أقلام حرة

أقلام حرة

كتب طه حسين (1889 - 1973) كتابه (في الشعر الجاهلي) سنة (1926)، وأقام الدنيا ولم يقعدها، وكتب بعده مَن كتب، وتبددت طاقات الكتاب والمفكرين فيما لا ينفع.

فما قيمة القول بأن المعلقات ليست من ذلك الزمان، وفقا لمنهج الشك وتحكيم العقل، وتقييم حالة داستها سنابك القرون؟

أثبتنا عقليا أم لم نثبت ماذا سنجني؟

وهل أن العقل لوحده يكفي للإثبات والنفي؟

فليس كل ما يبدو مقنعا عقليا بصائب!!

الجاهلية مصطلح ربما لا وجود له في الواقع، فالمجتمعات وليدة زمانها ومكانها، فإن كان العرب من الجاهلين بما تعنيه الكلمة من توصيفات متعددة، فالمجتعات من حولهم كمثلهم أو هم كمثل غيرهم، فهم على تواصل مع مجتمعات الدنيا بوسائل الحياة المتاحة آنذاك.

ومن الأدلة البينة التي لا تحتاج إلى تمحيص أن القرآن يخاطب المجتمع الذي إنتشر فيه، ولا يوجد ما يؤكد أن النبي الكريم كان يشرح ويفسر للناس ما تعنيه الآيات، بل أنه مكث بينهم ثلاثة عشر عاما يخوض مناقشات وحوارات، وما قتلوه، ولو كانوا كما يُراد تصويرهم لأجهزوا عليه منذ البداية، ولما تحملوه طيلة بقائه في مكة.

بعيدا عن الحفريات والآثار المادية، فالبراهين السلوكية تؤكد أن العرب قبل الإسلام كانوا أمة متحضرة وفقا لمفردات عصرها، ولديهم قدرات فكرية ومعرفية ذات قيمة حضارية وإنسانية، وعندهم نظامهم الذي يساهم في الحفاظ على قوتهم وبقائهم العزيز.

وهم مجتمعات ذات أخلاقيات ومبادئ وأعراف أشبه بالقوانين والدساتير، ويعرفون معطيات زمانهم وقيمة مكانهم، وتفكيرهم إقتصادي وتجاري، وهو أساس القوة والإقتدار، وهذا ما تفتقده المجتمعات العربية المعاصرة، خصوصا التي بلّدها النفط.

وعودة على الشعر ما قبل الإسلام، لا يمكن إنكار موطنه وزمنه، والقول بأنه صناعة عباسية لا يستند على براهين ذات قيمة، وهو مجرد لعبة عقلية تنطلق من أرضية الشك، التي لا تصلح لكل شيئ، فالعقل ليس مطلق الإقتدار، ومحكوم بما يتوفر له من المفردات والعناصر المعرفية، وكلما عرف يرى أنه لا يعرف، فكيف لقطرة ماء أن تحدثنا عن المحيط الذي تتوطنه؟

لنبتعد عن هذه الإقترابات الإلهائية المبددة للطاقات والمحاصرة للقدرات!!

وهل لنا أن نتفاعل مع مكاننا وزماننا لنعاصر ونكون؟!!

***

د. صادق السامرائي

 

أنه التناقض الذي تقع فيه حركات الإسلام السياسي عند مقاربة الواقع بأدوات لاتتناسب معه حيث أن نظرية الحكم في الاسلام السياسي ترتكز على قواعد ليست واقعية ولايمكن تفعيلها في ظل نظام دولي يعتمد العلاقات السياسية إقليميا ودوليا كأساس لبقاء هذه الأنظمة من حيث حتمية ارتباطها أمنيا واقتصاديا بمجموعة من الحلقات والدوائر التي تكون هذا النظام العالمي بمؤسساته وشكل العلاقة بين هذه المؤسسات

وبين كل نظام قائم بذاته، وقد أثر وغير هذا الارتباط مجموعة من المفاهيم التي كانت سائدة، ومن أهم هذه المفاهيم التي لم تعد تمثل الواقع والتي تغيرت هو مفهوم (السيادة الوطنية) حيث كان هذا المفهوم حقيقة محتملة ولو نسبيا عندما كان يرتكز على مفهوم اخر وهو (الاكتفاء الذاتي) الذي ايضا لم يعد محتملا رغم أن هناك بعض الدول. تتمتع بالاكتفاء النسبي ذلك فأن مفهوم الاكتفاء الذاتي كان يحتسب على مجموعة الحاجات. الأساسية للمجتمعات وبعض من الحاجات المكملة من خارج دائرة الحاجات الأساسية والتي كان يوفرها النظام العالمي متعدد الأقطاب، والذي كان يوفر غطاءا أو جدارا يمكن الاستناد عليه في توفير مايلزم مما هو ضروري لتحقيق وتعميق مفهوم السيادة الوطنية دون التعرض للضغط أو المساومة على إرادة القرارالسياسي. ولكن ذلك الواقع قد أصبح من الماضي. بعد سقوط وتفكك الاتحاد السوفيتي وتفكك وانهيار النظام العالمي متعدد الأقطاب وانفراد الولايات المتحدة كقوة عظمى. تتحكم بها النظام السياسي ومفاصله الاقتصادية وسيطرتها على حركة الأموال وجعل الدولار متحكما بالتبادلات التجارية وفرضها القوانين على مختلف المنظمات الدوليةباعتبارها دائما الممول الأكبر لهذه المنظمات كذلك كان للتحول. في شكل الحاجات الأساسية وارتفاع معيار هذه الحاجات أثرا بالغا في تحديد مفهوم الاكتفاء، لذلك ولكل ماتقدم فأن القول بالسيادة الوطنية يعتبر قولا لايعدوا أن يكون شعارا أو عنوانا للتسويق السياسي ومن هنا فإن حتمية الحاجة في العلاقات الدولية. أصبحت ملازمة لبقاء النظام وليست سببا في سقوطه عندما يفهم النظام الحاكم معادلة القطب الواحد ويغادر ما لم يعد موجودا وهو نظام تعدد الأقطاب الذي كان يمثل رافعة سياسية لمفهوم السيادة الوطنية، لقد بقيت كثير من الأنظمة السياسية وخصوصا تلك الأنظمة التي كانت تستظل بالنظام السوفيتي عالقة

في عنق الزجاجة لعدم استيعابها ماحصل من متغير جوهري. في النظام العالمي وأن المطلوب هو التماهي مع الواقع ومغادرة مربع السيادة الوطنية إلى مربع حماية الوطن والمواطن من تبعات هذا المتغير . الاكثر من هذا الاستعصاء في عنق الزجاجة لتلك الأنظمة هو ماطرأ على المشهد السياسي من نشوء حركات الإسلام السياسي التي لم تكن تعرف الفارق بين النظام القديم والنظام الجديد لأنها في الواقع. لم يحدث أن استلمت

سلطة الحكم في نظام متعدد الأقطاب حيث كانت نظرية الحكم مجرد نظرية مركونة يراد لها أن تحكم. لذلك فأن مشكلتها اكبر وأعمق وأكثر استعصاءا وربما لن تخرج من هذه الزجاجة التي دخلتها في بعض التجارب الا بقطع عنق الزجاجة. مما سيؤدي حتما إلى جروح بليغة ربما لايمكن الشفاء منها لأن من يحكم بقوانين أرضية يمتلك أو يستطيع أن يجد المسوغات الأخلاقية لاي تحول في شكل الحكم من خلال قوله بتغليب المصلحة أو أنه يقبل مرغما ولكن من يحكم باسم الله بزعمه فأنه لايملك حلولا وسطية للتحول أو التماهي أو الرضوخ لمنطق القوة ، الا أن يقبل بحقيقة أنه يمارس السياسة الواقعية التي يفرضها النظام العالمي ، وعند ذلك لن يبقى معنى. للشعار السياسي بالعنوان الاسلامي ، لذلك ستكون أمام ثلاثة احتمالات هي، أن تصر على أن تحكم بأدوات الشعار الإسلامي الذي تحمله وهذاسيؤدي بك إلى احتمالين هما الانكفاء داخل الزجاجة والموت لاحقا والثاني أن تحاول الخروج من فُتحة صغيرة لاتتناسب مع راسك الكبير وهذا يحتمل الموت كذلك والاحتمال الثالث وهو أن تصغر راسك وتضع بعض الزيت للخروج بأقل الخسائر وهنا ستكون قد مارست نفاقا سياسيا لاعلاقة له باسم الله .

***

فاضل الجاروش

يقول لي إن أقلامنا ممنوعة من الصرف!!

قلت: ماذا تقصد؟

قال: لا يُسمح لها بكتابة ما ينفع؟

قلت: وما هو الذي ينفع؟

قال: الدنيا تتحرك على مسارات إقتصادية وتكنولوجية فائقة السرعة، وأقلامنا تكتب عن الباليات!!

وأضاف: لو بحثت عن مقالات تمت بصلة لما يحصل في عصرنا، فستجدها قليلة أو مغيبة تماما، فتأمل ما يُنشر في أي موقع يُسمى ثقافي، فستظهر أمامك العناوين الخاوية الخالية من نسغ الحياة المعاصرة.

قلت: هذا ديدن ما نسميه ثقافة، فالمهم أن ندّعي الشعر، والقصة والرواية ونستنسخ من الآخرين  ما يبدعونه ونتوهم بأننا نبدع مثلهم، أما حكاية العلم والإقتصاد ومفردات الحياة، فلا تعنينا، لأن وعينا الجمعي غاطس في الحالة الموتية التي فيها سنكون ونتجسد.

فالواقع المرير، أننا مجتمعات يُراد لها أن تعادي الحياة وتتخلى عن شروطها ومؤهلاتها، ولهذا يتحقق إبراز تجار الدين لأخذ الناس إلى مهاوي سقر، وإفساح المجال للطامعين بالتفاعل النهم الجشع مع حقوقهم وثرواتهم، وهم في غفلة يعمهون، ونحو الموت يتسابقون للفوز بجنات نعيم ذات متع وملذات مطلقة.

ترى لماذا المواقع تهتم بقيل وقال، وتنأى عن الكتابات الداعية إلى بناء الحياة الحرة الكريمة؟

قد يرى البعض أن السؤال غير مناسب الطرح وفيه بعض التجني والعدوان، والحقيقة أن ما نكتبه في صحفنا ومواقعنا لا يمت للحياة الإيجابية بصلة، وهو تفاعل سلبي معها، وتأهيل متكرر ومواظب على تحبيب الموت وإلغاء معاني الحياة.

ولهذا فالمكتوب منكوب، والعجز مطلوب، والقضاء على الحياة مرغوب، وما عادت الدنيا قبائل وشعوب، فكل من عليها فان، وعلينا أن نتواصى بالعدوان، فالدين من أهم أسباب القتل والفتك بالإنسان، ولا قيمة لدين بلا أسنان.

فهل سنبقى نكتب حول السطور؟!!

***

د. صادق السامرائي

المتتبع للمشهد العراقي بجوانبه المختلفة يرى أنَّ عملية تشكيل الحكومات المتعاقبة كانت كلها عسيرة حتى الاشباع ولم يكن الخلاف بينهما على كيفية التعامل مع مطالب الشعب الاساسية والخروج من النفق السياسي الذي يبدو أنه طال ظلامه وبدا المشهد السياسي كأن لكل كتلة أو لكل سياسي نيته الخاصة التي تختلف عن نوايا المواطن واظهرت جميع الكتل عجزها عن السير إلى منتصف الطريق لتحقيق التوافق بينهما في سبيل إنقاذ العراق وتحقيق المصلحة العليا له للخروج من المأزق الذي يعيش فيه واصبح يتحكم به كل من هب ودب سنيين تصول وتجول به ارادات نفعية وتتحكم من اعطائها الحق وفي ان تتحكم بمصيره ولما وصل الحال بالقبول والرضوخ بهذا الواقع المفروض من قبل اناس لا هم لهم بمستقبل ابناء الوطن فلا معيشة ميسره ولا مؤسسات خدمية انما اقبية عبارة عن هياكل تتحكم بها عصابات من مختلف الاحزاب تستنزف ميزانياته السنوية بصفقات يتفق عليها، لكن نرى العمل في الضرائب على المواطن مستمر على قدم وساق ولا ينقطع، ومسكين ذاك الذي يبيع او يشتري اليوم يسلب حتى يعتري ليرضي مخمن الضريبة .

لقد انعكس الفساد في النظام المالي العراقي على الاقتصاد سلبًا من خلال انخفاض اسعار الدينار العراقي مقابل الدولار على قوته وقدرته على النمو بسبب مزاد العملة التي يتفذها البنك المركزي العراقي  وأدّى إلى جنوح 40% من السكان إلى ما دون خط الفقر في حين يعتبَر استخدام مزاد العملات في العديد من دول العالم حالة استثنائية للغاية، بما في ذلك خلق توازن واستقرار للعملة، ودفعَ العراق ضريبة  ثمن هذا الفساد خلال السنوات السابقة حين وجدت الحكومة نفسها عاجزة عن دفع الهيكل البيروقراطي الكبير الذي تدفع رواتبه عقب انخفاض أسعار النفط التي تمثل أكثر من 90% على اقل تقدير من ميزانيتها السنوية.

ان تزمت كل طرف برؤيته وضعف التنسيق وعدم الخبرة في التعامل مع المشهد السياسي جعلهم متشتتين ما بين مؤيد ومعارض والحاكم والمحكوم  ما بين القوى السياسية نفسها دون ارادة للمواطن في تقرير المصير وغالبا ما عصفت بها أزمات بين الفرقاء السياسيين على كل المستويات  سواء كانت على مستوى اختيار رئيس الحكومة أو أعضائها او على اختيار رئيس الجمهورية، الظروف الراهنة توجب وتتطلب من أبناء العراق من السياسيين الترفع عن صراع المصالح لأسباب غير وطنية والابتعاد عن تبادل الاتهامات وإلقاء كل طرف اللوم على الآخر بأنه السبب في إفشال أي حكومة، فهذا لا يحل الأزمة ولن يحقق المطالب الشعبية، المطلوب من الجميع اعتبار العراق ملفاً وطنياً ساخناً لكل التكتلات السياسية العراقية بالفعل والعمل لا بالكلام والمزايدة على الآخر، وعلى الزعماء العراقيين بكل أطيافهم أن يتحركوا لإنقاذ العراق الذي هو وطن جميع العراقيين. عليهم اصلاح الامور التي تهم وطنهم  العراق الذي تعصف به التحديات، وتتقاطع على ارضه مختلف المصالح والسياسات التي تُعقد الأمور أمام صانع القرار فيه،ولم تنجح الاتفاقات التي اتخذت منذ الخطوة الاولى لتشكيل الحكومات المختلفة   إلأ من خلال التوافقات بين تلك الكيانات والمجموعات السياسية التي تسيطر على المشهد السياسي العراقي منذ سقوط النظام البعثي في 2003.

بلا شك ان الإشكاليات والتقاطعات اثرت وأسهمت إسهامًا كبيرًا في تعقيد أزمة السيادة العراقية، وحتى إن سلمنا بالسيادة في الدستور العراقي النافذ عام ٢٠٠٥، والذي يحمل ثغرات كبيرة كشفتها التطبيقات العملية، أهمها والتي تطفح بين حين وآخر مع كل حكومة تتشكل  "أزمة نفط كردستان الأخيرة مع الحكومة العراقية هي أزمة قانونية ودستورية واختلاف الرؤى في هذا الملف دستوري قانوني بحت وليس خلافا سياسي مما سبب انقطاع الإيرادات النفطية من كردستان، والحكومة الاتحادية في بغداد ترى أن صلاحيات تطوير الحقول النفطية وعمليات التسويق والتصدير محصورة بيد وزارة النفط الاتحادية استناداً للقوانين المركزية النافذة حسب المادة 130 من الدستور العراقي، في حين ترى حكومة إقليم كردستان أن للإقليم حق تطوير الحقول وتسويق النفط والغاز دون العودة إلى الحكومة الاتحادية"، أو تلك التي لم يلتفت لها المشرعون، واخضع لمزاجية القوى السياسية التي شاركت في كتابته وإرادتها، وفُسرت الكثير من فقراته ومواده سياسيًا وفق رغباتهم، مما افقده الكثير من المعاني الحقيقية بوصفه القانون الاسمى للبلاد. فصار في كثير من الأحيان عامل فوضى وانقسام بدل أن يكون عامل حسم لإرادة الأمة، وعامل وحدة واستقرار لسيادته. أما إذا سلمنا بالسيادة المتمثلة بالسلطة التشريعية، أو المحكمة الاتحادية، فكلاهما قد اخضعت لمزاجية القوى السياسية والسلطة التنفيذية أيضاً. بموازاة ذلك، في التجربة العراقية بعد عام2003 ما تزال بعيدة عن السيادة الشعبية بمعناها الدستوري والسياسي، في ظل التلاعب بنتائج الانتخابات، وعدم نزاهة العملية الانتخابية،

لذلك فأن الظروف الراهنة توجب وتتطلب من أبناء العراق من السياسيين الترفع عن صراع المصالح لأسباب غير وطنية والابتعاد عن تبادل الاتهامات وإلقاء كل طرف اللوم على الآخر بأنه السبب في إفشال أي حكومة، فهذا لا يحل الأزمة ولن يحقق المطالب الشعبية، المطلوب من الجميع اعتبار العراق ملفاً وطنياً ساخناً لكل التكتلات السياسية العراقية بالفعل والعمل لا بالكلام والمزايدة على الآخر، وعلى الزعماء العراقيين بكل أطيافهم عليهم أن يتحركوا لإنقاذ العراق الذي هو وطن جميع العراقيين بكل اطيافه والشعب يريد ان يعيش بعزة وشموخ ومستقبل آمن لاجياله يريد ان يشعر بأمان واستقرار لا منة عليه ولا صدقة من أحد فيه وهو للجميع.

***

عبد الخالق الفلاح - باحث واعلامي

 

مثلما اكدت الأحداث في كل اقاليم الكون ان الأصابع المرتبكة لا تستطيع صنع التاريخ واحداث منعطفات كبرى في مساراته نظرا لفقدان  الجسد الحامل لهذه الأنامل فكرا مستنيرا ورؤية معرفية لكل شؤون الحياة، بامكاننا للتاكيد ان  الأيادي المرتعشة لا ولن تستطيع ان تذهب بعيدا وتخترق الحواجز والاشتباك مع المفاهيم والتصورات المختلفة بل المتناقضة مع قيم الحرية والتحرر والانعتاق ومواجهة قوى الاستبداد والاستغلال والظلامية سواء كانت انظمة سياسية أو حركات او تيارات..   

الأيادي المرتعشة ليست لها علاقة بميكانزمات وتحريك المياه الراكدة لانها تفتقد الجراة والفكر الاستراتيجي والرؤية المعرفية العميقة والشاملة..

كل المحاولات التي عرفتها الشعوب الطامحة للتحرر الوطني والإنعتاق الإجتماعي، وإن إتسمت بجسارة أصحابها وشجاعتهم النادرة، إصطدمت بالشروط الموضوعية التي صارت بمثابة الصخرة الصماء التي تكسرت عليها طموحات اجيال متعاقبة من المكافحين الأحرار الحالمين باوطان تسود فيها قيم المواطنة والحرية والعدالة الاجتماعية وعلوية القانون..

الشروط الموضوعية التي نقصدها هي التحالفات والتكتلات السياسية والاجتماعية المتناقضة جوهرا وموضوعا مع أي مشروع وطني تحرري مناهض للسياسات النيوليبرالية التي ليس في اجنداتها رفاهية وتقدم الشعوب هنا أو هناك من اقاليم الكون..

لن ناتي بالجديد اذا قلنا ان هذه المشاريع الوطنية التحررية ذات الأفق الديمقراطي الإجتماعي والتنوير الفكري والثقافي، عادة ما تافل وتسير الى الانحدار.

إضافة الى الأسباب الموضوعية الناتجة عن طبيعة الصراع الشرس بين قوى متناقضة في الأسس الفكرية والايديولوجية، فان لهذا الانحدار الوارد حدوثه في أي لحظة نظرا لطبيعة التوازنات وموازين القوى.

