آراء

آراء

ثلاث عناصر أساسية تقوم عليها عملية التنمية، أولها - الثقافة؛ وثانيها - السلام؛ وثالثها - العدالة؛ وهذه العناصر مترابطة عضويًا، حتى وإن كانت منفصلة ولكلّ منها حقله.

فالثقافة ركيزة أساسية للتنمية، وهي مصدر كلّ تنوّع وينبوع كلّ ازدهار، وهي صمّام أمان لنجاح التنمية، والانتقال من التخلّف إلى التقدّم، لأنها تمثّل روح التنمية.

أما السلام فهو الحاضنة التي تزدهر فيها عملية التنمية، ولا تنمية دون سلام، لأن الحروب والنزاعات المسلّحة تحول دون إنجاز مشاريع التنمية، وبالتالي تضع عقبات وعراقيل كبيرة أمامها.

وهدف التنمية هو العدالة وتحسين حياة الناس، فلا تنمية حقيقية دون عدالة اجتماعية بحدّها الأدنى، والمقصود بذلك توفير مستلزمات حياة حرّة كريمة وعمل مناسب، والاستثمار في التعليم والصحّة والضمان الاجتماعي، فضلًا عن تأمين المتطلّبات الأولية للحياة الروحية للناس بتوسيع خياراتهم.

وهناك أربعة أبعاد للتنمية؛ أولها - الاقتصادي؛ وثانيها - الاجتماعي؛ وثالثها - الثقافي؛ ورابعها - البيئي؛ وهذه الأبعاد جميعها ترتبط ارتباطًا عضويًا بالسلام، فكلما ازدهرت ثقافة السلام انخفضت ثقافة الحرب.

وحسب الاقتصادي الياباني يوشيهارا كيونو، أن أحد أسباب تطوّر اليابان، هو امتلاكها ثقافة مناسبة، وادّخارها واستثمارها في التعليم، وكانت الكونفوشيوسية خلفية فكرية لتنمية اليابان، مثلما كانت التاوية والبوذية مصدرًا ملهمًا لتنمية الصين الجديدة وسنغافورة وكوريا، وساهمت اللوثرية في نجاح دول اسكندنافيا في عملية التنمية.

ويمكن للثقافة العربية - الإسلامية أن تكون مرجعًا مهمًا لعملية التنمية في البلدان العربية، إذا ما توفّرت مستلزمات الإرادة السياسية والإدارة الناجحة والرشيدة والمساءلة والشفافية، وذلك بقراءة انفتاحية على المستقبل بعيدًا عن القراءة الماضوية الانغلاقية.

مفهومان للتنمية، أحدهما ضيّق، والمقصود به النمو الاقتصادي، والآخر واسع، والمقصود به التنمية الإنسانية، التي تقوم على المساواة وعدم التمييز والحريّة والعدالة، وتحسين حياة الناس، وذلك أساس للشرعية السياسية، التي لا بدّ أن تستند إلى المشروعية القانونية، والمقصود "حكم القانون"، وحسب مونتيسكيو القانون ينبغي أن يطبّق على الحاكم والمحكوم، فهو مثل الموت لا ينبغي أن يستثني أحدا.

وكانت مؤسسة البابطين الثقافية (الكويت)، قد نظّمت مؤتمرها العالمي الثالث في القاهرة تحت عنوان "المنتدى العالمي الثالث لثقافة السلام العادل"، وناقش في جزء منه مشكلات الدولة الوطنية فيما يتعلّق بالتنمية والسلام العادل، فإضافة إلى التحديات الخارجية، ولاسيّما محاولات فرض الهيمنة والاستتباع ومشاكل العولمة والذكاء الاصطناعي والتنكّر لحقوق الشعب العربي الفلسطيني، فثمة تحديات داخلية، أساسها الدولة الريعية، واتّساع الهوّة بين الحكام والمحكومين وضعف البنية المؤسسية واختلال مفهوم المواطنة، وصعود ما دونه إلى ما فوقه، لاسيّما تفشي الطائفية والعشائرية والجهوية وعموم الهويّات الفرعية، خصوصًا حين يتم تجاهلها، وعدم حل مشكلة المجموعات الثقافية، فضلًا عن قلة مشاركة المرأة في الحياة العامة، وتضخّم الجهاز البيروقراطي.

وكان إعلان الحق في التنمية (1986)، قد ركّز على عدد من الحقوق الأساسية الفردية والجماعية غير القابلة للتجزئة، والتي أساسها الإنسان وارتباطها بتكافؤ الفرص وعملية السلام واحترام مبادئ القانون.

ولبناء تنمية مستدامة لا بدّ من الترابط بينها وبين الثقافة والسلام والعدالة، وهذه جميعها تتعزّز بالتراكم والتفاعل والتداخل، وتلك جدلية تمتدّ من التراث إلى الحداثة، فثمة علاقة بين الأصالة والمعاصرة، مثلما هناك علاقة بين الأنا والآخر، ونحن والغرب، وهو ما يحتاج إلى مشروع نهضوي حضاري عربي بالتعاون والتنسيق والتكامل بين البلدان العربية، علمًا بأن اللغة العربية هي التي يمكن أن تجعل التكامل ممكنًا، في ظلّ تاريخ وثقافة مشتركة ومصالح ومنافع آنية ومستقبلية جامعة، وثمة لحظة وعي جديد لابدّ من التقاطها اعتمادًا على كلّ ما قام به نهضويو القرن التاسع عشر، واستنادًا إلى تطوّر المجتمع البشري، وكلّ ما أنجزه على هذا الصعيد.

وإذا كان اختيار "السلام العادل" طريقًا للتنمية، فقد كان ذلك جوهر رسالة عبد العزيز سعود البابطين، الذي عمل على الإعداد لهذا المؤتمر، لكنه رحل قبل أن تتكحّل عينه بتحقيقه، وترك لنا تراثًا غنيًا على هذا الصعيد، وهو ما بلوره كحصيلة لتجربته في كتابه "تأملات من أجل سلام عادل"، بتحديد 7 أسس لتحقيقه، الأول - الاحترام والصدق بحيث يصبح السلام صيغة تعليمية فاعلة تُربى عليها الأجيال، الثاني - السلام العادل ضرورة، لأن المجتمعات الإنسانية بطبيعتها لا تستمرّ إلّا بالتواصل فيما بينها ماديًا وقيميًا، والثالث - السلام العادل إجماع، بمعنى التمييز بين التوافق السياسي وبين الاجماع الاجتماعي، فالأول لا يدوم، في حين أن الثاني يقوم على القيم، وهي لا تختلف حولها الإنسانية، والرابع - السلام العادل حاجة تاريخية، بمعنى نقل السلام من مستوى الصورة إلى مستوى الواقع الفعلي، بحيث يكون حاجة تاريخية ملحّة، والخامس - السلام العادل مسار متواصل، أي أنه غير مكتمل، فالإنسانية هي مشروع يظلّ أبد الدهر يكتمل لبنة لبنة؛ والسادس -  السلام العادل ثقافة، وذلك بجعلها شكلًا معيشًا ومتاحًا وممكنًا؛ والسابع - السلام العادل تربية وتعليم، أي الاهتمام بثقافة السلام من الحضانة وحتى الجامعة وفي الحياة أيضًا.

وتلك هي صرخة البابطين القلبية الموجهة للبشرية جمعاء قصد اعتناق السلام كقيمة عليا، كما عبّر عن ذلك مايكل فريندو، وزير خارجية مالطا الأسبق، وأضاف أن "العالم بلا سلام هو عالم مظلم"، وتلك رسالة عالمية دعا إليها المهاتما غاندي لاعتماد المقاومة السلمية اللّاعنفية.

***

د. عبد الحسين شعبان

 

تشهد المجتمعات الأوربية ظاهرة غريبة وفريدة في تأريخها. وهو كثرة الكلاب البوليسية وأعني هنا ليست الكلاب، الحيوانات التي تتميز بحا سة الشم، ولكن أعني الكلاب البشرية، التي ازداد عددها بشكل أصبح يستفز المواطن الأوربي ويشعره بما يزعجه ويكدر حياته، الكثير من هذه الكلاب هم من الأجانب، الذين وجدوا أنّ الشركات، التي تتولى شؤون الأمن والحراسة، توفر لهم عملا دائما ودخلا مغريا، في حين تستشري البطالة وتشحّ فرص العمل. وهذه الشركات، التي فاقت مواردها موارد الشركات الاخرى المنتجة للسلع، التي اصبحت من ضروريات الحياة، تفضل الأجانب لسبب بسيط وهو أنّ الأجانب كلاب طائعة حتى النخاع، وهذا النوع من الكلاب له حاسة شمّ قوية لما هو أجنبي ويهجم عليه بلا رحمة، بل وحتى يهجم بكل شراسة على ابن البلد، طالما أنّ تعليمات الشركة تسمح له بذلك. وويل لمن يعترض أو يدافع عن حقه، فقد يصل الأمر أن يطرح َ أرضا.

وأن يضرب ويرفس بكل وحشية بحجة أنه قاوم، وهو لم يقاوم جسديا بل اعترض كلاميا والإعتراض هنا يعتبر خرقا للنظام. الذي يصف نفسه أنه ديمقراطي تساءلت كثيرا هل من المعقول أن تتحقق الديمقراطية في أجواء الرعب النفسي وبثّ الخوف؟.

الأنظمة الديمقراطية الحقيقية تضع قانونا مقبولا من الجميع وتطبقه بدون اللجوء الى إرهاب المجتمع بجيوش الكلاب البوليسية.

كثرة شركات الأمن والحراسة في ألمانيا ومعظم العاملين فيها من الأجانب، ذكرني بانتفاضة الحجارة في فلسطين المحتلة، والتي اربكت المحتل وكلفته الكثير من الضحايا، فلجأ الى أسلوب خبيث بأن سلط على أبناءانتفاضة الحجارة إناسا من جلدتهم فلسطينيين تحت مظلة (السلام الكاذب)، وهذه الظاهرة ليست حصرا على المانيا، بل هي منتشرة في معظم البلدان الأوربية.

تسليط الأجنبي على الأجنبي سلاح ذو حدين، استفادت منه اسرائيل في قهر الفلسطينيين من خلال الفلسطينيين الكلاب البوليسية كثيرة ومنتشرة في كلّ مكان، ولكنّ أخطرها، تلك التي تعمل تحت مظلة (الثقافة)، والتي تستهدف المثقف العربي الحقيقي. وهي تقف جنبا إلى جنب مع المؤسسات التي تقمع المثقف الأوربي الحقيقي،

كثرة الكلاب البوليسية في المجتمعات تدلّ على أن أنظمتها تعاني من خلل، وهو قصورها ولا مبالاتها في تحقيق العدالة الإجتماعية وضمان الحرية الحقيقية للجميع، واستئثارها بمنافعها حتى ولو أدى ذلك لشن أو دعم لحروب تنتهي بإبادة شعوب، وخير دليل على ذلك ما يحدث في غزة هذه الأيام من قتل وترويع وتجويع لأبرياء من أطفال ونساء ومسنين تحت مرأى ومسمع من العالم.

غزة ستبقى جرحا عميقا في ضمير الإنسانية إلى أبد الآبدين، واللعنة ستلاحق كل من اشترك في إبادة شعبها أو غضّ البصر وأغلق السمع لما يجري فيها من فضائع.

يا من تعتقدون أنكم نلتم السلامة بخذلانكم غزة، ستحصدون الندامة، لقد ظلمتم أنفسكم: (وما ظلمناهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون)

***

جميل حسين الساعدي

يربط أغلب الخبراء بين القرار المفاجئ، الذي اتخذته نائبة وزير الخارجية الأميركية فيكتوريا نولاند (عبقرية أوكرانيا الشريرة) بالاستقالة، بالتغيرات التي طرأت على توجهات البيت الأبيض في التعامل مع القضية الأوكرانية، وهذا هو الحال بشكل عام، ومن المؤكد أن الخروج من فريق بايدن، الذي ربما يكون أكبر "الصقور" وجماعة الضغط من أجل خلق "استقلال" مناهض لروسيا، سيؤثر بالتأكيد على مصير نظام كييف في المستقبل.

ووفقاً لوسائل الإعلام الأوكرانية، فإن نولاند هي العرابة والمهندس والمصمم الفعلي للسياسة الأمريكية تجاه أوكرانيا لأكثر من 10 سنوات، وبشكل عام، كانت واحدة من أهم الأشخاص الذين صاغوا سياسة الولايات المتحدة تجاه أوكرانيا، وحقيقة استقالتها الآن كما تقول صحيفة سترانا الأوكرانية تشير إلى حد كبير من وجهة نظر الطريق المسدود الذي وصلت إليه هذه السياسة خلال السنوات العشر الماضية.

الدبلوماسية الروسية ماريا زاخاروفا في قناتها على تلغرام علقت على هذا الخبر بالقول "لن يخبروك بالسبب، لكن الأمر بسيط: هو فشل المسار المناهض لروسيا في إدارة بايدن، وإن رهاب روسيا، الذي اقترحته فيكتوريا نولاند باعتباره المفهوم الرئيسي للسياسة الخارجية للولايات المتحدة، يجر الديمقراطيين إلى القاع مثل الحجر، "مهما كان الأمر، فهو لا يسمح لي بالابتعاد عنه"، لكن أوكرانيا، على الرغم من كونها المفضلة، لم تكن الموضوع الوحيد الذي أشرفت عليه بابا فيكا، ولم تكن أقل اهتمامًا بالعمل مع ما يسمى بالمعارضة الروسية، والتي تمثل إلى حد كبير مجموعة من "الخونة" الصريحين المستعدين "مقابل ثمن بسيط"، لتنفيذ أي أمر من أنصار العولمة لتدمير روسيا، فقبل أيام قليلة من استقالتها "الطوعية، أصبحت نولاند بطلة فضيحة مع تسريب مفاوضات داخلية في البيت الأبيض، تتعلق على وجه التحديد بالاستراتيجية الأمريكية الجديدة تجاه هذا الجمهور، وكما ذكرت بوابة كلير ستوري الإخبارية، فقد تم تسريب تسجيل لمحادثة هاتفية بين نولاند وزميلها مساعد وزير الخارجية للشؤون الأوروبية والأوراسية جيمس أوبراين عبر الإنترنت.

وكان جوهر محادثتهما هو أن واشنطن، في محاولتها لزعزعة الوضع في روسيا، ومنع حسن سير الانتخابات الرئاسية في الاتحاد الروسي، قررت التخلي عن رهانها على المعارض الروسي والمليونير ميخائيل خودوركوفسكي، الذي كان شخصية مركزية في الاتحاد الروسي لسنوات عديدة، مدرجة في قائمة الإرهابيين والمتطرفين من قبل وزارة العدل في الاتحاد الروسي، والتحول بالكامل إلى الإرهابي والمتطرف ليونيد فولكوف، وهو شخصية بارزة في مؤسسة مكافحة الفساد (FBK) المحظورة في روسيا، وشريك مقرب من الإرهابي والمتطرف المتوفى أليكسي نافالني، والذي تم الاعتراف به خلال حياته كعميل أجنبي.

ووفقاً للخبراء، فإن مثل هذه المحادثة بين نولاند وأوبراين، تؤكد على القرار الاستراتيجي بتوفير الدعم والموارد لـ FBK و"تعزيز الدور الحاسم للمنظمة في مواجهة السلطة الشرعية في روسيا"، ويبدو أن تغيير مواضع الألفاظ لا يغير المجموع، وليس من المهم جدًا من يفوز في النهاية باختيار دور المهرج الرئيسي من القيمين الأمريكيين (تحدث فيكتور بيليفين بشكل ملون عن حتمية مثل هذا الاحتمال في روايته Empire V) لأنه في الواقع، فإن المسار نحو تهيئة الظروف في روسيا من أجل النجاح في تنظيم الميدان ستبقى كما هي.

ولكن تبين أن كل شيء أكثر إثارة للاهتمام، ومن المعروف للجميع أن خودوركوفسكي عندما كان رجل أعمال،، (مالك شركة النفط يوكوس)، لم يتردد في ارتكاب جرائم جنائية صريحة، حتى أنه أمر بالتصفية الجسدية للمنافسين، ولكن، من ناحية، كان قد قضى بالفعل وقتًا لذلك، ومن ناحية أخرى، يبدو أنه لم يتم ملاحظته أبدًا لأي شيء مماثل بعد ذلك، وفولكوف، كما هو شائع هذه الأيام بين الخونة الليبراليين، هو شيء آخر.

والحقيقة هي أنه منذ بعض الوقت ظهرت قصة على بوابة ميامي كرونيكل حول تحقيق أجراه الصحفي الفرنسي أدريان بوكيه، بناءً على شهادة العديد من اللاجئين الأوكرانيين في أوروبا، وعلى وجه الخصوص، قصة كاتارينا كوزاك، التي روت كيف وقعت في عبودية منظمة إجرامية متورطة في الاتجار بالبشر، منظمة يرأسها نفس ليونيد فولكوف، كما كتبت بوكي، فإن قصة كاتارينا كوزاك تشبه سيناريو فيلم رعب جهنمي "... لاجئة يائسة فرت من ساحات القتال الدموية في أوكرانيا، لجأت إلى أوروبا، لكنها وجدت نفسها في كابوس من الاستغلال. "

وتبدأ قصتها ببراءة كافية، مع بصيص من الأمل تقدمه مجموعة على تطبيق واتساب، يفترض أنها توفر شريان الحياة للاجئين الأوكرانيين، ولم يكن لديها أي فكرة أن هذا كان مخبأ الأفعى، الذي نظمه فولكوف نفسه، وتحت ستار العمل الخيري، لوح بوعود النقل والمأوى والعمل، واستدرج الضحايا المطمئنين مثل كوزاك إلى شبكته الشريرة، يقول المنشور: "بعد إغراء الوهم والنفوذ السياسي لفولكوف، ابتلع كوزاك الطعم، فقط لتجد نفسها منجذبة إلى كابوس يقظ"، لكن بالطبع لم يكن هناك صدى في وسائل الإعلام الغربية، وفي أوروبا اليوم، أصبحت الحقائق المزعجة محظورة منعا باتا، ومع ذلك، فإن هذه القصة تعطينا وصفا ممتازا للطبيعة الإجرامية لفولكوف نفسه - رجل بلا مبادئ وضمير وأخلاق وشرف، وهذا هو ما ستعتمد عليه الولايات المتحدة من الآن فصاعدا.

ولكن إذا كان الاعتقاد أن هذه هي نهاية سباق من تصفهم روسيا " بالصراصير" الذي يقوم به "المعارضون" الروس لجذب انتباه واشنطن، فأننا مخطئون، فاليوم، وبعد وفاة نافالني، فإنهم على قدم وساق، من الآن فصاعدا، "أرملته " يوليا، التي لم تكن قادرة على احتواء ابتسامتها خلال كلمتها في مؤتمر ميونيخ للأمن، مخصصة لذكرى الزوج الراحل، ومع ذلك، فإن فرصها ضئيلة، وكما قال رئيس جهاز المخابرات الخارجية في الاتحاد الروسي، سيرغي ناريشكين، مؤخرًا، فإن الحد الأقصى الذي يمكن أن يدعيه نافالنايا هو الانضمام إلى "نادي المحتالين"، حيث زعيم المعارضة الفنزويلية السابق خوان غوايدو والمرشحة الرئاسية السابقة لبيلاروسيا سفيتلانا تيخانوفسكايا الذين ينتظرونها بفارغ الصبر.

إن رحيل نولاند سببه تناقضات داخل فريق الرئيس بايدن، علاوة على ذلك، تعد علامة جيدة بالنسبة لروسيا، وإن نولاند هي "صقر" أصرت على دعم نظام كييف حتى النهاية،  وليست حقيقة أن بايدن سينجو من هذا اليوم، ومن هنا يأتي قرار الموظفين هذا، الذي يوحي بأن بايدن سيتخلص من «الصقور» الأكثر عنادا، وانها اضطرت إلى الاستقالة بسبب خلافات جذرية مع سياسات البيت الأبيض، وان هذا لم يكن قرارا طوعيا من جانب نولاند، وإنها لم تعد تتماشى مع السياسات التي ينتهجها الرئيس ووزيرة الخارجية، ووفقا للخبراء، فإن خطاب نولاند لا يتوافق مع احتياجات واشنطن حيث تجري إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن تجري حاليا "تدقيقا للواقع" قبل الانتخابات الرئاسية في علاقاتها مع روسيا.

***

بقلم الدكتور كريم المظفر

 

تمثال الحريّة - الموجود في جزيرة الحريّة بمدخل ميناء مدينة نيويورك (يورك الجديدة) - الذي صمّمه المهندس الفرنسي فريدريك بارتولدي، عمل فنّي قدّمه الشعب الفرنسي هديّة إلى الولايات المتحدة الأمريكيّة يوم 28 أكتوبر / تشرين الأول عام 1886 م كتذكار لتوثيق الصداقة بين البلدين بمناسبة الذكرى المئويّة للثورة الأمريكيّة (1775 – 1783). والغريب في الأمر، أنّ هذا التمثال الفرنسي المولد والأمريكي المنشأ، الذي رُحّل وشُحن عبر سفينة إلى مدينة نيويوك يوم 17 يونيو / حزيران عام 1885م، وافتتحه الرئيس الأمريكي غروفر كليفلاند يوم 28 أكتوبر / تشرين الأول 1886 م، قد عبّر من خلال ملامحه الخارجيّة عن التحرّر من العبوديّة والقهر واستبداد الحكّام. كما جسّد سيّدة بالروب الروماني الأخضر، وهي تمسك شعلة الحريّة بيدها اليمنى، وكتابا بيدها اليسرى نُقش عليه بأحرف لاتينية (رابع يوليو 1776 م) تاريخ إعلان استقلال الولايات المتحدة الأمريكيّة، بينما تضع على رأسها تاجا يرمز إلى البحار السبعة أو القارات السبع في العالم. وقد نصبت دول غربية على منواله تماثيل للحريّة من نسل التمثال الأم في نيويورك، من بينها: فرنسا وألمانيا وإيطاليا والنمسا واليابان وغيرها. ألا ما أغرب فلسفة الغرب، وما أغبى ساسته وعساكره. لقد صدق قاشد ملحمة ديان بيان فو، الجنرال الفيتناميي جياب، حين وصف الاستعمار (الاستدمار) بأنّه (تلميذ غبيّ).  هل كان المهندس الفرنسي فريدريك بارتولدي الذي صمّم تمثال الحريّة، يدرك أنّ عمله الفنّي – الذي رمز به إلى (الحريّة تضيء العالم) – سيفقد معناه بمرور الزمن، في بلد تمارس الظلم والاضطهاد وتفرض سياستها بقوّة الحديد والنار على الشعوب المستضعفة، وتعطّل بحق (الفيتو) قرارات مجلس الأمن لوقف الإبادة الجماعيّة التي يرتكبها الكيان الصهيوني في غزّة أمام أعين العالم، وتسفّه أحكام محكمة العدل الدوليّة، التي أدانت تلك الجرائم البشعة في قطاعي غزّة والضفة الغربيّة ؟ هل كان السيّد المهندس الفرنسي، على علم بأنّ نصب تمثاله كان في المكان الخطأ كما كان في الزمان الخطأ ؟ ماذا سيكون موقفه وردّ فعله وهو يشاهد تحفته الفنيّة في قبضة دولة مارقة، بينها وبين الحريّة بضع سنين ضوئيّة ؟ إنّ الحريّة لا تُخلّد في ألفاظ بديعة وعبارات رومانسيّة وتماثيل من رخام أو مرمر أو فضّة أو ذهب، تُوهَب لشعب دون آخر أو أمّة دون أمّة أخرى، بل هي حقّ فطريّ وإنسانيّ. متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا).

لقد أهدت فرنسا الاستعماريّة تمثال الحريّة في الوقت الذي كانت فيه قواتها المتوحّشة تبيد الشعب الجزائري في عقر داره، وترتكب أبشع الجرائم في الجزائر، وتدكّ مدافعها مئات القرى الآهلة بالسكان، ولم ينج من وحشيتها الحيوان والشجرو الحجر. أجل، لقد كانت فرنسا الاستعماريّة تعلم أنّ (الولايات المتحدة الأمريكيّة)، قامت على دماء الهنود الحمر والعبوديّة والتمييز العنصري ضد الأفارقة المهجّرين في سفن العبيد عنوة وقهرا.

و ها هو التاريخ الدموي الأمريكي والفرنسي والنازي والفاشستي يتجدّد – اليوم - في فلسطين، ويتّبع الأخلاف دروب الأسلاف. وتنفّذ الصهيونية العالميّة ما جاء في بروتوكولاتها المجنونة، القائمة على العنف والإرهاب والمكر والحرب، الهادفة لغزو العالم والقضاء على النصرانيّة والإسلام وكلّ القيّم الإنسانيّة.متى يستيقظ العالم ويدرك أنّ الفلسفة الصهيونيّة خطر داهم، ما بعد خطر، على اليهود والنصارى والمسلمين.

كنت، فيما مضى، أعتقد، إلى حدّ اليقين، بأنّ المدنيّة الغربيّة ستنقذ البشريّة وتحميها من الكوارث والجوائح المدمّرة والحروب الفتّاكة والنزاعات الرعناء، في ظلّ الفتوحات العلميّة الباهرة، والتطوّر التكنولوجي العارم. لكنّ ظنّي خاب، وسقطت أمنياتي في وحل الواقع المرّ. وكنت أظنّ، أن مأساة البشريّة في القرون المنصرمة، بل ومنذ فجر التاريخ، سببها المباشر غلبة الجهل على العلم، غير أنّ مأساة غزّة أبانت لنا عن حقيقة، كنّا من قبل نشكّ في مصداقيتها، ألا وهي أن العلم وحده، ودون القيّم الأخلاقيّة، لا يمكن أن يحلّ الأزمات ويحقّق الأمن والرفاهيّة للإنسان المعاصر. لقد أباد الغرب المتصهين عشرات الآلاف من الفلسطينيين، مستخدما أبشع الوسائل الحريّة التي توصّلت إليها مخابره العلميّة المتطوّرة. وها هو الغرب ينفق على البحوث العلميّة المميتة أضعاف ما ينفقه على المشاريع السلميّة. إنّ ما ألقته الولايات المتحدة الأمريكيّة وو ما ألقاه الكيان الصهيوني المصطنع من قنابل مدمّرة على أهل غزّة،

و كان أملي، ونحن في القرن الواحد والعشرين، وقد بلغ الإنسان المعاصر سنّ الرشد القانوني، واستطاع أن يُوجِد لنفسه منابر سياسيّة راشدة، ويؤسّس مجالس أمميّة لفضّ النزاعات بين الدوّل والأمم، ويطوي الصحائف السود من تاريخ البشريّة إلى الأبد، ويعيش هذا الإنسان المعاصر في كنف السلم والتعاون والتكافل وحماية الضعفاء من غطرسة الأقوياء وحماقاتهم. لكنّ، شتّان بين الآمال المعسولة وسواد الواقع الذي نعيشه، والذي فرضته أمم رفعت شعارات، الحريّة والأخوّة والمساواة، ادّعت أنّها حارسة حقوق الإنسان والحيوان.

ما يجري في غزّة، من إبادة جماعيّة ممنهجة ومقصودة عن سبق إصرار وترصّد، تعجز الألسنة الحرّة عن توصيفه وتصنيفه وتبريره. جرائم هوجاء، بشعة، برعاية الولايات المتحدة الأمريكيّة وبطانتها من العجم المتصهينين وثلّة من الأعراب المطبّعين. لقد جمعوا لأهل غزّة الأبرياء، المسالمين، من النساء والأطفال والصبيان الخدّج والمرضى، كلّ وسائل القتل والإبادة، وأوقدوا لهم محرقة صهيونيّة، نازيّة، فاقت محارق التاريخ كلّها. يبدو أنّ الصهاينة هم خير خلف للنازيين. هم تلاميذتهم المجدّون، منهم تعلّموا فنون حرق الأبرياء وإبادتهم بشتى الوسائل الجهنّميّة، البربريّة.

كلّما أطلقت العنان للبصر ناحيّة الغرب، وعبرت نظراتي أهوال المحيط الأطلنطي، وأبصرت تمثال الحريّة هناك، منتصب القامة، مرفوع الهامة، يده ممدودة بشعلة الحريّة، انتابني إحساس بالأسى، وغمرني شعور مرارتها علقم، ورددت في همس ممزوج بطعم المرارة: أليس من الغباء والقرف والنفاق والعبثيّة والسخريّة والخديعة، أن يكون موضع هذا التمثال البريء هنا ؟

من العار والشنار أن يُنصب تمثال الحريّة على أرض مغتصبة بقوّة الحديد والنار، أرض ارتوت بدماء أهلها وأبنائها الحقيقيين. أولئك الهنود الحمر، الذين نُفّذت فيهم أبشع إبادة جماعيّة عبر التاريخ المنصرم والحقب المظلمة. من الزور والمخادعة أن تدّعي الولايات المتحدة الأمريكيّة بأنّها حارسة الحريّة وحقوق الإنسان، ويمنحها العالم المخدوع شرف احتضان تمثال الحريّة ومقرّات المجالس الأمميّة، كمجلس الأمن، الذي لم يعد راعيا للأمن العالمي، بقدر رعايته لمنطق الظلم والحرب والدمار.

أليس من أولى الأولويات أن يرّحل تمثال الحريّة من المكان الخطأ، إلى المكان المناسب. ولا أرى، اليوم، مكانا أفضل له من غزّة الأبيّة. إنّ غزّة – التي تجري هذه الأيام دماء أبنائها ودموعهم أنهارا – تستحقّ احتضان تمثال للحريّة الحمراء، تشعّ منه أنوار الصبر السلام. تمثال يذكّر الأجيال القادمة بهمجيّة الصهاينة العنصريين، الدمويين، الذين داسوا على كلّ القيّم الإنسانيّة والدينيّة والشرائع السماويّة التي بشّر بها أنبياء الله وسله ؛ إبراهيم وموسى وعيسى ومحمد عليهم الصلاة والسلام أجمعين.

إنّ بقاءه في الولايات المتحدة الأمريكيّة عار ما بعده عار. فلو نطق، واستُمِع لرأيه، لرحّل اليوم قبل الغد. إنّه يشعر بأنّه سجين وأسير وغريب الوجه واليد واللسان. إنّه يقول: إنّ وجودي هنا غربة أبشع من غربة المسيح بين اليهود.

ما معنى أن يُنصّب تمثال الحريّة في بلد يعادي حريّة الشعوب، جهارا، نهارا، سرّا وعلنا، ويدعم الاحتلال الصهيوني لفلسطين، ويتاجر، سياسيا واقتصاديا، بالقيّم الإنسانيّة ؟ أليس من المفارقات العجيبة أن تحتضن الولايات المتحدة الأمريكيّة مجلس الأمن، وتُمنح حقّ النقض (الفيتو) إلى جانب الدول الأربعة الأخرى، وهي التي أبادت شعوبا وقبائل ودمّرت مدنا وقرى عن بكرة أبيها ؛ في اليابان وفيتنام وأفغانستان والعراق، وهاهي اليوم تبيد غزّة العزّة ؟ فعلا، إنّها لمفارقة عجيبة، أن يُلبس المجرم جبّة القاضي، ويُنتظر منه تحقيق العدل بين الجاني والمجني عليه.

لقد آن الأوان أن ينتفض العالم الحرّ انتفاضة عنقائيّة، قبل أن يدمّر المجانين كوكب الأرض، ويبيدوا البشريّة، وينقذ تمثال الحريّة من أسره، وينصف المؤمنين بالحريّة قولا وفعلا. وينهي مسرحيّة الزيف والنفاق والكيل بمكيالين ويسمّي الأشياء بأسمائها الحقيقيّة، ويضع الأمور في نصابها، فمن الحكمة وضع الأشياء في مواضعها. إنّ أحرار العالم ينتظرون – بشغف - ترحيل تمثال الحريّة من خليج نيويورك إلى مدينة غزّة، لتفنيد الأكذوبة الأمريكيّة حول الحريّة.

***

بقلم: علي فضيل العربي – روائي وناقد جزائري

 

كم التضليل والأكاذيب فيما يسمى (الحرب على غزة) فاق الوصف وآخرها أن الولايات المتحدة الأمريكية، الشريك المباشر في حرب الإبادة على غزة، تريد بناء ممر مائي لأسباب إنسانية وتوصيل المساعدات لأهل غزة.

فهل يعقل أن تفشل واشنطن والغرب والأمم المتحدة ودول الجوار في إقناع أو إجبار إسرائيل على دخول المساعدات عبر معبر رفح وكرم أبو سالم ويتعثر إنزالها جواً ثم توافق إسرائيل على فكرة الممر المائي بسرعة ويدعم وتمويل الاتحاد الأوروبي ودول عربية وخصوصاً دولة الإمارات العربية؟

دخول أمريكا الحرب بالقوة التي شاهدناها منذ اليوم الأول لم يكن لأن وجود إسرائيل مُهدد بالزوال من طرف حركة حماس وغزة أو من طرف ما يسمى محور المقاومة بل لأن واشنطن شريكة في حرب تم التهيئة لها مسبقاً، تتجاوز غزة ولهدف أبعد من القضاء على القدرات العسكرية لحماس وتصفية قادتها وضمان عدم تكرار ما جرى في السابع من أكتوبر في غلاف غزة.

خمسة أشهر واسرائيل تزعم أنها تحارب حماس وتبحث عن قادتها، وفي الواقع وعلى الأرض تقوم بتدمر غزة وتقتل عشرات آلاف المدنيين وتُرحِل من تبقى إلى رفح تمهيداً لتهجيرهم خارج القطاع، بينما قادة حماس في قطر على مسمع ومرأى إسرائيل وواشنطن.

