أقلام حرة

أقلام حرة

معَ نهايةِ الحربِ الباردةِ تطلعَ العالمِ إلى عالمِ أفضلَ يخلو منْ الصراعاتِ والحروبِ ويختفي الجهلُ على الأقلِ والفجوةِ بينَ الشمالِ والجنوبِ عالم يعيشُ داخلَ قريةٍ صغيرةٍ ويتحولُ معَ تكنولوجيا الاتصالاتِ إلى عالمِ داخلَ حارةِ "جيو" فكانَ الخبرُ يصلُ بعدَ شهرٍ إذا وقعَ في واشنطن يصلُ إلى لندن بعدَ شهرِ فأصبحَ الآنُ يصلُ بعد ثانيةٍ واحدةٍ لكلِ أنحاءِ المعمورةِ فليسَ هناكَ ما تخفيهُ منْ أسرارٍ.. عالمٌ ينهي حضارتهُ بالمثلثِ الرهيبِ. الخوفُ، الجوعُ، الفقرُ.. فالعالمُ كلُ يومٍ يقرأُ أخبارا عنْ احتمالاتِ نشوبِ حربٍ نوويةٍ أوْ تهديدِ للكورة الأرضيةَ منْ تغيراتٍ مناخيةٍ وكوارثَ طبيعيةٍ وزلازلَ وتهديدِ سلةِ الأمنِ الغذائيِ والشحِ المائيِ والتصحرِ. وارتفاعَ الأسعارِ.. وتعرضَ أكثرُ منْ نصفِ العالمِ للجوعِ وأكثر منْ نصفِ شعوبِ دولِ العالمِ الثالثِ تعيشُ تحتَ خطِ الفقرِ؛ الأسوأِ بدأَ والقادمُ مخيفٌ، عالمٌ تسودهُ " ثقافةُ التفاهةِ والفرجةِ " شعبويةٌ اليومِ والعهرِ السياسيِ شعارُ لايخجلْ بهِ المشهدُ السياسيُ العالميُ " فوضى عارمةً تجتاحُ العالمَ في غيابِ نظامٍ دوليٍ وغيابِ دورِ الأممِ المتحدةِ منْ واجبها المنوطِ بها منْ الصراعاتِ الإقليميةِ والحروبِ الأهليةِ. والسباقُ للتسلحِ أديَ إلى ظهورِ التضخمِ والركودِ الاقتصاديِ وانهيارِ بنوكٍ عالميةٍ في أعظمَ وأكبرِ اقتصادٍ في العالمِ ووباءٍ حصدَ ملايينُ البشرِ وحربِ شبهٍ عالميةٍ بدأتْ ولمْ نعرفْ سيناريو نهايتها.. كتبُ الكاتبِ "جوزيهْ ساراماغو" في كتابهِ المفكرةَ مقالةً أدبيةً قصيرةً، يصفَ فيها العصرُ الحديثُ الذي نعيشهُ، فيقولُ؛ - في كلِ يومٍ تختفي أنواع منْ النباتاتِ والحيواناتِ، معَ اختفاءِ لغاتٍ ومهنٍ. الأغنياءُ يزدادونَ غنى والفقراءُ دومًا يزدادونَ فقرًا في كلِ يومٍ على حدةِ ثمةَ أقليةٌ تعرفُ أكثر، وأخرى تعرفُ أقل. الجهلُ يتسعُ بطريقةٍ مخيفةٍ حقًا.

في هذهِ الأيامِ نمر بأزمةٍ حادةٍ في توزيعِ الثروةِ. فاستغلالُ الفلزاتِ وصلَ إلى نسبٍ شيطانيةٍ، الشركاتُ المتعددةُ الجنسياتِ تسيطرُ على العالمِ. لا أعرفُ إذا ما كانتْ الظلالُ أمِ الخيالاتِ تحجبُ الواقعَ عنا. ربما يمكننا مناقشةَ الموضوعِ إلى ما لا نهايةً. ما هوَ واضحٌ حتى الآنَ هوَ أننا فقدنا مقدرتنا النقديةُ على تحليلِ ما يحدثُ في العالمِ. إذْ نبدو محبوسينَ بداخلَ كهفِ "أفلاطونْ ". لقدْ تخلينا عنْ مسؤوليتنا عنْ التفكيرِ والفعلِ. فقدَ حولنا أنفسنا إلى كائناتٍ خاملةٍ غيرِ قادرةٍ على الإحساسِ بالغضبِ، وعلى رفضِ الانصياعِ، والقدرةُ على الاحتجاجِ التي كانتْ سماتٌ قويةٌ لماضينا الحديثَ – إننا نصلُ إلى نهايةِ حضارةٍ ولا أرحبُ بنفيرها الأخيرُ. إنَ مجمعَ التسوقِ (المولْ) هوَ رمزُ عصرنا. لكنْ لا يزالُ ثمةَ عالمٌ مصغرٌ ويختفي بسرعةٍ، عالمُ الصناعاتِ الصغيرةِ والحرفِ. ففي حينِ أنهُ منْ الواضحِ أنَ كلَ شيءٍ سيموتُ في النهايةِ، ثمةَ أشخاصُ كثيرٍ لا يزالونَ يأملونَ في بناءِ سعادتهمْ الخاصةِ، وهؤلاءِ آخذونَ في التقلصِ. أنهمْ يرحلونَ مثلُ المهزومينَ، لكنَ كرامتهمْ محفوظةً، يعلنونَ فقطْ أنهمْ ينسحبونَ لأنهمْ لا يحبونَ هذا العالمِ الذي صنعناهُ لأجلهمْ. نعمَ لكلِ شيءِ بدايةِ ونهايةِ فقدٍ بدأَ عصرُ الاضمحلالِ..!!.

***

محمدْ سعدْ عبدِ اللطيفْ

كاتبٌ مصريٌ وباحثٌ متخصصٌ في علمِ الجغرافيا السياسيةِ

 

"في البدء كان الكلمة"، وعقبها الصراع الإنساني الذي سعى، ولا يزال، إلى تملك هذه الكلمة والهيمنة عليها، ومن ثم، بدأت تظهر بوادر الجشع البشري، والأنانية والفردانية المتوحشتين، فلم يكن من الإنسان إلا أن يحتكر الكلام، ويتسيد به على أخيه الإنسان؛ لأنه المسيطر تفطن باكرا إلى قوة القول وسلطته على النفوس. فبدأ الصراع الإنساني يحتكر تأويل النصوص، وسن القوانين التي تخدم مصلحته، والنتيجة أنه خلق "حقيقة" وفصلّها على مقاسه ومصلحته.

ولأن الضعفاء المقموعين لا يملكون إلا الكلام، فإن المسيطر ما فتئ يجردهم منه، ويفرض قيودا مجحفة وقاسية على كل من تملك هذا الكلام، وعبر عن "حقيقته" التي تخالف "حقيقة" المهيمن. ذلك أن الضعيف يعي أن الكلام سلاحه، وبه يستطيع إنزال المسيطر من برجه العاجي وعليائه.

بيد أن توالي الأيام أجهز على حرية الكلام إجهازا تاما، حتى باتت الكلمة نذرَ سوءٍ على صاحبها، وأضحى من يملكها خطرا كبيرا لا بد من مناهضته، ومحاربته بكل أشكال التعذيب والقمع المباح، إلى أن غدا كل من تكلم ملعونا، ولعنته تُورثه العقوبات والعذاب.

نحس، معشر الفقراء، بالظلم والحيف، وتُهضم حقوقنا في واضحة النهار، وتتقطع أوصالنا جوعا، ونختار الصمت تورعا وتقية، ولكن قساوة الحياة، وشظف القلوب وجشعها، جعلانا نتلفظ بما يعتمل في أنفسنا، ونمجُّ الأوجاعَ الحارقةَ التي تأكل دواخلنا. فتكون النتيجة قمعا غليظا، وسجنا ونفيا وتشريدا.

لقد وعينا أن كلمتنا سلاحنا، ومفتاح نجاحنا في لقمة العيش الكريمة، وتحقيق عدالة اجتماعية وسياسية واقتصادية، عدالة تذيب كل الفوارق الاجتماعية الطبقية، وتَبْذُرُ السلمَ والاستقرارَ الاجتماعيَّ في كيان المجتمع.

لذلك، تألمنا لحال فقرائنا، وتوجعنا لأوجاعهم، وصرخنا لصرخاتهم، وبكينا لبكائهم، وقسينا مغبة صمتنا وصمتهم، فكانتِ الحالُ أوضاعا اجتماعية مزرية، وبطونا فارغة خاوية، وباتتِ الكلمةُ لعنةً تَسودُ سحنةَ صاحبِها، وقيودا وأغلالا تطوق عنقه، فتكون سببا لعذابه وأوجاعه.

تحسّسْنا أوجاعَ شعبنا، وأنصتنا إلى شكواه المكرورة، ونداءاته المؤلمة، واستنجاده الطويل، ولكننا، معشر المثقفين، اخترنا الصمت على الأصوات الصاخبة، والعمى على المشاهد البشرية الدامية، والنوم على الأمعاء الخاوية التي يدغدغها الجوعُ والسهادُ الدائمان المتلازمان.

يا معشر المثقفين!

إن بلادنا تعاني أوجاعا قاتلة، وأمراضا مزمنةً لما تغادر ترابنا بعد.. إن الأوضاعَ الاجتماعيةَ والثقافيةَ تدمي القلبَ، وتبكي العينَ. فحكومتنا لا تسمعُ صُراخَنا ونداءَنا، ولا تولي اهتماما ولا اعتبارا لبكائنا ودموعنا الهطّالة.

إن حكومتنا الرشيدة تعيش في برج عاجٍ، وشعبنا المكلوم يعاني الأمرين، ويصارعُ الفقرَ المتفشيَّ، وينادي بالصحة الإنسانية، والكرامة والعدالة الاجتماعية.. والتعليم العمومي الاجتماعي الذي يَبني الفردَ والمجتمعَ، ويسهم في استقرار الأفراد والبلاد.

فمواطنُنَا المغربيُّ لم يعد يريد مسكنات، ولا تفاهات وخرافات تفرغه مما تبقى من إنسانيته وكرامته. إنه يريد عقارا يشفي جروحه، ويشعره بقيمته كإنسان يستأهل العيش والوجود.

إنه يريد أناسا صادقين، تُحركهم خدمةُ الوطنِ والمواطنِ، والارتقاء بهما إلى مراتب الحرية والكرامة الإنسانية. ولا يريد أناسا يبيعونه الوهم والكذب.

إن محنةَ هذا الشعبِ مسؤوليةُ الجميعِ، ولا سبيلَ إلى شفائه وإنقاذه دون رد الاعتبار للكلمة الصادقة، والوفاء للوطن وشعبه، والارتقاء بأفراده اجتماعيا وثقافيا. ويقع العبءُ الأكبرُ، في هذه المرحلة الحرِجة، على المثقفين الذين تُحركهمُ العزةُ والكرامةُ الإنسانيتانِ، وتشحذُ نفوسَهم حريةُ الإنسانِ وعيشُه الكريمُ.

فأطلقوا سراحَ الكلمةِ المعتقلةِ، وتَوِّجوا رؤوسَ الضعفاء بحرية التعبير والكلمة؛ لأنها سبيلٌ للتعبير عن أوضاعهم الموجعة، وإسماع أصواتهم المبحوحة إلى من يهمهم أمر هؤلاء الفقراء المساكين، الذين ملأوا هذا الشهرَ الكريمَ بكاءً وعويلا، واستقبلوه بغلاءٍ وشدةٍ اجتماعية، ومحنةٍ إنسانيةٍ بات يعرفها القاصي والداني.

ارتقوا بثقافتنا وتعليمنا، وحرروا هذا الشعبَ من الخرافة والأَسْطَرَةِ، واشحذوا عقولَ أبنائه بما سيعود عليهم وعلى وطنهم بالنفع؛ لأن لا سبيل إلى خدمة الوطن وحبه دون كرامة وعدالة اجتماعية، تحقق للجميع شرطَهُ الوجوديَّ والإنسانيَّ.

***

محمد الورداشي

الباص.. أو الوطن

بكل ما يحمله من معلم، باص درويش كان معبرا عن الوطن الذي يجمع بين ثناياه كافة أطياف المجتمع من قائد الباص إلى الشاب الجامعي والمرأة المتؤسفة على ولد أنجبته والجندي والشاعر الذي تعب من السفر.

يجمعهم جميعا إحساس مشترك بالقهر ومبدأ واحد يقول: لا شيء يعجبني.

كلهم كانوا يعانون ويبكون حال أوطانهم التي أنهكها الشتات والدمار.

حين نقرأ القصيدة ونحلل أبعادها ونفهم معناها وظروف كتابتها، نتفهم كثيرا درويش الذي عبر بقلمه عن معاناة شعوب كثيرة في فترة ما من الزمن لا تزال تجلياتها قائمة في عديد من الدول.

لكننا لا نفهم ذلك الفرد الذي يعيش في وطن سائر في طريق النمو في زمن يشهد صعود قوى وتهاوي أخرى ... مع ذلك لا شيء يعجبه؟!

فرد كثير التذمر يجلس خلف شاشة يوزع من خلالها طاقته السلبية على كل من يقرأ له في وقت يحتاج منا بعث روح الأمل للدفع بالقوة الفاعلة في المجتمع نحو العمل والتقدم، لكن هذا الفرد لا شيء يعجبه.

هو فرد نشأ في ظروف معينة في زمن تحطمت فيه قيم ومعنويات جعلت الأفراد في حالة انهيار نفسي؛ البعض فيهم خرج منها بمجرد عودة انبعاث الأمل والبعض يرفض التراجع عن مواقفه حتى مع ما يراه من تغيير واضح بدأ يتجلى منذ فترة ليست ببعيدة.

فرد كان في زمن ما معارضا لسياسات وممارسات قديمة هو نفسه الفرد الذي يعارض اليوم حتى ذلك التطور الذي لا يريد أن يراه لأنه يريد الذوبان في عقلية التذمر والاعتراض والانتقاد؛ فهو لا يعجبه الكلام إلا إذا امتزج بصيغ القدح والذم والنقد الهدام، ولا يعجبه الأفراد إلا إذا كانوا على نفس منهجه في التفكير، فالحرية مثلا بالنسبة له هي حرية أن تعتقد ما يعتقده هو وترى الأمور كما يراها، مع أن الحرية هي أن يعتقد المرء ما يشاء دون أن يفرض فكره على الآخرين وبهذا تسود قيم التسامح والعيش المشترك والتي وحدها تسمح ببناء أمة قوية لا شتات فيها.

هو نفس هذا الفرد الذي يثير نعرات لغوية وعرقية في حين غيره يعمل ويكد سواء بالمجهود الفكري أو العضلي للمساهمة في بناء أمته، فيكون بذلك عضوا فعالا فاعلا ومثل هؤلاء ممن يضعون النظريات وغيرهم ممن يساهمون في تطبيقها كل في مجاله، لا تجدهم أبدا يتذمرون وإذا وجدوا نقصا تصرفوا بعقلانية. هم أفراد يعملون في المجال العلمي والاقتصادي بمؤهلات عالية تجعلهم دوما في حالة نشاط. فنحن نقرأ يوميا تحليلات لأخصائيين في الاقتصاد وفي العالم الجيو سياسي تقول أن هناك ما يعجب عكس ذلك الذي لا شيء يعجبه والذي هو محلل يفهم في كل شيء حسبه، يجمع بين السياسة والاقتصاد والعلم لكن بأدبيات حساسيتها زائدة (ليست كل الأدبيات ففيها أصحاب المنطق الذين يصوغون فلسفاتهم العقلانية في قالب أدبي رائع، لكن المقصودين هنا أصحاب التفكير المتسرع المبني على عاطفة لا عقلانية)، وذلك عكس المختص في السياسة والاقتصاد بشهادة تؤهله للتحليل بمعطيات منطقية واقعية لا مجال فيها للخيال المتشاءم.

لكن ذلك الفرد الذي يعيش في عزلة وراء شاشة يبعث من خلالها موجاته السلبية التي تحطم نفسية جيل نحن بحاجة إليه في مرحلة البناء والنمو هذه والتي تتطلب منا الوعي بأهميتها وأهمية أن نكون قد المسؤولية الملقاة على عاتقنا، كل في مجاله.

هو فرد لا شيء يعجبه في بلاده التي تلعب دورا محوريا في قارة غنية بالموارد هي من زعمائها، ولا يريد أن يعترف بمواقف بلاده المشرفة في دعم القضايا العادلة في العالم، وهذا لأنه بينه وبين نفسه يرفض (تكبرا منه ربما) أن يعترف بنجاعة سياسة أشخاص كان في زمن ما يرفضهم؛ لنا الحق في الاعتراض على ما لا يعجبنا لكن حين تبدأ الأمور في التغير وحين نرى دعما خارجيا وإشادة من قوى عظمى علينا إعادة النظر في مواقفنا، فلا بأس أن نتراجع عن موقف لا يخدم صالح بلداننا خاصة إذا أدركنا أنه محبط للعزائم في وقت نحن فيه بحاجة للتشجيع ورفع الهمم.

إن نفسية هذا الفرد صارت مركبة تركيبا معقدا على مشاعر لا تنفعه هو بالدرجة الأولى، فهو لا يقدم شيئا بينما غيره يعمل ويتذمر بينما غيره يفكر وينتقد بينما غيره يبني.

هو فرد لا شيء يعجبه، لأنه يظن أنه يغمض عينيه ويفتحهما فيجد نفسه في بلد بحجم القوى العظمى، لكن الواقع يقول أن الصين التي كانت قبل عشرين سنة أو أكثر بقليل بلدا سائرا في طريق النمو مثل بلده، هي اليوم ثاني قوة اقتصادية فاعلة في العالم، لكنها لم تصل إليها بالانتقاد والتذمر بل العلم والعمل وحدهما من يسكنان ذهنية الفرد الصيني المشهور بجديته في العمل واحترامه للوقت في حين يقبع الفرد الذي لا شيء يعجبه ساعات طوال من يومه في الحفر والبحث والتنقيب عن العيوب، لا ليحاول ولو بجهد بسيط اصلاحها بل ليجد فيها ملاذا للنقد الهدام، لأنه لا يتحلى بالشجاعة التي تجعله يقول للمصيب أصبت لذلك يستكن للأخطاء لا ليصلحها أو على الأقل يعطي فيها نقدا بناء بل ليجد فيها عزاء لتشاءمه المزمن.

***

لامية خلف الله / كاتبة من شرق الجزائر

 

 

لا تحتاج الكوارث السياسية التي تحاصرنا إلى ذكاء لكي نكتشف أننا نعيش عصر الديمقراطية "كاملة الدسم"، فما بين اعتقال الكاتب والإعلامي محمد نعناع لأنه يضايق السيد رئيس مجلس الوزراء بتصريحاته وكتاباته، فكان لا بد من أن يلقى القبض عليه ليلاً وهو يجلس في إحدى مقاهي الكرادة..

وما بين صولة رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي على النواب الذين رفضوا قانون سانت ليغو، يعيش المواطن ازهى عصور الحرية، من منكم شاهد صور مجلس النواب العراقي وهو يعقد جلسة "ليلية" للتصويت على قانون يصادر حق الشعب باختيار نوابه؟، هل شاهدتم كيف تقف حنان الفتلاوي تنظر إلينا بريبة وضجر يرافقها أحد حمايات مجلس النواب خوفاً من أن تتعرض للإزعاج؟.. هل شاهدتم صور رئيس أعلى سلطة تشريعية محمد الحلبوسي وهو يحتمي بالعسكر لتمرير قانون يرفضه معظم العراقيين؟، ما شاهدناه ليست صوراً من داخل معسكر للأمن ولا مركزاً للشرطة يقع في المنطقة الخضراء، وإنما يا سادة هي صورة داخل قبة البرلمان العراقي حيث تعرض النواب الذين رفضوا التصويت لقانون سانت ليغو إلى الطرد واللكمات والإهانة، وتحويلهم إلى المدعي العام.. والفقرة الأخيرة أكبر نكتة سمعتها هذا العام، فقد اكتشفنا أنه في هذه البلاد يوجد منصب مدعي عام مهمته معاقبة النواب الذين لا يريدون التصويت على قانون يرسخ الخراب والانتهازية والمحسوبية.

رسائل التهديد لغة أصبحت مباحة في العراق والكثير من ساستنا لا يملكون غير لغة الوعيد والتربص بالآخرين.. لكن هل يجوز لمسؤول بحجم رئيس مجلس النواب أن تكون وسيلته الوحيدة للتفاهم هي مطاردة الخصوم وتشكيل أفواج شرطة للقبض عليهم؟، حين يحدث كل هذا فأننا نتحول من دولة شعارها القانون إلى دولة تحكمها شرطة الحلبوسي.

لعل الملاحظة الأساسية في معركة مجلس النواب، تؤكد أن التعديلات التي أقرها البرلمان فاشلة وهناك رفض شعبي لها، فكان لا بد من أن يلجأ السيد محمد الحلبوسي إلى أسلوب الصدام المباشر.. ولعل ما طالب به النواب المعترضون أمس من خلال وسائل الإعلام هو أن يكون هناك تصويت حقيقي وعلني على القانون وأن يعرض للاستفتاء الشعبي وهو مطلب لجميع العراقيين.. جميل أن يلعب محمد الحلبوسي دور محرر البلاد من المعترضين على القانون، ولكن أتمنى أن يجيب العراقيون جميعاً؛ من أين له كل هذه المليارات التي يبني بها القصور؟، وكيف تسنى له الاستيلاء على كل هذه الأراضي؟.

يسعى البرلمان بقيادة السيد الحلبوسي إلى أن يهرب بسفينة الوطن إلى المجهول ف، يتجاهل الاحتجاجات، محاولاً أن يوهمنا جميعاً بأن معركة العراق الحقيقية ليست، مع الخراب والوصولية ونهب البلاد، وإنما في اقرار قانون يعيد البلاد الى نقطة الصفر.

***

علي حسين

سمعت مرة خطابا لرئيس امريكي كله أكاذيب مباشرة عن دور امريكا في "محاربة الارهاب" و"نشر الديمقراطية" و"تحقيق السلام في العالم" و"سيادة الشعوب على أوطانها وثرواتها".. الخ.

وبعد ان افقت من الصدمة والعصبية من الكذب تساءلت: كيف يا ترى يكتب الساسة الأمريكان خطاباتهم؟ فتوصلت الى فكرة ممتازة، عملية وبسيطة: إنهم يكتبون الحقيقة عن الموضوع أولا، ثم يقلبون كل شيء، فيكون لديهم خطاب سياسي ممتاز!