و المصالح المتشابكة بين الأطراف السياسية والاجتماعية المتصارعة..هذا ما قصدناه بالشروط الموضوعية، لكن الاشكال الجوهري والمركزي في عملية تفسير وتفكيك العناصر المكونة لهذا الانحدار يتمثل اساسا في المسالة الذهنية والأبعاد الاستراتيجية للصفوة والقادة المباشرين لعملية تأسيس المشروع الوطني الديمقراطي الاجتماعي المنحاز فكرا ومنهجا وعقيدة ودربا كفاحيا لا يلين و لا يهدا مع مشاغل وشواغل والقضايا المصيرية والطموحات المشروعة للشعوب الطامحة للتحرر والإنعتاق وكنس سياسات الاستبداد والاستغلال ورميها في مزابل التاريخ بكل شجاعة وكتابة سطور مضاءة بمصابيح الحرية والكرامة والعادلة الاجتماعية..هنا وصلنا الى مربط الفرس مثلما يقول العرب القدامى.. كيف ستتصرف القيادة المركزية وصفوتها الأولى المؤتمنة على تسيير المركب والقافلة

بعيدا عن الأجندات الإقليمية والدولية المتناقضة جوهرا وموضوعا مع طموحات الشعوب وقضاياها المصيرية..هذا هو السؤال الحارق لكل ألأوراق..!

إن المنعطفات التاريخية الكبرى، لا تقوم بها الأيادي المرتعشة من خصوم شرسين، بل تصنعها السواعد التي تحركها رؤى استراتيجية في السياسة والاقتصاد والفكر والثقافة والاجتماع..و لنا امثلة نيرة قامت بادارة الصراع مع القوى المناهضة لمشاريع التحرر الوطني والإنعتاق الإجتماعي وفرض السيادة الوطنية على أرض الواقع،بحكمة وحنكة ودهاء نادر

..الزعماء الراحلون جمال عبد الناصر والهواري بومدين وفي السنوات الأخيرة شافيز وخليفته السياسي اليساري الثوري المحنك المتسم بالشجاعة والدهاء والديبلوماسية وقت اللزوم وفق متطلبات المرحلة وما تفرضه من تكتيك واستراتيجيا في الآن نفسه.. هذا ما ننتظره من  قيادات عربية لمشاريع التحرر الوطني.. لا سبيل للخروج من أي مازق سياسي واقتصادي واحتماعي سوى الأسلحة برؤية ثاقبة و بعيدة المدى وان لا تكون الأيادي مرتعشة.

***

البشير عبيد / تونس

 كاتب صحفي مهتم بقضايا التنمية والمواطنة والنزاعات والصراعات الإقليمية والدولية..

لا يمكن باي حال من الاحوال لحكومة الاطار التنسيقي ان تنجح بخفض سعر صرف الدولار، وفي نفس الوقت شركات وشخصيات وكيانات محسوبة عليها تقوم بتهريب الدولار، ليس لايران فقط، بل لكل المحيط العراقي.

وللامانة، فان كل المصائب، القديمة والجديدة، تفجرت بوجه هذه الحكومة المسكينة، وانا لا اعرف هل ان ذلك حدث عمدا ام هي صدفة؟

منذ اعوام، والعراقيين ياتون في المراتب الاولى في شراء العقارات في تركيا، الامارات، الاردن، ولبنان وغيرها (استراليا مثلا)، واغلبهم بالمطلق من الفاسدين السياسيين والنواب والاداريين بالدرجات العليا والميليشياويين وحتى العسكر، اضافة لغيرهم (معممين مثلا)، وكل هذا يتطلب تهريب الدولار وبكميات ضخمة جدا وجدا.

نعود لحكومة الاطار، التي تريد ارضاء ايران من جهة، وتحاول كسب الشارع العراقي من جهة ثانية، وهذا لن يحصل ابدا.

ايران تعتبر العراق بمثابة رئة تنفسية دولارية بسبب العقوبات الاميركية والغربية التي تخنقها، وحكومة الاطار تعتبر انه من "واجبها العقائدي" مساعدة ايران في محنتها المزمنة الى اخر نفس، لكن هذه المساعدة تلقي بظلالها الثقيلة على عموم العراقيين الساخطين من رفع الاسعار وتهديد لقمة خبزهم، لإرضاء جار لديه طموحات دولية خطرة ستقوده، او انها تقوده اصلا وفعلا، للاصطدام بالمجتمع الدولي، ويكاد هذا الجار ان يتحول الى دولة مارقة او منبوذة.

بطبيعة الحال، لا يجوز لأي منصف ان ينكر دور ايران في مساعدة العراق في التصدي لداعش الارهابي، ولكن ايضا التحالف الدولي كان له دعم حاسم في ذلك، وطبعا ايران لم تقدم رصاصة واحدة للعراق مجانا، باعتراف قيادات رفيعة في الجيش الايراني وفي الحرس الثوري الايراني، بل انها اخذت كل حقوقها حتى اخر فلس، لكن من غير المقبول ان تسعى حكومة الاطار التنسيقي لإنقاذ ايران من محنتها الدولارية على حساب الشعب العراقي، لان الشعب سيعاقب هذه الحكومة عاجلا ام اجلا.

سخط العراقيين على الجار ايران يرتفع ويزداد من خلال قطع ايران لمياه الانهر والروافد الداخلة للعراق، وحجب توريد الغاز لانتاج الكهرباء حسب مزاجها، ومنع العراق من التقارب مع جيرانه العرب لتجاوز مشكلاته الاقتصادية والخدمية، مع صمت وسكوت مشبوه من حكومة الاطار، وهذا يدفعنا للقول ان حكومة الاطار التنسيقي في طريقها للانتحار السياسي على محراب ايران، السائرة للمجهول اصلا، وعلى العراق التخطيط والعمل والاستعداد للتعامل مع ايران، لا يحكمها نظام جمهوري اسلامي شبه متشدد، لان دروس التاريخ واضحة امامنا جميعا، فلا بقاء ولا ديمومة لأي نظام سياسي او ديني اوعقائدي، مهما طال الزمن.

***

خدر خلات بحزاني

هل إنتهى الإبداع القصصي والروائي؟

سؤال يفرض نفسه في الواقع الثقافي ويدفعنا للنظر إليه بجدية، وموضوعية، ويعود السبب إلى تقدم فن التصوير وحضوره في كل مكان، فالجميع يصوّر ما يشاء بهاتفه النقال، ومعظم الناس تحمله ولا تفارقه أبدا.

فالصورة الحية تتكلم بدقة متناهية تتفوق على قدرات القصاصين والروائيين مهما إمتلكوا من مواهب ومهارات سردية.

قد يستطيع الكاتب أن يشد القارئ بأسلوبه وما يظهره من خفايا وديناميكيات تفاعلية ذات أبعاد إنسانية وفكرية، لكن الصورة الحية تقدم ما يثير في المُشاهد رؤى وتصورات، مبنية على مكوناته الذاتية المتفاعلة بحيوية وحرارة مع ما يرى.

فالصورة أصبحت أقوى من الكلمة في نقل المشهد الإنساني، ولا يمكن للكلمات أن تتفوق على الصورة في هذا المجال.

ربما سيتعجب البعض مما تقدم، غير أنها حقائق صادعة تؤثر في الوعي الجمعي للمجتمعات، وتأخذها إلى مدن الشاشات، والتفاعلات التواصلية السريعة الإبراق.

فكم منا قرأ قصة أو رواية في العام الذي إنقضى؟

يبدو أن النفوس البشرية تغيرت، وحتى الأغاني والموسيقى، أصبحت ومضية لا تتجاوز بضعة دقائق، فالناس لا تتلذذ بالأغاني الطويلة، التي عهدتها في القرن العشرين.

أما القصة والرواية فعليهما التحول إلى بحوث مكثفة مدونة بلغة أدبية فنية واضحة، وإلا فلن تجدا مَن يقرأ!!

***

د. صادق السامرائي

 

 

في الماضي كان الخوف موزع جغرافيا بشكل مدروس ففي المنطقة تخاف جارك البعثي وأصدقاءك وأعضاء الفرقة الحزبية الذين يذرعون الازقة والشوارع كل حين وتعرف مسؤول الفرقة الحزبية من خلال السماع وترسم له صورة مرعبة في خيالك المذعور حتى من قهقهة مع صديق وانت تسير في الشارع وعليك ان تجد تفسيرا مقنعا لهم عندما يحاصرك أحدهم بسؤال عنها وفي الدائرة كذلك إذ يتناثر الحزبيين هنا وهناك تعرف بعضهم وتجهل اخرين لكنك على معرفة تامة بشخص مسؤول الدائرة الحزبي الذي تكون سطوته فوق صلاحيات المدير وفي مراكز المدن يضاف خوفا آخر من عناصر الأمن والانضباط والشرطة من دون أن يكون لك ذنبا أو تهمة واضحة لان الهدف هو ان تعيش خائفا ومتهما على الدوام لكن هؤلاء جميعا رهنا بقرار المسؤول مهما كانت حدود مسؤوليته فاقصى ما يستطيع الحزبي المتواجد في أزقة المنطقة هو ان يخبر مسؤوله بشكوكه فيك ومن ثم يمنحه كل الصلاحيات وهكذا الأماكن الأخرى لكن أخطر من هؤلاء جميعا هم كتاب التقارير فانت لاتراهم وربما لا تعرفهم وتقاريرهم مهما كانت ظالمة ومحشوة بالكذب والافتراء فإن لها القدرة على ايصالك إلى مديرية الأمن ومن ثم محكمة الثورة وصولا إلى (ابي غريب) أو أعواد المشنقة أو كلاهما وكان الزي والسكن وطول المدة هي دلالات للتعرف عليهم .. أما الخوف في الزمن الحاضر فهو مختلف تماما بعد أن غابت رموز الخوف الماضي وحلت محلها رموز أخرى وحسب المراحل إذ كانت في البداية الرموز قوات محتلة وطائفية وعناصر إرهاب ومسلحين وحمايات مسؤولين وملثمين وكواتم ثم تحولت إلى (سوات) ومقاومة الشغب وأصحاب القبعات والطرف الثالث والمجهولين والرمي العشوائي والانسداد حتى وصلنا إلى لجنة (ابو خبزه) بعدها إلى آخر رموز الخوف في زمننا الحاضر وهو (ارتفاع الدولار) بشكل مجنون بالنسبة لنا ومدروس لغيرنا وارتفاع الدولار هو آخر أسلحة الصراع بين أمريكا وإيران على أرض العراق وسيواصل الدولار صعوده ليتناسب طرديا مع خوفنا حتى يصبح الدينار مثل ليرة لبنان أو ينتصر أحد الطرفين ثم يبحثون لنا عن رمز جديد للخوف .

***

راضي المترفي

يبدو أن المؤامرة التي تقودها الإمبريالية ضد تجربتنا الديمقراطية الرائدة تتخذ أشكالاً جديدة، فبعد محاولات فاشلة للحصول على خبرة عباس البياتي في الاستنساخ، ومحاولة البرلمان الاوربي الدنيئة لسرقة حذاء عالية نصيف الذي قذفته داخل قبة البرلمان، قررت الدوائر الإمبريالية إرسال الممثلة "الكافرة" "أنجلينا جولي" للتجول في قضاء سنجار والجلوس مع عوائل الإيزيديين والاستماع إلى معاناتهم، ولم تكتف بذلك؛ بل أصرت على أن تلتقط صوراً وهي تتحدث مع أطفال فقدوا عوائلهم .الممثلة "اللعينة" تريد أن توهمنا بأنها صاحبة رسالة إنسانية، لكن الحقيقة أنها تغار من نوابنا الذين يثبتون كل يوم أنهم في واد والشعب المسكين في واد آخر.

إذن المؤامرة تحاك في الظلام ضد هذا الشعب، والبعض يريد أن يصوّر للعالم أنّ سياسيينا "الأفاضل" ومسؤولينا "الأكارم" ونوّابنا "الأجلّاء" عاجزون عن الذهاب إلى سنجار، وهم الذين ضحّوا بالغالي والنفيس من أجل عيون هذا الشعب "الناكر للجميل".

بالفعل، تتعرض تجربتنا الديمقراطية إلى مؤامرة كبيرة، تشارك فيها قوى دولية، ومشاهير هوليوود، وإعلام لا يخاف الله، ينسى أن يلتقط صورة للنائبة حنان الفتلاوي وهي تتجول مع النائبة وحدة الجميلي وسط قرى سنجار وهما تذرفان الدموع.

المؤامرة كانت حاضرةً في تغاضي المدعوّة أنجلينا جولي عن الإشادة بملفّ مهمّ وخطير وأعني به ملفّ الإعمار الذي تفوّقنا به على سنغافورة، وملفّ التعليم الذي تحسدنا عليه اليابان. نعم هي مؤامرة لا يكفي معها تكذيب واعتذار، بل أن تكفّر أنجلينا جولي عن ذنبها وتترك أبناء سنجار الذين يحظون برعاية يحسدهم عليها أطفال السويد.

مع هذه الصورة للممثلة التي "للأسف" لا تلبس الحجاب ولا تكتب على صفحتها أهازيج ثورية، تذكر كيف يرفض مسؤولونا "الأفاضل" أن يراهم الناس في لحظة صدق بشري.. فكيف يمكن لمن حصل على الكرسي من خلال مزاد عقده أبو مازن، أن يجلس على الأرض تحيط به عوائل شهداء الانتفاضة؟!

سيدتي أنجيليا.. من هذه البلاد المليئة بالأسى والموت والكذابين، أرفع إليك التحية والتقدير، أليست اللمسة الإنسانية، أعظم من الصوت الفارغ؟ أليست يد حانية نضعها على رأس طفل مهجَر ويتيم، أطيب عطراً من كل شعارات الإرادة وهلوسات الكتلة الأكبر؟

مرة أخرى من هنا، من هذه البلاد المليئة بسقم الساسة وتهتكهم، أرفع لك التحية، لأنك شجاعة وامرأة صدق ومحبة وإنسانية، وحدهم الأنقياء يتجاوزون الخوف على مصالحهم وحياتهم، من أجل الخوف على حياة الضعفاء والمستضعفين.

ايها السادة ..المشكلة لم تكن في صور انجلينا جولي، ولا في معاناة اهالي سنجار، بل في الشعارات التي تملأ قاعة البرلمان العراقي والتي يطلقها البعض. وفي خداع الناس مرة ومرتين وعشراً .

***

علي حسين

لننظر الى ذلك بشكل موضوعي، ولنقرر اولا ما هي الإنجازات الفعلية وما هي المزيفة التي تقدم كرشاوي لخداع الناس.

أهم صفة للإنجاز انه يقدم وعدا بمستقبل أفضل، اما الرشوة فبالعكس تماما. تعطي راحة للمرتشي، لكن على حساب تخريب اكبر للمستقبل، او للوطن. يعني الصفة المميزة للرشوة هي: استفادة الراشي والمرتشي، وضرر يصيب الوطن او المستقبل أو الأجبال القادمة أو اية جهة أخرى غائبة عن الصفقة، وغير قادرة في تلك اللحظة على الدفاع عن حقها، او لا تعيه، فيسلب الراشي والمرتشي حقها.

لو فرضنا أنك اشتغلت بشكل افضل واكثر تنظيما والتزاما وبكفاءة اكبر، فتضاعف دخلك وصرت تصرف بالشهر 600 الف بدل 300 الف فهذا "إنجاز"! إنه يجعلك مرتاح وسعيد ويدفع بك الى الأمام ويحقق لك مستقبل افضل وبدون سلب حق أحد، ويحق لك ان تفخر به.

لكن ماذا لو انك لم تزد كفاءتك ولا عملت أفضل، وضاعفت مصروفك بالأخذ من مدخراتك؟

من الخارج سيبدو الأمر مشابها للإنجاز الأول، وستبدو سعيدا اكثر ومرتاح، لكنك تعلم انها سعادة مزيفة وانك تضحك على الناس وعلى نفسك. لا أحد يسمي هذا إنجازا. إنه رشوة من نفسك لحاضرك، على حساب مستقبلك وحقه عليك. فمن اي من النوعين هي "إنجازات" السوداني؟ لننظر:

توقيع الاتفاقات بذاته ليس انجازاً، لأن الاتفاق قد يكون في صالح الدولة (وعندها يسمى انجازا) وقد يكون لغير صالحها (وعندها يسمى خسارة). وعقود السوداني لم نعرف بعد، إن كانت لصالح الدولة ومستقبلها أم لغير صالحها، فكيف حسبها هذا النائب انجازا للسوداني؟ بل ان هناك مؤشرات قوية جدا بأنها عقود سيئة سلقت سلقا بدون دراسة ومفاوضات وبدائل ومنافسة. كذلك نعلم مثلا ان السوداني ماض بتنفيذ عقود توتال، التي قدم الاستاذ أحمد موسى جياد دراسات حذرت وطالبت بإلغائها لشدة مساوئها! وهناك اشارات بأن سيمنز طلبت اسعارا خيالية لعقودها.. في كل الاحوال لا يمكن التحدث عن إنجازات مسبقة إلا من قبل من يريد ان يطبل للسوداني بالحق والباطل.

خليجي 25 او اية بطولة رياضية هي مسألة صرف فلوس وإدارة، لا اكثر ولا أقل وتستطيع اية دولة أو حكومة مهما كانت تافهة، أن تقيم بطولة إذا كان لديها المال اللازم لذلك، فكل شيء يشترى في هذه الأمور بالمال: الملاعب والإدارة والشركات والعروض المبهرة وكل شيء. لو اعتبرنا تنظيم بطولة الخليج انجازا يبين قوة الدولة، لتوجب اعتبار قطر دولة عظمى لأنها نظمت قبل فترة قصيرة بطولة العالم ذاتها! لكنها قطر ليست دولة عظمى، وليس تنظيم حتى بطولة العالم انجازا، وبالتأكيد لا يمكن اعتبار خليجي 25 انجازاً. إن الفرح بالبطولة مفهوم ومقبول، لكنها في حقيقته ليس إنجازا حقا، اذا كان كل من يملك المال يستطيعه. إذا كانت إدارة الأموال والبطولة ممتازة، ربما يكون هناك ما يفخر به بشكل بسيط، لكن هذا لا يشبه كمية التطبيل للإنجاز الذي قيل ان السوداني قد حققه بالبطولة (ومتابعتها شخصيا طبعا، كما يفاخر اعلامه الذي ينسب كل فضل له شخصيا، وبشكل خطر). ومما حدث اثناء البطولة لا نستنتج ان ادارتها كانت متميزة على كل حال. وإذا تساءلنا عن الأموال التي صرفت عليها ومدى حاجة بنية العراق التحتية اليها. هذه الحقائق تم خنقها ودفنها من قبل حملة إعلامية رهيبة ومنظمة لقمع كل من يقول شيئا عنها، وباستخدام كل الأسلحة الإعلامية، وحتى الطائفية منها، واصبح الحديث عنها مرتبطا بمشاعر سلبية شديدة مرفوضة.. لكن الحقائق تبقى حقائق، ولا تعتمد على مدى تقبلنا لها. إنها لم تكن إنجازا، بل رشوة مميزة وأدت دورها بإعطاء انطباع مزيف جميل بأن هناك تغييرا إيجابيا كبيرا قد حصل، وتتوج ذلك بفوز الفريق العراقي، مما اسهم في تقوية هذا الإحساس بحجم الإنجاز. ومعروف ان استخدام كرة القدم لتقديم بديل للكرامة المهدورة، مسألة تاريخية عالمية يلجأ إليها عديد من الحكام لتهدئة شعوبهم، كما فعل موسوليني في اسبانيا.

ماذا عن منح المواطنين قطع أراضي، وتحويل مساحات من اراض زراعية الى اراض لغرض السكن لتوزيعها؟ إنها نفس الحيلة ونفس الخدعة ونفس الرشوة بالضبط! إنها تكلف الدولة أمولا (بشكل أراضي) وتضع ثقلا على حكومات المستقبل لنتائج هذا التوزيع الاعتباطي وضرورة تقديم كل الخدمات لساكنيها.

تحدث السوداني في مقابلته الأخيرة عن خطته لبناء "مدن"، وتوزيع بعض بيوتها على الفقراء مجاناً. هل هذا انجاز ام رشوة؟

إنه أيضا رشوة سياسية وبهرجة إعلامية أكثر مما هو انجاز أو حل لمشاكل الفقراء. فالسوداني حريص على "شكل إنجازه" وظهوره وكأنه هو بالذات من انجزه، اكثر بكثير من محتوى "الإنجاز". وهذا واضح من زيارته الشخصية لمستشفى الكاظمية لتفتيشها بنفسه بدل الاجراء المنطقي بتكوين فريق تفتيش مختص يشرف عليه الوزير (لكنه هنا لن يظهر في الصورة كثيرا). وكذلك استعراضه المخزي لكمية من الأموال على أساس انه قام باستردادها، ثم تسليمها شخصيا الى البنك امام التلفزيون – استعراض رخيص للغاية يثبت فيه انه محتال رخيص أيضا، وانه مستعد ان يجعل من نفسه اضحوكة من أجل شكل "الإنجاز" وليس الإنجاز نفسه.