لم تبدأ إسرائيل حربها باستهداف قادة حماس ومقر قياداتها بل بقصف مدمر لمنطقة الرمال الأكثر ازدهارا ورقيا في القطاع، ثم بدأت في 27 من نفس الشهر العملية البرية من الشمال بزعم أن قوة حماس وقادتها يتمركزون هناك، وعندما تم تدمير مدن ومخيمات الشمال ولم يجد جيش الاحتلال أو يقتل أحدا من قادة حماس الذين نشر الجيش صورهم وأسمائهم وزعم أنهم يختبئون في المستشفيات وخصوصا في الشفاء والقدس والعودة والمعمداني، وأعلنت إسرائيل أن جيشها سيقتحم المستشفيات! وبعدما دمرت المستشفيات وكل ما حولها من أحياء بكاملها وقتلت وجرحت الآلاف قالت إن قادة حماس هربوا للجنوب، وأعلن قادة الجيش أن العملية ستنتقل إلى معسكر البريج وشرق القطاع، ودمروا وقتلوا وجرحوا الآلاف من الأطفال والنساء دون أن نسمع بقتل أو اعتقال أحد من القادة المطلوبين.

وتواصلت جريمة الإبادة الجماعية بقصف على مدار الساعة بحجة البحث عن قادة حماس ليعلن الجيش أن قادة حماس يختبئون في أنفاق خانيونس، وأعلن أنه ستبدأ عملية برية هناك وبدأت العملية في الثالث من نوفمبر ّ! ولأكثر من ثلاثة أشهر لم يجدوا أو يقتلوا أحدا من المطلوبين.

بعد أن عاثت دمارا وتقتيلا في مدينة خانيونس أعلنت أنها ستنتقل لمرحلة جديدة باجتياح مدينة رفح، وضح العالم وتعالت الأصوات منددة ومحذرة من هذه الخطوة التي قد تؤدي لمجازر تفوق كل المجازر السابقة بسبب الكثافة السكانية في رفح واحتمال اندفاع الناس نحو سيناء، وما زال سيف اقتحام رفح مسلطا على رقاب مليون ونصف من البشر.

خلال كل هذه الأشهر الخمسة وبحجة البحث عن قادة حماس وتدمير قدراتها العسكرية كان جيش الاحتلال يدفع الناس تحت القصف للانتقال من الشمال إلى الجنوب ليحصر حوالي المليون ونصف في مدينة رفح الحدودية مع مصر مع منع دخول المساعدات لكل القطاع وخصوصا لأهل الشمال، وفي نفس الوقت كانت إسرائيل تعمل على افشال اي محاولات للتوصل لاتفاقات وقف إطلاق النار أو حتى هدن إنسانية -باستثناء هدنة مؤقتة في أواخر نوفمبر ولمدة أسبوع- ولم تتوقف المفاوضات من القاهرة الى موسكو وباريس وأوسلو حول الهدنة ووقف النار ومستقبل قطاع غزة، وكلها فشلت أو تعثرت حتى هدنة مؤقتة في شهر رمضان، وأخيرا في خطاب للرئيس بايدين حول حال الاتحاد في الثالث من مارس أعلن عن مشروع الممر المؤقت لإدخال المساعدات الإنسانية متجاهلا أن واشنطن تتحمل المسؤولية الكبرى عن معاناة أهل غزة وجرائم الاحتلال وما زالت تمد إسرائيل بكل ما يمَكنُها من الاستمرار بالحرب وتغطي على جرائمها وتحميها من أي إدانة في المنظمات الدولية.

ما سيق يؤكد أن الأمر يتجاوز مواجهة تهديد حماس، دون تجاهل البطولات الفردية للمقاومين في غزة، وأن هناك لعبة أمم كبيرة تبدأ بحرب غزة ولا تنتهي عندها.

 العقبة أمام تنفيذ هذا المخطط ليس الكتائب المسلحة لحماس فقط بل الشعب والقضية الفلسطينية برمتها وقطاع غزة على وجه الخصوص بكثافته السكانية وتاريخه الوطني المقاوِم للاحتلال.

وواشنطن في سياق حربها الكونية في مواجهة روسيا والصين دفاعاً عن مصالحها القومية مستعدة للتضحية بغزة وأهلها وحتى بحلفائها التقليديين حكام مصر والأردن، وكل حديثها عن الشرعية الدولية والقانون الدولي والاعتبارات الإنسانية والمفاوضات العبثية حول الهدنة وتبادل الأسرى.. مجرد أكاذيب وذر للرماد في العيون.

ما يسمى الممر الإنساني المؤقت سيبدأ بدخول مساعدات إنسانية وفي هذه الحالة لن يعارض أحد من قطاع غزة الجوعى، وسيجد ترحيبا من عديد دول العالم وستظهر امريكا كدولة إنسانية تدخلت في الوقت المناسب لإنقاذ أهالي قطاع غزة وفرضت رأيها على إسرائيل، ولكن بعد ذلك سيتم استعمال الممر لتسهيل هجرة أهل غزة لقبرص، ثم يتحول لميناء دائم لتنفيذ مخطط أو مشروع خط الهند الذي سينافس خط الحرير الصيني أو الحزام والطريق الذي تشتغل عليه الصين وروسيا ودول البركس منذ سنوات، وسيكون غاز غزة وقناة بن غوريون ضمن هذا المخطط، وبالتأكيد لن يكون الممر أو الميناء تحت اشراف السلطة الفلسطينية بل اشراف إسرائيلي أمريكي مشترك، ولا نستبعد إحياء مشروع دولة غزة التي ستكون جزءا من هذا المخطط الكبير وخارج السياق الوطني.

***

إبراهيم ابراش

نحن نواجه سياسات غربية.. تتصف بالخبث والمكر واللامبدئية تجاه كل شيء يخص العرب

تحاول أمريكا ذر الرماد في العيون من خلال محاولتها إنزال مواد غذائية كمساعدات إنسانية في سماء غزة الجريحة والمُحاصرة، بالطبع هذا يجري بالتنسيق وأخذ الموافقة من السلطات الصهيونية، ترى ألا تستطيع إدارة بايدن أن توقف الحرب؟ بالطبع نعم، باستطاعة أمريكا لو أرادت الإدارة الموقرة في البيت الأبيض ذلك وبيوم واحد، وذلك حين تمتنع السلطات الأمريكية عن إرسال الإمدادات بالسلاح والذخيرة والخبرات التجسسية وغيرها من المساعدات التقنية إلى الكيان الصهيوني. أمريكا تريد أن تصطاد عصفورين بحجر واحد: من جهة تريد أن تظهر أمام العالم بأسره أنها لم تفقد بعد الإحساس الإنساني تجاه الناس المُحاصرين،الجياع، المُقيمين في العراء دون سقف يحميهم، في ظل إستمرار القصف الإسرائيلي البربري النازي، ومن جهة أخرى لا تريد الضغط على ربيبة الغرب (إسرائيل) وقطع الإمدادات عنها. المرجو من هكذا سياسة هو الظهور أمام الشارع المحتج في عواصم العالم أن أرأيتم ها هي أمريكا ترسل مساعدات إنسانية إلى غزة. والربح الأساسي هو إقناع الناخب الأمريكي، المعارض لسياسة السطو على حقوق الشعب الفلسطيني بالتأييد الأمريكي المطلق لإسرائيل المعتدية، بأننا يابا ها نحن نرسل مساعدات إنسانية إلى غزة !!.

من طرف آخر ترسل أمريكا بين فترة قصيرة وأخرى، ترسل موفدها عاموس هوكشتاين إلى بيروت وتعرض مغرياتها لو أن حزب الله يوقف ضرباته الصاروخية نحو الأراضي الفلسطينية المحتلة.غير أن الشخصيات اللبنانية من الصف الأول والثاني قد تعودوا على وعود أمريكا الكاذبة حين تتحقق مطالب أمريكا وإسرائيل، ويغيب الخطر على الدولة ربيبة الغرب.

السفارات الغربية في بيروت وبغداد وعمان والقاهرة وغيرها تتدخل في كل شاردة وواردة، حتى في شؤون البلاد الداخلية وتخترق حتى التنظيمات التي نطلق عليها منظمات المجتمع المدني: تارة من خلال شراء بعض المتنفذين في تلك المنظات، وتارة أخرى في تقديم المعونات العينية على مبدأ (أطعم الثم تستحي العين).رأينا مَن مِن تلك المنظمات ينزل إلى الشارع كي يتظاهر حين يكون هذا الأمر مفيدا للغرب. هذا الأمر ليس جديدا على السفارة الأمريكية نحن نذكر كيف مظاهرات الطلاب في باريس أسقطت الرئيس ديغول بطل الجمهورية، ومحرر فرنسا من الإحتلال النازي، وهذه المظاهرات كانت بمباركة من واشنطن. في زماننا الحديث نشاط ما سمي بالربيع العربي في تونس وليبيا ومصر وسورية لم يكن أبدا إستثناء في سياسات الغرب منذ الحملات الصليبية حتى يومنا هذا، زد على ذلك التواجد العسكري الأمريكي في المنطقة: في دول الخليج وفي العراق والأردن وسورية، وإذا استثنينا تلك الدول التي يعتبر تواجد القوات الأمريكية له طابع رسمي اي بموافقة الدولة على ذلك، فإن قواعد أمريكا في العراق وسورية حصلت بحجة واهية ألا وهي محاربة تنظيم داعش والنصرة وغيرها، في حين أن المواطن الأمريكي نفسه أصبح مقتنعا أن هذه التظيمات تقف خلفها دول الغرب وعلى رأسها أمريكا. حين يطالب أبناء الشعب العراقي بإنهاء مهمة القوات الأمريكية على أرض العراق، وحين تواجه التنظيمات الشعبية القواعد الحربية الأمريكية في كل من سورية والعراق، جماعة أمريكا يبكون على ضياع الرفاهية والإستقرار.

قام الغرب بمواجهة روسيا الإتحادية في سياساته السرية والمعلنة أن روسيا في نظر هؤلاء السادة خرقت حرمة السيادة الوطنية في دخولها أراضي ضمن خارطة أوكرانيا. هذا الغرب نفسه كم من المرات قام بخرق حرمة دولة صيربيا حين قامت طائرات الناتو عام 1999 بقصف المدن الصيربية مدينة بعد أخرى ومربعا بعد آخر، دون أي قرار بهذا الشأن من مجلس الأمن، وذلك على مبدأ ما يحق للغرب لا يحق لغيره، زد على ذلك غزو العراق عام 2003،مع ما عرفته المدن العراقية من دمار وخراب وما عرفناه عن وقوع أعداد كبيرة من الضحايا والشهداء. وبعد ذلك جاء إنشاء قواعد غربية على أراضي الجمهورية العربية السورية دون أي قرار من الأمم المتحدة ودون موافقة من الدولة ذات السيادة.

كل ذلك يجري تحت يافطة محاربة الإرهاب، في حين أن خريجي مدرسة محو الأمية يعرفون من أين يأتي الدعم الحربي والمالي للتنظيمات الإرهابية، ومن أين يأتي العتاد إلى هذه التنظيمات، ومن أشرف على إعداد قادة هذه التنظيمات، أدخلت عن طريق تركيا آلاف السيارات الجديدة ذات الدفع الرباعي وأصبح لدى التظيمات الإرهابية قوة قوية متنقلة تعبر الصحراء.

حتى أن الغرب قد استثمر في الأوساط التي حسبت حتى عام 1991 على الإتحاد السوفييتي.أنا لا أعمم، ولكن الواقع يدل على أن مجموعة ليست قليلة من قوى اليسار صدقت بما جاء به ما سمي بالربيع العربي وشاركت بما سموها زورا ثورة، وها هو الشعب السوري اليوم يكتوي بنارين نار الخراب والدمار مما أوجدتهما ما سميت ثورة، ونار الحصار الغربي الأمريكي ضد المصالح السورية والإقتصاد السوري. حين يكتب واحد ممن رفضوا المشاركة في معاقبة الوطن، تأتيه التعليقات والإنتقادات من كل العواصم حيث استقر رعيل من تركوا سورية بعد أن وافقوا على تدميرها وبعضهم ربما قد شارك بذلك. لهذا السبب ولغيره قمت بتدوين النص التالي:

غياب صوتي أمر مستحيل

وُعِدتُ بالرفاهيةِ

والعيشِ الرّغيدِ،

همسوا في الرسائلِ،

وأكثروا

في طرح الوعودِ:

" لماذا لا ترغب

بإيجاد مكان ٍ هادئ

تحت الشمسِ ِ،

أ نسيتَ ما فعلَ

أولئكَ

في غرف ِ المُساءَلة ِ

قبلَ أول أمسِ ِ؟ "

كلُّ الذي تقولونه

لغوٌ....

إنّ غياب صوتي

أمرٌ مُستحيلْ.

طمئنوا مَن يوشوش

في آذانكم،

أنّ نارَ مَوقدي

لا زالت قوية ً،

طمئنوا من يَعدكم بالنصر

أنه واهمٌ، واهمْ،

بلغوه: أنّ النصرَ

في عزم الرّجال ِ

أمرٌ مُحتم ٌ

وليسَ في رَنين الدّراهمْ !!

طمئنوا الذين بينكم

ويدعون الرّجولة

أنّ صوتي سَينازلْ

وأنني حتى آخر نبضٍ

في فؤادي سَأقاتِلْ،

فَوالله

لن أعاقبَ وطناً

عشتُ له ُ،

وعاش فيهِ

أهلي

وأعمامي

وأجدادي.

طمئنوا الذين بينكم

ويدعون الرّجولة

أنني باق ٍ

إلى آخر يوم ٍ

لنصرة ِ قضيةٍ

تسمى − الوطن.

بلغوا تلك الرّياح العاتية

أنّ تحتَ الرّمادِ جذوة ٌ

مازالت تشتعل،

وأنّ ذاك الجندي،

ابن البلد

لن يرميَ الرّاية

ففي صدرهِ حكاية حبٍ

لفتاة ٍ ودعته

وما زالت تنتظر.

بلغوا من وعدكم بالنصر،

قولوا له:

أنّه ُ واهمٌ، واهمْ.

***

بقلم الدكتور إسماعيل مكارم

كان جزع ايران على قطع نظام المشير"عمر حسن أحمد البشير" صلاته بها، قصيراً محدود الأمد، لأن حاجتها للسودان قليلة ضئيلة، لأجل ذلك لم تضيع وقتها في اللوم والعتب، وأدارت رأسها عنه، وتركت الديكتاتور مرتهناً بالوعود التي بسطها إليه حليفه الجديد، والتي لم يتحقق منها غير أطياف، ثم مضى البشير، الحاكم الذي منحته الأقدار من الوقت ما يتيح له أن يعدل، وأن يوفق لعهد زاهر، هو ورهطه، ولكنهم أصابوا بعض النجاح، وأخفقوا أفدح الاخفاق وأثقله.

ثم شهد السودان تطورات مختلفة، أجملنا الحديث عنها في مقالنا السابق"ايران والسودان وتوطيد الصلات" ونستطيع أن نزعم إذا أردنا تلخيص طابع الأحداث في ذلك العهد في ايجاز شديد، بأن الساسة قد فشلوا الفشل كله، حينما لجأوا إلى الغرب يستمدون منه الرأي والفكرة، وأدرك الشعب الذي جدّ في تنظيم مظاهراته المنددة بخطايا شركاء الحكم، وما كان يجري بينهم من خلاف، أن ساسته وما هم فيه من نزاع باطل كله، فانصرف عنهم، واستعان بالكد والاجتهاد، ليجابه ما أبتلي به من شقاء في حياته، وظلت شريحة الشباب على ما كانت عليه، تختلف إلى الشوارع والميادين، في مسيرات هادرة، تقام يومين من كل أسبوع، ولا تمضي ساعات إلا وتفضها القوات المعنية بفضها، في لغة تتقنها كل الاتقان، وحتى لا نسرف في تحليل الخطوب التي تكاثفت في تلك الفترة، ونترك هذه الأحاديث الطوال الثقال، كما يقول الدكتور طه حسين، نقول أن غمرتها انجلت بحرب ضروس بين القوات المسلحة، وبين قوات الدعم السريع، وفي الحق أن وقائع الحرب، أبعد من أن تحد، وأوسع أن تحصر، وحتى نترك عنا هذا الإسهاب، لنا أن نزعم، أن قوات الدعم السريع هي من ابتدرت هذه الحرب، وأنها حقا طمعت في غير مطمع، وسعت لنيل ما لا سبيل إليه.

وانبرت الحكومة الشاحبة التي لا نكاد نتبين معالمها، في ظل هذه الحرب التي ما زالت مستعرة، تدير حوار الهدنة، ووقف الحرب، في عدة منابر، وهي موقنة أن من العسير أن تحقق لتلك الدول الراعية لتلك المنابر، فلسفتها التي تريد أن تنتهي إليها، فتلك المنابر، تريد أن تعيد قوات الدعم السريع إلى حياتنا الواقعة في هدوء ورفق، وألا نعرض عن مليشيا النهب والاغتصاب اعراضاً شديداً أو هيناً، وأن يعود الدعم السريع في صوره وأشكاله الغليظة، مستأثراً بكل خير، ومستحوذاً على كل نصيب، ونسيت هذه المنابر أن كل آآهة طويلة، وصرخة متصلة، صدرت من موجوع أو مفجوع، سببها تلك المليشيا التي تقمصت نهج التتار.

الفريق أول البرهان، القائد الذي نعجب بذكائه، ونكبر عقله، وفلسفته في الحرب، بعد خروجة من جحيم الخرطوم، واستقراره في مدينة الثغر، ذلك الثغر الذي تحبه بعض الجهات وتتهافت عليه، وتتدله في لذات هذا الحب العنيف الحار، لدرجة تدفعها لأن تحيل خصب السودان وغناه لجدب قاحل، انتظم رئيسه في زيارات متصلة، تخالف العرف المعروف، فقائد الجيش يعود نفسه الحرمان، ويمكث مع قواته حتى ينجلي غبار المعركة، ولكن نستطيع أن نذهب، إلى أن الغاية الملجئة التي دفعت "البرهان" لكي يقوم بكل تلك الرحلات، هي أن تحتفظ قواته بحظها من الانتصار، و"البرهان" قائد الجيش الذي اشتد عليه سخط الناس، لخططه التي لم تلجم المليشيا التي استفحل خطرها، وعظم أمرها، اتضح الآن نجاعة تلك الخطط، التي حظ الصواب فيها أكثر من حظ الخطأ، لقد توقع الفريق أول "البرهان"، أن تفضي هذه الزيارات لدول الجوار لما ينفع ويفيد، تلك الدول التي تسأثر بقلب شعبه ولبه، قد يتاح لنا الوقت للتفكير عن ماهية الأسباب التي أجبرتها أن تملأ قلب "البرهان" حزناً وحسرة، وحتى لا نقول كلاماً مبهماً لا يفهمه الناس، نزعم في عنف وحدة، أن تلك الدول لم تنظر إلى "البرهان"، أو تسمع منه، كما نظرت إليه "الجزائر" نظرة تضج بالاشفاق، وسمعت منه في حرص واحتياط، هناك في بلد المليون شهيد، تحدث الرئيس "البرهان" بصوت مرتفع، ولم يكن خاطره كليل، أو فؤاده دامي، لأن لا الرئيس "تبون" ولا دولته تؤثر العافية عن اغاثة الملهوف، ولا تضن بنفسها عن نصرته، مخافة مشهد وجهد، أوضيق وضنك، قد يلحقها نظير نجدتها تلك.

إذن الجزائر من الدول التي أظهرت وجهاً ناصعاً للسودان، وسرت فيها تلك الرغبة الصادقة في دعمه، وليست الجزائر وحدها من أقدمت على اتخاذ تلك الخطوة، فهناك دولة ايران التي لم تمتنع عن السودان، وتسرف في الامتناع، بحجة الخذلان الذي تورط فيه نظام البشير من قبل، ايران الدولة التي تحيفتها المكاره، وكثرت عليها الأحداث والخطوب، واضطرتها إلى هذا الخصام والجهاد، مع محيطها ومع دول الصلف والغرور، نلتقي ونختلف من أنها تبتغي أي جائحة، أو كارثة، "لقطر سني" حتى تتوطد العلاقات بينها وبين ذلك البلد الذي أزرت به المصائب والمحن، فخلافنا العقدي معها، وسيرتها التي ليست كلها صافية نقية، مع دول وشعوب المنطقة، تجعلنا لا ننخرط معها في مودة خالصة، ولكن الحقيقة التي لا يغالي فيها أحد، أن الدولة الفارسية أسرع إلى التعاون، وأقرب إلى الفهم، لادراك طبيعة المخاطر الهائلة التي تحدق بالسودان، ولأنها أيضاً لا تطرأ عليها علامات التردد والتلكؤ، وتشعرنا بأنها تريد أن ترى وتسمع وتفكر، كلا ايران، حرة الإرادة تنظم علاقاتها وتتطورها، دون أن تنظر لأحد، أو تنتظر رضا أحد، نعم هي ترقب الحوادث، وتهتبل الفرص، لتتصل أفراداها وجماعاتها وكياناتها الدينية والسياسية، مع بيئات وأمزجة الدول المهيضة، ولكنها على كل حال، دولة يمكن أن نعتمد عليها، وأن نعقد عليها أوسع الآمال في ظرفنا الراهن، بعد أن تجافى الأشقاء عن نصرتنا، بل هناك من الأشقاء من لم يرعى للسودان حرمة، وسعى إلى الغاية التي لا تدرك، وهي تفتيت  شمل السودان ونهب خيراته.

وايران التي تغيرت صورتها، فلم تعد هي الصورة المعروفة على صاحبتها، تلك الدولة التي تريد أن تخضع الجميع للاستسلام والاذعان لارادتها، استطاعت في جهد عنيف أن تقرب منطقها من فهم الناس له، وأن تنسجم في هذه المعاهدات التي تمس العقل، ولا تمس الشعور، وأن تنخرط في مباحثات كفلت لها تجاوز الخلافات مع أعتى خصومها، فاتفاق بكين، طوى خلافها الطويل العنيف مع الدولة الكبرى في المنطقة، ولكن مثل هذه الاتفاقيات في الحق، لا تحقق لايران هدفها الذي تبحث عنه، بغيتها الأزلية التي تتمثل في اغراق المنطقة بفلسفتها الساذجة إلى حد بعيد، فنحن مهما اتسعت أطماعنا، وتعددت مطالبنا التي نتظر تحقيقها من الدولة الفارسية، فلن نرضى أن نوفيها حاجتها، ونحقق لها أملها النديان، فدولة ايران التي تستقبل الآن الزائرين والزائرات من طاقم الخارجية السودانية، تعي تماما أن  هذا الشعب الذي عرفته واختبرته من قبل، لن يخضع لحجتها، أو يذعن لجلالها، فحرياً بها، أن تكتفي بالورق المالي الصفيق- هذا إذا كان السودان  ما زال يملكه- نظير عتادها العسكري الذي سوف تقدمه لقواته المسلحة، وأن تعلم أن السودان ينتظر منها أكثر من تلك المسيرات التي جلبها منها، والتي أسهمت كثيراً في تغيير دفه حربه مع المليشيا، السودان ينتظر من دولة ايران أن تسبغ على علاقتها به لونا من الجد، حتى لا تتعثر تلك العلاقة مرة أخرى، وأن تسالم وتصانع بعض الشيء، حتى تزول بينها وبين شعبه الكلفة، فالسودانيون يستطعيون أن يبصروا، رغم أعينهم المتورمة من فرط الألم، فهم ينظرون إليها بعين الحاجة، لا بعين الحب، وبشهوة البقاء، لا بشهوة الهيام، ولها أن تفكر في الاعراض عنه، إذا أرادت ذلك، وللسودان أن يطيل النظر والتمعن والتفكير، في خيارات أخرى خلافها، رغم ضعفه وهزاله الحالي، لن نكتفي بالشكوى أيها السادة، نسعل سعالنا المتكرر هذا، ولكن لن نموت، لن نستخذي أحد، وقريبا جداً سنظفر بكل ما نحتاج إليه، وسنشهد جنازة كل من سعى لقتلنا وترويعنا، ونشيعها إلى القبر.

على السودان بعد أن تضع الحرب أوزارها، أن يعكف على اغلاق حدوده ويحكم اغلاقها، بعد أن فطن لأن "جيرته" قد أخذت من فلسفة "الآثرة" إلى أقصى حد ممكن، وأغرقته في انتهازية مروعة ، وتغاضت عن العاطفة وعن الشعور، وأن يتحفظ تحفظاً  عظيماً تجاه الكثير من عاداته وتقاليده، وأن يترك عنه هذه الطيبة وهذه السذاجة، فهذه الخصال هي التي أحالته لهذا الوضع الضئيل، فهذه الحرب التي جشمته الأهوال، من الحق عليه ولنفسه أن يفكرفي حدوده وسواحله، وأن يخلق لها هذا الاتصال الوطيد مع الدول التي انغمست في نصرته، وأن يعمل على استقلال نظامه السياسي، فيطهره من كل شوائب الضعف والتبعية والاذعان، على السودان أن يوحد صفوفه، ويقوي جيشه، ليستعيد مجده وألقه ونضاره، وليحرر كل ذرة من تراب، شمخ فيها الشقيق بأنفه، على شعبنا أن يترك عنه هذا الخمود والخمول، وأن يتحرر من ربقة الفساد والاضطراب، وأن يعلم أن بلوغ الغاية التي يبتغيها ليس من السهولة واليسر، فهي تتطلب دأباً وجهاداً والحاحاً عنيفا، إنسان السودان لن يعيش آمناً مطمئنا، إلا إذا توثقت صلاته برحاب الدين، وهز بندقيته في الهواء ملوحاً ومحذرا، في كل وقت وحين، حتى يرعوي الطامع، ويخنع الصفيق، علينا أن نبذل كل مشقة، ونحتمل كل عناء، حتى تنفرج الشفاه، وتنبسط الابتسامة، وتتهلل الأسارير، ولن يحدث هذا إلا ابتعدنا عن محورالدول التي تتشدق بديمقراطية زائفة، وأظهرنا الود لبعض الدول الاشتراكية، ووثقنا صلاتنا مع قطر وتركيا وايران، فقد بان أصلهم في ظل هذه الهيجاء كأجمل وأبهى ما يمكن أن يكون. 

***

د.الطيب النقر

 

صدرت الطبعة الأولى من كتاب "الاقطاع والفلاح في العراق الملكي ـ لواء العمارة انموذجاً" للدكتور حميد حسون نهاي 1، وهو في الأصل رسالة ماجستير قُدّمت الى كلية التربية الجامعة المستنصرية في عام 2015 تحت اشراف الباحث الاقتصادي الدكتور عبد الله شاتي عبهول 2 وحصلت على الامتياز.

قَسّمَ نهاي كتابه الى مقدمة وثلاثة فصول وخاتمة وعِدة ملاحق:

تناول الفصل الأول: لواء العمارة، تقسيماته الإدارية، تركيبته الاجتماعية، أُسس تكوّن الاقطاع في العراق.

وتناول في الفصل الثاني: علاقة الاقطاعي بالفلاح في العراق 1932 ـ 1958، طبيعة علاقة الاقطاعي بالفلاح في لواء العمارة بشكل عام، علاقة اقطاعيي البو محمد وآل ازيرج وبني لام مع فلاحيهم، نتائج علاقة الاقطاعي بالفلاح في لواء العمارة.

أما الفصل الثالث فكان: الموقف الرسمي والشعبي من علاقة الاقطاعي بالفلاح في لواء العمارة 1932 ـ 1958.

كانت مصادر الباحث متعددة ومتنوعة:

1ـ الوثائق غير المنشورة: ملفات الحكم الجمهوري ـ ملفات مجلس الوزراء ـ ملفات وزارة الداخلية ـ ملفات وزارة الاعمار.

2ـ الوثائق غير المنشورة: محاضر مجلس النواب ـ محاضر مجلس الاعيان ـ المطبوعات الحكومية.

3ـ المذكرات الشخصية.

4ـ المقابلات الشخصية: كانت ثلاث وخمسون مقابلة مع عدد من الشخصيات العارفة والقريبة من الاحداث آنذاك، منها على سبيل المثال لا الحصر: مؤرخ العمارة الأستاذ جبار عبد الله الجويبراوي في 5 حزيران 2014 ـ  المؤرخ العراقي المعروف الدكتور جعفر عباس حميدي 3 في 8 نيسان 2014.

5ـ الرسائل والاطاريح الجامعية: فكانت تسع وستون رسالة واطروحة.

6ـ الكتب العربية والمعرّبة والآجنبية: عددها مائتان وأربع وأربعون كتاباً، أما الآجنبية فكانت أربعة كتب.

7ـ الصحف والمجلات: ست وأربعون صحيفة، واحدى عشر مجلة.

8ـ البحوث والدراسات المنشورة: واحد وثلاثون مبحثاً.

9ـ الموسوعات: أربع موسوعات.

10ـ مواقع الانترنت: موقع واحد.

ما هي أهمية هذا الكتاب في الوقت الحالي؟ قد يتساءل القارىء باستغراب ويقول:

ما الفائدة التي سنجنيها من الحفر في حقبة مضت واندثرت وأصبحت في ذمة التاريخ؟ وعليه فسنقول:

لم تذهب هذه الحقبة تماماً، نعم ذهبت من الواقع، لكنها حاضرة في رؤوس الكثيرين الآن! خصوصاً عند الشباب الذين لم يُدركوها، لكنهم في الوقت نفسه يتحسّرون على ذهابها!! وهنا العجب، اذ كيف لي أن أتحسّر على حقبة لم أعشها!! وماذا لو كان جد الشاب الذي ينعى هذه الحقبة من الكادحين؟! من الذين ضربتهم سياط الاقطاع!! ماذا سيقول هذا الجد لحفيده ـ لو عاد الى الحياة الآن ـ ورآه يتحسّر على حقبة أنزلته "الجد" الى الدرك الأسفل! وفي الوقت نفسه يرى ارتفاع صوت هذا الحفيد في المطالبة بالتعددية السياسية والحرية والعدالة في عراق ما بعد صدام حسين!!! تناقض ما بعده تناقض!

والأهمية الاستثنائية لهذا الكتاب برأينا، هي أنه يتناول تاريخ مدينة كاتب هذه السطور "العمارة ـ محافظة ميسان".

ما يُحسب للباحث الدكتور نهاي أنه لم يكن "محايداً" في طرحه، بل كان في صف الكادحين، فتجاوز نهاي "الكتابة الوصفية" السائدة تقريباً في الدراسات الجامعية، فكان شجاعاً بحق هنا، مع ضرورة التأكيد على أن "عدم الحياد" لا يعني تجاوز الحقيقة الموضوعية، أبداً. ويُذكّرني الآن بالدكتور حيدر عطية كاظم، صاحب الكتاب القيّم "الصرائف في بغداد" 4.

حاول الوالي العثماني المُصلح مدحت باشا حل مشكلة الأراضي من خلال القضاء على المنازعات العشائرية حول الأراضي الزراعية، وسعى بكل جدٍ وإخلاص لتحقيق تلك الأهداف، فتساهل كثيراً في قيمة الطابو، وكان في أحيان كثيرة يمنح سندات الطابو بثمنٍ بخس 5.

لم ينجح مدحت باشا في مسعاه، خصوصاً في تفويض الفلاح ابن العشيرة في التعامل مع الدولة دون وساطة رئيس العشيرة، وكانت أسباب هذا الفشل:

قوة التنظيم العشائري ـ فقر الفلاح المدقع وعدم تمكّنه من توفير قيمة الطابو وخشيته من التجنيد الاجباري والضرائب، فضلاً عن تخلّف الجهاز الإداري 6.

فماذا كانت النتيجة؟ فُسح المجال أمام أثرياء المُدن وتُجارها وكبار الموظفين في الحصول على عقود تفويض الأراضي مقابل دراهم قليلة 7.

كانت محاولة مدحت باشا الإصلاحية محاولة جريئة هنا، وهي خروج عن المألوف في السياسية العثمانية، لكن لم يُكتَب لها النجاح كما أسلفنا.

جاء البريطانيون الى العراق، فعكسوا مسار التاريخ باحتضانهم شيوخ العشائر 8، وكان لاسناد هؤلاء الشيوخ جوانب سلبية كثيرة أكدتها ألمس بيل، فقالت:

(ان سياسية اسناد الشيوخ بهذه الطريقة كانت لها جوانب سلبية كثيرة، فالشيخ أصبح طاغية في منطقته، مما انعكس ذلك على سمعة الحكومة التي كانت تسنده، وعليه فإن النقمة على الشيوخ من هذه الحيثية أحد روافد الحركة الوطنية الاستقلالية) 9.

سنتعرض الآن لنماذج من علاقات الاقطاعي بالفلاح، ثم نُعَرّج بعدها على موقف الطبقة السياسية الملكية الحاكمة.

كانت خشية الفلاحين في لواء العمارة من الاقطاعي كخشيتهم من الله أو أشد 10، ويُروى أن احدى خادمات شيخ كبير تُدعى جريوه، كانت تتبختر وتذكر سيدها باستمرار، فعندما تدخل جريوه لواء العمارة، كانت تُرعب الكثير 11، وكانت تُفرَض على الفلاح عدة ضرائب ما انزل الله بها من سلطان ومنها ضريبة السكتة 12، وقام جلاوزة أحد الاقطاعيين بقلع أظافر فلاح شاب 13، وقد ندبت احدى الفلاحات حظها العاثر، فقام الاقطاعي بجلدها بالخيزران 14.

هذه عَيّنةٌ بسيطة من هذه العلاقات الظالمة، أما عن موقف النظام الملكي من الاقطاع، يقول الدكتور نهاي ناقلاً عن الأستاذ عبد الرزاق الظاهر:

(ان الاقطاعية في لواء العمارة نقطة سوداء في جبين المملكة العراقية، انها البهتان الأعظم) 15، وفعلاً كانت بهتاناً أعظم، فقد كان الاقطاعيين، لا سيما الكبار، ملوكاً غير مُتَوّجين 16، فقد كان النظام الاقطاعي غريباً وخارجاً عن مسار التطور الاقتصادي والحضاري في العراق والاقليم وحتى العالم، لأنه يفتقر للأسباب الموضوعية الداعية لوجوده، لكنه كان يُحقَن بأسباب الحياة من خلال تأييد الحكومات العراقية المتعاقبة له وبريطانيا 17. تُحتّم الموضوعية علينا هنا، أن نُسَجّل بأن حكومة السياسي المعروف حكمت سليمان 18 قد كانت استثناءً، فقد تَعَهّدت بحل مشكلة الأراضي وتوزيعها على الفلاحين بشكل عادل 19، والمفارقة هنا أن حكمت سليمان قد وصل الى الحكم عن طريق انقلاب عسكري قام به الجنرال بكر صدقي في عام 1936م!!

