بعد طول اغتراب، إنّك سبحانك نعم المولى والنصير، وإنّا لله وإنّا إليه راجعون.

***

بقلم: د. منير لطفي - طبيب وكاتب

مصر      

......................

* كُتب هذا المقال صباح يوم التاسع من يونيو عام 2023م، عقب العلم بوفاته عن خمسة وستين عاما، ومن أراد ترجمة مطوّلة له فليعد غلى كتابي (أطباء فوق العادة). 

للثوار جولة

يبدو ان الملتقيات التي عقدها الثوار قد آتت اكلها ووجدت اذان صاغية لها، لِمَ لا، ورئيس الحكومة يعتبر نفسه ثائرا، وشابّا انفق المليارات لكسب ود الشباب وضمان اصواتهم في حال اجراء الانتخابات الرئاسية واغدق الأموال الطائلة على الميليشيات التي تدعي الثورية وصاحبة المصلحة الحقيقة فيها، ومؤهلا لان يقود البلاد إلى بر الامان.

على خلفية الانباء المتداولة من المغرب بشان التوافق بين مجلسي النواب والدولة على قوانين جديدة للانتخابات، سارع رئيس الحكومة الدبيبة باستصدار قرار يحمل الرقم 313 لسنة 2023، بإنشاء جهاز يسمى  "الجهاز الوطني للقوى المساندة" توكل اليه مهمة  المحافظة على أهداف ثورة 17 فبراير وفق التشريعات القانونية المعمول بها الذي يضم أفراد القوى المساندة من تشكيلات وكتائب ثوار 17 فبراير، ويتبع مجلس الوزراء ويتمتع بالشخصية الاعتبارية والذمة المالية المستقلة ومقره طرابلس. 

جميع الثورات هدفها (المعلن) رفع الظلم عن الشعب وتحقيق العدالة الاجتماعية، وتوزيع الثروة وفق اسس سليمة، وحرية الراي والتعبير وفتح المجال امام افراد الشعب بمختلف مكوناته لخوض غمار الانتخابات التشريعية والتنفيذية وليكون صندوق الاقتراع هو الفيصل، ولكن وعلى مدى 12 عاما هل تحقق أيا من تلك الاهداف والطموحات؟ وماهو موقف الثوار مما يجري؟،هل يعقل ان تظل دولة بدون رئيس طوال هذه المدة؟، فالمجالس الرئاسية اجسام هشة لا سلطة لها، أي ان السلطة متركزة في يد رئيس الوزراء، وشاهدنا بان من لم تكن له قوة تحميه يفر هربا-زيدان مثالا، أما الذي لديه تشكيلا مسلحا، او استطاع ان يتعامل مع التشكيلات المسلحة وفق المصالح المشتركة، فانه يشكل معها جسما لا يعترف بالنظم والتشريعات النافذة؟ يسيرون الدولة وفق اهوائهم ويعيثون في البلاد فسادا، ويستنجدون بالقوى الخارجية، لتظل البلاد ساحة للصراعات الاقليمية والدولية.

هذا الجهاز على شاكلة الحشد الشعبي في العراق(20 عاما من الدمار والخراب ونهب الاموال العامة واستفراد فئة دون غيرها بالسلطة وساحة صراع للقوى الاجنبية) .. وقوات الدعم السريع في السودان(الحرب الدائرة الان والتي راح ضحيتها الشعب وفقد مقدراته). اختلاف في المسمى ولكنه في حقيقة الامر جسم مواز للمؤسسة العسكرية والامنية، والهدف افشال اي جهد او محاولة لتوحيد المؤسسة العسكرية و الامنية وهذا ما يريده الرعاة الاقليميين، الدبيبة يقول بهذه الخطوة .. انا ومن بعدي الطوفان .

لن تكون هناك دولة دون وجود مؤسسة عسكرية وامنية ولاؤها للوطن، المؤكد ان الثوار سيغتنمون هذه الفرصة بتشكيل الجسم الموازي وتكون لهم جولة، ولكن هل بإمكانهم بناء دولة عصرية مدنية؟ الشواهد تدل على عكس ذلك، فمن يدعون الثورية هم من يسيطرون بطريقة مباشرة او غير مباشرة على زمام الامور في البلاد، وتعج بهم سفاراتنا ولا يفقهون شيئا في الدبلوماسية، من خلال التشكيلات المسلحة وبالأخص في الجزء الغربي من البلاد حيث مراكز صنع القرار والمال العام.

كنا ننتظر الانتخابات البرلمانية والتشريعية لتنتهي الفترة الانتقالية، ولكننا بهذا القرار غير الصائب بتوقيته بعد ان لمسنا تحولا جادا في مواقف الأفرقاء نحو الوحدة ، نخشى على البلد من الضياع، فالعسكر النظاميون لن يرضوا بان يكونوا تحت رحمة التشكيلات المسلحة التي سلبتهم دورهم وهمشتهم، بل وتطاولت عليهم، وكذا المدنيون من ابناء الوطن الذين ملوا الواقع المرير وكانوا يطمحون الى بناء الدولة المدنية من خلال صناديق الاقتراع لا صناديق الذخيرة التي من خلالها وبواسطتها يتم التحكم في شؤون البلاد.   

***      

ميلاد عمر المزوغي

التأريخ البشري مسلة سلوكية تضع أمامنا الأبجديات المؤلفة لمنظوماتها المتنوعة، التي عهدتها البشرية منذ الأزل، وإن تباينت تعبيراتها فمنبعها واحد.

فالنفس ذاتها في المخلوقات ومنها البشر، ومن أهم وسائل التعرف على سلوكنا دراسة سلوك المخلوقات الأخرى، فلا فرق بين ما تقوم به وما يمارسه البشر.

فالنفس قائدة، والعقل مهما تطور فطوعها، والمحكوم بإرادتها، وواجبه أن يسوّغ ما تقوم به وتذهب إليه من التوجهات الرغبوية ذات النوازع المتنوعة.

فالعقل عبد والنفس سيدة!!

ومن النادر وجود بشر تحرر عقله من قبضة نفسه، فالنسبة العظمى من الناس نفوس متحركة، والقلة النادرة ذات عقل فاعل وقائد لسلوكها.

ومن الواضح أن دور العقل يبرز في سلوك السوء وميادين الشرور، لتوافقه مع إرادة النفس الأمارة بالسوء، ولهذا البشرية متقدمة في الصناعات الحربية وأسلحة الفناء المروعة، كأن الشر سلطان والعدوان من الإيمان!!

ويمكن تطبيق ذات الأسس على أية ظاهرة سلوكية في التأريخ، وبالآليات ذاتها، وإن كانت النتائج متغيرة وفقا للظروف المكانية والزمانية.

فالأحداث ذات طبيعة واحدة مهما صغرت أو كبرت، إنها تعبيرات عن عدوانية متأججة في أعماق النفوس التائقة لإظهار إرادة الشرور.

وبموجبها لا يوجد سلام دائم، فالحروب هي الديدن والعنوان، وسفك الدماء لن يتوقف، والخراب والدمار يمنح النفس الشعور بالقوة والإقتدار، ويصل بالحالة إلى عوالم ذات آفاق مروعة.

ولهذا فالحروب العالمية لن تنتهي، وتطور الأسلحة على أشده، وقد بلغ ذروته في عصرنا الحالي، وسيزداد خطورة وقدرة على الفتك الأعظم.

والتأريخ يصح إختصاره، بما جرى في الربع الأول من القرن الحادي والعشرين، وبتوفر وسائل التواصل والنقل الحي للأحداث، تكثفت الصور على شاشة صغيرة وتجمعت في وعاء أصغر.

فهل سنكتب التأريخ أم سيكتبنا بعيون العدسات؟!!

***

د. صادق السامرائي

أستوقفني نصٌّ عنوانه (لا قيمة لأدبٍ بلا فهم) بقلم كاتبٍ على صفحاتِ صحيفةٍ عربيةٍ غراء، وزبدةُ النص كانت في ختامه وفيها كان قد كَتبَ فقالَ:

(وإني لأعجب كل العجب من شاعر أو ناثر يأتي بغريب الكلمات وغريب المفردات وقدِ اندثرت في لفظها وإندرست في إستعمالها ولديه ما ينوب عنها من لفظ آنهِ وحاضرهِ. هذا هو [التقعر] بعينه وهذا هو النأي عن جادة الفهم وأحسب ذلك من التكلف ولزوم ما لا يلزم، ولا يفعل ذلك إلا من لم يدرك غاية الآداب وأهدافها وحاد عن جادة الإفهام وأثره). انتهت زبدة ما كتب.

ومن باب الحوار الحر الداكن على صفيحِ الضَّاد الساخن، أجد من الواجب تسويةَ ما لوى الأخ الكاتب وطوى من (تقعراتٍ) غريبةٍ لا تستند إلى منطقٍ لغوي سليم ولا إلى مبررات لسانٍ قويم إلَا منطق ومبررات التكاسل عن نَهمِ وفَهم لسان تاج اللغات وأسِّ الهوية لكل ناطقٍ بها، لسان القرآن الكريم، والتواكل على مفردات لغوية يحسبها الجاهلُ ضاداً، وإن هي إلّا غثاءٌ في واد منقعرٍ يُكنَّى " بوادي الجُمُود" ولا ريبَ أن زعيمَهُ هو مُفكِّرُ وصنّاجةَ العَرب في عصرنا هذا :"اللِّمبي المَوعود".

وغالبُ ظنّي يا ايها السيد الكاتب أنَّهُ قد فاتَك أنَّ للضَّادِ مُتعَةٌ يَنحَبِسُ نَبعُها ولا ينبَجِسُ إلّا بعدَ عشقِ عُمقِ مَعانيها لتستهويكَ وتُغنيك،

وما كانَ ينبغي لشاعرٍ أو ناثرٍ أن يخطَّ خواطره بِحَشُوِ حرفٍ ودُنُوِّ صرفٍ وبهما مهرولاً يأتيني ويأتيكَ، فذلكَ لغوٌ وحَشوٌ ولَهوٌ لا يُسمِنُ بل عن الإرتقاء سيُلهيني وعن إرتقائِكَ سوف يُلهيك.

وكانَ لزاماً علي كلِّ شاعرٍ أو ناثرٍ أن يحطَّ بي وبكَ على قَناطِرهِ بنَشوِ ذَرْفٍ وسُمُوِّ غَرْفٍ يُسعدني ويُسعدُكَ ومِمّا أُشكِلَ عليكَ يُفتيك.

وهو بلطيفِ طرفِهِ ورهيفِ ذرفِهِ كانَ قد إرتقى بي وبكَ وبنا جميعاً في سُطُورِ بيانٍ وعطورٍ جنانٍ لمُشكلِ الرُّوحِ ترشِدُني وتَهدين، وتَرشِدُكَ وتَهديكَ.