"توزيع البيوت على الفقراء مجانا" هو واحد من هذه الاستعراضات الرخيصة. إنه طبعا مجرد "وعد" لم ينفذ وعلى الأكثر لن ينفذ الا ربما بشكل عدد رمزي، لكنه يؤدي وظيفته حتى حين يكون "مجرد وعد" وهذا ما يدركه مديري أوركسترا الطبالين للسوداني. وما يكشف زيف هذا الإنجاز هو حجم الوعد المستحيل التحقيق، وشدة لمعانه، وخطأه من الناحية العملية. فكم بيتا لكم فقير ستمنح؟ ولماذا هذا القفز الهائل من عائلة تسكن الصرائف، الى عائلة تملك بيتاً فجأة؟ امتلاك البيوت ليس أمرا سهلا ومن الحقوق الأساسية للإنسان، وأنا مثلا اسكن هولندا منذ عشرات السنين قضيت معظمها كمهندس حاسبات كشركة من شخص واحد، ولا املك بيتا ولا شقة، واعيش بالإيجار.

الطبيعي هو ان تبني بيوتا بسيطة قدر الإمكان للفقراء، ثم "تؤجرها" لهم بمبلغ بسيط، وان يكون سكنهم فيها مرهون بكونهم فقراء. فإذا صار لديهم ما يكفي من المال، أعطيت لمن هو افقر منهم، وهكذا؟

لماذا لا يفعل السوداني ذلك؟ لأنها عندئذ لن تملك بهرجة الإعلان، بأن السوداني "منح" الفقراء بيوتا! ولن يترك الجميع يحلم بأن القدر والحظ سيصله لكي يحصل على البيت! يعني كل الهدف من المشروع سيزول!

ماذا عن "تثبيت الآلاف من اصحاب العقود"؟ او تعيين آلاف الموظفين الجدد؟

لو كان هذا بفضل انشاء مشاريع انتاجية ناجحة مثل بعض المعامل او المزارع، لأمكننا اعتبارها "انجازا". أما تحشيد الموظفين بدون اية زيادة في الإنتاج فهو بدون شك رشوة غير امينة للناس، وعمل خبيث يعلم صاحبه ان نتائجه المستقبلية ستكون سيئة على البلد، لكنه لا يهتم! لكن كم هو عدد الموظفين المناسبين في كل شركة أو وزارة؟

طبيعي صعب تقدير هذا بدقة، لكن بعض الوزارات الإنتاجية تسهل الأمر. فلدينا إحصائية بالنسبة لوزارة الكهرباء مثلا، والتي يعتمد عدد موظفيها بشكل تقريبي على كمية الكهرباء المنتجة، وهو 2 ميكا واط لكل موظف وعامل.

لدينا اليوم بحدود 22 كيكا واط مع الاستيراد. واذا حسبنا الاستيراد مثل الإنتاج (وهو أقل بكثير)، يفترض ان يكون في وزارة الكهرباء اليوم 11 ألف موظف. فما هو عدد الموظفين الفعلي في وزارة الكهرباء؟

وزارة الكهرباء كان لديها 180 الف موظف في زمن حيدر العبادي. يعني أكثر من 16 مرة بقدر الرقم الطبيعي! وكان لديها 103 الف موظف بعقود! وقام الوزير لؤي الخطيب في زمن عبد المهدي بتثبيت هؤلاء فصار العدد في الوزارة اكثر من 280 ألف موظف! يعني كل 25 موظف يقومون بعمل موظف واحد! ولا ندري كم وصل العدد الآن وكم هي النسبة المخيفة التي وصلت اليها. وهكذا حال كل الوزارات والمؤسسات التي قام السوداني بتثبيت عقودهم!

فهل هذا "إنجاز" ام رشاوي تدمير للبلد ليقال عنه خوش آدمي؟ نعم ان من حق الناس العمل، لكن بأن تبني لهم مؤسسات إنتاجية وليس بإضافتهم الى جيش البطالة المقنعة التي تنهك الدخل الوطني، بكل انعدام ضمير. فإذا جاءت غدا ازمة أسعار نفط، لم يكن لديك رواتب لهم!

الصحيح ان تقدم الخدمات البسيطة أولا، كبناء المدارس قبل بناء الملاعب، وان تعبد الطرق المدمرة، قبل ان تتعاقد على "قطار طائر" لتبهر السذج وتدمر ثروة البلد. فلولا ثروة النفط التي حار الاحتلال واتباعه مثل السوداني بكيفية تبديدها قبل ان يبني الشعب العراقي بها بلده ومستقبله، لحلت كارثة في هذا البلد.

الصحيح هو ان تسعى الى ابعاد كل امريكي تستطيع ابعاده، عسكريا كان ام مدنيا، من البلد. فهم يستلمون رواتبهم وتصرف عليهم الأموال بهدف تدمير البلد ليس إلا. ومأبون من يدرك هذا ويصر على تسويقهم كأصدقاء وحلفاء وشركاء ليطيل خداع الشعب. إننا نعيش بفضل ثروة الأرض، وهم يعملون بجد لتنتهي هذه الثروة بأسرع وقت، وعندها سيدرك الجميع متأخرين أنها لم تكن إنجازات، بل رشاو لهم لتفويت فرصة بناء البلد وإنقاذ المستقبل. لكن البلد ربما يكون قد تحول إلى مسلخ يتذابح فيه عشرات الملايين من الجياع من اجل قوتهم.

***

صائب خليل

1 شباط 2023

 

لاشك في أن الملاحم التاريخية التي صنعتها الجماهير المغربية، والصور الحضارية الراقية والقيم الإنسانية التي مررها منتخبها الوطني خلال مشاركته في مونديال قطر، والإنجاز الكروي الكبير الذي حققه ببلوغه دور نصف نهائي كأس العالم قطر، كسابقة أولى من نوعها في تاريخ كرة القدم المغاربية والعربية والإفريقية، وغيرها كثير من العوامل المشرفة التي أشادت بها كبريات الصحف والقنوات الدولية، إلى جانب مشاركة أندية شهيرة عالميا- من قبيل فريق ريال مدريد الإسباني وفريق فلامينغو البرازيلي والأهلي وأوكلاند سيتي النيوزلندي وسياتل ساوندرز الأمريكي، والهلال السعودي والوداد الرياضي- هي من أهم العناصر التي ستساهم في إنجاح بطولة كأس العالم للأندية الذي يحتضنه المغرب، والتي ستشكل فرصة سانحة لأعداد كبيرة من عشاق كرة القدم في العالم، للتوجه نحو البلد الذي أبهرهم في مونديال قطر 2022، لمتابعة المباريات المختلفة النكهات، المغربية والعربية، والإفريقية، والأوروبية، والأمريكية التي ستنظم بملعبي الأمير مولاي عبد الله بالرباط وملعب طنجة الكبير، كما سيكون لها دور كبير في استقطاب أعداد السياح التواقين لاكتشاف ما يزخر به المغرب من مؤهلات سياحية كبيرة ومتنوعة، وما يحبل به من تاريخ ثري وحاضر يغري بالمعايشة، لما يتسم به أهله من حسن الاستقبال وكرم الضيافة، وما تنعم به أجواؤه من أمن واستقرار، يساعده على ذلك ما يمتلكه من بنيات تحتية متميزة، ووسائل نقل عصرية - كالقطار فائق السرعة " البراق"-  وموارد بشرية مؤهلة وقادرة على تنظيم و احتضان أحداث كروية قارية كبيرة، يحضرها عدد مهم من المنتخبات، كما هو الحال بالنسبة لكأس إفريقيا للأمم 2025 الذي ترشح المغرب لاستضافته،  الاستضافة التي شاع عبر مواقع التواصل الاجتماعي والفضائيات، وغيرها من وسائل الإعلام العالمية، أنه مستحق لها، وبجدارة، ضدا في منافسيه الذين لم يوفقوا في تنظيم بطولة إفريقيا للمحليين "الشان" الذي اتسم مند افتتاحه بالتنافي مع المبادئ الرياضية، وانتهاك نظمها الأساسية، بما تضمنته كلمة الافتتاح التي ألقاها المرتزق حفيد مانديلا من تهجم على السيادة المغرب، إضافة إلى هتافات الجماهير العنصرية المسيئة للرياضة، والتي اضطرت الإتحاد الدولي لكرة القدم “الفيفا”، لاستفسار الكونفدرالية الإفريقية للعبة، عن معايير اختيار الضيوف، وعن انخراط الأحداث التي رافقت "الشان" في الأمور ذات الطبيعة السياسية، والتي تستوجب على "كاف" فرض عقوبات على مرتكبيها، إتحاد كرة القدم الجزائري.

***

حميد طولست

طريقة الخصخصة مللنا ونحن نشرحها ونشجع الجميع عليها منذ أكثر من ثلاثة عقود وقلنا للجميع "رحبوا بالانفتاح الاقتصادي"أهلا وسهلا" بالاقتصاد الحر"أفسحوا الطريق ولا تحرمونا من "رؤوس الأموال الأجنبية"، نعم الكثيرين معارضين ورافضين بل ويعتبرونها خيانة عظمى لا تغتفر وأنا معهم لأن كلمة الخصخصة عند البعض "كلمة حق يراد بها باطل"، وأذكر عندما كنت سائح إلى أحد الدول العربية وجدت عدد من الشباب محتشدين وهم يرددون شعارات غاضبة وتوجهت إلى أحد الشباب لكي أعرف سبب تجمعهم، وإذ يجيبني بأن حكومته قررت بيع مصنع، جده كان يعمل به وأبيه وهو أيضا كان يحلم بأن يتوارث عمل جده وأبيه ويعمل بنفس المصنع، لكن الآن تم وضع المصنع في المزاد العلني.

نحن لا نطبق الخصخصة بتاتا، نحن نطبق أسلوب "التخلي عن المسؤولية "ونظام "إعلان الإفلاس" بحذافيره، ودعني أقدم نموذج المصنع الذي ذكرته في بداية موضوعي، حيث يجب على الدولة أن تبيعه بسعر مرتفع لكن ما يحدث في دول كثيرة وعندنا تحديدا يتم بيعه بسعر بخس للغاية أغلب الأحيان أقل من ربع سعره، وكذلك بعد البيع لا نخلق فرص عمل لمن كانوا يعملون في المكان الذي تم بيعه ويرمون للمجهول، كذلك بعد أن قمنا بالبيع بسعر بخس نجد أن الدولة تأخذ المبلغ لتصرفه كرواتب للموظفين لفترة قصيرة، أي أن المبلغ لم يتم استثماره لكي تعم الفائدة على الجميع .

***

بروفسور حسين علي غالب بابان

أكاديمي وكاتب مقيم في بريطانيا

العقل ينتصر على نفسه ويدفع بالأصل الإبداعي إلى مواطن الفرعية والتبعية والإذعانية لما أوجده.

فالبشرية بدأت عصر الذكاء الإصطناعي المذهل، الذي يعني أن الآلة ستقود البشرية وأجهزة الحاسوب تقرر وتستخلص النتائج وتحسم المواقف.

العقل البشري، إخترع أجهزة حاسوبية تتعلم أسرع منه، وأكثر دقة وقدرة على هضم المعلومات وتمثلها، والخروج بمقترحات وتوصيات بموجبها.

هذه الأجهزة عندما تنطلق في مسيرة التعلم، فأنها تتفوق على العقل وتدفع به إلى زوايا الصمت والقنوط.

فالعالم المقبل، سيكون مسيرا بالحاسوبات الذكية، التي ستدير معظم مفاصل الحياة، وبسبب ذلك سيضمر دماغ البشر، وسيصغر حجم رأسه مع توالي القرون.

فالبشر سيمتلك رؤوسا أصغر من الرؤوس التي إعتدنا عليها، وقدرته على التفاعل مع محيطه ستكون من خلال أجهزة الحاسوب الذكية، التي ستقرر له ما تراه وهو الذي يتبع.

ويمعنى أوضح، أن البشر سيكون مستعبداً بالذكاء الإصطناعي ومسيّراً بموجب معطياته.

قبل أعوام قال لي أحد الزملاء من بلاد الإختراعات المذهلة، أن البشرية ستستغني عن عقلها، فهي تصنع عقولا ذات قدرات لا محدودة؟

قلت: هذا خيال علمي

قال: سننتظر، وربما سنرى ذلك في حياتنا

كان هذا الحديث في نهاية القرن العشرين، وبدت علائم الإستغناء عن العقل في الربع الأول من القرن الحادي والعشرين، فإلى أين المسير؟

إنها مغامرة العقل للإنتصار على العقل!!

***

د. صادق السامرائي

22\10\2022

 

عند استلامي أول راتب في حياتي الوظيفية وكان في نهاية شهر أيلول سنة 1973م قصدت سوق السراي الذي كان يعج بالمكتبات القديمة، واستوقفني في أحدى المكتبات كتاب (تاريخ الأدب العربي) لمؤلفه حنا الفاخوري، وتصفحته فأعجبني جداً، فسألت البائع عن سعره؟ فأجابني: عشرة دنانير!! وهو ثمن باهظ جداً بالنسبة لي يومذاك!!

كان راتبي الشهري ثلاثة عشر ديناراً فقط!! إذ كنت عاملاً بسيطاً في الشركة العامة لصناعة الحرير براتب ضئيل؛ وقد حصلت على عملي هذا بعد بحث طويل ودوران متعب بين الدوائر والشركات والمعامل في المدن القريبة من دون جدوى؛ إذ كانت سنة تقشف بعد إعلان تأميم النفط (1973م)، وكنت محارباً من الدوائر الأمنية لانتمائي قبلها إلى جهة سياسية معارضة (أنا نادم الآن على كل حياتي السياسية في شبابي أشد الندم!!)، لذا وافقت على هذا العمل الشاق والراتب الزهيد بسرور بالغ لتأمين لقمة عيشي وإكمال دراستي!!

أعود لقصتي مع كتاب حنا فاخوري، إذ بعد لحظات من تقليبي له تذكرت أن في جيبي عشرة دنانير فقط، وهي تعادل سعر هذا الكتاب فقط!! إن دفعتها وأفرغت جيبي منها!! فكيف سأعود لمدينتي المسيَّب؟! ولو افترضت عودتي ماشياً بقناعة وطيب خاطر لأكثر من ستين كيلومتراً من أجل هذا الكتاب!! فكيف سأتدبر مصروفي الشخصي لشهر كامل وهو أمر مستحيل!!

لاحظ صاحب المكتبة حيرتي من خلال ما ارتسم على وجهي من حرج!! وهو رجل كبير وخبير بعمله وقراءة وجوه المرتادين لمكتبته يومياً فقال: هل تعرف يا أبني ما هي مشكلتنا في بيع الكتب؟! فنظرت إليه صامتاً وبخجل!! فواصل الكلام: أغلب من يحبون الكتب ويقبلون عليها ويتمنون قراءتها هم من الفقراء والعاجزين عن شرائها!!

وصدق الرجل في كلامه!! فأغلب محبي الكتب وقرائها - كما رأيت - من الفقراء المعوزين !! أما أغلب الأغنياء فهم يعيشون في عالم آخر، ويهيمون عشقاً بمقتنيات لا صلة لها بالثقافة وتفاصيلها!!

أعدت الكتاب بهدوء وحزن واضح إلى مكانه، وغدرت المكتبة بصمت وألم مودعاً صاحبها وشاكراً له على صبره وحكمته البالغة التي لم تغادرني طوال العقود الماضية، وكانت درساً بليغاً لي ..

وتكملة لهذا الموقف أقول ظلت صورة كتاب حنا فاخوري (تاريخ الأدب العربي) حلماً جميلاً في مخيلتي، حتى إذا وجدته بعد سنوات وقد تحسنت الحال المادية معروضاً بنسخة نظيفة جداً في إحدى مكتبات شارع المتنبي، فاندفعت لاقتنائه مسرعاً والحصول عليه بلهفة قبل أن أسأل عن سعره!! وكان سعره الجديد ضعف السعر السابق!! فحملته بفرح كبير لا يوصف من دون أي انتظار أو مراجعة أو مماكسة للسعر، واستعدت صورة موقفي الأول الذي لم يغب عن بالي إلى الآن!!

***

جواد عبد الكاظم محسن

 

طلب زميل عزيز أن أشرح له كيف تحول سامي العسكري إلى "كسينجر العراق" بعد أن صدر قرار تعيينه بمنصب المستشار السياسي لرئيس الوزراء. ياعزيزي؛ إن الدولة مصرة بجميع فروعها على مواصلة مسلسل "التسالي مع المواطنين" على أساس أن مجلس النواب لم يصادر حق أحد من المواطنين في أن "يتسلى"، بدليل أن النواب تركوا أزمة ارتفاع سعر الدولار وانشغلوا بصورة ناهدة الدايني الجديدة والتي تسعى من خلالها منافسة عالية نصيف، ولأن موجة جديدة من الكوميديا السياسية لا تزال تضرب العراق صباح كل يوم، فقد قرر النواب الأفاضل تكريم النائبة الدايني بتعيينها رئيساً للجنة منظمات المجتمع المدني. يمكنك عزيزي القارئ أن تضع معظم قرارات مجلس النواب في خانة التسالي، طبعاً هذا الكلام لا يعد انتقاصاً من جهد السادة النواب في إطلاق التصريحات التي تعيد عجلة التطور في العراق سنوات وسنوات إلى الوراء.

إسمحول لي بأن أترك سامي العسكري وتقلبات النواب، وأتحدث عن كاتب أميركا اللاتينية الشهير ماريو فارغاس يوسا والذي تم اختياره عضواً في الأكاديمية الفرنسية، ربما يقول البعض؛ يارجل تترك شخصية بوزن وحجم عزت الشابندر وتكتب عن الأكاديمية الفرنسية؟، ياسادة المثير في الخبر أن الكاتب الكولومبي وجه الدعوة لملك أسبانيا السابق خوان كارلوس، ليشاركه الاحتفال، والمثير الذي علينا أن نعرفه أن الملك الأسباني السابق كان قد تعرض لمشاكل مع الصحافة اتهمته فيها بتهربه من الضرائب واطلاق نار على فيل، فقرر أن يغادر أسبانيا بعد أن صفّى حساباته مع هيئة الضرائب والعدالة الأسبانية. اتمنى ان تعرف ان اطلاق نار على فيل وتهرب من الضرائب كانا السبب في منع كارلوس من المبيت ثانية في القصر الملكي، اطلاق النار على فيل وليس قتل ٧٠٠ متظاهر. يتذكر يوسا أنه عندما حصل على الجنسية الأسبانية عام 1993، اتصل به الملك خوان كارلوس في الثامنة صباحاً ليعرب له عن سعادته "لأني صرت من رعاياه". إياك عزيزي القارئ أن تظنّ أنّ "جنابي" يهدف إلى السخرية من جنابك، لأنك حتماً ستقول: ما لنا ومال يوسا وملك أسباني "والدولار" الإمبريالي يحاصرنا من جميع الجهات؟.. تعرف "جنابك" أن الديمقراطية العراقية تقضي بأن يبقى المواطن العراقي متفرجاً، فيما جميع الساسة شركاء، يضمن كلّ منهم مصالح الآخر، حامياً لفساده، مترفّقاً بزميله الذي يتقاسم معه الكعكة في السرّاء والضرّاء..

يلعنُ ساستُنا الفساد على شاشات الفضائيات صباحاً، لكنهم يجلسون معه مساءً في الغرف المغلقة، ولا أعتقد أن القارئ العزيز بحاجة إلى أن أعيد لملك أسبانيا الذي سحبت منه الامتيازات الملكية.

ولأنّ التغريدات والتصريحات هي المتحكم الرئيس في كل حياتنا فيصعب أن نعثر على قرار واحد يدين احد حيتان الفساد، فالديمقراطية العراقية تتساهل مع الزعماء، وتلاحق شباب الاحتجاجات.

***

علي حسين

الطغيان في اللغة مجاوزة الحد والعصيان، فكل شيء جاوز القدر فقد طغى.

وطغى البحر: هاجت أمواجه. وطغى السيل: إذا جاء بماءٍ كثير.

 "ونذرهم في طغيانهم يعمهون" "فأما ثمود فأهلِكوا بالطاغية" " إنا لمّا طغى الماء" الحاقة 11.

وعندما نعرّف الطغيان بالمفردات النفسية والسلوكية، فأنه يعني الفعل الظالم الناجم عن فقدان الأمان.