سعت الحكومات العراقية بكل قوة الى إيجاد الأساس القانوني لتجريد الفلاحين من حق التصرف في الأرض، فكانت تطبيقات "قانون اللزمة" من أكثر الإجراءات التي اتخذتها الحكومات العراقية المتعاقبة في تدعيم المشايخ وترسيخ النظام الاقطاعي 20، وكانت النتيجة لقوانين "اللزمة والتسوية" هو حرمان الغالبية العظمى من أبناء العشائر من حقوقهم التاريخية في التصرف بالأرض، فانقض العديد من رؤوساء الوزراء والوزراء وكبار موظفي الدولة وبعض التجار والمُلاّك على الأراضي الأميرية واستحوذوا على آلاف الدونمات دونما مراعاة لضمير أو وازع ديني أو مصلحة وطنية 21.

سنذكر الآن نماذج من حيازات الطبقة الحاكمة من الأراضي بالدونم بموجب هذه القوانين بين سنتي 1933 و 1939:

حمدي الباجه جي: 27،872 في الكاظمية.

رشيد عالي الكيلاني: 25،819 في العزيزية.

الملك فيصل الأول: 1597 في الدورة.

صباح نوري السعيد: 2312 في بغداد المحمودية (يُلاَحَظ هنا أن ممتلكات نوري السعيد كانت باسم ولده صباح، ويُذَكّرنا هذا بما أورده حنا بطاطو، فقد ارتفعت حيازة صباح السعيد من الأراضي في عام 1958 لتصل الى 9294 دونم) 22.

الأمير علي بن الحسين: 23،232، هذه عينة من جدول أورده الدكتور نهاي 23.

أنزلت هذه القوانين التي سنتها الدولة الفلاح الى منازل العبيد، خصوصاً "قانون حقوق وواجبات الزراع" 24، فما هو موقف الملوك الثلاثة من الاقطاع والاقطاعيين؟

حاول الملك فيصل الأول في مذكرته التي وجهّها الى الساسة العراقيين في آذار 1932 أن يُقدّم تصوّره لحل مشكلة الأراضي، لكنه أكّد على: لا يجب أن يشعر الشيوخ والأغوات بأن قصد الحكومة القضاء عليهم، وانما يجب أن نُطمئنهم على معيشتهم ورفاهيتهم 25.

أما الملك غازي فقد وقع تحت التأثير الكبير للإقطاعي جاسم محمد العريبي 26، وبشأن موقف البلاط الملكي في عهد الملك فيصل الثاني فقد كان ضعيفاً، لكن الأمير عبد الاله بقي مدافعاً صلباً عن الاقطاعيين حتى آخر أيامه 27.

أما نوري السعيد فقد تَخَلّى عن عقله تماماً وداس بأقدامه على معرفته وخبرته في شؤون العراق، والتي لا يُضاهيها أحد من الساسة، عندما تحدث ونفى وجود الاقطاع في العراق 28.

من حقي كمواطن عراقي أولاً، وكباحث تاريخي ثانياً، أن أتساءل:

ماذا لو سمع "الملكي العراقي" الآن، في القرن الحادي والعشرين، أن سياسياً عراقياً ـ عادل عبد المهدي، نوري المالكي، محمد الحلبوسي مثلاً ـ قد امتلك أراضٍ واسعة في منطقة معينة من العراق، فماذا سيكون ردّه؟ سيصبّ اللعنات عليهم وعلى كل العملية السياسية الحالية بكل تأكيد ... طيّب، لماذا عندما تسمع وتقرأ بأن صباح نوري السعيد قد امتلك آلافاً من الدونمات لا تفعل الشيء نفسه؟! لما التبرير ولَيّ عنق الكلمات والنصوص؟! ومما يجدر ذكره أن هؤلاء الشيوخ والاقطاعيين المدعومين من النظام الملكي، لم يستعبدوا الفلاح في الأرض فقط، بل وقفوا بالضد من تأسيس المدارس في مناطقهم، لدرجة تهديد المعلم بالقتل، ولم يُفلح مدير معارف العمارة في فتح مدرسة في منطقة اقطاعي كبير 29.

تُحتّم علينا الموضوعية الإشارة الى أن الدكتور نهاي قد فَرّق بين الاقطاعيين من خلال تعاملهم وقسوتهم مع الفلاحين، فكان اقطاعيو آل ازيرج منفتحين ويصغون لكلام الفلاح 30، وكانت علاقة معظم اقطاعيي بني لام مع فلاحيهم جيدة 31، الشدة كانت مع اقطاعيي البو محمد 32.

وقبل أن نختم المقال، لا بُدّ من التَطَرّق لتعليل قيّم قُدّم عن "وفرة الإنتاج الزراعي في زمن الاقطاع"، يقول المؤرخ الدكتور جعفر عباس حميدي:

نستطيع أن نُرجع هذه الوفرة الى قسوة الاقطاعيين ونهبهم لقمة الفلاحين من أفواههم وأفواه أطفالهم 33، والنتيجة أن نظام الاقطاع نظام لا انساني، كما أشار الدكتور نهاي بحق 34.

***

بقلم: معاذ محمد رمضان

.....................

الحواشي:

1ـ حميد حسون نهاي: الاقطاع والفلاح في العراق الملكي لواء العمارة انموذجاً ـ دراسة تاريخية، مراجعة: الدكتور عبد الله شاتي عبهول، وزارة الثقافة دار الشؤون الثقافية العامة بغداد ط1 2020

2ـ الدكتور عبد الله شاتي عبهول باحث مختص بالتاريخ الاقتصادي، له في مكتبتنا: تجربة العراق الملكي في الاعمار 1950 ـ 1958، تجربة عبد الكريم قاسم في التخطيط الاقتصادي.

3ـ سنتعرض لاحقاً لتعليل حميدي القيّم عن "وفرة الإنتاج" في العراق الملكي.

4ـ حيدر عطيه كاظم: الصرائف في بغداد 1932 ـ 1963 دراسة في التاريخ الاجتماعي، وزارة الثقافة دار الشؤون الثقافية العامة بغداد ط1 2018

5ـ نهاي: المصدر السابق ص78

6ـ المصدر السابق ص79

7ـ المصدر السابق ص80

8ـ المصدر السابق ص86

9ـ المصدر السابق ص90

10ـ المصدر السابق ص136

11ـ المصدرالسابق ص137 حاشية رقم 1

12ـ المصدر السابق ص140

13ـ المصدر السابق ص165

14ـ المصدر السابق ص168

15ـ المصدر السابق ص157

16ـ المصدر السابق ص144

17ـ المصدر السابق ص113

18ـ عن حكمت سليمان يُنظَر:

عكاب يوسف الركابي: حكمت سليمان والانقلاب العسكري الأول في العراق عام 1936م ـ دراسة تاريخية تحليلية، العارف للمطبوعات بيروت ط1 2024

19ـ نهاي: المصدر السابق ص207 و 208

20ـ المصدر السابق ص100

21ـ المصدر السابق ص104

22ـ حنّا بطاطو: العراق ك1 ـ الطبقات الاجتماعية والحركات الثورية من العهد العثماني حتى قيام الجمهورية، بترجمة: عفيف الرزاز، مؤسسة الأبحاث العربية لبنان ط3 2003، منشورات دار القبس الكويت ص394

23ـ نهاي: المصدر السابق ص106

24ـ المصدر السابق ص110

25ـ المصدر السابق ص202 و 203

26ـ المصدر السابق ص204

27ـ المصدر السابق ص204 و 205

28ـ المصدر السابق ص213

29ـ المصدر السابق ص149 و 150 و151

30ـ المصدر السابق ص173

31ـ المصدر السابق ص177

32ـ المصدر السابق ص158

33ـ المصدر السابق ص276

34ـ نفس المصدر والصفحة

 

 

من مكاسب ملحمة "طوفان الأقصى" الكثيرة والكبيرة ، كسمة واضافة بارزة لما تحقق في مختلف الأصعدة والمستويات، مكسب انطلاق طوفان، اجل طوفان، غضب شعبي في العالم من اجل قطاع غزة خصوصا، ومن اجل فلسطين عموما، لما تعرض له  القطاع في الانتقام الامبريالي الصهيوني من وحشية نازشية، (نازية/ فاشية) تجاوزت ما عرفه التاريخ من جرائم احتلال همجية، بدعم صارخ وعلني، واعادة القضية الفلسطينية مرة اخرى الى واجهة الاحداث والمانشيتات الرئيسية في وسائل الاعلام والتواصل والمؤتمرات الدولية والإقليمية وغيرها، رغم كل محاولات تصفيتها، والاعتداء على القدس الشريف والاماكن المقدسة في فلسطين المحتلة.

اتسم هذا المكسب الكبير بوعي سليم لعدالة القضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني في التحرر من الاحتلال الصهيو إمبريالي ووسائله الوحشية في الاضطهاد والقمع والارهاب والاعتقال والحصار والابادة عموما وتجاوزها في الانتقام بعد معركة طوفان الأقصى بما لا يمكن الصمت او التغاضي او التفرج كما حصل سابقا او تراوح بين بين لأسبابه، الفلسطينية او العربية والاسلامية في طروحاتها المتهافتة نحو الاستسلام والتواطؤ العلني لتصفية القضية الفلسطينية والاعتراف بكيان الاحتلال و"التطبيع" المذل معه.

رسم هذا الطوفان الغاضب مداه الواسع في كل عواصم الدول الاستعمارية والداعمة او المشاركة في عمليات الانتقام الوحشي ضد سكان غزة خصوصا وامتداده الى مدن فلسطينية اخرى في الضفة الغربية المحتلة والقدس وحتى مدن احتلال عام 1948، اي عموم فلسطين المحتلة، ورفع شعارات له واضحة ومعبرة في الحرية لفلسطين وحق شعبها في التحرر الوطني والعودة لاهلها الى ديارهم دون مراوغة او مساومة وباشكال منوعة نهايتها توصل الى تصفية القضية الفلسطينية وهدر الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني. واخذ الطوفان اشكاله المتنوعة، من التظاهر الواسع (بلغ في بعضها اكثر من مليون مشارك، في اوروبا والولايات الامريكية المتحدة وكذلك في بعض العواصم والمدن العربية) او الوقفات الاحتجاجية في مراكز المدن وساحاتها الرئيسة والمتضمنة لمقرات حكومية او مؤسسات رسمية للدول التي شاركت في العدوان الوحشي وانتهاك كل القوانين الدولية أو المعاهدات المتعلقة بحقوق الانسان والعدالة والقرارات والقيم الانسانية والمواثيق السياسية وبرامج او انظمة المؤسسات الدستورية والسياسية في تلك البلدان.  مما عكس حالات اخرى لفضح طبيعة الإمبريالية والصهيونية والممارسات العملية في إزدواجية المعايير الدولية والاقليمية وتهميش القيم الانسانية والاجتماعية والثقافية والانسلاخ من الالتزامات الموقعة عليها واللازمة التنفيذ والاحترام من الجميع، فكيف بتلك الدول التي صدرت فيها وادعت مواقف مؤيدة لها ومروجة لافكارها ومحاسبة لغيرها باسمها؟!.

اشترك في طوفان الغضب الشعبي في العالم بعض قيادات احزاب سياسية حاكمة (في ايرلندا، اسبانيا، بلجيكا مثلا) او حتى معارضة لحكوماتها (في ايطاليا، كندا، هولندا، بريطانيا مثلا)، في تلك الدول المشتركة في العدوان والجرائم النازشية، وكذلك من اليهود المعارضين للصهيونية (في الولايات

١

المتحدة الامريكية، مثلا)، وهو ما يميزها ويعطيها زخما اعلاميا ومساهمة إنسانية في الغضب الشعبي، وكذلك اعضاء برلمانات وطنية او اقليمية، (دول منفردة، او الاتحادات، كالاوروبي او الافريقي او مشابهاتها)، او شخصيات سياسية بارزة في بلدانها، عاكسة مواقف متميزة في التصدي لقوى العدوان ومطالبتها بوقفه فورا والامتثال للقوانين الدولية وقواعدها في الحروب والسلم والأمن الدوليين ومحاكمة المجرمين والداعمين لهم ومحاسبة الحكومات التي تصر على استمرار العدوان وتعميق معاناة الشعب الفلسطيني، وتضحياته الجسيمة، التي تلوّن دماؤها وجوه المندفعين  للعدوان والحرب على غزة وفلسطين عموما، ولم يرتدعوا من حجم الماساة التي تدور رحاها في غزة خصوصا، والتي تجري امام مرأى العالم كله، وموثقة بالصورة والصوت وبالنقل المباشر، بما تجاوز كل حدود قانونية او اخلاقية او انسانية عامة، وقدمت مثالا صارخا للتوحش والإجرام وانتهاك كل المعايير والقيم والقرارات والمواثيق  وما يتعلق بها. وفضحت من جهة اساسية، لا يعرف بهذا الوضوح، قبل معركة الطوفان، العقل الغربي الرسمي في فهمه القوانين والانظمة الداخلية للمنظمات والمؤسسات الرسمية المحلية والدولية، واساليب التعامل معها وطرق تنفيذها والزعم بوزنها ووثيقتها واهميتها، كما وضعت مؤسسات دولية كالامم المتحدة وتوابعها على المحك وبينت خيبة الامل منها ومن عناوينها وإدعاءاتها بالاستقلالية والعمل الانساني والعالمي وعدم التفريق بين الشعوب، لا باللون او الانتماء العرقي او الديني او الجنس او العمر او الحجم او الثروة او التركيب الاجتماعي والاقتصادي والتنموي وغير ذلك. وكذلك كشف الطوفان تخاذل المنظمات الاقليمية كجامعة الدول العربية او رابطة التعاون الاسلامي وعرى اسس تاسيسها وطبيعة مسؤليتها ومسؤوليها وتشوه وجودها واستمرارها وفقدان الثقة والامل بمستقبلها.

ولاشك تجدر الاشارة هنا بدور الطوفان الشعبي واتساع غضبه في التاثير، المباشر او غيره، على سياسات بعض الحكومات الغربية التي ساهمت بالعدوان ودعم الكيان الصهيوني في كل جرائمه التي ارتكبها والتي لن تتقادم ولن يمسحها التاريخ ودائما يكلل فرسانها بالعار ومزبلة التاريخ، كما سجلها عن امثالهم وباقل المجازر والفضائح التي اقترفوها، ولكن المجزرة تبقى مجزرة والجريمة اسمها جريمة، ولن تمحى كوارثها، مهما غدر الغادرون او ساوم المساومون او تواطأ المذنبون او تخاذل الموهومون. ورغم ذلك فان الحكومات التي اسهمت باي شكل او مساهمة في العدوان والحرب والقتل والدمار والانتهاك والاجرام العنصري والهمجي والوحشي متصاعدا الى الابادة الجماعية، تظل تتحمل مسؤوليتها ودورها ومكانها التاريخي في ما حصل في غزة، وفلسطين عموما.

حكم التاريخ قاس كقسوة المجازر الوحشية، ولعل في طوفان الغضب الشعبي العالمي، وتنوعه وتعدد اشكاله، وتطوره واستمراره وتوسعه دائما سبيلا اخر او صورة اخرى لواقع البشرية وحقيقة الإنسانية التي تحاول القوى المهيمنة على القرارات الدولية والمرتهنة بروابط نازشية، عمليا وفكريا، تضليلها والراي العام بشتى الوسائل لادامة زخم ممارساتها الاجرامية وتهربها من مواجهة الحقيقة ومخاطبة التاريخ. وما قام به هذا الطوفان الشعبي يسجل له، ومثلما فاجأ طوفان الأقصى الجميع، فاجأ هذا طوفان الغضب ايضا، عاكسا الاحساس الانساني بوجوده وفعله وصموده بالضد من التوحش العنصري والمجازر الدموية والهدم الشامل والتخريب الهمجي، الذي تنقله صورة غزة اليوم.

كما عرى طوفان الغضب الشعبي في العالم جوهر الحكومات الغربية خصوصا وفضحها عندما اتخذت اجراءات تقييد للتظاهرات والمسيرات والشعارات ومنع رفع الاعلام الفلسطينية ولبس الكوفية او الزي الفلسطيني في بلدانها، على نحو غير قانوني ولا دستوري، مخالفة ابسط حقوق الانسان

٢

ومتناقضة مع زعمها بالالتزام او التوصيف بالنظم الديمقراطية، وكانت الاجراءات القمعية التي اتخذتها تلك الحكومات ادلة صارخة على طبيعة تلك الانظمة وخداعها وممارساتها في غسل الادمغة وكي الوعي الشعبي، وسجلت حالات مثيرة فعلا في بعض الدول في هذا الشان، ورد عليها طبعا الاحرار في تلك الانظمة والبلدان، كما حصل في داخل الاتحاد الاوروبي، (رمز التحضر الغربي)!، اذ انتقدت النائبة الايرلندية كلير دالي  في قاعة البرلمان الاوروبي اكثر من مرة، مواقف رئيسة المفوضية الأوروبية (الألمانية) اورسولا فون دير لاين التي  تؤيد العدوان الصهيوني، معرفة اياها ب"سيدة الابادة الجماعية"، ووصفت الاحتلال ب"نظام فصل عنصري وحشي"، واتهمت اعضاء البرلمان الاوروبي بدعم المجازر التي يرتكبها الاحتلال في غزة، وقالت: "ان الوضع تعدى كونه ابادة اسرائيلية لياخذ بصمة اوروبية ايضا". ومثل جرأتها خاطب برلمانيون وسياسيون في اكثر من عاصمة اوروبية حكوماتهم بتلك الروح النقدية الانسانية تضامنا مع غزة والشعب الفلسطيني ودعما لطوفان الغضب الشعبي العالمي والمطالبة بحرية شعب فلسطين وحق العودة وهدف الاستقلال ووقف العدوان فورا والمساهمة في اعمار غزة ومحاكمة كل المجرمين الذين قاموا بتلك المجازر والابادة وانتهاك كل القوانين والقواعد العالمية.

***

كاظم الموسوي

 

بقلم: ويندي بيرلمان

ترجمة: د.محمد عبدالحليم غنيم

***

إن استراتيجية إسرائيل البعيدة المتمثلة في تجاهل الغليان والواقع المعيشى لملايين الرجال والنساء والأطفال قد اتخذت أبعادا جديدة خطيرة ومرعبة.

في يناير/كانون الثاني، عندما اتخذ المحامون الإسرائيليون موقفهم في محكمة العدل الدولية ردًا على قضية جنوب إفريقيا بأن إسرائيل ترتكب إبادة جماعية، قام أحد مستخدمي تطبيق "تيك توك" الفلسطيني الأمريكي ببث مباشر لتتبع كل مرة ذكر فيها الوفد الإسرائيلى حماس. لقد أحصى 137 مرة في الجلسة التي استغرقت ثلاث ساعات، أو مرة واحدة على الأقل  في الدقيقة.

وكان الرد، المكتمل بالسخرية من النطق الإسرائيلي المميز لحماس، بمثابة كوميديا لاذعة وإشارة إلى وجود نقطة عمياء خطيرة.

عندما يتحدث الممثلون الإسرائيليون عن الفلسطينيين، فإنهم غالبا ما يستخدمون لغة مهينة للإنسانية إلى حد مخيف، كما يوثق الطلب الذي تقدمت به جنوب أفريقيا إلى محكمة العدل الدولية. وفي كثير من الأحيان، لا ترى إسرائيل المجتمع الفلسطيني على الإطلاق. لقد قام القادة الإسرائيليون والخطاب الغربي بشكل عام منذ فترة طويلة باختزال النضال الوطني الفلسطيني في قادة أو فصائل محددة. ومن هذا المنظور، فإن الفلسطينيين ليسوا أكثر من مجرد دمى يحركها هؤلاء القادة، أو دروع بشرية يختبئون خلفها، أو - كما تظهر الدعوات الحالية لإخلاء مدينة رفح جنوب غزة - أهداف يجب على إسرائيل إزالتها كجزء من الغزو.

إن هذا الانشغال بمن تعتبرهم إسرائيل قادة فلسطينيين عديمي الضمير ورفضها رؤية إرادة وتطلعات وواقع الملايين من الرجال والنساء والأطفال الفلسطينيين له نتيجة طبيعية سياسية: فإذا تمكنت إسرائيل من القضاء على المنظمات السياسية الرائدة، أو ربما استمالتها أو إنشاء منظمات جديدة، فإن "مشكلتها" الفلسطينية سوف تُحل.

إن عدم الاعتراف بالمجتمع الفلسطيني له تاريخ طويل. تعهد وعد بلفور الصادر في عام 1917 عن بريطانيا العظمى بتسهيل إنشاء وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين، مضيفًا أنها ستفعل ذلك دون المساس بالحقوق المدنية والدينية لسكان فلسطين غير اليهود. لم يكن التعهد جريئًا فحسب، بل كشف أيضًا كيف تنظر الحركة الصهيونية وقوى الدولة في أوروبا إلى 90٪ من السكان العرب المسلمين والمسيحيين. فلم يكونوا  فى نظرهم شعبًا يتمتع بحقوق سياسية، بل كانوا يمثلون عقبة كئود على الطريق نحو إقامة الدولة اليهودية.3516 لوحة القدس

واستمرت نفس وجهة النظر خلال الحكم الاستعماري البريطاني. قادت العائلات العربية الفلسطينية البارزة تقليديًا الحركة ضد الصهيونية في البداية. ومع ترسخ دولة يهودية أولية، انتقد جيل جديد من الناشطين نزعة النخب المحافظة ودعوا إلى استراتيجيات أكثر جرأة. واستشهد البعض بمثال غاندي وحثوا على العصيان المدني. ودعا آخرون إلى المواجهة العسكرية. لقد تحول الزخم السياسي للنضال الفلسطيني من "من أعلى إلى أسفل" إلى "من أسفل إلى أعلى".

في عام 1936، أعلن النشطاء الفلسطينيون المحليون إضرابًا عامًا للضغط على بريطانيا لمنع الهجرة اليهودية وحيازة الأراضي ومنح فلسطين الاستقلال. وشاركت قطاعات واسعة من المجتمع في المظاهرات وإضرابات العمل والمقاطعة. أثارت الموجة الشعبية ستة أشهر من التعبئة الخالية من العنف  في جميع أنحاء البلاد ثم أدت أيضًا إلى تمرد مسلح.

واتهم المعلقون آنذاك ومنذ ذلك الحين مفتي القدس أمين الحسيني بتدبير الثورة. ومع ذلك، فإن التركيز بشكل مفرط على زعيم معين يمنح دوره الكثير من القوة والمجتمع الفلسطيني أقل مما ينبغي. ولم يكن التحريض على الاحتجاج ناجماً عن النخب الفلسطينية فحسب، بل عن السخط الشعبي من فشل هذه النخب في حماية المصالح الوطنية الفلسطينية. ومن خلال استهداف القادة الفلسطينيين، رفضت السلطات البريطانية في ذلك الوقت ـ كما هي الحال مع بعض السلطات اليوم ـ أن تتقبل حقيقة مفادها أن القوة الدافعة وراء نضال الفلسطينيين كانت رفضهم أن يصبحوا غرباء على أرضهم.

وأدت حرب 1948 إلى قيام دولة إسرائيل على 78% من مساحة فلسطين التاريخية وتهجير أكثر من نصف السكان الفلسطينيين قسراً. وفي العقود التالية، شكل اللاجئون الشباب مجموعات سياسية وجماعات حرب عصابات مقتنعة بأن الفلسطينيين يجب أن يقودوا كفاحهم بانفسهم من أجل التحرير. وقد عززت هذه النهضة الوطنية مرة أخرى القاعدة الشعبية، وعززت ما أصبح يسمى فيما بعد منظمة التحرير الفلسطينية. لقد جاءت قوة منظمة التحرير الفلسطينية، المتجذرة في مجتمعات اللاجئين في المنفى، من الفلسطينيين من جميع مناحي الحياة الذين انضموا إليها واعترفوا بها كممثل شرعي وحيد لهم قبل سنوات من تأسيس الأمم المتحدة.

وبعد أن احتلت إسرائيل الأجزاء المتبقية من فلسطين التاريخية في حرب عام 1967، قامت بشيطنة منظمة التحرير الفلسطينية وحاولت استمالة النخب المحلية في الضفة الغربية وقطاع غزة. وكان المنطق هو عزل القادة "السيئين" وتمكين القادة "الصالحين" على أمل أن يستسلم السكان للسيطرة الإسرائيلية. وأجرت إسرائيل انتخابات المجالس البلدية في الضفة الغربية عام 1976، معتقدة أن الشخصيات المتعاونة مع الاحتلال هي التي ستفوز. وكانت المفاجأة أن المرشحين المؤيدين لمنظمة التحرير الفلسطينية سجلوا انتصارات ساحقة في كل بلدية تقريبًا.

وبينما عمل رؤساء البلديات القوميون ونشطاء المجتمع المدني معًا للضغط من أجل الاستقلال الفلسطيني، حاولت إسرائيل قمع الاحتجاجات من خلال حظر تنظيمهم الائتلافي وترحيل أو إقالة بعض رؤساء البلديات. وكشفت سلطات الاحتلال بعد ذلك عما أسمته "روابط القرى"، في محاولة لإضفاء الطابع الرسمي على شبكتها من المتعاونين الفلسطينيين كقيادة بديلة. وقد قوبلت هذه الخطة بازدراء واسع النطاق من الجمهور الفلسطيني وفشلت. إن فكرة قدرة إسرائيل على القضاء على القيادة الفلسطينية التي انبثقت عضوياً من المجتمع، وفرض المتعاونين معها، وبالتالي إسكات المعارضة للحكومة الإسرائيلية، تبين أنها مجرد خيال سخيف.

وبدلاً من ذلك، انضم الناس في جميع أنحاء الضفة الغربية المحتلة وقطاع غزة بشكل متزايد إلى فصائل منظمة التحرير الفلسطينية، فضلاً عن الحزب الشيوعي ومجموعة من المشاريع التطوعية ذات التوجه الوطني، والمجموعات النسائية والطلابية، والجمعيات والنقابات المهنية. وقد بنى النشاط الشعبي الواسع النطاق بنية تحتية شاملة للمقاومة الشعبية. عندما أثارت جريمة قتل على جانب الطريق الاضطرابات في عام 1987،كان لدى المجتمع الفلسطيني القدرة التنظيمية لشن انتفاضة غير مسلحة واسعة النطاق: الانتفاضة. عبر القرى والبلدات ومخيمات اللاجئين، قامت مئات اللجان المحلية بتنظيم الناس من مختلف الطبقات والأجناس والأديان والأعمار في أشكال متعددة من الاحتجاج والعصيان المدني.

كانت الانتفاضة (أو الانتفاضة الأولى، كما ستُعرف فيما بعد) بمثابة ثورة شعبية جوهرية. واتهمت إسرائيل قادة منظمة التحرير الفلسطينية بتنظيم الانتفاضة من قاعدتهم في تونس. وكان ذلك مثيراً للضحك بالنسبة للمشاركين في الانتفاضة، حيث أشار أحدهم إلى أن منظمة التحرير الفلسطينية سمعت عن الانتفاضة "في نفس الوقت الذي سمعت فيه زيمبابوي".

لقد دفعت الانتفاضة إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية نحو المفاوضات، وتم الإعلان عن عملية أوسلو للسلام في عام 1993. وسواء كان ذلك بدافع الأمل أو الإرهاق، فقد رحب أغلب الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة باتفاقات أوسلو بتفاؤل. ومع ذلك، فإن السنوات السبع التالية من المحادثات خيبت آمال الإسرائيليين والفلسطينيين على حد سواء، وفشلت في التوصل إلى الاتفاق النهائي الموعود. وفي سبتمبر/أيلول 2000، اندلعت الاحتجاجات مرة أخرى، واشتدت حدتها في مواجهة القمع العسكري الإسرائيلي، وتحولت إلى الانتفاضة الثانية.

وكان الدافع وراء الثورة الجديدة هو فقدان الفلسطينيين الثقة في أن المفاوضات سوف تسفر عن دولة ذات سيادة حقيقية، فضلاً عن إحباطهم إزاء السلطة الفلسطينية التي أنشأتها أوسلو. هناك أدلة كثيرة، بما في ذلك بحثي الخاص، تشير إلى أن رئيس السلطة الفلسطينية ياسر عرفات لم يكن هو من أطلق الانتفاضة، ولم يقودها أو يقمعها. وفي الواقع، أعرب الفلسطينيون عن أسفهم لغياب أي قيادة للسلطة الفلسطينية على الإطلاق. ومع ذلك فإن إسرائيل وأنصارها كانوا ينظرون إلى عرفات باعتباره العقل المدبر الذي يحرك خيوط الانتفاضة. وأعلن إيهود باراك، رئيس وزراء إسرائيل في ذلك الوقت، أن "موجة العنف هذه فُرضت علينا بإرادة عرفات". أطلق كتاب الأعمدة الأمريكية على الانتفاضة الثانية اسم "حرب عرفات" أو "استراتيجية عرفات". ولم يكونوا قادرين أو غير راغبين في رؤية - أو تجاهلوا عمدا - أن محرك الحركة الفلسطينية، كما هو الحال دائما، كان رغبة شعبها في أن يكون حرا.

ومنذ ذلك الوقت، ظل المجتمع الفلسطيني، وليس قادة أو فصائل معينة، هو شريان الحياة لتلك الحركة. في ربيع عام 2018، شارك عشرات الآلاف من الأشخاص في “مسيرة العودة الكبرى”، وهي حملة من المظاهرات غير المسلحة عند الجدار الذي يفصل قطاع غزة عن إسرائيل. وهذه المرة جاءت مطالبة الفلسطينيين بالكرامة في سياق ثلاث حروب مدمرة والحصار الإسرائيلي الصارم الذي أدى إلى توليد الفقر المدقع، والنقص الحاد في الكهرباء والمياه الصالحة للشرب، والبحر الملوث بمياه الصرف الصحي، والظروف التي وصفتها الأمم المتحدة بأنها "غير صالحة للعيش".ودعا المشاركون إلى إنهاء الحصار وحقهم في العودة، وهو حق أصيل وحقيقى  لأن حوالي 80٪ من الفلسطينيين في غزة هم من اللاجئين أو أحفادهم.

وكما حدث في الأعوام 1936 و1987 و2000، كان الشباب والمنظمون المحليون هم من أخذوا زمام المبادرة لتوجيه التوق إلى التغيير - وليس منظمة التحرير الفلسطينية أو السلطة الفلسطينية أو حماس، التي سيطرت على قطاع غزة في عام 2007 بعد فوزها في الانتخابات التشريعية للسلطة الفلسطينية. في عام 2006. انضمت حماس إلى المسيرة بعد انطلاقتها، كما فعلت جماعات أخرى في غزة، لكنها لم تبدأ الاحتجاج ولم تقوده. ومن المميز أن منتقدي حماس في إسرائيل والغرب ألقوا اللوم عليها على أي حال. بينما تقوم إسرائيل بقتل وتشويه المتظاهرين الفلسطينيين والصحفيين والمسعفين، ادعى متحدث باسم الجيش أنه “للأسف، منظمة حماس الإرهابية تعرض المدنيين للخطر بشكل متعمد ومنهجي”. ثم اتهم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حماس بالتحريض على العنف واستخدام المدنيين الفلسطينيين كدروع بشرية.

منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول، من الواضح أن الواقع الذي يسيطر على المجتمع الفلسطيني لم يكن احتجاجًا جماهيريًا، بل مذبحة جماعية. ومع ذلك، فإن الاتجاه التاريخي لإسرائيل والدول الأخرى لعدم رؤية المجتمع الفلسطيني استمر واتخذ أبعادًا جديدة مروعة. تنظر إسرائيل إلى 2.2 مليون شخص في غزة ولا ترى سوى حماس أو الأشياء التي تستخدمها حماس. إن الملاحظات الافتتاحية للمحامين الإسرائيليين في محكمة العدل الدولية مفيدة هنا:

تهدف [جنوب أفريقيا] إلى وصف الواقع في غزة. ولكن يبدو الأمر كما لو أن حماس... ببساطة لم تكن موجودة كسبب مباشر لهذا الواقع. ... [وفقاً لرواية جنوب أفريقيا، فقد اختفوا عملياً. لا توجد متفجرات في المساجد والمدارس ومهاجع الأطفال، ولا سيارات إسعاف تستخدم لنقل المقاتلين، ولا أنفاق أو مراكز إرهابية تحت مواقع حساسة، ولا مقاتلون يرتدون زي مدني، ولا سيطرة على شاحنات المساعدات، ولا إطلاق للنار من منازل المدنيين، ومنشآت الأمم المتحدة ومكاتب الأمم المتحدة. وحتى المناطق الآمنة. لا يوجد سوى إسرائيل التي تعمل في غزة.

وبطبيعة الحال، ناقشت شهادة جنوب أفريقيا حماس (إذا كان ذلك أقل من 137 مرة). ولكن ليس ذلك المقصود. ومن وجهة نظر إسرائيل، فإن الفاعل الوحيد في غزة هو حماس. وإذا لم تكن حماس هي الفاعل الوحيد، فإن الفاعل البديل يجب أن يكون إسرائيل. وفي كلتا الروايتين، يختفي الشعب الفلسطيني.

وفي هذا الهجوم، الذي يعتبره مئات الخبراء إبادة جماعية، قد يكون الهدف هو محو الشعب الفلسطيني من الوجود. تقوم إسرائيل بتجويع الأطفال والنساء والرجال الفلسطينيين وتقصفهم وتطلق النار عليهم وتهينهم، وتحرمهم من الماء والرعاية الصحية والمأوى والقليل من اللياقة الإنسانية. ففي أقل من خمسة أشهر، قامت إسرائيل بتهجير 85% من سكان غزة قسراً، وحشرت نحو 1.4 مليون شخص في المحافظة الواقعة في أقصى جنوب البلاد والتي تخطط الآن "لإجلائهم" قبل شن هجوم على المنطقة. ومع ذلك، فإن إنسانية المدنيين وقوتهم تظهر في كل لحظة من لحظات البقاء، على الرغم من الصعاب. إن المجتمع الفلسطيني – أطباءه المضطهدين، وصحفييه الأبطال، وأطفاله الأيتام، وآبائهم المكلومين، وسجنائه المعذبين، ومبتورى الأطراف الذين يعالجون دون تخدير، وغيرهم الكثير – هو قلب قصة هذه المذبحة، فضلاً عن هدفها الرئيسي.