وإنَّما خيرُ حجةٍ وبرهانٍ في ذا وذيك هو ما أنزلَ ربُّنا عليَّ وعليكَ من سورة الفلق (مِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ) كي نستَعيذَ بها مِنْ شَرِّ الغَاسِقِ لمّا بأثقالهِ يَمتَطيني ويَمتطيكَ، وهوَ العَليمُ سبحانهُ بأنَّا من أمَّةٍ عمّا قريبٌ ستُمسي أمّةً جهولاً بمعاني (غَاسِقٍ) و(وَقَبَ)، وما يُدريك؟

فلرُبَما ستُمسي جهولةً في دَهرٍ قريبٍ آتٍ حتّى بحُروفِ ضادِها وما يُدريك.

لكنّهُ جَلَّ في عُلاهُ أثبتَ (غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ) لكي أرتَقيَ وإيّاكَ وكلُّ عربيٍّ بعُلُوِّ بيانِها ومن سُمُوِّ عنانِها نستقي فَتهدين للسمو وتهديكَ.

وإذاً فلا يَنبغي لشاعرٍ ولا ناثرٍ أن ينزِلَ إلى جُبِّ جهلِ الدروب في دَا دهرِ عقيمٍ غضوب، وبِلسانِ جَهلهِم يكتبُ لنا غثاءً يضنيني ويضنيكَ

بل يَنبغي أن يَغزِلَ حَبلَ صهلٍ فصيحٍ مليح، علَّهُ يُرقِّيني ويَرقيني ويُرقِّيكَ ويَرقيك.

ثُمَّ إني أتمنى عليك  في الختام أن تجيبَ على تساؤلي:

ما مبرراتِ خلودِ (بانَتْ سُعادُ فَقَلْبي اليَوْمَ مَتْبولُ مُتَيَّمٌ إثْرَها لم يُفَدْ مَكْبولُ) و(حَكِّم سُيوفَكَ في رِقابِ العُذَّلِ وَإِذا نَزَلتَ بِدارِ ذُلٍّ فَاِرحَلِ) ؟

وما مكورات همودِ (اني اتنفس تحت الماء إني أغرق أغرق أغرق) وأختها (القدس عروس عروبتكم. فلماذا يا أولاد القحبة ادخلتم كل زناة الليل في حجرتها).

أفرأيتَ يا كاتب نَشزَ ذا الحَشوَ واللَّغوَ الكسيف كَيفُ يُؤذي مَسمَعي وكيفَ يُؤذيك، لكيلا تصفَ بلاغة العرب وتراثك أجدادك النفيس (بالمنقعر)، فلا كلمات إلا كلماتهم على ظهرها ترويني وتشفيني وربما لو إطلعت عليها  فسوف ترويك وتشفيك .

وإنَّما إلتجاءُ الشَّاعرِ أو النَّاثرِ لمعاذيرَ عن زَلَلٍ في بَهوِ بَيانهِ ومَلَلٍ في رَهوِ بلاغتهِ وعن عِلَلٍ في نحوِ فصاحتهِ لهوَ خيرٌ لهُ من يلبِسَ (تَقَعُّرِاتهِ) بمبرراتٍ رُبَما تُضنيني وتشقيني وتُضنيك وتشقيك.

ما لنا من محيصٍ يا أخا العرب إلّا إعتلاء سرجِ ضادِنا والإرتقاء، علَّ ذلكَ يشفعُ لنا بهويةٍ قد فقدناها بينَ الأمم في الأرجاء، فننتَزعَ توقيراً من تيك الأمم يُرضيني ويُرضيك. أحترامي.

****

علي الجنابي

تذكرني الإشهارات المروجة، للأدوية المعالجة لجميع الأمراض عبر وسائل التواصل الاجتماعي وشبكات الأنترنيت، ببائعي الأعشاب الذي كانوا قديما يفرشون عياداتهم، عفوا، بسطاتهم في حينا الشعبي "فاس الجديد " بـ "طالع وهابط" و"جوطية بوجلود" وباقي أسواق المدينة، مروّجين لقدرات خلطاتهم الخارقة على معالجة كل ما يصيب الإنسان من أمراض،خفيفة كانت أو مزمنة، كالزكام والحمى والسكري والضغط وعلل المعدة والقولون العصبي وتورم المفاصل والتهاب الرقبة والكتف وأسفل الظهر والركب، وكافة الأمراض الروماتيزمية، لاعبين على وتر حاجة المرضى للعلاج، الذي يدفع بهم للتعلق بأضعف أمل في الشفاء تعلق الغرقى بأوهن قشة للنجاة، فيقع الكثير منهم في شباك تجار المآسي الماكرين الذي لا يتورعون في استئجار زبانيتهم للترويج لنجاح تجاربهم مع الأدوية المعروضة للبيع في القضاء على أمراضهم ؛ الأمر الذي يذكرني كذلك بما يقوم به اليوم التجار الافتراضيين المستغلين لآلام الناس ومخاوفهم وجهلهم بتلك المركبات الدوائية، من تجييش معدومي الذمة والضمير من تقنيي الإعلام الرقمي للتعليق على أن المعروضات المغشوشة المروج لها، من الأدوية والمكملات الغذائية، هي مواد ناجحة وفعالة في مكافحة جميع الأمراض؛ ويبقى الأخطر من كل ذلك، الادعاء بأنها حاصلة على ترخيص من جهة ما، ما يشجع إقبال المتعطشين للشفاء من المرضى، والراغبين في الحصول على قوام مثالي من الرياضيين والنساء يزداد بصفة خيالية على تجريب كل مغشوش من تلك الأدوية ومواد التجميل، في ظل تركيز تجار المرض والموت على ما يحتاجه الكثيرون، من المنتجات الطبية، أو المواد الأولية أو المكملات الغذائية أو الأغذية الصحية أو مواد التجميل، المجلوبة في الغالب بطرق غير مشروع.

فليس المشكل في التعرف على الظواهر، لكن في معالجتها، كما أشرت في المقالة سابقة وبنفس العنوان، والتي حذرت من خلالها من ظاهرة إقبال الناس على الرقية والحجامة بدل أهل الاختصاص من الأطباء، الأقل خطورة من ظاهرة الترويج للأدوية المغشوشة وما عرفته في الآونة الأخيرة، من انتشار واسع على وسائل التواصل وشبكة الإنترنت، والذي ليس لإهماله، هو الآخر من مسوغات أو أعذار، لما تشكله من مخاطر مهددة لصحة المواطنين وتضاعف معاناتهم مع المرض والاستغلال الفاحش لجهلهم وقلة وعيهم إلى جانب ابتزاز أموالهم ؛إجمالاً على الجهات المختصة بالدولة، وفي مقدمتها وزارة الصحة والهيئات والجمعيات المحلية المهتم بصحة المواطنين ليس المكافحة الميدانية للظاهرة فقط، بل ورفع مستوى توعيتها للمواطنين إلى أقصى ما بوسعها، حتى لا يقع الناس فرائسة لتجار المرض والموت.

***

حميد طولست

قلت منذ زمان وكتبت قبل ايام انهم سيبقون يتباكون على ضياع الفريسة.. كاتب هذه السطور يعرفهم جيدا ومن كان يستند في تحركاته ونشاطه السياسي على قوة السلطة القاهرة حين كان يحكم مستعملا كل الاساليب المتناقضة جوهرا وموضوعا مع منظومة قيم الأخلاق لا تستغرب منه في أي لحظة الخروج عن سباق المنطق والذهاب سريعا إلى قانون الغاب.. هذا الاسلوب تعرفه جيداً الضباع التي تمزج في خططها للانقضاض على الفريسة في الزمن والمكان المناسبين.. لا تستطيع الضباع الذهاب بخطتها الممنهجة وتحقيق هدفها ألا بالمزج بين التكتيك والاستراتيجا مستلهمة هذا النهج الافتراسي من طبيعة الحياة والعقيدة السياسية للاحزاب الفاشية.. .

للأسف، ضاعت البوصلة وصار الاخوان يبحثون عن الحجج الواهية لتبرير عشرية حكمهم السوداء.. لكن حركة التاريخ لها احكامها..

ما يحدث الآن في تونس المثخنة بالجراحات والانكسارات يجعل المتايع للاوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية وما تتخللها من تداعيات وصراعات بين اطراف متنازعة ومختلفة واحيانا متناقضة فكرا ونهجا ورؤيا.. هذه الاطراف الحاملة لمشاريع سياسية واجتماعية متناقضة لا تستطيع ان تتقاطع في أي مسالة لأن التناقض والصراع جوهري ويمس الآسس الفكرية والايديولوجية المحددة لطبيعة أي مشروع سياسي واحتماعي لهذا الطرف أو ذلك.. يمينا أو يسارا.. لا يخفى لا أحد ان الصراع المحتدم بين الأطراف السياسية والاجتماعية والحقوقية والنقابية في تونس الراهنة مرده كما اسلفنا سابقا هو الإختلاف الجوهري بين اطراف الصراع .. الحكم من جهة والمعارضة من الجهة المقابلة.. و الملفت في هذه المسالة ان كل طرف له مبرراته ومشروعيته الفكرية والسياسية مثلما يقول قادة هذا المعسكر أو ذلك..

ما ينتظره التونسيون الآن وليس غداً هو الخروج من ظلام المرحلة باخف الاضرار والذهاب بالبلاد إلى بر الامان بعيدا عن شعبوية الخطاب السياسي لكل الاطراف والجلوس إلى طاولة الحوار العميق حول كل القضايا العالقة والتاسيس الفعلي للدولة الديمقراطية بافقها الاجتماعي ودستورها المكرس للحقوق والحريات وعلوية القانون والسيادة الوطنية بعيدا عن المحاصصات الحزبية..

إن المخاض في دلالاته الرمزية في اللغة والثقافة والفنون على اختلاف الشعوب والحضارات والأديان،

هو المعبر الحقيقي عن الولادة وعسر خروج الوليد من رحم الأم الى الدنبا والعالم.. في عالم السياسة يكون المخاض هو الجسر الذي الحشود، فرادى و جماعات للخروج من ضفة الياس الى ضفة الأمل وتأسيس مرحلة جديدة قوامها التحرر والإنعتاق وتركيز دولة الحقوق والحريات والعدالة الاجتماعية وعلوية القانون والسيادة الوطنية والقطع مع أي مشروع سياسي يدعو الى الشمولية والاستبداد والإستغلال..

تونس الراهنة. المكتوية بالجراحات والانتكاسات والخيبات والخيانات، ليس لها من سبيل للخروج من مسار الانحدار الكبير سوى التوحد حول مشروع سياسي واجتماعي واقتصادي يلتف حوله الشعب بكل اطيافه السياسية والمدنية وتعبيراته الفكرية والفنية والاكاديمية لفرض هذا المشروع الديمقراطي الحقوقي والاجتماعي والثقافي التنويري.

هذا المشروع لا مكان فيه لخصوم الحرية والمساواة

و العدالة الاجتماعية والتقدم والتنوير الثقافي.