فالطاغية يكون في موقف محكوم بخيارين، فأما المواجهة أو الفرار، وتتغلب فيه حالة المواجهة على الفرار، لأن نتيجة الفرار قاسية وصعبة وخالية من الحوافز والمسوغات ولا تحقق الرغبات.

فالمواجهة رغم صعوباتها لكنها ذات محفزات ومعززات لا محدودة، تدفع بالطاغية إلى الإمعان بسلوكه الإستبدادي حتى النهاية.

وكأنه في سباق نحو الهاوية، وكل ما يقوم به ويفكر به ويقرره، من أجل إطالة مسافة السباق وحسب.

فالطاغية ليس غبيا أو جاهلا، وإنما يتمتع بقدر متميز من الذكاء الذي يسخره لمشروع إطالة مسافة سباقه وصراعه مع الآخرين، الذين يمنحهم المواصفات والمسميات التي تبرر محقهم والفتك الفظيع بهم.

ومنبع السلوك الطاغي فقدان الأمان الداخلي، ومعظم الطغاة فقدوا هذا الشعور في طفولتهم، وصار الشك والتوجس والخوف والظن بالسوء معيار سلوكهم.

فإن كانوا في عائلة فأن سلوكهم الطغياني يتكشف، وإن كانوا في دائرة أو منصب حكومي أو سياسي سيكون تعبيرهم أوضح.

وكلما إمتلك الشخص قوة أكبر إنطلقت آلياته الدفاعية، المنبثقة من بركة عدم الشعور بالأمان المتأسنة في أعماقه.

وتبدو حالة عدم الشعور بالأمان كالدملة المملوءة بالأقياح، والتي تريد الإنفجار وإطلاق ما فيها من الصديد.

وبعض العلماء والباحثين يرى أن العلاقة قوية ما بين الشخصية السادية والطغيان البشري، وآخرون يحسبونه تعبيرا عن المشاعر الشريرة الدونية الغابية الكامنة، وغيرهم يرى أنه من إنتاج النرجسية الفاعلة في السلوك، والتي تسببت فيها الطفولة المحرومة من الأمومة والشفقة وتقدير المشاعر والأحاسيس، أو الطفولة المهملة والمنبوذة.

وفي واقع السلوك الإستبدادي أنه إستجابات لمنبهات خارجية تدركها آليات الشك والخوف والحذر، وتمعن في رد فعلها العنيف عليها، حتى أن بعضهم يتملكه الشعور بأنه يعرف أعداءه من نظراتهم وملامح وجوههم، وفي هذا إمعان بالشك والبرانويا الوهمية، التي تدفع إلى إجراءات تعسفية قاسية ومرعبة.

ولهذا فأن الطغاة يفتكون بأقرب الناس إليهم، ولا يوجد في عرفهم وفاء أو صداقة، وإنما كل الآخرين أعداء ويتحينون الفرصة للفتك بالطاغية، ولهذا فعليه أن يتغدى بهم قبل أن يكون على مائدة عشائهم.

ومن رؤى الطغيان وتفسيرات سلوكه أن البشر إذا وضع في مجاميع تتنافس على مصادر قليلة، فأن التفاعل فيما بينها سيكون فتاكا ومبررا للفظائع والمجازر والجرائم المرعبة.

وفي واقع ما يدور هو إستحضار آليات الغاب وتأكيدها، والعمل بموجبها للوصول إلى ذروة الوحشية والإفتراس الشرس للآخرين.

وما يقوم به الطغاة المعروفون من أفعال لا يمكن التصديق بها، إذا حسبناهم من البشر، ولا بد من وضعهم في خانة أخرى، ونتصور بأنهم يظهرون كالبشر، لكن سلوكهم لا يمت بصلة إلى آدميتهم أو بشريتهم، وكأنهم مخلوقات أخرى بهيأة آدمية.

فالتصرفات الوحشية الإفتراسية التي يقوم بها الطغاة العتاة، لا يمكن للخيال أن يتصورها، ولا يتمكن عقل إنساني من إستيعابها والتصديق بها، والتاريخ يزدحم بشواهدهم المروعة.

وما بقيت المجتمعات في دوامة الحاكم والمحكوم فالطغيان يدوم!!

***

د. صادق السامرائي

 

حينما كتبت الصحفية الكندية الشهيرة نعومي كلاين كتابها المعروف: عقيدة الصدمة الذي تحدثت فيه عن صعود رأسمالية الكوارث التي تقوم على استغلال كارثة سواء كانت انقلابا ام هجوما ارهابيا ام انهيارا للسوق ام حربا ام إعصارا من اجل تمرير سياسات اقتصادية واجتماعية يرفضها السكان في الحالة الطبيعية... كان تحليلها صائبا وقائما على وقائع سابقة لكن ما لم يدر في بالها ان تستخدم هذه العقيدة المدمرة ضد حلفاء الرأسمالية ذاتهم.

تقول في كتابها نقلا عن كينز عالم الاقتصاد الشهير الذي يقول: "ما من وسيلة أدق او اضمن لقلب ركيزة المجتمع القائمة غير الحط من قيمة العملة، فهذه العملية توظف كافة القوى الخفية في القانون الاقتصادي لصالح التدمير"، وهو بالفعل ما يجري في ايران وسوريا ولبنان واليمن حاليا لانها خارج اطار المحور الامريكي ومقاومة له.

لكن السؤال الذي يطرح نفسه: لماذا حرب العملة مع العراق؟ وهو حليف الولايات المتحدة الامريكية والذي تفتخر دائماً بانها من صنعت الديمقراطية فيه منذ إسقاط النظام عام ٢٠٠٣، هل السبب وصول حكومة السوداني وقيادات الاطار التنسيقي الذين تتهمهم امريكا بانهم موالين لإيران ام انها استكمال لستراتيجية تدمير الهلال الشيعي من طهران الى بيروت مرورا ببغداد ودمشق.

لا يمكن ان تفسر ضغوط وزارة الخزانة والبنك الفيدرالي الامريكي وإجراءاتهم القاسية الا بانه استهداف للعملة العراقية وتحضير لزلزال او تسونامي جماهيري يعصف بكل شيء برعاية وتخطيط خارجي، قد يقلب كل الموازين لا سامح الله اذا لم تنتبه الحكومة العراقية وتعمل بشكل جدي لدعم الشرائح البسيطة والمهمشة باسلوب الاشتراكية التي بادت لا باسلوب الرأسمالية التي سادت لان خيوطها بيد صانعيها ولن تجدي نفعا ولن تغني او تسمن من جوع لاحد؛ ما دام الفساد قائما في الدولة والسوق.

***

جواد العطار

في أثناءِ ثورةِ ينايرَ ازدحمَ المشهدُ بالنخبِ والساسةِ منْ كلِ الإتجهاتْ، وتصارعَ الكلَ في تجميلِ صورتهِ، أنهمْ كانوا جميعا ضحايايُ النظامَ، بما فيهمْ منْ عملٍ معَ النظامِ سرا وعلنيةً " وخرجَ علينا منْ قدمَ استقالتهُ على الهواءِ أثناء الأحداث في الميادين، منْ التنظيمِ السياسيِ للنظامِ، فقدْ عاشتْ الجماهيرَ العربيةَ البسيطةَ الحلمَ الجميلَ، واستيقظتْ منْ كابوسٍ على الواقعِ المرِ، للأننا لمْ نتعلمْ جميعا معنى كلمةِ الوطنيةِ لدينا الأنانيةُ " الأنا والأنا العليا " فالكلّ وضع صورِ الجماهيرِ في الميادينِ خلفَ صورتهِ واستعرضَ أمامَ البرامجِ " التوكْ شو " أنهُ القائدُ والمنقذُ والثوريَ والملهمَ ' ' لمْ نتعلمْ شيئا حتى منْ أعدائنا ' وبدأَ الكلُ يستعرضُ عضلاتهِ أمامَ شاشاتِ التلفزةِ. وبدأتْ وصلاتٌ منْ الردحِ والبطولاتِ الوهميةِ، وتركوا الميادينَ للصراعِ على السلطةِ والكراسيِ، والوعودُ كلُ يومِ ارفعْ رأسكَ يا أخي ولمْ يعلموا أنَ السقفَ لهُ سيفٌ سيقطعُ كلَ الرؤوسِ، وأنَ الثورةَ الفرنسيةَ ظلتْ 70 عاما حتى حكمتْ، وأنَ مزاجَ الشعوبِ مزاج متغيرٍ حسبَ الواقعِ فقبلَ شهورَ وقفِ الشعبِ الفرنسيِ أمامَ القصرِ الملكيِ في عيدِ جلوسِ الملكِ يعطي التحيةَ ويحتفلُ بجلوسهِ على العرشِ وبعدَ قيامِ الثورةِ بشهورِ وقفِ الشعبِ يهتفُ في نفسِ الميدانِ بإعدامِ الملكِ، لقدْ كثرتْ البطولاتُ الوهميةُ أمامَ قصةٍ حقيقيةٍ لرجلٍ ظهرَ في شوارعَ بيروت الغربيةِ أثناءَ الحربِ الأهليةِ وكانَ يتنقلُ في بعضِ شوارعَ بيروت متسول، رث الثيابِ، كريه الرائحةِ، وسخُ الوجهِ واليدينِ حافي القدمينِ، أشعث شعرَ الرأسُ واللحيةُ، وهوَ فوقَ ذلكَ أبكمُ (أخرس)، لمْ يكنْ يملكُ ذلكَ (المتسولَ الأخرسْ) سوى معطفْ طويلٍ أسودَ بائسٍ ممزقٍ قذرٍ يلبسهُ صيفا وشتاءً ؛ وكانَ بعضُ أهلِ بيروت يتصدقونَ على ذلكَ (المتسولَ الأخرسْ)، وكانَ عفيفٌ النفسِ إلى حدٍ كبيرٍ، وكانَ دائمٌ البسمةِ، مشرقُ الوجهِ، مؤدبا لطيفا معَ الصغيرِ والكبيرِ. لمْ يكنْ لهُ اسمٌ يعرفُ بهِ سوى: الأخرسْ... لمْ يشتكِ منهُ أحد، فلا آذى إنسانا، ولا اعتدى على أحدٍ، ولا تعرض لامرأةٍ، ولا امتدتْ يدهُ إلى مالِ غيرهِ، ولا دخل إلى بناءٍ لينامَ فيهِ، فقدْ كانَ يفترشُ الأرضَ، ويلتحفَ السماءَ. سنواتٌ كانتْ الحربُ الأهليةُ الطاحنةُ ما زالتْ مشتعلةً، وكانَ الحديثُ عنْ ظروفِ الاجتياحِ. ودخلَ الجيشُ الإسرائيليُ بيروت، واجتاحها، وعانى أهلُ بيروت منْ القصفِ الوحشيِ والقنصِ المخيفِ والقذائفِ المدمرةِ، واستغرقَ ذلكَ عدةَ أشهرٍ، بينما كانَ (المتسولُ الأخرسْ) غيرُ عابئٍ بكلِ ما يجري حولهُ، وكأنهُ يعيشُ في عالمٍ آخرَ. ولأنَ الحربَ تشبهُ يومَ القيامةِ { لكلِ امرئٍ منهمْ يومئذٍ شأنٌ يغنيهِ} فلمْ ينفعْ تنبيهُ بعضِ الناسِ (للمتسولِ الأخرسْ) عنْ خطورةِ وصولِ الجيشِ الإسرائيليِ إلى تلكَ الشوارعِ والأزقةِ التي كانَ يتجولُ فيها وينامُ على قارعتها في بيروت الغربيةِ. ومعَ اشتدادِ ضراوةِ الحربِ ووصولِ طلائعِ الجيشِ الإسرائيليِ إلى بيروت الغربيةِ يئسَ الناسُ منْ (المتسولَ الأخرسْ)، فتركوهُ لشأنهِ، ووقف بعضهمْ عندَ زوايا الطرقِ وأبوابِ الأبنيةِ يراقبونَ مصيرهُ. وتقدمتْ جحافلُ الجيشِ الإسرائيليِ واقتربتْ منْ (المتسولَ الأخرسْ) عربةً عسكريةً مصفحةً تابعةً للمهماتِ الخاصةِ، وترجلَ منها ثلاثةُ ضباطٍ، واحدا برتبةَ مقدمٍ، واثنانِ برتبة نقيبٍ، ومعهمْ خمسةُ جنودٍ، ومنْ ورائهمْ عدةُ عرباتٍ مدججةٍ بالعتادِ، مليئةً بالجنودِ. كانتْ المجموعةُ التي اقتربتْ منْ المتسولِ _ الأخرسْ يحملونَ بنادقهمْ المذخرة بالرصاصِ، ويضعونَ أصابعهمْ على الزنادِ، وهمْ يتلفتونَ بحذرِ شديدٍ. كانَ الجوُ رهيبا، مليئا بالرعبِ، والمكانُ مليءٌ بالجثثِ والقتلِ ورائحةِ الدمِ، ودخانَ البارودِ تنبعثُ منْ كلِ مكانٍ. تقدموا جميعا منْ (المتسولَ الأخرسْ)، وهوَ مستلقٍ على الأرضِ، غيرَ مبالٍ بكلِ ما يجري حولهُ، وكأنهُ يستمعُ إلى سيمفونيةِ بيتهوفنْ (القدرُ يقرعُ البابُ). وعندما صاروا على بعدَ خطوتينِ منهُ انتصبَ قائما، ورفعَ رأسهِ إلى الأعلى كمنَ يستقبلُ الموتُ سعيدا، رفعُ المقدمِ الإسرائيليِ يدهُ نحوَ رأسهِ، وأدى التحيةَ العسكريةَ (للمتسولِ الأخرسْ)، قائلاً بالعبريةِ: باسمِ جيشِ الدفاعِ الإسرائيليِ أحييكمْ سيدي الكولونيل العقيدَ وأشكركمْ على تفانيكمْ في خدمةِ إسرائيلَ، فلولاكمْ ما دخلنا بيروت! رد (المتسولَ الأخرسْ) التحيةِ بمثلها بهدوء، وعلى وجههِ ذاتِ البسمةِ اللطيفةِ، وقالَ مازحا بالعبريةِ: [ لقدْ تأخرتمْ قليلاً، وصعدَ العربةَ العسكريةَ المصفحةَ وتحركتْ العربةُ المصفحةُ وخلفها ثلاث عرباتِ مرافقةٍ، تاركةً في المكانِ كلَ أنواعِ الصدمةِ والذهولِ، وأطنانا منْ الأسئلةِ، كانَ بعضُ المثقفينَ الفلسطينيينَ ممنْ يتقنونَ العبريةُ قريبينَ منْ المكانِ، وكانوا يسمعونَ الحوارُ، وقدْ ترجموا الحوارُ، لكنهمْ عجزوا عنْ ترجمةِ وجوهِ الناسِ المصدومةِ منْ أهالي تلكَ الأحياءِ البيروتيةِ التي عاشَ فيها الجاسوسُ الإسرائيليُ المتسولُ الأخرسْ سنواتٍ ليعلمنا هذا الجاسوسِ كيفَ نعيشُ منْ أجلِ إسعادِ وأمنِ الآخرينَ، ويعلمَ كلُ العربِ التضحيةِ منْ أجلِ شعبِ بإرادتهِ سنواتٌ على الأرصفةِ متسول. وكريةُ الرائحةِ وقدْ اعترفتْ السيدةُ (لأفي) التي تولتْ حقيبةَ الخارجيةِ في إسرائيلَ أنها مارسهُ علاقاتٍ غيرَ شرعيةٍ معَ أمراءَ ومسئولينَ عربٍ وساسةٍ منْ أجلِ المصلحةِ العليا لإسرائيل أثناءَ ماكنتْ تعملَ مربيةً في فرنسا وإنجلترا في بيوتِ ساسةِ عربٍ. أثناءَ عملها في جهازِ الموساد وبررتْ ذلكَ منْ فتوى لحاخامٍ إسرائيليٍ لمصلحةِ الوطنِ ؛ وللأسفِ في أخطرِ مرحلةٍ منْ الحراكِ الثوريِ تناحرنا معَ بعضِ وأصبحنا مثل قبائلَ الأوسْ والخزرجْ نقاتل بعضنا منْ شارعٍ إلى شارعٍ لنعيشَ سنواتِ " التيهِ " باسمٍ الوطنيةِ المزيفةِ منْ قبلٌ أمراءِ الحربِ في سوريا واليمنِ وليبيا ومنْ تجارِ النهبِ والسرقةِ والخرابِ في بلدانِ الخريفِ العربيِ الذي تساقطَ أوراقهُ قبلَ دخولهِ مبيت شتويٍ طويلٍ!! "

***

بقلمً: محمدْ سعدْ عبدِ اللطيفْ - مصرَ

كاتبٌ وباحثٌ مصريٌ في الجيوسياسيةِ

 

نفير المقاومة في ظل المواجهات مع الاحتلال الإسرائيلي يطغى على كل الخيارات، وصوته المجلجل أشد وطأة على كيان الاحتلال الطارئ من ثرثرة الساسة المتمترسين خلف الحلول السلمية ومخرجاتها من اتفاقيات عقيمة وعلى راسها اوسلو.

فنفير المقاومة ليس حالة طارئة ضحلة ؛ بل بئر عميقة متصلة بالتاريخ ومتخمة بالحجج القانونية والتاريخية والإنسانية وفيها ما يخطف الأبصار وينعش الضمائر ويتملك القلوب ويمنحها الاستقرار ويؤجج في أعماقها الأمل بالنصر المبين، مقابل ما تنتجه من رهاب مزمن يهز قلوب الصهاينة المتحجرة ويفند مزاعمهم الأسطورية بدءاً من حقهم المزعوم بفلسطين وأكذوبة أنهم ضحية تاريخية وأن جيشهم لا يقهر وجبهتهم الداخلية متماسكة وقد خابوا خاسرين.

فعملية كالتي نفذها الشاب الفلسطيني خيري علقم في القدس ما هي إلا رسالة مخضبة بالدماء الزكية تتضمن كل ما قلناه آنفاً. وتثبت للعالم بأنه لا يموت حق وراؤه مطالب، وبعدما يتعب الذئب من العواء الذي لا يجدي نفعاً ستباغته الهزيمة لأن صاحب الحق لا ينام على ضيم.. افلا يعقل المتغطرسون!

هذا مدخل يأتي بحجم مهابة عملية القدس الأخيرة كونها جاءت كفاتحة المواجهة مع أكثر الحكومات الإسرائيلية تطرفاً، والتي نفذها الشهيد خيري علقم مساء الجمعة 27 يناير الجاري في قلب الحي الاستيطاني "النبي يعقوب" شمالي القدس المحتلة، وأصاب نحو 12 شخصاً توفي 8 منهم على الفور، وعملية سلوان التي أعقبتها وتسببت بمقتل إسرائيليْن من بينهما ضابط إسرائيلي كان في إجازة، إذ تجدر الإشارة إلى السبب المباشر لحدوث العمليتين والمتعلق باجتياح مخيم جنين الأخير الذي تسبب بارتقاء 8 شهداء أبرار.. حيث اتهم جيش الاحتلال الإسرائيلي المقاومين الفلسطينيين الذين تمركزوا في إحدى البنايات "بالتورط في تخطيط وتنفيذ عمليات إرهابية كبرى عديدة ضد مدنيين وجنود إسرائيليين (وفق تعبير البيان)" مع أن الشواهد تؤكد العكس تماماً، أي أن سلسلة العمليات الأخيرة كانت فردية، فعملية القدس الأخيرة خير مثال على ذلك فهي جاءت بمبادرة مستقلة من شاب حرّكه الشعور بالظلم الذي لا يكترث به العالم بمكاييله المزدوجة، على اعتبار أن الاحتلال بحد ذاته هو المحرك الرئيس للمقاومة بكل اشكالها.

هنا تكمن خطورة العمليتين وما سبقهما حيث أن جميع منفذيها لا ينضوون تحت راية أي تنظيم فلسطيني وعملياتهم ارتجالية الطابع لكنها بالمقابل محكمة التنفيذ وتنم عن طبيعة من يقف وراءها من شباب يؤمنون بقضيتهم في إطار المقاومة كخيار استراتيجي، ولا يؤمنون بالسياسة التي أجْهِظَتْ عبر عقود من التنازلات قدمتها سلطة اوسلو ما جعلها تردّ على عدوان جنين الأخير رداً جاء متأخراً؛ بوقف التنسيق الأمني المهين في سابقة يمكن احتسابها لسلطة فاشلة عودت الشعب الفلسطيني على التنازلات وخاصة أنه قرار اتخذ في ظل سلطة يمينية يقودها نتنياهو.

نعم.. العمليتان الأخيرتان وفق كل الأعراف تمثلان شكلاً من أشكال الدفاع عن الشعب الفلسطيني بعيداً عن الأجندات السياسية.