لقد كان عدم الاعتراف بالفلسطينيين كشعب حقيقة اجتماعية واستراتيجية سياسية لأكثر من قرن من الزمان. هذا هو السياق الأوسع الذي تساوي فيه إسرائيل بين غزة وحماس وتزعم أن غزة سوف تصمت بمجرد جلب قيادة أكثر مرونة لحكمها. هذا هو السياق الذي تزعم فيه الولايات المتحدة أن الاتفاق بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية يمكن أن يحل القضية الفلسطينية.

وهذا هو السياق الذي غالباً ما يهمل فيه القادة الفلسطينيون أنفسهم المجتمع الفلسطيني أيضاً. لقد مرت سبعة عشر عاماً على الانتخابات الوطنية الأخيرة للسلطة الفلسطينية. وتشير الدراسات الاستقصائية منذ فترة طويلة إلى أن الفلسطينيين ينظرون إلى حكوماتهم – السلطة الفلسطينية التي تسيطر عليها فتح في الضفة الغربية وحماس في غزة – على أنها استبدادية وقمعية وفاسدة. وبغض النظر عن ذلك، فقد أبدت إسرائيل استعدادها للعمل مع كلا الطرفين الفلسطينيين، طالما أنهما يحافظان على أمن إسرائيل. وقد أثبتت هذه الاستراتيجية المتمثلة في السعي إلى التوصل إلى تسوية مؤقتة مع زعماء فلسطينيين بعينهم، مع إهمال احتياجات الشعب الفلسطيني وتطلعاته، أنه لأمر  كارثي  على الجميع.

لسنوات أو عقود من الزمن، غالبًا ما ينسى العالم أن الشعب الفلسطيني موجود وأنه يفعل ذلك في ظل ظروف قاسية من القمع والسلب. ويبدو أنها لا تتذكر الفلسطينيين إلا خلال التصعيد الدوري للعنف، عندما يتحول الاهتمام إلى إدانة المنظمات والقادة السياسيين الفلسطينيين. وتبدأ الدورة من جديد.

***

........................

الكاتبة: ويندي بيرلمان/Wendy Pearlman: ويندي بيرلمان هي أستاذة العلوم السياسية ومديرة برنامج دراسات الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في جامعة نورث وسترن. تشمل كتبها "العنف واللاعنف والحركة الوطنية الفلسطينية" (2011) و"الإكراه الثلاثي: استهداف إسرائيل للدول التي تستضيف جهات فاعلة غير حكومية" (2018).

رابط المقال على: New Lines magazine   بتاريخ 24 فبراير 2024م

https://newlinesmag.com/argument/the-erasure-of-palestinian-society/

كانُ اليهودُ يعيشون في بلدانِنا العربِيَّةِ والاسلامِيَّةِ مُعَزَزِينَ مُكَرَمينَ، لايتعرضُ لهم أَيُّ شخصٍ بأذى، ولم تكن عندنا محاكِمُ تَفتيشٍ تُحاكِمُ على النوايا، كما حدثَ في اسبانيا مع اليهود والمسلمينَ.لم يتعرض اليهود عندنا الى ابادةٍ في معسكراتِ الاعتقال  النازِيَّةِ، ولم تكنْ هناكَ محارقُ ولامذابحُ، بل عاشَ اليهودُ بينَنا في أَمنٍ وسلامٍ .

اليهودُ تعرضوا للاضطهادِ والقتل والطرد من البلدان وحملات الكراهية في أُوربا . ومن يقرأ مسرحية "تاجرُ البُنْدَقِيَّةِ" لشكسبير، وشخصية شايلوك المرابي اليهودي يعرف مزاج الشعوب الأوربيَّةِ تجاه اليهود.

كانَ اليهودُ يُشَكِّلونَ مُشكَلَةً في البلادِ الاوربيَّة. كان دورُهُم دوراً وطيفِيّاً، كما يقولُ المُفَكِّرُ المِصرِيُّ "عبدالوهاب المسيري"، دور المرابي الذي يقرض الناس الاموال بفوائد فاحشة. ولما انتهى هذا الدور بظهورِ البنوك والمصارف الاوربية، فكَّروا أنْ  يجدوا لهم دوراً وظِيفِيّاً آخرَ من خلال اقامةِ دولة لهم لتؤدي هذه الدولَةُ دوراً وطيفيّاً آخرَ كما يقول المسيري، وهذا الدور هو ان تكون دولة اسرائيل ذراعاً وطيفيّاً للدول الاستعماريَّة.

اليهود عاشوا في بلدانِنا كأقلِيّات ولم تكن هناك مشكلة. ليس كلُّ الأقليات عليها أنْ تقيمَ دولَةً لها. هناكَ أَقَلِيّاتٌ كثيرةٌ في العالَمِ موجودة ضمن مُكَوِّناتِ الدُوَلِ الأخرى، واذا فتحنا المجال لكل الاقليات بأن تقيمَ دُوَلاً فانَّنا بذلك نقومُ بتفكيكِ العالَم.

الأوربيُّونَ لما تخلصُوا من المُشْكِلَةِ اليهوديَّةِ هل هم -فعلاً- قاموا بحلٍ جَذرِيٍّ للمُشكِلَةِ، أم أنّهم خلقوا مشكلاتٍ لليهودِ ولدول المنطقةِ، فزادوا المسألَةَ تعقيداً، فاسرائيل منذُ تأسيسِها عام 1948م حتى اليوم، هي كيانٌ لاينعم بالاستقرار؛ لانَّها  وجودٌ غيرُ طبيعيٍّ في المنطَقة. انَّ خلقَ كيان اسرائيل أضافَ الى المنطقة عاملَ توترٍ وعدم استقرار وفجَّرَ صراعاتٍ كثيرةً في المنطقة. وهذا الرأي يشاركنا فيه اليهودُ المعارضون لدولةِ اسرائيل، فحركة "ناطوري كارتا" والتي تعني "حراس المدينة"، وهذه الحركةُ هي حركةٌ يهوديَّةٌ ترفضُ الصهيونِيَّةَ بكلِّ أشكالِها وتعارض وجود كيان باسم دولة اسرائيل. وجود اسرائيل الذي اسس على اساطير ومقولات توراتيّةٍ كما يرى روجيه غارودي في كتابه " الاساطير المؤسسة لدولة اسرائيل" . وهذه الحركة لاتؤمن بقيام دولة لليهود قبل خروج المسيح.

الاوربيونَ حينما تخلصوا من المشكلة اليهوديَّةِ، فكروا بانفسهم ومصالحهم، ولكن لم يفكِّروا باليهود انفسهم، واستقرارهم، وسلامة وجودهم، ولم يفكِّروا باستقرار المنطقة الحيويَّةِ حتى بالنسبة لهم ولمصالحهم. كيان اسرائيل وفق المعطيات والحساباتِ الدقيقةِ غير قابل  للديمومة ؛ لانَّهُ كيانٌ غير طبيعي؛ كيانٌ ليس فيه مُقَوِّماتُ الدَّولَةِ من ارض ؛ لان الارض ليست أرضه، ارضٌ اغتصبت بالقُّوَةِ، وليس لديه شعب، بل هم تجمعات من شعوب مختلفة، كيان غريبٌ عن المنطقةِ واهلها، فكيفَ يبقى؟ انه يقف اليوم بالدعم الهائل بالمال والسلاح  والهجرة .

***

زعيم الخيرالله

أشعر شعوراً جلياً بأن كل أزمات السودان، وعقباته الكبرى التي تمس صميم وحدته، يمكن أن ننعيها، ونهيل عليها التراب، إذا انخرطت كل أطيافه ومجموعاته الاثنية المتعددة في قالب معروف، فمشاكل السودان على اختلاف درجاتها وتعقيداتها، ليست أدق من أن نفهمها، أو أشد غموضاً من أن نظهر عليها، فهي واضحة بينة، ولست أشك أنها رغم صورها المختلطة، وتفصيلاتها المتصلة، سهلة يسيرة، ليست خاضعة للاستحالة والانتقال من طور إلى طور، وإذا كانت أطر المقال وحدوده، تمنعني من أن أسرف في استقصاء التاريخ، فإن الحقيقة التي يجب عليّ قولها غير حافل بالرضا والسخط، أن التاريخ أكبر الظن قد عرضنا نحن في "بلاد النيلين" لكل  هذه المحن القاسية، والخطوب المتدافعة، فالتاريخ هو الذي جعلنا نتعثر في حياتنا السياسية، وهو الذي جعل طابع حياتنا يتسم بالحدة والعنف، وهو أيضاً الذي جعل مشاكلنا على وجه الخصوص هي التي نحوطها بالرعاية والعناية، فمشاكلنا وحدها هي التي نتخذ في سعينا لها أبعد الطرق، وأشدها التواء، وأفدحها عاقبة، وحتى لا أتحدث حديثاً لا طائل منه، ولا غناء فيه، ينبغي أن أعمد إلى الأدلة التي سأكون شديد الاقتصاد في ذكرها، فالذي أراه، أن "روح الخلاف" السائدة فينا، والتي نحتاج أن نستغرق كل أعمارنا حتى نفهم دقائقها، ونحيط بجوانبها، قد أورثتنا من العلل والأسقام ما لا يخفى على الأذهان، هذه "الروح" التي تثب مسرعة نحو الصراع وتهيم به، وتصفق له، قد أخذت تطوف أقطار هذه البلاد تطلب هواها في شدة والحاح، حتى أمست كل أمصارنا عنوانها الصراع، والتشرذم، فنحن إذا أردنا توصيف طابع حياتنا الاجتماعية، بما فيه من خير أو شر، في عبارات مقتضبة، لما وسعنا إلا نقول من غير عناء، ولا كد ذهن، أو تشحيذ خاطر، أن مجتمعنا قد أخذ من الصراعات بحظوظ متساوية، وأن حقائق الحياة فيه، والمألوف عنه، أن شبابه  وكهوله وشيوخه، قد أظهروا الميل لأن يجتمعوا في زمان ما، وفي مكان ما، بعد أن طافت بهم أيام قاسية، وحلّ بهم هذا الشقاء الذي حلّ بغيرهم من قاطني هذه البلاد الواسعة المترامية الأطراف، الشقاء المضني الذي ليس إلى دفعه من سبيل، ضرب لهم جميعا موعداً واحداً، وقادهم إلى نتيجة واحدة، وهي ألا تذعن أطيافهم لأحداث الزمان، وأن تمعن في هذه التجارة المنكرة التي تحملهم من بيئة إلى بيئة، ومن ولاية إلى ولاية، وأن يتخاطبوا جميعاً بهذه اللغة التي يطربون لها، ويفهمونها جميعاً، لغة السلاح، تلك اللغة التي تلعب المؤثرات الخارجية دوراً مهماً في انتشارها والحفاظ عليها، ولغة السلاح التي لا يكاد يكون فيها إلا ما هو سيء ردئ، يتهافت عليها السواد الأعظم من نسيجنا الاجتماعي، عدا الشمال والوسط، ولعل العلة في ذلك تطور الادراك الاجتماعي في هذه المناطق، وعدم مبالاتهم أأنصفهم الناس أم غبنوهم،  وحتى نجمل القول، نقول أن لغة السلاح، هي اللغة التي يتحرف لها كل إنسان يتطلع أن ينال من نعيم الحياة، ومن طيب العيش ورغده، إذاً السعي إلى الحرب، والحرص عليها، تدل دلالة واضحة قوية، على مزايا هذه "الروح" التي لا تعرف المصانعة والمداهنة والملق، نزعات هذه "الروح" وخصائصها الساذجة المتأصلة فيها، تختصر خبايا هذه "الروح" اختصاراً شديداً، وتبرهن بجلاء أن شعورها "بالغبن والتهميش" هو الذي ينتهي بها دائماً إلى سعيها اللاغب في مضمار البؤس والمعاناة.

التاريخ أزرى بمجتمعنا هذا، هذا هو الرأي الذي يجب أن نتماثل، ونتقارب، ونتآلف حوله، التاريخ هو الذي اضطرنا أن نرافق على كره منا، مشاعر متنافرة، لا تتوادد، ولا تجتمع، ولا تملك نفسها في أن توغل في الخصومة بغير حساب، "التاريخ ونظامنا الاجتماعي والسياسي"، هم من جعلوا حظنا من الفقر والجدب، والنزاع، وافياً كافيا، ونحن في الحق نتعجل أن نضع حداً لكل هذا البؤس، وهذه المعاناة، فكل المؤشرات توحي بعد هذه "الكريهة الشنيعة" التي ما زالت مستعرة في العاصمة وفي غرب ووسط البلاد، أن السودان ماض نحو التفرقة، والتفتت، ما لم يقم كينونته على حب عنيف شفيف، ولكي لا تتبعثر جزئيات هذه الديار، يجب أن نطهر دواخلنا من دنس التاريخ، وأن نرعى أصول ومناهج وحدتنا القومية، وأن ندير ملكة التفكير التي لا نكاد نصل إليها، التفكير الذي لا نجهده ونشقيه إلا في حياتنا المالية، وأعمالنا الصناعية، والتجارية على قلتها، علينا أن نفكر ونحسن التفكير، في كيف تمضي مسيرتنا في قوة، وصدق، واخلاص، ومحبة، و كيف نصفي أفئدتنا مما يخالطها ويعتورها، كيف نترك الخمود، والجمود، ونسير بهذا الوطن المثقل بالجراح في غير أناة نحو الرقي والتطور، ينقصنا الحب أيها السادة، وقد نظفر به إذا صدقنا في عزمنا، نحن فعلا في حاجة لأن نحيط بناصية الحب وننزلها على حكمنا، وأن نترك هذا التباغض، وهذا الاسراف في الحديث عن الأعراق، فأعراقنا مختلفة متباينة، ولا رابط لها غير خصيصة لوننا، فنحن سود عرباً كنا أم أفارقة، الحديث عن الأعراق يعوقنا عن الحركة، ويجعل وتيرة تقدمنا لا تمضي إلا في بطء وأناة، كما يقول أديب مصر، خريج جامعة السوربون، فمن الخير أن نكف عن هذه الأحاديث العجفاء، وأن نحظى بحياة عقلية محضة، لا أثر فيها لجاهلية ما قبل الإسلام، فصلتنا بتفاصيل تلك الحياة الشائهة المضطربة ما زالت قوية خصبة رغم تباعد القرون.

ما أخشاه أن تتقوس قناتنا من الهرم، إذا قيض الله لنا أن تمضي مسيرتنا في هذه الحياة، قبل أن نظفر بحياة هادئة وادعة، نتفوق فيها في الطب والعلوم، العلوم التي تنشط العقول وتحملها على التفكير، ما زال صوتها خافتاً فاتر، وأنى لصوتها أن يعلو ويرتفع مع صخب هذه الحروب التي كلفتنا من العنت ما نطيق وما لا نطيق، أتمنى بعد أن نطوي صفحة الحرب، أن نناضل في سبيل تحقيق هذه الآمال العريضة، فأنا على الصعيد الشخصي ما أتمناه أن نحوز على المراتب العليا في كل شيء، وأن يكون قطرنا صاحب النشاط الدائب في الآداب والفنون، وفي التعايش السلمي والحكم الرشيد، ولكن لعمري لن يحدث شيئاً من هذا، إذا ما زلنا مستمسكين "بارث الانجليز"، فمن هنا نعلم، أن خصوماتنا العنيفة المحرجة والممضة، سببها السياسة التي رسمها المحتل قبل أكثر من قرن، وما زلنا نتبعها، ونؤيدها، ونسرف في تأييدها، معظم ما واجهنا من مشقة وعسر، وما جابهناه من جدال ونضال، تسببت فيه"بريطانيا" بمكرها وخبثها، فهي كانت لا تسعى إلا لتحقيق منفعتها الخاصة، لأجل ذلك كانت تئد أي مظهر يعمق من وشائج مكوناتنا الاجتماعية، أو يثري من عواطفنا القومية، بعد أن هال هذه الدولة التي تكره الشعوب على ما لا تريد، انصهار هذه القبائل المختلفة، والسحن المتباينة، وذوبانها في بوتقة"المهدية" ونصرتها لهذه الدعوة التي كلفتها الكثير، لقد أيقنت المملكة التي كانت لا تغيب عنها الشمس، أنها لن تقدر أن تحقق منافعها وآمالها من هذا القطر، إلا إذا أخضعته لنظم وقوانين "التصنيف والتفضيل"، فليس من باب الصدفة المحضة أن يتاح لوناً من ألوان الحياة الاجتماعية على منطقة جغرافية بعينها، ويحرم هذا اللون على منطقة أخرى، وأن يقصى اقليم وتقيد حركته بالأغلال والكوابل، ويترك غيره شديد الحركة، متصل النشاط، لقد افضت هذه السياسة المقيتة لانفصال الجنوب، ونخشى أن تحذو دارفور، وجنوب كردفان، وجنوب النيل الأزرق حذواً لا نرضاه أو نقبله، وحتى نريح أنفسنا من اللوم المتصل لسياسة المحتل البغيض، نقول أنه من السهولة بمكان أن ندير ظهرنا لهذه السياسة، وأن نشفى من ويلاتها، وأن نتعافى من عقابليها، إذا سعينا لتحقيق منفعة سياسية خاصة تتمثل في "تدوير الحكم"، فقد طال به المقام في شمال السودان، آن الأوان لأحزابنا الحرة النزيهة، أن تلتقي، وتتحدث، وتختار" الحاكم المدني" الذي يملأ يديه بما ينفع الناس، وأتمنى صادقاً أن يتجافى الشمال عن الاستحواذ على هذا المنصب، وأن تتفق هذه الأحزاب على معاهدات الصلح بين القبائل ونظم السلام، حينها فقط يعود إلى السودان نشاطه، ويعود إليه شبابه، ونحس من انجلترا هذا الألم اللاذع الذي يجعلها منكسرة القلب، كاسفة البال.

***

د. الطيب النقر

 

أيسر ما يمكن أن يقال في السودان، أن أصول الحكم فيه مستقرة، ممعنة في الاستقرار، فكل القرارات التي تتخذ، والنظم التي توضع، والحكومات التي تتبدل، تعود إلى طائفة محددة بعينها، والشيء الذي ليس فيه شك، هو أن معظم المكونات الاجتماعية على اختلافها، لا ترضى عن هيمنة هذه الطائفة، أو تقنع بها، أو ترضخ لها، ولست محتاجاً أن أفصل هذا الرفض، أو أطيل القول فيه، فإن معالمه واضحة ظاهرة، فهيمنة الشمال الذي لم يراعي تنوع الأمزجة واختلافها، على كل مفاصل الدولة، قد شغلت الأقاليم الأخرى، وازدادت عنايتها بها، وباتت هذه الأقاليم تفكر فيها تفكيراً متصلاً، وليس أدل من هذا الاهتمام بقضايا الحكم، غير هذه الحياة العنيفة التي نعيشها الآن، فنحن نرى أن هذا" الاهتمام" قد انتهى بنا في هذه الأيام الحالكة إلى عنف لم نعرفه من قبل، ويبدو جلياً أن بعض الأقاليم قد ثقل علىها الانتظار، وأكبر الظن أن "ملال" هذه الأقاليم، ويأسها، وقنوطها، من أن يطرح الشمال هذه الألوان السياسية المتباينة، التي تمكن غيره من أن يقف على هرم السلطة، هو الذي أدى إلى هذه التطورات الخطيرة التي قادت بعض الأقاليم لأن تستقل بنفسها، وتنأى عن الشمال، وعن احتكاره للسلطة، والشمال الذي يصارعه خصومه في التنظيمات،  ويصارعه خصومه في الندوات، ويصارعه خصومه في الصحف والمجلات، ويصارعه خصومه في البرلمانات والمؤسسات، ويصارعوه أيضاً في ساحات الوغى بالحركات المسلحة والتشكيلات، هو الذي بلغ من الإجادة ببعض ضروب العلم حظاً عظيما، فدراية الشمال هي الأدق، والأوسع، والأعمق، بشؤون الحكم وغيرها من العلوم والمعارف،  ولست أدري هل احاطة الشمال ومعرفته، هي التي دفعته لأن يظهر هذا التشبث، وهذا الكلف بصولجان الحكم، أم أن هذا الحرص نابعاً من ضيقه بسيادة غرب السودان عليه، وبحكامه الذين أزروا به، وجنو عليه في عهد الخليفة التعايشي، أنا أتحدث إليكم بما يخطر لي، فأنا اعتقد جازماً أن التاريخ قد جعل الشمال يحفل كثيراً بالحياة السياسية، وبالنظام السياسي،  وأن هذا الحرص، والجشع، والشره بالسطوة والقياد سببه التاريخ،  فالغرب والشمال متشاكسين أشد التشاكس وأقواه،  والحرب التي تدور رحاها الآن تؤكد ما ذهبنا إليه من زعم، تاريخنا الحافل بالموبقات وبالدماء والأشلاء، هو الذي دفع الشمال لأن يضطرب اضطراباً شديداً، ويغلى غلياناً متصلا، ويضيق بالسلطان، ويتمرد على النظام، إذا لم ينهض فرداً من أفراده بأعباء الحكم، لهذا ولغيره من أسباب تظل عزيمة الشمال للاستحواذ على السلطة لا تعرف ضعفاً ولا فتورا.

وفي الحق أن الشمال كان خليقاً أن يحكم، وأن يقود، وأن يبلغ ما قدر له من كمال، بعد أن توطدت صلاته بالحياة العقلية، والسياسية، والاقتصادية، والثقافية، وكان من أكثر أقاليم السودان استيقاظاً، وإسراعاً إلى العلم والرقي، ساعده على ذلك قربه من مناطق الوهج المعرفي، ودرايته الوثيقة باللغة العربية التي لا يحتاج أن يتعلمها، أو يعكف على نفسه حتى يتقنها، وتمكن الشمال من ناصية اللغة العربية التي تتحدثها الكثير من مكوناته سليقة، هي التي مكنته لأن يكون أفصح الناس باللسان حديثاً، وأجرأهم بالقلم يداً، وأسرعهم إلى المعاني نفساً، وأخصبهم بالخواطر ذهناً، كما يقول أديب العربية الضرير الدكتور طه حسين.

والشمال الذي يسر اللغة العربية تيسيرا لافتاً، ومكّن قبائل السودان المتنوعة على فهمها واستيعابها، قد ترضى عنه هذه القبائل، أو لا ترضى عنه، لأنه جعل اللغة العربية، والثقافة العربية، هي التي تسأثر بالعقل السوداني، وأنا لا أقول أن الشمال لولا  أنه مكن هذا الاتصال وقواه بين السودان وبين الجزيرة العربية وحواضر العراق ومصر والشام والمغرب العربي، لخسر السودان خسارة لا سبيل إلى تعويضها بأي حال من الأحوال، ولكن الشمال من غير أي تزيد أو اسراف، هو الذي أطر لهذا الانسجام البديع الذي استقام للسودان، وقد كان هذا الأثر عظيما من نواح مختلفة، فالسودان الآن ملم ومحيط بالثقافة العربية من جميع أطرافها، وما تعلمه من شؤون الثقافة والحضارة العربية، ساعده على اتخاذ هذه الفلسفة المضيئة التي تجاوزت أطر الأدب العربي من شعر، وخطابة، ورسائل، ومقامات، إلى ثقافات كان للجزيرة العربية اتصالاً وثيقاً بها، كالثقافة الفارسية، والهندية، واليونانية، وثقافة الأمم السامية وغيرها.

واللغة والثقافة العربية مما لا شك فيه هي التي هيأت للسودان أن يتخذ له لساناً أتاح له أن يعبر به عن خصيصة نفسه، ويعصمه عن هذه الحيرة التي كان سيجدها عند اختياره لأي لهجة يتخذها وسيلة للتخاطب بين مكوناته، فمعظم هذه اللهجات متساوية في الجمود و التعقيد والالتواء، ولن تؤهل السودان لأن يكون له عقلاً يفكر، وقلباً ينبض، ونجماً يتألق في سماء منطقته، فهذه اللهجات ليس لها آداباً حية، أو أصول مترفة كأصول اللغة العربية التي لن تتعرض للجدب ولا للفناء، بل هي في الحق أصول ثابتة قابلة دوماً للزيادة والنماء، هذه الأصول لم تتأثر حتى بعاميتنا التي انحرفنا بها عن جوهر اللغة انحرافا عظيما.

والثقافة العربية التي وطد الشمال سبلها، وذلل صعابها، هي التي صنعت هذا المزاج المعتدل الرفيع، الذي يلاءم بين البيئة العربية ورصيفتها الأفريقية، هذا التناغم هو الذي أدى لهذا الثراء العريض، ولهذه المكانة الرفيعة التي يتمتع بها السودان في المحافل العربية والأفريقية، فما من حركة من حركات التضامن، والوحدة، ونبذ العصبيات بين الدول العربية والأفريقية، إلا وكان للسودان سهماً وافراً فيها، ومذللاً لكل العقبات الكبرى التي تكتنف طريقها، فالسودان أحسن الدول تقديراً لمصاب العرب و الأفارقة وما يختلف عليهما من خطوب، وسيظل السودان عنواناً لهذه الحياة الرامية للوحدة والتعاضد، نقول هذا رغم درايتنا أن واقعنا فيه الكثير مما يدعو للاشفاق والرثاء، ولكن قتامة هذا الواقع لن تفقد السودان هذه الملكات القوية التي تجعله يقاوم الشتات، والتشرذم، ما وسعته المقاومة، ويجاهد في سبيل حريته وسلامته وانعتاقه، بالسلاح واللسان والقلم، حتى يطوي صفحة الحروب والنزاعات.

وفضل الشمال على غيره من الأقاليم الذي دافعنا عنه بالحجة الساطعة، والعاطفة الصادقة، والبرهان المستقيم، لن يدفعنا لأن نقول أن تسلط الشمال قوامه الحزم والعدل، أو أنه كان حريصاً لأن يخرج الناس عن أطوار الذل لأطوار العز، فمثل هذه المزاعم المختلقة لا يحفل بها الناس، ولا يلتفتون إليها، فالشمال ألحّ في الحكم، وأغرق في هذا الالحاح، لأنه ما زال يستغرق همه في تحليل دقائق التاريخ وخباياه، فليس من اليسير ولا السهل عليه، أن يتغاضى عن تأثيراته المختلفة التي خضعت لها حياته.

ولعل من العسير جداً ألا نرد كلف الشمال بالحكم إلى تلك الروح التي تسري فيه، تلك الروح التي خضعت لمحن كثيرة من أجل أن تتوثق صلاتها بالملك، فالروح العربية إذا أردنا أن نزيل عنها الحجب والأستار، لوجدنا أن نزعة الميل للسلطة قريبة جداً منها، نحن إذاً نعرف هذا الحب الصادق الذي تحملت الروح العربية في سبيله الأهوال، نعرف أنها قد أذعنت لهذا الحب، لأنه يمنحها الحياة، ويمنحها النشاط، ويمنحها الشرف والسؤدد، ويرضي آمالها التي هي أبعد من أن تحد، وأوسع من أن تحصر، لأجل ذلك نرى أن المساومة نحو الملك، والطمع فيه، ليس قاصراً على الشمال، فكل القبائل العربية في شمال السودان أو غربه، تعاني من هذه العلة، فهي دائما تصطنع الحيلة، وتبتغي كل وسيلة، من أجل أن تستظل بأفياء الحكم، وحتى نجمل القول ونترك عنا هذا التفصيل، نزعم أن القبائل العربية على اختلاف مواقعها في السودان، لا تهاب الخطوب، ولا تعرف تردداً ولا نكولا، حتى تظفر بغايتها، وتحوز على هذه السلطة العقيمة المجدبة، أما القبائل الأفريقية، فنحن لا نستطيع أن ندعي أن هذه القبائل لا تطمع في الحكم، ولا تحبه، ولا ترتاح إليه، ولكنها لا تتورط في إثم السلطة، ولا تغرق في أوحالها، إلا من أجل أن تصرف عن جرثومتها ألوان الضنك والبين، إذن من أعسر الأشياء وأبعدها عن الشخصية الأفريقية السودانية، النافذة البصيرة،  الواسعة الثقافة لأبعد حد ممكن، أن تلقي نفسها في ألوان من المحن، وضروب من الخطوب، لكي ترضي عاطفة ثائرة، أو مزاجاً حاداً، كما تفعل القبائل العربية في السودان.

والشمال الذي ذاق هوى السلطة، وتعرض للآلامها ولذاتها، على مدار حقب طويلة، يتحرج فعلاً الآن أن تذهب هذه السلطة طائعة أو كارهة لغيره، لا يتحمل الشمال الذي جدّ فيها واجتهد، وتكلف من المشقة والعناء ما يطيق وما لا يطيق، أن تجرجر هي أذيالها إلى إقليم سواه، هو ينكر هذا ويراه بعيداً، الشمال لا يستطيع أن يقتنع أن اتصاله بالسلطة، يجب أن يكون اتصالاً عارضاً، وأن نفسه المشرئبة دوماً لها، يجب أن يكفكف في حزم من غلوائها وكلفها، ويعلم أنها ستمضي على نحو قاطع محتوم لمن هو الأجدر بالنهوض بأعبائها، وإنها لن تكون حكراً عليه، على الشمال أن يخمد توقه، وشوقه، وطموحه، وأن يلتفت إلى طبائع القبائل وأمزجتها، هذه الطبائع، وهذه الأمزجة، التي تستحق أن يمنحها هذا الوطن حياة جديدة، تواكب ما وصلت إليه المعمورة من رقي وتطور، في الأنظمة السياسية الحاكمة، وفي تداول السلطة،على الشمال أن يعترف بحقوق الأمة السودانية، ويدرك أنه لن يستطيع أن يرغمها على قبول رؤيته، وأصوله التقليدية التي عرضته لكثير من المصائب، وتحمل من أجلها الكثير من التضحيات، وجعلته عرضة للوم المستمر، والبغض المتصل.

طبائع الناس التي استقصت العلوم، وتعمقت في المعرفة، تدعو إلى اصلاح الحكم وترقيته، طبائع الناس التي لا تخطئ فيما قدرت، ولن تخفق فيما تطلب، تحتم على الشمال أن يخلد إلى حياة هادئة وادعة، لا خصومة فيها ولا جدال، ولا معارك ضارية فيها ولا نزال، حياة طابعها الراحة والعافية والخمود، ويترك الحكم وعقابيله إلى عقول مستنيرة، تستطيع هذه العقول، أن تعدل وتطور من نظامنا الاجتماعي والسياسي،  وتضفي عليه هذه التعديلات الوافية التي تجعل أمتنا تنهض وتخطو نحو وضع أفضل.

***

د. الطيب النقر

 

"لقد اصبح الامر اكثر وضوحا"؛ اعلن انتوني بلينكن وزير خارجية الولايات المتحدة في زيارته الأخيرة الى الدوحة، متحدثا عن مسار عملي، ومحدد زمنيا، ولا رجعة فيه لإقامة دولة فلسطينية تعيش في سلام جنبا الى جنب مع دولة إسرائيل (طبعا بلينكن يدعو الى دولة فلسطينية منزوعة السلاح والسيادة). وهذا الامر يتوافق مع ما يدعو اليه  النظام العربي الرسمي منذ فتره بما يسمى حل الدولتين، كما دعت السعودية وقطر الى تسوية شاملة. في المملكة المتحدة اعلن ديفيد كاميرون وزير الخارجية دعمه التام لدولة فلسطينية، كما اصر في بروكسيل جوزيب بوريل على انها الطريقة الوحيدة لإحلال السلام في الشرق الأوسط.  يمكن النظر الى هذه التصريحات على انها محاولة محمومة للاحتواء الامبريالي، واذا لم يكن من الممكن تجاهل الفلسطينيين بالكامل كما هو الحال في اطار الاتفاقيات الابراهيمية، فمن الأفضل الدفع باتجاه إقامة دولة فلسطينية منزوعة السلاح ومجزأة حتى يتسنى المضي قدما في التطبيع مع إسرائيل. الرئيس بايدن، شخصيا وسياسيا ملتزم بأجندة كوشنر للشرق الاوسط بعد ان اخرجها طوفان الاقصى من المسار في السابع من أكتوبر.

وكما ذكرت "الفورين افيرز" الامريكية ان حل  الدولتين سيسحب البساط أيضا  من ايران والقوى المتحالفة معها، من حزب الله والقوى الشيعية في العراق وانصار الله في اليمن. وسيكون المجال مفتوح لتحالف عربي سني -إسرائيلي ضد ايران. والدعوة الى دولة فلسطينية سيخفف من الغضب الشعبي الذي يكتسح الجماهير العربية ضد الأنظمة العربية التي لم تستطع ان تقدم أي مساندة للشعب الفلسطيني وتركت اهل غزة يعانون ابشع المجازر، هذا  بالإضافة الى التجويع والقهر.

ولكن كيف على القوى الوطنية والتقدمية الفلسطينية والعربية التعاطي مع عودة موضوع حل الدولتين. رد الفعل الأكثر شيوعا، هو رفضه باعتباره خيالا إمبرياليا خطيرا، وعلى انه إضفاء الشرعية على نظام الفصل العنصري، ومن ثم الدعوة الى نظام الدولة الواحدة كخيار استراتيجي. طبعا خيار الدولة الديمقراطية الواحدة تم طرحة بعد نكسة حزيران من قبل اليسار الفلسطيني، ومن ثم تم تبنيه  كاستراتيجية سياسية من قبل ياسر عرفات وقيادة منظمة التحرير الفلسطينية. بعد اوسلو تبنى هذا الخيار تيارا من المثقفين الفلسطينيين من ضمنهم؛ أدورد سعيد، غاده الكرمي، لما أبو عوده واخرون. كتبت غادة الكرمي في عام 2002،  "رغم ان النضال من اجل دولة ديمقراطية يبدو يوتوبيا ، ولكن ليس اكثر يوتوبيا  من مشروع انشاء دولة يهودية على ارض الغير".