***

البشير عبيد / تونس

كاتب صحفي مهتم بقضايا التنمية والمواطنة

و النزاعات والصراعات الإقليمية والدولية

ربما سيستفزكم العنوان، لكنه حقيقة فاعلة في مجتمعاتنا منذ عقود وعقود، ولا تزال مؤثرة ومدمرة ومعضّلة للتحديات والمشاكل والأزمات.

فما أكثر المفكرين والفلاسفة، وما أبعد الحلول والمقترحات العملية عن الواقع المعاش.

فالجميع يُنظّرون، ولكلٍّ مشروعه الذي يقيم فيه، وكأنه يقبض على الحقيقة المطلقة من عنقها، وأوجد الأجوبة على الأسئلة، وغيره باطل ولا يصلح مشروعه للعمل.

ولا يوجد مفكرون متفاعلون بإيجابية، بل يمارسون تصارعات إستنزافية تسمى نقدية، وما قدّموا ما ينفع الأمة.

إن التمسك بمفهوم المشروع إضطراب سلوكي وفكري، وتعبير عن التطرف والغلو، والإندساس في الذاتية، والتخندق في أوعية الرؤى، التي إستحضروها دون قدرة على المفاعلة، والتواصل مع العقول الأخرى.

فلكل مفكر وفيلسوف مشروعه المطمور في كتاب ينام على رف الإهمال والإغفال، لأنه لا يصلح لشيئ إلا كما يرى صاحبه الغارق في خيال اللحظة.

عند متابعتك لأحاديث وكتابات المفكرين والفلاسفة من أبناء الأمة، لن تجد غير التصورات المولودة من أرحام الخيالات، وكأن أصحابها يقفون على التل ويكتبون ما ينعكس في مرآة عقولهم، أو كسكان كهوف فلاسفة اليونان الذين يتوهمون الظلال المتحركة على الجدران هي الحياة الفاعلة في الواقع.

ولهذا فازوا بالفشل، ولا يزالون يكررون ذات الآليات الإقترابية من التحديات، وما أحضروا ما ينفع ويساعد على البناء والإنطلاق.

وبموجب ذلك أنكرتهم الكراسي، لأنهم مصدر تدويخ وتعقيد، ولأن الأمة ما إستطاعت إنجاز مشروع يفيد وفقا لرؤاهم.

تلك حقيقة مريرة، فالأمم بمفكريها، وأمتنا يدمرها مفكروها، ويدفعونها إلى الوراء.

ومعظمهم يبررون ما هو قائم، بما هو غابر، ويدعون الأجيال لإستلطاف واقعهم الشديد، ولسان حالهم يقول: " ليس بالإمكان خير مما كان"!!

فهل أصاب المقال أم إفترى؟!!

***

د. صادق السامرائي

كان حصار فبينا في قلب أوروبا سنة 1683 أقصى توسع للعثمانيين في أوروبا منذ ظهورهم في بلاد الأناضول قبل قرون، ومنذ أن ظهر الأتراك في التاريخ الإسلامي أو العالمي فيما بعد ظهروا كقوة عسكرية وكرجال ذو بأس وجلد، منذ أن استخدمهم الخليفة العباسي المعتصم بالله والسلاجقة، فلا عجب أن اشتهر الأتراك بالفتح العسكري والصراع الإقليمي أو الدولي أكثر مما اشتهروا بالإبداع الحضاري أو الاجتهاد الديني والفقهي ...

وكانوا يقمعون أي تمرد بالقوة وفي البداية كان اهتمام الخلفاء العثمانيين بالجهاد ضد أوروبا لكن حدثين هامين وخطيرين جعلهم يتجهون جنوباً ويولون اهتمامهم صوب بلاد الشام ومصر والعراق والجزيرة العربية واليمن، وهو ظهور البرتغاليين في الخليج على سواحل عدن، وظهور الصفويين كقوة منافسة اتخذت من التشيع مذهبا أرادت فرضه على العالم الإسلامي، وبالأخص في المناطق والأقاليم السنية في المشرق، ورغم أن الصفويين كانوا قبائل تركية إلا أنهم دخلوا في صراع مرير ورهيب ضد الأتراك العثمانيين عطل جهودهم العسكرية في أوروبا والبلقان ...

وارتكب المماليك خطأ كبيرا لما تحالفوا مع الصفويين فجعلوا من أنفسهم عدوا للأتراك العثمانيين فكانت تندلع بينهم المعارك ينتصرون تارة ويهزمون تارة، حتى سنة 1517 اّذ تمكن العثمانيون نهائيا بسط نفوذهم على مصر والشام ...

وإن كان العثمانيون معذورون في الاعتماد على الحربية والحسم العسكري إذ أنهم كانوا في صراع مع دول أوروبية متحالفة ناهضة لها أهداف استعمارية واضحة مثل الأسبان والبرتغاليين والروس والفرنسيين والانجليز بالإضافة الى صراع مع الصفويين الذين كانوا يطمحون ويجدون في تشييع العالم السني بما فيه بلاد الحجاز ونجد ...فإنهم غير معذورين وارتكبوا خطأ كبيرا اذ استغنوا عن العرب وقللوا من شأنهم وهم قلب الإسلام ودماغه فلم يهتموا بالحضارة والفكر والتراث المكتوب باللغة العربية وفي بعض الفترات حاربوا اللغة العربية بل إنهم لم يهتموا بالدعوة الإسلامية ...

أخطأ الأتراك لما عزلوا العرب كعرق متفوق ومبدع وأبعدوهم عن مراكز القرار وبل واعتبروهم رعايا من الدرجات الدنيا، وبذلك أبعدوهم كأصحاب لغة عالمية وحضارة راقية متلألئة وتراث ديني وعلمي وأدبي كان يمكن التأسيس عليه لبناء نهضة حضارية علمية تنافس حضارة أوروبا الناهضة!

لذلك ألقت تلك الفترة ظلالاً سوداء كئيبة على دمشق وبغداد والقاهرة والمدينة المنورة وبجاية وتلمسان والقيروان كحواضر حضارية كبرى كانت مراكز إشعاع علمي وفكري ....

بل إن تلك الظلال استمرت لأجيال وأجيال حتى أن الاستعمار العالمي الخبيث استغل ذلك وبرر بربريته وهمجيته لاحتلال بلاد العرب بحجة تخليصهم من الأتراك! بل وبث سموم التفرقة بين الأمتين التركية والعربية خدمة لأهدافه الاستعمارية فلا عجب أن نجد بعض المؤرخين والكتاب يعتبرون فترة الحكم العثماني فترة استعمار لا تختلف عن الانجليز او الفرنسيين!

كما كتب المرحوم يوسف السباعي قائلا: " فترة الحكم العثماني للوطن العربي، فنجد فيما يحكي عن هذه الفترة العجب العجاب، فليس الأتراك المسلمون في نظر هؤلاء (المستشرقين وتلاميذهم) الا مستعمرين لبلادنا ممتصين لخيراتنا، وليس رابطة العقيدة التي حملوا لواءها الا قناعا نفذوا من خلاله مآربهم وأطماعهم الاستعمارية"....

***

بقلم عبدالقادر رالة

الدبلوماسية الأمريكية تحاول إنقاذ ما يمكن إنقاذه مما تبقى من نفوذ الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، من خلال زيارة وزير الخارجية الامريكي انتوني بلينكن للمملكة العربية السعودية بعد أن أخذ بوادر انبثاق تحالف لدول  الخليج الفارسي وشمال المحيط الهندي بالظهور والبروز في إقامة نوع من التحالف العسكري فيما بين دولها، ومن جانب اخر وزراء خارجية إيران والسعودية والهند، عقدوا في الأسبوع الماضي اجتماعات منفصلة على هامش اجتماع وزراء خارجية مجموعة بريكس في جنوب افريقيا، ناقشوا سبل تعزيز التعاون بين الدول الثلاثة، في إطار العلاقات بين أعضاء المجموعة والدول الساعية إلى عضويتها. من شأنه "تحييد" دور الأسطول الخامس الأمريكي في المنطقة فقد اعلن قائد القوات البحرية الإيرانية الأدميرال "شهرام إيراني" أن دول الخليج بالمشاركة مع كل من الهند وباكستان في طريقها لبناء تحالف بحري لمنطقة شمال المحيط الهندي، تكون مهمته حفظ الأمن والسلام في تلك المنطقة ، ومن المتوقع أن تكون ضمن مهام هذا التحالف ضمان حرية المرور البرئ للسفن عبر مضيق هرمز وفي بحر عُمان، في طريقها من وإلى المحيطات المفتوحة: الهندي والأطلنطي والهادي.  وفي السياق نفسه فقد أعلنت دولة الإمارات العربية المتحدة انسحابها من القوة البحرية المشتركة "سي إم إف"، التي تم تأسيسها تحت إشراف القيادة المركزية الأمريكية.

ولاشك ان تأسيس مثل هذا الحلف سوف يضعف لو صح التعبير دور القوى الأوروبية الحليفة للولايات المتحدة مثل بريطانيا وفرنسا ، وقد جاء الإعلان عن السعي لإقامته قبل أيام مع قرب الزيارة التي قام بها للسعودية وزير الخارجية الأمريكي أنطوني بلينكن في الفترة من 6 إلى 8  يونيو الحالي لمناقشة التعاون الاستراتيجي الثنائي بين البلدين، وكان  فيها لقاءات مع وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي ووفود من الدول المشاركة في التحالف العالمي ضد "داعش" كما كان التصريح عنه. في هذه اللقاء تم مناقشة العلاقات السعودية الخليجية مع إيران، ورغبة الولايات المتحدة في تسهيل  مهمة إقامة علاقات طبيعية بين السعودية وإسرائيل التي تضغط على الولايات المتحدة من أجل أن يكون تطبيع العلاقات بين تل أبيب والرياض على رأس أولويات محادثات بلينكن في السعودية. وتخشى أن يكون توسيع نطاق العلاقات بين السعودية وإيران ضربة لاتفاقيات ابراهام، التي تعتبرها إسرائيل الأساس الجديد لعلاقاتها مع الدول العربية، نظرا لأنها لا تتضمن شروطا تتعلق بتسوية القضية الفلسطينية، وتفتح الباب لدمج إسرائيل دمجا كاملا سياسيا واقتصاديا وأمنيا في المنطقة من خلال ترتيبات "منتدى النقب"، الذي يضم إسرائيل والولايات المتحدة وعدد من الدول العربية من بينها الإمارات ومصر والمغرب،إلى جانب رسالة مهمة نقلها وزير الخارجية الأمريكي إلى الجميع لتضييق نطاق التعاون مع كل من روسيا والصين. والانفتاح الإقليمي على دمشق حيث يُعقد مؤتمر “دعم سوريا” في بروكسل بالتوازي مع انفتاح إقليمي واسع على دمشق، وظهر ذلك في محاولات تركيا الوصول إلى تفاهمات مع سوريا، وتقليص حدة التوتر بين البلدين برعاية روسية ومشاركة إيرانية. ويمكن أن تساعد عودة العلاقات مع أنقرة في احتواء بعض الأزمات الاقتصادية التي يعاني منها البلدين ، وهناك اتفاق بين الجميع تقريبا في داخل تركيا وخارجها على أن الإقتصاد هو التحدي الأكبر الذي يواجه حكم إردوغان في اليوم التالي للانتخابات. إردوغان نفسه يعرف ذلك. لكن النظرة السلبية إلى سياسة إردوغان الاقتصادية التي تنطلق من منصة صندوق النقد الدولي والاتحاد الأوروبي فضلاً عن أن استدارة أنقرة ناحية دمشق تمنح الأخيرة فرصاً أكبر لمواجهة الضغوط الغربية المفروضة عليها.