فمنذ بداية الشهر الجاري فقط، قتل ما لا يقل عن 29 فلسطينياً (بينهم مسلحون ومدنيون ) على أيدي القوات الإسرائيلية في الضفة الغربية.

وفي العام الماضي، لقي في الضفة الغربية ما لا يقل عن 150 فلسطينياُ مصرعهم، جميعهم تقريبا بأيدي القوات الإسرائيلية.

وفي المقابل، لقي نحو 30 إسرائيلياً (مستوطنون مسلحون ومنهم جنود يقضون إجازاتهم) مصرعهم على أيدي مهاجمين فلسطينيين بواسل في سلسلة من العمليات خلال العام الماضي.

وكدأبها فقد سارعت السلطات الإسرائيلية إلى الدفع بتعزيزات أمنية وإغلاق المنطقة، كما أغلق جيش الاحتلال الحواجز العسكرية التي تربط القدس المحتلة بشمال الضفة الغربية وجنوبها.

من جهته، قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إن حكومته قررت اتخاذ إجراءات فورية ردا على هجوم القدس، وقد عقدت الحكومة اجتماع أمني مصغر،يوم أمس السبت.

وهرع وزير الأمن القومي الإسرائيلي المتطرف إيتمار بن غفير وتبعه رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو إلى موقع الهجوم وسط إجراءات أمنية مشددة وقد أصيبا بالذهول.

واستقبلهما جمهور إسرائيلي غاضب بهتافات "الموت للعرب" ما يعكس خوفهم من المستقبل الذي يتمنى الإسرائيليون خلوه من الفلسطينيين وقد خابت رؤيتهم العنصرية، لذلك هتفت حناجرهم محرضة الحكومة على تنفيذ خطوات انتقامية واسعة ضد الفلسطينيين، مستنكرين أن يقع هذا الهجوم خلال ولاية هذه الحكومة الأكثر تطرفاً حيث استحوذت على ثقتهم فخيبت آمال الذئب بالغنم.

من جانبه، توعد بن غفير برد قوي وبتغيير قواعد إطلاق النار لدى قوات الأمن الإسرائيلية.. أي أنه يؤمن بالمبادرة بالقتل والقصف دون إبداء الأسباب غير مدرك بأن المقاومة لديها الوسائل الممكنة لضبط الأمور وفق ساعتها.

ويرى مراقبون بأن طبيعة الرد اللإسرائيلي على المدى القصير سيتخذ طابعاً تقليديا من خلال الاقتحامات المتكررة للضفة الغربية وعلى راسها مدينتي جنين ونابلس، واعتقال الفلسطينيين والتنكيل بهم، ومنح المستوطنين هامشاً أكبر لقتل الفلسطينيين والاعتداء على أراضيهم وتوفير الحماية القضائية لهم، وربما قصف غزة وفق مبدأ تغيير قواعد الاشتباك مع المقاومة التي باتت موحدة.

أما على المدى البعيد استراتيجياً فتنفيذ أجندة نتنياهو في الضفة الغربية من خلال تقسيمها أمنيا ً وإدارياً وتهميش سلطة أوسلو .

وهذا يذكرنا بصفقة القرن التي ما تزال تعشش في عقل نتنياهو العنصري جامعاً فيها بين تسويق الاحتلال الإسرائيلي عربياً في سياق الاتفاقية الإبراهيمية وغلق ملف القضية الفلسطينية إلى الأبد تحت شعار سياسة الأمر الواقع.

وفي هذا السياق يبدو بأن حكومة نتنياهو مصابة بالعمى والصمم كونها لم تدرك بعد بأن المقاومة الفلسطينية الموحدة والمتماسكة أشد عناداً في سعيها اللحوح لانتزاع حقوق الفلسطينيين المهدورة.

***

بقلم بكر السباتين

29 يناير 2023

 

تتنكر للآيات المسطورة على جبينك، وتتحايل على المعرفة المحفورة في صدرك، وتتغافل عن القيم النبيلة التي نقشتُها على صفحة مسيرتك، وتسألني يا سيدي مفتخرا بكرسيك، ومزهوا بعباءتك السوداء الموشاة بالحزام الأخضر:

- من تكون أيها الماثل أمامي؟

فأجيبك والدمع البلوريُّ يتلألأ في عينيّ:

- أنا مواطن مغربي من الدرجة الثانية.. عفوا سيدي؛ ما أنا إلا متهم.

تحك رأسك الصلعاء وتتمايل في كرسيك، ثم..ثم تسترسل في بسط أسئلتك المسكوكة المكرورة:

- أنت متهم بإهانة موظف أثناء مزاولة عمله و..

- عفوا سيدي القاضي، كيف تتهمني بالإهانة وأنت تعلم، والله أعلم إن كنت تعلم فنسيت، أني منذ ولدت وأنا أرتع في الإهانة.. بل في الإهانات.

تنظر إلى زملائك الرابضين جانبيك، فتسألني مستوضحا:

- فصّل كلامك على قدر المقاسات المتاحة لك.

وأجيبك مفصلا:

- أهنت منذ ولدتُ في بقعة هامشية معدومة من كل شيء: أهنت في كرامتي لأن لا بيت يأويني، وفي المدرسة لأن البرد القارس والمطر الموجع يفترسانني، وفي الشارع لأن إسفلته أكل قدميّ الحافيتين، وفي المقاطعة والجماعة والمستشفى.. لأني لم أجد من يعطيني هوية محددة، ولا اسما يليق بي؛ فسميتُ نفسي، منذ نعومة أظافري، مواطنا من الدرجة الثانية..

- ولكنك درست ونجحت، والآن صرت أستاذا..!

- وهذه خطيئتي يا سيدي؛ لأني اخترت أن أكون أستاذا مربيا للأجيال..

- وما يضيرك في هذه المهنة الشريفة.. مهنة الأنبياء والرسل؟

تذرف عيناي مجددا، وأجيب بحيرة:

- كانت مهنة شريفة حين كان المجتمع يشرف صاحبها، ومهنة الأنبياء والرسل حينما كان صاحبها يحترفها دون خوف من الرفس والسحل والسباب والسجن..

- لا أحد حملك على ارتكاب هذه الأفعال والسلوكيات المنسوبة إليك..

- كلا سيدي القاضي؛ بل حملتني الكرامة على الخروج إلى الشارع، وعبوره طولا وعرضا في سبيل كرامتي..

- نحن هنا لسنا في مقام سماع تأوهاتك وشكواك..

- نعم سيدي، لا وقت لديكم ولا سعة صدر لتسمعوا شكواي، ولكنّ ورائي قوما آخرين يتعذبون كما أتعذب، ويقاسمونني همومي وتوجعاتي..

- لا شأن لنا بهم.. قل لنا رأيك في ما نسب إليك.

- إني حزين سيدي: حزين على نكرانك جميل من علمك وثقفك حتى بلغت ذاك المقام.. حزين على وقوفي أعزل ذليلا أمامكم.. حزين على أن حبي لهذا الوطن انقلب إلى معاناة أبدية.. حزين على أني أعلم وأربي أجيالا تحاكمني..

- أنت قمت بواجبك، وأنا سأقوم بواجبي تجاهك خدمة لهذا الوطن؛ ألست أنت من ربيتنا على القيام بالواجب مهما كانت الظروف التي قد تمنعنا من تأدية الأمانة؟

لما تجرعت مسامعي هذه الكلمات قلت في خلدي سأحتج، سأثور، سأتمرد؛ وسأتوج، أخيرا، احتجاجي وثورتي وتمردي بالصمت. لذلك ألزمت الصمت مدة طويلة ظل خلالها القاضي يدق المائدة المستطيلة بقلمه، ولما استبد به الانتظار أخذ يمج كلماته كالشهب:

- خلصت المحكمة الموقرة، محكمة الأرض، أن المتهم لم يستطع الدفاع عن نفسه أمام التهم الموجهة إليه، ومن ثم، سنخوض في المداولات..

لم أسطع الصمت أمام عجلة هذا القاضي، لهذا سأتحدث وسأقول ما يتلظى به قلبي:

- سيدي القاضي، قبل أن تخوضوا مداولاتكم فإني أعرف أحكامكم يا أهل الفناء.. فلئن كان حكمكم قاسيا فإني سأضعه إكليلا على رأسي ليبقى شهادة للأجيال الآتية على أني حكمت ظلما، وأن تهمتي هي أني اخترت الأستاذية، ومحاربة الجهل والظلم والإهانة، وغرس العلم والعدل والكرامة..

توقفت حتى ألملم شتات كلماتي، ثم تابعت:

- وليعلم الجميع أن لي في الأنبياء والرسل، وفي سقراط أسوةً حسنةً؛ لذلك، فلتسمعوا وتعوا، وإن وعيتم فانتفعوا: فالمحن والإحن التي تنزل على رؤوس الحكماء والأنبياء هي الإكليل الذي يتوج مسيرتهم..

جمع القاضي أوراقه متعجلا، وتوجه نحو باب خلفي ورفاقه خلفه يجرون ذيول أثوابهم الفضفاضة. أما أنا ومن آزرني من المعذبين في الأرض، فإني بقيت أعد الدقائق التي قضتها الهيئة في مداولاتها، وبعد كل دقيقة تمر أخمن في مصيري.

ها هي الهيئة الموقرة تخرج، وها هم أعضاؤها يطلون علينا بوجوه مقطبة واجمة، وكل واحد منهم يتأبط أوراقا مبللة بحيرته، وبعدما جلسوا ووقفتُ، وبسطوا أوراقهم أمامهم وبسطتُ يدي على قفص الاتهام، قال القاضي:

- بعدما تداولت هيئة المحكمة الموقرة التهم الموجهة إلى المتهم "مربي الأجيال" أو "مواطن من الدرجة الثانية" كما سمى نفسه، خلصتْ إلى الحكم النهائي: سنة سجنا موقوفة التنفيذ.

بلغت صدمتي منتهاها، وأخذت أنظر إلى الحاضرين نظرات الاستغراب والضعف، فعلمت أني ضعيف أمام الجلاد، وأن في نفسي كلاما كثيرا لم ولن أقوله، ولكني رددت بصوت مرتفع:

- عند محكمة الله تلتقي الخصوم، و"يا ويل لقاضي الأرض من قاضي السماء".. ثم غادرت المكان منكسرا لا أدري الوجهة التي أقصدها.

***

محمد الورداشي

 

في الماضي كان الشعراء خصوصا والكتاب من المثقفين عموما يحاولون إيصال أشعارهم وأفكارهم للناس ويخافون عليها من الضياع والسرقة مع حاجتهم للشهرة وهامش ربح بسيط من بيعها فيقومون بطباعتها على شكل دواوين أو مجاميع أو غيرها وفيهم من يطبع على نفقة جهات رسمية وهناك من يطبع على حسابه الخاص وفيهم من يستدين مبلغ الطباعة على أمل الوفاء من مردود البيع وذلك بسبب عدم وجود نوافذ يطل منها الكاتب على القراء عدا الصحف والمجلات وهي قليلة جدا ولا تنشر إلا ضمن مقاسات معينة وكان لهم في ذلك بعض العذر .. لكن الآن ماعذرهم ووسائل التواصل الاجتماعي تطرح يوميا ما يعادل عشرات الأطنان من الغث والسمين على صفحاتها وتحول جراء هذا الكرم الفيسبوكي (الكرعه وام الشعر) إلى شعراء وروائيين وقصاصيين ونقاد ومحللين و (كل حاجة) وأصبحت وسائل التواصل نفسها تشكو ليس شحة القراء إنما ندرتهم إضافة الى أن لا مردود مالي للمطبوع بسبب عدم وجود من يشتريه واتذكر قبل عام كنت متواجدا في مقر مؤسسة ثقافية للطباعة والنشر وكان هناك حفل توقيع مطبوع لإحدى الكاتبات لكني لاحظت مظاهر فرح وحلوى واغاني وعصائر وكرم واضح في التوزيع على الحاضرين وبدلا من نسخة من المطبوع تحمل توقيعها المبارك نفحت كل شخص من الحضور بنسختين لكن أحد الحاضرين ويبدو أنه قد تمرس بحضور هكذا افراح رفع صوته مطالبا صاحبة المطبوع ب (لفات كباب) لأنه وقت غداء والحلويات والعصائر لا تسد الجوع فكلفت من يعد الحضور وأرسلت امها التي كانت معها لجلب المطلوب وهي مسرورة بذلك وبعد استلام حصته من الكباب إضافة للحلوى والعصائر كتب أحد (العظامة) على النسخة الثانية التي كانت بدون توقيع .. (هدية مع الكباب والجكليت والعصير) فتسائلت مع نفسي من اين يأتي الكتاب الحقيقيون بالمال الذي يغطي كلفة حفل التوقيع الذي يحتاج إلى كباب وحلوى إذا كانوا لا يملكون من حطام الدنيا شيئا ؟) وكم حاولت إقناع نفسي بأن ديوان الشعر أو الرواية أو المجموعة القصصية المعمد بالكباب والحلوى تكون قراءته ألذ ويسهل هظمه لكني فشلت بعدما رأيتهم وضعوا في بطونهم الكباب وحملوا في جيبوبهم (الجكليت) وتركوا نسخ المطبوع على الكراسي .

***

راضي المترفي

هذه الكلمات فسرت بأساليب متعددة، وما ترجمت بصيغة عملية، وحسبها الكثيرون أنها جوهر الديمقراطية كما يتصورونها، مع أنها ترجمت بوضوح منذ دولة المدينة وحتى قيام الدولة الأموية، ففي زمن حكومة المدينة، وفترة الخلفاء الراشدين، مضى الحكم على مبادئ الإستشارة، فكان القادة يستشيرون ذوي الدراية والعلم والمعرفة قبل إتخاذ القرار.

فالنبي كان يستشير، وكذلك أبو بكر وعمر وعثمان وعلي، فهم يقررون بموجب ما يتوفر لديهم من إستشارات ورؤى وتصورات.

أي أن الأمة ترجمت "وأمرهم شورى" على أنها "الحاكم المُستشير"، وهي صيغة حكم مُثلى، إنتهجتها في الزمن المعاصر الدول الديمقراطية.

فبالرغم من وجود مجالس نيابية منتخبة، ولكل عضو فيها دائرة إستشارية، وفي المجالس لجان تخصصية تدلي برأيها وتوصياتها، فأن لكل حاكم في هذه الدول مؤسسات إستشارية، وطاقم إستشاري مستنير ومتعمق في القضايا على مائدة التداول.

فحكام الدول المعاصر أشخاص يستشارون، ويعبرون عن خلاصات الدراسات والبحوث والإستنتاجات المتمخضة من المراكز الإستشارية بأنواعها.

وفي مجتمعات الأمة ودولها، أغفلنا جوهرها، وحولناها إلى خيال أو سراب نطارده دون جدوى، ولهذا ترانا نتحدث عن الشيئ ونأتي بما يناقضه لأننا نجهله.

فالديمقراطية تحولت في ديارنا إلى دمقراطية، وأصابت مجتمعاتنا بمقتل، لأميتنا بجوهرها وصيغها وأساليبها ومغزاها.

فحسبناها صناديق إقتراع نفرز أصواتها، ونتقاتل بعدها، ونتهم بعضنا البعض بالتزوير.

وما أفلحنا، بل دحرجنا دولنا إلى ما بعد الوراء بسنين وسنين!!

فهل من مُشير ومُستشير؟!!.

***

د. صادق السامرائي

قلت منذ زمان وكتبت قبل ايام انهم سيبقون يتباكون على ضياع الفريسة.. كاتب هذه السطور يعرفهم جيدا ومن كان يستند في تحركاته ونشاطه السياسي على قوة السلطة القاهرة حين كان يحكم مستعملا كل الاساليب المتناقضة جوهرا وموضوعا مع منظومة قيم الأخلاق لا تستغرب منه في أي لحظة الخروج عن سباق المنطق والذهاب سريعا إلى قانون الغاب.. هذا الاسلوب تعرفه جيداً الضباع التي تمزج في خططها للانقضاض على الفريسة في الزمن والمكان المناسبين.. لا تستطيع الضباع الذهاب بخطتها الممنهجة وتحقيق هدفها ألا بالمزج بين التكتيك والاستراتيجا مستلهمة هذا النهج الافتراسي من طبيعة الحياة والعقيدة السياسية للاحزاب الفاشية….

للأسف، ضاعت البوصلة وصار الاخوان يبحثون عن الحجج الواهية لتبرير عشرية حكمهم السوداء… لكن حركة التاريخ لها احكامها…

ما يحدث الآن في تونس المثخنة بالجراحات والانكسارات يجعل المتايع للاوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية وما تتخللها من تداعيات وصراعات بين اطراف متنازعة ومختلفة واحيانا متناقضة فكرا ونهجا ورؤيا.. هذه الاطراف الحاملة لمشاريع سياسية واجتماعية متناقضة لا تستطيع ان

تتقاطع في أي مسالة لأن التناقض والصراع جوهري ويمس الآسس الفكرية والايديولوجية المحددة لطبيعة أي مشروع سياسي واحتماعي لهذا الطرف أو ذلك.. يمينا أو يسارا…لا يخفى لا أحد ان الصراع المحتدم بين الأطراف السياسية والاجتماعية والحقوقية والنقابية في تونس الراهنة مرده كما اسلفنا سابقا هو الإختلاف الجوهري بين اطراف الصراع .. الحكم من جهة والمعارضة من الجهة المقابلة… والملفت في هذه المسالة ان كل طرف له مبرراته ومشروعيته الفكرية والسياسية مثلما يقول قادة هذا المعسكر أو ذلك…..

ما ينتظره التونسيون الآن وليس غداً هو الخروج من ظلام المرحلة باخف الاضرار والذهاب بالبلاد إلى بر الامان بعيدا عن شعبوية الخطاب السياسي لكل الاطراف والجلوس إلى طاولة الحوار العميق حول كل القضايا العالقة والتاسيس الفعلي للدولة الديمقراطية بافقها الاجتماعي ودستورها المكرس للحقوق والحريات وعلوية القانون والسيادة الوطنية بعيدا عن المحاصصات الحزبية…

إن المخاض في دلالاته الرمزية في اللغة والثقافة والفنون على اختلاف الشعوب والحضارات والأديان.

هو المعبر الحقيقي عن الولادة وعسر خروج الوليد من رحم الأم الى الدنبا والعالم.. في عالم السياسة يكون المخاض هو الجسر الذي تعبره الحشود ،فرادى وجماعات للخروج من ضفة الياس الى ضفة الأمل وتأسيس مرحلة جديدة قوامها التحرر والإنعتاق وتركيز دولة الحقوق والحريات والعدالة الاجتماعية وعلوية القانون والسيادة الوطنية والقطع مع أي مشروع سياسي يدعو الى الشمولية والاستبداد والإستغلال..

تونس الراهنة. المكتوية بالجراحات والانتكاسات والخيبات والخيانات، ليس لها من سبيل للخروج من مسار الانحدار الكبير سوى التوحد حول مشروع سياسي واجتماعي واقتصادي يلتف حوله الشعب

بكل اطيافه السياسية والمدنية وتعبيراته الفكرية والفنية والاكاديمية لفرض هذا المشروع الديمقراطي الحقوقي والاجتماعي والثقافي التنويري....

هذا المشروع لا مكان فيه لخصوم الحرية والمساواة

والعدالة الاجتماعية والتقدم والتنوير الثقافي..

- كاتب صحفي مهتم بقضايا التنمية والمواطنة

والنزاعات والصراعات الإقليمية والدولية.

***

البشير عبيد / تونس

الفقراء في بعض المجتمعات يعيشون ويموتون مثل حياة الجاموس البري الافريقي. يركض من لحظة نزوله من بطن امه هربا من المفترسات ولحين موته على ايدي المفترسات، متحولاً الى وجبة طعام كبيرة.

يشرب الماء وهو مرعوب ويأكل وهو مرعوب ويقضي يومه راكضاً من مكان الى مكان خوفاً من القتَلَة المتربصين.

لا يحق له الموت بهدوء وعلى فراشه، وليس له الحق في تقاعد مريح واسترخاء في نهاية العمر، بل يستمر في الركض والخوف وبمجرد ان يضعف او يمرض او يتقدم في السن ويعجز عن الفرار، يتحول الى وليمة.

الفقير مثله مثل الجاموس البري، يكون مطارداً من قبل كل العالم، الكل تقف ضده وتحمله مسؤولية اوضاعه المتردية مع انه في الغالب ضحية اوضاع لاقدرة له التحكم فيها.