يعني الرئيس يكتب اولا: نحن الإرهابيون في العالم والديمقراطية اخطر شيء علينا لأن جميع الشعوب تكرهنا فإذا حكمت بلادها طردت عملاءنا ونحتاج الى اثارة الحروب في العالم لبيع اسلحتنا وتمكين عملائنا من السلطة وان ثروات الارض كلها ملك لنا حتى ان وضعتها صدفة غبية تحت اقدام تلك الشعوب.. الخ.

اقلب هذه الحقائق، فيكون لديك خطاب امريكي رائع!

قد يكون الخطاب "رائع" لكن هل سيصدقه أحد؟ تساءلت..

لماذا لا يحاولون محاولة اكثر تواضعا، مثل أن لا يذكروا الناس بإرهابهم بل يتجاوزوه.. ان يدعوا ان بعض ممارساتهم لقمع الديمقراطيات كانت "اخطاء" وتم تصحيحها، ان يعترفوا بأنهم لم يكونوا دائما مع السلام ثم يقولون: دعونا نبدأ من جديد ونحاول بناء عالم اقل حروبا.. الخ.

أليست هذه الطريقة اكثر اقناعا وسهولة بخداع المستمع؟

يبدو ان هذا ما يعتقده الطارئون على الإعلام، مثلي. أما من درس الإعلام وتأثيره النفسي فله رأي اخر. نحن نتخيل أن القارئ "يفز" من الكذبة ويشمئز من الكاذب وتكون النتيجة عكسية دائما. لكن تبين لا، ليس دائما، ولسببين:

الأول ان الإنسان يميل الى ان يقيس الآخرين بأخلاقه هو. وباعتباره مواطن اعتيادي، فهو يكذب احيانا ولكن ليس بشكل صفيق. لذلك حين تقول له ان اسقاط ديمقراطية شيلي كانت "خطأ"، او "دعونا نبدأ من جديد" فسيخطر بباله فورا انك تكذب! لأنه يمارس هذا المستوى "الخفيف" من الكذب.

لكن حينما يقول له رئيس امريكي "عين بعين" أن امريكا تدعم الديمقراطية، فسيشعر أنه لا بد أن فيها بعض الحقيقة! لماذا؟ لأنه شخصيا يستصعب ان يكذب بـ 180 درجة ويقلب الحقائق قلبا، لذلك، لن يصدقه تماما، بل سيقول: انهم لا يدعمون الديمقراطية "دائما"، فأنا اعرف امثلة كذا وكذا كانوا ضد الديمقراطية، لكن لا يعقل ان يكذبوا تماما، فأنا اصدق انهم يدعمون الديمقراطية احيانا ويقفون ضدها احيانا! وهكذا حقق الخطاب الانتصار النصفي، عن طريق الكذب بـ 180 درجة!

السبب الثاني لكفاءة الكذب بـ 180 درجة هو أن الإعلامي أو السياسي، يقف غالبا أمام مستمع تعبان وخائف ويبحث عن رائحة "أمل". وليس من السهل على مثل هذا ان يتقبل أن أكبر قوة في العالم مصممة على نهب كل ثروته وانها لا تتورع عن خلق الدواعش لتحقيق ذلك! إنها فكرة مرعبة! ومثلها فكرة أن الرجل الذي قدمته الجهات التي كانت تمثل المقاومة في العراق، شخص وضيع منبطح بشكل تام للأمريكان ويسعى لإبقاء قواتهم وسحب سلاح الحشد، وان كل ما فعله كان مسرحيات لتحقيق هذا الغرض، وان "المقاومين" ساكتين عنه جميعا! هل تم شراؤهم وابتزازهم جميعا؟؟؟ إنها فكرة مرعبة!

هذا الخوف من الحقائق الشديدة القسوة هو الذي سيقوم ب "إقناع" المستمع بالمستحيل. سيقوم بـ "استئصال" الحقائق المخيفة التي أرقته كثيرا، واقناعه (نفسيا وليس بالمنطق) بأن السوداني ليس منبطحا بشكل تام وكامل وانه يتجرأ أحيانا ليقول "لا" للسفيرة وأن البلد مازال يمتلك بعض سيادته على قراره ليتبع سياسة "متوازنة" ربما فيها مصلحته، وان عار قوات الإرهاب لن يكون أزليا، وان ما سمعه ورآه ليس سوى "حيل تكتيكية" من السوداني، ليطرد القوات الامريكية "في الوقت المناسب".

النتيجة ان المواطن سيشعر براحة غريبة وكأن هما قد زال عن صدره! وسيشعر بالميل الى متابعة هذا المتحدث "المريح". ورغم أنه إن كان من النوع الجيد الذاكرة والأمين المنطق، فقد يصطدم ببعض الحقائق العنيدة المتعبة مثل: كيف يكون الإقرار ببقاء القوات الى الأبد، "تكتيك لإخراجها"؟ ما هي حدودها، إذا كان وزير دفاعهم يخترق البلد بلا دعوة ولا اعلان ولا موعد ويسبب الاحراج والخزي لرئيس الحكومة امام شعبه؟ ما هي الحدود ان كان رئيس الحكومة يفاخر بجعل بلده ممرا لوجستيا لتلك القوات لغزو سوريا ونهب نفطها؟ وفوق ذلك يكذب بالقول أنها "تحارب الإرهاب" هناك!

في النهاية، اما ان تتغلب الأمانة المتعبة، او يتغلب الخوف، وعلى الأغلب سيتم "عقد اتفاق" وسطي بينهما. فلا يرفض كل الإدعاءات ولا يصدق كل الأكاذيب، ويبقى في دائرة الشك، مع ميل لتصديق ما هو مريح، فيقول لنفسه أنه ليس من المنطقي ان السفارة تمكنت من شراء جميع الشرفاء الذين اعرفهم، ومادام هؤلاء ساكتون و"يثقون" بالسوداني، فيمكنني ان "اثق" به واعتمد على الله واعطيه فرصة اضافية والزمن سيتكفل بكشف الحقائق، الخ من العبارات المهدئة للقلق.

وهكذا يحقق كذب ال 180 درجة، الغاية منه. وبالمناسبة فهذا الكذب من اختراع النازيين حيث ينسب لغوبلز (وزير اعلام هتلر) قوله: "أكذب واكذب واكذب حتى يصدقك الآخرون"، وتعلمها الأمريكان منه كما يبدو، وتعلمها طبالي الإطار من مشغليهم.

***

صائب خليل

 

يصف الحكام العرب واعلامهم الرديء، حكومة نتنياهو الحالية بانها متطرفة، المعروف عن نتنياهو انه يميني وتولى رئاسة الحكومة اكثر من مرة، يوصف محليا بانه وطني يسعى الى خدمة مواطنيه، ومجيئه الى السلطة اكثر من مرة دليلا على شعبيته وان المجتمع الصهيوني يرغب في اقامة دولة يهودية صرفه، وبخصوص المستوطنات فانه يسعى الى اقامة العديد من المستوطنات بالضفة التي اصبحت اشلاء متناثرة وللآسف مقطعة الاوصال، يصعب معها اقامة دولتين كما تنادي الامم المتحدة بذلك وفق قرار التقسيم، وان الحكام العرب والقيادة الفلسطينية يحاولون خداع الشعوب العربية والفلسطينيين على وجه الخصوص، بإقامة الدولة المزعومة وعاصمتها القدس الشرقية التي يهجر ابنائها وتهدم مبانيها وتهويدها لتصبح عاصمة ابدية لدولة الكيان الصهيوني.

العمال والليكود كلاهما يسعيان الى اقامة الدولة الصهيونية، ولكن لكل منهاجه لتحقيق الهدف الموحد، حكومات العمال تظهر بانها اكثر عقلانية من غيرها وعلاقاتها مع الحكام العرب، لكنها في المقابل لم تتوقف يوما عن اقامة المستوطنات بالضفة، بمعنى انه لا يوجد اختلاف من حيث الجوهر بين الحكومات الصهيونية المتعاقبة سواء الراديكالية المتطرفة او تلك التي يتعامل معها العرب على انها حكومات عقلانية، فجميعها لم تولي المبادرة العربية الخاصة بالأرض مقابل السلام (قمة بيروت) أي اهتمام ظلت حبرا على ورق،بل تمادت في اقامة المستوطنات والزج بأصحاب المباني المهدمة بالسجون، والترحيل القسري.

لقد كافأ الحكام العرب قادة الكيان بان قاموا بالتطبيع معه دونما مقابل يذكر، يقيمون معه اوثق العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية، بل يحاولون جاهدين الى ان يكون التطبيع شعبيا عبر اقامة المعارض المشتركة وتسيير رحلات جوية بين عواصمهم المتخاذلة وتل ابيب،والتعاون معه في المجالات الاستخباراتية وشراء الاسلحة الصهيونية، ترى هل يوجد انحطاط اكثر مما يقوم به حكامنا اليوم والارتماء في احضان الصهاينة لكي ترضى عنهم امريكا؟.

يراهن الحكام العرب او هكذا يوهمون شعوبهم على ان الكيان الصهيوني سيتفكك من الداخل، بسبب تصرفات نتنياهو المتطرفة، إن المظاهرات التي يقوم بها المجتمع الصهيوني ليس بسبب التصالح مع الحكام العرب من عدمه، بل يرغبون في عدم تسيس القضاء حيث يرونه اساس بناء دولتهم، ولقد اظهر قادة الكيان بمن فيهم اولئك الذي عزلهم نتنياهو بانهم يعتبرون انفسهم جنودا في خدمة دولتهم ايا تكن مواقعهم، تعليق التشريعات (التعديلات) القضائية من جانب نتنياهو قوبل بترحاب من القوى المختلفة لأجل اللحمة الوطنية، ما يصب في الامن القومي.

ما احوج حكامنا الذين يتصارعون على السلطة لأكثر من عقد من الزمن عملوا خلالها على تدمير بلداننا والزج بشبابنا في حروب داخلية، واستجلاب المرتزقة، والتدخل الخارجي في شؤوننا الداخلية، الى ان يأخذوا عن الاعداء حب الوطن ونبذ الخلافات فيما بينهم، والعمل على احداث تغييرات جذرية في انظمة الحكم والتي من شانها اقامة كيان سياسي يتمتع اهله بالمساواة في الحقوق والواجبات والانتفاع بخيرات البلد واستتباب الامن.لا باس بان نتعلم من الاعداء بعض الاشياء الجيدة، لا ان نرضخ لإملاءاتهم ونفرط في الارض والعرض.

***

ميلاد عمر المزوغي

الشعوب المقهورة تكتب أكثر من غيرها، وكأن الكتابة سلوك ترويحي، وخداع للذات على أنها تفعل شيئا ما لمقاومة القهر.

وفي بعض المجتمعات المنكودة المغلوبة على أمرها، صار الجيمع يكتبون، ويقولون ما يقولون ضد الكراسي الجائرة عليهم، وواقعهم يزداد قهرا وظلما، ويستلطفون المعاناة اليومية، ويهرعون للكتابة للتعبير عن همومهم، بدعوى حرية التعبير عن الرأي، التي صارت كالمصيدة في بعض الدول.

هذه الكتابات لا تؤثر ومطلوبة لتنمية التخدير وإطالة عمر التنويم والإلهاء، فتتوفر الظروف الآمنة للنهب والإستلاب، وتكديس أموال الشعب في بنوك الآخرين، الذين سيستحوذون عليها بوسائلهم وألاعيبهم المعروفة.

فالكتابة في هكذا مجتمعات أفيون، ولا تختلف في دورها عن الإدمان على المخدرات، الفاعل في مجتمعات الدنيا المنكوبة بها، ونكبة المجتمعات المقهورة تجسدت في الكتابات الفضفاضية، اللازمة لتفريغ شحنات الغضب والمرارة والإحباط الفاعلة في أعماق الناس.

فاكتب واستلطف الحشر في أوعية القطيع، ولا يحق لك أن ترى غير ما يرون، أو تتمرد على سيدهم الذي يحدوهم بسوط رغباته وتطلعاته المرهونة بأمّارة السوء التي فيه، فتلك جريمة يحاسب عليها المتسلطون على مصيرك، بموجب فتوى ذات قدرة على سحق الدستور والقانون، فما مدوّن على أنه دستور، ينتفي وجوده أمام أية فتوى من معمم متاجر بدين.

ويبدو أن أفيون الكتابة وسيلة للتخميد والتواصي بالتبعية والتقليد الذي يبرر الخطايا والآثام، بعد أن إرتدت اللباس الديني، وتمحنّت فيها القدرات والطاقات، وتحوّلت إلى عمل، فالفعل أن تقول وتكتب، أما غير ذلك فنوع من الإعتداء السافر على العرش المفدى العظيم.

فالأقلام تكتب والقهر يتنامى، والأحوال تتردى، ومَن يتجاوز يُردى في مكانه، فالإغتيال سلوك ديني والإختطاف من طقوس الدين، وعليك أن ترتل المعوذتين، وتستعين برب رحيم، فرب العمائم من أولياء الشيطان الرجيم، وإياك إياك أن تعارض قول مَن إستلم وكالة من رب العالمين، فأنت الذي سيجذب إليه المخولين بخطف الأرواح وجزر المساكين، وكل من عليها فان، وتوكل عليهم وعلى الكرسي المهان!!

فهل أن القهر مداد المسطور؟!!

***

د. صادق السامرائي

 

لا تتوقع عزيزي القارئ من العنوان أعلاه شيئاً يخصّ ما يجري في البرلمان من الألاعيب، لأن السادة النوّاب يفضلون حديث السمر في كافتريا البرلمان على مناقشة قوانين تهم المواطن "المغلوب على أمره".

العنوان هو فقط محاكاة لعنوان مسلسل كويتي يعرض على الشاشات الخليجية بعنوان "دفعة لندن" للكاتبة الكويتية هبه المشاري التي تعتقد أن شعوب الأرض جميعاً فاسدة وتمتهن السرقة والتزوير وتجارة الجنس، المشاري التي سبق لها أن أساءت لملايين المصريات في مسلسلها "من شارع الهرم"، ولم تكتف بذلك بل فرغت غضبها على السوريات، وجدت ان العراقيات لم ياخذن نصيبهن، وكان لابد ان تظهر العراقية سارفة وذليلة . لست في وارد وضع قائمة للدور البارز الذي لعبته السيدة العراقية في المجتمع البريطاني، ولا تذكير الكاتبة باسماء نازك الملائكة، ونزيهة الدليمي وزها حديد، ربما فاتها ان تقرأ التاريخ جيدا .

يحاول صنّاع مسلسل "دفعة لندن" للأسف إعادة تشغيل ماكينات ضخّ الكراهية ضد كل ما هو عراقي. ومن عجبٍ أن "دفعة لندن" يتزامن مع حالة الانفتاح بين العراق وجيرانه، وليس بعيد ما جرى في خليجي 25 وكيف أن البصرة أذهلت جماهير الخليج العربي بكرمها وطيبتها، وقدمت لهم الإنسان العراقي بنسخته الحقيقية الشديدة التميز.

لعل المثير للدهشة في حال بلاد الرافدين هو إصرار بعض الكويتيين على اجترار الماضي وتقليب دفاتر تثير الأسى والشجن للشعبين.. طبعاً لا أحد منا يمكنه أن يصادر حق الكويتيين، ومعهم العراقيين، في أن يستذكروا ماجرى من مظالم، وأن يأخذوا العبَر منها في بناء نظام لا يسمح فيه لفرد، مهما علت منزلته، بأن يتحكم بمصير الناس. لكن ليس من حق أحد أن يحوّل هذا الاستذكار إلى شتيمة لكل العراقيين، فمثل هذه الأفعال لن تعيد حقاً، ولن ترجع الروح من جديد إلى جسد العلاقة بين الأشقاء.

يدرك صنّاع مسلسل "دفعة لندن" جيداً، أن العراقيين ذاقوا الظلم مضاعفاً حين حاول الجميع تحميلهم وزر حروب صدام، وذاقوا مرارة الصمت حين نكّل صدام بالجميع من شيوعيين إلى قوميين إلى إسلاميين، وحين رُمي نصف مليون عراقي على الحدود الإيرانية لم يبادر المفكرون والمثقفون العرب باستنكار هذه الجريمة.

مسلسل "دفعة لندن" وقبله برامج وكتابات وتصريحات متشنجة، أجدها اليوم تثير الخوف في النفوس، الخوف من أن يتحول هذا التاريخ المشترك بين الأشقاء إلى لعبة بيد أشخاص لم يبلغوا سن الرشد بعد.

ونعود إلى المسلسل الذي لا ينتهي قانون الانتخابات حيث خرج علينا النائب محمد الصيهود ليعلن بكل ثقة ان الشعب العراقي مع تغيير القانون، هذه هلوسه اخرى بعيدة عن صناع المسلسل .

***

علي حسين

الفيلسوف الذي لا يفارق محبيه ومتابعيه ولا يبخل عليهم بما يفيدهم ويحرك عقولهم ويجعلهم في حالة من التفكر والفرح والسعادة ويطلبون المزيد كالعطاشى الباحثين عن الحروف والكلمات والعبارات التي تجعل العقول في حالة من الحركة الدائمة لتتقصى وتستنير .

الفيلسوف المتواضع الذي يدعوا متابعيه ومحبيه أن يكونوا في ضيافته بكل رحابة صدر ودون أي ضجر وملل ويُلبي طلبات ضيوفه بكل أريحية وكرم لا متناهي ويجيب على الاسئلة الكثيرة والابتسامة على وجهه .

الفيلسوف الذي يبحر في الذكريات القريبة والبعيدة ليكونوا مرافقين له وجزءً من الاحداث التي عاصرها وعاشها ، يتحدث عن البدايات وعن المعانات وعن المثابرة والسعي للوصول الى ما يصبو اليه .

الفيلسوف الذي يعطي متابعيه شهراً كاملاً يتحدث معهم ويشرح لهم الكثير والكثير من الاحداث ومن ما قام هو بتأليفه أو حققه وفي الشهر الفضيل شهر رمضان المبارك وكانه يقول لهم ان صيامكم يجب ان يكون فيه ما يغذي عقولكم ويضيء لكم الطريق وتزداد فيكم الروحانيات بغذاء الفكر وتحريك العقول.

الفيلسوف الذي لم يطلب احد منه ذلك بل يقوم بذلك طواعية ليجعل الآخرين يعيشون معه في كل لحظة وكأنهم عائلة جميلة راقية متحابة تستفيد من كل ثانية من الحديث معه والكاريزما العالية التي يمتلكها تجعلهم يصغون اليه دون حراك.

الفيلسوف الذي بدأ مع محبيه ومتابعيه اول ايام الشهر الفضيل شهر رمضان الكريم وسيستمر طوال هذا الشهر المبارك وقد اعتاد ان يستضيف قبل حلول شهر رمضان محبيه ومتابعيه كل مساء اربعاء .

***

بقلم: جلال باقر - كاتب عراقي

 

قضى كل ذي دَين فوفى غريمه

وعزّة ممطول معنّى غريمها

هذا البيت قاله الشاعر كثيّر بن عبد الرحمن بن الأسود بن مليح من خزاعة، والمعروف بـ (كثيّر عزّة)، واشتهر بحبه لعزة الكنانية، فعرف بها وعرفت به، وقد استشهدت ببيته هذا لأستذكر به بيت الدارمي القائل:

طرحي بصخر ذبوه مسحاتي جلّت

بس دعوتي ويه هواي كل دعوة فلّت

إن المشكلة سميت مشكلة لأن هناك حلا لما أشكل من أمر، وإن لم يوجد حل فإن "الزمن كفيل بسد الثغرات" كما قيل، إذ لطالما استعصت علينا حلول رغم تقصينا باستحضارها، ولطالما وصلنا الى نهاية أفق ظنناه مسدودا، فنرضى بأنصاف الحلول وأرباعها وأعشارها، بل نستجدي احيانا حلولا من أي مصدر، مع علمنا بعدم نفعها الآني لمشكلتنا، وأظن عراقنا اليوم بأمس الحاجة الى حلول جذرية، تنتشله مما آلت اليه أوضاعه في مفاصله كافة، لاسيما بعد أن استنفد الحريصون على سلامته الحلول الترقيعية والوقتية.

وهناك أمر أرى أن من المجدي النظر اليه والالتفات الى أهميته، هو أن كثيرا مما نعاني منه لايستوجب حله الاستعانة بآخرين خارج حدود بلدنا، فكلنا يعي جيدا العمق التاريخي الذي ينحدر منه عراقنا، وكلنا ندرك الإرث الحضاري الذي أضحى بأعناقنا، ومن غير المعقول أن نستدعي خبراء يفكون عُقدنا، او (حلالي مشاكل) يحلون ما (تخلبص) من غزلنا، وقد جسّد هذا مثلنا الشعبي: (يعوف امه وابوه ويركض وره مرة ابوه).

وما لاشك فيه أن العراقيين الذين بقوا داخل حدود بلدهم، ليسوا بأقل من الذين هاجروا خارجه مقدرة وكفاءة، فالحلول إذن متوافرة بمتناول أيدينا، على شرط أن يأخذ ذوو السلطة والحكم بأيدي ذوي العقول والحلول، الى حيث يضعون أيديهم على مكامن العلل وأماكن الخلل، وساعتها نكون قد قطعنا شوطا كبيرا من مسيرة إنقاذ البلد بأقصر الطرق وأقل المدد.

وباستذكار للماضي القريب، أرى أن هناك إنجازات لايستهان بها في قدرة المواطن العراقي، على اختيار الحلول المناسبة والناجعة لمشاكله بجهوده الذاتية، لاسيما حين يكون هذا العراقي بمنصب رئيس وزراء، والذي اقصده هنا محمد شياع السوداني، أما الإنجازات التي أقدم على وضع حجر أساسها، دون اللجوء الى دولة عظمى او صغرى او وسطى، فيشار إليها بالبنان، مع أنه لم يتم العمل بما أقدم عليه كما ينبغي، أي أن الرجل عمل عملا صالحا، إلا أنه لم يتقنه حتى آخره.

فإداريا، كشفه أسماء الفاسدين والمفسدين المتورطين بجرائم نهب أموال البلاد، وتوعده بالمزيد من العمل على استئصالهم -وليته يصدق- وقطعا هي إشارة منه الى أن (الحبل عالجرار) وسيأتي بفاسدين آخرين وفسادات أخرى، وتعد خطوته هذه أنسب حل لو أتيح له التطبيق بالكامل، ولم تكن تحتاج قوة من الخارج او تحالفا عالميا، او حتى استشارة إدارية او قانونية من جهة غريبة، غربية كانت ام شرقية!.