هذه التطورات السريعة  في المنطقة تأتي بعد زيارات تمهيدية قام بها للسعودية مستشار الأمن القومي جيك سوليفان لمناقشة سبل تطوير العلاقات الاستراتيجية بين البلدين التي شهدت فتورا نوعي في العلاقة في مجالات مختلفة والتغييرات الجيوسياسية في المنطقة، إضافة إلى زيارة قائد القيادة المركزية الأمريكية الجنرال مايكل كورييلا في الشهر الماضي لمناقشة تطوير التنسيق العملياتي والمناورات المشتركة مع القوات السعودية والتي لم تأتي بشيء.

*** 

عبد الخالق الفلاح - باحث واعلامي

عندما سقطت حكومة ياسين الهاشمي وحلت محلها حكومة حكمت سليمان سنة 1936، سعت الحكومة الجديدة إلى الاقتصاد في النفقات فشكلت لجنة تنسيق الجهاز الحكومي. لاحظت هذه اللجنة أن السيد حسين الرحال، الموظف في مديرية الدعاية العامة، لا يحضر إلى مكتبه إلا لماماً.

فقررت فصله عن الوظيفة رغم كل ثقافته الواسعة وإتقانه سبع لغات أجنبية. اعتكف حسين الرحال في بيته مستاء مما حصل. ولكنه ما فتئ حتى سمع بعد أيام قليلة طرقاً على الباب. فتح الباب، وإذا به يجد رئيس الحكومة، حكمت سليمان أمامه. التمس منه هذا أن يسمح له بالدخول. فدخل. استغرب من الأمر، رئيس الوزراء يأتي لزيارة موظف صغير، لا بل ويعتذر لهذا الموظف الصغير عن طرده من الوظيفة.

هذه الحكاية افنتح بها العمود الثامن لهذا اليوم، وهي فقرة من مقال كتبه الراحل خالد القشطيني نشره في مثل هذه الأيام من عام 2020، ولم يكن يدري أن هذه البلاد نفسها التي قال فيها الوزير مصطفى العمري إن: "المثقفين والدارسين الذين يؤدون أعمالهم وواجباتهم لوطنهم بطريقتهم الخاصة! ولا نملك منهم غير عدد قليل لا نريد أن نفرط فيهم".. هذه البلاد استكثرت أن يكتب أصحاب الفخامة والمعالي في صفحاتهم الشخصية نعياً عن كاتب وصفته الصحافة العربية بـ"برنادشو العرب".

يأخذنا خالد القشطيني في مقالاته وكتبه للغوص معه في مرحلة مهمة من تاريخنا السياسي والثقافي، بدأت في الكرخ عام 1929، ومرت بمحطات كان فيها مصرّاً على أن يستبدل دراسة القانون، بالاقتصاد الذي عشقه ووجد فيه سبيلاً لتحقيق حلم العدالة الاجتماعية، يدرس الرسم ويكتب مسرحيات ساخرة، وتسحره قدرة غائب طعمة فرمان على كتابة الرواية الاجتماعية .

مع خالد القشطيني نحن أمام شخصية تشبه حكيماً قادماً من زمن مختلف، يخشى على بلاده التي غادرها مضطرا، ويخفي خشيته بمقالات وكتابات وروايات تذوب عشقاً بالعراق، ويتأسى على زمن جعل من العراق مجرد ذكرى لحلم يريد له البعض أن يمرّ سريعاً.

كان القشطيني مغرماً بما يقدمه للقراء، سواء في مجال المقالة، أو الرواية أو المسرحية، ظل طوال سني حياته يعتقد أن الفن والثقافة سيصنعان بلداً يكون ملكاً للجميع، ومجتمعاً آمناً لا تقيد حركته خطب وشعارات ثورية، ولا يحرس استقراره ساسة يتربصون به كل ليلة من على شاشات الفضائيات..

رحل خالد القشطيني بعد ان وزع سخرياته على الجميع، لكنه بالمقابل كان يكدس لتاريخ الثقافة العراقية ثروات ثقافية وانسانية اكثر قيمة من كل نشاطات نقابة الصحفيين التي اعتقد مُلاكها ان القشطيني كاتب من جنوب الصومال .ولم يتبق لنا سوى ان نردد مع الجواهري نقيب الصحافة الحقيقية :

وكيف يُسمع صوت الحق في بلد

للإفك والزور فيه ألف مزمار؟

***

علي حسين

نشر الشيخ حسين الشامي الرئيس السابق للوقف الشيعي في عدد اليوم من صحيفة الأخبار البيروتية مقالة تعقيبية ردا على مقالتي المذكورة وهذه أدناه ردودي على تعقيبه. وعملا بحق الرد سأنشر تعقيبه كاملا في نهاية هذا النص:

*يكتب الشيخ الشامي " نستغرب كيف يُنشر في جريدتكم تقرير موسّع مطوّل يفتقر إلى الدقة والمصادر الموثوقة، وإنما يعتمد على الإشاعات في الشارع العراقي، وما أكثرها، على الرغم من صحة بعضها".

- تعليقي: الاتهام بالافتقار إلى الدقة والمصادر الموثقة واعتماد الشائعات رغم صحة بعضها، يحتاج إلى أمثلة من نص مقالتي وهذا ما لم يفعله المعقب إلا في حيثية صغيرة سأعلق عليها بعد قليل. لقد أغفل الشيخ أن المقالة مزدحمة بالتوثيقات والأدلة من أسماء الصحف ومقاطع الفيديو على منصة يوتيوب وأحكام قضائية مذكورة بأرقامها وتواريخ صدورها ومبالغ ومسافات ووقائع محددة بالأرقام والمصادر.

*يكتب الشيخ: "وأن الفساد الذي تكلم عنه صاحب التقرير ونسب بعضه إلى النائب السابق كاظم الصيادي يخصّ فترة تولّي السيد علاء الموسوي الهندي لرئاسة الديوان (2015 - 2020)، وهي لا شك فترة مظلمة وسيئة مرّت على الديوان، ونحن نمتلك وثائق تدين هذه الفترة بأكثر مما جاء في التقرير، ولكن لا ينبغي التعميم".

-تعليقي: إن هذا اعتراف خطير من الشيخ  بحجم الفساد في الوقف الشيعي وبصدقية وموثوقية ما ورد في المقالة بجزأيها حول الفساد في الوقف الشيعي، صحيح أنه يحصره في الخمس سنوات التي تولى رئاسته فيها الشيخ علاء الموسوي الهندي ويبرئ نفسه وهذا غير صحيح أبدا، فقد ذكرت في المقالة أن محكمة الجنايات الخاصة بقضايا النزاهة في الرصافة أصدرت بحقه حكمها المرقم (293/ج ن/2018) في 3/7/2018 والمتضمن «حبس المدان حسين بركة الشامي لمدة سنة مع وقف التنفيذ لكبر سِنِّهِ مع إعطاء الحق لديوان الوقف الشيعي للمطالبة بالتعويض المادي». وهو يعترف بصدور هذا الحكم ضمنا بهذا الحكم ولكنه يبرر الحكم أو القضية التي حكم عليه بها بأنها "لا تخلو من خلفيات شخصية تكمن وراءها صراعات وخلافات في وجهات النظر قديمة". ونحن هنا لم ندخل في حيثيات القضية وتفاصيل الاتهام وفي درجة عدالة القضاء، فهذه مواضيع أخرى، بل توقفنا عند حقيقة صدور الحكم عليه وعدم تبرئته لاحقا كمثال ضمن عدة أمثلة على الفساد في الأوقاف الدينية العراقية الأخرى! أما عن تفاصيل اتهام الشامي والهندي بالفساد فقد كنتُ توقفت عنده في مقالة مفصلة وموثقة نشرتها بتاريخ  4 تشرين الأول 2019 ، وذكرت فيها نماذج من تلك الاتهامات.

* الحيثية الصغيرة التي اعترض عليها الشامي هي نفيه أنه ترك العراق ويقيم في لندن" فهو يقول إنه "لم يذهب إلى لندن بعد سقوط النظام إلا لبعض المرات، وهو الآن في العراق يمارس عمله ومهامه بشكل طبيعي". والحقيقة هي أنني كررت هنا معلومة أوردتها في مقالتي السابقة 2019 وقلت فيها "وبدورها ألغت محكمة التمييز بيع جامعة "البكر" إلى حسين بركة الشامي. وقد أقيل الشامي من منصبه كما قيل، ولكنه أصبح "مستشارا ثقافيا" لرئيس الوزراء نوري المالكي ثم اختفى وسافر إلى بريطانيا فيما بعد دون أن يُتخذ بحقه أي إجراء قضائي أو حكومي ولا يعرف حاليا ماذا حل بجامعة البكر للدراسات العسكرية سابقا "جامعة الإمام جعفر الصادق" لاحقا"! فإذا كان الشيخ الشامي قد عاد من سفره بعد انفراج الأزمة وتوقف ملاحقته فالأمر عادي جدا وليس كارثة أو افتراء ضده ولا هو دليل على تبرئته من تهم وأحكام قضائية عليه بالفساد. وسأنشر رابط تلك المقالة ففيها ذِكر لبعض اتهامات الفساد التي وجهها القضاء العراقي للشيخين الشامي والموسوي الهندي أيضا!

أما قول الشيخ الشامي بأنه "الآن في العراق يمارس عمله ومهامه بشكل طبيعي" فقد يوحي للقارئ بأنه عاد رئيسا للوقف الشيعي في الوقت الحاضر وهذا غير صحيح فرئيس الوقف الحالي هو شخص آخر يدعى الشيخ حيدر الشمري.

* يحاول الشيخ الشامي تبرير الفساد في الأوقاف والدولة العراقية عموما تبريرا غير معقول وجعل السبب في ذلك كما قال بـ "عملية الانتقال والتحول من نظام قمعي بوليسي إلى نظام منفتح محكوم بالتعددية يحدث فيها كثير من المفارقات".