شاهدنا عجائز، نساء ورجال، وهم يتجولون بصعوبة لبيع سلع بسيطة على المارة ووجوههم مرهقة ونظراتهم زائغة.

شاهدنا اطفالاً صغاراً وهم يعملون باعمال صعبة لاعالة عوائلهم.

نساء ارامل وعوائل كبيرة بلا معيل وشباب يبحثون عن فرصة عمل شريف وخريجين لايعرفون سوى الدولة لتوفير وظيفة.

انهم اشخاص يشعرون بانهم مطاردون دائماً ولايستطيعون التوقف عن الركض في كل الاتجاهات بحثاً عن سبيل النجاة ولكن دون جدوى.

حمّال عمره تجاوز السبعين، وحمّال آخر يحمل عدة شهادات واطفال يحضّرون واجباتهم المدرسية وهم يبيعون سلعة ما على الرصيف ..

انهم يعيشون في عالم الجواميس السفلي حيث لايشعر بهم أحد.

الحجة القوية التي يستخدمها الاشخاص المُغرِضون لتبرير اهمال هؤلاء الفقراء هي، اننا في العراق الحالي، نعيش في مجتمع رأسمالي حيث التفاوت الطبقي والتشرد هي من مظاهر الاقتصادات الرأسمالية !!!

المستفيدون يرفعون عالياً هذا الشعار للتخلص من المسؤولية والانصراف الى عمليات النهب المنهجي.

انهم يتناسون او لعلهم يجهلون، ان الرأسمالية لم تنتج فقط التفاوت الطبقي والتشرد، بل انتجت اعظم اقتصاديات واعظم اختراعات وتكنولوجيا واعلى مستويات المعيشة.

***

د. صلاح حزام

 

الذين يتهمون التأريخ العربي بالدموية والوحشية، يجهلون أو يتجاهلون حقائق موضوعية سلوكية لها علاقة بالبشر منذ الأزل.

ومنها أن السلطة في المجتمعات البشرية تخضع لقوانين الغاب، ولم تتمكن من تهذيبها إلا بعد الثورة الفرنسية في الربع الأخير من القرن الثامن عشر.

ومنذ ذلك الوقت والبشرية تسعى للتحرر من شرائع الغاب الكرسوية، ولا زال العديد منها في قبضتها.

وعندما نقرأ التأريخ العربي في وعائه المكاني والزماني، نجده أكثر إشراقا ونصوعا من سلوكيات الأمم الأخرى آنذاك.

فالعرب أقل دموية ووحشية من شعوب الدنيا الأخرى، وما قتله العرب من البشر العربي وغير العربي، لا يمكن مقارنته بما قتلته وأبادته شعوب أخرى من بعضها البعض.

فتجدنا نتحدث عن حرب داحس والغبراء، وهي بين بضعة قبائل وإستمرت لأربعين سنة في ذلك الزمان، وأخمدها حكيمان عربيان خلدهما زهير بن أبي سلمى في معلقته المشهورة، التي فيها خلاصة الموقف العربي من الحرب.

بينما حرب المئة عام (1337 - 1453) بين فرنسا وإنكلترا، والتي دامت (116)، لا يتحدثون عنها، وحرب داحس والغبراء التي حصلت قبل (1500) سنة، وقتِل فيها بضعة عشرات أو مئات، لا زلنا نتكلم عنها، ونحسبها مثلبة سلوكية عربية وتمثل الطبع العربي.

وهذا مَثل من القراءات الغير موضوعية للتأريخ، والإنجراف نحو السلوك الصَدَوي، الذي يُراد لنا القيام به لتمرير إرادة الطامعين بالأمة.

فتجد العديد من المغفلين يتكلمون بلغة عدوانية عن العرب، ويغضون الطرف عن مساوئ الآخرين، ويحسبون تأريخ الأمم والشعوب الأخرى ملائكي، وتأريخنا شيطاني، ومترع بالشرور.

أنظروا ما يجري في الزمن المعاصر، وما يُكتب عنه بمداد اليأس والإحباط والإنكسار، والتدمير الذاتي والموضوعي، فيقدمونه على أن شعوب الأرض لم تشهد حروبا أهلية، ولا طائفية ولا عنصرية، بينما القرن العشرون يزخر بالملايين التي أبيدت في الحروب الأهلية، إذ قتلت (54) مليون من البشر في العديد من شعوب العالم، وفي الحربين العالميتين قُتِل (75) مليون إنسان!!

وما تقدم ليس تبريرا لما جرى ويجري في مجتمعاتنا، وإنما لتوضيح الصورة، فعلينا أن نعيد النظر بقراءاتنا المنحرفة لتأريخنا!!

***

د. صادق السامرائي

 

 

القوة تطورت مع الزمن من الحجارة والعصا إلى الأدوات الحادة كالسكين والسيف والسهم، وغيرها مما يتوفر في الطبيعة من أدوات تستعمل للنيل من الآخر.

وأصبحنا في عصر بلغت فيه مفردات القوة متنوعة، وفاقت التصورات بقدراتها التدميرية الهائلة الفتاكة، وإتجهت الدول القوية لزيادة خسائر الهدف وتقليل خسائرها، لكي تضمن النصر الساحق على أعدائها أو لمحقهم.

وفي القرن الحادي والعشرين وصلت وسائل التعبير عن القوة ذروتها، وإنطلقت في ميادين ذات تأثيرات مروعة، فأصبحت التفاعلات عبارة عن ألعاب إليكترونية يتحقق تأثيرها بمداعبة أزرار.

ومع هذا التقدم المتسارع في تنمية القوة التدميرية، توجهت العديد من القوى إلى إستعمال الكلمة وإنتبهت إلى قدرتها التدميرية، التي تحيل الهدف إلى عصف مأكول بإرادة عناصره، خصوصا بعد توفر وسائل التواصل السريعة وسهولة إيصال المعلومة إلى الناس، وفقا لآليات وضوابط تضليلية مخادعة تتمكن من إيقاعهم في حبائلها.

وبموجب ذلك أصبحت الكلمة من أسلحة التدمير الشامل التي تبيد مجتمعات، وتقضي على أمم بدون ضجيج ولا خسائر تذكر من القوة المستهدفة لها، فيتم العمل على زعزعة الهدف بذاته وموضوعه وهويته ولغته وثوابته الروحية وبمعتقداته، وتحويله إلى كينونات متصارعة متماحقة، حتى تتآكل مصادر القوة فيه وينتهي كالعروش الخاوية، فيتم إحراقها بسهولة وتحويلها إلى رماد.

وأمتنا مستهدفة وبشراسة بالكلمة، فيروَّج لما يعادي لغة الضاد، ويهين المرتكزات الأخلاقية، ويعزز الشعور بالدونية والتخلف والإمعان بمحق ذات الأمة، وتجد هذه التوجهات العدوانية الناعمة تتسرب إلى وعي الناس، ويتداولها المغفلون فتؤثر على سلوكهم ومواقفهم وهم لا يشعرون، لأنها تقدَم بآليات مدروسة ووفقا لنظريات نفسية وسلوكية تخاطب العواطف والغرائز وتؤجج الإنفعالات وتعطل العقول.

وبموجب ما يدور في الواقع التواصلي بين الناس، فأن التفاعل العقلي تضاءل والتصارع الإنفعالي المشحون بالعواطف السلبية يتنامى، مما تسبب بتداعيات متراكمة ومتوالدة، أبعدت الناس عن التحديات التي تواجههم وألقت بهم في أتون الإبادة الذاتية والموضوعية.

فهل لنا أن نستيقظ ونأخذ الكلمة محمل الجد ونرى ما رواء السطور؟!!

***

د. صادق السامرائي

6\12\2020

 

شكّل دورة خليجي 25 التي أقيمت في مدينة البصرة جنوب العراق نقطة تحول مهمة في علاقة العراق مع جيرانه، وتحديداً دول الخليج التي تنظر إلى العراق بترقب في خطوات التحول الديمقراطي، فكانت نقطة الالتقاء المهمة في التقارب بينهما، وعكس الصورة الحقيقية للوضع السياسي للبلاد، لذلك ربما كانت "كرة القدم" هي الوسائل التي عبر فيها العراق عن رسالته نحو جواره الإقليمي، والدولي إلى حد ما، وهذا ما شكّل بداية لتحول في السياسية المنتهجة في التعامل مع مختلف القضايا المصيرية والتي ترتبط بالعراق وجيرانه، بالمقابل تغيرّت نظرة العرب ودول الخليج نحو العراق، لتكون نقطة انطلاق جديدة في الرؤية المستقبلية بين العراق وجيرانه.

تحوّل العراق نحو السوق الأوربية وتحديداً ألمانيا وعقد الشراكة بين العراق وشركة"CEMENS" المتعدد الأغراض أعطى دفعة قوية للعراق في ضرورة تسخير طاقاته وخيراته والظروف الاستثنائية التي يعيشها العالم من أجل البدء بنهضة تنموية تشكل جميع القطاعات وفي مقدمتها قطاعات الكهرباء والصحة والبنى التحتية للبلاد، وعلى الرغم على الرغم من التعهدات التي أطلقتها الولايات المتحدة تجاه العراق، بحماية أمنه واقتصاده منذ اجتياحه عام 2003، وتوقيعها ورقة الاتفاق الاستراتيجي بين البلدين، إلا أن مؤشرات هذا الدعم مفقودة تماماً على الأرض، فلا نجد أي دلائل للدعم في تبني البناء والأعمار للبنى التحتية أو المشاريع الكبرى، أو دعم مأسسة الحكومة وحماية المال العام من السرقة، وبقيت كل هذه الوعود والتعهدات حبرا على ورق، ولم تصل إلى درجة التطبيق بسبب السياسية الأمريكية المنتهجة تجاه العراق.

بات من الضروري على حكومة السيد محمد شياع السوداني أستثمار حالة الصخب والصراع بين القوى العالمية، في البدء وسريعاً بعقد الاتفاقات التي من شانها تطوير البنى التحتية لمؤسسات العراق، وفق مبدأ المصلحة الوطنية للبلاد، وفتح قنوات تواصل مع باقي الشركات العالمية، التي تعمل في مجال البناء والإنشاء والبنى التحتية، مع الحفاظ على التوازن في بين واشنطن وبين هذه الشركات، وبما يعزز الشراكة المتوازنة من جانب، والانفتاح من جانب آخر، وبالتالي تحقيق الشراكة مع الجميع والسيطرة على الاقتصاد العراق داخلياً وفق منهج مدروس وواقعي فعال..

بعكس ذلك فستبقى حكومة السيد السوداني ومن خلفها البلد، رهينة لرغبات دول أخرى، وسياسات ومصالح تلك الدول، .. بل عرضة للإسقاط في أي لحظة، لان تلك الدول تبحث عن مصالحها لا مصلحة العراق وشعبه.. وفي مقدمة تلك الدولة امريكا، وهي دولة ليست التي يستهان بها وبتأثيرها الاقتصادي أو السياسي، خصوصا في وضع دولة مثل العراق ما زالت لم تستقر سياسياً وأقتصادياً.

***

محمد حسن الساعدي

من المسلمات التي يؤمن بها المسلم والتي ينقاد لها الإنسان على وجه الأرض وفي جميع العصور ضمن تطورات العقل البشري وتعقيدات حياته ومعتقداته وخصوصا المسلم الذي يؤمن بالكتاب المقدس الذي نزل على خاتم الأنبياء والرسل سيدنا محمد بن عبد الله صلوات الله عليه وعلى آله وصحبه (القرآن الكريم) والمصحف والكتاب المبين والذكر الحكيم كامتداد لكل التعاليم التي سبقته كمصدر للتشريع الألهي لبني البشر بآياته وتعاليمه الخاتمة للبشرية حتى قيام الساعة بآيات بينات لا ريب فيها هدى للمتقين المعتقدين بالله تعالى خالق الكون ومخلوقاته تسليما وانقيادا لتعاليم هذا المصحف ومنزله الله تعالى والإيمان المطلق بربوبيته وألوهيته منذ آدم عليه السلام وحتى نبينا المصطفى محمد بن عبد الله صلوات الله عليه وعلى آله وصحبه لجميع سكان الأرض من الجن والأنس والملائكة وجميع مخلوقاته المحسوسة والغير محسوسة وأن هذا الكتاب مرسل ونذير وبشير ومبلغ للبشر من قبل خالق الأكوان والمخلوقات فلا يمكن إلا أن يكون عارف بطبيعة وعقلية وتفكير مخلوقاته وخصوصا البشر الذي خلقه على قدر عال من الفهم والإدراك الواعي المميز بجوهرة العقل المفضل به على جميع المخلوقات ومنظم حياته ومسير الطبيعة بقدرته ونظامه وحفظه وأسلوب أدارته فقد نزل هذا الكتاب فيه تبيان لكل شيء يحتاج له البشر والمجتمع وفق أطار العقل البشري وفهمه وحسب ديمومته في الحياة على الكرة الأرضية وهو المنهل الذي يفيض على الإنسان بالمعرفة والعلم والأخلاق وتنظيم حياة الفرد فكل الأمم تستطيع أن تنهل من هذا القرآن الكريم ما تحتاجه في حياتها اليومية إذا استطاعت فهم وإدراك ما فيه من تعاليم وشرائع وطريق مستقيم للهداية نحو الحق بعقل سليم متفتح واعي متجرد من الفوقية والعناد والسفسطة وال (أنا) والكفر بنعم الخالق ومواهبه على البشرية بغض النظر عن الجنس والألوان والمكان والزمان والأقوام .

وبما أن الإنسان متطور في حياته وأسلوب العيش في مجتمعه وحدود عقله على ضوء عصره ومكانه فلا يستعجل في الكمال لفهم النظرية السماوية والإدعاء بعلمه المطلق الكامل  بما جاء بها ويفرض على نفسه وعقله القاصر وعلى غيره أمام التطور الفكري للإنسان وأسلوب العيش وختم معرفته بها نهائيا وإجبار الآخرين على عدم الخوض في الولوج إلى عمق فهم هذه النظرية والبحث والتنقيب والأخذ منها بما يفيد عصره ومكانه حيث أن الله تعالى أراد من خلقه العمل والتفكير والتفكر والبحث في رسالته بآياتها كمصدر تنظيم حياتي للعيش في المجتمعات المتفرقة في عوالم الله تعالى . فالأجيال تتطور في كل فترة زمنية بعقلها ومفاهيم حياتها وتعاملاتها مع أبناء جنسها أو الطبيعة التي تعيش معها ضمن الرقعة الجغرافية التي خلقها الله تعالى فالقرآن الكريم متجدد بفهم آياته فالأجيال تتطور في كل فترة بعقلها ومفاهيم حياتها وتعاملاتها   فأن القرآن متجدد بفهم آياته ومرادها ومعرفة كيفية أدارة الحياة البشرية المتطورة والمتجددة بمنهاج فكري نظري حي فلا يحق لأي إنسان أن يحتكر أو يفرض أسلوب تفسير والمعرفة المطلقة لهذا الكتاب المقدس (القرآن الكريم) من قبل رجال الدين حصرا بزمن معين الماضي منه والقادم والإصرار على تسويقها للآخرين على أنها الأفضل والشاملة  وفرض علمه ومعرفته بهذه النظرية وتفسير ما جاء بها وفق عقله وعدم المساس بها وغلق باب الخوض والبحث والنقاش من جديد على ضوء تطورات الزمن والمجتمع وتغيير نمط حياة الإنسان الجديد المعاصر بفكره وعقله وأسلوب حياته واتهام الآخرين  المجددين والباحثين عن الحقيقة أنهم خارجين عن الدين ومارقين وتكفيرهم أو تفسيقهم علما أن الله تعالى حي يخاطب الأحياء من عباده وخلقه فلا يمكن إلا أن يكون هذا الكتاب المقدس حي متطور حسب المكان والزمان ما عدى المحرمات البينات التي لا لبس فيها المذكورة في آياته والباقي هي نظم الحياة اليومية الاجتماعية للأمم جميعا في كيفية التعايش والتعامل مع بعضها البعض بأسلوب حضاري يرتقي إلى عظمة الخالق والمخلوق فالقرآن الكريم هو المنهل العلمي والثقافي والاجتماعي والاقتصادي والفكري والسياسي الشامل الكامل الصالح لكل المجتمعات والأزمنة فعلى رجال الدين والمؤسسات الفكرية الدينية أن تفسح المجال أمام الخوض المتجدد العلمي الواعي والبحث في الموروث الفكري والتراثي العربي الإسلامي لمواكبة تطورات العصر في حدود الثوابت للعقيدة والإيمان والشرائع المنصوص عليها في القرآن بدون تشدد وتعصب للموروث والتراث الفكري القديم بل يجب فسح مساحة خصبة للنقاش والحوار المتمدن والمتفهم الواعي الذي يوازي تطور الإنسان الفكري والحياتي المنقاد لتطورات العصر الحديث وأدواته.

***

ضياء محسن الاسدي

السريالية: إتجاه معاصر في الفن والأدب يذهب إلى ما فوق الواقع، ويعول خاصة على إبراز الأحوال اللا شعورية.

قال صديقي مهاتفا: لا أقرأ ما يكتبون، فالكتابة صارت سريالية!!

قلت: وماذا تقصد

قال: لا يمكنك أن تعرف عمّاذا يتحدثون...أ يريدون القارئ أن يكتشف ما يقصدون، هذه كتابة سريالية!!

المعروف أن السريالية مدرسة في الرسم، وتسربت إلى شعر العرب وإمتدت إلى ما يكتبون، تحت ذرائع غريبة كالرمز والغموض والتمويه، وغيرها من أساليب عدم الوضوح والإبهام الإبداعي، الذي يسمونه كما تقتضيه أبجديات الأمية الإبداعية الفائقة الحضور.

وفي المجتمعات المتقدمة لن تنشر الصحف موضوعا إن إختفى فيه الوضوح، والقدرة على وضع الفكرة في كلمات دالة عليها بسهولة ومباشرة، وكم يعاني الكاتب من الأخذ والرد مع المحررين حتى تستقيم عبارات المقال أو الدراسة.

هذه العبارة مبهمة!!

هذه المفردة تعطي معنى آخر!!

الفكرة غير مترابطة!!

لابد من إعادة سباكة المقال!!

وغيرها من الملاحظات التي تبني مهارة التفاعل مع القارئ، فلا ينشرون المبهم الغامض، لأنه سيتسبب بالعزوف عن الصحيفة، ووصفها بالتيهان وعدم القدرة على التعبير عن الفحوى، ولم يهضم صاحب المقال الفكرة التي يتناولها، أو لم يدرسها بعمق ومراجعة بحثية جيدة.

إحترت مع صديقي الفنان المثقف الموسوعي، وكيف أواجه إستياءه مما ينتشر في الصحف والمواقع وحتى في الكتب.

- أ تتصور يمكنني أن أقرأ كتابا؟!!

- إن المنشور غثيث!!

- يا صديقي علينا أن نقرأ، وبدون "إقرأ"، لا وجود لحياة إنسانية!!

- نعم .. ولكن لا وجود لما يستحق القراءة!!

- لا أظنك لا تقرأ !!

- أقرأ ما كُتب في القرن العشرين!!

- ما عدتُ قادرا على المحاورة مع صديقي، لكنه جعلني أغرق في دوامة تساؤلات!!

- فهل من مجيب؟!!

***

د. صادق السامرائي

 

غداً ستاتي العاصفة ويكون الجميع على مقربة من الخراب الذي اسس له " اقطاب "من عاشقي السلطة والمتيمين ببهرج الحكم وامتيازاته على مستويات النفوذ المالي والسياسي والتوغل في تفاصيل التفاصيل للدولة التي كادت أن تنهار في لحظات فارقة من تاريخ هذه البلاد المنهوبة والمغدورة من ابناءها والمستهدفة من اعداءها...

بيت القصيد في هذا الموضوع ان المارقين على القانون من مافيات التهريب والمال الهارب من الجباية والمشتغلين بالسياسة صدفة أو عبر استهداف العملية السياسية بتشويه صورتها لدى الشعب الكادح الباحث عن لقمة الخبز في عز الظهيرة وفي الصقيع البارد،هنا وهنا، في كل تخوم العاصمة والمدن الكبرى والقرى والارياف المنسية...

أن عملية خلط الاوراق بدهاء نادر ومكر لا مثيل له، جعل اللعب على الحبال في المشهد السياسي التونسي المراوح بين الياس والأمل هو المسيطر بإمتياز وصاحب المبادرة لتغيير قواعد اللعبة تبعاً لتموقع هذا أو ذلك من أصحاب النفوذ المالي وتداخله مع عالم السياسة الذي صار واضحا لدى الجميع اقترابه الفعلي من عالم الدعارة....