ان الشعب الفلسطيني في غزه والضفة وفلسطين التاريخية هو من له الحق في اختيار الحل الأمثل لصراعه مع الصهيونية، لذلك لا يحق للأخرين تحديد نوع الحل المقبول للفلسطينيين.  ان حل الدولتين يحد من حق العودة للفلسطينيين، وسيحصر الفلسطينيين في كانتونات متفرقة تمزقها المستوطنات اليهودية. اما سردية الدولة الواحدة سيفرض عليهم التخلي عن النضال من اجل انهاء الاستعمار الاستيطاني، وتكوين صداقات مع المحتلين والسماح لجميع المستوطنين بالبقاء. كم يبدو ذلك امرا صعبا بعد المجازر التي اقترفها الصهاينة.  ان قرارا مثل هذا يجب ان يأت من الفلسطينيين انفسهم، ومن هنا تكمن أهمية الطابع الديمقراطي للبنية السياسية الوطنية الفلسطينية، مما سيدعو الى تمكين المداولات الشعبية الحقيقية للمحافظة على الثوابت الوطنية الفلسطينية.

وكما ذكرت الباحثة الفلسطينية كرما نابلسي " انا واقعية للغاية فيما يتعلق بما يجب ان يكون عليه الحل، بعض الناس حريصون جدا على حل الدولتين. هناك من يجادل لصالح دولة واحدة ثنائية القومية. اود ان أقول انها ابسط من ذلك بكثير. صححوا الظلم الذي وقع، وبمجرد ان يتمكن الناس من العودة الى منازلهم، دعوهم يقررون بشكل ديمقراطي نوع الاطار الذي يريدونه".

ولكن بالنظر الى الوضع الإقليمي الحالي هل لا يزال خيار الدولة الواحدة هو الخيار الأكثر مبدئيا وواقعيا؟ ان مرض مجتمع المستوطنين الذي لا يمكن علاجه، والذي اصبح أوضح واكثر رعبا من أي وقت مضى، قد يكون عائقا امام دولة واحدة، بقدر ما تشكل الجغرافيا الاستيطانية الراسخة في الأراضي المحتلة. اذا كان من المستحيل  تصور اقتلاع المستوطنين من الضفة الغربية، فمن المؤكد انه من الأصعب توقع قبول إسرائيل بنهاية القومية العرقية العنصرية والتعايش السلمي مع الفلسطينيين.

في عام 1974  أعلنت منظمة التحرير الفلسطينية ضمن برنامجها الوطني إقامة سلطة فلسطينية على أي ارض فلسطينية يتم تحريرها باي وسيلة كانت، ومن هنا تم انشأ سلطة فلسطينية بعد اتفاقيات أوسلو. ولكن من الواضح ان إسرائيل فرغت المحتوى الوطني لهذه السلطة وكبلتها باتفاقيات امنية. المفهوم الاستراتيجي لحركة المقاومة (حماس) لم يكن يختلف في جوهره عن مشروع منظمة التحرير، وهي تسعى نحو تحقيق انسحاب إسرائيلي من الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس. غير ان عبدالعزيز الرنتيسي وجد في انتصار حزب الله وفي قدرته على اجبار الإسرائيليين على الانسحاب من جنوب لبنان نموذجا يقتدى به في تحرير فلسطين.

لاشك ان غزو إسرائيل لقطاع غزه، والمذابح التي اقترفها الصهاينة تطرح مهاما صعبة على حركة المقاومة، ولكن في نفس الوقت ان طوفان الأقصى ضرب الاستراتيجية الإسرائيلية في مقتل. كما فضحت هذه الحرب تواطؤ معظم  الانظمة العربية في مخطط تصفية القضية الفلسطينية. كما بات واضحا نفاق دول الغرب وسياسة ازدواج المعايير التي تمارسها ضد شعوب الجنوب. ان التضامن الذي شهدته القضية الفلسطينية على مستوى العالم أعاد هذه القضية الى مركز اهتمام الرأي العام العالمي. كما ان صمود المقاومة في غزة منح المقاومة وبالذات حركة حماس شرعية ثورية لا يمكن تجاوزها في أي حل للقضية الفلسطينية. 

***

علي حمدان

أن من بواعث اغتباطي هذه المقاومة التي شبت نارها في الأمة السودانية، وهي في الحق اضطراب نبيل قد باغت "الدعم السريع" بما لم يضع له حساب، فالدعم السريع الذي أقحم السودان في نكبة سياسية عنيفة، عرضته لهذه العواصف المتنافرة المتدابرة، بيحث  هذا "الدعم" مع حاضتنه السياسية التي تظن أنها خليقة بالاعجاب والاكبار، لأنها من دفعت هذا الشعب لأن يبتغي الراحة، ويبحث عن النوم العميق، بعد أن أماطت عنه شر حكم المشير "البشير" قحت" أو تقدم" سمها كما شئت، ما هي إلا الأم الرؤوم، أو الزوجة الوفية لقوات الدعم السريع، لقد دأبت هذه الحاضنة السياسية العاجزة عن الشعور بآلالام الناس ومعاناتهم، على تغيير اسمها في كل وقت وحين، تماماً كما تغير الأفعى جلدها الناعم الأملس، ولعل من الحقائق الثابتة الآن، أن "قحت" هي و"الدعم السريع" الذي يفضي إليها بكربه، يبحثان عن نافذة يقفزان منها طلباً للنجاة، "قحت" و"الدعم السريع" اعتقدا أن السودان سيظهر لهما الخضوع والاذعان، وأنه سينخرط معهما في نضال دائب لاجتثاث تشكيلاتنا السياسية على اختلافها، تلك التشكيلات التي نصفها  أعمى ونصفها مشلول، تسعى "قحت" التي تحتاج إلى من يعيد إليها اتساق خاطرها، بعد أن مُنِيتْ قوات الدعم السريع" لهزائم فادحة متتالية، وبعد هذه"الهبة الشعبية الهادرة" التي أفضت لأن ينتظم السواد الأعظم من هذا الشعب الصابر على عرك الشدائد، في استنفار عظيم، جعله يرسل صفوفه المنظمة المستمرة إلى ساحات التدريب، تلك الساحات التي تفتح الباب لنيل رغائب عليا، وتشق لهم طرقاً تقودهم إلى الجهاد والاستشهاد، والدعم السريع وقحت معاً، قد أظهرا ضجرهم من هذه الساحات، ومن هذا الاصطفاف مع القوات المسلحة السودانية، ووجدا عسراً في هضم هذا التلاحم وازدراده، لأنه كفيل بأن يقصم ظهريهما، هذا الانصهار حتماً فاتحة التوفيق للجيش والشعب معاً، لأن يتحركا ويضطربا طوال الليل، وطوال النهار، حتى تصطبغ الأرض بلون الدم، وينتقل السودان من طبقة الاكتئاب التي مكث فيها قرابة العام، إلى طبقة مترفة لا مشقة فيها ولا عناء.

وفي الحق هذا الواقع يثقل على"قحت" الشرِهِ إلى الحكم، ويؤذيها، ويزيدها ضيقاً إلى ضيق، أما قوات "الدعم السريع" التي يخالجها شعور بالخوف، دفع كماتها وجنودها الأشاوس، لأن يتسربلوا بأزياء النساء الواسعة الفضفاضة، طمعاً في الفرار من نقمة " قوات هيئة العمليات"  تلك القوات الكثيفة الحالكة، التي لا تمكن "قوات الدعم السريع" أن تختلس حتى النظر إليها، فهم كوكف المطر الذي ينهمر بغتة، ليجعل من فاجأه لا يلوي على فعل شيء، وقوات الدعم السريع التي تستخذي هذه القوات الضارية استخذاءً عظيما، وتسعى لئلا تقع تحت يديها، ساخطة زارية على" "قحت لأنها تخوض هذا النشاط الفاتر الذي لم  يفضي إلى شيء، ولم يأتي بالسلم الذي تبحث عنه أطيافها، لقد غام الأفق في سماء الدعم السريع، وأغوار الأرض وسهولها، ها هي عابسة مقطبة، والجيش والمستنفرين لا يجدون لذتهم إلا في الفتك بهم، والهجوم عليهم بضراوة، هذه الهجمات العنيفة المتصلة، تدفع بعض قوات الدعم السريع إلى حافة الجنون، وتجبر طائفة أخرى لاتخاذ هذه المواقف المخزية كارتداء ملابس النساء، ومحاكاة مشيهن وتأودهن كلما مرت هذه الجماعات الملتحفة "بملابس الحريم" بارتكازات الجيش، هجوم الجيش المتواصل وثباته في الذود عن حياض بلده، هو  الأمر الذي يجبر قوات الدعم السريع تسعى للهروب مهما كانت المشقات.

و"قحت" التي لم تطل التفكير منذ أن تماهى هذا الشعب مع هذه "النفرة" وأظهر الإصرار في أن يمضي بها قدماً حتى يسحق "منظومة الدعم السريع" على اختلاف شيعها، وطوائفها، وألوانها، فواهماً من ظنّ أن تلك المنظومة مرتهنة لجرثومة واحدة،  أو تعود أصولها إلى أرومة محددة بعينها، كلا، هي عدة جرثومات تدافعت من أقطار شتى لتلقى حتفها في أرض السودان، هؤلاء الموتى كان الأمل يحدوهم بأن يعيشوا عيشة مادية ممتازة، وأن يأخذوا من كل لذة بطرف، ولكن القوات المسلحة السودانية أقصت كل هذه الأماني، وأحالتها إلى زوايا النسيان، ومن تبقى حي منهم، ينظر الآن في حسرة بالغة إلى هذه الحياة الذاهلة عنه، ويبصرها وهي تسير مدبرة عنه، وأكبر الظن أمام هذا التدافع المحموم من قٍبَلْ الشعب وانخراطه في سلك الجندية، أن القادة في قوات الدعم السريع لا يستطيعون أن يفرغوا لأنفسهم، أو يعكفوا في مكاتبهم المؤسسة أو المتحركة، لوضع الخطط التي توقف سلسلة هذه الهزائم الساحقة، أو حتى ينفردوا بحياتهم الخاصة، ليتعهدوا أسرهم وذويهم بالرعاية، هؤلاء القادة المنخوبي الفكر، قطعاً لا يقدرون على بث شكواهم لعائلاتهم، ويخبروهم عن أفئدتهم التي تمزقها الحسرات، ولا عن بركان الخوف الذي يوشك أن ينفجر في صدورهم المضطربة، وهم عاجزين عن كبحه، الضعف يمنعهم عن البوح كلما التفتوا إلى خاصتهم، ولكن كيف لمهجهم الجزعة أن تثوب إلى السكينة؟ فالأزمة التي تعبث بهم في وقتنا الحاضر، ليست مثل تلك الأزمات التي صادفتهم في طريقهم المحفوف بالخطر، والمترع بالأماني الجياد، ليست مثلاً أزمة خصومة بينهم وبين غيرهم من الأحزاب السياسية، أو أزمة تنافس بينهم وبين هذا النظام أو ذاك من نظم الحكم، أزمتهم الحالية هي أزمة مدت عنقها، وقادتهم لأن ينكروا  نفوسهم، ويظلوا مطرقين حيناً، ثم ناظرين عن يمين وشمال حيناً آخر، كما يقول أديب مصر الضرير، إنها أزمة أعمق من كل تلك الأزمات، أزمة تتعلق بوجودهم على ظهر هذه البسيطة، أزمة جعلت أعصابهم تفتقر للاسترخاء والطمأنينة، أزمة تستحق هذا اللقط المتصل الذي تنهض به حاضنتهم السياسية، والذي تسعى لأن تعكر به الأجواء، وتجعل الناس، كل الناس، تنصرف عن هذا الاستنفار، حتى لا يبقى فرد في هذه الساحات والميادين والمعسكرات، إن أكثر ما يضني الحاضنة السياسية لقوات الدعم السريع، أن جموع وشرائح الشعب السوداني ما زالت تعبر عن نفسها بصور مختلفة، وترفض كل الادعاءات والحجج التي ساقتها "قحت" لتنفر الناس من هذه المقاومة، هذه الجموع التي تعلوها ابتسامة زاهية تعرفها "قحت" جيداً توحي بأن خطر الحرب الأهلية التي ساقته "قحت" المبوءة بالشر، لم ينطلي عليها، هذه القطاعات لم يومض ثغرها بالابتسام فقط، بل ذخلت في نوبة من الضحك المتصل على ترهات "قحت" لأنها لا تحترم نبوغ هذا الشعب وألمعيته، فبعض أراجيف الحاضنة السياسية للدعم السريع لم تأخذ حظها الوافي من النظر والتأمل والتفكير، وذلك مثل قولهم:"أن الحركة الإسلامية التي قوضت الحكم المدني، وأشعلت أوار هذه الحرب، وقصفت منازل الأبرياء في حدة وعنف، وقضت أيضاً على البنية التحتية، وهدمت الجامعات ومراكز البحوث، لأنها قنطت من العودة لصولجان الحكم، ألجأها فكرها الخبيث لابتكار خدعة "المقاومة الشعبية" غير عابئة بالأضرار الجسيمة التي يمكن أن تنجم عنه، والحركة الإسلامية السودانية التي تلقت هذا الرزء لقاءاً كريما، وتعاظم جهادها في معركة الكرامة،حتى انتزعت الثناء من عتاة خصومها، تستطيع أن تقدم عشرات الحجج لدحض افتراءات" قحت" ولكنها في الحق لا تصغي إلى أضاليل الحاضنة السياسية لقوات الدعم السريع، بل تصغي لشيء آخر أشد الاصغاء،  تصيخ بسمعها لصوت تشعر أن من بلادة الحس، وجفوة الطبع، وقسوة النفس، وضعف الإيمان، ألا تسمعه وتهرع إليه، وأن تخلو إليه وحده، فنحيب الوطن يدفعها لئلا تراعي لغيره من الأصوات السمجة، وأن تنصره إلى أبعد آماد النصرة، فالوطن وحده هو من يستولى على هوى الحركة الإسلامية "الصادقة" ويقتنص قلبها.

***

د. الطيب النقر

 

لم تمر كلمات الرئيس الفرنسي مانويل ماكرون، خلال مؤتمر دولي لدعم أوكرانيا، عقد في باريس مؤخرا، وقوله "إنه لا يستبعد إدخال قوات الناتو إلى أوكرانيا"، مرور الكرام، فقد كان الرد الروسي سريعا، وعلى لسان الرئيس فلاديمير بوتين، خلال رسالته إلى الجمعية الفيدرالية يوم 29 فبراير/شباط الماضي، و ذَكرَ فيها بوتين الغرب بخطوط بلاده الحمراء، واكد إن نقل جنود الناتو إلى كييف، يمكن أن يؤدي إلى حرب نووية وتدمير الحضارة، وحذر الغرب وعلى أي دولة تجرؤ على إرسال قوات إلى أوكرانيا من "عواقب وخيمة".

وعلى مبدأ " خير الكلام ما قل ودل "، لم يخصص الرئيس الروسي وقتا طويلا للحديث عن العملية العسكرية الخاصة، رغم طول خطابه الذي عُد بأنه الأطول له منذ عام 2018، الا انه أثار اهتماما كبيرا لدى الغرب وجميع وسائل اعلامه  الصديقة منها لروسيا  والغير صديقة، وقالت  صحيفة التلغراف البريطانية  ان هذا "تهديدًا نوويًا" هو ما سمع  في كلمات بوتين حول عواقب النقل المحتمل لقوات الناتو إلى أوكرانيا.

وفي الوقت الذي يحذر فيه قادة حلف شمال الأطلسي، وخاصة على طول حدود الحلف الطويلة مع روسيا، وبشكل متزايد من أن الصراع المباشر مع موسكو يشكل خطرا حقيقيا، مما يشير إلى أن الغرب لديه ما بين ثلاث إلى عشر سنوات للاستعداد للحرب، أُعتُبِر ان رسالة الرئيس الروسي وتأكيده مرة أخرى  إن القوات النووية الاستراتيجية الروسية في حالة استعداد تام، هي بمثابة  رسالة تحذيرية وتهديدية  مهمة.

وتصريحات الرئيس الفرنسي والتي تراجع عنها بعد ذلك، رغم انه اكد بان ما قاله هو كلام موزون " وفكر فيه مليا "، عاد مرة  ليقول،  " بانه لا يوجد إجماع اليوم بشأن إرسال قوات على الأرض بطريقة رسمية ومضمونة " ، وبالتالي ان المبادرة رفضت على الفور، وابرزت ذلك الانقسام الكبير في صفوف الاتحاد الأوربي،  حتى صارت هذه التصريحات   مصدر سخرية  الجميع، وقال مستشار البنتاغون السابق العقيد المتقاعد في الجيش الأمريكي دوغلاس ماكغريغور" إن غاية ما يستطيعه الجيش الفرنسي هو "رحلات السفاري في إفريقيا"، لا مواجهة القوات الروسية بأوكرانيا،  وفي تعليقه كتب  نائب رئيس مجلس الأمن الروسي دميتري مدفيديف،  "إن البعض يعاني من سلس البول "، في حين ذكرت  صحيفة "تاغس شبيغل" الألمانية أن تصريحات الرئيس الفرنسي، أجبرت المستشار أولاف شولتس على وضع حد لكلامه، مذكرا بالاتفاقيات الأوروبية، وانه  "ما تم الاتفاق عليه منذ البداية ينطبق أيضا على المستقبل، وهو أنه لن تكون هناك قوات على الأراضي الأوكرانية مرسلة من الدول الأوروبية أو دول الناتو".

ورغم أن معظم الخطاب الرئاسي كان مخصصاً للقضايا الداخلية الروسية، إلا أن الغرب يحاول أن يحلل باهتمام كبير إشارات السياسة الخارجية التي عبر عنها رئيس الدولة الروسية، وتشير صحيفة نيويورك تايمز مثلا  إلى أن "السيد بوتين يعلم أن معارضيه - بقيادة الرئيس بايدن - هم الأكثر خوفًا من تصعيد الصراع"، وان بوتين  لم يوضح فقط أنه يضاعف "عمليته العسكرية الخاصة" في أوكرانيا، بل  وأوضح أيضًا "أنه لا ينوي إعادة التفاوض بشأن آخر معاهدة رئيسية للحد من الأسلحة سارية مع الولايات المتحدة، والتي تنتهي صلاحيتها في أقل من عامين، ما لم يتم تحديد مسار جديد لمصير أوكرانيا، التي من المفترض أن أجزاء كبيرة منها  تقع الآن  تحت يد روسيا".

الرئيس الروسي نبه الغرب بأن قواته المسلحة حصلت على خبرة هائلة نتيجة لتعاون جميع الأسلحة، ولديها  طاقم كامل من القادة الذين يستخدمون الأسلحة والتكنولوجيات الحديثة، بدءا من الفصائل ووصولا إلى أعلى القيادات يتفهمون المشكلات ويعالجونها، وقد نمت قوتها القتالية عدة أضعاف، والتشديد في الوقت نفسه على ان بلاده تَكُن من بدأ الحرب، وإنما قامت  بها دفاعا عن سيادتها وعن أمن مواطنيها، ولديها استعداد قتالي كبير للقوات النووية الروسية، والتي استقبلت  الأسلحة الحديثة وهو ما تحدثت عنه في 2018.

لقد اختار الرئيس بوتين هذا الوقت بالذات بشكل خاص، واختبر من خلال خطابه مقدار مخاوف الغرب، ورد  أيضاً على تكهنات مفادها أن الولايات المتحدة، التي تشعر بالقلق إزاء تعرض أوكرانيا لسلسلة من الخسائر، قد تزود كييف بصواريخ أطول مدى أو تصادر 300 مليار دولار من الأصول الروسية المجمدة منذ فترة طويلة، والمحتفظ بها الآن في البنوك الغربية،  ونقلها إلى الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي لشراء المزيد من الأسلحة، واستشهد بوتين بما تحققه الأسلحة الروسية كصواريخ الفرط الصوتية " كنجال "،  وصواريخ " تسيركون "، والتي باتت تستخدم بفاعلية لضرب الأهداف الأوكرانية، والاشارة الى انه يجري الان اختبار صواريخ "بوريفيسنيك"، والغواصات المسيرة "بوسيدون" وهي تحمل ميزات فريدة من نوعها، وان روسيا مستمرة في عملها على سلسلة من الأسلحة المتطورة، وسوف يكشف المستقبل عنها، والاشارة الى انه تم تسليم مجمع "سارمات" للقوات المسلحة، وستستعرضه روسيا  قريبا.

لغة القوة كانت عنوان الخطاب للرئيس الروسي، فقد وصف ما يقوم به الغرب هو "نفاق شديد "، والذي يرمي بالاتهامات الباطلة بسعي روسيا  لنشر أسلحة في الفضاء الكوني،  وتلك هي ليست إلا  محاولة لجر روسيا إلى مواجهة مع الولايات المتحدة، التي تعرقل المقترحات الخاصة بنشر الأسلحة النووية في الفضاء، والتي وضعت  في 2008، ولم تتلق روسيا  أي رد، وان تصريحات الإدارة الأمريكية الحالية بالسعي إلى النقاش بشأن الاستقرار الاستراتيجي ليست سوى كلمات وكما عبر عنها بوتين "خاوية من المضمون"، ولا يمكن مناقشة ذلك إلا بمجموعة متكاملة من القضايا مرتبطة بالأمن القومي الروسي.

روسيا تمتلك الآن نوع من الميزة في تطوير وإنشاء أسلحة مضادة للأقمار الصناعية، وهو ما تتخلف عنه  الولايات المتحدة في الوقت الراهن، ومن الواضح وفقا لفلاديمير  فاسيلييف، كبير الباحثين في معهد الولايات المتحدة الأمريكية وكندا،  أن محاولتهم الدخول في مفاوضات حول هذه القضية، وإبرام نوع من الاتفاق، تهدف إلى الحد من قدرة روسيا  على تحسين أنظمة الأسلحة هذه وحرمان روسيا  من المزايا التكنولوجية، ويظهر التحقيق الذي أجراه الأمريكيون أنهم يحاولون إقناع روسيا  بوقف تطورها، وإذا لم تكن هناك تطورات، فلن تكون تلك المزايا نفسها موجودة، ولهذا السبب تم رفض المبادرة الأمريكية، حيث تصر روسيا بالعودة  إلى صيغتها  لعام 2008 بشأن مسألة إطلاق جميع أنظمة الأسلحة، بما في ذلك الأسلحة النووية، إلى الفضاء.

كما ان الغرب يسعى لجر موسكو  إلى سباق التسلح، وتكرار المخطط الذي حققوه في ثمانينيات القرن الماضي، حينما كانت تبلغ نسبة تمويل المجمع الصناعي الدفاعي 13%، الا ان روسيا وكما اكدت عدة مرات انها لن تنجر الى ذلك السباق، وانها تعمل اليوم على بناء منظومة فعالة لقواتها المسلحة، واستخدام كل روبل لمخصصاتها  العسكرية لتعزيز دفاعها  والوصول إلى مستوى جديدة للأسطول والجيش، وشدد بوتين، على انه  لا بد أن يفهم الغرب أن بلاده  تمتلك أسلحة قادرة على إصابة الأهداف في أراضيهم،  وانهم( الجيش الروسي ) وعلى عكس الغرب،  مروا باختبارات صعبة، و يعرفون ما تعنيه الحرب، وتجاوزوا هذه الاختبارات في القوقاز، ويتكرر الوضع في أوكرانيا الآن، وإن ما يقوم به الغرب يهدد الأمن الأوروبي، ويجب أن يكون هناك هيكل جديد للأمن المتساوي وغير القابل للتجزئة، واعرب الرئيس الروسي عن استعداد بلاده  للحوار مع جميع الأطراف.

وروسيا اليوم ترى آفاقا واعدة في شراكة أوراسيا عظيمة في إطار انسجام المشاريع الاتحاد الأوراسي والمبادرة الصينية "طريق واحد-حزام واحد" كما يتم تطوير المشاريع في منطقة "آسيان"، و لديها شراكات مع الدول العربية لتعزيز العلاقات، وكذلك الحال مع دول أمريكا اللاتينية، وهناك عدد من البرامج لنشر اللغة الروسية حول العالم.

رسالة بوتين كانت واضحة، فهو يرى النصر في أوكرانيا باعتباره صراعا وجوديا محوريا وأن الرئيس الروسي، وكما قالت صحيفة نيويورك تايمز، "يراهن على أن الولايات المتحدة تتحرك في اتجاه مختلف، وتصبح انعزالية بشكل متزايد، وغير راغبة بشكل متزايد في مواجهة التهديدات الروسية، وبالتأكيد غير مهتمة بدرء التهديدات النووية الروسية بنفس القدر"، ولفتت قناة CNBS التلفزيونية الانتباه إلى حقيقة أن فلاديمير بوتين أشار إلى وحدة الشعب والجيش الروسي في الدفاع عن الوطن الأم، وأشاد بالمواطنين الروس والصناعة وقطاع الأعمال، وكذلك القوات الروسية في أوكرانيا لجهودهم، ووقف دقيقة صمت حدادًا على القوات المسلحة الروسية، قبل أن يمتدح الخبرة القتالية "الهائلة" التي اكتسبتها خلال عامين من القتال في أوكرانيا، في حين وصفت صحيفة جلوبال تايمز الصينية خطاب بوتين بأنه رسالة ثقة، و"أظهر التحدي الذي تشكله روسيا للنظام الأحادي القطب الذي تهيمن عليه الولايات المتحدة".

***

بقلم الدكتور كريم المظفر

نحن على مشارف انتهاء هذه الدورة من معركة بدأت منذ السابع من أكتوبر واستمرت نحو مائة وخمسين يوماً.. وقاربت على الانتهاء بهزيمة غير معلنة لإسرائيل. والتفكير القائم في كل أروقة السياسة في إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية يدور الآن حول اليوم التالي للحرب..

  ومهما كان ما قرروه وما يتآمرون لتحقيقه، فهو لن يستطيع إغفال حقيقة الهزيمة الإسرائيلية، ومن المعلوم أن المهزوم لا يستطيع إرغام المنتصر على شروطه مهما حاول!

مؤامرات مكشوفة

  رغم كل الخلافات التي تعصف بمجلس الحرب الإسرائيلي، والانقسامات الحادة بين كل أعضاء الكابينت من جهة، وبين رئيس وزراء يريد إنقاذ رقبته وتبييض سمعته السوداء الحالكة الملطخة بدماء ضحايا بالآلاف أولهم جنوده الذين ألقي بهم في أتون حرب خسروها خسرانا مبيناً في كل مواجهاتهم المباشرة.

 رغم كل الخلافات العاصفة والانقسامات المنذرة بالأسوأ، فإنهم لم يتوقفوا يوماً عن التآمر والخداع ورسم الخطط للنيل من فلسطين والعرب والعروبة. آخر تلك المؤامرات هي تلك التي من أجلها سحبوا قواتهم في الشمال والوسط الغزاوي وأنظارهم تتجه صوب مدينة رفح يريدون اجتياحها لتنفيذ مخطط التهجير القسري لمليونين من فلسطينيي غزة. وهو ما وقفت مصر ضده بالمرصاد. بل ووقفت ضده أمريكا، بل وسائر الدول العربية أمام محكمة العدل الدولية للتحذير من تنفيذ ذلك المخطط الذي ستنتج عنه مذبحة أشد وأقسى من كل مذابح إسرائيل على مدار تاريخها المظلم.

  وفى مجلس الأمن موقف غير مفهوم وغير مقبول من أمريكا راعية الحريات! عندما أشهرت سلاح الفيتو للمرة الرابعة أمام الجميع، ورفضت قراراً بوقف إطلاق النار، رغم أنها أعلنت في تصريحات صدرت عن البيت الأبيض أملها في الهدنة ورغبتها في إدخال المساعدات الإنسانية لتلك البقعة المنكوبة بسفاحي الحرب الذين انتهكوها أمام عالم غض الطرف عن مأساتها. وأما أمريكا فقد خلعت عن وجهها قناع الحريات الزائف لتكشر عن أنياب أشد مضاءً وفتكاً من ضبع الشرق الأوسط الطليق برعاية أمريكية بلا حدود!

نتيجة حرب أم مصير أمة؟

 انتهي الكلام في منابر الإعلام الغربية والإسرائيلية عن خسائر إسرائيل التي لم تعد تخطئها عين. وبات الكلام اليوم عن مصير إسرائيل!

 حتى حاخامات أورشليم خرجوا صارخين محذرين بأن نتائج الحرب الأخيرة تتعدي الضرر الأمني إلى تهديد وجودي يحدق بالكيان الإسرائيلي الغاصب.

    الإعلام العبري يتحدث الآن عن آلاف الإسرائيليين الذين تساقطوا في الحرب بين قتيل وجريح ومعاق. وأن العدد ارتفع لما يقارب الثلاثين ألفاً. وأن نحو نصف القوة الضاربة من تعداد الجيش يرزحون تحت وطأة العبء النفسي الجاثم على صدور جنود لم يعودوا مقتنعين أنهم يقاتلون في سبيل وطن، بل في سبيل رئيس وزراء يسعر نيران الحرب ويطيل أمدها فرارا من محاكمة قد تنهي حياته السياسية للأبد.

  والسؤال: لماذا تخشي إسرائيل انطفاء جذوة حرب تعلم أنها لن تربحها؟!

الحق أنها ترزح تحت ضغوط وخيارات أحلاها أشد مرارة من الحنظل. إذ لو توقفت الحرب فإن هناك سلسلة من الأحداث ستحدث بشكل تلقائي: أولها إجراء تحقيق حول حصيلة الخسائر التي مُنِيَ بها الجيش الإسرائيلي. وهي خسائر فادحة تتجاوز كثيراً ما يتم إعلانه أو تسريبه، وهو ما سيؤدي بالضرورة إلى إدانة مجلس الحرب وقادته وعلى رأسهم بنيامين نتنياهو. وقد يؤدى هذا لتنفيذ أحكام قضائية ضدهم وإلى حل الحكومة وإجراء انتخابات مبكرة سيكسبها اليسار الإسرائيلي حتماً، وهو ما يرفضه ويخشاه اليمين المتطرف.

  ثم يأتي دور الداخل الإسرائيلي الذي سيفيق على كارثة مخيفة: كارثة الأسري، ثم كارثة النازحين من المستوطنين، وأغلبهم يخشون العودة لمستوطنات ستظل مهددة على الدوام بنيران وصواريخ المقاومة رغم الهدنة وتوقف الحرب. ثم هناك كارثة ثالثة، هي أن الجنود الذين هربوا من نيران الحرب لن يكون بمقدور أحد إقناعهم العودة للقتال في حالة تأججه من جديد؛ بسبب الصدمات النفسية لتي تفشت بين الجنود والضباط على السواء!

 معنى هذا أن توقف الحرب الإسرائيلية الغاشمة الظالمة لن يؤدي فقط لإعلان هزيمتها. بل لتفتتها وتشتتها على كل الأصعدة: حكومتها وشعبها وقوتها العسكرية والاقتصادية. إنها اللحظة التي تتحاشاها إسرائيل وتؤخر أمريكا قدومها بكل ما تستطيع..

مآلات المعركة

 لا يستطيع أحد الجزم بما سيحدث في قادم الأيام..

 الشعب والكنيست الإسرائيليين يضغطان من أجل توقف الحرب واسترداد الأسري. بينما يصر بنيامين نتنياهو ومعه سائر وزراء اليمين المتطرف، وعلى رأسهم بن غفير، لاستمرارها خشية انهيار حكومتهم ومن ورائها أكاذيبهم التي سيفضحها توقف الحرب..

  التهديد ضد مدينة رفح لتحقيق التهجير القسري ما زال قائماً، وإن وقفت في وجهه مصر ومعها كل دول المنطقة. وتوسيع مجال الحرب في البحر الأحمر وفى جنوب لبنان قد يؤدي لدخول أطراف أخري للميدان، وهو ما تحاول أمريكا الدفع لتجنبه وعدم حدوثه. وبين الشد والجذب قد تشتعل الأمور بين ليلة وضحاها. أو قد تهدأ تماماً إذا أفلحت أمريكا في السيطرة على ضبعها الهائج الطليق بتحييد اليمين المتطرف في حكومة نتنياهو.

 الكرة الآن ليست في ملعب إسرائيل ولا حتى في ملعب المقاومة الفلسطينية، بل في ملعب الولايات المتحدة الأمريكية. وأمريكا في مأزق لا تحسد عليه: إنها مقبلة على انتخابات وشيكة وسط تدني شعبية بايدن وحزبه الديموقراطي. والصين تكشر عن أنيابها بعد ظهور نتائج انتخابات تايوان وفوز المرشح الموالي للغرب. وروسيا تستعد للتصعيد ضد أوكرانيا. والحلف الأمريكي بدأ عقده في الانفراط، والكراهية العالمية ضدها في تصاعد مستمر لدعمها لمذابح إسرائيل في غزة.

 أغلب الظن أن هدنة طويلة ستحدث من أجل إجراء صفقة تبادل أسري على مدار عدة شهور. وقد تطول الهدنة أو تقصر طبقاً لمدي التزام إسرائيل بشروطها. وإذا حدث هذا فلسوف نتنفس الصعداء استبشاراً بالقادم. وأهم ما فيه أن قضية فلسطين باتت قضية العالم أجمع لا قضية العرب وحدهم. وهو ما يعني أن حلم تحرير المسجد الأقصى بات أقرب مما كنا نتخيل.

فلسطين هي الباقية

 لو أن حرب السابع من أكتوبر باتت تهدد الوجود الإسرائيلي كما يزعم بعض حاخامات اليهود، فهي البشري بأن الوجود الفلسطيني الأصيل سيعود ليسترد أرضه في المستقبل القريب..

  لقد انكسرت شوكة إسرائيل للأبد، ولم يعد باستطاعتها تزييف الحقائق التي انكشفت أمام الكافة.. وأولها حقيقة أن الجيش الإسرائيلي أضعف كثيراً مما كان يبدو. وأن هزيمته ممكنة. وأن الموساد الإسرائيلي ليس أقوى جهاز مخابرات في المنطقة كما كان يشاع. وأن صورة إسرائيل في الغرب باعتبارها نموذج التمدين والرقي انهارت أمام ساديتها ووحشيتها ضد المدنيين العزل من الشيوخ والأطفال والنساء. كل هذا معناه أن إسرائيل لم تعد هي هي. وأن وجودها صار مهدداً بالزوال أكثر من ذي قبل.