وتعليقاً على هذه الحجة أقول: أولا، إن الفساد ونهب ثروات الشعب العراقي ليست من المفارقات والطرائف يا سماحة الشيخ، بل من الجرائم والكوارث. وثانياً، فليست هناك عملية تحول ديموقراطي "منفتحة" تستمر أكثر من عشرين عاما وما تزال لم تكتمل حتى الآن والفساد فيها يتفاقم.

وأخيرا الشكر موصول للشيخ حسين الشامي لأنه أقدم على التعقيب على هذه المقالة ولم يلجأ إلى الصمت كآخرين فوفرَ لنا فرصة لبيان المزيد من الوقائع والحيثيات.

***

علاء اللامي

......................

* النص الكامل لمقالة الشيخ حسين الشامي: ملاحظات على مقالة علاء اللامي

رأي حق الرد /الأخبار، الأربعاء 7 حزيران 2023

اطّلعنا على التقرير المنشور في «الأخبار» بتاريخ 1/6/2023 من قبل علاء اللامي، بعنوان «الفساد المقدّس في العراق»، ونودّ أن نبدي الملاحظات الآتية:

نستغرب كيف يُنشر في جريدتكم تقرير موسّع مطوّل يفتقر إلى الدقة والمصادر الموثوقة، وإنما يعتمد على الإشاعات في الشارع العراقي، وما أكثرها، على الرغم من صحة بعضها.

كان ينبغي أن لا تخلط الأوراق في ما يخصّ الفساد في ديوان الوقف الشيعي، هذه المؤسسة التي عمرها 20 سنة وتعاقب عليها عدة رؤساء، وأن الفساد الذي تكلم عنه صاحب التقرير ونسب بعضه إلى النائب السابق كاظم الصيادي يخصّ فترة تولّي السيد علاء الموسوي الهندي لرئاسة الديوان (2015 - 2020)، وهي لا شك فترة مظلمة وسيئة مرّت على الديوان، ونحن نمتلك وثائق تدين هذه الفترة بأكثر مما جاء في التقرير، ولكن لا ينبغي التعميم.

نستغرب زجّ اسم حسين إبراهيم بركة في هذا التقرير، بحجة وجود أحكام قضائية، لم يبيّن صاحب التقرير ماهيّتها ولا حيثيّاتها، وهي قضية لا تخلو من خلفيات شخصية تكمن وراءها صراعات وخلافات في وجهات النظر قديمة، بل زاد في التوهم بأن السيد حسين إبراهيم بركة يسكن في لندن، وهذا محض افتراء لأنه لم يذهب إلى لندن بعد سقوط النظام إلا لبعض المرات، وهو الآن في العراق يمارس عمله ومهامه بشكل طبيعي.

لا شك أن عملية الانتقال والتحول من نظام قمعي بوليسي إلى نظام منفتح محكوم بالتعددية يحدث فيها كثير من المفارقات، لكن اللبيب والمتفحص هو الذي يستطيع أن يميّز الغث من السمين والحقّ من الباطل والصواب من الخطأ.

وإن خلط الأوراق وزجّ المؤسسة الدينية، بما تحمله من قيمة معنوية في قلوب الشعب العراقي ونفوسه، لا يخدم إلا المتصيّدين في الماء العكر والذين يحملون النوايا السيئة تجاه العراق ومؤسّساته الدينية والثقافية والاجتماعية.

حسين إبراهيم بركة الشامي.

الرابط: ملاحظات على مقالة علاء اللامي

https://al-akhbar.com/Opinion/363893/

2- رابط يحيل الى مقالة حول فساد علاء الموسوي الهندي وحسين بركة الشامي: ج2/الفساد في إدارة الوقف الشيعي:

https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=648450#

تعد الوظيفة العامة، التي هي عبارة عن مجموعة من المهام والواجبات والاعمال التي توكل لشخص ما أو مجموعة من الناس يؤدوها حسب الاختصاصات، وتستهدف المصلحة العامة وحدها، وتُنظمها مجموعة من القواعد القانونية، واحدة من أبرز مظاهر التحضر وتطور العلاقات الانسانية في أي مجتمع تسوده القيم الإنسانية والاخلاقية. والوظيفة العامة تعتمد بالاساس على الموظف الذي يقوم بتأدية العمل بإخلاص وفق اللوائح القانونية ويحترم حقوق الناس وشرف وظيفته، حيث تكون الاولوية في تأدية الواجب بكل تفان وحرص واخلاص ودقة هي غاية اهدافه لتحقيق مصالح الناس التي هي المصلحة العامة المرجوة من اي وظيفة.

ولما كانت مصالح الناس تعتبر جزءا مهما من مصالح اي دولة تقوم على اساس العدل واحترام حقوق الانسان، لهذا نرى المجتمعات المتحضرة والمتطورة توليها أهمية في تحقيق سبل انجازها بكل سلالة واريحية ابتداءا من تذليل العقبات أمام ايصال حقوق الناس حتى تحقيق الرضا داخل نفوسهم عند اتمام مصالحهم. والطريق لتذليل اي مشكلة يمكن ان يكون سهلا في حالة اختيار الشخص المناسب في المكان المناسب، حيث الموظف الخلوق وصاحب الاختصاص هو المعيار الذي يدلل على كفاءة الشخص لتولي مهمة انجاز المصالح العامة، وليس واحدة من تلك الصفات دون سواها. فصاحب الخلق الرفيع يحافظ على حقوق غيره ويحترم مصالحهم، وصاحب الاختصاص يوفر امكانياته وقدراته في تحقيق وانجاز مهامه بالصورة التي يتقبلها الناس وفق القوانين والاعراف، فلا يضع المعوقات امام الناس لجهله وقلة معرفته ولا يكون عقبة امام تحقيق مصالحهم فيعترض بكل الطرق وباستخفاف على انجاز اي مهمة توكل إليه وهو قادر على اتمامها. أن الموظف الذي لا يقدس اهمية الوظيفة العامة غالبا ما تراه منشغلا بأموره الخاصة اكثر من اهتمامه بتأدية واجباته المناطة به في اطار الوظيفة وتعاملاته دائما مشوبة بالاستغلال والغموض والتعقيد وقلة احترام الوقت والمراجعين وحرمة الوظيفة العامة، فتراه يخصص له وقت لمأكله في وقت ذروة العمل، أو ينشغل باللهو بهاتفه الشخصي أو يقوم باجراء مكالمات غير ضرورية مع ذويه واصدقاءه  ويترك المراجعين ينتظرونه لساعات وهو غير آبه لانتظارهم اولا يحترم وقتهم الطويل الذي سيصرفونه في متابعة انجاز معاملاتهم التي ربما لا تستغرق اكثر من دقائق قليلة لاتمامها. هناك بعض الموظفين من يقوم بزيارات لزملاءهم بالعمل معهم في اماكن بعيدة عن مكان عملهم ويترك عمله في مهب الريح، وهناك من يقوم بغلق بابه امام الناس لأي سبب كان ويتحجج بأنه يريد تأدية فروض الصلاة بأوقاتها، او اخذ العلاج او حتى الذهاب الى الحمام بصورة متكررة طوال اوقات الدوام اليومي أو لتدخين سيكارة أوممارسة بعض التمارين، أو مشاركة بعض الزملاء حفلات شرب الشاي والقهوة وجميع تلك التصرفات غير المسؤولة تعتبر استخفافا بواجباته وقلة احترام لقدسية الوظيفة العامة المؤتمن عليها من قبل المجتمع، وهي خيانة لا يمكن ان تغتفر مع الاصرار على تكرارها والادمان عليها، ولهذا فأن الشارع المقدس يٌحرم على امثال هؤلاء الموظفين رواتبهم التي يستلموها في نهاية كل شهر مع تواجدهم في مكاتب عملهم وقلة انجازهم لمهام عملهم الموكلين بتأديتها على احسن وجه. أما من يقوم باستغلال وظيفته لتحقيق مصالحه الخاصة او مصالح ذويه أو يقوم بتحصيل موارد مالية اخرى من خلال استغلال موقعه الوظيفي بالرشى او تعاطي العمولات وتحصيل العقود التجارية او تأسيس شركات خاصة بأسمه فهو دخل موقفا مضادا للقانون وعادى المجتمع بأشنع صورة وابشع تعامل ويستحق العقوبة وفق القوانين النافذة والطرد من الوظيفة.

***

ضياء الهاشم

"والعصر": صلاة العصر أو عصر النبوة؟!

"وأنزلنا من المُعصرات ماءً ثجاجا"

لا يُعرف لماذا سمي العصر عصرا، وربما لأن الصلاة  تُعصر أي تؤخرعن الظهر.

"العود يعصر ماؤه ويسكب عيدان عُصاره"

العَصر: الدهر، والعَصران: صلاة ما قبل طلوع الشمس وغروبها.

والمُعصرات: السحاب فيها المطر

عصر العنب، يعصره عصرا، فهو معصور وعصير، واعتصره أي إستخرج ما فيه.

وعُصارة الشيئ وعُصاره وعصيره: ما تحلّب منه إذا اعتصرته.

وكل شيئ عَصر ماؤه فهو عصير

ويتشعب معنى العصر ويتعدد حتى لتحتار إلى أي معنى من معانيه تميل.

وما أريده من العصر القدرة على عصر ما فينا، بمعنى أن نتمكن من إستثمار ما نحتويه من الطاقات والقدرات والإبداعات الخلاقة، التي يمكنها أن تبني حياةً ذات قيمة ومُرتقى، فنتنعم بما نعتصره من سلاّف المعاني والودائع الحضارية الكامنة فينا.

يقول لي أحد العارفين، لا تحتاج أن تعرف وتتعلم فكل ما تريده موجود فيك، وعليك أن تبحث عنه وتنقب في دنياك لكي تطلقه وتتفاعل معه، وتحقق سعادة وجودك ومشاركتك في مواكب الأجيال، فالذين يقدمون المنجزات الكبيرة إكتشفوا مافيهم، والعاجزون هم الذين لا يستطيعون إكتشاف ذخائرهم المعرفية والمعلوماتية المتطامنة فيهم.

وهذا ينطبق على الأفراد والمُجتمعات والأمم التي تجدها واجمة واهنة، لأنها لا تمتلك مهارات إكتشاف ما فيها، ولا تستطيع أن تنتقل بحالها إلى مُرتقيات حضارية ومَدارات تفاعلية ذات صيرورات أصيلة ومتميزة.

وأمتنا تحتوي الوفير الغزير من الثراء الحضاري والنعيم الإبداعي، لكنها لا تخبر آليات الوصول إلى ما تختزنه وترقد عليه، ولهذا تجدها تتفاعل مع العفن الطافي والزَبد الواهي، ولا يمكنها أن تغوص إلى أعماق ذاتها وقيعان دنياه، لإستخراج درر وجودها وجواهر عُلاها وجمان كينونتها العظمى.

وما تحتاجه أمتنا أن تتعلم كيفيات الوصول إلى جوهرها العالي!!