وأمنيا، إقالة قيادات عسكرية وأمنية نخرت الأجهزة الحساسة في البلد، هي الأخرى خطوة باتجاه الحلول الجذرية، ولو أن الإقالة غير رادعة لمن تسول له نفسه مستقبلا بتكرار الفعل ذاته، لكنها بشكل عام بداية حسنة لتنقية أجهزة حماية الدولة من الخارج وفي الداخل، على أن تعقبها عمليات إصلاح وتطهير حقيقية شاملة، لعناصر منتسبة الى مثل هذه الأجهزة الحساسة.

ولعل حلولا أخرى سيتحفنا بها السوداني في مقبل الأيام، في الجانب الاقتصادي الداخلي والتجاري الدولي، وانتشال البنى التحتية من وحل التدني والتدهور، وإنقاذ الفرد العراقي من واقعه المرير.

الحلول إذن، تبدأ منا نحن العراقيين في الداخل، وأولنا قطعا رئيس المجلس التنفيذي، وقد قالها الإمام الشافعي:

ما حك جلدك مثل ظفرك

فتولّ أنت جميع أمرك

وإذا قصدت لحاجةٍ

فاقصد لمعترفٍ بقدرك

***

علي علي

ما يجري في أروقة المختبرات العلمية، وما يتوصل إليه الباحثون من مكتشفات ومخترعات يفوق التصورات، ولا يمكن لخيال أن يستحضره، فالبشر صار يتدخل في خلق البشر!!

فالنانو تكنولوجي وما قبلها وما بعدها وحولها، والتعامل مع الشفرات الجينية في الحوامض الأمينية، والسرعة الهائلة في تطور علوم الكوبيوترات والتواصلات الرقائقية وغيرها من المبتكرات المذهلة، المتفاعلة مع المستقبل المتخيل، جعل الواقع المعاش أغرب من أي خيال.

وما تحلم به العقول الفائقة القدرات المحركة للحياة فوق التراب، ستساهم في صيرورات مرعبة قد تدفع إلى القضاء على الموجودات الحية وتمحق الحياة.

فكل شيئ يتغير، وما عاد البشر آدمي المواصفات، بل ستتدخل التكنولوجيا، وسيكون بشر المستقبل مجموعة من الرقائق الإليكترونية المتفاعلة في بدنه، والمقررة لمصيره اليومي.

البعض يتحدث عن صناعة البشر بمواصفات مطلوبة، ويُقال أن الدول القوية تسعى لتخليق بشر بمواصفات خارقة وقدرات قتالية فائقة، وأنه لا يمكن قتله أو إفناءه بل يفني ولا يُفنى، وكأن المعارف لا بد لها أن تكون أكثر تقدما وإقتدارا في الميادين العسكرية.

فالمستقبل يشير إلى أن البشر سيقاتل ما يبدو بشرا وهو أعظم من البشر بقدراته المتنوعة، وأن الموجودات التكنولوجية ستكون فاعلة في الميدان، فبعد المسيّرات، سيتم صناعة الفراشات التي ستغزوا الأوطان، وربما الجراد الصناعي المحوّر بايولوجيا ليفتك بالزرع والضرع، فالإبتكارات الخارقة تأتي بما لا يخطر على بال.

ومن أرعب ما توصلت إليه العقول العلمية أنها راحت تتعامل مع الشفرات الجينية وكأنها أرقام حسابية، وكل رقم يمثل حالة ما، ويُقال أن البشر تعلم هذا السر من البكتريا التي تحتفض بالحوامض الأمينية والشفرات الجينية للفايروسات التي تصيبها، لكي تتعرف عليها وتتوقى منها وتعمل على إنتاج أجيال لا تتأثر بها.

فإلى أين ستصل البشرية؟

وهل ستجني على نفسها وأهلها براقش؟

فهل صار العلم أخطر التحديات التي تواجهنا؟!!

***

د. صادق السامرائي

 

 

عمل العراق بكل الوسائل المشروعة، ليكون محطة مهمة من محطات الالتقاء لدى المجتمع الإقليمي والدولي،ولقد راهن على وسطيته واعتداله في هذا الملف المهم والحساس، والذي كان من أهم مصادر قوته، فعقدت كثير من جلسات الحوار المهمة، بين قوى ودول مختلفة فيما بينها، وأثمر ذلك بان يكون العراق محطة الحوار وتقارب وجهات النظر بين المملكة العربية السعودية وبين الجمهورية الإسلامية،الأمر الذي اكسبه أوراقاً مهمة اقليمياً ودوليا .

كانت الجهود العراقية منصبة على، إيجاد التقارب السياسي والأمني بين هذه الدول، والتي تربطها مصالح مشتركة، بالإضافة إلى المصير المشترك، أمام التقلبات الخطيرة في الوضع الدولي، وما خلفته الحرب الروسية على أوكرانيا من متغيرات في العالم اجمع، وجعلت خارطته تتغير في طبيعة تحركها،الى جانب تغير طبيعة الاصطفافات السياسية في العالم، وتأثيرها في المشهد الدولي عموماً.

العراق بجهوده الدبلوماسية، أستطاع من تقريب وجهات النظر بين الدولتين، من خلال جلسات حوار مباشرة اتسمت بالشفافية،ومناقشة كافة الملفات العالقة بينهما، وبما يخدم مصالحهما، بعيداً عن لغة التخوين أو التدخل في الشؤون الداخلية، بالإضافة إلى توحيد الجهود والرؤى، والمواقف العربية والإسلامية أمام المتغيرات، وأمام المخطط الذي تقوده إسرائيل، في تغيير خارطة المنطقة وبما يخدم مصالحها، وهذا ما سعت إليه مباشرة من خلال احتمالية توجيهها ضربة إلى مواقع محددة، داخل الأراضي الإيرانية، ما ينذر بدخول المنطقة والعالم اجمع، بحرب عالمية جديدة .

المساعي التي بذلتها الحكومةُ العراقيَّة، عبر استضافة بغداد، لجولات الحوار بين إيران والسعودية، وما رسَّخَتهُ من قاعدة رصينة للحوارات، ستنعكس على تكامل العلاقات بين الجانبين، وتعطي دفعة نوعيّة في تعاون دول المنطقة، وتدشين مرحلة جديدة فيها.

الاقتراب السعودي مع إيران يعني بقراءة تحليلية، ان المنطقة تغيرت حركة التمحور فيها، وانتهت خارطة اللوبي الواحد، لتنهض بذلك إرادات جديدة تقف بالضد من تمحور الغرب، وترفض هيمنة الأخير على مقدرات الشعوب،بل أنها ترفض اي رضوخ لهيمنتها، على حساب مصالحها ومصالح شعوبها..

لذلك كان التحرك الجديد هو بمثابة إعلان الخروج، من محور القوى الغربية التي تريد إركاع الأمة الإسلامية لهيمنتها، وبدأت مرحلة جديدة من الصراع القادم في منطقة الشرق الأوسط، وباتت واشنطن وحليفتها الكيان الصهيوني الأضعف في هذا الصراع.

دخول بكين على خط التقارب السعودي الإيراني، يعطي رسائل مهمة بان القطب الواحد وهيمنة القرار الواحد على العالم بات منتهي الصلاحية،وبدا منتج جديد اسمه القوى الممانعة لهذه الهيمنة، لذلك كانت الصين هي اللاعب الأبرز، الذي استطاع بسرعة من دخول ساحة الشرق الأوسط، وتغيير المعادلة فيه، وسيكون له الأثر الأكبر في إفشال المخططات الغربية، الرامية إلى تفتيت محور الممانعة ضدها .

يعتقد وبقراءة مبسطة أن منطقة الشرق الأوسط تتجه بعيدا عن مناطق الصراع،وأن الولايات المتحدة باتت تلعب لوحدها في هذه الساحة، ومن المرجح أن القوى التي تقف بالضد من نفوذ واشنطن في المنطقة، سيكون لها موقف جديد من هذا الوجود، وستعلن موقفها الرافض لهذه الهيمنة، وان على العراق ان يتخذ موقفاً سياسياً، ينعش فيه سيادته، ويدفع باتجاه القرار الوطني، ودوره المحوري في المنطقة، بعيداً عن سياسية الاستقطاب والمحاور.

***

محمد حسن الساعدي

اللغة العربية فيها كلمات ذات دلالات إقرانية، فعلى سبيل المثال، الإقران بين العلم والعمل، والكلمتان من ذات الأحرف، والدلالات لها معاني فاعلة في الحياة، وهناك العديد من الكلمات مثيلاتها، وقس على ذلك.

وفي واقعنا قوى جاءت وعبثت بمصير البلاد والعباد، ولو نظرنا للعراق لتبين أن أنظمة الحكم عبثت وولت، وما عادت قادرة على الرجوع وتأكيد المقبولية، لأن تجاربها مريرة وخواتمها قاسية ومروعة.

فلا العهد الملكي سيعود ولا غيره من أنظمة الحكم التي فشلت في بناء الدولة الدستورية الوطنية المعاصرة، وتمحورت حول الفردية والإستبدادية المقيتة، التي قضت على ذاتها وموضوعها.

فالدنيا تسير للأمام ولا تسمح بالعودة للوراء مهما كانت الإدعاءات والمزايدات والتأهيلات، والذين ينظرون إلى الخلف سيتساقطون في حفر الهلاك الحتمي.

سيقول مَن يقول أنها أنظمة مبرمجة لتأمين مصالح أسيادها التي حمتها وعززت وجودها في البلاد، وهذا يسري على العديد من الدول في العالم، التي في حقيقتها تحت الوصاية الغير مباشرة والإستعمار بالوكالة، لكن أبناءها أوجدوا طريقهم وإنطلقوا في مشوارهم بآليات معرفية وفكرية ذات أسس وطنية وقانونية وإنسانية، فانتصروا على التحديات والمصدات المعوقة لخطوهم.

ومجتمعاتنا منحشرة في رؤى غابرة، وتريد إصمات الزمن وجزر الحياة، وطبخها في أوعية الماضيات البائسات اليائسات، المعممة بالأوهام والهذيانات والتصورات الخيالية، الملثمة بالقدسية، والنصوص الربانية التي لا يجوز الإقتراب منها، والتفاعل معها بغير السمع والطاعة.

وبموجب النمطية الفاعلة في الأجيال، والتدحرج في متاهات الضياع اللذيذ، وإلقاء المسؤولية على الآخر، وتحرير الذات من واجباتها الوطنية والإنسانية، وفقا لأضاليل تسمى دينية يسخّرها تجار الدين لمنافعهم ورغباتهم المطمورة، تحركت الأجيال نحو الهاويات المتناميات والإحباطات المتراكمات، حتى وجدتنا نتوحل في أسمى ما فينا.

والمشكلة ليست في الآخر الجاهز للإفتراس والصولان، وإنما في المجتمعات القطعانية، الساعية لتأكيد ما عندها من الأضاليل، والتي يستثمرها الطامع فيها، ويحصد ما يريد بجهودها، فهي كأحجار الدومينو، ما أن تدفع أولها حتى تتساقط عن آخرها.

فإلى متى سيدوم العبث فينا، ونحن العابثون بوجودنا، ونحسب العبث نصر وفخر، ووحوش الغاب تتربص بنا، والغثيان ديدننا، لأن العبث صهباء وجودنا اللذيذ؟!!

***

د. صادق السامرائي

وقعَ زلزالُ صباحِ يومِ الأربعاءَ / 23 / 3 / جنوبَ مصرَ في حواليْ الساعةِ / 2 صباحا، بعدُ تغريدةٍ كتبها علي حسابةَ العالمِ الهولنديِ / فرانكْ هوغربيتسْ / المثيرَ للجدلِ علي (تويترْ) سوفَ تتعرضُ مصرُ لزلزالِ يومِ" 22 / 3 "وبالفعلِ وقعَ زلزالُ صباحِ اليومِ الأربعاءَ في حواليْ الساعةِ الثانيةِ صباحاٌ، وقدْ تنبأَ بوقوعِ عدةِ زلازلَ بعدَ وقوعِ زلزالِ اليومِ جنوبَ مصرَ.. يذكر أنَ مصرَ كانتْ قدْ تعرضتْ في شهرِ فبرايرَ "شباط" الماضي ل 3 هزاتٍ أرضيةً متتاليةً، شعرَ بها سكانُ بعضِ المحافظاتِ في القاهرةِ الكبرى ومعظمِ مدنِ القناةِ الثلاثِ، وحسبَ ما ذكرتهُ المحطةُ القوميةُ لرصدِ الزلازلِ في مصرَ، تمَ رصدُ 3 هزاتٍ أرضيةٍ بدرجاتٍ متفاوتةٍ القوةِ، كانَ آخرها بقوةٍ / 4.5 / درجةٌ على مقياسِ "ريخترَ" شمالَ مدينة السويسِ، وسبقتها هزةٌ أخرى بدرجةٍ خفيفةٍ في مدنِ القناةِ. رغمَ ذلكَ أكدَ الخبراءُ في معهدِ البحوثِ الفلكيةِ أنَ مصرَ آمنةٌ وتقعُ خارجَ أحزمةِ وأنشطةِ الزلازلِ بشكلٍ عامٍ، إلا أنها معرضةٌ منْ حينٍ لآخرَ لبعضِ الزلازلِ الضعيفةِ أوْ المتوسطةِ خاصةً التي يقعُ مركزها في منطقةِ شرقَ البحرِ المتوسطِ، وشمالَ البحرِ الأحمرِ، فهذهِ الهزاتُ طبيعيةً ويقعُ مركزها في أخدودِ البحرِ الأحمرِ المعروفِ بنشاطهِ منْ الحركاتِ التكتونيةِ متوسطةً.. والمثيرَ للجدلِ وقعَ الزلزالُ بعد (تغريدةٍ جديدةٍ لهيئةِ هندسةِ الكواكبِ التابعةِ للعالمِ الهولنديِ) التي يشككُ فيها بعضُ المراكزِ العلميةِ، نشرتها على حسابها الخاصِ قبلَ وقوعِ الزلزالِ بيومٍ واحدٍ، توقعتْ فيها حصولُ بعضِ الأنشطةِ منْ حركةِ الصفائحِ التكتونيةِ الزلزاليةِ في مصرَ ودولٍ عربيةٍ ومنها" لبنانُ والبحرُ الميت" ُ خلالَ الأيامِ القليلةِ القادمةِ، وتوقعتْ إمكانيةُ حدوثِ زلازلَ بقوةٍ أكبرَ بين / 5 ألي 6 / درجاتٌ على مقياسِ ريخترَ. ويعتمدَ الباحثُ الهولنديُ / فرانك على حساباتِ أسبابِ الهندسةِ القمريةِ في بعضِ النشاطِ الزلزاليِ الأقوى في الأيامِ المقبلةِ، ومنْ المحتملِ أنْ تصلَ قوتها إلى" 5 إلى 6 درجاتٍ "على مقياسِ ريخترَ، مما سببَ حالةً منْ الخوفِ والزغرْ والرعبُ بعدَ أنْ تنبأَ عدةَ مراتٍ بحدوثِ زلازلَ أوْ هزاتٍ قبلَ وقوعها ووقعتْ بالفعلِ على مدارِ الأسابيعِ القليلةِ الماضيةِ، أبرزها كانَ الزلزالُ المدمرُ الذي ضربَ تركيا وسوريا أوائلَ الشهرِ الماضي..وقدْ تعرضتْ محافظةَ أسوان جنوبَ مصرَ فجرَ اليومِ لزلزالٍ بلغتْ قوتهُ / 4 درجاتٌ / بمقياسِ ريخترَ. على عمقٍ واحدٍ كيلومترٍ، في الساعةِ الثانيةِ صباحاٌ ؛- وأنَ مركزَ الزلزالِ وقعَ في الكيلو (17 شمالِ شرقيِ أسوان وبعمقِ 03 , كيلومترٌ). وقالَ الدكتورُ "جادٌ القاضي"، رئيسُ المعهدِ القوميِ للبحوثِ الفلكيةِ أنَ الزلزالَ شعرَ بهِ سكانُ مدنِ المحافظةِ نافيا حدوثَ خسائرَ بشريةٍ أوْ انهياراتٍ في البنيةِ التحتيةِ أوْ تصدعاتٍ في المباني.

إنَ تداعياتِ زلزالِ تركيا الكارثيِ في دولِ الجوارِ والكتلةِ المتجانسةِ جغرافياٌ في حالاتِ الخوفِ والزعرْ بعدُ انتشارِ مقالاتٍ وتحليلاتٍ عنْ وجودِ حركاتٍ تكتونيةٍ غيرِ مستقرةٍ في باطنِ الأرضِ جيولوجيةً كبرى، لا يشعرُ بها الإنسانُ مباشرةٍ، كما لا يشعرُ الأنسان بدورانِ الأرضِ وحركتها، وبما يدورُ في باطنها، ولكنَ أيَ حركةٍ مفاجئةٍ قدْ تخلفَ نتائجَ كارثيةً كما حصلَ في" سوريا وتركيا " إنَ حالاتِ ظهورِ كسرٍ في الفيلقِ الصخريِ وتأثيرهِ على القشرةِ الأرضيةِ والصفائحِ الصخريةِ منْ مناطقَ تمتدُ حتى أخدودِ القرنِ الأفريقيِ وساحلِ شرقَ وجنوبَ البحرِ المتوسطِ، عنْ توقعاتٍ بحدوثِ هزاتٍ أرضيةٍ ارتداديةٍ سوفَ تضربُ منطقةَ الشرقِ الأوسطِ بمقدارِ" 6،7 درجاتٍ بمقياسِ ريخترَ"" وهيَ مناطقُ معروفةٌ بنشاطها منْ النوعِ المتوسطِ للزلازلِ. رغمَ وجودِ دلائلَ علميةٍ لعلماءَ بتنبؤات حدوثِ زلازلَ متعاقبةٍ لزلزالِ الأول متى وأينَ مركزُ الزلزالِ...؟!

هي مجردُ احتمالاتِ ممكنٍ تمتدُ إلى عشراتِ السنينَ..؟!

كما صرحَ بذلكَ العالمِ الهولنديِ " فرانكْ هوغربيتسْ " الذي تنبأَ بحدوثِ زلزالِ تركيا قبلَ وقوعهِ بثلاثِ أيامٍ وحددَ قوتهُ، كذلكَ تنبأَ بحدوثِ هزاتِ يومِ / 26 منْ فبرايرَ / شباطُ الماضي وحدثَ بالفعلِ والتوقعاتِ بحدوثِ زلزالِ يومِ 8 / 3 منْ مارسَ / آذارُ منْ هذا الشهرِ الحاليِ ؛- رغمَ ذلكَ لمْ يتوصلْ العلمُ حتى الآنَ عنْ موعدِ حدوثِ أيِ زلزالٍ أينَ ومتى رغمِ ما أكدهُ العالم /فرانك عنْ زلزالِ (كهرمانْ مرعشْ)وفي تصريح أخر

قالَ الدكتورُ صالحُ محمدْ عوضْ، عالمُ الجيولوجيا العراقيِ، أنهُ يعتمدُ على حساباتٍ علميةٍ فزيائية ويتمّ قياسُ جهدِ الأرضِ، وبناءٌ على النتائجِ يتمُ الوصولُ إلى حقيقةِ وجودِ زلزالٍ في فترةٍ زمنيةٍ معينةٍ. وأضافَ صالحْ محمدْ، خلالَ مداخلةٍ هاتفيةٍ معَ الإعلاميِ المصريِ أحمدْ موسى، ببرنامجٍ « على مسؤوليتي » المذاعَ على قناةِ صدى البلدِ نداية هذا الشهر، أنَ هناكَ احتماليةٌ ورادةٌ لحدوثِ زلزالِ بناءٍ على الحساباتِ الفيزيائيةِ، ومنْ المتوقعِ حدوثُ زلزالِ هذا الشهرْ يومَ /8 منْ مارسَ / أذار ُ / الجاري، ولكنْ سيكونُ أقلَ ضرراٌ

ورغمَ التوقعاتِ وحدوثِ زلازلَ تعتبرُ المرةُ الأولى عبرَ تاريخِ البشريةِ يخرجُ عالم يتحدثُ عنْ موعدِ حدوثِ زلزالٍ ويتحدثُ عنْ حركةِ ووضعِ الكواكبِ وحالةِ الأرضِ معَ حركةِ القمرِ والكواكبِ الأخرى والقوةَ المغناطسية والمدُ والجزرُ وارتباطهمْ بالزلزالِ هلْ كلُ ذلكَ تكهناتٌ واحتمالاتٌ غيرُ علميةٍ رغمَ السؤالِ الذي لمْ يجيبَ عليهِ بعضِ الدولِ منْ سحبِ بعثاتها الدبلوماسيةِ منْ اسطمبولْ قبلُ وقوعِ الزلزالِ بأسبوعٍ...؟!