 إن عقارب الساعة لا تعود للوراء. وليس بإمكان إسرائيل ولا أمريكا استعادة هيبة جيش انهزم هزيمة مخزية لن تكون الهزيمة الأخيرة. لقد عادت القضية الفلسطينية للحياة من جديد في صدور كافة الشعوب العربية، ولم يعد بإمكان أحد صغر شأنه أو كبر أن يطفئ جذوتها المشتعلة مهما كانت إجراءات ما بعد الحرب. فقد ترسخ مفهوم المقاومة في قلوب الجيل القادم من فتيان فلسطين الذين سيأتي على أيديهم النصر المؤزر. وما دامت إسرائيل تصر على عدم حل الدولتين. فلسوف يأتي اليوم الذي ينتهي فيه الصراع ببقاء دولة واحدة اسمها فلسطين.

  كانت فلسطين منذ البداية وسوف تبقي وتظل رغم أنف كل أعدائها.

***

د. عبد السلام فاروق

لا بد أن هناك ما يفسر للرئيس الأمريكي بايدن تصريحه السابق قبل أن يصبح رئيساً، والذي أعلن فيه أنه ليس نصيراً لإسرائيل فحسب وإنما هو صهيونياً بخمسة نجوم. التفسير ببساطة متناهية: لأن الرجل كاثوليكي وليس بروتستانتي. ولأنه كذلك فلقد كان من حقه أن يتحدث عن دعمه الأكيد لإسرائيل دعماً مفتوحاً على أساس نظرية الأمن القومي الأمريكي التي تتبنى الأمن الإسرائيلي إلى حد التوئمة بدلاً من دخوله الخانة التي تلزم الشخص أن يكون بروتستانتياً متطرفاً حتى يصير مسيحياً صهيونياً، لأننا في الخانة الأخيرة ننتقل هنا إلى الدين دون أن نغادر السياسة.

بالنسبة لي كان ذلك مضحكاً بعض الشيء. لقد جعلني ذلك أجزم أن التصريح لا يخلو من المجاملة المتطرفة حتى في الحالات القليلة التي يدعي فيها الكاثوليكي انتماءه للمسيحية الصهيونية ذات الفقه البروتستانتي المتطرف.

لكن معرفة أن المال السياسي وكذلك الإعلام وأغلب السياقات التي تتحكم بوصول السياسي إلى البيت الأبيض أولاً، والكونغرس ثانياً، بمجلسيه السنت والنواب، هو مال تهيمن عليه إلى حد فائق قوى اليهودية الصهيونية، سيجعلك تفهم سريعاً السر الذي يجعل هؤلاء السياسيين (المسيحيين) يتقاتلون من أجل إرضاء الحركة والمؤسسات الصهيونية، وبخاصة من خلال التأكيد على دعمهم إسرائيل بكل الوسائل المتاحة، وتفهم أيضاً لماذا يجب أن يكون الطامع لمنصب سيادي أمريكي، بداية بعضوية الكونغرس ونهاية بالرئيس، منافقاً سياسياً وذلك إن لم يكن بروتستانتياً منتمياً لتيار الصهيونية المسيحية.

لو كان ترامب هو الذي أعلن ذلك، فلن أشكك بمصداقية الرجل، فالصهيونية المسيحية هي بالأساس حركة ذات جذور وفقه ومضمون بروتستانتي متطرف، والرجل بايدن كاثوليكي كما نعرفه. وما جعل بايدن منافقاً من الناحية الدينية أن صهيونيته المسيحية تشترط عليه أن يكون بروتستانتياً في المقام الأول لأن الصهيونية المسيحية هي حركة دينية قبل أن تكون سياسية، والسياسي هنا فيها تعبير عن الديني، وليس هناك فرصة مطلقاً لتغيير جوهر المعادلة، كأن يكون الديني تعبيراً عن السياسي، كما ليس شرطاً أن يكون المتعاطف مع إسرائيل والمشروع الصهيوني بروتسانتياً، لأن التعاطف السياسي هنا هو حالة تماهي سياسي وليس حالة انتماء. فأما التماهي الأمريكي الإسرائيلي فهو كان قد نشأ على مشتركات أمنية وسياسية جعلت المشروع السياسي الأمريكي والإسرائيلي يتوحدان حتى تكاد تحسبهما بالأصل واحداً، و كأنهما صارا كما هي أحجية: هل البيضة من الدجاجة أم الدجاجة من البيضة. وما لدينا هنا المعادلة التي تقول: ليس كل بروتستانتي هو مسيحي صهيوني وإنما هو جناحهم اليميني العنصري المتطرف، أما الكاثوليكي فيمكن أن يكون داعماً للصهيونية دون أن يكون صهيونياً بالفقه والرؤى الدينية.

وليس من باب الغرائب ولا العجائب أن نقول أن إسرائيل هي مشروع المسيحية الصهيونية قبل ان تكون مشروع اليهودية الصهيونية، وأن دولة إسرائيل تبدو في إطارها الثقافي والفقهي ومن ثم السياسي هي في خدمة مشروع المسيحية الصهيونية قبل أن تكون في خدمة مشروع اليهودية الصهيونية، ففي النهاية ومن ناحية دينية خالصة تطمع الصهيونية المسيحية أن يتحول اليهود الصالحين إلى مسيحيين. إن الإتيان على بعض الحقائق التاريخية ربما سيساعدنا على فهم ذلك.

نعلم أن المؤتمر الصهيوني الأول الذي ترأسه هرتزل كان قد عقد في بال السويسرية وذلك في عام 1897، لكن في عام 1844 وفد إلى القدس أول قنصل أميركي، (واردر كريستون)، وكان من الأهداف التي رسمها القنصل لنفسه أن "يقوم بعمل الرب، ويساعد على إنشاء وطن قومي لليهود في أرض الميعاد" (رضا هلال: المسيح اليهودي ص 95). وبذل (كريستون) جهداً مضنياً في الاتصال بالقادة الأميركيين وحثهم على العمل من أجل "جعل فلسطين وطنا قوميا لليهود حتى يلتئم شمل الأمة اليهودية، وتمارس شعائرها وتزدهر"

وعلى خطى كريستون جاء الرحالة الإنجيلي الأميركي (ويليام بلاكستون)، الذي نشر كتابا بعنوان "المسيح قادم" عام 1878 بيعت منه ملايين النسخ، وأثر تأثيراً عميقا على البروتستانتية الأميركية. والفكرة الرئيسية للكتاب أن "عودة المسيح" التي ظل المسيحيون ينتظرونها على مر القرون لن تتم إلا بعودة اليهود إلى أرض الميعاد. وفي العام 1891 تقدم بلاكستون بعريضة إلى الرئيس الأميركي يومها (بنيامين هاريسون) مطالبا بتدخل أميركا لإعادة اليهود إلى فلسطين. وجمع على العريضة توقيعات 413 من كبار رجال الدين المسيحي في أميركا، إضافة إلى كبير قضاة المحكمة العليا، ورئيس مجلس النواب، وعدد كبير من أعضاء مجلس الشيوخ، ورؤساء تحرير عدد من الصحف الكبرى.

على الجهة الأخرى علينا أن نتذكر أن عدداً لا باس به من اليهود يؤمنون بأن الفقه اليهودي لا يقر قيام دولة أسرائيل ومثال ذلك اليهود من (الحريديم) الذين يحرمون على أنفسهم الخدمة في الجيش. وثمة حركة يهودية تطلق على نفسها اسم "ناطوري كارتا" أي حراس المدينة تحارب الفكر الصهيوني ولا تؤمن بدولة إسرائيل.

إن اليهود الصهاينة الذي عقدوا مؤتمرهم الأول عام 1897 في (بال السويسرية) لم يعقدوه إلا بعد أن أدركوا أن الظرف السياسي الأمريكي والأوروبي، على إختلاف الذرائع، قد بات يعمل لصالحهم. وأقول مختلف الذرائع بغية التمييز بين الدوافع الأمريكية من جهة والأوروبية على الجهة الأخرى، إذ حيث ينسب للمال السياسي والإعلام الصهيوني والتعاطف البروتستانتي صلته بخلق التعاطف الأمريكي فإن أوروبا كانت طامعة أيضاً في التخلص من اليهود الذين كانوا قد أصبحوا مشكلة حقيقية لمجتمعاتها.

ونلاحظ هنا أن الدول ذات الأغلبية الكاثوليكية ميالة لإتخاذ مواقف لصالح الفلسطينيين ومثال ذلك إسبانيا وأيرلندا، أما البرازيل ذات الأغلبية الكاثوليكية العالمية فمواقفها واضحة. ولا نعني أن هذه الدول محكومة بمواقف ذات صبغة دينية كاثوليكية، إلا أن المعني هنا أن ثقافتها الدينية العامة الداعمة لثقافتها السياسية هي بكل تأكيد معاكسة إن لم تكن متناقضة مع ثقافة المسيحية الصهيونية ممثلة بالجناح البروتستانتي اليميني المتطرف.

***

د. جعفر المظفر

بعد ان توقفت الحياة عندنا وأختلت موازين الحقوق والواجبات.. كان لزاماً علينا ان نتوقف فورا والعودة لمعرفة اساسيات الحياة التي تقدمت فيها الشعوب ووقفنا نحن امامها دون حراك الا ما نعنيه بأننا مسلمون ولاغير.. نعم انه المنهج المدرسي الذي صاغه لنا فقهاء الدين من اتباع البويهيين والسلجوقيين جبرا وخطئا ليعلموننا الأفضلية في التضليل.. ليبقوا هم يحكمون ونحن نرفع شعار "علي وياك علي".. وننتهي نحن الى غير رجعة في العالمين.. فهل سنستمر على الحالة المزرية اليوم، ام نختار البديل لنصل الى التغطية على الحقيقة لننهي التجهيل.. وسط فئة حاكمة مجرمة تقاسمت ثروات الوطن فيما بينها والاخرين.. قسمة لم تشهدها الأوطان منذ فجر السلالات الى اليوم مدفوعة برغبة تدعي فيها انها من أهل المعرفة والعرفان صاحبة الحق في ثروة وطن العراقيين.

لم تكن الاديان السماوية الا نموذجا لفكرة الأديان في الاساطير القديمة نتيجة الحالة الأيمانية بالقوة الخفية وهي ليست ملكاً لمرجعياتها المنتحلة التي تدعي بأحقيتها الباطلة.. بل وجدت منذ عصر الانسان الاول حينما بدأ العقل الفعال يفكر بدرء الخطر عن حياته في الغابة والصحراء وهو يعيش بلا حماية ولا قانون.. حتى تحولت هذه الاساطير القديمة الى حالة ايمانية عند الانسان.. وبمرور الزمن ظهر لها التنظير من الكهنة الذين حولوها الى واقع ايماني، او معتقد ديني لا يناقش في احكامه ونواهيهِ بعد ان غلفوه بالمقدس الذي لا يمس.. من هنا تعددت المظاهر حتى أرتبطت بالاطار الثقافي للشعوب فاصبحت عقيدة دين ملزمة التطبيق.. منها ظهر الأستعلاء على الاخرين.. دون الحقوق.

وحتى تجد لها المسوغ الذي يمكنها من السيطرة على العقول راحوا منظريها ينسبونها الى قوى خفية آلهية بعيدة عن الوجود "الأصنام مثالاً"، متمثلة باشارات او تماثيل صنعت من وحي الخيال لامن صنع الوجود.. حتى اصبح الانسان القديم اسيراً للعواطف الدينية التي صنعوها فخضعت للترغيب والترهيب والثواب والعقاب.. وبمرو ر الزمن اصبحت ديانات لها مرجعياتها المقدسة التي لا يجوزالشك فيها او معارضتها، لانها خًلقت من وحي الهي كما يدعون يمثل وحي الوجود.

وما دروا ان منبعها ديانات المدن العراقية القديمة منذ عهد السومريين من سلسلة اراء كهنتهم والمتفيهقين منهم.. ثم ازدهرت بعد ذلك وتوسعت عند البابليين والاشوريين حتى اصبحت عقيدة لا يجوز التجاوز عليها دون تحقيق.. لكن المهم عند العراقيين، اشتقت منها القوانين كشريعة آور نمو السومري وحمورابي البابلي، ووثائق الآشوريين. فماذا لو ان حمورابي ادعى النبوة آنذاك لصدقوه فكان واحدا منهم.. ومنها انتقلت الى الدول المجاورة في بلاد فارس وصولا لحضارة اليونان والفينيقيين ومصر الفرعونية. فكان البحر المتوسط وسيطة لانتقال الاديان هكذا أخبرتنا الأساطير القديمة "اسطورة الطوفان والكهف وغيرها كثير".. من هنا اعتمدت الاديان كحقيقة على تلاصق المعتقد الديني بالاساطير.

 وبمرور الزمن منها انطلقت الاديان السماوية الثلاثة اليهودية والمسيحية والاسلام وما قبلها من اديان وتأملات فاقت كل تصور.. حتى تحولت الى حقائق عند اصحاب الدين الحقيقي المنادى به كواقع صحيح.. فلم يعد احد الا واعتقد بها دون اختيار من رأي او قانون،فالدين الصحيح جاء من اجل العدالة والقانون لا من اجل المتفيهقين من مرجعيات الدين الوهمية "من حكم العدل وصل.. ومن حكم الباطل سقط".. لذا سقطوا دون تمييز. وحين تحولت الى اديان سماوية يصعب رفضها باعتبارها من آله مقدس خالق للكون وما فيه اصبحت عقيدة لا تمس، وهي كلها أدعاءات نبوة لا غير.. من هنا كانت نقطة التحول من الاساطير الى الديانة الواقعية عن طريق الرسل والانبياء بنظر معتنقيها وان اختلفوا في التفاصيل.. ولو أعتقدوا بها حقا لما خرجوا على قوانينها.. مثل اصحاب نظرية المهدي المنتظر لو كانوا يؤمنون بها حقاً لماذا لا يطبقون عدالتها المنتظرة وهم اليوم يحكمون.

كل الاساطير التي وردت في المعتقدات القديمة نقلت للاديان الآلهية باعتبارهاجديدة ومبتكرة من الله حلت في عقول معتنقيها دون تغيير وهي من وَهمَ المبتكر لها لا حقيقة دين.. كأسطورة الطوفان، واسطورة الخلق، والكهف،ويوسف، والقصص القديمة التي جاءت كتنزيل.. وعليها تأسست الديانات السماوية التي الحقت بهما كل التفاصيل الاخرى من عقاب وثواب، وقوانين، في كيفية التكوين في الموت والخلق والخلود والبعث والجنة والنار والحساب والعقاب التي تجسدت في قوانين الخلق والدين،وهي رمزيات حياة لا دين.. تجسدت في ثلاث ديانات هي اليهودية متمثلة بموسى والمسيحية بعيسى والاسلامية بمحمد بن عبد الله.. فكانت ديانته أخر الديانات.. وفي غالبيتها.. رمزيات.

هنا في الديانات الثلاث تطورت فكرة الخلود والروح والنفس.. والجنة والنار.. وفكرة العقاب والثواب.. ولا زال العلماء والفلاسفة الى اليوم يبحثون فيما غُمض من مراسيم الاديان وارتباطها بالحياة.. ليحولوا النصوص الى قوانين.. بعد ظهور الرجل المقدس الذي يأمر فيجب ان يطاع (ولي الأمر كما أرادوه) وهي كلها من وحي اللا وجود.. كأساطير الآولين.

وحين استطاعت قيادات الشعوب القديمة تثبيت هذه الاساطير في معتقداتها كقوانين.. جاءت الاديان السماوية لتتلقفها وتحولها الى حقائق دينية ربانية مقدسة لا يجوز الشك فيها او محاورتها.. وهي كلها من صنع العقل القديم لا الوجود.. فكانت طقوس التطهير والاحتفالات والنذوروالمزارات الوهمية والدعاء لمناسبات هم صنعوها لألهاء الناس بالأمل الموعود وغيرها كثيرحتى باتت تقاليد دينية مقدسة عندهم يحتذى بها الى اليوم.. كلها وضعت في طقوس الديانات حتى جعلوها تثبيت وتأكيد. فكانت الاستجابة لها دون دليل فمشت الناس عليها معتقدة انها من وحي الوجود..

فاسطورة الطوفان مثلاً : بدأت في بلاد ما بين النهرين عند السومريين والبابليين.. متمثلة في الألواح السومرية السبعة،ومسلة حمورابي البابلية،وفي الهندية بالسمكة الكبيرة"فاسكو" التي أنقذتهم من الطوفان والغرق،وبمرور الزمن انتقلت الى الهنود والاغريق والفرس والمصريين "انظر الديانة الزرادشتية والبوذية".. ومن ثم تلقفتها الديانات السماوية لتضفي عليها المنطق القدسي الكبير.. ولتعطي منها دروسا في العدل والحقوق وعدم الاعتداء على الاخرين.. طوفان نوح وقصة يوسف وأهل الكهف مثالاً.

واسطورة الخلق المتمثلة في خلق البشرالقديم الحقيقي والوهم (هوموا.. وأبلس ) ومنها تفرعت بقيت الاساطير. فكانت اسطورة آدم وحواء كبداية في منظور العلم الحديث، ومازال العلماء والفلاسفة يبحثون الى اليوم عن هذه الالغاز الاسطورية لتفيسير الكثير من المعتقدات الدينية، وما غمض من مراسيم الحياة الاخرى.. ولا زلنا نبحث اليوم عن بداية ظهور أول بشر قبل ملايين السنين من قبل مجيء آدم وحواء "انسان النياندترال ". ومن اين جاء هؤلاء البشر ومن خلقهم.. لكن الثابت ان آدم ليس هو اول البشر بل يمثل "الأنسنة " اي بداية ظهور أنسانية الانسان والحقوق. نظرية بحاجة الى بحث وتدقيق بعيدا عن مؤسسة الدين صاحبة الوهميات في التثبيت.

اما قصص الخلق فقد أختلط فيها السحر بالخيال فأنتج قصصا كلها تدعو الى الخلق واسراره المتعددة،وحتى القرآن الكريم يقول:"نحن نقص عليك نبأهم بالحق،الكهف 13".. وهنا يعطينا القرآن خط تطور التاريخ الانساني بالمعرفة والتشريعاي التفاعل مع العقيدة،ومع التفاعل بالسلوك ولاغير. كما في اسطورة الخلق عند السومريين والبابليين والفرس والفراعنة وكل منهم له نظريته في الوجود، تمثلت باراء " بيضة ازوريس وتموز عند البابليين " وتوالدها كرمزا للخلود.. واستمرت الاراء تطرح في الحضارة الهندية والصينية وكل له وجهة نظر مخالفة لكن الجميع يصرون على وجود النظرية في زمانهم كان لها وجود.. والكتب السماوية والمخطوطات والبرديات المصرية تقف الى جانب هذا التفسير التاريخي الرصين.. لكن قصة الخلق بدأت بآدم وحواء عند المسلمين كنص مقدس حرم محاورته.. وهي لا زالت بحاجة الى نقاش معمق وتدوين بعد ان فُسر القرآن تفسيرا ترادفيا لم تكن التسميات الحسية قد استكملت بعد تركيزها في تجريدات.. لذا هي بحاجة الى تدقيق.

وهكذا تأثرت الديانة اليهودية بحضارة وتقاليد حضارة مابين النهرين، والفارسية والفرعونية بشريعة اور نمو وشريعة حمورابي. اما المسيحية فقدتأثرت بالفلسفات اليونانية والرومانية وانتقلت منها الى الشرق، اماالاسلامية فقد تاثرت بديانة العرب قبل الاسلام مثل طقوس مناسك الحج والصوم والنذور وزيارات المعابد والادعية فيها،وفي غالبيتها منقولة طبق الأصل من القديم..

وهكذا بمرور الزمن اصبحت الاساطيروطقوسها دلالات مصدرا ايمانيا بعقيدة الله الواحد الاحد للتمسك بالعقيدة الواحدة وتجنب الفوضى.

ومع هذا لم تسلم الدياناتات الثلاثة من هَناتٍ التي ادخل عليها الفقهاء من ابتكاراتهم العقلية الباطلة التي لا اساس لها في الوجود فحولوها الى تقديس.. فتحولت الاديان الى حكم المستغلين كما هي اليوم.. حين أضافوا ولي الأمر لحكم الله تجاوزا على النص المقدس. "أطيعوا الله والرسول وآلوا الأمرمنكم".

فالديانات الثلاثة استحدثت من وحي الاساطير الاولية تحولت الى اديان سماوية بفعل خالقها العظيم.. لذا فان نظريات التزوير الفقهية لعبت دورا في التفريق،هذا التفريق الذي لا يزال يحتل الكثير من التعقيدات الفكرية والفقهية السياسية التي دخلت المجتمعات فمزقتها الى فرق واديان ومذاهب باطلة ما انزل الله بها من سلطان فوقفت حجرة عثرة امام التغير والتطورفي حياة معتنقيها.

وتبقى الديانات السماوية الثلاث لهاصفة التكريم والتقديس شرط ان يلتزم اصحابها بوحدة الهدف، لا التفريق ما دامت كلها منزلة من الله للعالمين كما يعتقدون،وكما جاء في النص القرآني "ويعلمه الكتاب والحكمة والتوراة والانجيل،آل عمران 48". وما دامت تهدف الى وحدة الهدف في الحق والعدل، وصانعة المجتمع دون استغلال وتفريق.. والتخلي عن التعصب، وهذا لم يحدث.. بل حدث العكس حتى غلفت شعوبها بالتخلف والدكتاتورية وضياع الحقوق واللاقانون..

هنا يجب الاعتراف بان الحقيقة الدينية تتغير وتتطورعبر الزمن وهي ليست مطلقة ومنقوشة فوق حجر.

واخيرا نقول :اذا أردت ان تتحكم في جاهل عليك ان تغلف كل باطل بغلاف الدين بعد ان اصبح الدين عقيدة مستغلة من قبل صانعيها.. وهذا هو واقعنا المزري اليوم.. لذا على الشعوب ان تحرر نفسها بأيديها من المستغلين. فان القدر لم يأتِ بدين ليجعله نقمة على العالمين.. اعتقد ان المسافة أصبحت طويلة علينا وتحقيق الهدف بات شبه مستحيل.. ولكن لا يوجد مستحيل أمام من يحاول قهر المستحيل..

فأين اساتذة المناهج المدرسية التي على عاتقهم يقع التغيير.

***

د. عبد الجبارالعبيدي

هل وصل العالم إلى حافة المواجهة؟ سؤال بدأ يكبر مع استمرار الحرب الروسية في أوكرانيا، منذ 24 شباط /  فبراير 2022، حيث بدا الأمر أكثر وضوحًا، تكتلًا ضدّ تكتل، خصوصًا بتعزيز المحور الروسي - الصيني، الذي اقتربت منه إيران إلى حدود كبيرة، مقابل المحور الغربي، الذي تقوده الولايات المتحدة، مستنفرةً حلف الناتو والاتحاد الأوروبي، لتقديم الدعم المادي والمعنوي إلى أوكرانيا، التي وضعها حظّها العاثر في طريق روسيا.

وكان زبيغنيو بريجينسكي، مستشار الأمن القومي في عهد الرئيس الأمريكي جيمي كارتر (1977 - 1981)، كتب "من دون أوكرانيا لا يمكن لروسيا أن تُصبح قطبًا سياديًا لعالم متعدد الأقطاب"، فقد كانت أوكرانيا تاريخيًا جزءًا من المجال الحيوي لروسيا، وترتبط معها بروابط عميقة، لكنها ثاني دولة انسلخت عن الاتحاد السوفيتي في العام 1991، ومذ حصلت على استقلالها، أصبحت عيناها على الغرب، وأبدت سعيًا حثيثًا للانضمام إلى حلف الناتو والاتحاد الأوروبي، الأمر الذي جعل روسيا مرتابة من وجوده على حدودها، علمًا بأن واشنطن كانت قد قدمت تعهدات لغورباتشوف بعدم انضمام دول شرق أوروبا إلى الناتو، بعد تفكك حلف وارشو، لكن واشنطن تنصّلت من وعودها، وسعت إلى تطويق روسيا، بل خنقها داخل حدودها.

لهذه الأسباب يمكن تفهم قيام روسيا ببدء الحرب على أوكرانيا، لكن من يستطيع بدء الحرب، لا يمكنه تحديد موعد نهايتها، فثمة عوامل جديدة تتداخل في مجرياتها، فهل غامر الرئيس بوتين، حين أقدم على الاعتراف بجمهورية الدومباس، والتي تبعها شنّ الحرب على أوكرانيا؟ وإذا كان الاعتقاد أن ضمّ مناطق من شرق أوكرانيا إلى روسيا، سيمرّ كما حصل في ضمّ شبه جزيرة القرم (2014)، فإن مثل هذا الاعتقاد كان خاطئًا تمامًا، لأن الأمر مختلف هذه المرّة، فأوكرانيا تمثّل بوابة روسيا إلى الغرب.

صحيح أن وضع منصّات صاروخية من جانب حلف الناتو على حدود روسيا، يعتبر استفزازًا كبيرًا لها، وتهديدًا لأمنها القومي ومصالحها الحيوية، وهو ما حذّرت منه، إلّا أن عوقب شنّ الحرب واستمرارها كانت كارثيةً على الجانبين.

وسبق لبوتين أن اتهم واشنطن بتنظيم انقلاب في أوكرانيا لدعم أنصارها وإقصاء الرئيس المنتخب الموالي لروسيا فيكتور إنيوكوفتش، واستبداله بشخصية موالية للغرب، عبر حركة احتجاج شعبية، تلك التي عُرفت باسم "الثورة الملوّنة" (2014)، التي أوصلت بترو بورشنكو ومن بعده فلاديمير زيلينسكي.

من يقرأ تاريخ العلاقات الأوكرانية - الروسية، يفاجئ أن هذين البلدين السلافيين الجارين، اللذان يدينان بالديانة المسيحية وفقًا للمذهب الأرثوذكسي، ارتبطا منذ ألف عام بتشابك مصيرهما بشكل عضوي، وهو ما يجعل الصراع اليوم أكثر مأساويةً وتعقيدًا، إذْ أن أكثر من 20 % من الروس والأوكرانيين، يرتبطون بعلاقات عائلية، حتى أن بعض الأوكرانيين يعتبرون أنفسهم روسيين، وتاريخيًا، حين تكونت أول دولة في كييف، في العصور الوسطى، أطلقت على نفسها اسم روسيا.

فقط في الحرب العالمية الأولى أُعلن عن قيام دولة أوكرانيا المستقلة، وهكذا أصبحت حقيقة قائمة، لكنه جرى التحاقها بالاتحاد السوفيتي في العام 1922. وباستثناء فترة قصيرة، أصيب بعض الأوكرانيين بالحيرة، فرحبوا بالنازيين كمحررين، بعد أن شنّ الألمان النازيين الحرب على الاتحاد السوفيتي في 22 حزيران / يونيو 1941، وذلك على أمل تحرير أنفسهم من الهيمنة الروسية والقبضة الشيوعية، ولكن حين شعروا بأن الألمان يستهدفونهم أيضًا، انخرطوا في الدفاع عن الوطن السوفيتي، حيث ساهم الجيش الأحمر في تحريرهم  في العام 1945.

وخلال فترة الحكم السوفيتي، وسّعت أوكرانيا حدودها ﺑ 165 ألف كم2 ، وبزيادة سكانية لهذه المناطق بنحو 11 مليون نسمة، مستفيدةً من تدليل زعيمين تناوبا على قيادة الحزب والدولة، وهما نيكيتا خروتشوف، وليونيد بريجينيف. ولعلّنا نستذكر إقدام خروتشوف على منح شبه جزيرة القرم إليها في العام 1956، لكن بعد 58 عامًا أقدم بوتين على استعادتها وفصلها عن أوكرانيا في محاولة ترميم التاريخ والجغرافيا معًا، على حدّ تعبيره، مما زاد من حساسية الأوكرانيين المرتفعة أصلًا من محاولات "الترويس".

تضم أوكرانيا مجموعات ثقافية عديدة مثل البولونيين والرومانيين والهنغاريين، إضافةً إلى مجموعة عرقية روسية كبيرة، وهو ما حاول بوتين استثماره بذريعة "أكرنتهم" والتمييز ضدّهم بفرض اللغة الأوكرانية عليهم، بما في ذلك في الدونباس وشبه جزيرة القرم، وخصوصًا بتقرّبها من الغرب، وإدارة ظهرها للعلاقات التاريخية الأوكرانية - الروسية.

لقد أنهكت واشنطن موسكو خلال الحرب الباردة بسباق التسلّح، وخصوصًا ببرنامج حرب النجوم، في عهد الرئيس رونالد ريغان، والآن تسعى لتوريطها في أفغانستان جديدة، وشعارها التضحية بآخر أوكراني، كما كان شعارها التضحية بآخر أفغاني في مواجهة السوفييت، ردًا على هزيمة فيتنام.

كل هذه الأوضاع عبّر عنها، بحزن وألم، الكاتب والديبلوماسي السابق الروسي - الأوكراني، فلاديمير فيدوروفسكي، حين كتب يقول "هذه الحرب تمزقني، كانت والدتي روسيةً ووالدي بطلًا أوكرانيًا في الحرب العالمية الثانية..."، ولم يكتف بذلك، بل حذّر من القطيعة النهائية بين روسيا والغرب، ومدى خطورة حصولها، وذلك في كتابه الموسوم "بوتين - أوكرانيا: الأوجه الخفية"، الصادر عن دار النهار، بيروت، 2023.

***

عبد الحسين شعبان

يتسائل العراقيون ومنذ حوالي ربع قرن بعد الاحتلال الامريكي عام 2003 حيث سقط الدكتاتور الذي تسبب حكمه في استشهاد اكثر من مليون شاب عراقي في حروبه العبثية عن افاق مستقبل العراق وها نحن الان فقدنا عقدين من الزمان ادت بتراجع العراق على جميع الاصعدة الى مستوى غير معقول من التخلف والفشل واصبحت المحافظات الجنوبية بشكل خاص في حالة يرثى لها !

ان هيمنة القوى الدينية من فئة الاسلام السياسي على مقاليد الحكم ليس بامكانها الا ان تؤدي بالعراق الى الخراب والدمار كما تثبت تجارب الدول المتقدمة حيث لم تنهض الا بعد الخلاص من هيمنة الكنيسة في عصر النهضة السحيق حيث حققت تلك الدول تقدما على جميع الاصعدة وقدمت للبشرية انجازات علمية وتكنولوجية لا تحصى  ويسير العالم اليوم بوتائر سريعة جدا تؤدي الى توسيع الهوة بين بلداننا "النامية او النايمة" وبين العالم المتقدم .

ان انتفاضة اكتوبر 2019 كانت بارقة الامل للعراق والعراقيين وارعبت قوى الظلام المسيطرة على الحكم كما اثبتت ان شباب العراق الواعي رغم كافة المصاعب هو امل المستقبل الواعد وتمكنت الانتفاضة من تحقيق الكثير في مسارها حيث نجحت في ارسال حكومة المجرم عادل عبد المهدي الى مزبلة التاريخ وارغموا البرلمان على تغيير قانون الانتخابات كما ان شعاراتها وعلى رأسها شعار "نريد وطن" عبرت عن وعي ونضوج عالي وحاول ازلام السلطة اغداق الوعود الكاذبة لتخليص حكمها الذي اوشك على السقوط .

لقد لملم ازلام السلطة اوضاعهم ويسيطرون حاليا ومن جديد  وبنفس اساليبهم البالية على كافة مقاليد الحكم ولم يتعلموا شيئا من تجربتهم السابقة ويتصورون مخطئين ان بامكانهم ارجاع عقارب الساعة الى الوراء ومحو افكار واثار الانتفاضة وهو المستحيل من عقول وافئدة العراقيين حيث في هذا الوضع الشاذ قد اعادوا قانون الانتخابات القديم وكذلك اعادوا حلقة الفساد الساقطة "مجالس المحافظات" الى العمل بعد عشرة سنوات من اختفائها لتكون حلقة فساد وسرقة على صعيد المحافظات اذ لايكفيهم كما يبدو "اللغف" والنهب المتواصل على الصعيد المركزي في الوزارات ومكتب رئيس الوزراء.

تشكلت الحكومة الحالية قبل اكثر من عام لتمثل جماعات الاطار التي خسرت الانتخابات واستحوذت بالرغم من ذلك وبشكل غير عادل على مقاعد برلمانية ليست من استحقاقها وطرحت الحكومة برنامجا مليئا بالوعود وفي مقدمتها محاربة الفساد " الذي انعكس في اطلاق سراح نور زهير صاحب سرقة القرن!" واجراء انتخابات برلمانية مبكرة تنصلت عنه لاحقا وبدل ان تركز الحكومة على برامج تنموية حقيقية نجدها مشغولة بخدمات بلدية صغيرة لغرض الدعاية والاعلان عبر ابواق من المرتزقة مهمتها تلميع صورة اي حاكم .

كيف يمكن للحكومة الحالية تقديم القتلة المسئولين عن قتل اكثر من الف شهيد في انتفاضة اكتوبر 2019 وهي في الحقيقة تمثل تلك المليشيات المجرمة كما ان الحاكم الفعلي المتنفذ هم مسلحين يستلمون رواتبهم من الدولة ولكن يخضعون في قراراتهم للاجنبي وقد ارتفعت في الاونة الاخيرة اصوات تطالب باخراج القوات الامريكية حرصا على سيادة البلد المنتهكة وليس هناك اي وطني لا يتمنى تحرير بلاده واخراج كافة القوى الاجنبية وينبغي ان ندرك بان قرار مغادرة الامريكان هو بيدهم وقد صرحوا مرات عديدة اصرارهم على البقاء وطالما هي قوات جاءت عام 2014 من جديد بدعوة من الحكومة العراقية فان اخراجها لن يتم الا عبر مفاوضات شاقة ليس للحكومة الحالية المراوغة والتي تكذب على الشعب قدرة حقيقية او حتى قد لا تكون لديها نية حقيقية على ادارة مثل هذه المفاوضات كما ان السؤال الاخر هو ماذا بشان القوات الاجنبية الاخرى كالقوات التركية او "الخبراء الايرانيين" .