***

د. صادق السامرائي

يقال عندما يمسك بالقلم جاهل يطبل للمسؤول فقط، وبالبندقية مجرم لا هم له إلا الدم والقتل، وبالسلطة خائن ليكون اداة طوعية لها لان السلطة قائمة على الطبقية وعلى الرقابة بواسطة أجهزة البوليس والأمن المختلفة فيتحول الوطن إلى غابةٍ لا تصلحُ لحياةِ البشر، أن الكتابة هي رؤية لما يمكن فعله أو قوله في مقاربة أي مسألة، من دونها يبقى الفكر أبكم وارقى انواع التعبير تصنع من الإنسان ان يكون دقيقاً وليس المطلوب نقل الوقائع كما يفهمها غيرنا ويحبونها أو نقدم آراء فردية ومقاربات شخصية مغايرة . والكتابة ليس فعل تحرري فقط وانما تجسيد لوجودنا المتعالي او سقوط في شراك غريزة القطعان ولغة الغوغاء التي نلاحظها في هذه الأيام عبر وسائل الإعلام، ولا يجب ان نكتب ليقرأ لنا الآخرون في صمت وابتسامة ورضى، انما علينا ان نكتب آراء ونعرض افكار جديدة توسع من عقول المتلقين، وأن نكتب ما يعني اننا نفكر في حاضرنا ومستقبلنا بصدق وترسم خارطة جديدة مختلفة وتقيم أشكالا مغايرة للطبيعة ومواقع تمركز متعددة للوجود الإنساني. ويجب أن نزيح من اذهاننا ردود افعال سلبية التي قد يحدثها ما سنقوله، وتسعى لتحقيق أكبر قدر من الصدق فيما نقول في الكتابة التي توارثناها عبر أجيال متلاحقة، والكتابة هي الأداة التي تساعدنا على أن نسجل كافة اللغات التي أنتجتها الحضارات البشرية المتنوعة والكتابة تساعدنا على الاحتفاظ بالهوية عبر الأزمنة المتعاقبة والطريقة المثالية للتعبير عن المشاعر الدفينة الكامنة داخل روح الإنسان، لذلك وصفت بأنها أفضل الوسائل التي تقرب الأشخاص ووجهات نظرهم، لما لها من مفعول السحر على النفس البشرية، حيث تمتلك قدرة هائلة على التغلغل إلى أعماق روح الإنسان. كما أنها تحفظ للأجيال القادمة التراث الحضاري الخاص بعالمنا الحالي.، كما تأتي الكتابة في مقدمة الأدوات التي تساعد الإنسان على التعبير عما بداخله من مشاعر سواء سلبية أو إيجابية.

والكثير من الأشخاص يعتقدون أن الكتابة تلزمها فقط قراءة في مجال معين، أو قراءة في نوع معين، اما الحقيقة هي أن الكتابة تحتاج إلى الثقافة العامة وكل هذه القراءات تجعل العقل أكثر تفتحًا وأكثر قدرةً على كتابة نصٍّ والقلم عماد القوة والمشورة تجعل منه مستعداً ويتكامل عقله بالقراءة والبحث ويعتبر من أعلى مستويات القراءة ونضجها بل هو هرم التأمل والتفكير ومنتهاهما، حامل الثقافة هو الإنسان، وحامل الحضارة هو المجتمع، ومعنى الثقافة القوة الذاتية التي تكتسب بالتنشئة، أما الحضارة فهي قوة على الطبيعة عن طريق العلم، فالعلم والتكنولوجيا كلها تنتمي إلى الحضارة، وسائل الثقافة هي الفكر واللغة والكتابة، وكل من الثقافة والحضارة ينتمي أحدهما إلى الآخر كما ينتمي عالم السماء إلى هذا العالم الدنيوي، أحدهما (دراما) والآخر (طوبيا). الحضارة تعلم، أما الثقافة تنور وتحتاج الأولى إلى تعلم، أما الثانية فتحتاج إلى تأمل وعندما يكتب الكاتب نصًّا يُفضَّل أن يكتبه من أجل نفسه اولا ومن ثم، من أجل الناس، ولا ينبغي إهمال القارئ عند الكتابة، وأحيانًا يكون وضع القارئ كأولويةٍ عند الكتابة من مصلحة النصِّ وبعدها مصلحة الكاتب، حتى وأن اختلفت وجهات النظر تمامًا، بين القارئ والكاتب.

***

عبد الخالق الفلاح - باحث واعلامي

ليس أمامك عزيزي القارئ، سوى أن تصدّق أننا نعيش في بلاد تحترم الديمقراطية والدستور ويحسب ساستها ألف حساب لمؤسسات الدولة، خصوصاً عندما يصرفون وقتهم الثمين في تصريحات من عينة "المحافظون سيستبدلون"، "والموازنة تحتاج الى وقت". والبعض منهم جعل من نفسه قاضي قضاة البلاد فأخذ يصدر القوانين على هواه، والغريب أن الكثير منهم يتعجب ويتساءل عن الرشوة والفساد وكيف يمكن اصلاح البلاد؟!.

بعد قراءتك لتغريدات ساستنا "الأكارم" ستدرك أن العراقيين نساءً ورجالاً يستحقّون الجنّة، لسبب أساسي، لأنهم يتعرضون للغش والخديعة صباح كل يوم، ولم يصابوا بالاكتئاب حتى هذه اللحظة!

للأسف يعاني معظم ساستنا من مشكلة عميقة مع العراقيين، فالمواطن رغم ما يبديه من إخلاص ورغبة في متابعة تغريدات وتصريحات "أصحاب المعالي والفخامة "، لا يبدو أنه، يستطيع حلّ ألغاز ما يقولونه، فحتى هذه اللحظة لم يخرج علينا سياسي ليخبرنا كيف ضيعنا أكثر من تريليون دولار في مشاريع وهمية.

من يفتح سجل العشرين عاماً الماضية؟، من يحاسب الذين أصروا على تحويل العراق إلى دولةٍ أصابها الفشل، وتربعت على عرش الدول الأكثر فساداً وخراباً؟ من يحاسب مسؤولين في دولة سلكت نهج السلب والنهب؟ كيف يستطيع السياسي أن يتحدث عن النزاهة في دولة دشّن فيها عصر التنمية بفضائح مليارية كان أبطالها فلاح السوداني وأيهم السامرائي وحسين الشهرستاني وعشرات من هذه العينة التي تنعم الآن بالأموال التي نهبتها في وضح النهار وتحت سمع وبصر معظم السياسيين.

اليوم نعيش مع ما يسمى "معالي الظل وفخامة الظل " الذي لا منصب رسمي له، لكنه يتحكم بمقادير البلاد فلديهم مكاتب ظل، ورواتب ظل ومخصصات ظل، وسيارات مصفحة ظل، وحمايات ظل، وبدل إيجار وسفر ظل. ويؤسسون لمفهوم حكومة الظل، تمارس سيطرة على الحكومة . قد نفهم حين تفشل بعض القوى السياسية في الحصول على مراكز في الدولة فأنها تسعى لتشكيل معارضة قوية، تحاسب، وتوجه اللوم وتراجع أوراق الحكومة بدقة، ونفهم ايضا أنه حين تكون هناك معارضة حقيقية فأنها تناضل من أجل حقها في ممارسة دور سياسي فاعل وأنها تلاحق خصومها بالقانون، معارضة ناضجة تمتلئ بأصوات قادرة على مواجهة الحقائق وتحمل تبعات التنافس السياسي، لا رجال ظل يخرجون في الفضائيات يحددون ما يجب ان يجري وما على الحكومة ان تفعله ، ويشهرون كل أسلحتهم من أجل تنفيذ خططهم السياسية بعيدا عن مؤسسات الدولة، ليكتشف المواطن في النهاية ان الحكومة لا حول ولا قوة لها .. اعزائي اصحاب المعالي الظل، المواطن المسكين مثل جنابي محتار يصدق من: الحكومة التي شكلها البرلمان، أم السادة اصحاب "الظل" من المعالي والفخامة؟.

***

علي حسين – كاتب

رئيس تحرير صحيفة المدى البغدادية

العقائد بأنواعها، تحسب أنها تقبض على عنق الحقيقة، وغيرها بعيد عنها ويجهلها، وهدفها أن تهيمن على الآخر وتضمه إليها، ولا توجد عقيدة في تأريخ البشرية تنازلت عن رؤاها وإقتربت من غيرها، وإنما ديدنها التصارع والإحتراب، وما حصل من حروب وتداعيات عبر العصور مبعثها العقائد.

فالعقيدة كيان متطرف لا ينقسم إلا على نفسه.

والعقيدة: الحكم الذي لا يُقبل الشك فيه لدى مُعتقده.

وهي أشبه بالوهم أو هي الوهم بعينه، وذلك لأن أصحابها لن يتنازلوا عنها أو يغيروها لو قدمت لهم براهين الدنيا وما قبلها وبعدها، إنها رسوخ عاطفي إنفعالي يسخّر العقل لتبريره وتعزيزه والعمل بموجبه، ولهذا يموت المُعتقِد في سبيل عقيدته.

والقائلون بتقارب العقائد كالأديان والمذاهب، يطاردون سرابا، فالتأريخ يحدثنا عن إستحالة العلاقة الإيجابية بين المعتقدات، فلكل منها ما يراه ويسعى لفرض رؤيته على الآخرين من حوله، وهذا تعبير فاضح عن التطرف الفظيع الذي يبرر محق الآخر بإسم المعتقد.

فلا توجد حرب شنيعة وسفك دماء مروّع جرى فوق التراب، إلا تحت ألوية العقائد وخصوصا الدينية منها، التي أكدت بتكرارية مريرة كأن الأديان وجدت لإذكاء الحروب في أمة الإنسان، فحتى أبناء الدين الواحد يجدون ما يبرر تقاتلهم وتدميرهم لبعضهم، كما يحصل في الديانات السماوية الرئيسية وباقي الأديان الأخرى.

فلكي تقتل يجب أن تجد ما يحررك من المسؤولية، وتجريد المُستهدَف من آدميته وحقه في الحياة، والمعتقد هو الذي يسوّغ ذلك، فأنت مأمور بأن تقتل وتستبيح وفقا لمعتقدك الذي له رب يرعاه، ويدعوك لتنفيذ ما يمليه عليك من عمل أيا كان نوعه.

ولهذا فمعظم المعاناة البشرية منبعها إعتقادي أو ديني، ولن تنتهي إلا عندما يكون المعتقد شأن خاص وأصحابه يبتعدون عن فرضه على الآخرين.

وتلك مصيبة البشر بالمعتقد والدين!!

فهل لنا أن نجعل الدين رحمة للعالمين؟!!

وهل سنترك الدين لأهله، والوطن لأهله؟!!