شيءٌ يخيفُ مثل نهايةِ كوكبِ الأرضِ. وهذا بالفعلِ ما اكتشفهُ علماءُ الفلكِ في دراسةٍ حديثةٍ نشرتْ نتائجها هذا الشهر ِ. لأولِ مرةٍ تمَ رصدُ كوكبٍ بعيدٍ يقتربُ بشكلٍ خطيرٍ منْ نجمهِ مما قدْ يسببُ وداعَ الأرضِ الأخيرِ بعدَ ملياراتِ السنواتِ. وعلى غرارِ هذا الكوكبِ الخارجيِ، يمكنَ للأرضِ أنْ تقتربَ بلا هوادةٍ منْ الشمسِ تحتَ تأثيرِ قوى المدِ والجزرِ. لكنَ هذا التأثيرِ يمكنُ أيضا موازنتهُ بفقدانِ كتلةٍ منْ الشمسِ، بحسبَ العالم (شرياسْ فيس براغادان) الذي يشددُ على أنَ " المصيرَ النهائيَ للأرضِ لا يزالُ غيرَ واضحٍ " وكانَ (Keple - 1658 b)أولُ كوكبِ خارجَ المجموعةِ الشمسيةِ يتمُ رصدهُ باستخدامِ تلسكوب ;ِ كيبلرْ الفضائي;َ، في عامِ 2009. ومنذُ 13 عاماٌ، يلاحظَ العلماءُ التغييرَ البطيءَ ولكنَ الثابتَ في مدارِ الكوكبِ الذي يمرُ أمامَ نجمهِ المضيفِ. وأخيراٌ هلْ الأرضُ غاضبةً منْ فعلِ البشرِ كما يعتقدُ البعضُ..!! "

***

محمدْ سعدْ عبدِ اللطيفْ

كاتبٌ مصريٌ وباحثٌ ومتخصصٌ في علمِ الجغرافيا السياسيةِ

 

 

أعلنت الجهات المسؤولة عن رؤية الهلال أن يوم غد الخميس سيكون رسميا هو بداية شهر رمضان، الذي ينتظر المسلمون قدومه المرتبط في كل بقاع الدنيا، بمظاهر البهجة والفرحة المتوارثة مند دخول الإسلام إلى هذا البلد المسلم الآمن، الذي يدعوا أهله الله أن يعيده عليهم بالخير والبركات والرحمة والغفران ومضاعفة الحسنات والكثير من الكرامات، التي لا يجود بها الله إلا على من يتفانى من عباده في التقرب إليه، خلاله، بالكثير من الطاعات والعديد من عبادات والبعد عن السيئات،، كل ما ينزع عن رمضان فكرة التركيز في عبادات الصيام والقيام وتلاوة القرآن، التي سينشغل الناس جميعهم، إلا من رحم ربي، من الغد، اليوم الأول من انطلاق هذا الشهر الفضيل، لتحويله من شهر للتقرب لله بالتأمل والتعبد والإحسان وهدوء النفس،إلى أي شيءٍ آخر غير الهدف الذي فرض من أجله، والبعيد عن الحكمة التي وضعت له، والتي هي العبادة الخالصة لوجه الله، والسمو عن الأمور المادية والدنيوية، والتي ستعمل غالبية الصائمين العظمى،على إغراق أيام رمضان ، مند الغد، أول أيام الصوم في لجة اللهو والعبث الذي سيجعلون منها، وعلى مدى ثلاثين يوما، مهرجانا للدراما التليفزيونية والمسلسلات التركية، برامج التسلية والفوازير التافهة والمسابقات "البايخة" والمقالب الكوميدية المسماة ظلما "الكاميرا الخفية" وهي غير الخفية ومفضوحة، وسيل البرامج الدينية التي لا علاقة لها لا بأصول الدين ولا بتشريعاته، والانخراط في السباق المحموم للإنفاق المجنون من أجل ابتكار أصناف الأكلات، تجديد الشهيوات التي لا تحتمل مصاريفه ميزانيات البيوت، ولا تترك مجالا لشيء سوى إثارة الجوع والعطش التي تصاحب هذا الشهر، والذي يلخص الهدف منه هو التهام كل ما يمكن التهامه في آخر اليوم، كما لو كنا جوعى طوال العام وجاء رمضان لنلتهم أكبر قدر من الطعام.

هذا حال رمضان في الكثير من البلدان المسلمة العربية والمغاربية،التي فقد فيها هذا الشهر مذاقه الخاص وبركاته التي عرفتها أجيال الزمن الجميل الذي كان فيه رمضان مناسبة للتسامح والتواد والتراحم والعفو والمغفرة، ومراجعة الذات والتي لازلت استحضر منها مشهد تجمع ساكنة حينا الشعبي فاس الجديد فوق سطوح بيوتهم ليلة رمضان وهم مشرئبة أعناقهم شاخصة أبصارهم نحو السماء بحثا عن هلال رمضان، الذي تطلق لرؤيته تكبيرات الرجال،وزغاريد النساء،مشهد لن يمحوه بُعد الحدث، ولا تبدل عوائد الاحتفاء برمضان، وتغير سلوكيات ومظاهر الاحتفال به واختلاف تأثيرها على ممارسة العبادات الرمضانية التي جعلت المفهوم الحقيقي لرمضان يتلاشى في غفلة منا باسم التطور.

وفي الختام أتقدم بخالص التهنئة، بمناسبة حلول شهر الغفران والرحمة، لجميع قرائي، سائلا المولى عز وجل أن يجعله شهر صحة وعافية وأمل وتيسيير، وأن يقر قلوبكم بالرحمة، وأبدانكم بالصحة، وحياتكم بالتقوى، وأن يدخله عليكم بتحقيق كل الأماني والرغبات، وتقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال، وكل عام وأنتم ترفلون بالصحة والأمان وتتمتعون بالخير والبركة.

***

حميد طولست

عضين: جعلوه أجزاءً فآمنوا ببعض وكفروا ببعص.

وعضين مشتقة من عضّة: قطعة

الأمة إنطلقت بمسيرتها الحضارية الإنسانية بموجب دستور إستوعبته وتمثلته وعملت بموجبه، وأدركت جوهره الذي بقيت تتفكر فيه على مدى ثلاثة عشر عاما من المعاناة والمجاهدة الروحية والتفكرية، التي أوجدت رموزا أضاؤا الإنسانية بأقكارهم النبيلة السامية.

فالأمة تكونت وتألقت بالدستور وهو القرآن!!

وبعد مرحلة الإنطلاق الإشراقية الكبرى في المدينة لعشرة سنوات، صار التفاعل مع الدستور الإنبثاقي لروح الأمة يتخذ سبلا متفرقة، مما تسبب بإنتشار الفتن بين أبناء الدين الواحد، وإنطلقت مسيرات التأويل والتفسير وتعقيد الواضح البسيط من الأمور، فأصبح الدين عسيرا بحاجة لمتخصصين، وإعتبار الناس من الجاهلين، فتم إستعماله للهيمنة، وتحول إلى تجارة ووسيلة للتحكم بالآخرين.

وتعددت الفرق والجماعات، وكل منها يأخذ ما يروق له من القرآن، وينكر ما لا يتوافق ومصالحه وغاياته، وهكذا صار الدين قطعا متناثرة متقاتلة، كل منها يدّعي أنه صاحب الدين القويم وله أتباعه المناصرين ، والذين يأخذهم إلى حيث يشاء، وبهم على غيرهم يستعين.

وأغفلت الأمة دستورها الأمين، وفقدت بوصلة مسيرتها، فلا إهتدت بدستور مدني معاصر وتوافقت عليه، ولا تمسكت بدستورها القرآن وتفاعلت به وفقا لمقتضيات زمانها، فأضاعت الخيارين، ولهذا فهي أمة تائهة في لجج الحياة المزدحمة بالأمواج، والتيارات المتدفقة من جميع الجهات.

ولابد لها أن تعتمد على دستور واضح تتمسك بمواده وتضبط سلوكها بموجبه، فالدستور هو القوة التي تفعَّل الطاقات وتطلق القدرات الكفيلة بصناعة حياة أفضل.

فهل من عودة إلى دستور قويم؟!!

***

د. صادق السامرائي

3-1-2020

كانت البداية في باريس، حينما علقت "خريطة إسرائيلية" تضم الأردن وفلسطين، إلى جانب أجزاء من لبنان وسورية، على منصة كان يقف خلفها متحدثاً وزيرُ المالية الإسرائيلي اليميني المتطرف بتسلئيل سموتريتش، ما أثار غضباً أردنياً عارماً لم يهدأ حتى بإعلان وزارة الخارجية الأردنية الإثنين استدعاء السفير الإسرائيلي لدى عمّان إيتان سوركيس، احتجاجاً على الخريطة، لتدخل العلاقة بين الطرفين أزمة جديدة.

حتى جاء موقف البرلمان الأردني الذي الجم الأسئلة في رؤوس الأردنيين حينما صوت أمس الأربعاء على طرد السفير الإسرائيلي من عمان.

وقد طالب رئيس مجلس النواب الأردني، أحمد الصفدي، الحكومة بإجراءات فاعلة ومؤثرة تجاه استخدام وزير مالية "إسرائيل" للخريطة المزعومة التي تضم حدود المملكة والأراضي الفلسطينية المحتلة"، مؤكداً رفض النواب لما جاء من أفعال الوزير الإسرائيلي.

فهل تستجيب الحكومة الأردنية لمطالب النواب الإردنيين في طرد السفير الإسرائيلي من عمان حيث تراوحت ما بين الاكتفاء باعتذار إسرائيلي رسمي أو الطرد النهائي!

أم أن نفوذ الدولة الأردنية العميقة المرتبطة بمصالح اقتصادية مع "إسرائيل" التي تحتل فلسطين بالحديد والنار، على أرضية معاهدة وادي عربة المبرمة بين الأردن و"إسرائيل" والمرفوضة شعبياً؛ سَتَحُولً دون ذلك!

وهل لدى رئيس الحكومة الصلاحيات التي تخوله لاتخاذ ما يلزم خلافاً لإجماع مجلس الأمة!

وفي تقدير المراقبين فإن مخاض القرارات الحكومية إزاء ما يجمع عليه النواب سيكون عسيراً إلا ما ينص عليه الدستور الأردني الحاسم.

ففي حالة اتفاقية وادي عربة فالدستور في المادة 33 منه يقر بأن " الملك هو الذي يعلن الحرب ويعقد الصلح ويبرم المعاهدات والإتفاقات" وتظل المناورة بين الحكومة والنواب كامنة في التفاصيل والاتفاقيات الفرعية والتي من ضمنها الاتفاقيات الاقتصادية والردود على المخالفات المسلكية كما هو الحال بالنسبة لتصريحات الوزير الإسرائيلي تجاه الأردن.

فإذا عجز مجلس النواب عن تغيير موقف الحكومة بالإجماع فما الجدوى من وجوده؟

هذا سؤال يطرق رؤوس الأردنيين الذين يرفضون وجود السفير الإسرائيلي في عمان من باب أنه مبعوث من دولة احتلال تمارس الإرهاب بحق الشعب الفلسطيني وتتربص بأمن الأردن ووجوده من خلال بعض المشاريع التآمرية المعلنة، مثل: سحب البساط من تحت الوصاية الهاشمية على المقدسات في القدس المحتلة، مروراً بالوطن البديل، أو الحلم ب"إسرائيل الكبرى" وفق الرؤية الصهيونية التي تقف وراء الخريطة الخلافية التي انتشرت عبر مواقع التواصل الاجتماعي كالنار في الهشيم، سواء جاءت لتعبر عن رؤية يمينية إسرائيلية أو للضغط على الأردن فيما يتعلق بمواقفه إزاء الاحتلال الإسرائيلي المقيت!

إن سيناريو استهداف اتفاقية وادي عربة المشؤومة يتعارض مع مصالح الأردن العليا وفق ما يرى البعض! بينما يذهب البعض الآخر باتجاه كونها اتفاقية استنزافية جاءت لترسيخ الاحتلال على حساب قضية فلسطين.. وما بين الموقفين أكلت الحيرة رؤوس الأردنيين وأدخلتهم في دائرة الشك وعدم اليقين من خلال عدم الثقة بالحكومة ولا بالبرلمان.

الأردنيون من جهتهم يدركون تماماً بأن خارطة بن غوريون التي يتبناها اليمين الإسرائيلي المتطرف والمتحكم بتلابيب السياسة التي تنتهجها حكومة نتنياهو لم تنشر اعتباطاً من باب الاستفزاز بل ثمة ما يريب في أمرها.

فقد نبه الأمير حسن بن طلال إلى خطورة هذا السلوك الإسرائيلي في مداخلة له عبر إذاعة الجامعة الأردنية (عمون) رداً على تصريحات وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش العنصرية، قائلاً : بأنه يحق للخارجية الأردنية إدانة اختراق النواميس الدولية المحصنة في آلاف قرارات الأمم المتحدة، وفي الاتفاقية المبرمة بين الأردن و"اسرائيل" في إشارة منه إلى "وادي عربة".

وأضاف، بأن "معركة الكرامة حدثت لأنها أوقفتنا على أرجلنا في هذه الأرض الطيبة بعد ما حل بنا نتيجة للسياسات الارتجالية في العالم العربي، وهي بطولة ومقاومة".

وفي المحصلة.. فأنْ تسعى "إسرائيل" إلى اختراق العمق العربي اقتصادياً من خلال الاتفاقيات مع الدول العربية والادعاء بأنها الدرع الواقي للخليج العربي ضد إيران، ثم يأتي وزير في حكومة نتنياهو ليعلق خريطة تعبر عن طموحات الصهيونية واليمين الإسرائيلي الذي يسيطر على الحكومة نحو إسرائيل الكبرى، فهذه قمة في الخساسة والاستهتار بالعقل العربي وكرامته.. ورغم ذلك فذنب هذا الكيان العنصري الاحتلالي مغفور عربياً، والتنازل أمامه باتت عادة تثير الاستهجان مهما وضعت له من مبررات سياسية.

وما زلنا بانتظار ما قد تسفر عنه الضغوطات البرلمانية فهل يصدق المثل القائل "تمخض الجبل فولد فأراً"

هذا ما لا نتمناه فالشعب الأردني حيٌّ وصاحب مواقف جادةوكبرياء، ومن المفروض أن الحكومة جزء من هذا الشعب الأبي، فلن ترضى المهانة لأردن الرباط الذي هو على تماس مع الوجع الفلسطيني ويقف شاهداً على مآلات الأطماع الإسرائيلية تجاه الأردن وقد خابت مساعيها.

***

بكر السباتين

23 مارس 2023

الدين والدنيا في خصام أزلي وسيتواصل، وتلك حالة الوجود الأرضي ولا مناص منها، ولهذا أصاب الأديان ما أصابها، وما إستطاعت أن تتواءم وتتوافق وتتلاءم، فالخصام ديدنها، ولكل وجهته ومنهجه ومنطلقه، وإرادته الإدراكية الفاعلة في مسيرته.

الدين والدنيا في خصام بسبب النفس الأمارة بالسوء الحامية في البشر، وبنوازع فطرية ذات رغبات فورية التحقيق يتعارض معها أي دين، ولهذا فالمعارك شرسة ما بين المخلوق والدين، الذي يُراد له أن يتخلق بتعاليمه ومنطلقاته السلوكية، التي تهذب الحياة وترتقي بها إلى آفاق الإنسانية العلياء.

وهي حالة تعبيرية عن الصراع القائم ما بين المثالية والواقعية، ما بين الطبع والتطبع، فالدين يدعو إلى التطبع بالتعاليم المنشودة، والطبع قائم في المخلوق ومتأجج، ويعبّر عن إنعكاسيته التفاعلية المتنوعة الآنية الإستجابات.

والمعضلة العسيرة ضعف قدرات التوافق ما بين الطبع والتطبع، ويميل الطبع للمخاصمة والهروب من التطبّع، لأنه يستدعي مجاهدة وعناء، والطبع جاهز متأهب الحضور والتعبير، ولهذا يسعى معظم البشر للطبع، الذي تحول إلى سلوك جماعي وتقليد فاعل في الأيام، ولكي يتطبع فأنه يمضي وقتا منقطعا عن طبعه، لكنه يعود إليه حالما ينتهي من إنقطاعه.

وذلك واضح في الأديان، إذ ترى التناقض الصريح ما بين ما يتحقق في مجتمعاتهم، وما يتأكد من ممارساتهم الطقوسية بأنواعها.

وهذه مشكلة قائمة بين الأجيال ولن تنتهي، مهما حاولنا وتوهمنا وفسرنا وحللنا وتفلسفنا، وإخترعنا من مصطلحات ونظريات، فالعلاقة ما بين الطبع والتطبع تبقى في تناقضها وتنافرها، وما ينجم عن ذلك من تداعيات وويلات تدفع بعجلات الحياة، وتديم البقاء وفقا لإرادة الأرض القابضة على وجود الأحياء.

والحل أن تكون العلاقة بين الدين والبشر ذاتية تفاعلية بآليات إنسانية مع الغير، وليعمل بموجب ما تمكن من فهم وإدراك، وبذلك يشع محتواه في مجتمعه، وبتفاعل الإشراقات الإيجابية يتأكد دور الدين في الحياة بمعانيه الجوهرية الرحيمة السمحاء!!

و"إنما الأعمال بالنيّات ولكل إمرءٍ ما نوى"!!

***

د. صادق السامرائي

9\22\2020

لم تخلُ قضية إصرار مجلس النواب على إقرار تعديلات على قانون الانتخابات في غزوة " منتصف الليل " ليهيء المسرح من جديد للسيطرة على مقدرات العراق، من بعض الفكاهة والطرافة إن لم نقل "مضحكات"، فهي فاقت كثيراً ما عاناه عمنا المتنبي.

ومن هذه المضحكات دعوة نواب لحضور جلسة البرلمان التي عقدت منتصف الليل و"بالظلمة" لإقرار قوانين تهم ملايين العراقيين.. تخيل جنابك هذا المشهد يدور داخل قبة أعلى سلطة تشريعية في البلاد والذي جاء على لسان النائب هادي السلامي: "تم استدعاء بعض النواب من بيوتهم في وقت النوم على وجه السرعة لسد النقص بسبب غيابات بعض البرلمانيين"، ويضيف السلامي: "جاءت بعض النائبات وهن يرتدين عباءات الرأس بشكل مقلوب، وبعض النواب يرتدون بدلات غير مرتبة بسبب سرعة استدعائهم".

ومثل فيلم ميلودرامي طويل لم يهتم أحد بالحبكة ولا بتفاصيل الشخصيات ولا بالمكان والزمان، ولا بأي شيء سوى أن يظهر رئيس البرلمان محمد الحلبوسي "يمشي الهوينا" يضحك على النواب الذين يطالبون بعدم إقرار التعديلات، وكأنه يريد أن يقول إن الله كان رفيقاً بالعراقيين، فسهرنا حتى الفجر لنقر لهم قانون انتخابات سيطبق شعار عراق بلا فساد ولا طائفية، وهي مطالب النواب على شاشات الفضائيات فقط لا غير .

النواب الذين سهروا حتى الفجر لإقرار قانون ضد مصالح الشعب، ولم يفعلوا سوى إدارة سياسات قائمة على أفكار جاهزة شعارها "ما ننطيها".

ليس من دواعي المقارنة أن نقول، لو أنّ ضحكة محمد الحلبوسي وسخريته جرت في بلد آخر، لتمت إقالة هذا المسؤول، لكنها للأسف حدثت في العراق الذي تعود

لا أظن أن صاحب عقلٍ أو ضميرٍ يمكن أن يرى في برلمانٍ كهذا طوق نجاةٍ للعراق والعراقيين، فهذا البرلمان لم يتم تشكيله إلا ليكون الواجهة التشريعية التي تختبئ خلفها الأحزاب السياسية، وبالتالي فالبرلمان يؤدي دوراً، رسمه قادة الأحزاب، ولا يعنيه رأي الإعلام أو رضا الشعب، أو الاحتجاجات التي راح ضحيتها المئات، جلسة برلمان منتصف الليل تصلح عنواناً للعبث السياسي، ذلك أن أصحابها لا يزالون متشبثين بذلك الوهم الذي يعتقدون فيه أن الشعب اختارهم وأنهم يمثلون صوت الناس.

تُعرِّف الأمم المتحضرة، أو التي يتمتّع ساستها بالحد الأدنى من سلامة القوى العقلية والحسّ الإنساني والوطني، البرلمان بأنه المكان الذي يجتمع عليه كل المواطنين، في هذا البلد أو ذاك، ليجعل حياة الجميع أفضل، من خلال إحداث نوعٍ من النهوض المتكامل، يستهدف الارتقاء بحياة المواطن العادي، وإنعاش حظوظه في العيش بكرامة، في ظل ساسة يحترمون حقوقه الأساسية في الحرية والعدل والعمل.. لكن للأسف ما نتابعه في جلسات برلماننا يؤكد أن بنية النظام السياسي في العراق لا تريد أن تغادر حالة الصفقات .

*** 

 علي حسين

 

 

أن لكل دولة مجموعة من الأهداف التي تسعى من خلالها لتحقيق مصالحها وطموحاتها، وهذه الأهداف تتفاوت أهميتها وفقاً إدراك صانع القرار السياسي ومدى تأثر كل حدث أو متغر سواء كان إقليمي أم دولي على تحقيق تلك الاهداف، فإن مدركات مصالحها ونفوذها الإقليمي يصبح دافعاً لتحقيق مشروعها الداخلي والإقليمي التي تترجم إلى أعلى المستويات والأهداف التي سعت الى تحقيقها وتؤثر بالتالي على علاقاتها الدولية وسياساتها الخارجية. من الضروري تعاون دول الطوق والجوار العراقي وفي مقدمتها الجمهورية الاسلامية الايرانية من أجل القيام بمسؤولياتها بدعم عمليات حفظ وحدة اقتصاد العراق واستخدام موارده وتماسك مجتمعه من أجل أن يكون العراق قوية وحفظ كيانه وتوازناتها في المنطقة، من أجل الاستفادة من مكاسب النمو الاقتصادي الاقليمي للمنطقة والتي لهم دور كبير في حفظ أمنه وحماية مكتسباته تعاونهما معاً.