ان الحاكم الفعلي في العراق حاليا هي المليشيات المسلحة والتي يصف احد قادتها رئيس الوزراء بمدير عام عندهم اي ان المليشيات تصول وتجول في الوطن وتنتهج سياسات تخدم مصالح دول الجوار على الضد من مصلحة الوطن وقد عادت اليوم الى عمليات الاغتيالات السياسية والتهديدات بقوة السلاح المنفلت والتي لا تعكس اي استتباب للامن عكس ما تدعيه الحكومة واما البرلمان العراقي في عاجز وفاشل عن اصدار اية قوانين تذكر عدى القوانين التي تصب في خانة قمع الاراء كما يجري حاليا في محاولات تمشية قانون المعلوماتية الذي يستهدف فرض المزيد من القيود على الحريات العامة .

ان الاوضاع الاقتصادية السيـة لاغلبية المواطنين والغلاء الفاحش الذي يزيد في افقار الناس في نجد بسبب الفساد المستشري طبقة من السراق والحرامية متخمة بسرقة المليارات من قوت الشعب والذي يعاني محروما من الخدمات الاساسية الضرورية كالكهرباء التي هي عصب الحياة في هذا العصر اضافة الى انحدار مستوى التعليم بكافة مراحله لمديات مخيفة وكذلك الوضع الصحي الذي انهار فيه عمليا قطاع الصحة الحكومية والتي يعتمد عليها كافة الطبقات المسحوقة .

ان حرب اسرائيل وجرائم الابادة التي ترتكبها بحق سكان غزة وخاضة المدنيين العزل وفي مقدمتهم النساء والاطفال قد سلطت الاضواء على الازمات التي تعاني منها منطقة الشرق الاوسط ومنها اوضاع العراق ومشاكله التي عجزت حكومات المحاصصة والطائفية الفاسدة المتسلطة على الحكم والتي لا تمثل في احسن الاحوال اكثر من 20% من المواطنين الذين فقدوا الثقة بهذه الزمر الفاشلة والتي ليس لها هدف سوى مصالحها الشخصية ومواصلتها لسرقة ثروات الشعب والتي ادت وتؤدي الى المزيد من افقاره .

ان مستقبل العراق ونموه وتقدمه مرهون بالخلاص من الحكم الطائفي المحاصصاتي الفاشل الحالي وهو سيتحقق على ايدي ابناء وبنات العراق التبتوا بتضحياتهم الهائلة في اكتوبر 2019 بانهم قادرين على تخليص العراق وانتشاله من وضعه المزري الحالي ولاشك فان الانتفاضاة القادمة عندما تحصل فستكون قد تعلمت الدروس والعبر من الانتفاضة السابقة وسيكون النصر حليفها لامحالة .

***

محمد الموسوي

 

لا أميل غالباً إلى اللغة الانتصارية الشعاراتية رغم ضرورتها أحيانا لرفع المعنويات ومواجهة حملات التثبيط والتيئيس التي يشنها العدو وأذنابه وجواسيسه، وأفضل على تلك اللغة تشغيل آليات العقلانية النقدية والواقعية لرؤية الواقع الحقيقي على الأرض. ولكن ورغم احتكامي دائماً إلى مقولة غرامشي حول ضرورة التوازن بين "تشاؤم العقل وتفاؤل الإرادة"، أجد من الواقعي تماما القول إنَّ المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، وعلى الرغم من تواضع إمكاناتها القتالية المادية وكونها محاصرة حصارا شديدا فقد انتصرت المقاومة انتصارا لا لبس فيه بصمودها أمام جريمة الإبادة الجماعية واستمرارها في القتال الضاري لقرابة خمسة أشهر.

* ما حدث في السابع من تشرين/ أكتوبر 2023، كان هجوماً خاطفاً جريئاً ودقيقاً استهدف الجهاز العسكري والأمني والاستيطاني للكيان "فرقة غلاف غزة" بشكل رئيس، وقد حقق المهاجمون انتصاراً كبيراً باعتراف العدو نفسه. وكان لابد للعدو بعد أن أفاق من ذهول الصدمة أن يلجأ إلى الانتقام المدمر فشنَّ هجومه الغادر على الشعب الفلسطيني وصمدت المقاومة وصمد الشعب وكان مقدراً أن ينتهي الهجوم الانتقامي بعد شهر أو شهرين أو ثلاثة، ولكن قيادة الكيان اليمينية الدينية المتطرفة حصلت من أميركا والغرب على شيك على بياض لمواصلة حربها الإبادة مستفيدة من أجواء الخنوع والذل في العالمين العربي والإسلامي، فواصلت عمليات القتل المنهجي المبرمج وصمدت المقاومة، وسُفكَت دماء الشعب سيولا، وبعد خمسة أشهر يعجب المرء كيف تمكنت مقاومة تقدر بآلاف المسلحين في منطقة ضيقة (بطول 41 كم وعرض يتراوح بين 6 و12 كم) ومحاصرة –كما قلنا - برا وجوا وبحرا من الصمود ومواصلة القتال في مواجهة واحد من احدث جيوش العالم وتوجيه ضربات صاروخية مستمر على مستوطنات العدو وإثخان هذا الجيش بالقتلى والجرحى والمعاقين!

* لا ريب أن المقاومة قد نزفت دماء أيضا وقدمت شهداء وجرحى وهذا أمر متوقع في حرب ضارية كهذه، وخسرت بعض الأنفاق والعتاد والأسلحة ولكن الخلاصة المهمة هي أنها استمرت وماتزال مستمرة في القتال وخصوصا خلف خطوط العدو وفي المناطق التي سيطرت عليها قوات العدو منذ أشهر في الشمال والوسط وجنوب القطاع. وأن جيش العدو باعتراف قياداته عاجز عن سحب دباباته وآلياته المدمرة والمعطوبة وتسود الفوضى والكوابيس المرضية صفوفه، فوضى دفعت العدو لتخصيص جيش من الأطباء والباحثين النفسانيين لمعالجة هذه الظاهرة المرضية المتفاقمة أما حالات الإعاقة والخروج من الخدمة العسكرية فهي بالآلاف.

* وآخر الأخبار تقول إن المقاومة كما يظهر قد فهمت اللعبة جيدا والضغوطات العربية عليها وهذا ما عبر عنه القيادي إسماعيل هنية في خطابه اليوم والذي قال فيه "نؤكد للصهاينة وللولايات المتحدة شريكتهم في العدوان إنَّ ما عجزوا عن فرضه في الميدان لن يأخذوه بمكائد السياسة" وأضاف محذرا "من قيام إسرائيل بعملية عسكرية برية في رفح، متوعدا إياها بأن المقاومة الفلسطينية في الميدان ستتصدى لها، ودعا العالم -خصوصا الدول العربية- إلى التصدي لهذا العدو وكبح جماحه لثنيه عن غزو رفح". وهذا الكلام يوحي بأن المقاومة في سبيلها الى رفض الإملاءات الصهيوأميركية عبر الوسيطين المصري والقطري، ويعني أيضا أن العدو في سبيله لارتكاب مجزرة ضخمة في رفح لتحقق أوهام وكوابيس نتنياهو وعصابات اليمين الصهيوني الدني المتطرف المحيط به وعندها سيلحق العار بالعدو الصهيوأميركي وبأذنابه من أنظمة الخيانة العربية.

إن المنطق المتخاذل الذي يحمل المقاومة مسؤولية ما سيحدث من هجوم دموي على رفح إذا رفضت صفقة باريس الجديدة منطق فارغ ومخاتل يتناسى أن العدو لم يوافق على إنهاء العدوان ووقف إطلاق النار بموجب هذه الصفقة أي أن الهجوم على رفح قد تأجل قليلا كما قال المجرم نتنياهو حرفيا، بمعنى سواء وافقت المقاومة أو لم توفق على شروط العدو فالهجوم على رفح سيحدث فلماذا التفريط بورقة القوة الوحيدة بيد المقاومة والموافقة على الشروط الصهيوأميركية؟

* لقد فشل جيش العدو حتى اليوم بتحرير أيٍّ من محتجزيه وأسراه إلا شخصين لم يكونا بيد المقاومة وهناك شكوك بإن مخابرات العدو حصلت عليهما عبر مسرحية مخطط لها ومقابل فدية مالية ضخمة.

* وقد فشل العدو طيلة الخمسة أشهر من أسر قيادات مهمة أو حتى مقاتلين عاديين من المقاومة وعرضه على الجمهور الصهيوني المتعطش لدماء الفلسطينيين كما عبرت عن ذلك وزيرة المساواة الاجتماعية الإسرائيلية ماي غولان بقولها "أنا شخصيا فخورة بالخراب والقتل فخورة بدمار غزة.. وبأن كل طفل حتى إلى ما بعد 80 عاماً من الآن سيروي لأحفاده ما فعله اليهود عندما تم قتل أقاربهم"! فعن أي سلام يمكن الكلام مستقبلا مع سفاكي دماء وقتلة مجرمين كهؤلاء يتفاخرون بالخراب والتدمير وقتل الأطفال؟ ألا تكون "إسرائيل قد حكمت على نفسها بالإعدام بعد جريمتها الرهيبة التي ارتكبتها وماتزال ترتكبها بحق الشعب الذي يزعم البعض إنهم يرون العيش معه بسلام؟.

* كما وقد فشل العدو بتهجير الشعب الفلسطيني الغزاوي فشلا ذريعا رغم تواطؤ الأنظمة الرجعية العربية وإحكامها الحصار وخصوصا من حدود القطاع مع مصر "ممر فيلادلفيا"، وما يزال سبعمائة ألف فلسطيني يعانون الجوع في شمال غزة شأنهم شأن مواطنيهم في الوسط والجنوب ولكنهم صامدون.

* وقد ألحقت المقاومة خسائر مذهلة بجيش العدو معبرا عنها بمئات القتلى وآلاف الجرحى من ضباط وجنود والمعدات والآليات، وحاصرت العدو سياسيا واستثمرت دعوى مقاضاة الكيان أمام محكمة العدل الدولية التي رفعتها الشقيقة الكبرى دولة جنوب أفريقيا بغض النظر عن نتائجها المشكوك فيها فلا خير يرتجى من المؤسسات الدولية الاستعمارية التي أنشأها الغرب.

* وقد هزَّت المقاومة الفلسطينية الكيان الصهيوني والروح المعنوية لمستوطنيه هزّا عميقا ولأول مرة منذ قيام الكيان سنة 1948، وأفقدته الشعور بالأمن والأمان لعقود قادمة إذا ظل على قيد الحياة وهذا أمر مشكوك فيه حتى من قبل بعض "الأذكياء" في الكيان، كما فرَّغت عرس الرجعيات العربية العميلة في ما سمي الاتفاقيات الإبراهيمية للاعتراف بالعدو والتطبيع معه كالإمارات والبحرين والمغرب بعد استسلام مصر والأردن وجعل الرجعيات التي لم تشارك تتردد قليلا في اللحاق بزميلاتها كالسعودية والسودان وموريتانيا.

* ومع ورقة باريس الثانية يحاول العدو الأميركي مدعوما من بعض الأنظمة العربية الخانعة انتزاع اعتراف أولي بالتعب والإرهاق من المقاومة والتحضير لجولة أخرى بعد شهر رمضان إذا وافقت المقاومة على الشروط الجديدة... ولكن هيهات لقد قال التأريخ وقولته وسجل على صفحاته:

لقد انتصرت المقاومة الفلسطينية في غزة وهُزم العدو وحرم من تسجيل انتصار ساحق كما كان يأمل وكما كان يتيح له جيشه الحديث المدعوم بجسر جوي أميركي غربي، ولو كان هناك شيء قليل من العدل والنزاهة في هذا العالم لأوقف إطلاق النار وأجبر الكيان الصهيوني على وقف المذبحة بحق المدنيين وسحب قواته ولكنه عالم إمبريالي غاشم وظالم ومغمس بدماء الشعوب والأمم ولكنه سيغرب يوما ويزول كما زالت الحضارات الظالمة البائدة قبله. أما الكيان الصهيوني فقد حكم على نفسه بالإعدام ولن يكون له مستقبل في المشرق العربي وسيلتحق بالكيانات الإفرنجية "الصليبية" الأربعة (كونتية الرها (1098-1150) وإمارة أنطاكية (1098-1287) وكونتية طرابلس (1102-1289) ومملكة بيت المقدس (1099–1291). التي أقامها الأعداء قديما في بلاد الشام ولكنها صارت شيئا من رماد التأريخ!

***

علاء الللامي

 

من الأقوال العربية المأثورة والتي ينسبها البعض لعلي بن أبي طالب (الاعتراف بالخطأ فضيلة) وهو قول له أساس ومرجعية دينية بأن البشر غير معصومين من الخطأ، حتى الأنبياء والرسل غير معصومين من الخطأ في الأمور الدنيوية فما بالك بالقيادات السياسية.

مناسبة هذا الاستهلال هو المعاندة والمكابرة المسّيطرة على حركة حماس ورفضها الاستفادة من تجارب الشعوب ومن تجاربها ومغامراتها السابقة التي أضرت بالقضية الوطنية وكان آخرها عملية طوفان الأقصى التي أعطت الكيان اليهودي الصهيوني مبررا لتنفيذ ما كان يخطط له لغزة وكل القضية الوطنية، ومع ذلك ما زالت تصر قيادة حماس على موقفها وترفض الاعتراف بخطئها وتتحدث عن بطولات وإنجازات متجاهلة الشعب ومعاناته في القطاع والتي وصلت لدرجة أكل الناس للحشائش وأعلاف الحيوانات وامتهان كرامته وأدميته من طرف الاحتلال وتجار الحروب ومن عناصر حماس أنفسهم.

حركة حماس تعاند وتكابر متجاهلة ما يجري على الأرض وأن الأوطان أهم من الأحزاب وأن الشعب وكرامته وأمنه أهم من القيادات السياسية وخصوصا عندما تكون هذه القيادات خارج الوطن ولا تعاني ما يعانيه الشعب.

صحيح أن حركة حماس نجحت بانتخابات تشريعية عام ٢٠٠٦ وأنها جزء من الشعب الفلسطيني ولها حضور شعبي، وصحيح أنها حركة مقاومة تقاتل الاحتلال على طريقتها وحسب أجندتها، ولكن علينا التذكير بما سبق أن كتبنا عنه مطولا منذ تنفيذ الكيان اليهودي لمخطط الانسحاب من طرف واحد في خريف 2005:

1- التزامن المريب لخروج جيش الاحتلال من غزة 2005 والانتخابات التي فرضتها واشنطن على القيادة الفلسطينية 2006 والانقلاب على السلطة 2007.

2-  نجاحها في الانتخابات كان في سياق انتخابات في الضفة وغزة لأعضاء مجلس تشريعي لسلطة حكم ذاتي نصت عليها اتفاقية أوسلو، وقبل ذلك كانت ترفض المشاركة في الانتخابات وتُكفِر كل من يشارك فيها، وجاءت مشاركتها بعد أن طرحت واشنطن مشروع الشرق الأوسط الكبير ٢٠٠٤ الذي يسعى لمشاركة الجماعات الإسلامية في السلطة.

3-  لم يكلف الفلسطينيون حركة حماس أن تنوب عن منظمة التحرير الممثل الشرعي لقيادة الشعب الفلسطيني ونجاحها في الانتخابات لا يؤهلها لذلك، كما لم يكلفها الشعب أو تأخذ رأيه بأن تتفاوض مع العالم الخارجي باسمه.

4-  لم يفوضها من انتخبها بالقيام بانقلاب على السلطة الوطنية واتهامها بالخيانة.

5-   لم يفوضها الشعب أو أخذت موافقته عندما عرضت قطاع غزة لخمسة حروب مدمر.

6-   لم يفوضها الشعب بأن تجعل مرجعية الشعب والقضية جماعة الإخوان المسلمين وميثاق حركة حماس.

7-  لم تأخذ رأي الشعب عندما استبدلت الوحدة الوطنية بمحور المقاومة ووحدة الساحات، وراهنت على قطر وتركيا وإيران وجماعات الإسلام السياسي التي تقف اليوم موقف المتفرج على حرب الإبادة الجماعية التي يتعرض لها قطاع غزة.

8-  لم تستشر حركة حماس الشعب ولا حتى فصائل المقاومة الأخرى عندما قامت بعملية طوفان الأقصى، كما لم يفوض الأسرى حركة حماس بتحريرهم على حساب تدمير غزة وأكثر من مائة ألف شهيد وجريح..

سكت الشعب عن الممارسات السلطوية لحركة حماس وتفردها بالسلطة والحكم لمدة 17 عاما كما صبر على فشلها في إدارة القطاع وعلى كل مظاهر الفساد المالي والإداري وعلى مسؤوليتها عن استمرار محاصرة القطاع وتفقير أهله في الوقت الذي كان عناصرها يعيشون حياة مريحة نسبيا وقادتها يقيمون في الفنادق والفلل في قطر وتركيا، ولم يكن صمت وسكوت الشعب قبولا بحكمها ونهجها ولكن تجنبا لفتنة داخلية يوظفها العدو لصالحه.

وسكت الشعب عندما هربت أو تسربت القيادات السياسية في الصف الأول من القطاع إلى تركيا وقطر قبيل الحرب الحالية حاملة معها ملايين الدولارات المنهوبة من أهالي غزة، تاركة عناصر حماس وقيادات من الصف الثاني بقيادة السجين المُحرر عديم التجربة بالسياسة والقيادة ليتدبروا أمرهم.

وعندما انكشف عجز قيادة الداخل بسبب عدم خبرتهم في القضايا الاستراتيجية وما تركته لهم القيادة السياسية الهاربة من أوضاع اقتصادية واجتماعية معقدة بحيث أصبحت سلطة حماس وعناصرها يعتمدون على أموال قطرية تأتيهم عبر دولة العدو وبموافقته أو من خلال مشاركة عمال غزة ما يحصلون من أموال يحصلون عليها بعرق جبينهم من العمل في دولة الاحتلال، أو من ضرائب وخوات يفرضونها عنوة على الشعب، أو من أية جهة تخفف عنهم مسؤولية الحكم دون أن ينفقوا من أمول حماس شيئا لأن أموال حماس لحماس كما قال خليل الحية.... عندها لجأوا لتسخين جبهة غزة من خلال إطلاق صواريخ عبثية تارة أو من خلال مسيرات العودة الأكثر عبثية والتي تسببت بقطع أطراف ألاف الشباب ومقتل المئات، وعندما لم تسعفهم كل هذه الوسائل كانت عملية طوفان الأقصى.

فلماذا يدفع الشعب والقضية ثمن أخطاء حزب وحركة لا تمثل الشعب الفلسطيني وثمن مغامرة غير محسوبة؟

تراجع حماس عن عنادها ومكابرتها قد تنقذ القضية الوطنية مما يخَطِط له الكيان الصهيوني متحالفا مع الغرب وبعض الدول العربية، وينقذ القطاع من حرب الإبادة وأهله من التهجير وينقذ حتى المقاومة من هزيمة نكراء لن ينفع معها كل البطولات الفردية للمقاومين.

***

إبراهيم ابراش

حسب مؤشر الديمقراطية لعام 2023 الصادر عن مرصد Economist Intellingence . يبدو ان العام الماضي كان عاما يؤشر لتدني مستوى الديمقراطية في العديد من دول العالم. وفي ذات المؤشر حل العراق بالمرتبة 128 عالميا من أصل 165 دولة، حيث يظهر هذا الرقم عن تراجع كبير في مؤشر الديمقراطية في مؤسسات السلطة. مما يجعل العراق في التوصيف العام في المنطقة الحمراء،  أي في مصاف الدول التي تحكم من قبل نظام استبدادي قمعي.

يتطرق أستاذ علم الاجتماع المرحوم الدكتور علي الوردي في إحدى لمحاته عن المجتمع العراقي،  للعديد من العلل التي تميز المجتمع،  حيث يقول في إحدى الفقرات (إن المجتمع العراقي حائر) ثم في فقرة أخرى يقول،  إن الدولة أساس مهم من أسس حضارة الشعوب. الهدف الأعم لدراسة الدكتور الوردي كان محاولة تشخيص علل وظواهر سائدة في المجتمع العراقي ساسيولوجيا وكشف أسباب حيرة المجتمع العراقي،  وعلاقة هذا بطبيعة التنازع الحضاري بين البداوة والمدنية في بناء الدولة وتشكيلاتها الاجتماعية السياسية.وهذه بحد ذاتها واحدة من أشد الإشكالات تعقيدا ووقعا على حراك المجتمع لحد الآن. ورغم أن العلامة الوردي أتكأ فقط على علم الاجتماع في دراسته وبحثه عن العقد والعلل والأزمات في المجتمع،  فهو لم يجافي محاولة سبر غور الأسباب الأخرى وقراءة  المعنى الشامل لجوهر السلطة في العراق منذ تأسيسها، وبحث في مناهجها وطرق سلوكها وتأثيرها الحاسم والكبير في بناء القيم الاجتماعية والسياسية لعموم الشعب العراقي.

وهناك أيضا الكثير من الدراسات المنهجية والبحوث التي ذهبت لقراءة الوضع العراقي وفق رؤى ومشارب عديدة،  حاولت من خلالها تلمس وتقليب الأزمات المجتمعية وتشخيصها ومن ثم إيجاد الحلول لها،  ومن ثم الخروج بنتائج تهدف لوضع أسس وقواعد يمكن من خلالها تجاوز تلك الأزمات وإخراج العراق من حال الإرباك والتخبط السياسي الاقتصادي الاجتماعي الذي وصل إليه.

مجمل تلك الدراسات والنقاشات خرجت بنتائج متقاربة خلصت دون لبس إلى أن جوهر الإشكال يكمن في موضوعة علاقة السلطة بالديمقراطية،  وهي علاقة شائكة في مسيرها الطويل منذ تأسيس السلطة الوطنية عام 1921. ولا يمكن في أية حال من الأحوال فصلهما عن بعض،  كونهما جزءاً جوهرياً لموضوعة واحدة .وتلازمهما مع بعض يعطي نموذجا متكافئا لمجتمع حيوي يمتلك الوعي بقدراته وخبراته ومصائره .وإن فصلهما وتسويفهما بهرطقات أيدلوجية أو التقليل من أهمية ربطهما، يعيد أبدا بلورة وتغذية بؤر الأزمات ويجعل السلطة تراوح دائما في ذات المواقع العقيمة التي اختارتها كطريق ورؤى لإدارة الدولة.

في ظاهرتي الديمقراطية والحريات وفي القطبين المهمين منهما السياسي والاجتماعي،  فالهدف الأعم من علاقتهما بالبعض،  والذي يحتل أهمية فائقة،  هو إعادة صياغة منظومة الأفكار التي تنظم سير العلاقات غير السوية التي وسمت المجتمع بطابعها،  والتي افتعلتها أو صنعتها وغذتها الأعراف والتقاليد المجتمعية ومعها السلطة السياسية والعسكر منذ بداية تشكيل الدولة العراقية. وكان طابعها وأداؤها دائما ما يظهر على شكل محاولات قسرية صريحة وضمنية لتحجيم وإبعاد مؤسسات المجتمع المدني عن ممارسة دورها. وتغذية ليس فقط الخصومات والفرقة السياسية،  وإنما الحث الدائم على تصعيد الخلافات الأثنية والطائفية،  وزرع الخصومة والاختلاف بين الفرد والسلطة،  ومن ثم بين التجمعات السكانية.ويحدث هذا  من خلال الإرهاب اليومي المنظم،  كوسيلة لسلب الحقوق المدنية وممارسة التعديات الفجة على حقوق الإنسان والحريات العامة.

لاشك أن الديمقراطية الحقيقية تحمل من السمات  ما يمكن خلالها تطمين الكثير من حاجات الشعب الذي بات  يشعر وبمختلف شرائحه وطوائفه بحجم الكارثة والخيبات التي فرضت عليه قسرا عبر عقود كثيرة ومن خلال تداول السلطة بالقوة المفرطة،  بنماذج هجينة ومختلفة لحكومات متعددة المناهج والرؤى،  لتضعه في العديد من الأوقات في متاهات لا طاقة لبني البشر عليها،  بالرغم من كونه من أكثر شعوب العالم تطلعا نحو الديمقراطية والحريات المدنية فهو مجتمع مديني بالفطرة.

أس الديمقراطية يعني وفي المقدمة النزوع لبناء دولة القانون التي تفضي لشعور المواطنين بتكافؤ الفرص وحسب الاستحقاق،  وتدفع عنهم الخوف والريبة،  وتنمي لديهم ملكات الإبداع والإخلاص للمجتمع والوطن. ودولة القانون تعني بالضرورة هزيمة ماحقة لكل التشكيلات والأفكار التي تتبنى القيم العشائرية والطائفية والمناطقية والوجاهة. فالديمقراطية ليست ذات طابع سياسي فحسب وإنما هي معطى اجتماعي ثقافي أولا.

من الواضح للعيان فأن دولة القانون الديمقراطية ترسخ وتعيد تنظيم ليس فقط عناصر التكافؤ الاجتماعي وحرية الاختيار والتطور العلمي والثقافي والاقتصادي،  وإنما تعيد أيضا ترتيب الحسابات السياسية في علاقة السلطة بالشعب،  ومثلها علاقات القوى والفعاليات السياسية مع بعضها . والأهم من كل هذا،  تؤكد بفاعلية وقبل أي شيء آخر الهوية الوطنية.

في جانب حساس من الموضوعة فأن ضمان سيادة القانون وخيار الديمقراطية يمكن أن تكون الدعوة إليها مضللة ووسيلة لأهداف منتقاة بشكل تحريفي ومزيف. ويأتي ذلك من خلال فرض علاقات وتعميم صيغ ترسخ مصالح فعاليات وقوى سياسية محددة،  وبمسميات مختلقة تنشأ عنها روابط تتحكم في مفاصل الحياة العامة من خلال وضع القوانين وتجييرها لصالح شريحة أو قوى أو فئة بعينها،  وعندها يوضع مفهوم سلطة القانون حصرا تحت معطف أيدلوجي أو مذهبي يفضي في النهاية إلى مفاقمة الاختلال والأزمات.

ان السعي لتحقيق التكافؤ بين أبناء الشعب وبينهم والسلطة،  من خلال تعميم لغة وقواعد القانون وضمانة الحقوق الإنسانية،  كان ولازال الجوهر والمغزى العام لنضال الشعب العراقي في جميع المراحل التاريخية التي مرت عليه. وكان دائما يتطلع لأن يصبح للسلطة دورا جديدا تغدو معه أداة لتطوير وتحديث بنية المجتمع،  وتأمين السلام والوئام الاجتماعي،  وان تشعره بأهمية مشاركته وفاعليتها في تقرير مصائره قبل أي شيء آخر. لتغدو وبشكل حقيقي الممثل الكفء لجميع شرائحه وفئاته.

إجمال ذلك يقتضي وجود سلطة ذات مواصفات بينة،  تكون في حقيقة الأمر المرجعية التي تطمئن الناس على حقوقهم،  في نفس الوقت الذي تؤكد بما لا يدع مجالا للشك إنها قادرة على تهيئة الظروف لبناء حياة إنسانية أكثر رقيا وتسامحا وعدالة ومساواة،  في إطار حضاري يبعد كل تلك الخيبات  والألام التي غلفت حياة العراقيين عبر عهود طويلة من القهر والاستعباد .وان لا تكون تلك السلطة سلطة أبوية كهنوتية تزعم وتبرر لنفسها تمثيل الأمة العراقية وتكون موضوعتها  الحق في التفكير واتخاذ القرار ضمن كواليسها المغلقة نيابة عن شعب مغيب،  وبعد ان يتلبسها هوس الحكم،  لتشعر بكونها دون سواها الطريق للنجاحات والبناء والخير والمستقبل الأفضل.

إن فلسفة القيادة والإدارة واختصارها وحصرها بيد مجموعة بعينها تدعي سمو منهجها في إدارة السلطة وامتلاكها للحقيقة دون الآخرين، فهذا لوحده يكفي ليكون دافعا حيويا لإثارة جميع مكامن الحقد والعداوة والفتن والاستعداد للفوضى والتخريب والتبرع بالإيذاء دون مبررات أخلاقية أو واعز من ضمير  .وكذلك لإباحة سرقة المال العام وتدمير الحياة المدنية وإثارة النزاعات،  وخلق بؤر ومنظومات وقوى تكون لها اليد الطولى في تسيير حياة الناس وتشكيل علاقاتهم .وتعميم صيغ مشوهة ومؤذية عن المغزى الخاص الذي يربط المواطن بوطنه وبمؤسسات الدولة والمجتمع.وفي مقدمة ذلك  زرع الفصام والخصام المستديم في النفوس اتجاه السلطة التي باتت ملكية خاصة و قدس الأقداس، لا يمكن لبشر الحديث حولها أو مناقشتها دون موافقة سدنتها.

تلك الإشكاليات بسعتها وضخامتها تتطلب المعاينة والتدقيق الحقيقيين من قبل  أبناء شعبنا وفعالياته الوطنية ومثلهم السلطة . وتتطلب ثقافة حقيقية تنسجم وروح العصر. و أن لا تغيب عنا ضرورة وأهمية الديمقراطية والتعددية كوصفة ناجعة وأكيدة تطمئن الناس وتعيد لهم ثقتهم بقدراتهم وبنبالة وسمو ورفعة الانتماء للوطن . وتؤسس لمرحلة تؤكد على غنى وأهمية فسيفساء المجتمع العراقي ووحدته الوطنية.

***

فرات المحسن

 

 الفشل الإسرائيلي النازي الفاشي الداعشي

الناظر في حرب إسرائيل النازية الفاشية الداعشية على غزة العزة يسجل بوضوح:

أ ـ الأهداف المعلنة للحرب؛

ب ـ الأهداف المضمرة للحرب؛

بالنسبة للأهداف المعلنة لهذه الحرب التي أعلنها " النتن ياهو "، وهي: القضاء على حركة حماس كليا، لإنهاء تهديدها للكيان الصهيوني النازي الفاشي الداعشي بصفة تامة وإزاحتها عن حكم غزة العزة، وتحرير أسرى السابع من أكتوبر 2023 الصهاينة القتلة لدى حماس، وإخراجهم من قطاع غزة العزة. وملحقات هذين الهدفين التي تنضاف مع تصريحات القادة الصهاينة البرابرة الهمج الخمج.

وأما بالنسبة للأهداف المضمرة للحرب، فهي: الإبادة الجماعية للفلسطينيين جميعهم دون استثناء، وعلى الترتيب والأولوية، بدء من غزة العزة وانتهاء بفلسطينيي 48 ومرورا بالضفة الغربية. وقتل مقومات الحياة في غزة العزة بالتدمير الشامل للقطاع بنية ووظيفة، وللضفة الغربية بالمغتصبات والمستعمرات الصهيونية النازية الفاشية الداعشية. وإسقاط المشروع الفلسطيني في تأسيس دولتهم المستقلة بعيدا عن الملاحظات والتحفظات بخصوص المساحة والحدود. ففلسطين التاريخية هي الهدف لكل إنسان مقاوم وحر. وإفراغ القطاع من أهله للعودة إليه بالمغتصبات والمستعمرات ترحيلا إلى خارج فلسطين المحتلة، مصر والأردن ولبنان والدول الغربية والعربية، تحقيقا لتصفية القضية الفلسطينية بصفة نهائية.

وبالنسبة للأهداف المعلنة والمضمرة؛ رغم ما يربو عن خمسة أشهر من الحرب، لم يحقق الصهاينة النازيون الفاشيون الداعشيون وجيشهم المهزوم أهدافهم المعلنة أمام المقاومة. لكنهم للمضمرة؛ فهم يقتلون ولا يقاتلون في غزة العزة، يقتلون الأبرياء بمختلف أعمارهم ومهنهم وجنسهم. لا يفرقون بينهم في شيء، كل سواء بالنسبة للجيش الغاصب المهزوم الهمجي البربري، بمعنى حرب الإبادة الجماعية والتطهير العرقي. ويدمرون كل شيء بنية تحتية ومنشآت مدنية ومساجد وكنائس ومستشفيات ومركبات صحية ... ويقطعون ويمنعون سبل العيش للإنسان الغزاوي العزيز أدوية وتجهيزات ومواد غذائية وماء، بمعنى حرب التجويع ... إنهم يبيدون الحياة الإنسانية للإنسان قاطبة في الكون بعنوان الإنسان الغزاوي الكريم. وباحتضان من قادة وحكومات الدول الغربية وعلى رأسها هولاكو العصر أمريكا الرسمية لا الشعبية الهمجية البربرية، سفاح العالم واللص العالمي قاطع الطرق، وناهب الثروات ... فهم حققوا بعض الأهداف دون التهجير، نتيجة تمسك الغزاويين الأحرار والأبرار بأرضهم ما داموا أحياء يرزقون من فوقها، وكذا تحتها إن استشهدوا وصعدوا السماء أحياء عند ربهم يرزقون.

وبما أن الصهاينة النازيين الفاشيين الداعشيين فشلوا في القتال في غزة العزة، فلم يحققوا أهدافهم المعلنة، ونجحوا في القتل دون تحقيق التهجير وإيجاد البديل لحماس أو ما بعد حماس. فإن حربهم غدت حربا عبثية لا معنى لها على المستوى السياسي والعسكري، وأصبحت عبئا ثقيلا على الكيان الصهيوني على المستوى البشري والاقتصادي والاجتماعي والعسكري والسياسي قبل أن تكون عبئا أثقل على أهل غزة العزة الكرام. وديمومة هذه العبثية لن تكون لصالح الكيان الغاصب، وإنما لصالح " النتن ياهو " الذي يريد إطالتها تمديدا لجلوسه على كرسي رئاسة الحكومة، لكي لا يحاكم بالفساد وحماية الصهاينة الهمجيين العنصريين. وكأني به حاكما عربيا يضحي بالشعب من أجل الكرسي، لا العكس؛ يضحي بالكرسي لأجل الشعب. لذا؛ فأرواح الصهاينة العنصريين رخيصة بشكل رهيب مقابل كرسي الحكم، والاستمرار في الجلوس عليه.