في السياسة ليس هناك نوايا فقط..بل برامج ورؤى وتكتيك واستراتيجيا...دون أن ننسى الدهاء والمكر  واستبلاه العقول والضحك على الذقون في وضح النهار وفي دجى الليل....لكن غاب عن هؤلاء الأبالسة ان الممارسين للسياسة في الوطن العربي وليس في تونس فقط، بامكانهم استغفال البسطاء والسذج ومن سار في درب القطيع بعيدا عن التساؤل والمساءلة والحوار المستفيض حول الاستراتيجيات وأهم الملفات الحارقة في القطاعات الحيوية التي تهم مشاغل وشواغل الطبقة الشغيلة الكادحة بالفكر والساعد ..هذه الطبقة المكتوية منذ عقود بالمخططات التي يسمونها زورا وبهتانا تنموية والحال أنها برامج الطبقة الأورستقراطية الممثلة الشرعية للفكر النيوليبرالي المهوس بالنهب والإستغلال وضرب القطاع العام الحكومي في المقتل وتعبا لهذا النهج الجهنمي يقع السيطرة بالكامل ولو بشكل تدريجي على مفاصل الدولة وإعلان العبودية المعاصرة المقنعة بشعارات العولمة والإنفتاح علي إقتصايات العالم......

إن السيطرة على إقتصاد البلاد وكل مشاريع الاستثمار وضرب المرفق العمومي الذي تتحكم فيه الدولة التونسية المنهوكة نتيجة سياسات الحكومات السابقة اللاشعبية  المدعومة من قبل صندوق النهر الدولي.... الأمل الحقيقي للشعب التونسي الطامح للحرية والعدالة الاجتماعية هو التاسبس الفعلي على ارض الواقع للدولة الديمقراطية ذات الأفق الاجتماعي

هذا المشروع الطموح الذي ناضل من أجله جحافل وقوافل من النشطاء والمناضلين والفاعلين في الساحة السياسية والحركة الحقوقية والنقابية والاكاديمية والإعلامية البعيدة عن سيطرة لوبيات رأس المال..هذا المشروع الوطني الديمقراطي الاجتماعي ليس بعيد المنال لتراه العيون مجسدا على أرض الواقع اذا توفرت له الشروط الموضوعية للتاسبس ونعتقد يقينا ان الشرط المركزي لهذا التاسبس هو تجميع كل الشركاء المؤمنين بهذا المشروع فكرا ونهجا ودربا بعيدا عن المحاصصات الحزيبة الضيقة الفجة والتكتيكات المرتهنة للمصالح الشخصية المتناقضة جوهرا وموضوعا مع أي مشروع وطني للتحرر والإنعتاق الإجتماعي.......

***

البشير عبيد

كاتب صحفي مهتم بقضايا التنمية والمواطنة والنزاعات والصراعات الإقليمية والدولية.

 

ربما يصيبنا المرض أو الحزن أو الأذى لكن ذلك لا يمنعنا من العيش لكي نعود إلى الحياة مجدداً وهذا ما يبعث الأمل في أنفسنا ويحقق رجاءنا في عودة الحياة إلى الوطن وإسترجاع الصورة العراقية الحقيقية التي طالما رُسمت في الأذهان  “عراق الأصالة والكرم و الشجاعة والنخوة والطيبة” .. العراقي ربما يحزن ويقتله الحزن من أجل وطنه المُمزّق لكنه يتداوى ولايموت .

أتحدث هنا مابعد خليجي  25 الحدث الكروي الرياضي العظيم الذي أثّر في مكانة العراق بين الدول وفي قلوب الناس التي لم تهفت في الوصول إلى ملعب البصرة وصارت تهتف ” بالروح بالدم نفديك ياعراق” وتصيح لماجد وأحلام ” هلا بيكم هلا ” ويشارك كاظم الساهر من حفل الرياض ” هلا باليلعب طوبة هلا برجال الطوبة ” ثم  يرسل الشاعر كريم العراقي من غرفة العمليات في المستشفى كلماته:

الشمس شمسي والعراق عراقي

ماغـــيّر الدخلاءُ من أخلاقي..

*

داس الطغاة على جميع سنابلي

فتفجّر الأبداع من أعماقي ..

*

أنا منذ فجر الأرض ألبس خوذتي

ووصية الفقراء فوق نطاقي

نعم هذا العراقي.. هو حمزة القادم من الأنبار إلى البصرة ليشّجع المنتخب لكن زحمة الجماهير حالت دون إحتضانه فرحة الفوز وتوفي في موجهة التدافع بين زحمة الناس في جذع النخلة، ليعود به أهالي البصرة إلى الأنبار لكن ميتاً ، هذا العراقي أبو حسن الذي ذرف الدموع ليس من الفرحة  بل لشدّة فقره الذي منعه من إستضافة الأشقّاء العرب فكان يبكي ويقول : ماعندي شي أقدمه الكم ، هذا العراقي “يقدم الكهوة والشاي والكيمر والكاهي والبرياني والدولمة ضيافة بدون ثمن” فرحاً وتقديراً لخطوات ضيوفه حتى أصبحت البصرة البيت الكبير الذي جمع العرب والعراقيين ، فذابت فيها الطبقية والعنصرية والطائفية ، حتى وقع في عشقها المحبين وباتت صعوبة فراقها كما يودع مفارق عزيزه على أمل لقاءه مجدداً.

لم تكن البطولة ملعباً أخضر وكرة أو كأس بل كانت حدثاً وحديثاً مليئاً برسائل المحبة والرومانسية والشجن والطيب والكرم ، فأصبحت مجداً تأريخياً فريداً على المستوى المجتمعي والرياضي والإقتصادي لتصُّب الفرح بين البيوت وتمسح المآسي من القلوب وتزرع الفخر بين النفوس وتبني معبداً للعشّاق .

***

ابتهال العربي

 

القلم كلام ولسان، ينطق الحق ولو على أهله، حر نزيه نبيل سامي يكدح لإظهار الحقيقة وبث الأنوار ولو كره الكارهون، وهذا القلم ملعون، مستهدف وقد يوصف بالجنون في زمن تتركع فيه الهامات تحت أقدام الكراسي والعمائم وذوي السلطات، أصحاب المال والسلاح والعتاد، الرتع الأمعات الذين يسبّحون بحمد أرباب العصابات.

القلم جمرة ما بين السبابة والإبهام، يتأوّه يتألم ويبعث أنينا ودخانا، لكنه يكتب رغم صولات الوجيع وتيارات الآلام، ومخاطر تحفه وتهديدات تطارده، وقوات لا تفتأ تتابعه وتراقبه، وتخطط للقضاء عليه ومحق وجوده.

فالزمن للنار والدخان، ولا يُسمح فيه ببث الأنوار، فالمطلوب عماء عقلي وأمية طاغية، وجهل يترعرع فوق تراب الويلات والقهر والحرمان من أبسط الحاجات، ولا بد من تبع رتع في ظلال عمائم تتنعم بما رزقت من حيث لا تحتسب، لأنها تؤدي طقوس الإذعان وتنفيذ برامج العدوان.

وقد قالوا في الكلام واللسان، ويمثلهما القلم في هذا الزمان، ومن الأقوال:

"ربَّ كلامٍ أقطع من حسام"

"ضربة الكلمة أقوى من ضربة السيف"

"مقتل الرجل بين فكيه"

"لسانك حصانك إن صنته صانك"

"بلاء الإنسان من اللسان"

"سلامة الإنسان في حفظ اللسان"

"في اللسان هلاك الإنسان"

"ويل للرأس من اللسان"

لكن الأمة حية ولا يمكنها أن تنكسر وتنمحق وتغيب، وإن إنحنت لصولات الويلات فأنها ستستقيم، وتنطلق، وكم عصفت بها الخطوب، وداهمتها الحروب، وتعود أمة حية ذات أروب، ولن تتكسر أقلامها، ولسوف تنتصر على العدوان الآثم البغيض، ولو قتلوا ألف قلم وقلم، فأن الأمة ستنهض بأنوارها وستشع ويشرق جوهرها وتتألق لغتها، وتكون كما يجب أن تكون، ولن تهزموا أقلام أمة ذات نون!!

***

د. صادق السامرائي

22\2\2021

 

1 - لا قضية وطنية او قومية او حتى انسانية، تستطيع تحقيق اهدافها او بعض منها، ان لم تقف خلفها قوى ذات مصداقية عالية. وعلى قدر وافر من النزاهة والكفاءة  والشجاعة، الى جانب الأيمان بعدالة القضية، ومن يتصدرها يكون مشهوداً له، بالشرف والضمير والأيثار، واستعداد غير محدود للتصحية، حينها تستطيع القضية، استقطاب خيرة ابناء  المجتمع، وتغطية استثنائية من رأي عام، على مستوى جيد من الوعي، اما اذا  ركبت موجتها، مجاميع من الحثالات المغامرة، حينها ستتلوث القضايا، بالسلوك الأرتزاقي والممارسات القمعية، هذا ما  حصل في العراق، بعد عام الأحتلال، في 09/ نيسان الأسود 2003، حيث كل الذين، ركبوا قطار الأحتلال، كانوا ملوثين بأنقلاب 08 / شباط 1963، دون استثناء.

2 - أمريكا تفتقر الى المصداقية، اطماعها ومصالحها دليل آثم ، على جرائمها الدموية، في تغيير الأنظمة (حتى ولو كانت وطنية) في العالم، هكذا فعلتها في العراق، عندما ارادت تغيير النظام البعثي، فجهزت له معارضة من حثالات الأحزاب الطائفية والقومية، ومثلما جهزت قطار 08/ شباط /1963، لأسقاط اول جمهورية وطنية، ومثلت بالزعيم الوطني عبد الكريم قاسم، استبدلت الجلاد بمعارضته، فكان هجين من القوميين والأسلامويين، الأكثر دموية من جلادها، لأحتلال العراق في 09/نيسان/2003، فكان الهجين الجديد، احزاباً وشخوصا وريثاً، لذات الهجين الذي اشترك بذبح العراق والعراقيين، في الأنقلاب الأسود عام 1963، كلاهما بلا شرف ولا قضية، ومن طينة ارتزاق تاريخية واحدة. 

3 - اذا حاولنا تجاوز العتب، مع قادة التشيع في العراق، كونهم لا قضية لهم على الأطلاق، يرون الوطن من خلال المذهب، ويوظفون المذهب للقفز على السلطات والثروات، واشباع ساديتهم في تجاوز حدود تعدد الزوجات، فهم طائفيون الغائيون ودنيئون بلا حدود، وجرائمهم حتى ولو كانت بشعة، يؤطرونها بألوان الشعوذات الجهادية، ويخلدون قتيلهم القاتل، بخمسة امتار مقدسة، في مقبرة النجف الأشرف، ولكل من افراد عائلته، راتب تقاعدي، حتى ولو كان قناصاً سافل، او مرجع محتال، ولو سألني احدهم، كم المسافة بينه وبين جهنم، لأجبتهه (انتم فيها في الدنيا قبل الأخرة) وانتم" كمن قتل الناس أجمعين". 

4 -على الشعب الكردي، الا يترك مصير قضيته، معلقة بارصدة الحزبين الرئيسيين، في اربيل والسليمانية، ويأخذوا العبرة من نهاية القضية الفلسطينية، حيث استطاع النظام العربي. ان يجعل من ياسر عرفات، رجل دولة وهمية، وليس قائد ثورة، بعد ان افسدوه وقياداته، بالمال والوجاهة، رموا وقضيتة في مستنقع التطبيع، هكذا حصل بالنسبة للقضية الكردية، بعد ان ادخلتها القيادات، في مزادات السلطات والثروات، داخل المنطقة الخضراء، على الوطنين الأكراد، ان يحرروا قضيتهم، من لعبة المصالح والأطماع الدولية، ويعودوا بها الى فضاءات الوطنية العراقية، ومن يبيع قضيته، يبيع معها الشرف والضمير، هكذا يحصل الآن، مع اشقاء لهم في الجنوب والوسط، فأن لم يتدبر العراقيون امرهم، سوف لن يفرقوا، لمن زاخو ولمن الفاو، بعد ان تصبح الأرض ومعها الأنسان، عملات صعبة، في أكياس المنتفعين.

***

حسن حاتم المذكور

24 / 01 / 2023

 

خرج وزير التعليم والتكوين الفلامنكي بان ويتس أثناء الأسبوع الجاري بخطة غريبة، وهي معاقبة أولياء الأمور الذين لا يبذلون جهدا لتعليم أطفالهم ما يكفي من اللغة الهولندية خارج ساعات الدوام المدرسي. وكان قد توصل بحث أجري على 400 مدرسة أولية إلى أن 14 بالمائة من الأطفال في الصف الثالث قبل ولوج المرحلة الابتدائية حصلوا على درجات غير كافية في مجال اللغة الهولندية.  

وتتمثل العقوبة التي طرحها الوزير في سحب المستحقات المالية التي تتلقاها الأسر شهريا على أبنائها. وتعرف بإعانة الطفل، وهي إعانة اجتماعية تخصصها الدولة لكل والد أو ولي أمر يوجد طفل أو أطفال تحت رعايته الأسرية. وقد تجاوزت مخصصات إعانات الأطفال لعام 2023 خمسة مليارات يورو على مستوى منطقة الفلاندر التي يصل عدد سكانها ستة ملايين ونصف مليون نسمة. وقد حددت إعانة كل طفل فيما يعادل 170 يورو شهريا لكل طفل مولود بعد 1 يناير 2019، بينما يخضع الأطفال المولودون قبل هذا التاريخ لنظام الإعانات القديم.

وقد تلقى الوزير انتقادات شديدة على هذه الخطة المقترجة، سواء من داخل التحالف الحكومي الذي ينتمي إليه أو من طرف المتابعين السياسيين ووسائل الإعلام والرأي العام الوطني. فيما يتعلق بالحزبين المسيحي والليبرالي الديمقراطي المشاركين في الحكومة الحالية فقد رفضا هذا المقترح الغريب، حيث اعتبر وزير الشباب بنيامين دال أن هذا الاقتراح ليس في مصلحة الطفل، وأن هذه العقوبات المالية سوف تقلل من فرص الأطفال في المدرسة. وعلى المنوال نفسه، لم توافق وزيرة الشؤون الاجتماعية هيلده كريفيتس، التي ترى أن معاقبة أولياء الأمور ليست فكرة جيدة، لأنها ستعمق من الضعف الدراسي والتأخر اللغوي، ولم تخصص هذه الإعانات العائلية في الأصل إلا لمنح الأسر والأطفال المزيد من الفرص.

ثم إنه باستثناء الحزب اليميني المتطرف "المصلحة الفلامانكية"، فإن الأغلبية الحزبية والسياسية اعتبرت ما صدر عن وزير التعليم بمثابة مناورة لتحريف المشاكل الحقيقية التي تواجه وزارته.

أما الأوساط التعليمية الفلامانكية، فقد شجبت رؤية الوزير بسخط وهي تردد: "أنت لا تساعدهم بأخذ أموالهم". وعلى إثر هذا المستجد، سجلت وسائل الإعلام مختلف ردود الأفعال التي نددت بخطة وزير التعليم. تقول مدرسة في إحدى الثانويات بمدينة بروكسيل: "نواجه أيضا الكثير من الطلاب الذين يتحدثون لغة مختلفة للأسف. يتم تدريسهم باللغة الهولندية في المدرسة، وفي الشارع يتكلمون اللغة الفرنسية، وفي المنزل شيء آخر. هذا لا يحل بأخذ أموالهم، لا سيما إذا كان ذلك يرتبط بالوضعية الاجتماعية الفقيرة التي يوجدون فيها. عليك أن تدعم هؤلاء الأشخاص من خلال تلقي التعليم أو الدعم اللغوي الإضافي. إن أخذ أموالهم هو مجرد حماقة".

وتذهب المتحدثة باسم مؤسسة الأسرة في بلجيكا إلى أن هذا الإجراء سوف لن يكون له أي تأثير محفز، لأنه لا يمكن حل التأخر المدرسي بحزمة عقوبة مالية، فالعديد من العائلات بحاجة ماسة إلى هذه الأموال، خاصة الآن بعد أن أصبح كل شيء أكثر تكلفة ومصاريف الحياة في ارتفاع متواصل.

وبعد رصدنا لهذا المستجد وقراءتنا لمختلف ملابساته وما ترتب عنه من مواقف وتداعيات، يمكن تسجيل ملاحظاتين، نلخصهما فيما يأتي:

الملاحظة الأولى: لا يخلو هذا الاقتراح من عنصرية مبطنة، لأن الأطفال الذين يعانون من التأخر اللغوي في المدرسة البلجيكية والفلامانكية هم بالدرجة الأولى أبناء الشرائح المجتمعية الأجنبية والمسلمة، ومع أن الوزير يعي هذه المسألة أيما وعي، ويدرك بعمق أسبابها الثقافية والتربوية والسوسيو- اقتصادية، فإنه قام بطرح هذه المبادرة الغريبة التي تتسق مع رؤية واستراتيجية الحزب الليبرالي الذي يمثله بخصوص الفئات المسلمة والأجنبية، في الوقت الذي كان عليه أن يعتمد مقاربة تربوية واقعية. وهذا تماما ما يعكسه التعاطي البلجيكي والفلامانكي مع أطفال اللاجئين الأكرانيين الذين يتم إدماجهم تعليميا وقانونيا اجتماعيا واقتصاديا بدون شروط من أول يوم يضعون فيه قدمهم على التراب البلجيكي. وهذا ما تؤكده التقارير الرسمية، التي تذكر أنه غالبا ما يتعرض الأطفال المسلمون للتمييز في المدرسة، وقد رصد 61 في المائة من المدرسين العام الماضي حالات عنصرية داخل الفصول الدراسية، وعادة ما تتمثل في الإهانات والإساءات اللفظية، ويتجاوز الأمر ذلك في التعليم الثانوي إلى أعمال العنف والتخريب.

الملاحظة الثانية: أمام تفاوت الفرص اللغوية والمعرفية والمادية في المجتمع الفلامانكي من شريحة إجتماعية إلى أخرى، لا يمكن التعاطي مع مختلف الإشكالات التعليمية بالمعايير التقييمية نفسها، وهذا ما ينطبق إلى حد كبير على مشكلة التأخر اللغوي. إن الطفل الفلامانكي الأصل تعتبر اللغة الفلامانكية/ الهولندية لغته الأم التي يتعلمها سليقة منذ الولادة، وتظل لغته المستعملة في التخاطب اليومي ومتابعة الإعلام والدراسة والشارع ومختلف الأنشطة الثقافية والرياضية الموازية. أما الطفل من أصل أجنبي، فيتلقى لغة أم مختلفة قد تكون التركية أو الأمازيغية أو إحدى العاميات العربية أو الإفريقية، وتأتي اللغة الفلامانكية في المرتبة الثانية أو الثالثة أحيانا إذا كان الوالدين من أصلين مختلفين (تركي/ عربي، أمازيغي/ عربي، إفريقي/ أسيوي، عربي/ أوروبي، إلخ). وما يزيد الطين بلة هو إشكالية الامتزاج اللغوي الهجين وغير المعقلن، حيث فئة مهمة من الأطفال والشباب من أصول أجنبية ومسلمة يأخذون من كل لسان بطرف دون أن يتقنوا لسانا معينا بشكل جيد وسليم. وهذا ناهيك عن التفاوت العميق في الفرص المادية والاجتماعية والمعرفية، حيث تساعد الرواتب العالية والتقاليد الاجتماعية الأسر الفلامانكية الأصلية من تهيئة مختلف الظروف المواتية للطفل (سكن، ملبس، رفاهية...)، بينما لا تُوفر هذه الظروف لأطفال الأجانب الذين يعيشون في ضيق وخصاص ولا استقرار.  

***

بقلم: التجاني بولعوالي

 

لا تعترف معاجم السياسة في العراق بمفردة "الاستقالة"، فالديمقراطية العراقية الحديثة تنص على أنه غير مسموح بمغادرة المنصب إلا بعد أن تمتلئ خزائن المسؤول بما تم نهبه من المال العام، عند ذاك يقرر "مسؤولنا " أن يغلق ستار المسرحية ليتفرغ لمشاريعه التجارية الخاصة.