العراق وإيران هما بلدان متجاوران ولهم حدود مشتركة بطول يقارب 1400 كيلومتر ومن هنا لقد فرض الواقع الجغرافي للعراق وإيران كونهما دولتان متجاورتان، والتداخل السكاني القومي والمذهبي أولاً، ومن ثم ظروف الأوضاع الدولية ثانياً على كلا البلدين ومجمل سكانهما مسلمين، على ضرورة التفاهم وهذه الحقيقة التي تؤطر معيارية العلاقة بين البلدين الثقافية والاجتماعية والتاريخية والدينية ولها وزنها وحساباتها في منظور صانع القرار السياسيين في كل بلد على حدى، ولاشك ان الوعي والحنكة والدراية الموجودة لدى القيادتين الايرانية والعراقية، ادت الى تفويت الفرصة على من يريد الاساءة الى العلاقة بين طهران وبغداد في التوقيع على الاتفاقية الامنية، والتي سوف تساهم في تحقيق الاستقرار للمنطقة واعتماد مبدأ التوازن في العلاقات مع دول الجوار واقامة أفضل العلاقات على أساس حفظ مصالح العراق أولاً، اذ تربط العراق علاقات تاريخيَّة مع دول الجوار ولكن يبقى أساس التعامل في العلاقة القائمة معها مبنيًا على احترام السيادة وعدم التدخل في الشُؤُون الداخليَّة واستقلاليَّة القرار العراقيّ . إن الصعوبات الحالية التي يواجهها العراق لا تعني عدم قدرته في الوقت الحالي والمستقبل للعمل على تجاوز الصعوبات والقيام بدور اقليمي فاعل يحافظ على السلام والامن، إذ من المعروف عليه في علم السياسة أنه علم يتسع لكل الاحتمالات ويأخذ بالحسبان الجوانب المختلفة للخلافات، فليس من المستبعد أن يقوم العراق بدور اقليمي فاعل كما هو عليه الان يؤهله على الدخول في لعبة التوازنات الاقليمية التي تنتهي أو تحسم نتائجها بشكل كامل لمصلحة اطرافها كما كانت المساعي في تقريب وجهات النظر في الاتفاق السعودي الايراني الاخير لعودة العلاقات بينهما بجولاته الخمسة التي جرت في العاصمة بغداد وانتهاء الأمر الى عودة المياه الى مجاريها. ان العراق تربطه علاقات مشتركة مع دول الجوار وأساس التعامل في العلاقة القائمة معهم مبني على احترام السيادة وعدم التدخل في الشُؤُون الداخليَّة لاي بلد ودعم أسس التنمية الشاملة للعلاقات في الأبعاد السياسية والاقتصادية والأمنية أكثر من قبل وينمي ايضا العلاقة التاريخية والاخوية الوثيقة التي تربط شعوبها، من خلال التوقيع على الاتفاقية الامنية المشتركة سيكون لها الاثر الحاسم في تقليل ومواجهة التحديات الأمنية غير المرغوب فيها بينهما، ، التي ستعزز المسؤولية والالتزام المتبادل، لحماية أمن الحدود المشتركة، وصولا الى إنهاء الوجود غير الشرعي للعناصر المسلحة التي تريد زعزعت الامن والترابط الذي التاريخي والاجتماعي والثقافي بين البلدين والتابعة الاستخبارات الامريكية والموساد الصهيوني في الحدود الشمال الشرقي للعراق والشمالية الغربي من إيران والتي كانت في الفترة الماضية منطقة عمليات للمجموعات المسلحة المعادية لإيران وتوقيع الاتفاقات الامنية توثق العلاقة بين البلدين هو هدف يصب في مصلحة العلاقات بينهما، والعراق لايزال يحتفظ بالمأهلات التي المهمة والضروية ، والتحول مرة اخرى الى دولة قوية تنافس وتحد من قدرات ونفوذه من تسول له نفسه الاساءة اليه وتحقيق اهدافها بكل قوة في الاقليم والتي تمكنه وتؤهله من ان يصبح احدى القوى الفاعلة في الاقليم وعنصراً اساسياً في تقرير التوازنات الاقليمية للمنطقة، ويرفض بشكل قاطع على أن تكون أرضه مسرحا لتواجد الجماعات المسلحة، أو أن تكون منطلقاً لاستهداف بلدان الجوار، والتي تضر بالمصالح المشتركة وتضرب العلاقة التاريخية المتجذرة بينهم . أو أيّ مساس بالسيادة العراقية، وفعلاً الحكومة العراقية اتخذت مجموعة من الإجراءات لحماية الحدود العراقية الإيرانية بزيادة القوات الموجود بالمشاركة والتعاون مع قوات البيشمركة تحت قيادة عسكرية موحدة وهناك تفاهمات من أجل عدم السماح للمجموعات المسلحة التي تريد أن تعبر الحدود إلى الجانب الآخر لا بل تمنع تواجدها في المنطقة وابعادها عن الحدود المشتركة للبلدين

***

عبد الخالق الفلاح - باحث واعلامي

 

 

الدول العربية ليست الوحيدة التي تجزأت بعد الحرب، فهناك كوريا، وألمانيا، وفيتنام، وغيرها، وجميعها إستثمرت في التجزأة وتقدمت وعاصرت، إلا الدول العربية فأنها تناحرت.

لا يتفق الجميع مع القول بأن (سايكس - بيكو)، من الأخطاء القاتلة التي إرتكبتها الدول المنتصرة في الحرب العالمية الأولى.

وعندما أدركت خطأها، عملت على جعل الدول القطرية متناحرة، لتنزف طاقاتها وقدراتها وثرواتها، وتنشغل ببعضها وتتمحن في وجودها، وبموجب ذلك تأسست الأحزاب المؤدينة والقومية، وما وجدنا أحزابا وطنية ذات قيمة ودور.

فهذه الأحزاب تشترك بأهدافها القاضية بالعدوان على الدولة القطرية، والتغني الخيالي بالوحدة وبناء الدولة الكبرى، وما أفلحت سوى بمناهضة طروحاتها، وأمعنت في تقسيم المُقسم، والأحزاب المؤدينة أجادت التفرقة وجسدت الطائفية والمذهبية، وهي لا تؤمن بوطن بل بأمة متصورة.

وأشد ما كانت تخشاه القوى التي جزأت الوطن إلى دول، أن تهتم كل دولة ببناء وجودها القوي وتستثمر ثرواتها وطاقاتها البشرية، ولهذا عملت على أن لا يتحقق هذا السلوك الإيجابي، وأوهمت الجميع بأن العلة في التجزأة، وعلى الدول أن تجاهد من أجل الوحدة لتكون، وبدونها لن تتقدم وتعاصر ويعيش أبناؤها بحرية وكرامة، فشجعت فيها الأنظمة الإستبدادية، وقضت على أنظمتها الديمقراطية الدستورية، وعززت دور الفردية، والإذعانية، فصادرت وجود أبناء الأمة أجيالا بعد أجيال، وقام بالمهمة أبناء الأمة أنفسهم، وإتخذوا من قميص الإستعمار عذرا لتبرير مساوئهم وجورهم، وعدوانهم على المواطنين، وكأن الدنيا ليست سوح غاب يفترس فيها القوي الضعيف.

فلو تحقق بناء الدول القطرية وفقا لأسس دستورية راسخة، وتواصلت التنمية والتفاعلات الإقتصادية والعلمية، وغيرها مثلما يحصل في الدول الأخرى، لأصبحنا أمام أكثر من عشرين دولة قوية، وكل منها سيكون سندا للدولة الأخرى، وبتكافلية تساهم في فرض هيبة وعزة الأمة على أمم الدنيا.

فتخيلوا أكثر من عشرين دولة قوية متعاضدة في المحافل الدولية، فماذا سيحصل، وأي مكانة ستكون لها.

إن العيب في أنظمة الحكم التي إنطلت عليها لعبة التجزأة، فأوصلتنا إلى قيعان المرير.

فهل من قوة وطنية راسخة، وقدرة على الخروج من نمطية التفكير العاهوي؟!!

***

د. صادق السامرائي

 

رغم كون شهر رمضان المبارك ثقيل على الكثير من أمثالي.. ولكن هناك من يترقبه بسبب المسلسلات المتنوعة او العاب كرة القدم المسائية او لعبة المحيبس المعروفة... وانا شخصيا أصوم اغلب شهري رجب وشعبان بكل سهولة ويسر مقارنة مع التوتر الذي يرافقني في شهر رمضان... برايي أن السبب الرئيسي لذلك هو كونه واجب وعليه حساب و هو أحد فروع الدين بعد الصلاة لذلك نقلق خشية ان نخل بصيامه ونكون بذلك قد دخلنا في المحظور والعقاب.

في حين صيام بقية الاشهر مستحب ويمكن أن نفطر في اي لحظة دون عقاب... والسبب الثاني هو عدم استحضار ثوابه بشكل عملي. بمعنى ان هناك من يعمل للدنيا عملا شاقا يستغرق معظم اليوم ولكنه يتمنى ان لا ينتهي اليوم لا لشيء الا بسبب الأرباح التي يجنيها من عمله مما تجعله ينسى كل تعبه.

نعم ان استحضار الثواب بأنواعه يحتاج إلى تواصل وفن وابداع في تعامل مع النفس لأقناعها بالأجر العظيم في شهر رمضان... ومع ان السلف الصالح لم يبخلوا في هذا المجال الا اننا نحتاج اكثر من ذلك ليعم الخير للجميع.

المسلسلان الأكثر إثارة لعواصف الجدل حتى قبل عرضهما، فهما "ابتسم أيها الجنرال" و"معاوية بن أبي سفيان"، إذ يعرض الأول –وفقا للترجيحات– قصة وصول الرئيس السوري الراحل (حافظ الأسد 1930-2000 إلى الحكم من خلال "الحركة التصحيحية"، وما تلاها من أحداث حول سيطرة عائلته على مفاصل الدولة السورية، وخلاف ابنيه لاحقاً،

فيما يذهب الثاني لفتح ملف الخليفة الأموي (معاوية بن أبي سفيان 602-680) من وجهة النظر الأخرى، عبر تناول أحداث الفتنة الكبرى بعد مقتل الخليفة الراشدي الثالث (عثمان بن عفان656-576)، وهو ما يُتوقع أن يلاقي اعتراضاً شيعياً واسعاً، مجموعة "MBC" الجهة المنتجة، قالت إن العمل ما يزال قيد التحضير وسيعلن عن موعد بثه لاحقا، وهو من كتابة الصحفي المصري خالد صالح، الذي لم يسبق له أن كتب مسلسلاً، ومن إخراج طارق العريان، وبطولة لجين إسماعيل بدور معاوية، وممثلين مصريين ومغاربة.

ورغم أن هناك أعمالا عديدة جسدت سير شخصيات لا تحظى باتفاق المذهبين، مثل مسلسل "عمر بن الخطاب"، إلا أن شخصية "معاوية" تعد محل خلاف حتى بين بعض أئمة السنة باعتباره أول" من بدل نظام الخلافة الإسلامي، فحوله إلى نظام وراثي".

كانت نيلي وشريهان تجمعنا بفوازيرهما، واليوم معاوية وأبي لؤلؤة الفيروزي يفرقانا بسيفهما الملطخين بالدماء... فهل من مدكر؟.

***

شاكر عبد موسى / العراق

في الجلسة العامة لمجلس النواب المصري. وأثناء مناقشة قانون إقرار العلاوات الخاصة تحدث النائب/ الدكتور فريدي البياضي، نائب رئيس الحزب المصري الديمقراطي، قال ؛- كنت أتمنى أن أقف أمام الحكومة اليوم واشكرها، ولكن العلاوة قبل أن تصل إلى جيب الموظف وأصحاب المعاشات، احترقت بجنون ارتفاع الأسعار، واستشهد كمْ معاش المواطن أصبح الآن؛ أصبح لا يشتري ثمن 5/ دجاجات فقط... !!

صرخة أطلقها النائب من تحت قبة البرلمان المصري في وجه الحكومة الذي طالبها بالرحيل فورا؛- وقال: كان نفسي أشكر الحكومة على الإنجاز بعلاوة غير مسبوقة؛ لكن للأسف إن العلاوات التي اقترحتها الحكومة حرقتها بالفعل نيران الأسعار الرهيبة، ثم تساءل النائب..؟!

ماذا تفعل الحكومة في القطاع الأكبر من الموظفين وهم موظفو القطاع الخاص...؟!

ماذا عن الطبقة العريضة من المجتمع وهم بلا عمل أو العاملة غير منتظمة باليومية...؟!!

لقد أصبحوا تحت خط الفقر... وما أكثرهم..!!

وماذا عن القطاع المطحون من أصحاب المعاشات حيث يقدر عددهم بحوالي (11 مليون نسمة)هل يعقل أن يكون الحد الأدنى للأجور بعد الزيادة/ 3500 \جنيه مصري أي ما يعادل الآن 100/ دولار أمريكي في الشهر__\ بينما الحد الأدنى للمعاش 1250 جنيها/ قيمة شراء 5/ دجاجات....!!

وأكمل النائب قائلا؛ الحكومة بتفاخر إن المستفيدين من معاش "تكافل وكرامة" ارتفع إلى حوالي" مليون أسرة" هذا العام... واستغرب هل هذا إنجاز في نظر الحكومة، واتهم الحكومة بزيادة أعداد الفقراء وقال بسخرية باللهجة العامية "دا ناتو فقرنوا الناس أكثر" ثم أضاف النائب: الحكومة تخرج طبعا بمبررات الحكومة ليس لها ذنب. أزمة عالمية ونحن جزء من العالم...؟!

واتهم الحكومة أن الفشل في الاستعداد للأزمة هي معدلات التضخم غير مسبوقة في تاريخ مصر... ؟!

وقال:- الحكومة هاتسألني أجيب منين الزيادات...؟!

هاسالهم هاتجيب منين ال/ 150 مليارا / اللي ها نقرهم اليوم... هيكون ردي من جيب المواطن طبعا......؟!

ولا هاتطبع فلوس وتزود التضخم...؟!

وختم النائب/ البياضي كلمته قائلا: أفضل إنجازا يقدمه الدكتور/ مصطفى مدبولي رئيس الحكومة للشعب المصري هو أن يقدم استقالة حكومته ويرحل فورا وكفاية فشل...!!!!

***

"محمد سعد عبد اللطيف" كاتب مصري وباحث في علم الجغرافيا السياسية

 

من الظواهر التي لم تشد إنتباه الكثيرين، ولم يتحقق تحليلها بعمق، أن دولة لا علاقة لها بالإسلام، ويمكن القول أنها دولة لا دينية، رعت ونجحت في لم شمل دولتين مسلمتين.

دولتان الدين الواحد فرقهما واللادين جمعهما، فكيف يُفسَر هذا السلوك؟

أ ليس هو دليل على أن الأديان تفرّق؟

بل أن الدين الواحد يكون مصدرا للفرقة والتصارع الشديد!!

لو تأملنا مسيرة الإسلام لتبين أن أبناءه تقاتلوا بعنفوان وقسوة، وتفرقوا وأصبحوا ألف فرقة وفرقة، ومنذ إنطلاقته.

فالفرقة الدينية في الإسلام ليست جديدة، وسببها التأويلات والتفسيرات الداعية لتأليف سلطة فردية ذات أتباع خانعين، ينفذون أمر مَن سيَّدوه عليهم، وصاروا بضاعة تجارية في يديه.

آلاف الآلاف من المسلمين قتلوا بسبب هذا الرأي أو ذاك، ولا تزال نواعير الإتلاف الذاتي والموضوعي تدور بسرعة متزايدة، خصوصا بعد توفر أدوات القتل السريع بأنواعها.

فالسيف قتل مئات الآلاف من المسلمين بواسطة المسلمين، فكم ستقتل منهم أسلحتنا المعاصرة؟

أ ليس من الغريب أن لا تتمكن أي دولة مسلمة إصلاح العلاقة بين دولتين مسلمتين؟

ومن المخجل أن تأتي دولة لا ناقة لها ولا جمل بالإسلام، وتدعو دولتين مسلمتين للتعاون والتآحي!!

فلينظر المسلمون إلى أحوالهم، ولا يتذرّعوا بأسباب خارجة عن عاهاتهم السلوكية الفاعلة فيهم.

فالمسلم عدو المسلم وليس أخوه!!

المسلمون يتمترسون في رؤى وتصورات وإدّعاءات، وكلٌّ يحسب أنه يمثل الإسلام الصحيح، الذي يتممه بقتل المسلم الآخر الذي لا يرى مثلما يرى.

وبعض المسلمين لا تسمع في خطب رموزهم آية قرآنية، بل توجهات شخصانية، وتأليهات لرموز آدمية، حتى صار الفرع البعيد والقريب يتقدم على الأصل.

وتلك محنة الإسلام بالمسلمين، وعاهة التفاعل العدواني ما بين أهل الدين.

فأين الإسلام يا أمة وأرسلناك رحمة للعالمين؟!!

***

د. صادق السامرائي

من الواضح أصبحت الحرب الناعمة السلاح السحري والفعال لأعداء الوطن والدين، فهي أقل كلفة مادية، والمهاجم فيها لا تُزهق له أرواح من جنوده، ولم تثير هكذا حروب أستنكار المنظمات الدولية والأنسانية، ولا تُثير حتى حفيظة الضحية، ولا تحدث حسيساً ولا ضجيجاً في الأعلام العالمي. وكما أن للحروب التقليدية أدواتها المتنوعة، كذلك هي الحروب الناعمة تتنوع في أسلوبها وأدواتها، ومن أشهر أساليبها وأكثرها فعالية وأقلها كلفة، هو سلاح الجهل، وكما يقول المثل (جهله قتله). فعلاً الجهل هو السم الرعاف للشعب المراد أحتلاله وأستعماره وأستغلاله من قِبل رعاة هذه الحروب، ومن الصعب الوقوف بوجه هذا السلاح، إلا بالوعي، وأول الوعي هو معرفة أهداف العدو، وأساليبه الماكرة، وهنا أحببت أن أُبين بعض هذه الأساليب عسى أن تساهم ببناء هذا الوعي، وهنا أذكر للقاريء الكريم نبذة من أساليب العدو في تنويم الشعوب ومن ثم أستغفالها. يذكر التاريخ أن نابليون عندما أحتل مصر ١٧٩٨م، ولأجل كسر شوكة مقاومة المصريين لحملته الاستعمارية، أخذ يستغفل الشعب المصري بأسلوب دغدغة عواطفهم، عن طريق التقرب لهم بمشاركته لمناسباتهم القومية، مثل (عيد النيل) و(عيد الوفاء)، وكان يتبرع من جيبه الخاص لأعياد المسلمين، رغبة بخداعهم مثل المولود النبوي، حتى سموه المصريين ب علي بونابرت، حتى أنه أخذ يظهر التودد والصداقة اليهم، وكان هذا الأسلوب ساهم في تسهيل أحتلال مصر.

أن أسلوب الخداع لم تختص به فرنسا لقهر الشعوب المستضعفة،وهنا أذكر للقراء الكرام حادثة، حدثت مع السفير البريطاني في العاصمة الهندية نيودلهي، تقترب في أسلوبها وأهدافها، وبينما هو يتجول بسيارته برفقة القنصل في السفارة البريطانية وإذ يرى السفير شاب هندي يركل برجله بقرة واقفه بالطريق، مما جعله يترجل بسرعة ناهراً وموبخاً الشاب على فعلته بأعتباره أساء الى آلهة الهند المقدسة، وانحنى نحو الأرض متناول جزء من فضلات البقرة وأخذ يمسح بها ملابسه ووجهه متظاهراً بأحترامها، مما جعل جمهور من الهنود الواقفين ينهالون على هذا الشاب بالضرب والسباب على فعلته الشنيعة التي تنم عن أحتقار آلهة الهند المقدسة (البقرة)، وبينما الهنود ينهالون بالضرب والسباب على الشاب الهندي قفل السفير راجعاً الى سيارته، وذهب، وبينما هو في السيارة سأله القنصل البريطاني الذي كان بصحبته، ياسيادة السفير، هل أنت معتقد بقدسية هذه البقرة، وأنها من الآلهة، فرد عليه السفير، وهل نَسيت أننا تغدينا لحم البقر سويتاً اليوم، فرد عليه القنصل، وما الحكمة من تصرفك هذا، فأجابه السفير إن هذا الشاب الذي ركل البقرة، هي بالحقيقة ركله للعقيده الخاطئة، فالشاب يريد تصحيح هذه العقيدة الذي يمارسها الشعب الهندي، هذا لو حصل وتنبه الشعب لذلك،سيجعل هذا الشعب متقدم علينا ٥٠ سنه، لذلك من مصلحتنا الوجودية أن يبقى الشعب الهندي متأخر ١٠٠ عام، لذلك يكون من أهم أهداف المخابرات التابعة لدول الاحتلال هو تكريم الجهل والخرافة، فهي أهم الجيوش الحقيقية في أغتيال وأحتلال الشعوب.

***

أياد الزهيري

يقول مثلنا: (غنم ماشايفين.. بعرور هم ما شايفين!).

لاأظنني آتي بشيء جديد على مسامع قارئ مقالي، حين أشير إلى سلبيات مطروحة ومعروضة في الشارع العراقي وعلى مرأى الجميع، و(على قفا من يشيل)، ولعلها أقرب الى المواطن العراقي من خبزة يومه، وأدنى من قوت عياله، لكنها رسالة تحكمني فيها المهنية وقبلها الإنسانية والوطنية.

وما ذكرني بهذا المثل، هو انحياز ساسة بلدي الى مصالحهم الخاصة والخاصة فقط، والتفاتهم الى مآربهم ومشاربهم دون الاهتمام بشؤون البلاد وملايين العباد، بل حتى دون مراعاة عرف، أو الالتزام بخلق، أو التمسك بعقيدة، فضلا عن النأي عن كل التقاليد والقيم التي عهدها التأريخ بالإنسان العراقي، ولعل ماذكرته يحتاج مقالا أو أكثر كلا على حدة.

وما يؤلم ويحز في النفس، أن ساستنا لايولون الجانب الإعلامي إلا بما يصب في بواتقهم، ونراهم على الدوام يركنون الى الصحافة الصفراء، حيث تخدم غاياتهم والتي عادة ماتكون دنيئة. حيث نقرأ ونسمع ونرى العجب العجاب في وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية، فمن عهدنا به من السياسيين التزلف والتملق والخديعة -وهم كثر- يظهره الإعلام على أنه نبي منزّل، أو ولي منتقى، أو تقي مصطفى. في حين نرى المعتدل والوطني والشريف -وهم قلة- يظهر بصورة غير لائقة، وأشهر تلك الصور وأكثرها انتشارها صورة الفاسد، وما أسهل الأخيرة إن أراد الإعلام إخراجها وبثها على الملأ، فأركان الفساد متوافرة في عراقنا على قدم وساق، وفي كل واد ونادٍ.

وبذا يجانب الإعلام الدقة والشفافية والمصداقية، ويشط عن شرف المهنة أيما شطط، في وقت وظرف يحتم على الساسة إيلاء الإعلام كسلطة رابعة أهمية قصوى، ليمارس دوره الرقابي بما يجدي نفعا، لينهض البلد ويرتقي الى حيث يليق به كبلد عريق، فإن من المعيب جثومه في خانة الدول الفائزة دوما بإحصائيات الفساد والجريمة.

الإعلام -ياسامعين الصوت- هو سلطة الشعب الذي انتخبكم وسلطكم على حاضره ومستقبله، واختاركم كي تنصفوه حقوقه بعد أن بخسها سابقوكم.

الإعلام هو صوت الفقراء المغمور خلف بيوت الصفيح والطين في العراء، وتحت الجسور وفي المقابر والـ (تجاوزات).

الإعلام هو نداء الثكالى اللائي فجعن بفلذات أكبادهن، بسبب صراع بينكم وعراك بين (زعاطيطكم).

الإعلام هو آهات وتأوهات كبار السن من الذين أفنوا ريعان شبابهم في مؤسسات الدولة العراقية، متأملين اتكاءهم على مرتب تقاعدي يغنيهم عن (مَدة الإيد) ويعينهم على متاعب الكبر والمرض والوحدة.

الإعلام هو مطالبات الشبان الخريجين الذين يبحثون عن ثمرة دراستهم ومثابرتهم في (مسطر العمالة) و(جنبر الجكاير)، تاركين شهادات الدبلوم والبكلوريوس شاخصة في إطاراتها، معلقة على الحائط يعلوها التراب والغبار.