***

د. صادق السامرائي

مدينة تسكننا جميعا.. مكناس يا ناس

في مدينة لا تشبه كل المدن، يمكن أن يبيعك السياسي المتمرس في المكر والخديعة قطا ويسميه النمر (بَاجِيرَا). في مدينة غياب الوفاق الحقيقي، ليس بفعل تعارض الواقع المجتمعي المنكمش، يكثر النحيب والبكاء على سنوات الماضي (المجيد)، وتنشط الدعاوي القضائية من الفراغ ومن فقاعات (تيدTide) وبلا منسمات خلافية، بل (لعب في لعب). في مدينة لا تلمس منها أنها تسير باتجاه تشوير تمكين التغيير الأفقي. في مدينة اختلط فيها (الحابل بالنابل) وباتت مصيدة (الحابل) فخ قاتل (للنابل) والمدينة تستجدي الرحمة من سلطة المركز الحاكم. في مدينة الفساد والريع (حلال)، الكل يريد دخول الجنة وتوبة حج وميقات، والله عز وجل أخرج آدم وحواء منها بسبب قضم تفاحة، فيما هم فقد أكلوا المدينة طولا وعرضا ويتيمنون بسبحة التحميد دخول الفردوس.

بحق القول و بلا تمويه، لا ثقة في سياسي مدينة مكناس بالاستثناء الطفيف، وبدل الجزء من الكل. لا ثقة بلهاء تلزم أعناقنا، فجلُّ سياسي مكناس في (الدُورَة/ المنعرج) يبيعونك بالتقسيط وبالجملة، ثم يمارسون بكاء النحيب، عمَّا آلت إليه الأوضاع بمكناس، ويدفع بصكوك الغفران صدقة عن دم مدينة السلاطين .

في مدينة التناص التعامدي (التشابه / التعالق)، تأتينا الحقيقة كاملة (لا ثقة في تَمَسْكِينْ) سياسي أيام الحملات، فرؤية عين الصقر الأكبر في (رأس اللائحة) يمكن أن تكون خدعة لفريسة الناخبين المتهالكين، ولكل المتواطئين معه بالصمت، والخذلان بنيل المنافع الظرفية. هي حكمة من القدماء تنطبق بالتمام على من يمارس سياسة الغباء و كسب المغانم عبر الهرولة والانبطاح، ومن يمارس الممانعة لأجل الممانعة (كما يقول محمد الجم) حينما (تقول نعم، أقول أنا لا...) سياسة التسنطيح!!

امتيازات مكناس كثيرة ومستطيلة في لعبة النهب والخداع والمكر، فقد كان يقال فيما مضى (ناس مكناس قَاصحِينْ (مناضلين/ جذريين) في مطالب الحق والعدالة والكرامة، وهم من القابضين على الجمر والرصاص)، فيما الدولة (الثابتة) فتلعب اللعب (الكَبِيرْ) وتتبنى مثال (بِالمَهَلْ تَيْتْكَالْ بُودَنْجَالْ)، وبحق كانت رؤية الدولة العميقة أبلغْ إلى أهدافها منذ عهد الاستقلال (الخدعة التنموية) والرفاه للجميع. كانت الدولة على حق، فالمدينة (المتحولة) هَوَتْ لُعبةُ مطالبها نحو (سد حفرة/ إشعال عمود نور...). أجمل ما في المدينة ويسمو بنا في مصاف الطيعين الطيبين، امتياز يكمن في سنة النسيان والتناسي، فالمدينة لم تحقق في أسباب بداية (البلوكاج) !! ولا حتى في أعراض نهايته، وتوزيع الغنائم والتكليفات والتعويضات !!

مكناس هي المدينة الوحيدة التي تعيش في الماضي (البهي) أكثر بكثير من الحاضر (البئيس)، مدينة لم تُرِدْ دفن الماضي مع عبد الكريم غلاب (الروائي الاستقلالي)، وصناعة النهضة الجماعية نحو حلم المستقبل، ففي حياة الماضي تعيش المدينة في عش نسيج عنكبوت، تمارس صيد الفرص العالقة. مدينة المهادنة مع المشاكل وسياسييي المنافع (والتقليزات) على الكراسي، ومع تلك الوجوه الماكرة من طينة الانتهازيين والوصوليين، فلن يقدر حتى أرقى المعطرات ومعقمات (الإدمان) من تزكية رائحتها النتنة في منصات الفساد والريع (حلال)، والذي قد لا ينتهي بتاتا بدون حكامة المساءلة والمحاسبة.

***

محسن الأكرمين

قف من فضلك أمامي وأنظر في وجهي كل صباح ومساء متأملا متفرسا وجهك لترى حقيقته بدون مجاملة أو رياء أو كذب فأنا لا أكذب أبدا كما يكذب عليك الآخرين نفاقا وتزلفا فأنا شخصيتك الثانية الصامتة وأنا الصديق الصدوق وصندوق الذكريات الذي يختزن بداخله الأسرار والماضي أذكرك كلما نظرت في وجهي الصافي لترى آثار الزمن الذي يخطه عليك في كل يوم وكل علامة يرسمها على جسمك . أفرد ابتسامتك وثنايا وجهك وتفحص جسمك وتلمسه وقل الحمد لله تعالى على نعمته أنظر في وجهي كل صباح لترى نعم الله عليك التي لن تستطع وتستطيع حصرها ولا تأسف على ما فاتك من أمر فالزمن لا يرجع إلى الوراء أبدا فكل لحظة مررت بها هي من الماضي وتأريخ بالنسبة لك . استعد ليوم جديد فيه الأمل والتفاؤل وأرسم على وجهك الابتسامة حتى لو كانت مصطنعة فأنا الحقيقة المرة التي يخافها ويحذرها الكثير من الناس  أنا التي وقف أمامها الملوك والعظماء وأخبرتهم بحقيقتهم بدون رياء وتزلف لكن لم يتعض الكثير منهم فالحقيقة والواقع يغيض الناس ولن يقبلوه أبدا ما دام فيهم الكبرياء والعظمة والعزة بالنفس.

***

ضياء محسن الاسدي

الدماغ عضو فعّال ومسيطر على الجسم، ولأهميته تموضع في وعاء الجمجمة، ويتألف من جزء صغير يتحكم بالوظائف الحيوية، والقسم الأكبر يتمثل بالقشرة الدماغية بتلافيفها وعُصيباتها، التي تقدر أعدادها بالبلايين، وهي ذات تواصلات وتفاعلات تخاطبية مع بعصها، وبنشاطاتها تشكل ما يمكن تسميته بالعقل.

العُصيبات المتفاعلة تؤسس لمستقبلات فكروية، تستحضر الأفكار من فضاءات وجودها الكوني، فالأفكار مبثوثة كالعناصر الغازية المعروفة، ويمكن القول أنها طاقات موجية أو فوتونية، لا تنمحي وراسخة في الفضاء الذي تتحرك فيه، ولا تنعدم أو تغيب، بل خالدة في مواضعها، ولها قدرات التعبير عن ذاتها عندما بلتقطها دماغ إرتقى إلى مدارات التفاعل الإبداعي معها.

فالأفكار بهيأتها السلوكية ومظهرها التفاعلي مع محيطها متأصلة في أكوانها المتنامية فيها، وتتفاعل حولنا وفينا.

وبعد أن وصلت الأدمغة إلى مدارات تواصلية مؤهلة للتفاعل مع مستويات متقدمة من الأفكار، فأنها أخذت تتوارد بإنسيابية وبسرعة غير مسبوقة، مما يعني ان الدنيا مقبلة على تطورات خارقة لا تخطر على بال الكثرة البشرية، مثلما لم تخطر على بال الأجيال الإنترنيت ووسائل التواصل المعاصرة.

وعندما نتساءل عن العقل، يكون حاضرا في التفاعل ما بين الأفكار والأدمغة، فلكل دماغ عقل يتصل به، ولسلامة الدماغ ونوعيته التاثير الأكبر على نوعية العقل وقدراته.

ولا يوجد عقل بلا دماغ، فالدماغ هو جوهر العقل، ومنبعه، ومنطلق قدراته على الإتيان بالأصيل.

ووفقا لما تقدم، فالتفاعل المتطور ما بين الأدمغة ودوائرها الجاذبة للأفكار، ستأتينا بما نعجز عن تصوره اليوم.

ويكمن القول أن الدنيا ستدخل عوالم إفتراضية، بموجبها سيتحقق إستحضار المسيرة البشرية من أولها لآخرها، وستتوفر أجهزة قادرة على تسجيل الأفكار الحائمة حول الرؤوس.

كما سيتمكن البشر في القرن الحادي والعشرين، من التفاعل مع الأفكار على أنها موجودات مادية، قادرة على كشف أحوالها  المكانية والزمانية ومسيرتها عبر العصور، وإستحالاتها وما حصل لها، وهي تتفاعل مع ما لا يحصى من الأدمغة التي عاشت فوق التراب.

ولربما سيتعرى الوجود بأسره، وستتوفر أجهزة للتفاعل الإفتراضي مع الأفكار، فتتمكن من إستحضار أي فترة زمنية بما تواجد فيها من أحداث، وستتحول الحياة إلى أفلام إفتراضية، بموجبها ستشاهَد الحياة في أية بقعة أرضية، وفقا لإرادة الأفكار التي سنقبض عليها، فإلى أين يسير البشر؟

وهل سيكون بصرنا حديد؟!!

***

د. صادق اليامرائي

استضاف منتدى بيتنا الثقافي صباح السبت 3 من حزيران الجاري الدكتور كاظم المقدادي ليتحدث عن نظريات الاتصال ومستقبلها، قدم الاصبوحة الاستاذ وسام المالكي، وعرف الحاضرين بالدكتور المحاضر وذكر شهاداته الاختصاصية المختلفة فقد قام بالتدريس في جامعة بغداد. ودرس مادة الصحافة والاعلام الثوري، ومن أعلام الصحافة، له عدد من الكتب المختلفة في مجالات متنوعة أشرف على عشرات الرسائل الجامعية، وقدم عددا من البرامج في الاذاعة والتلفزيون، يتقن اللغة الفرنسية والانجليزية .،

شكر الدكتور المقدادي رواد منتدى بيتنا الثقافي مشيرا الى انه ليس كل تاريخ مدون، وهناك تاريخ مهمل وهاك خلط بين الاتصال والاعلام ـ معتبرا الاتصال هو الاعلام ووسائل الاعلام قليلة جدا مثل الصحافة الورقية والاذاعة ما عداها فهي اتصال، وهناك تطورات اتصالية ـ وما يجمعنا هو الاتصال وليس الاعلام، والاتصال قديم جدا، والانسان القديم ليس له لغة