في هذه البلاد العجيبة والغريبة يجلس المواطن العراقي كل يوم أمام شاشة التلفزيون في انتظار أن يسمع خبر الانتهاء من أزمة الدولار، فيبشره السيد نوري المالكي بان الازمة ستطول وعليه ان يشد الحزام.. منذ ان حول أيهم السامرائي اموال الكهرباء الى حسابه الخاص، واخبرنا حسين الشهرستاني اننا سنعيش أزهى عصور الإعمار والرفاهية"، أدركنا أنه سوف المسؤول العراقي سيلازم الشاشة يتحدث عن الأخلاق والفضيلة، وأن الشعب لا يحتاج إلى المصانع والمعامل والمزارع، وإنما إلى تغريدات عالية نصيف .

تعلمنا، من الخراب الذي يحاصرنا منذ سنوات، أنّ المسؤول والسياسي العراقي، ما أن يجلس أمام المايكرفون حتى يتراءى له، أنه مصلح اجتماعي، ولذلك ضحكت وأنا أسمع جمال الكربولي يتخدث عن النهزاهة والحفاظ على المال العام .

أسوأ أنواع الخطباء، من يتصور أن الناس لا تملك ذاكرة، ولهذا تجده فاقد الإحساس والخجل، ويفعل ما يشاء، دون أن يقول له أحد؛ يارجل كان بإمكانك أن تعيد أموال الهلال الأحمر أولاً، قبل أن تتحدث عن جيوب المفسدين.

بسبب "هواية" الاستقالة التي يتباهى بها المسؤولون الغربيون، خرجت علينا رئيسة الوزراء النيوزيلندية جاسيندا أرديرن لتعلن أنها ستتنحى عن منصبها بحلول السابع من شباط المقبل، قائلة "ببساطة.. لم تعد لدي طاقة كافية للاستمرار في السلطة أربع سنين إضافية".

تحدثت وهي تبكي: "كوني رئيسة للوزراء كان أعظم شرف في حياتي، وأود أن أشكر النيوزيلنديين على الامتياز الهائل لقيادة البلاد على مدى السنوات الخمس والنصف الماضية". وأضافت "لا يمكنك ولا يجب عليك القيام بالمهمة ما لم يكن لديك خزان ممتلئ، بالإضافة إلى احتياطي قليل لتلك التحديات غير المخطط لها وغير المتوقعة التي تأتي حتماً".

تخيلوا امرأة تبكي وتقدم استقالتها في وقت "عصيب"، يحتاج منها أن تُمسك بالكرسي بيديها وقدميها، لكنها ياسادة "قِلّة" خبرة، وضعف في "الإيمان" بأن الشعب لا يطاع له أمرُ، وغياب لمبدأ "ما ننطيها"..

هل "جنابي" يكتب هذا المقال من أجل أن يكون لدينا في حكومتنا العتيدة نموذج مثل رئيسة وزراء نيوزيلندا؟، لا. سوف يكون عندنا "روزخونية"، وأعضاء برلمان بلا حرص وطني وبلا كفاءات، وسوف يكون لدينا من يعتقد أن وجوده في حياتنا "هبة" ربانية، وأنه ثروة وطنية، لا يمكن مقارنتها بمئات المليارات التي نُهبت. والاهم ان جميع مسؤولينا لديهم خزانات لا تزال بحاجة الى مليارات جديدة.

***

علي حسين

 

تحظى بطولة كأس الخليج العربي لكرة القدم، التي تقام في مدينة البصرة العراقية، بإشادة واسعة، في الوقت الذي خطف حفل افتتاحها مساء الجمعة، أنظار المتابعين العرب وحول العالم، ورأى مراقبون أنها تعزز الهوية الخليجية والعراق عند الجمهور .

وحرصت الجماهير العراقية خلال الأيام الماضية، على التعبير عن سعادة كبيرة باستضافة البطولة بمدينة البصرة وتأكيد العلاقات الأخوية الوثيقة التي تربط بين شعوب المنطقة، في حين اختلطت الاحتفالات بين مختلف الجماهير الحاضرة، في مشاهد تبرز الهدف النبيل من هذا التجمّع الخليجي .

البصرة أول مدينة بناها العرب المسلمون في زمن الخليفة عمر بن الخطاب عام 14 للهجرة، على يد القائد العربي عتبة بن غزوان، لتسجل كأولى المدن العربية تأسيساً ونشأة مع توأمها الكوفة بوسط العراق، وكانت البصرة منطلقاً للعرب في فتوحاتهم نحو الشرق، حيث جابت جيوشهم أرجاء العالم إلى أن وصلت حدود الصين .

تثير بطولة "خليجي-25" التي تستضيفها محافظة البصرة جنوب العراق الشهر المقبل من السادس وحتى الـ 19 من يناير المقبل، كثيراً من الجدل في البلاد بين مؤيد لها ومعارض لإقامتها، بخاصة أنها قد تجرى في ظروف صعبة وقت تسيطر عليها أحداث سياسية أثرت على الاجواء في العراق وإنه من غير الممكن أقامت هكذا حدث وهو استحقاق للعراق مما يدفع البعض من اعتبارها محاولة لإظهار أن البلاد باتت مستقرة نتيجة لما هو واقع حال .

إذا كانت السياسة أسقطت كل سلبياتها وسَوْءاتها على المشهد الرياضي العراقي، طوال أربعة عقود من الزمن، فإنها هي ذاتها السياسة يمكن أن تفتح الأبواب الموصدة من جديد .

وبشهادة الجميع تقريباً، أثبتت الصورة جلياً لـ بطولة خليجي 25 في مدينة البصرة العراقية، ابتداءً من السادس من كانون الثاني/ يناير الجاري، نجاحاً مبهراً ومتميزاً، ربما لم يسبق له مثيل خاصة بعد ما مر به العراق من ظروف قاسية، منذ انطلاق هذه البطولة في عام 1970 من البحرين، حتى نسختها الـ 24 في دولة قطر عام 2019 .

بدا واضحاً أن العراق، عبرت مختلف مؤسساته الحكومية وغير الحكومية المعنية بملف تنظيم البطولة وإنجاحها، يخوض غمار تحدٍّ كبير جداً، لا يحتمل في أي حال من الاحوال أن ينتهي بالفشل والإخفاق، ولا سيما أن استضافة العراق للبطولة انطلق قبل أكثر من عشرة أعوام، حين كان مقرَّراً أن يستضيف البطولة في نسختها الـ 21، بيد أنه الظروف حالت دون ذلك، لأسباب فنية، لم يتحقق ذلك، وتكرّر الأمر مع البطولات اللاحقة الـ 22 والـ 23 والـ 24.

إن الذي بدأ في السادس من يناير/ كانون الثاني الجاري والذي اختتم الخميس -يأتي ضمن مساعي العراق لطي صفحة عقود من العنف وعدم الاستقرار والعزلة .

إن خليجي 25 فرصة ثمينة يمكن أن تساعد في تعزيز العلاقات بين العراق وبقية دول الخليج، مضيفا أن استضافة البطولة تمثل علامة على التعافي بعد السنوات العجاف والاضطرابات السياسية على الرغم من وجود منغصات من هنا وهناك وهذا شيء طبيعي في كل الأمور.

إن استضافة البطولة - التي تقام كل عامين وتشارك فيها دول مجلس التعاون الخليجي الست إضافة إلى اليمن والعراق - شكلت أول فرصة للعديد من مواطني الخليج لزيارة العراق والتعرف على الثقافة العراقية وكرم أهله وطيبه .

وإن الكرم العراقي اللافت لنظر الجميع هو ليس شيء مفتعل من أجل المباهاة والغرور .. لا وإنما هذا شيء قد تربى عليه العراق منذ ان نشأت حضارته وأنه صفة يلازم كل بيت عراقي فما بالك كرم البيت العراقي الكبير وهو الوطن وعراقته وأصوله وطيب جذوره .

إذ أن البطولة مثلت فرصة نادرة لسكان العراق لمشاهدة حدث كروي دولي في بلادهم، والأهم من ذلك التعبير عن اعتزازهم بوطنهم وسعادتهم بما يمثله الحدث الرياضي من تضامن عربي دولي إقليمي بمثابة لم شمل الأوطان بوطن الحضارة الأولى في التأريخ حضارة وادي الرافدين ليكون بلد واحد ويد واحدة وقلب واحد .

أن مظاهر الكرم العراقي اللافت والذي ترجمه الاحتفاء الشعبي أشقائنا وإخواننا من كل دول خليج ماهو إلا إصرار على إعطاء العالم صورة عن الأخوة بين الأوطان كوطن واحد الذي تدفقوا عليه لحضور هذا الحدث الرياضي بدوره فتح العراق أبوابه وبيوته لأهلنا وأحبتنا

وإخواننا من دول الخليج ولأي مواطن عربي شريف وغيور

فتح العراق أذرعه وهو يوفر تسهيلات جمة لدخولهم البلاد من دون تأشيرة، على هامش بطولة كأس الخليج العربي ٢٥، المقامة حاليا في محافظة البصرة (جنوبي العراق)، في مشهد عكس عمق الروابط عززته إرادة الحكومة العراقية بتمديد جميع التسهيلات لمواطني دول مجلس التعاون الخليجي حتى بعد انتهاء البطولة.

و ينتهج العراق خطوة وخطا ًجديداً بالتقرب من المحيط العربي مستفيدا من هذا المحفل الرياضي مناسبة اجتماعية كبرى، ففي حفل أقيم للوفود الخليجية - السبت الماضي - وصفت فيه البطولة بأنها تحولت إلى عرسٍ عربي، ولقاءٍ أخوي على أرض العراق، بما هو أكبر من مجرد مناسبة رياضية .

وأن التسهيلات التي رافقت البطولة على الحدود ستستمر إلى ما بعدها، وأن العراقيين يرحبون بـ أشقائهم من دول الخليج ومن جميع الاوطان حين تؤازر هذه الجموع بلد اخوي لهم .

الحضن العربي

وإلى هذا النحو إن الجميع أدركوا ضرورة الاقتراب من الحضن العربي، الذي لا بديل عنه باللجوء إلى خيارات إقليمية أخرى لا تفكر بسوى مصلحتها والابتعاد عن كل تقارب عربي أخوي غايته تفكك هذه الأوطان وأضعاف يده لاحتضان اخوتهم العرب والذي على أساسه أطلق عليه بالوطن العربي وخليج عربي واحد، مبينا أن شخصية هذا الوطن شخصية حاضنة لأبناء العرب كافة دون حياز وتمييز حضانة عروبية متفهمة لكل العرب في هذه المرحلة .

ظهرت هناك أن متغيرات مفصلية جعلت العرب يغيرون بعض الصور النمطية المرسومة عن العراق . وشددوا على أن ما يجمع الدول العربية وأنظمتها أكثر مما يفرقها، وهي بحاجة ماسة اليوم للتوحد أكثر وتعزيز التقارب والتكاتف وصنُع المُشتركات التي توحدهم كوطن عربي واحد .

وأن الارتياح الذي لاقوه أخوتنا وأهلنا من دول الخليج كافة كان سمة بارزة في هذا الاحتفال الجماهيري والحدث الكروي الذي غاب عن العراق سنين عدة .. وعلى المستوى المجتمعي هناك مزاج عام عربي وعراقي يتجه لتعزيز العلاقات هذه إن شاء ألله، وهذا ما تحتم على الظرف العام على اتخاذ خطوات لتقريب المواقف أكثر .

***

بقلم: أحمد القيسي

 

مصطلخ: إشارة إلى عدم الإصلاح والفائدة

من عجائب عوق الأمة أن نخبها تتمسك بالمصطلحات المستوردة من بلاد الآخرين، وتراها حسب ما تتوهم، وتفرضها على واقع لا يعرفها، ومنها العَلمانية من العالم، أو العِلمانية من العلم، وإختصروا الموضوع بفصل الدولة عن الدين، وتمرغت الأجيال بهذا التوصيف المدمر المشين، فلا إستطاعت أن تساير الدنيا بأنظمة حكمها، ولا بعلومها فأضاعت الإتجاهات.

الكثير من المفكرين أو النخب، مصابون بعاهة الإنبهار بالآخر البعيد، ومنقطعون عن تراث الأمة ومحطات توهجها الحضاري.

وهناك مصطلحات أخرى كالإزدواجية التي حشر المجتمع فيها، وهي ليست قدحا بل مدحا لأن بشر الدنيا فيه أكثر من إزدواجية بعشرات المرات وتحركه بوصلة مصالحه الشخصية.

وهذه العلة مستشرية ومستوطنة في ديارنا، وتفرض وجودها على الأجيال، ويشترك بتعزيزها معظم المفكرين والفلاسفة، وأصحاب الأقلام الذين يكتبون بالعربية.

ويمكن القول أنها من العوامل التي فعلت بسلبية في الواقع العربي، وجردته من طاقات الإبداع الأصيل،  والإبتكار الأثيل اللازم للتعبير عن جوهره وتطلعاته، وأوهمته بالدونية والتبعية والخنوع لإرادة الآخر، الذي يصنع ويزرع، ويدير دولة بدستورية عالية وقوانين عاتية.

ولا بد للفاعلين في المجتمع أن ينطلقوا من أعماقه، ويشيّدوا معالم كينونته الكبرى، ويتحرروا من أمراض الإنبهار، والتأثر المغفل بالآخر الذي يحتضن تراثنا في دياجير المكتبات والمتاحف، ويطلق منها ما يشاء ويخفي ما يشاء، ليوهمنا بأننا أمة جهل وفقر ومرض وهمجية حمقاء وسفه عقائدي وتوحش ديني، يتمثل بالحركات التي يصنعها ويمدها بما يؤهلها لتدمير الوجود العربي في كل مكان.

أيها المفكرون عليكم الرجوع إلى عناصر الكينونة العربية، بعيدا عن مفردات الحالة الأجنبية، التي تخدعكم وتضللكم لتأمين مصالحها ومشاريعها الإستحواذية على وجود أمة ذات ثراء معرفي كبير.

فهل من رؤية موضوعية جادة ذات قيمة حضارية ساطعة؟!!

***

د. صادق السامرائي

 

صرخت إمرأة بحدية إحساساً بالظلم الشديد بين حشد من النازحين الذين تظاهروا في وقفة سلمية أمام ممثلية التربية في أربيل، لإنصاف الطلبة النازحين والتنديد بقرار وزارة التربية بتقليص المدارس في أربيل، وحرمان هؤلاء الأطفال من حقهم في التعليم إلى جانب مظلوميتهم من التهجير والإهمال والضياع.

إن منظومة التعليم تحتاج إلى تطوير كبير ليس فقط في مضاعفة أعداد المدارس والرحلات رغم أن المدارس حتى اللحظة ليست كافية لأعداد الطلبة .. فالطالبات والطلّاب يجلسون على الأرض ونحن في عام ٢٠٢٣، ومقاطع الفيديو المنتشرة على المواقع الإلكترونية دليلاً كافياً على قولي، فضلاً عن ضعف طرق التدريس وتعنيف بعض المعلمين للطلبة وإهمال بعض المعّلمات لواقع الطلبة التعليمي ومستواهم الدراسي وإنشغالهن في تصوير السنابات والإعلانات على السوشال ميديا التي حوّلت العقلاء إلى مجانين، بل وصلنا إلى حال أن تبعث المعّلمة عنوان الدروس لأهالي الطلبة على قناة التلكرام أو الواتساب وتقول : هذا الواجب تعالوا حافظين ! فهل أصبح دور الأهالي أن يتحملوا مهمة التدريس إلى جانب عبأ المصاريف!؟ وزادت المصاريف باللجوء إلى التدريس الخصوصي، لكي يتخرج طالب الإبتدائية على يد معلمات الخصوصي ثم يتخرج من الإعدادية ليدخل جامعة أهلية، كونها تتكاثر يوماً بعد يوماً لتتحول منظومة التعليم من مشروع علمي إلى تجاري إستثماري .. وزارة التعليم أهملت كثيراً من الملفات وذهبت إلى  تحديد المدارس في أربيل، ما أثار غضب النازحين هناك كونهم شريحة فقيرة لا تستطيع أن تُسفّر أولادها لكي يتعلموا في الخارج مثل أولاد المسؤولين، مايعد قراراً مجحفاً بحق ٧٥ الف طالباً .

أتساءل هل هذا القرار يتلائم مع حقوق الإنسان والدين الإسلامي الذي تتحدث عنه الأحزاب الإسلامية والدستور العراقي؟ في ظل عودة المعلمين إلى مناطقهم ليبقى الطلبة بلا هيئة تدريس إلى جانب تقليل المدارس مايجعل الأهالي يذهبون إلى المدارس الأهلية.

كلمة أخيرة يقول الإمام علي: إياك والظلم فمن ظلم عباد الله كان الله خصمه .

***

ابتهال العربي

ليلة أمس كانت امتحانا رهيبا ..

نقترب من تحقيق الحلم فتعيدنا الأقدار واقدام العمانيين وصافرة الحكم إلى خانة الصبر المر ..

يحلق بنا ابراهيم بايش من بوابات الصبر إلى حافات الحقيقة

لكن احيائي عمان وصافرة الحكم الروماني يعودون بنا القهقرى عند استذكار أجنحة حلمنا يوم ارادوا له الإجهاض في ملعب اريا مهر عام ١٩٧٧ ومرارة صبرنا عام ٢٠٠٧ لكن جلال حسن كان له رأيا آخر

لعبنا ولعبوا

اجدنا واجادوا

سجلنا وسجلوا

اوقفنا اصرارهم بهدف جميل

فاوقفوا فرحنا قبل ثواني من إعلانه

عضضنا على النواجذ حين استطال الزمن

فصمدوا لنا حتى ارهقوا كاهلنا

اقتربنا من اليأس

كاد صبرنا أن يخون

لكن عزيمتنا لم تفتر

وفي لحظة مجنونة لا نعرف لأي زمن تنتمي

جاء امجد عطوان بالبشارة

فاشرأبت الاعناق شكرا للسماء

وصدحت تهليلتنا في الإرجاء

لكنهم لم يمهلونا إلا تسعين ثانية

فخاب مرة أخرى الرجاء

ومشينا نحو ضربات الجزاء

ونام الحلم وخف الرجاء

حتى ايقظه قبل دقائق الانتهاء

فتى ملؤه الكبرياء

وكان فيه للعراق وفاء

وأنهى الملحمة حكم اللقاء

فقبلت عمان بنصيبها

وزين النصر راس عراق الإباء

***

راضي المترفي

 

شتان ما بين إقترابات القرن العشرين والقرن الحادي والعشرين، وفي كل مرحلة إنتقالية ما بين قرنين تتداخل الرؤى والتصورات في الربع الأول من القرن الجديد، وهذا يحصل في الواقع المعرفي اليوم.

وستندثر قدرات القرن السابق، غير أننا لا نزال نرى وسائل الإعلام بأنواعها تحتشد بما لا يمت بصلة للقرن الحادي والعشرين، ومنها التركيز على التلميج والتلويح والغموض والمعنى في قلب الكاتب، وغيرها من الموضوعات التي يرفضها القرن الحادي والعشرون.

فالذين لا يستوعبون المتغيرات المتسارعة سيتواصلون في مراوحتهم في ذات البقعة الخاوية، ويتوهمون بأن أجيال القرن الحالي ستتأمل وتجتهد في إستنباط ما يعنيه الكاتب أو المبدع بنصه، وهذا الزمان قد ولى وإنتهى، والمطلوب الوضوح الساطع والمباشرة، والقدرة على وضع الفكرة بكلمات تدل عليها وتبينها، لا تدعو القارئ للكشف عما يريده الكاتب، وتحسب ذلك من لذة القراءة والتواصل مع النص، اللذة تكون بالفكرة الجلية حتى توفر للقارئ الوقت والجهد وليس العكس.

فعلى سبيل المثال، أجيال القرن الحادي والعشرين لن تجد فيهم نسبة كبيرة يستمعون للأغاني الطويلة، بل يريدون الأغاني القصيرة ذات الإيقاع السريع.

وعلى هذا المنوال لن تجد مَن يقرأ ما هو غامض ومبهم، لأنه سيشير إلى عجز صاحبه عن وضع الفكرة في كلمات تدل عليها، فالإبداع التجريدي إنتهى.

وصياغة الفكرة في عمل إبداعي يشير إليها هو المطلوب، حتى في العمارة، وما تأتي به طاقات الإبداع المادية والأدبية والعلمية.

فالدنيا تقدمت ووصلت إلى ما هي عليه اليوم بالأفكار الواضحة، التي تحولت إلى موجودات تشاركنا الحياة، ولولا الوضوح والسطوع لما أوجدنا العديد من الحالات والمبتكرات.

فتحرروا من أوهام الغموض والتعتيم والتلميح وغيرها من مفردات التعويق العقلي والإبداعي.

فالشمس ساطعة وتخبرنا عن معنى الحياة!!

*** 

د. صادق السامرائي

 

في المثقف اليوم