الإعلام هو صوت تلاميذ الصفوف الابتدائية وهم يرددون:

دار دور.. داران.. نار.. نور.. نيران. حالمين بدفء النار، وأسنانهم تصطك من زمهرير الشتاء، في صفوف تئن فيها رياح الـ (جلة) والـ (عجوز) وشباط الـ (أزرق).

الإعلام ياساستنا هو الذي يكشف أغطيتكم التي أدمنتم النوم تحتها منذ انتخبكم شعبكم، لعلكم تصحون قبل فوات الأوان.

الإعلام ياجلادون هو ثلة من أناس حملوا أرواحهم فوق راحاتهم، لكشف حقيقة او إيصال صوت او عرض مشكلة وبحث حلولها، متحملين معارضتكم لهم ومحاربتكم إياهم.

الإعلام هو الكوكبة التي فاضت روحها، وهي تؤدي مهنتها من جراء بطش قادة وظلم ساسة أصنام، سقط بعضهم، وأصنام آخرون لاحقون بهم لامحالة.

***

علي علي

تمر عقود ولاتزال السلطة تغوص اكثر يوما بعد اخر في الفساد المستشري دون حراك ما لواده او ايجاد البديل المناسب لمن يقف على راسه دون ان يابه بما يحصل لهذا الشعب المغدور. لقد طال بنا الزمن وانتظرنا كثيرا بحجة قلة معرفة او خبرة من يحكم ومن اجل ايقاف او منع التدخل الخارجي بحجة حصول فوضى عند التعارض او اي عمل ثوري داخليا، ولكن سيطرة الحزب والمحسوبية والمنسوبية الحزبية والعشائرية والشخصية على كافة مفاصل السلطة جعل التخبط والتراجع م من نتائج العمل الجاري وفق هذا المسار الذي تعتمده هذه الاحزاب المسيطرة على السلطة وبكل ما لها علاقة بالحكم في هذا الاقليم البائس دون ان يابه من يسمي نفسه مخلصا ما يحصل لهذه التجربة التي طالت دون تحقيق الاهداف وتراجعت في مسيترها دون ايجاد اي حل منع او حتى ايقاف ما يحصل من الفساد القاتلفي هذهة المرحلة .

التفكير في البديل المناسب في هذا الواقع الذي فرض نفسه دون ان يكون هناك من الوسائل التي يمكن توفيرها ليحل مكان ولو جزءا من الواقع المخزي، ولهذا يمكن ان يراد بالعمل المطلوب هو التعمق والتحليل لتجاوز الخوف من حصول الاسوأ الذي من المحتمل ان يحل نتيحة التربص خارجيا للتدخل في الوقت المناسب له لو احس بتوفر الارضية المناسبة لتدخله، ما يجعل فرض التردد لدى المهتمين لاي عمل سواء للاصلاح الجذري او الثورة العارمة.

وعليه يمكن الاعتقاد بان الحل الواقعي هو نضوج الفكرة اولا ومن ثم حالة لتهيؤ الفرصة عفويا او طبيعيا بعد الوصول الى حالة ما لا يمكن تحمل الخراب الكلي ولو على حساب هذه التجربة غير المسبوقة في تاريخ الكورد.

ما يحتاجه اي مفكر في الامر هو التخطيط العمل المناسب لكيفية تثقيف المجتمع وايقاضه منة نومه والسبات المسيطر عليه نتيجة الترغيب والترهيب الفاسدين المسيطرين عليه ومن له المصلحة في بقاء الحال كما هي. وهذا ما يحتاج الى وقت وصبر وعمل دقيق وتعاون الجميع على راسهمة الشباب الواعي من الحيل الجديد .

بداية يجب ان يعول على الحيل الجديد وكيفية دفعه الى التفكير في مستقبل شعبه و دفعه الى منع ما يحصل من من تلطخت ايديهم في الفساد المستشري وبايدي ذاتية دون ان يفكروا هؤلاء بمستقبل هذا الجيل. وهذا يحتاج الى وسائل اعلامية وتنطيمية نشطة بعد تخطيط ويرنامج علمي مناسب بما يجب ان يعمل عليه وما هي الاولوية التي يجب العمل به وعليه من اجل فتح المسار والطريق المناسب للتاثير على امكانية وقدرة المتسلط حزبيا وحكوميا.

و ليه يمكن ان يُصنٌف من يكون اولا في ان يمكن الاعتماد عليه في القاء المهام الشاق على عاتقه والسير في حقول الالغام المتعددة التي يمكن ان تواجهه في العمل على محاولة وئد الفساد بايديه قبل الاخرين . اليداية تعتمد على كيفية ايجاد الباب الذي يجب فتحه امام امكاينة تفكيرهذا الجيل نحو تلك الافاق ومن ثم تبدا الخطوة الاولى، ومن ثم تسير المسيرة بسلاسة وسهولة ان ازيل الراس الكبير للفساد باي شكل كان ومن ثم من تبدا الخطوة الواقعية بعد نجاح الخطة وترسيخ الارضية المناسبة لتلك المهام.

تبدا المسيرة بتشجيع من ينتمون الى هذه الاحزاب الفاسدة لمصلحة ما حياتية شخصية، الى التفكير والتحمس لمساعدة من يمكن تكليفهم على نشر ما يطلب منهم نشره بين صفوف الاحزاب التي ينتمون اليها. التاكد من المستقلين وايكال المهام اارئيسي اليهم وفق قدرتهم والاهتمام بالنساء في امور خاصة تناسبهم وان امكن يجب خرق القيادات الشابة من الجيل الجديد المنتمي الي تلك الاحزاب في سبيل اقناعهم للمساعدة على انهاء ما هم يمسونه من الفساد الذي يضر بهم وبمستقبلهم قبل اي كان. اذا البديل المناسب السلمي يحتاج الى خطط ودقة والحذر والوقت والصبر من اجل عدم التزحلق الى السبيل المؤدي الى الفوضى والفشل المحتمل في الامر في كل وقت نتيجة صعوبة المهام ووجود من يريد التخريب في كوردستان لمصلحته وهو ما يبني السد والمنع للحركة المناسبة امام هذه الطريق المناسب على الاقل لتقليل الفساد.

***  

عماد علي

أكتشف المهندسون الذين درسوا البنايات التي صمدت والتي سقطت في الزلزال الأخير في تركيا وسوريا، إضافة للأسباب المتوقعة من غش البناء، سببا غريبا وحاسما في تحديد مصير البناية!

اكتشفوا أن الكثير من تلك البنايات قد أجريت عليها "تعديلات" من قبل مالكها بعد البناء، ومنها "قص الأعمدة" في الطابق الأرضي، لتكوين قاعة واسعة خالية من الأعمدة الوسطية، لتأجيرها كمحلات كبيرة أو ربما قاعات اجتماعات الخ، فتدر عليه أرباحا إضافية.

ومما لا شك فيه أن المهندسين لم يضعوا تلك الأعمدة عبثا، ويصرفوا عليها حديد التسليح والسمنت، لكن المالك يجهل ذلك أو تغافل عنه لكسب المزيد من المال والراحة. ولعله لم يكن واثقا من عمله في البداية، وربما حذره أحد معارفه من ذلك وأخبره أن العمود ضروري لتأمين صمود البناية.. لكن الإغراء دفعه للتجربة. فقص عمودا في البداية، وانتظر، فلم يحدث شيء! وقص الثاني ولم يحدث شيء وقص كل ما اراد قصه، وبقيت البناية واقفة، وكسب قاعته الكبيرة وايجارها، وذهب سعيدا بفكرته "العبقرية" مقتنعا انه حصل على مكافأة لـ "جرأته" و "براغماتيته" وعدم استماعه لـ "شعارات" المهندسين الفارغة. ألم تثبت البناية بوقوفها أن ما يقولونه "كلاوات"؟ هكذا فكر.

وطبعا، حين جاء الزلزال، تساقطت بنايته كلها من أول اهتزاز! وتبين أن ما اسماه "الشعارات" كانت أشياءا حقيقية وخطيرة الأهمية، وأن تجاهلها كلفه بنايته كلها وحياة الكثير من مؤجريها وتعويضهم وربما اودعه السجن زمنا طويلا! لا شك انه ندم، حين لم يعد ينفع الندم.

هل كان صاحب البناية مغفلا جدا؟ هل كان متخلفا عقليا؟ ليس بالضرورة. فقد فعل ما يبدو شيئا معقولا يمكن أن يفعله أي انسان. قص عمودا، فلم يحدث أي شيء. ثم قص الثاني وهكذا.. ما أدراه، وهو ليس مختصا، أن هذا الفعل "البريء" سيسبب كل تلك الكارثة، وأن "خللا لا يرى" قد حدث في هيكل البناية؟

هكذا أيضا يبدو فعل "التخلي عن السيادة"! إنه "قص لعمود" بناية البلد، وإحداث خلل خطير في هيكله واضعاف شديد ينتظر أية هزة ليسقطه! إنه أيضا "لا يرى"، وهو أيضا يبدو "مفيدا" وبلا تكاليف! لقد تنازلنا عن جزء من سيادتنا فلم يحدث شيء، بل عم الهدوء شوارعنا بعد التظاهرات العنيفة المخربة. ثم قصصنا عمودا آخر وتنازلنا عن سيادة أخرى، "فلم يحدث شيء" بل رضي عنا "المجتمع الدولي" وصار يدللنا. وقصصنا عمودا آخر، فانخفض سعر الدولار، ومازال العراق موجودا، ونحن نتمتع بفوائد كل عمود نقصه! أليست "السيادة" إذن من تلك "الشعارات الفارغة" وعلينا ان نهملها ونتمتع بفوائد "قصها"؟

هذا تقريبا ما لمح اليه السوداني في تسجيل فيديو حين أكد بأن المواطن العراقي صار يعي أن الحكومة التي تفيده هي التي تقدم "الخدمات" وليس "الشعارات"، وأن المواطن سيوجه خياراته الانتخابية وفق ذلك "الوعي" الجديد! وبالطبع فـ "الشعارات" التي يقصدها السوداني هي السيادة التي هو متهم مع الإطار الذي جاء به، ببيعها كما لم تفعل أية جهة سياسية في العراق قبله. كان يقص "الأعمدة" وفي كل مرة يدعونا الى نسيان القلق والالتفات إلى جمال "القاعة" الواسعة والاستفادة الممكنة منها لسكانها.

هل يجب ان يكون المواطن احمقا لكي يمر عليه هذا التلاعب؟ لا أبدا.. إنه يرى الدولار يهبط، ومازال العراق قائما، فما ادرى هذا المواطن غير المتخصص بالسياسة، أن "خللا لا يرى" قد حدث في هيكل بلاده؟ وأنه زرع فيه قنبلة موقوتة تنتظر أية هزة لينهار؟

هل ينطبق مثال أعمدة البناية على فكرة سيادة الوطن، أم ان التشابه ضعيف وشكلي؟

هناك بعض الفروق المهمة واهمها أن "الزلزال" حدث "حيادي".. من الطبيعة.. قد يحدث وقد لا يحدث، وقد تبقى البناية حتى نهاية عمرها دون ان تتعرض له. أما تسليم سيادة البلد إلى دولة معادية له وداعمة لأعدائه (وليست دولة حيادية) وسبق لها ان صنعت له الكوارث المتعمدة مثل داعش، يجعل الأمر أخطر بكثير من حالة "قص الأعمدة" و "احتمال" حدوث الزلزال. إن من "يشتري" سيادتنا على بلدنا، ينوي الاستفادة من ذلك، باستعمالها لتدميرنا! إن تسليم السيادة لعدو، هو "قص الأعمدة" و"الزلزال" معا في صفقة واحدة! لذلك فهي أخطر بكثير جدا. إنها ليست "احتمالا" لانهيار البلد، بل خطوة كبيرة "أكيدة" باتجاهه ان لم نلحق الأمر بسرعة.

الفرق الآخر هو أن السوداني ليس "صاحب البناية" رغم أنه المتحكم بقرار قص الأعمدة فيها، بل هو اشبه بدلال تم توكيله مؤقتا للتصرف بها. وهنا أيضا الحالة أخطر. فقد يمكن اقناع صاحب البناية بخطورة قص الأعمدة وتكاليفه الكبيرة المدمرة له، أما الدلال المكلف بمهمة مؤقتة، فيكون قد استلم نسبته وذهب، ولن يخسر شيئا إن سقطت البناية على من فيها.

إن تسليم سيادة البلد، أخطر من قص أعمدة البناية!

ليست السيادة سوى "القدرة على اختيار الاتجاه" لبلدك لكي يتعامل مع الأحداث فيقلل الخسائر في العواصف ويستغل الفرص في الظرف المؤاتي. إنها قدرة البناية ان تختار ان تميل الى اليسار أو اليمين عندما تحدث الهزة، لتتجنب السقوط. ولكن عندما يسلم هذا "الخيار" إلى من يضع لنفسه هدفا اسقاط البناية، فأن مصير تلك البناية السقوط الحتمي!

لقد تداول الناس حكمة جميلة بعد زلزال سوريا - تركيا، تقول: "الزلزال لا يقتل الناس.. (خلل) البناء هو الذي يقتل"!

***

صائب خليل

فوضى ما سمي بالربيع العربي، جعل أحلام السيطرة والهيمنة على الدول العربية متاحاً لكل طامع، مهما كان ناقصاً وقد خاضت الكثير من الدول تجربتها القاسية التي انهكت القوى في منطقة الشرق الاوسط وضعفت دول كانت لها قدرة المناورة في سياساتها وكانت انقرة هي اللاعب الاصلي ومثلت الولايات المتحدة الأمريكية محور مصالحها السياسة، كما كانت لغرور العضوية في حلف الناتو أساس المصالح التركية العسكرية والإستراتيجية الأثر في استقطاب قوى الإرهاب من كل صوب، تدربهم وتسلحهم، ومن ثم ترسلهم عبر حدودها للعبث في رقعة العالم العربي والآن تحاول الخلاص منهم بعد ان اصبحوا عبئاً ثقيلاً عليها وتمكن العراق وسورية وبعض الدول الاخرى الحد منهم والتضيق عليهم ويكلف انقرة كثيراً من المال .

لقد كشفت التحولات الأخيرة على الصعيدين الإقليمي أو العالمي عن تغير كبيرة في رؤية المجتمع الدولي للتعاطي مع الواقع المأساوي الذي حل بسوريا وتركيا بعد الزلزال الأخير الذي ضرب البلدين المتجاورين بعد صراع مقيت خسر الجميع فيه ودون وجود رابح بينهما بسبب التدخلات الاجنبية ،والمؤشرات تؤكد الانفتاح على التعامل مع دمشق والحكومة السورية والرئيس بشار الأسد،، وخاصة من قبل الدول العربية والزيارة التي قام بها بعض رؤساء البرلمانات العربية لسورية تؤيد هذه الرؤية ، وتعطي أريحية أكبر في التحرك الدبلوماسي للرئيس السوري على المستوى الخارجي. وإن الشروط التي وضعها الرئيس بشار الأسد لعقد قمة مع الرئيس التركي رجب أردوغان عدا عن تعبيرها عن سيادية عالية . وهي ضربة معلم تكسبه مزيداً من المكانة والاحترام لدى شعبه وفي الخارج ، وضعت الشروط السورية السهلة والمحرجة قيداً على أي تطبيع سعودي ومصري مع تركيا وزيارة وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو لمصر مؤشر جديد على عودة الدفء للعلاقات بين البلدين بعد عشر سنوات من التوتر والقطيعة بين القاهرة وأنقرة لكن ليس من السهل التحرك وكأن شيئا لم يكن بين ليلة وضحاها، في ظل انقطاع العلاقات لأعوام طويلة رغم تعرض الرهان التركي على تنظيم الإخوان لضربة إجهاضية واعتبرتها أوساط تركية عديدة نهاية لمشروع تمكين جماعات الإسلام السياسي في الشرق الأوسط، وهو المشروع الذي دعمته الدولة التركية من منطلقات جيوسياسية وأيديولوجية واقتصادية مختلفة ، ولهذا لم يكن مستغربًا أن تتموضع تركيا في ذلك التوقيت ولوقت قريب في موقع حاولت فيه بشكل مستمر استهداف الدولة المصرية في مرحلة ما بعد حكم جماعة الإخوان، سواء عبر استضافة أعضاء الجماعة الفارين إليها، أو توفير منصات اعلامية وصحفية لهذه الجماعة وربما كانت تأثيرات هذه التدخلات التركية أكثر وضوحًا في سوريا وليبيا .

لقد كانت ولازالت الأطماع التركية ممثلة بالرئيس أردوغان، عبر حزبه العدالة والحرية، الذي تمكن من قلب الديموقراطية في تركيا، لتصبح دولة إخوانية بامتياز، وبادر بافتعال الانقلاب المزعوم، ليتمكن من تصفية مناوئيه في الداخل التركي، وجرهم دون محاكمة للمعتقلات، أو الإقامة الجبرية، كما تخلص من الكثير من الفاعلين في المشهدين السياسي والإعلامي، من يرفضون الخلافة المزعومة، بينما سمح للإخوان المسلمين بالهيمنة وقيادة الرأي عبر قنوات إعلامهم، واستقطاب قوى الإرهاب من كل صوب، تدربهم وتسلحهم، ومن ثم ترسلهم عبر حدوده للعبث في رقعة الشرق الأوسط والعالم العربي ، وان رهان أنقرة المستمر حاليًا على حكومة عبد الحميد الدبيبة -منتهية الولاية- وكذلك توقيعها عدة اتفاقيات مثيرة للجدل معها في شهر أكتوبر الماضي، بما في ذلك اتفاقية للتنقيب عن الطاقة، وكذلك اتفاقيتين للتعاون العسكري والأمني تؤكد تلك الاطماع؛ وكذلك في سورية لازالت تركيا وحلفاؤها تسيطرحاليًا على ما يناهز 16 ألف كيلو متر مربع في النطاق الشمالي والشمالي الشرقي السوري، تنقسم بين ثلاث مناطق أساسية، منها منطقتان تتصلان جغرافيًا ببعضهما البعض في الجانب الغربي من الحدود المشتركة، وتضمان مناطق تتبع إداريًا محافظتي إدلب وحلب، في حين توجد المنطقة الثالثة في قطاع منفصل في القسم الأوسط من الحدود المشتركة، وتضم مناطق تتبع إداريًا لمحافظتي الرقة والحسكة. تضم المناطق الثلاث مدنًا مهمة في الشمال السوري، مثل مدن: الباب، ورأس العين، وتل أبيض، وعفرين، واعزاز. على الرغم من العنوان العريض الذي وضعته أنقرة لهذه العمليات العسكرية المتتالية “مكافحة الإرهاب وإبعاد أنشطة حزب العمال الكردستاني عن الأراضي التركية”، إلا أن النتائج التي ترتبت على هذه العمليات الاعتدائية والاحتلالية كانت ذات تأثير مباشر على وحدة الأراضي السورية وسيادتها، سواء عبر انتشار عشرات النقاط العسكرية التركية في كافة أنحاء هذا النطاق السالف ذكره.

***

عبد الخالق الفلاح – باحث واعلامي

ولكنه حديث عن تعدد المكاييل

قمة الظلم وازدواجية المعايير والاستخفاف بعقول الناس صدور مذكرة اعتقال- مستفزة للدب الروسي- يوم أمس من محكمة الجنايات الدولية لاعتقال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين!! بتهمة ارتكاب "جرائم حرب" بسبب تورطه "المزعوم" في عمليات اختطاف لأطفال من أوكرانيا.

وحتى لا تلتبس عليكم الأمور، نحن هنا لا نتحدث عن دولة الفصل العنصري والاحتلال الإسرائيلي البغيض؛ بل عن رئيس روسيا التي تواجه الغرب برمته والمحتشد في أوكرانيا ضدها.

كما أصدرت مذكرة باعتقال ماريا أليكسييفنا لفوفا بيلوفا، مفوضة حقوق الطفل في مكتب رئيس الاتحاد الروسي، بناء على مزاعم مماثلة.

وهو قرار استقبله بوتين -وكل من وقع في أحابيل الغرب ومكائدهم عبر التاريخ المكشوف للجميع- بالاستهزاء .

متناسية هذه المحكمة المجيرة للغرب ما فعله قادة الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين وما فعله الأمريكيون في العراق حتى جريمة توريط الغرب لزلينسكي في حرب ضروس غير متكافئة وإغلاق ابواب التفاوض ما أدى إلى مقتل مئات الآلاف من الطرفين.

ومن يجرؤ على الاقتراب من بوتين! سواء أيدناه أو اختلفنا معه! فليذهب عناتر الكاوبوي وعتاولة الغرب برمتهم إلى موسكو أو أية دولة يزورها بوتين مستقبلاً فيقبضوا عليه إن استطاعوا إلى ذلك سبيلا! هذه مهزلة المحاكم الدولية الجائرة في ظل تعدد المكاييل..

أنا لا يهمني هنا أن المتهم هو بوتين او غيره بل اتحسر على العدالة المذبوحة، فهذه المحكمة لو كانت تمثل دول العالم فعليها أن تصدر قراراً بحق قادة "إسرائيل" و"أمريكا" من جراء ما اقترفت أياديهم في فيتنام واليابان (هوريشيما وتاغازاكي) والعراق وفلسطين المحتلة بالحديد والنار.

فالقرار يمثل عجز الغرب في مواجهة روسيا التي تحقق انتصارات كاسحة "دفاعاً عن أمنها المنتهك من قبل الغرب"..

ففي عالم الرياء توقع أي شيء يخالف العدالة والمنطق.

***

بكر السباتين

طغى الكتاب المصري على كل الكتب العربية طوال عقود، وبالنسبة إلى صاحب العمود الثامن، الذي بضاعته معارضة كل شيء لأنه يصدع رؤوس القراء الأعزاء بالحديث عن الكتب، ولا يرى محاسن البرلمان ولا يفقه بخطة مثنى السامرائي لتطوير الاقتصاد، وأحاول أن أشوش على المنجزات الكبيرة التي يقوم بها البرلمان العراقي، وكان آخرها الإصرار على قانون للانتخابات يتيح لعالية نصيف الجلوس على كرسي البرلمان حتى عام 2050 .

أيام الشباب كانت بعض المؤلفات المصرية أشبه بالسحر، أما مؤلفيها فكانوا نوعاً آخر من السحرة ، لم أحلم أو أفكر بأنني ذات يوم سأكتب عن طه حسين، وأستشهد بتوفيق الحكيم، وأستمد طراوة العبارة من أسلوب العقاد، هؤلاء كانوا كائنات من الخيال بالنسبة لي، وكان هناك أيضا عبد الرحمن الشرقاوي صاحب رواية الأرض ومسرحية الفتى مهران، وملحمة الحسين ثائرا وشهيداً، والكتاب الوثيقة علي إمام المتقين .