وانما عنده تمتمة، وكان الاتصال عن طريق الاشارة، واعتبر الدكتور المقدادي ان العجلة هي اول اتصال بالتاريخ، وهي اصل الانتقال من مكان الى آخر، والاتصال بدأ ذاتيا ثم اصبح جماعيا، فالثورة الصناعية كانت عظيمة، وحملت عنصر الاتصال الجماهيري، وهناك اتصال د قام بالات قديمة مثل ملحمة جلجامش وهي اتصال من خلال البحث عن نبتة الخلود والصراع مع انكيدو و يقول طه باقر، جلجامش انتصر على انكيدو ولكنه لم يقتله، كذلك اشار الدكتور المحاضر الى الثنائية  التي جمعت بين قابيل وهابيل متسائلا لماذا قابيل القبيح جدا قتل هابيل الجميل جدا، ولماذا يبعث اللغرابا يبين لنا كيف ندفن الموتى، فهو قام بعمل عظيم جدا، وفكرة الاتصال عميقة في الفكر الاغريقي، وفكرة الانتقال من الجزء الى الكل والاتصال من الكل الى الجزء، كما اشار الدكتور الى سير الانبياء موضحا الى ان هدهد سليمان الذيي كا ن يأتي بالاخبار عن بلقيس، وخناك دراسة يابانية تؤكد وجود الاتصال بين النباتات والحيوانات، ونحن لا نسمع تلك الاحليث، واضاف الدكتور المحاضر انه في الحصار بقي العراقيون تلاثة اشهر في البيت ولاحظ ان نفس النبتة تعيش في مكان له نفس البيئة مع نبتة اخرى فان النوعين من النبات ليس لهما نفس الخصائص، وان الاعشاب الضارة تنمو بسرعة، وان الذكاء الصناعي صنم يتكلم، وهذه الفكرة مانت بالخيال العلمي والصواريخ التي تنطلق بسرعة عابرة المسافات، وان الربوت استخدم اولا في الثمانينات، ولم يتحدث ماركس عن الاتصال، وبين المحاضر انه في الفكر الرأسمالي توجد خطيئة كبرى وهي الاعتقاد ان الديمقراطية هي اخر الايدلوجيات.

وفي ختام الاصبوحة قدم الدكتور علي مهدي شهادة التقدير للمحاضر

وقد حضر الجلسة عدد كبير من المثقفين والاعلاميين والمتابعين

***

صبيحة شبر

‏شكلت التطورات الأخيرة على المشهد الانتخابي في العراق والتي جاءت بالاتساق مع الاستقالة التي قدمها القاضي جليل عدنان تحديا كبيرا أمام التقدم في عملية الإصلاح التي أطلقتها حكومة السيد السوداني تحت عنوان "حكومة الخدمة" والتي جاءت في أعقاب الاحتجاجات التي انطلقت في تشرين الأول عام 2019 والتي كانت تهدف إلى تشكيل حكومة ديمقراطية وطالبت هذه القوى التي انضوت تحتها ما يسمى به "القوى التشرينية" بضرورة إيجاد الإصلاحات الضرورية على قانون الانتخابات وكذلك إنهاء المحاصصة ‏والعمل على استقلالية المفوضية العليا للانتخابات استعدادا لإجراء انتخابات حرة ونزيهة.

‏التغييرات التي اقرها البرلمان العراقي مؤخرا على قانون الانتخابات تهدد بالتراجع عن عملية الإصلاح التي أقرتها حكومة السيد السوداني وربما تفاقم في القضايا الجدلية في داخل القوى السياسية ومنها نظام سانت ليغو المعدل والمصمم كوسيلة للتمثيل النسبي الذي قوبل بالانتقادات بسبب محاباته للكتل الكبيرة مع التهميش الواضح للقوي السياسية الأخرى التي تريد إثبات نفسها ورد الاعتبار لها من جديد حيث يؤكد المنتقدون أن هذا القانون أو النظام قد يزيد من تهميش شرائح كبيرة في المجتمع ويركز السلطة بين القوى السياسية الكبيرة ما يشكل تهديدا لتطوير الديمقراطية الحديثة في البلاد .

‏لضمان حيادية العملية الديمقراطية والانتخابية والحفاظ على استقلاليتها من الضروري على كافة المؤسسات التشريعية والتنفيذية والقضائية حماية استقلالية المفوضية العليا المستقلة للانتخابات وعدم التدخل في عملها وضرورة إجراء مراجعة شاملة للتغيرات على النظام الانتخابي كما ينبغي على المجتمع الدولي أن يعمل مجددا على حماية التقدم الديمقراطي في البلاد من خلال بعثة الأمم المتحدة التي كانت ومازالت الداعمة في عملية الأشراف على عمليات التصويت وفرز الأصوات وتعزيز قدرات المفوضية العليا المستقلة للانتخابات لان وجود هذا الدعم يمكن العراق من وضع وتنفيذ القواعد الانتخابية الكفيلة بإجراء الانتخابات انتخابات مجالس المحافظات المزمع أجراها في كانون الأول الجاري والذي من شأنه أن يحدد من احتمالية التزوير ومكافحة شراء الأصوات ومنع البعض من القوى السياسية من استخدام الموارد العامة لصالح مرشحين محددين وإجراء انتخابات حرة ونزيهة بعيدة عن التأثيرات الحزبية وبمشاركة عامة لجميع شرائح المجتمع العراقي.

***

محمد حسن الساعدي

منذ الإحتلال الامريكي للعراق والحديث يدور عن الديموقراطية وسبل تحقيقها، والتي تمّ تسويقها أي الديموقراطية عراقيّا بأبشع واسوأ صورة مدمرّة أي صورة المحاصصة الطائفية القومية. ولم يتم التطرق الّا ما ندرعن الأستبداد بأشكاله المختلفة والذي هو بالحقيقة السمة الممّيزة للوضع السياسي والأجتماعي والأقتصادي، وما ينتج عنه من طغيان وعنف كبلّت البلاد والمجتمع وفرضت نموذجا سياسيا إجتماعيا أقتصاديا فاشلا يقود البلاد الى نهايات كارثيّة، وفي الحقيقة فأنّ الأستبداد وما ينتج عنه عمره من عمر الدولة العراقية الحديثة، إذا ما تجاوزنا الإستبداد في ما قبل الإحتلال البريطاني للبلاد.

الحديث عن الاستبداد في العراق "الديموقراطي" اليوم أشبه بالتابو، فالسياسيون يبتعدون عن الأشارة الى الأستبداد رغم وضوحه كما الشمس في رابعة النهار كما تقول العرب، والمثقّفون والمفكرّون والواعين من أبناء العراق على قلّتهم مقارنة بالغالبية الجاهلة منقسمون تجاهه نتيجة ميلهم لهذه الجهة المستبدة أو تلك، أو الخوف الذي يمنعهم نتيجة العنف الذي تمارسه الميليشيات من إبداء آرائهم علانيّة.

الإستبداد والطغيان وهما متلازمان دوما بإعتبارهما مكملّان لبعضهما البعض، عرفا تاريخيا من خلال أنظمة مستبدّة عن طريق حاكم متسلّط أو ما يُطلق عليه دكتاتور، أي الحاكم الذي لا يحكم بلاده بنظام ديموقراطي متعدد وتبادل سلمي للسلطة من خلال الآليات الديموقراطية. وفي العراق كانت لدينا تجربة مثل هذه الأنظمة الدكتاتورية لعقود. وشعبنا ونخبه المثقفة مسؤولة عن أنتاج وديمومة مثل هذه الأنظمة الأستبدادية، وهي بذلك لا تختلف عن شعوب ونخب ثقافية ساهمت في أنتاج أنظمة أستبدادية أذاقت شعوبها الويلات في مناطق أخرى من العالم.

الديموقراطية أشبه بالهرم وقاعدة الهرم هي من تمتلك الرأي الفصل في شكل النظام وطبيعة السلطة، أمّا في الأنظمة المستبدة والدكتاتورية فأنّ رأس الهرم هو من يحدد شكل النظام وطبيعة السلطة، وبدلا من أن تُسنّ القوانين من أسفل الى أعلى نرى القوانين تُسنّ من الأعلى وفرضها على قاعدة الهرم بأساليب متعددة. هناك آراء تذهب الى أنّ المستبد قد يكون مصلحا يريد رقيّ شعبه ووطنه، لكنّه في النهاية هو طاغية يمارس العنف تجاه جزء من المجتمع الذي يرفضه، وهناك في نفس الوقت من يؤيدّه في ذلك المجتمع، وهذا يؤدي الى زرع أولى البذور في تقسيم المجتمع وهذا ما حدث بالعراق الذي خاض مثل هذه التجربة السياسية التي كان فيها شخص واحد على رأس الهرم له أتباعه وله مخالفيه. لكنّه وإن كان عادلا سيظل دكتاتورا من حيث تمركز السلطة والقرارات السياسية والأقتصادية عنده. فالأنظمة المستبدة ومنها أنظمة الفرد والحزب الواحد تستخدم القوّة في إستمرار الطغيان والأستبداد والعنف والفساد لتستمر في السلطة لأطول فترة ممكنة، وعكسها الأنظمة الديموقراطية التي تستخدم قوّة اخرى ،هي قوّة القوانين لتوزيع العدالة وبناء دولة مؤسسات.

العلاقة بين الفساد والأستبداد متبادلة ووجود احدهما يعني بالضرورة وجود الآخر، فهل شيوع الفساد على مختلف الصعد بالعراق اليوم يعني أن هناك إستبداد وطغيان وعنف..؟ لو نظرنا الى الواقع السياسي بالبلاد اليوم فإننا نرى ثلاثة أهرامات تشكّل العملية السياسية فيها، وهي الأهرامات الشيعية والسنيّة والكوردية. وهذه الأهرامات تتحكم بسياسة البلاد وإقتصادها من خلال قممها، ولا دور لقواعد الأهرامات هذه في رسم سياسة البلاد بالمطلق. خصوصا وأنّ قمم هذه الأهرامات تلتقي بقمّة رابعة لهرم رابع وهو هرم المحاصصة الطائفية القومية. وهنا يكون الطغيان متعدد وليس طغيان فرد حاكم، ففي الهرم الشيعي هناك طغيان المؤسسة الدينية الشيعية والأحزاب والميليشيات والعشائر الشيعية، ومثله في الهرم السنّي، وكذلك في الهرم الكوردي حيث حكم العائلتين الحاكمتين.

الطغاة الجدد بالعراق اليوم كما الذين سبقوهم لا يستطيعون الأستمرار في إستبدادهم وطغيانهم وعنفهم وفسادهم، لولا إستعداد الجماهير لقبول الطغيان وتأليه الطغاة من جهة، وغياب دور المثقف العضوي في الوقوف بوجه الطغيان وأدواته.

يقول الفيلسوف والمؤرخ البريطاني أرنولد توينبي أن "الأمم لا تموت قتلاً وإنما انتحاراً"، واليوم ونحن نعبد رجل الدين وزعيم القبيلة ونخاف الميليشيات ونعيش مع الفساد والجهل دون أن نشعر بمستقبل وطننا وأجيالنا القادمة، فإننا نحتضر وإنتحارنا مسألة وقت ليس الّا.

***

زكي رضا - الدنمارك

3/6/2023

في المثقف اليوم