عن صاحب الشوارع الخلفية، قرأت كتاباً صغير الحجم بعنوان "أولياء الكتابة الصالحون" يروي مؤلفه محمد توفيق كيف قرأ هؤلاء الكبار، نقرأ عن عبد الرحمن الشرقاوي ومعركته الصحفية حول كتاب علي إمام المتقين.

يقول الشرقاوي: "كنت أنشر فصول الكتاب في جريدة الأهرام وعندما وصلت إلى موقف علي وأبي ذر من المال، كتب الصديق ثروت أباظة معلناً خلافه معي حول هذا الموقف من المال وزعم أنه موقف الشيوعية لا موقف الإسلام فرددت عليه ولكن الصديق ثروت لم يكد يعلن رأيه حتى انفجرت ضدي ثورة ظالمة. حين أثرت الحديث عن الموقف من الثروة وكيف أن الإمام لم يجد في الخلافة حقاً استثنائيا في المال والأرض، فساوى نفسه مع الجميع، رفض أن يسكن قصر الإمارة ونزل مستأجراً في منزل يملكه أفقر فقراء الكوفة".

تذكرت نوابنا وأنا أقرأ فصول هذه المعركة الأدبية، وتمنيت لو أنهم وقفوا وقفة حقيقية أمام سيرة الإمام علي "ع" وتعلموا منها، لكن للأسف فقد ابتلينا بمسؤولين يتحدثون باسم الدين ويسرقون باسم الدين، يصدعون رؤوسنا ليل نهار بخطب عن الحق والعدالة والمظلومية في عبارات فقدت معناها من سوء استخدامها.

تخيل جنابك أن وزارة العمل والشؤون الاجتماعية العراقية تخبرنا بأن ما يقارب تسعة ملايين مواطن، تحت مستوى خط الفقر في العراق، في الوقت الذي تخصص الدولة فيه مليارات الدنانير للوقف السني لدعم ما يسمى بالمصالحة المجتمعية.

عندما تشاهد على شاشات التلفزيون، ما فعلته الديمقراطية العراقية الجديدة، في العاصمة التي تحولت إلى خرائب من خرائب القرون الوسطى، ماذا يخطر ببالك؟ لا أدري، أما أنا فيخطر لي أن أرفع برقية إعجاب وتقدير لهذه النفوس التي لا تريد أن يغادرها الحنين إلى "لفلفة" المال العام.

***

علي حسين

الشبهة الخامسة

لقد أشاع الكثير من المفسرين والمؤرخين والرواة للسيرة النبوية الشريفة على أن الإسلام المحمدي قد أنتشر بحد السيف والقتل والذبح لمن خالفهم وعارضهم الرأي وقد أيد هذا الرأي وروج له بالأسانيد المتواترة والصحيحة عن رسول الله محمد صلوات الله عليه وعلى آله وصحبه بالحديث (لقد جئتكم بالسيف) وكذلك (ما أنتشر الإسلام إلا بأموال خديجة وسيف علي بن أبي طالب عليهما السلام) وآيات من القران الكريم فسروها على أنها تتحدث عن الجهاد في سبيل الإسلام ونشره في الجزيرة العربية بقطع الرقاب وضرب الأعناق وضرب كل بنان مخالفين القران الكريم (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) و(وجادلهم بالتي هي أحسن) وعن طريق الموعظة الحسنة والين وخفض الجناح للمشركين والكافرين كما أراده الحق تعالى بالنص القرآني وتوجيه رسوله محمد بن عبد الله صلوات الله عليه حامل لواء الرسالة الإلهية وتبليغها بالنقاش والتحاور والتبيان لنصوصها الواضحة والدليل على ذلك أن أكثر المواقع الحربية للرسول الأعظم هي أيام ولقاءات دفاعية عن الإسلام وعقيدته أو تأديب المعتدين عليها أو إرسال الفرق الجوالة من المبشرين والمبلغين من رجاله في سبيل نشر دعوته بالطرق السلمية وأكبر دليل يمكن ذكره هو دخوله مكة المكرمة فاتحا حيث لم يأمر المسلمين بالقتال أبدا بل محلقين مقصرين الثياب أي من غير لامت الحرب وترسانتها وغير مروعين المشركين والانتقام منهم كما ناصبوه العداء وظاهروا على إخراجه منها وحاربوه في عقر داره (المدينة المنورة) كما قال تعالى في سورة الفتح 27 (لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق لتدخُلن المسجد الحرام أن شاء الله آمنين محلقين رؤوسكم ومقصرين لا تخافون فعلم ما لم تعلموا فجعل من دون ذلك فتحا قريبا) منافيا لاتهام المسلمين بالعنف والقتل والدم وقطع الرقاب مما أدى الكثير من ردود الأفعال المسيئة والنفور من هذا الدين القيم صاحب المبادئ والقيم الإنسانية والمنهجية في العمل لبناء مجتمعات مهذبة القيم بأفكار سمحة وتعاليم إنسانية حتى قيام الساعة . ولو تتبعنا مواقع الرسول أو غزواته القتالية كما يشيعون لوجدنا أن أعداد المسلمين القليلة جدا الخارجين معه للدفاع عن الدين الإسلامي في وسط الأنصار والمهاجرين كانوا غير مسلحين كفاية كما قال الله تعالى في سورة التوبة 92(ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم قلت لا أجد ما أحملكم عليه تولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزنا ألا يجدوا ما ينفقون) فكيف لرسول الله أن يحرم بعض المسلمين من شرف القتال والجهاد ولنصرت الإسلام وأن الله تعالى قال فضل الله المجاهدين على القاعدين وفإذا كان المراد هو القتال والنفير مع عدم وجود العدة الكافية لحمل أصحابه فهو مجازفة بالثلة القليلة ممن معه من المؤمنين أمام أعداد المشركين والكافرين الذين يفوقونهم عدة وعديدا مع فرسان من قريش والعرب

لكن استناد بعض المفسرين لآيات القران الكريم اشتبهت عليهم المفاهيم بقصد أو بدون قصد وخصوصا بالآيات التي سمية بآيات القتال وأخصها بالذكر كلمة (غُزى) ولو تتبعنا معناه اللغوي وجذرها العربي في معاجم اللغة العربية ومراد الله الحق تعالى   لوجدناها كما هي .

كلمة (غُزى) تأتي بمعاني كثيرة منها (سار ليلا – جهز للسير – مقصد الكلام ودلالته – أراده للطلب – القصد) وهذه المعاني تشير إلى ما ذكرته أعلاه وهي حث المسلمين من قبل الرسول الأعظم على التبليغ والدعوة واختيار الصحابة في تسيرهم بتوجيه دعوته لما حوله من القرى والمدن .كما أن النبي الأكرم لم يبدأ القتال إلا مما أضطر إليه وهذه المواقع تسمى في القرآن ب (يوم) (يوم بدر) (يوم أحد) (يوم حُنين) (يوم الأحزاب) ويذكر الرواة والمؤرخون أن النبي محمد بن عبد الله غزى حوالي (19) غزوة كان مع المقاتلين ثمان منهن فقط فلو كان قتالا ودفاعا عن بيضة الإسلام ومبادئه ونصرت دينه لكان الأولى به المشاركة في جميعها كقائد عسكري ومفكر يشحذ الهمم ويثبت أنصاره وملهم لأصحابه في الشجاعة والثبات على العقيدة التي جاء بها من ربه تعالى والدليل الآخر على ان النبي لم يؤمر بالقتال الصريح والغزو إلا اضطرارا وفق مبادئ الإسلام وتعاليمه حيث ورد أن عدد الغزوات التي لم يدرك المشركين أو يحدث في قتال ومواجهة حوالي (25) حادثة كما أن الغزوات بدأت في السنة الثانية من الهجرة الشريفة حتى السنة التاسعة منها فقد بلغت مجموع الغزوات والسرايا (70) سرية وعدد الغزوات التي دار فيها القتال هي (9) فقط . كما ذكر المؤرخون عدد قتلا غزوات الرسول الأعظم والمشركين حوالي (1000) ألفا قتيل وشهيد مع حوالي (600) قتيل من اليهود في المدينة المنورة فقد كان عدد الضحايا في

-يوم بدر: 14 مسلم مع 70 مشرك .

- يوم أحد 70 مسلم مع 30 مشرك.

- يوم خيبر 16 مسلم مع 93 من اليهود .

- يوم حُنين 5 مسلم مع 70 مشرك .

أما معركة مؤتة الخالدة فهي ليست معركة متكافئة في العدة والعديد حيث بلغ عدد المسلمين بـ (3000) آلاف مقابل (200) ألف من الروم مجهزين بأحدث الأسلحة حيث ألتحم جيش المسلمين مع طلائع جيش الروم على غير موعد للقتال فكانت النتيجة مؤلمة على رسول الله تعالى وأصحابه حيث كان الروم بجيشهم هذا هو غزو المسلمين في عقر دارهم من بوابة مكة المكرمة بتواطؤ بعض أهلاها فكانت خسائرهم جسيمة . فلوا كان معنى الغُزى هو تجهيز المسلمين لقتال المشركين والكفار لكان الأولى قتال المشركين في مكة المكرمة وهي دار الكفر والنفاق والإشراك بقياداتها الذين آذوا المسلمين والرسول وظاهروا على إخراجه من بين ظهرانيهم قبل الفتح بأكثر من تسع سنين من الهجرة المباركة لتأمين حدود دولته الفتية بعد ما أستتب له الأمر بفضل الأنصار من الأوس والخزرج حيث وجود الدافع والهمة والسبيل لإعادة كرامتهم وأموالهم ومراكزهم الاجتماعية وتأمين دعائم دولته مبكرا كل هذه الدوافع لكن الرسول دخل مكة المكرمة منزوع السلاح والعدة ومسالمين ومؤمنين المشركين من بطش المسلمين كما جاء في القران الكريم في سورة الفتح لكن المسلمين كانوا رسل سلام وأصحاب مشروع ونظام إلاهي إنساني لكل العالم سلمي قيمي لقيادة رسول من أنفسهم عزيز عليهم رؤوف رحيم.

***

ضياء محسن الاسدي

 

الصراع السياسي بين جمهورية ايران الاسلامية والمملكة العربية السعودية اسبابه كثيرة، لكن اشدها وضوحا هو: ان إيران ضد المشروع الامريكي في المنطقة، والسعودية هي الحليف الرئيسي لأمريكا في المنطقة، وأمريكا تحارب إيران وأدواتها في المنطقة، لذلك الصراع كان حتميا، لكن المفاجأة الآن ان يتم الصلح! حيث كانت العلاقات بينهما دوما متوترة منذ بداية الثمانينات،وقد قطعت العلاقات الدبلوماسية منذ سبع سنوات، فأتى البيان المشترك بين الرياض وطهران وبكين ليعلن أن البلدين اتفقا في مباحثات قادها رئيسا مجلسي الأمن القومي فيهما بدعم صيني على طي صفحة الخلافات بينهما، وتطبيع العلاقات التي شهدت توترات عديدة.

ويشار إلى أنه تم الاتفاق بين السعودية وإيران على استئناف العلاقات الدبلوماسية، وإعادة فتح السفارتين والممثليات الدبلوماسية في غضون شهرين، وتم التوصل إلى هذا الاتفاق عقب مباحثات جرت في بكين مع الرئيس الصيني شي جين بينغ، وقد تضمن اتفاق البلدين تفعيل اتفاقية التعاون الأمني بينهما، والاحترام المتبادل، والالتزام بعدم التدخل في الشؤون الداخلية.

تصريحات تؤكد التغيير

المتابع للتصريحات الرسمية للبلدين سيكتشف التوجه الجديد، حيث جاءت تصريحات المسؤولين في البلدين لتؤكد التوجه الجديد في إدارة العلاقة بينهما، إذ قال وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان: "إن دول المنطقة يجمعها مصير واحد يجعل من الضرورة أن تتشارك لبناء نموذج للازدهار".

وعلى الجانب الإيراني قال وزير الخارجية الإيراني أمير عبد اللهيان: "إن سياسة حسن الجوار أمر محوري، ونواصل العمل نحو مزيد من الخطوات الإقليمية"، وأضاف عبد اللهيان: "أن عودة العلاقات الإيرانية السعودية توفر إمكانات كبيرة للمنطقة والعالم الإسلامي".

لماذا الصين؟

الكثير يتسائل عن السبب لتدخل الصين؟ وانها هي من ترعى هذا الصلح؟ حيث تناقلت الوكالات الخبرية أن الاجتماعات الأمنية السابقة كانت تهدف إلى التأكد من أن الحكومة الإيرانية قادرة على حماية المنشآت الدبلوماسية، كما تنص على ذلك الاتفاقيات الدولية، وقد قدمت طهران في هذه الصدد ضمانات كافية، كما أن السعودية أرادت ضمان احترام السيادة الخاصة بالدول وتوازن العلاقات الدولية والإقليمية، خاصة أن الرياض تعيد ترتيب علاقتها مع تركيا وإيران.

أما إيران، فقد عانت من عزلة بسب علاقاتها المتشنجة بدول الجوار، ولكن هذا التقارب سيمكن الطرفين من الحوار الدبلوماسي.

وعن تدخل الصين ومغزاه؟ فأجاب الجانب السعودي في تصريحات اعلامية: "أنها أكبر دولة تربطها علاقات اقتصادية مع السعودية ودول الخليج، وهي الشريك الاقتصادي الأكبر لإيران، وهو ما مكنها من لعب دور حيوي وضمان الأمن والاستقرار في المنطقة".

ان دخول الصين كطرف في المحادثات، لشعور الصين باهمية الجانب الامني وحلحلة الصراعات، لكي ينجح مشروعها الكبير (طريق الحرير الجديد)، فان الصين تفكر بالمستقبل.

فتح ملفات المنطقة

بعد اعلان الصلح واعادة الحوارات بين البلدين فمن المؤكد انه سيتم اعادة فتح ملفات المنطقة، وقد صرح العديد من الساسة والمهتمين بالشأن السعودي-الإيراني، من أنه يمكن أن تكون عودة العلاقة بين السعودية وإيران طريقا لفتح الباب واسعا لمناقشة كل الملفات في المنطقة، منها الأمن البحري وأمن الطاقة، وملفات سوريا، والعراق، ولبنان، وحرب اليمن، مشيرا إلى أنها فرصة مواتية لحل القضايا العالقة في المنطقة، وكل هذه الملفات الجانبين على الضد، لذلك الحوارات الهادئة يمكن أن تشكل فرصة تاريخية لحلحلة المشاكل العالقة في العقدين الأخيرين.

اما الكيان الصهيوني المؤكد انه غير سعيد بالاخبار الاخيرة، فهو يعتاش على الحروب والخلافات، فهي لا تريد أي تقارب "إقليمي – إقليمي"، بل تطمح دائما إلى زرع التقسيم بين البلدان.

***

الكاتب/ اسعد عبدالله عبدعلي

الثوابت في المنطقة العربية ومنذ نهاية الحرب العالمية الثانية تتلخص في أن العلاقة بين إيران والعراق والسعودية يجب أن لا تستقر، وبين العراق وسوريا متوترة، وباقي الدول العربية والإقليمية عليها أن لا تتقارب، وأي خلل في هذه المعادلة تترتب عليه تداعيات خطيرة.

فكيف سيواجَه التقارب السعودي الإيراني، والتقارب العراقي السعودي؟

لا يمكن التنبوء بما سيحصل في المنطقة، لكن الدول الطامعة فيها ستعمل ما بوسعها لتأمين مصالحها، وخصوصا الهيمنة على منابع الطاقة التي تقرر مصير الإقتصاد العالمي.

فالقرن العشرون هو قرن النفط بإمتياز، والقرن الحادي والعشرون سيكون قرن الطاقة المتنوعة والغير مسبوقة، وسيحاول الإنتصار على النفط، الذي ربما سيقتل الوجود الأرضي إذا تواصل زخم الإستهلاك الفاعل فوق التراب بتعجيل متزايد.

والقوى المنتصرة في الحرب العالمية الثانية تأمر ودول المنطقة تذعن لمشيئتها، وما جرى فيها من أحداث وتطورات وتداعيات بتخطيط منها، لمنع التقدم والتمتع بثروات النفط، ولكي تبقى الدول ضعيفة وتستنزف طاقات بعضها وتبدد قدراتها، فالمنطقة بدولها العربية والإقليمة إذا تقاربت ستكون القوة المهيمنة على الدول الأخرى، لأن فيها أكثر من سبعين بالمئة من طاقة الأرض، ومعظم الممرات المائية الضرورية للنقل عبر القارات.

هذه التطلعات والأهداف الراسخة، والحكومات المذعنة والمنفذة لإرادة الطامعين بثرواتها، ليس من السهل التنازل عنها والتعامل معها بندية وآليات دبلوماسية وسياسية، إنها إعتادت أن تنفذ أوامر ولا تنبس بكلمة غير السمع والطاعة، وكم من حكامها أصبحوا في أسوأ الأحوال عندما حاولوا بناء بلدانهم وتأمين حقوق مواطنيهم، وتقربوا من جيرانهم.

والمنطقة كما هو معلوم ممنوعة من التكامل الإقتصادي وغيره، وعليها أن توظف العدوانية، وتستثمر أموالها في الدول الأجنبية، ولا يسمح لها ببناء الأوطان، بل لا بد من التصارعات الداخلية والحروب العبثية، والإستكانة لجلاد تؤازره القوى الطامعة بكل شيئ في البلاد.

وعلى هذا المنوال مضت العقود منذ بداية النصف الثاني من القرن العشرين ولا تزال نواعيرها تدور.

فهل حقا أن المنطقة مقبلة على مرحلة تساهم في تفاعلاتها دول جديدة، ستواجه ما إعتدنا على تسميته بالدول الكبرى؟!!

الجواب في صدر السنوات المتبقية من الربع الأول من القرن الحادي والعشرين!!

***

د. صادق السامرائي

 

ان دول منطقة الشرق الأوسط أجمع تواجه مصيرا مشتركا وتنتمي الى اسرة عظيمة واحدة وموطن بعض أقدم الحضارات الإنسانية وعانت من الظلم التاريخي والتدخل الخارجي والصراعات العرقية والدينية والإقليمية التي لا تنتهي على مدار القرن الماضي رغم انهم سادة مستقبل المنطقة ومصيرها وربان سفينتها، ويجب أن تكون شؤون أمنها في أيدي دولها ؛ لذلك ان اعادة العلاقات بين بعض دول المنطقة من جديد وخاصة بين الجمهورية الاسلامية الايرانية والمملكة السعودية والتحرك الجدي لها والانفتاح نحو دول الخليج الفارسي في اعادة علاقاتها مع دولها في إطار سياسة حسن الجوار وتحريك المياه المتجمدة بين سورية وتركيا وتحريك الصين نحو حل المشاكل والخلافات بين أطراف هذه الدول، مثل هذه اللحظات التاريخية في المنطقة، تمثل مرحلة جديدة، من خلال النظر إلى الفرص الواعدة التي تفتح الآفاق التي تسهم فيها، سواء من خلال مجالات الشراكة والبنية التحتية وتعزيز السياسة الدبلوماسية الوطنية للدول ما يؤدي إلى تحقيق التقدم والإنجازات وستؤدي إلى إعادة بناء شرق أوسط جديد يتعزز فيه الأمن والسلام ويتعايش شعوبه من أجل التنمية وستشعر مجتمعاته بالطمأنينة، بعد أن يتبدل الظلام الى نور وتتحول العداوة إلى أخوة وتتحرر فيها الأجيال القادمة من قيود وكراهية المراحل الماضية بما فيها من محطات سيئة في التاريخ الإنساني.

لقد كانت الخلافات وانعدام الثقة بين دول منطقة عقبة أساسية أمام مسار تحقيق التنمية الاقتصادية داخل المنطقة؛ الأمر الذي يخدم مصالح الأعداء القادمين من خارج المنطق، والعقبات التي تخلقها تلك الجهات طمعاً في أن تبقى متوترة وضعيفة لكي يسهل العمل على حماية مصالحها وكانت تحتاج الى تغليب لغة الحوار وتحسين النوايا والتعايش فيما بينها والتعامل وتوسيع التعاون السياسي والأمني والاقتصادي والثقافي وصد التدخلات الاجنبية غير البناءة والوقوف بوجهها لتؤدي الى تسريع وتائر النهوض بحجم التعاون الجماعي أكثر فأكثر وحتما يؤدي الى تعزيز الأمن والاستقرار والرخاء لشعوب المنطقة ليتسنى لها حل الخلافات في إطار عمل جماعي متجهة نحو بناء منطقة قوية ومزدهرة.

لا ينبغي أن يجعل من الماضي عقبة في طريق السلام، والاستفادة من تجارب الأمم الإيجابية لمجتمعات تقدمت وسبقت غيرها عندما قررت التحرر من صراعات الماضي وأغلالا الثقيلة، وطمحت في غد أفضل بالحوار والتسامح وقبول الآخر. ومن الطبيعي أن دروس التاريخ علمت البشرية أن الصراعات والحروب لا تصنع مستقبلاً ولا تضمن رفاهاً، وأن مستقبل الشعوب يكمن في التمسك بالسلام والتعايش، والبحث عن نقاط الالتقاء لا البحث عن مبررات التباعد. ويكون السلام هو ركن أصيل في نهج دولها وجوهر فلسفتهم السياسية، يتناغم مع رؤاها الواقعية وتتم ترجمتها كل يوم في خطط ومبادرات وعلاقات واسعة لكل شعوب الأرض من مختلف الأعراق والأديان، ومد يد السلام فيما بين ونشر الاعتدال والوسطية، ومد يد التعاون والشراكة والحوار الإيجابي من أجل غد أفضل لشعوبها وجيرانها وكل مكونات إقليمها. ولاشك أن السلام ليس مجرد شعار، بل سلوك وممارسة ونهج يتحقق على أرض الواقع، برؤى التي لا تحيد عن المبادئ الراسخة للتعايش الإنساني والتسامح واحتواء الصراعات وإحلال السلام وصون الحقوق، بخطوات عملية يسجلها التاريخ لبلدانها عبر جهود الحقيقية لحل النزاعات وتقديم المساعدات في زمن الأزمات لكل من يحتاجها في شتى بقاع الأرض.

من الممكن صناعة التعايش في مواجهة النزاعات، عند العمل على مواجهة التهديدات المشتركة وتوحيد القوى والجهود نحو حل القضايا الراهنة في المنطقة والعمل على تجاوز التحديات والمصاعب التي تعرقل مسارات الانماء، عبر التعاون بين الدول والتحول إلى نوع جديد من الفكر الذي يستند على توحيد الرؤى لإنجاز الأهداف المشتركة، والعمل للسلام يمثل تأكيداً على وجود الفرصة لدى كافة الشعوب بإمكانية التعايش كجيران وأصدقاء، وأنهم لديهم القدرة للتحول من العداء إلى التعاون للتعامل مع التحديات المشتركة، وهذه لا تتحقق الى بالزيارات المتبادلة بين الشعوب التي تتيح وتعمل على القضاء بين الخلافات، فالسلام يتحقق عندما يشعر البشر جميعاً بقدرتهم على التوحد لحل المشكلات، وعند اقترابهم ومعرفتهم من بعضهم البعض. على ان تكون معاهدات السلام، فرص لبناء المزيد من العلاقات الدولية التي تعمل على تغليب عوامل التعاون والتشارك لمواجهة الصراعات، والعمل على البناء المشترك، لأن الخبرات المتراكمة وتبادلها، تعد الطريق الأمثل نحو تحقيق السلام وإنجاز الرخاء والرفاهية للشعوب.

***

عبد الخالق الفلاح – كاتب واعلامي

 

عينت رسميا كمهندس شاب مختص في مجال الإحصاء والاقتصاد التطبيقي بوزارة الداخلية كملحق بعمالة إقليم سيدي قاسم في 21 نونبر 1991. بأفضال عبد الرحمان اليوسفي أدركت زمنيا أن هناك مغربين، مغرب ما قبل 1998، ومغرب ما بعدها. بمتابعتي لتفاصيل أنشطته ومواقفه تملكت القدرة السياسية لتتبع تراكمات أحداث زعامته مستوعبا بعمق معنى الخصوصية المغربية في العهد الجديد. كاتبته مرتين في مناسبتين مختلفتين. الأولى بعدما حصلت على دبلوم الدراسات العليا في التهيئة والتعمير سنة 2001، فتوصلت بجواب من الوزارة الأولى بمضمون الالتحاق بالوزارة الكبرى التي يقودها محمد اليازغي. والثانية، وضعت رهن إشارته دراسة بالفرنسية تحت عنوان "دور العمالة أو الإقليم كسلطة لامتمركزة في سياسة إعداد التراب والتنمية المحلية"، فزهوت بجواب تنويهي على مبادرتي وأهمية مضمونها. تأثرا برقي شخصيته أدركت معنى العمل الوطني الجاد. قررت عدم الالتحاق بأي وزارة أخرى. مارست السياسة والثقافة والإدارة والإعلام والبحث السوسيوسياسي. تعلقت بنظرية "الفاعل والمنظمة" (L’Acteur et l’Organisation)، فقضيت أكثر من خمس سنوات بجامعة بوردو 3 بفرنسا كباحث في سلك الدكتوراه في موضوع "أشكال التمدين المختلفة، منطق الفاعلين المحليين ورهانات السياسة الحضرية بالمغرب".

أحببت اليوسفي واحتضنني وجوده بدون أن تتاح لي الفرصة يوما لمقابلته. بادرت لكتابة هذا الكتاب كممارس لأعبر للمغاربة بإيمان شديد أن سجل اليوسفي السياسي والفكري الزاخر بالقيم الفاضلة يبقى مفتوحا ولن تطوى صفحاته أبدا. إنه من القلائل الذين استماتوا في حب الوطن بشغف بدون انتظار المقابل الذاتي. تملك طفلا مسؤولية الدفاع على تحرير البلاد. ترعرع مناضلا صامدا لإعطاء مدلول تاريخي لثورة الملك والشعب. فاوض بحكمة وتبصر وهدوء الكبار مدافعا على حق المغاربة في نظام ملكي ديمقراطي قوي. حول المؤتمر الاستثنائي لسنة 1975 وإقرار استراتيجية النضال الديمقراطي إلى محطة محورية تاريخية. قاد حكومة التناوب التوافقي سنة 1998. الاستحقاقات البرلمانية لشتنبر 2002 كانت قائمة على التزام ثابت وقوي وعلى رهان تجاوز التوافق بعدما تعدى ذاته ومرتكزات وجوده.. غادر سنة 2003 سفينة العمل السياسي التي تقل مغربا آخر.

صرح قبل وفاته بسنوات قليلة لجريدة العربي الجديد: "اليوم بعد قرابة 16عاماً أقول أن رؤيتي كانت في محلها، ولم يخب ظني، فالملك الشاب كان عند حسن تقدير الشباب المغربي.. المراقبون يلاحظون اليوم أن المغرب بلد متوازن ويسير في الاتجاه الصحيح".

***

الحسين بوخرطة

 

ملك المغرب منزعج من حزب العدالة والتنمية والسبب ” دولة بني صهيون “لان الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية قد أعربت في بيان أصدرته قبل أيام عن استهجانها لما قالت، أنه مواقف أخيرة لوزير الخارجية “يبدو فيها وكأنه يدافع عن الصهاينة في بعض اللقاءات الإفريقية والأوروبية.

الانزعاج اتى ضمن بيان صادر عن الديوان الملكي الذي يذكر المغاربة واحزابهم السياسية أن “السياسة الخارجية للمملكة هي من اختصاص الملك المغربي، بحكم الدستور، ويدبره بناء على الثوابت الوطنية والمصالح العليا للبلاد، وفي مقدمتها قضية الوحدة الترابية. وتابع البيان ان موقف المغرب من القضية الفلسطينية لا رجعة فيه، وهي تعد من أولويات السياسة الخارجية لجلالة الملك ورئيس لجنة القدس، الذي وضعها في مرتبة قضية الوحدة الترابية للمملكة، وهو موقف مبدئي ثابت للمغرب، لا يخضع للمزايدات السياسية أو للحملات الانتخابية الضيقة”.

ترى ما هي الثوابت الوطنية والمصالح العليا للبلاد؟ هل في فتح السفارات وتدشين خطوط النقل الجوي ومخالة تلميع تصرفات المحتل والعمل على ان يكون هناك تطبيع شعبي؟ ماذا ستجني المملكة من التطبيع؟ بالتأكيد اوامر عليا من أمريكا بهدف دمج الكيان المحتل في شعوب المنطقة ومن ثم شراء اسلحة صهيونية؟ ترى هل المغرب في حاجة ماسة الى التسليح؟ ا لا توجد مصادر أخرى لشراء الاسلحة ان كانت ولا بد؟ هل ستستخدم الأسلحة في سبيل ارجاع السيطرة على جيبي سبتة ومليليه من الاسبان ام في ضرب الشعب الصحراوي الاعزل؟ الذي ينهب المغرب خيراته ويعيش في خيام بمساعدات من الامم المتحدة. ام في اثارة المشاكل مع الجارة الجزائر ليكون شمال إفريقيا ساحة صراع؟

وختم البيان، أن استئناف العلاقات بين المغرب و"إسرائيل" تم في ظروف معروفة وفي سياق يعلمه الجميع، ويؤطره البلاغ الصادر عن الديوان الملكي بتاريخ 10 ديسمبر 2020، والبلاغ الذي نشر عقب الاتصال الهاتفي بين الملك المغربي والرئيس الفلسطيني، وكذلك الإعلان الثلاثي المؤرخ في 22 ديسمبر 2020. نحن كجمهوري مغاربي نعلم جيدا تلك الظروف التي ادت الى التطبيع، وهي ان لم يطبع هؤلاء الحكام فان الأمريكان سيرفعون ايديهم عنهم ويتركونهم وشانهم للجماهير التي حتما ستقتلعهم من جذورهم، اما بشان الحديث مع الرئيس الفلسطيني بالخصوص، فماذا بإمكان الرئيس الفلسطيني ان يفعل، ان كان جل الحكام العرب يسعون الى إرضاء العم سام لأنه ولي نعمتهم وسبب بقائهم في السلطة؟.

اوكل الزعماء العرب، ملك المغرب ملف القدس، المدينة التي تشهد طرد سكانها ومحاولة تهويدها، على مرأى ومسمع العالم الحر المتحضر، أما الحكام العرب فليس لديهم سوى الشجب والاستنكار والادانة التي لا تسمن ولا تغني من جوع، ترى ما الذي فعلته لجنة القدس برئاسة امير المؤمنين؟ لقد اصبح عدد الصهاينة بالمدينة ما لا يقل 150 الف مستوطن ضمن مشاريع استيطانية تلتهم كل القدس لتصبح عاصمة موحدة ابديه لدولة الصهاينة، واكثر من 500 الف مستوطن بالضفة الغربية.

لقد افسد حكامنا كل شيء وجعلونا اذلة نستجدي حقوقنا وكأنها منّة منهم، ونقبل اياديهم المرتعشة امام الاعداء، ماذا نتوقع من هؤلاء غير مزيد من التفريط في المقدسات وسلب الخيرات وتجويع شعوبها لإخضاعها فتساق كالقطيع؟.

***

ميلاد عمر المزوغي

 

ذات فترة أيام الشباب كانت تردني رسائل من فتاة جامعية فقررت أن أذهب للتعرف عليها في كليتها، لكنها لم تحضر فعدت أدراجي، وبعد أيام وصلتني رسالة منها عنوانها "الحقيقة أغرب من الخيال"، وبقيت العبارة عالقة في ذهني، حتى وجدتنا في عصر هزيمة الخيال، وتجاوزه بمسافات ضوئية.

فما نعيشه اليوم أبعد من أي خيال عند الأجيال السابقة، وما ستعيشه أجيال ما بعد منتصف القرن الحادي والعشرين سيكون أبعد من خيالنا.

فهل خطر على بال مخلوق، أن الإنسان سيرسل مركبة إلى المريخ ويتحكم بها من الأرض؟!!

وهل خطرت على بال، وسائل التواصل الإجتماعي وفضاءات الإنترنيت بأنواعها؟

إن المتكلمين بلغة الخيال ما عاد لهم مكان في عصر ما بعد الخيال، فالواقع المعاصر صار خيالا، والتفاعل معه تواصلٌ مع خيال اللحظة، ومنطلقاتها المحلقة في فضاءات ما وراء الدراية والتصور والإدراك.

ويبدو أن البشرية كانت تتخيل ما لا تستطيع القيام به، وتعجز عن إنجازه، أما اليوم فأية فكرة يمكن تصنيعها وتحويلها إلى موجود يشاركنا الحياة.

فالواقع المعاصر لا يعرف المستحيل، وما عادت هذه المفردة ذات قيمة ومعنى.

ويبدو أن مفهوم الخيال أصبح فارقا بين التقدم والتأخر، فالمجتمعات المتقدمة تَصنع ما ترى وتحوّله إلى كائنات مادية فاعلة، فالتطور التقني يفوق خيالات البشر المشغول بموضوعات بائسة، والمتخندق في تداعيات غابرة، لا يستطيع التحرر من أسرها.

فالدنيا تسبَح في محيطات خيال وتمتطي خيول خيال، وتطوف أرجاء الإستطاعة والتمكن والإقتدار، وبعض مجتمعاتنا غاطسة في وحل الذي مضى وما إنقضى، ومستعبَدة بالأضاليل اللازمة لصناعة القطعان المُخمَّدة العقول، والتي تذهب طواعية إلى المجهول.

فهل من المعاصرة الكلام عن الخيال في مجتمعات تدوس على عقولها سنابك قيل وقال؟!!

***

د. صادق السامرائي

بحيرة سد الموصل على وشك الجفاف وظهرت فيها الآثار الغارقة، فماذا عن مشروعي سد بخمة وتحلية مياه الثرثار؟ لكي لا نتهم بالإدمان على (النحيب على الأطلال) من قبل المثبطين ودعاة اليأس والتيئيس نطرق اليوم موضوعا يتعلق بالحلول الممكنة لتفادي الكارثة المحدقة بالعراق وانهاره. يعتمد العراق في توفير مياه الشرب والقليل جدا من ري البساتين، فزراعة الحبوب قد انتهت أو على وشك الانتهاء، يعتمد على ما تبقى من خزين مياه لا يتجاوز ثمانية مليارات متر مكعب في جميع سدوده كما قال وزير الموارد نفسه قبل أيام قليلة، واكبرها خزين يوجد في سد الموصل الذي انخفضت مياهه بنسبة الثلث وربما الآن بنسبة النصف أي أنه لا يحتوي ربما على أكثر من ستة مليارات متر مكعب من المياه، وهو الذي يعتمد عليه العراقيون الآن في توفير مياه الشرب في الصيف القادم. لقد فرطت الدولة العراقية بمشاريع سدود كانت كافية لإنقاذ الوضع من حدوث مأساة. ومن هذه المشاريع سد بخمة وسعته سبعة عشر مليار متر مكعب، الذي وصلت نسبة الإنجاز فيه إلى ثلاثين بالمئة قبل الاحتلال الأميركي وتوقف العمل فيه مع فرض الحصار الغربي على العراق وحين جاء نظام المحاصصة الطائفية والعرقية أُلغي المشروع ونهبت معداته وبيعت الى دول الجوار من قبل زعامات المليشيات والاحزاب النافذة الحليفة للاحتلال والسبب هو أن مسعود البارزاني رفض اكمال هذا المشروع لأنه كما زعم يقسم الاقليم الى نصفين ويضم اراضي عشرة برازان، رغم انهم استلموا تعويضات مجزية عن هذه الأراضي التي ستغمرها مياه السد من قبل النظام السابق.

وهناك مشروع تحلية مياه منخفض الثرثار بالفائض من مياه دجلة، والثرثار يحتوي على ما يعادل ايرادات مياه دجلة والفرات معا لسنة كاملة، وهذا المشروع لو نُفذ لكان سيُخرج العراق نهائيا من الارتهان المائي التركي الإيراني، ولكنه أهمل ولم يكتمل انجازه ايضا بسبب الحصار ايضا، وهكذا ضاعت الفرصة بسبب تقاعس الحكومات العراقية الفاسدة قبل وبعد الاحتلال.

فهل مازلت الفرصة قائمة اليوم لتنفيذ هذين المشروعين أم ينبغي الاستسلام للعدوان التركي الايراني على مياه انهارنا وتوديع دجلة والفرات والالتحاق بدول الخليج العربي التي تعيش على مياه البحر المحلاة؟

معروف ان ظاهرة الاحتباس الحراري والتغير المناخي لها وجهان: الجفاف من جهة والأمطار الطوفانية والفيضانات والسيول من أخرى. وهذه الحالة تجري أمام أنظارنا حتى في العراق. ولذلك ينبغي الاستعداد للوجه الثاني منها واستكمال مشروعي سد بخمة وتحلية الثرثار وربع أموال التبادل التجاري شبه الاجباري مع تركيا وإيران والبالغة اربعين مليار دولار سنويا كافية جدا لتنفيذ هذين المشروعين وغيرهما. وسأعيد نشر مقالتين مطولتين هما فصلان من كتابي "القيامة العراقية الآن" الصادر قبل عشرة أعوام حولهما خلال الأيام القادمة، اضافة الى تنفيذ مشاريع سدود وخزانات صغيرة في المحافظات لجمع مياه الأمطار والفيضانات والسيول المحتملة ومنها سد متحرك على شط العرب ومحطات لتحلية مياه الخليج في البصرة..مع التذكير بالحل الفوري المتمثل بتدويل مشكلة الرافدين وتقديم شكوى إلى مجلس الأمن والمحاكم الدولية وقطع التعامل التجاري مع دول المنبع التي تحتجز مياه الرافدين وروافدهما.

ان من لا يشارك اليوم في معركة الدفاع عن الرافدين ومواجهة خطر زوالهما ليس من حقه ان يبكي من العطش غدا، وكما قال الراحل العلوي: "إذا سمح العراقيون لتركيا وايران بإزالة دجلة والفرات من الوجود فسيكونون أهون على الله من بعوض المستنقعات"!

وأخيرا، ومما يوضح حجم الكارثة المحدقة بالعراق وشعبه فقد قرأت على مواقع التواصل قبل أيام الخبر المعبر أدناه عن الوضع الحالي في بحيرة سد الموصل:

أدى انخفاض منسوب مياه سد الموصل إلى أكثر من 30% "من سعته التخزينية هذه الأيام الى ظهور مدرسة أثرية ومقبرة ومزار بازيد المعروفة للإيزيديين في ناحية خانكي.

هذه المنطقة الأثرية غمرتها مياه سد الموصل واختفت في عام 1985 اي قبل 38 عاماً" .

***

علاء اللامي

لا شك ان مجرد التشكيك بالفرح الذي غمر المنطقة لتصالح السعودية وايران، سيبدو غريبا وناشزا، ومخالفا بشكل شديد لـ "تسونامي" التحليلات والبيانات وكل ما قيل حول الموضوع، والتي تكاد تخلو من أية إشارة الى سبب للتشكيك والقلق.

وهذه البيانات لا تقتصر على بيانات حكومية لدول تابعة مثل مصر والعراق، انما أيضا لدول كبرى كالصين التي رعت الاتفاق ودول أوروبية، وكذلك شمل التفاؤل ثوار اليمن والمقاومة اللبنانية، وان كان والحق يقال، بحماس اقل بكثير من الآخرين وحذر أكبر بكثير.

ومن ناحية أخرى فأن مراكز سياسية ووسائل الإعلام المعادية لمحور المقاومة أكدت تشاؤمها من تأثير الاتفاق على إسرائيل، وشمل هذا تصريحات مسؤولين إسرائيليين وصحف أمريكية كبرى.

إن الكتابة ضد هذا السيل الجارف، يبدو جنونا، ورغم ذلك، المنطق يفرض نفسه! فهذا التفاؤل قام على دفن مجموعة من الحقائق الصلبة وهي على قيد الحياة، وبالتالي فهناك خطأ! وبغض النظر عن المشاركين في هذا الدفن، فأنا لا انوي المشاركة بهذه الجريمة، بل أطرح رأيي، ورأيي أن هناك امر غير طبيعي، ولذلك فالتفاؤل بما يجري غير سليم!

لكن كيف نميز ان كان الأمر المطروح "طبيعي" ام غير طبيعي؟

يكون السيناريو او التفسير "طبيعيا" وقابلا للتصديق حين لا يناقض اية حقائق ثابتة. وهذا لا يتوفر في "التفاهم" المفاجئ بين إيران والسعودية وبالطريقة التي يطرح بها إعلاميا.

فحين يتفق قطبان متنافران، فهو يعني أن تنافرهما قد زال او قل الى حد كبير، وأن كل منهما قد تخلى عن (بعض) مواقفه التي كانت تزعج الآخر مقابل أن يفعل الآخر الشيء نفسه، ليلتقيا في منطقة ما بين موقفيهما السابقين. فما الذي يمكن للسعودية ان تتنازل عنه، وما الذي يمكن لإيران ان تتنازل عنه؟

بالنسبة للسعوديين، الأمر سهل جدا من ناحية، وصعب الى درجة المستحيل من الناحية الأخرى. سهل، لأن ما يضايقون به إيران من مواقف، ليس له اية علاقة بمصالحهم القومية، وبالتالي فالتنازل عنها "لا يكلفهم شيء". وهو صعب لدرجة المستحيل لأن السعودية "لا تستطيع" تقديم تلك التنازلات بنفسها، فهي ليست مخيرة بذلك بل هي دولة تسيرها اميركا الى درجة شبه كاملة، بل أن اتجاها معينا في اميركا هو الذي يسيرها وهو الحزب الجمهوري – واللوبي الإسرائيلي في اميركا.

وهنا قد يخطر في البال ما اشيع حول استقلالية السعودية في موضوع النفط واوبك، وجوابي اني لا اعتقد ان ذلك قد تم بسبب سيادة سعودية مفاجئة على ثرواتها، وكتبت مقالة تفصيلية في الموضوع.

أما إيران فلا تملك ما تتنازل عنه سوى مبادئها ودعمها للمقاومة وبرامجها العسكرية والاقتصادية المستقلة، والحكومة تقول انها لا يمكن ان تتنازل عن أي من هذه النقاط. وهذا مفهوم، إنما السؤال هنا: مقابل ماذا سيقدم السعوديون تنازلاتهم (إن تمكنوا من ذلك)، او لماذا يقبل الامريكيون الذين يمسكونهم بتقديم تلك التنازلات؟

إن التصور بأن هذا الاتفاق قد تم بالفعل وكما تم طرحه وأنه سينفذ بالفعل، يعتمد على تفكير- امنيات لا أساس له، بأنه أما 1- ان السعودية امتلكت سلطتها على نفسها فجأة وتخلصت من الضغط الأمريكي، أو 2- أن الأمريكان قرروا السماح للأمور ان تجري في الشرق الأوسط بما يدمر سلطتهم عليه، وبدون أن يحركوا ساكنا لمنعه!

إن تصديق أي من الاحتمالين يحتاج الى سذاجة غير طبيعية!

لذلك، فالاحتمالات الواقعية هي أما أن هناك اختراقا في فريق التفاوض الإيراني جعله يقدم تنازلات غير معلنة، وبما يكفي لتفسير مثل هذا الاتفاق، أو ان السعوديين (الأمريكان) قدموا مشروعا كاذبا للتصالح لغرض شرير، وأحاطوه بهذه الهالة الإعلامية الشديدة القوة ودعموه بتنازلات مؤقتة وقوية تكفي لإقناع إيران والصين وغيرها بأن هناك جدية في الأمر.

في كلتا الحالتين المعقولتين: (تنازل إيراني أو اتفاق مخادع من اميركا) فالأمر لا يدعو الى التفاؤل. والحقيقة ان مثل هذه الخدع الكبيرة وعلى المستوى الدولي، ليست غريبة. فقبيل اشعال التظاهرات المدمرة في سوريا، اعادت اميركا علاقاتها مع دمشق واعادت فتح سفارتها، وكذلك طور اردوغان علاقته بسوريا بشكل لم يسبق له مثيل. وبالطبع فأن هاتين الحركتان تم استغلالها بشكل كبير لإنزال الدمار الذي حصل، بسوريا. وكمثال آخر من الفترة الحالية، نذكر اتفاق مينسك حول أوكرانيا، والذي اعترفت ميركل أنه كان فقط لغرض إعطاء الناتو الوقت لتسليح الجيش الأوكراني، وكانت النتيجة أيضا خسائر اكبر بكثير في روسيا، التي لعلها كانت أيضا متفائلة بذلك الاتفاق في وقته.

***

صائب خليل

 

في المثقف اليوم