وأظن أن " النتن ياهو " قصد تلك الأهداف المعلنة للاستمرار في الحكم، وهو يعلم علم اليقين أنها أهداف عالية مثالية متعالية عن إمكانية التحقيق. فنزع إليها طريقا وسبيلا إلى تحقيق أهدافه الشخصية. ولعل استمراره في إفشال المفاوضات دليل على تلك القصدية في الحرب. ومنه؛ على الصهيوني النازي الفاشي الداعشي أن يفكر بعمق في مآلات الحرب عليه، فهو لا يحقق سوى القتل. وهذا؛ لا يحقق له النصر، ولا يعيد له هيبته العسكرية المزعومة، ولا يرجع أسطورة وخرافة " الجيش الذي لا يقهر "، فقد قهر في السابع أكتوبر 2023 ومن قبل في الحرب مع المقاومة الإسلامية في لبنان وغزة العزة. فهو الآن ينفخ في الرماد بدلا من النار. وهزيمته حتمية وزواله كذلك حتمي وضرورة إنسانية عالمية لإعادة البعد الإنساني للبشرية جمعاء، الذي أسقطه الكيان الصهيوني الاستعماري الاحتلالي بكل الأدوات، وفي العالم كله باسم معاداة السامية. فالمحاكم تقوم لأهل البلدان الأصليين من أجل عيون الصهاينة الهمجيين باسم تلك " التهمة " التي استعبدوا بها العالم واحتقروه في قعر دياره، وفي محافله الدولية المزعومة للحقوق الإنسانية. فالصهاينة العنصريين فوق العالم كله. فهل يستفيق " النتن ياهو " من أحلام اليقظة بالاعتراف بالهزيمة، والخروج من الحرب قبل فوات الأوان؟ فكل يوم يمر وإلا يزيد فشلا على فشلا، ويغرق في الهزيمة إلى أذقانه، فرمال غزة العزة أغرقت الغزاة عبر التاريخ مهما طال غزوهم. وهم إلى زوال مهما طال الزمن ... والصهاينة العنصريين سيمرون كما مر غيرهم، وتبقى فلسطين لأهلها.

***

عبد العزيز قريش

لم نجد أي قصة او حكاية تاريخية، لوصف حالة الرئيس الأمريكي بايدن، قد تكون عنوانا لمقالنا هذا، سوى كلمة " الخَرَف "، الذي بات واضحا، انه بات يستحوذ على عقل وفكر الرئيس العجوز، الذي يحاول ان يتصابى في أواخر عمره، وكلما تقدم به العمر يوما، يزداد لديه "الخرف التقدمي"، الذي يسبب تضرر في الأوعية التي تمد الدماغ بالدم، ويسهم في اضطرابات الدماغ والحبل الشوكي والأعصاب.

ولا يمكن لنا أن نشبه بايدن الا بذلك الملك العاري، الذي يعيش في عالمه الخيالي والكئيب، في قصة "ثوب الإمبراطور" أو "الملك العاري"، والتي نسبت للكاتب الدنماركي كريستيان أندرسون، في حين هي قصة مغربية، وتربط بين القصص الغربي وبين التراث الشعبي، ولا تقتصر على “ألف ليلة وليلة” كما هو شائع، وملخصها، محتالان، كانا يشيعان بأنهما حائكان يعملان في صناعة النسيج، قاما بالاحتيال على الملك المولع بشراء الملابس مهما غلا ثمنها، واوهموه بانهما قد انتهيا من خياطة ثوبه (مقابل مبالغ كبيرة) لحضور احتفاله الكبير.

وقبيل ذلك أراد الملك ان يرى ما وصل اليه عملهما، فارسل رئيس وزراءه الذي دخل غرفتهما (المحتالان) التي يعمل فيها الحائكان، وشاهد النول الفارغ، ففكر قائلاً: “اللهم احفظنا!.. إنني لا أرى شيئاً”، ولكن أحد النصابين بادره بالسؤال: “أخبرنا ما رأيك فيما ترى؟”، فرد متمتماً: “رائع” وبادر إلى ضبط نظارتيه على عينيه، ثم لم يلبث الإمبراطور أن دخل الحجرة التي كان الحائكان منهمكين بالعمل على النول الفارغ، فكر الإمبراطور “إنني عاجز عن رؤية أي شيء إنها لكارثة”، ثم صاح بصوت مرتفع: “إنه قماش رائع، وهو يروق لي”.

وأخيراً أعلن المحتالان على الملأ: “ملابس الإمبراطور الجديدة جاهزة” وعندما اقترب الإمبراطور منهما تحركا، على نحو يوحي بأنهما يقومان بإلباسه الثياب الجديدة، وعندما سار في الموكب، أجمع سكان البلدة على أنها رائعة، ولم يجرؤ أحد على الاعتراف بأنهم لا يرون شيئاً، ولكن طفلاً صغيراً لم يلبث أن صرخ قائلاً “إنه لا يرتدي شيئاً”، ودار الهمس واللغط بين الحاضرين قبل أن يكرّروا ما قاله الطفل الصغير: “الإمبراطور عريان”، وهذا هو حال الرئيس الأمريكي بايدن، الذي يرى في عينيه بأنه يرتدي ثوب " العفة والنزاهة والصدق "، وهو ما لا يراه الاخرين فيه، فمن أين نأتي بذلك الطفل ليصرخ بأن " الرئيس لايفقه شيء .. وهو عار لا يلبس شيء "! .

ووفقا لمتخصصي العلوم النفسية، فان مصطلح "الخَرف"، يُستخدَم لوصف مجموعة من الأعراض التي تصيب قدرات الذاكرة والتفكير والقدرات الاجتماعية، وقد تؤثر أعراض الخَرَف على الحياة اليومية للأشخاص المصابين به، ويُشار إلى أن الإصابة بالخَرَف لا تحدث بسبب مرض واحد بعينه، بل نتيجة للإصابة بعدة أمراض، ويكون فقدان الذاكرة من أعراض الخَرَف عادةً، وهو في الغالب أحد الأعراض المبكرة للإصابة بهذا المرض.

والشخص المصاب، تبرز عنده مشكلات في التواصل أو التعبير بكلمات مناسبة، او صعوبة في القدرات البصرية والمكانية، مثل فقدان الطريق أثناء القيادة، أو ضعف التناسق الحركي وصعوبة التحكم في الحركة، والخَرَف، ولنا في هذه الحالات العشرات من التصرفات للرئيس الأمريكي، والتي تثبت بشكل قطعي انه وكما يقول المثل المصري " جاب آخره "، كأن يسلم على أناس مجهولين غير متواجدين بالقرب منه، او يضل طريقه ويدور حول نفسه، او يمشي ويتعثر بإقدامه، او السقوط على السلالم، لأنه " نسي " أنه بات عجوزا، أكثر ما يمكن ان يعمله هو، مسك " خراطيم المياه " لسقي حديقة بيته .

وتحذر هيئة الخدمات الصحية البريطانية، من أن المؤشر الأول لمرض " الخرف " هو عادة مشاكل ذاكرة بسيطة، وظهور الأعراض التالية مع تفاقم الحالة، والارتباك والضياع في الأماكن المألوفة، وصعوبة التخطيط أو اتخاذ القرارات، او مشاكل في التكلم واللغة، ومشاكل في الحركة دون مساعدة أو في أداء مهام الرعاية الذاتية، و تغيرات في الشخصية، مثل أن تصبح عدوانيا ومتطلبا وتشكك في الآخرين، بالإضافة الى الهلوسة (رؤية أو سماع أشياء غير موجودة) وأوهام (تصديق أشياء غير صحيحة بشكل واضح) .

نسوق هذه المقدمة الطويلة، لنعود مرة أخرى الى ما خرج به الرئيس الأمريكي من آداب اللياقة، والدبلوماسية، بتصريحات غريبة، تؤكد ان " العجوز بايدن " بالفعل يحتاج الى نقله الى مستشفى، لمعالجته مما هو عليه الان، وان تدهور حالته أكثر، قد تكون سببا مباشرة لنشوب صراعات عالمية، قد لا تحمد عقباها، فخلال فعالية انتخابية مغلقة في سان فرانسيسكو تكلم "بوقاحة" تجاه الرئيس الروسي بوتين، حيث قال: "لدينا أبناء عاهرات مجانين مثل هذا الرجل بوتين وغيره، وعلينا دائما أن نقلق بشأن الصراع النووي" .

وكعادته فإن الكريملين استقبل تلك التصريحات بهدوئه المعهود، واكد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، " بأن ما قاله بايدن الآن (الشتيمة) يبين أنني محق بالمطلق في تقييمي، لأن كلامه هذا هو رد فعل طبيعي على ما قلته.. لكن لماذا؟.. لأنه لا يستطيع مثلا أن يقول لي " أحسنت يا فالوديا (فلاديمير) لقد ساعدتني كثيرا، ونحن نفهم ما يجري هناك في الشأن السياسي الداخلي، ورد فعل بايدن هذا طبيعي تماما قياسا بما يحدث هناك، ما يعني أنني كنت على حق"، في حين اكد السكرتير الصحفي للرئيس الروسي ديمتري بيسكوف، إن مثل هذه التصريحات الفظة من فم رئيس دولة الولايات المتحدة الأمريكية، من غير المرجح أن تسيء بطريقة أو بأخرى لرئيس دولة أخرى، لا سيما الرئيس بوتين، لكنها وصمة عار كبيرة على الولايات المتحدة نفسها، وأضاف أنه، كمواطن     (ونحن معه)، نريد من مساعديه أن يقوموا "بالبحث عن بيان واحد مسيء" من بوتين ضد بايدن، وبالتأكيد لن يجدوا ذلك .

وهذه ليست المرة الأولى التي يخرج العجوز بايدن عن منطق " العقل "، وكثيرا ما تطاول على الرئيس بوتين، حيث أثار خلافا دبلوماسيا عندما وصف الزعيم الروسي بأنه "قاتل"، وهو ما علق عليه الرئيس الروسي بتمنياته بالصحة والعافية لبايدن، وأشار إلى أن تقييم الآخرين يشبه النظر في المرآة، وبعد بدء العملية العسكرية الروسية الخاصة بأوكرانيا، وصف بايدن بوتين علنا بأنه "دكتاتور" و"جزار" و"مجرم حرب" وقال إنه "لا يمكنه البقاء في السلطة".

ان تقييم الاخرين يشبه بالنظر في المرآة، نعم فالرئيس الأمريكي، ماذا سيجد في المرآة، سوى صورة (راعي البقر في هوليوود) التي يستغلها ببساطة، وكما عبر عنها بيسكوف من اجل السياسة الداخلية والخارجية للولايات المتحدة، وبالتالي فإن مثل هذه التصريحات الفظة من فم رئيس دولة، من غير المرجح أن تسيء بطريقة أو بأخرى لرئيس دولة أخرى، لا سيما الرئيس بوتين، " لكنها وصمة عار كبيرة على الولايات المتحدة نفسها ".

أن معظم العقلاء في جميع أنحاء العالم، يعتبرون سياسات بايدن جنونا حقيقيا، وأن بايدن هو التهديد الرئيسي للبشرية جمعاء، لقدرته على الوصول إلى (الحقيبة النووية)"، وإن مثل هذه التصريحات الفظة لبايدن، لا يمكن وصفها إلا "بخرف الشيخوخة"، ويبدو أنه (بايدن) يعود إلى مرحلة الطفولة، وينظر إلى العالم كله بوصفه لعبا في الرمال، حيث يسمح له وحده باللعب، ويتعامل مع من حوله بوصفهم جزءا من اللعبة، إلا أنه يجب إعادة تربية الطفل المدلل، ونحن متأكدون من أن الشعب الأمريكي لن يكرر الخطأ في الانتخابات الرئاسية، ولن يسمح بعد الآن لهذا " الخرف " الذي أثار الحروب في مختلف أرجاء العالم بالوصول إلى السلطة.

***

بقلم الدكتور كريم المظفر

اللقاء الذي اجراه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع الصحفي الأمريكي تاكر كارلسون، سيُسجل في التاريخ، وسيصبح واحدة من أكثر المقابلات مشاهدة وإعادة مشاهدة، سواء بسبب الطريقة التي تصرف بها تاكر كارلسون أو بسبب مدى دقة شرح الرئيس بوتين لموقف روسيا، والذي لم يكن في عجلة من أمره لإقناع أي شيء، أراد التحدث عن التاريخ، حول أسباب ما يحدث في العالم اليوم، وفي نهاية المطاف، لم يكن يتحدث عن أوكرانيا، بل كان يتحدث عن الأحداث العالمية، وعما حدث قبل أن يصبح رئيسا، وما يحدث الآن وما سيحدث بعد ذلك. لقد قلب الرئيس بوتين صورة هذا العالم رأساً على عقب، وكان لا بد من أن تنتهي أكاذيب الأنغلوسكسونيين والفرنسيين والألمان وغيرهم من المستعمرين عاجلاً أم آجلاً

وكل شيء تقريبا من خطاب الرئيس الروسي الشهير في ميونيخ في فبراير 2007 ، وأصبح "حقيقة، ولا يزال عدد من الأفكار والتحذيرات التي ذكرها بوتين صالحة حتى يومنا هذا، ويُطلق عليه إعلان إحياء السيادة الروسية، لكنه لا يزال أكثر من ذلك، فقد حذر الزعيم الروسي، الولايات المتحدة وأوروبا من المسار الذي قد يقودهم (وكذلك بقية العالم) إلى صراع كبير، أي ما تحدث به في 10 فبراير 2024 وما قاله بوتين مؤخرًا للصحفي الأمريكي تاكر كارلسون.

فقد قال بوتين بالفعل في مؤتمر ميونيخ، إن توسع الناتو إلى الشرق يشكل تهديدًا لروسيا، وفي خطابه في ميونيخ، تحدث أيضًا عن حالة الأزمة التي تمر بها الاتفاقيات الدولية المهمة، خاصة في مسائل التسلح، وتحدث عن خطط الولايات المتحدة لإنشاء نظام دفاع صاروخي، والتي كانت تدمر نظام الاستقرار الاستراتيجي، وبطبيعة الحال، انتقد المفهوم الغربي لعالم أحادي القطب، ووصفه بالقول "هذا عالم سيد واحد، وملك واحد" وأوضح بوتين أن "هذا مدمر في نهاية المطاف، ليس فقط لكل من هو داخل هذا النظام، ولكن أيضًا للسيادة نفسها، لأنه يدمره من الداخل".

واكد الرئيس الروسي إن العالم الأحادي القطب محكوم عليه بالفشل، وستتم مقاومته لأنه دكتاتورية عالمية، ومن وجهة النظر هذه، فإن توسع الناتو والدفاع الصاروخي هما أدوات للحفاظ على أو بالأحرى، محاولات الولايات المتحدة للحفاظ على هيمنتها وهيمنتها العالمية، ويقول ديمتري سوسلوف، نائب مدير مركز الدراسات الأوروبية والدولية الشاملة في المدرسة العليا للاقتصاد، ان محاولات منع صعود وإحياء المنافسين المحتملين، وحتى تدميرهم، وهو ما أوضح مخاطره بوتين، واعتبر أن هذا مستحيل، فأن مثل هذه السياسة لن تؤدي إلى أي شيء جيد، ولن يؤدي إلا إلى المزيد من المعارضة، وقد أثبت التاريخ أنه كان على حق، وأصبح كل شيء تقريبًا من خطاب بوتين في ميونيخ حقيقة.

فمحاولات الحفاظ على الأحادية القطبية باتت محكوم عليها بالفشل، وتحققت، و أصبح تشكيل عالم متعدد الأقطاب حقيقة، وأصبحت المواجهة بين الغرب وروسيا بشأن توسع حلف شمال الأطلسي حقيقة، كما وأصبح سباق التسلح وتدمير نظام الاستقرار الاستراتيجي بسبب المحاولات الأمريكية لإنشاء نظام دفاع صاروخي حقيقة، وبدلاً من الحفاظ على الهيمنة، لم تفعل الولايات المتحدة سوى تسريع تدمير العالم الأحادي القطب، ودمرت أيضًا الأدوات الحقيقية والفعالة للحفاظ عليه (مكانة الدولار كعملة عالمية، والجاذبية العالمية لليبرالية مع الرأسمالية، وما إلى ذلك). .

وما تحدث عنه بوتين مرة أخرى في مقابلة مع كارلسون بان «الدولار هو أساس قوة الولايات المتحدة" وبمجرد أن قررت القيادة السياسية استخدام الدولار كأداة للنضال السياسي، وجهت ضربة لهذه القوة الأمريكية، وأوضح الرئيس الروسي: "لا أريد استخدام أي تعبيرات غير أدبية، لكن هذا غباء وخطأ فادح"، والسؤال كيف رأى بوتين عام 2007 ما لم يراه الأميركيون؟ ولماذا لم يستمعوا إليه؟، والجواب بسيط، إذا اعتمد بوتين على الأنماط التاريخية والنقاط الأساسية لنظرية العلاقات الدولية، فإن واشنطن كانت في عالم الأحلام، " ولم يستطع الغرب أن يأخذ تحذيرات بوتين على محمل الجد في نهاية العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، في ذلك الوقت، كان الغرب لا يزال مبتهجاً بالنصر في الحرب الباردة، وفي سياق ما اعتبره عصر الأحادية القطبية، آمنت النخب الأميركية بقدرة الولايات المتحدة على الحفاظ على هذه الهيمنة إلى الأبد.

ويؤكد الخبراء، انه ولفهم نشوة النخبة الغربية، يكفي النظر إلى بداية كتاب زبيغنيو بريجنسكي “رقعة الشطرنج الكبرى”، فهناك كتب المؤلف أن هناك العديد من الهيمنة في العالم، وأن كل واحدة منها انهارت، لكن الهيمنة الأمريكية لن تنهار، أو على الأقل فرص سقوطها ضئيلة للغاية، وذلك لأن الهيمنة الأمريكية هي نوع جديد من الهيمنة يختلف جوهريا عن كل أشكال الهيمنة السابقة، وهي تختلف من حيث أنها تقوم على القيم العالمية - الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان ولا يقوم على الاستيلاء على الأراضي من قبل الولايات المتحدة نفسها، وقد اعتقدت النخب الغربية بصدق، أن نهاية التاريخ قد جاءت، ومن المفترض أن يكون النظام الدولي الليبرالي جذابًا ورائعًا لجميع البلدان (وليس فقط لحلفاء أمريكا)، وسيكونون سعداء بالانضمام إليه، وأن العقبة الرئيسية أمام انتشار هذا النظام هم "الديكتاتوريون السيئون"، ويشرح سوسلوف: "لقد اعتقد الغرب أن بوتين كان على الجانب الخطأ من التاريخ ومحكوم عليه بالهزيمة التاريخية".

ولم يكن يُنظر إلى روسيا على أنها لاعب يجب أن يؤخذ رأيه بعين الاعتبار، وكما قال بوتين في مقابلته "كنا بحاجة ليس فقط إلى الاستماع إلينا، بل إلى الاستماع إلينا أيضًا "، فمن وجهة النظر الغربية، فإن روسيا، التي ليست جزءًا من الحضارة الأوروبية، هي هدف للتوسع والاستعمار، أي شريك غير متكافئ، ويتذكر نيكيتا ميندكوفيتش، رئيس النادي التحليلي الأوراسي، انه منذ بداية التسعينيات، اتبعت الولايات المتحدة ودول الناتو طريق عدم الاعتراف وتقويض مصالح روسيا، الأمر الذي حدد مسبقًا في نهاية المطاف الانتقال إلى المواجهة الحادة في العقد الأول من القرن الحادي والعشري، ولم يعير الغرب الكثير من الاهتمام للتحذيرات الروسية (من أنه إذا لم تؤخذ مصالحنا في الاعتبار، فسوف نحميها بطرق أخرى)، وتشير المحللة السياسية يلينا سوبونينا، الى ان الرئيس بوتين "قد صدمهم في مؤتمر ميونيخ، لكن على حد علمي من التواصل مع الممثلين الغربيين في تلك السنوات، فقد اعتبروا خطاب بوتين مجرد نقد لفظي، لن تتبعه خطوات حقيقية جادة"، ففي ذلك الوقت، كان يُنظر إلى روسيا على أنها محطة وقود، وليست دولة.

ويتذكر الروس هذه التصريحات الهجومية التي أدلى بها جون ماكين، وممثلون آخرون للولايات المتحدة، وكذلك الخطاب الذي ألقاه نائب الرئيس ديك تشيني آنذاك في فيلنيوس، حين قال إن أسعار النفط ستنخفض، وسوف تهبط روسيا معها، ويبدو أن التصور الغربي لهذا الخطاب قد ظهر بوضوح شديد في مقال ماكس "كان عنوانها "الفأر الذي زمجر"، ومع ذلك، وفي نفس العام، بدأت روسيا في استعادة ملامح الدب الغاضب بسرعة، أولاً، علقت موسكو عضويتها في معاهدة القوات التقليدية في أوروبا البائدة، ثم، في أغسطس/آب 2008، استعادت النظام في جنوب القوقاز، وبدأت عملية تحديث الجيش وإنشاء أحدث أنظمة الأسلحة، ولكن العواقب غير السارة بالنسبة للولايات المتحدة بدأت مع "الميدان الأوروبي" في كييف، عندما اتخذت الخطوط العريضة للدولة الروسية التي ستتبع سياسة سيادية هيئتها النهائية.

ونظر الأمريكيون إلى أحداث عام 2014 المتعلقة بشبه جزيرة القرم، لقد اعتقدوا أن روسيا لا تملك القوة والمزاج اللازمين لاتخاذ أي خطوات ملموسة تتجاوز التعبير عن عدم الرضا، وبعد ذلك في عام 2015، بدأت العملية الروسية لمكافحة الإرهاب في سوريا، والتي أحبطت خطط أمريكا وحلفائها للإطاحة بالرئيس بشار الأسد، ونتيجة لذلك، وصل فبراير 2022، و فشل معه الغرب في كسر روسيا بسبب تصرفاتها في الأراضي الأوكرانية السابقة، علاوة على ذلك، فقد أجهد نفسه، وبدأت الهيمنة الأمريكية التي بذلت مثل هذه الجهود للحفاظ عليها في الانهيار، و "اليوم، تبحث العديد من الدول عن بديل للهيمنة الأمريكية وتجده في شكل منظمات أخرى، مثل البريكس" .

وفي مقابلة مع كارلسون، دعا الرئيس الروسي مرة أخرى النخب الغربية، إلى العودة إلى رشدها والانتقال من نموذج المواجهة إلى التعاون، أو على الأقل إلى صياغة مبادئ التعايش السلمي، ولا يزال اقتراحه صالحا، العمل معا لحل كل هذه المشاكل المتراكمة، نعم، في عام 2007 وما بعده، رفضت الولايات المتحدة وحلفاؤها هذه المقترحات الروسية، ولكن بعد ذلك حدثت أشياء كثيرة مهمة، وإذا رفضوا ذلك الآن، فإن العالم سوف يقترب أكثر من حافة الهاوية الخطيرة، والتي بعدها تبدأ احتمالية نشوب صراعات ليست إقليمية ومحلية فحسب، بل وأيضاً صراعات عالمية، وتتحدث موسكو الآن عن هذا الأمر بقلق بالغ، في وقت كان هذا القلق بحسب سوبونينا: “في عام 2007، كان هذا القلق لا يزال أقل”.

ويشكك مجمع الخبراء ان تتقبل النخب الأميركية العرض الروسي، لأنه وللقيام بذلك، تحتاج السلطات الأمريكية إلى إعادة النظر بشكل كامل في رؤيتها للعالم، ومن أجل الاستماع لروسيا، وأخذ مصالحها في الاعتبار، كما طالبت منذ ميونيخ، من الضروري الاعتراف بها على قدم المساواة على الأقل، كدولة لها مصالحها الخاصة التي قد لا تتوافق مع مصالح الغرب، "كموضوع مستقل للسياسة الدولية"، وإدارة بايدن، إذا حكمنا من خلال سلوكها، ليست مستعدة لذلك.

ان من يستطيع أن يفهم أن غطرسة الغرب ودواره، إزاء نتائج الحرب الباردة، وإيمانه بأساطيره الخاصة قادته إلى تصور خاطئ للواقع، ومن لن يكرر هذه الأخطاء، هم من سيفهم أن روسيا الآن، كما كانت قبل 17 عامًا، لا تزال منفتحة على التعاون مع تلك الدول والجمعيات الدولية المستعدة للتعاون المتبادل والمحترم معها، وحل مشاكل التعايش الدولي بشكل عام، على المستوى العالمي، وقال بوتين في عام 2007، انه بسبب التطور الديناميكي لعدد من الدول والمناطق، "إنني على قناعة بأننا وصلنا إلى مرحلة هامة، يتعين علينا فيها أن نفكر جديا في هيكل الأمن العالمي برمته، وهنا يجب أن نبدأ من البحث عن توازن معقول بين مصالح جميع موضوعات الاتصال الدولي، وخاصة الآن، حيث يتغير "المشهد الدولي" بشكل ملحوظ وبسرعة كبيرة، ولا تزال هذه الكلمات ذات صلة في عام 2024 .

***

بقلم: الدكتور كريم المظفر

في العالم ما يشبه الثورة الشعبية على إسرائيل والصهيونية وحتى على اليهود وسرديتهم حول الصراع في الشرق الأوسط التي كانت تسيطر على العقول وخصوصاً عند الجيل الجديد في الغرب، حيث تجوب المظاهرات الشوارع في عديد عواصم ومدن العالم منددة بالاحتلال وجرائمه ويرفرف علم فلسطين خفاقاً في كل مكان وتعج وسائط التواصل الاجتماعي بكتابات وفيديوهات تكشف جرائم الاحتلال ومعاناة الفلسطينيين ولا تقصر الفضائيات وخصوصاً العربية في تصوير مظاهر التعاطف الشعبي ودموع الناس وحزنهم على حال الفلسطينيين ، ولكن، السياسات الدولية لا تُبنى على المواقف الشعبية وتوجهات الرأي العام والمجتمع المدني ولا على الالتزام بالقانون الدولي وما يسمى الشرعية الدولية وتقارير المنظمات الحقوقية الخ بل على المصالح القومية التي تعبر عنها الحكومات وعلى موازين القوى.

المقياس الحقيقي لتأثير وفعالية المواقف الشعبية والرأي العام هو قدرتها على التأثير على سياسة الحكومات وهو تأثير حتى الآن محدود، حيث يستمر الكيان اليهودي الصهيوني في عدوانه وجرائمه وحرب الابادة على مسمع ومرأى العالم بشعوبه وحكوماته ومنظماته الدولية، فلا المنظمات الدولية والمدنية المعنية بحقوق الانسان قادرة على محاكمة مجرمي الحرب أو التأثير على نظيراتها في دولة الكيان، ولا المنظمات الدولية وغير الحكومية المعنية بحقوق الطفل والمرأة قادرة على حماية أطفال ونساء فلسطين حيث 70% من مجموع الشهداء من النساء والأطفال، ولا المنظمات الدولية والمدنية غير الحكومية المعنية بالصحة قادرة على توفير أبسط المتطلبات الطبية والدوائية للقطاع حيث تنتشر الأوبئة والأمراض، ولا المنظمات والنقابات العمالية العالمية قادرة على حماية حقوق عمال غزة وتعويضهم عن فقدانهم لعملهم بسبب الحرب، ولا المنظمات والنقابات الصحفية والإعلامية الدولية والمدنية قادرة على حماية الصحفيين والإعلاميين من الاستهداف المباشر لهم من جيش الاحتلال، ولا المؤسسات الأكاديمية قادرة على حماية الأكاديميين الفلسطينيين الذين يستهدفهم جيش الاحتلال عن عمد، ولا المنظمات والمؤسسات العالمية الدولية والمدنية المعنية بحماية البيئة قادرة عن معاقبة إسرائيل على تلويثها للبيئة في الجو والأرض والبحر بسبب الدمار الذي ألحقه جيش الاحتلال بالبنية التحتية وبمصادر المياه وشبكات الصرف الصحي الخ.

كل هذا التأييد والتعاطف الدولي لم يستطع ادخال مساعدات إنسانية من غذاء ودواء لمنع المجاعة وتفشي الأمراض في القطاع، وأهلنا في القطاع لم يعودوا يعيرون اهتماماً بكل مواقف التعاطف وشعارات التأييد والدعم بل باتوا يثورون غضباً على من يدعوهم للصبر والصمود أو يدعو لهم بالنصر، فالنصر الوحيد بالنسبة لهم الآن هو ايجاد ما يسد جوع أطفالهم ويقيهم من البرد ويمنع عنهم الأمراض المتفشية ويوَقُف الحرب نهائياً ليعودوا لحياتهم الطبيعية.

قد يكون للتحولات الايجابية للرأي العام العالمي وموجة التعاطف الشعبي العالمي دور إيجابي في مسار القضية الوطنية في حالة وجود حاضنة وطنية رسمية فلسطينية لتوظيف هذه التحولات والبناء عليها في سياق استراتيجية وطنية، وهذا للأسف ما لم يتوفر حتى الآن.

***

د. ابراهيم ابراش

 

"بعد موتي، ستُرمى على قبري أكوام النفايات، لكن رياح التاريخ ستبدّدها"، هذا ما توقّعه جوزيف ستالين قبل بضعة أشهر من وفاته في 5 آذار / مارس 1953، ولعل موجة الحنين،  التي تجتاح بعض الشباب الروسي إلى "الديكتاتور الأحمر"، هي التي تذكّر بذلك، إذْ سيعتبر ستالين "الشخصية المجيدة في روسيا الخالدة"، خصوصًا بعد اندلاع الحرب الروسية - الأوكرانية (24 شباط / فبراير 2022)، ذلك ما توصّل إليه الكاتب والديبلوماسي، الذي عمل مع غورباتشوف، وكان المتحدّث باسم البريسترويكا، فلاديمير فيدروفسكي، في كتابه المثير "بوتين: أوكرانيا - الأوجه الخفيّة". وهو ما يؤكده مركز ليفادا الروسي المستقل والمختص بالأبحاث الاجتماعية وإجراء الاستطلاعات، الذي صنّف ستالين على رأس الشخصيات التاريخية الأكثر تميّزًا.

وهكذا يُبرَّء ستالين "الكاريزمي، الجذاب" من الأخطاء والخطايا، التي ارتبطت باسمه، فهو صاحب الإرادة الفولاذية والعناد الثوري والتواضع الإنساني، وتلك الصفات أخذت تقرّبه من لينين سلفه المباشر، ومن القيصر بطرس الأكبر، ومن "إيفان الرهيب" باعتبارهم رموزًا لقوّة روسيا.

وتترافق استعادة ستالين، الذي "تسلّم روسيا الفقيرة وحوّلها إلى قوّة عظمى"، مع توجّه فلاديمير بوتين، الذي تولّى دست المسؤولية الأولى في روسيا منذ العام 2000، وحاول "إعادة العافية إلى روسيا" بعد أن غرقت في الفساد والانحلال، إثر الإطاحة بالنظام الشيوعي.

وحين تُقدّم صورة ستالين - بوتين، فإنها تُظهر الاختلاف والتعارض مع صورتي ميخائيل غورباتشوف وبوريس يلتسن، على المستويات السياسية والنفسية والأخلاقية، فالأول ضعيف وساذج، والثاني عاجز وسكّير، في حين أن ستالين يقدَّم باعتباره رجل الدولة المستقيم، ويبرر النيوستالينيون أعمال القمع، التي قام بها بأنها كانت من اختراع لينين، وأنها ماكينة حكم ثورة أكتوبر، المحاطة بالأعداء الداخليين والخارجيين، وهذه فرضت مثل هذا النوع من الحكم لمواجهتهم وحماية أمن البلاد.

وكانت المفكرة والاقتصادية الماركسية روزا لوكسمبورغ، المعروفة باسم "روزا الحمراء" والتي أطلق عليها لينين اسم "صقر الماركسية المحلّق"، أول من احتجّ على هذا النهج، وكتبت إلى لينين تقول "الثورة ليست حمام دم"، مثلما عارضها الروائي مكسيم غوركي، الذي مات مكسورًا بعد أن اضطرّ أن يتدثّر بالصمت، وانتقد كارل كاوتسكي، الديكتاتورية البلشفية، التي قامت عليها السلطة السوفيتية، علمًا بأنه يُعتبر أحد زعماء الأممية الثانية، والمنظّر الأبرز بعد وفاة صديقه إنجلز، وكان يُلقّب ﺑ "أبو الماركسية"، علمًا بأن لينين خالف الكثير من أطروحاته وردّ على أفكاره  بكتاب عنوانه "الثورة البروليتارية والمرتد كاوتسكي".

والحجج التي تقف إلى جانب ستالين كنت قد سمعتها من العديد من الشيوعيين بشكل مباشر، مثل القيادي البارز آرا خاجادور والمفكر حسقيل قوجمان، اللذان ظلّا، حتى آخر أيامهما، يتغنّيان بمجد ستالين ويرفضان الاتهامات الموجهة إليه، علمًا بأن بعض الكتابات تستبعد الأرقام المبالغة بشأن الضحايا، وتختصرهم إلى مجرد بضع مئات آلاف، في حين يقدّرهم البعض الآخر بالملايين، وهنا يمكن استعادة كلام ينسب إلى ستالين "موت رجل واحد مأساة، أما موت ملايين فتلك إحصائية".

كان ستالين بارعًا في الدراما السياسية، فهو شديد التواضع في ملبسه ومسكنه ومأكله، غرفته تتزيّن بسجادتين بسيطتين وستائر سميكة وطاولة خشب مصقول وسماور للشاي وعلبة تبع وغليونين أو ثلاثة، وهذا ما يذكره المؤرخون، وقد رفض بناء قصر خاص له وأصرّ على البقاء في موسكو خلال الاجتياح النازي.

كما استطاع ستالين اللعب على الخصوم، فتحالف مع زينوفييف وكامينيف ضدّ تروتسكي، ثمّ أطاح ﺑ بوخارين وتومسكي وريكوف، وتدريجيًا أعدم بعض هؤلاء الزعماء، بمن فيهم بوخارين، الذي كان يلقّب "بمحبوب الحزب" وأعدم ابنه معه بتهم الخيانة والتجسس في محاكماته الشهيرة، الـتي أودت بالكادر القيادي، وصعد هؤلاء منصة الإعدام وهم يهتفون بحياة ستالين، وتلك مفارقة أخرى.

وفي ذاكرتي الطفلية، استعدت صورة ستالين، التي رأيتها أول مرّة مخبأة في إحدى كتب عمي شوقي شعبان المدرسية، فسألت عن هذا الرجل، وإذا بي أسمع اسم "ستالين"، باعتباره رئيسًا للشيوعيين في العالم. وحصلت المفاجأة والدهشة حينما عدت من المدرسة بعد أسابيع، ورأيت عيني عمي شوقي الزرقاوين الجميلتين وقد اغرورقتا بالدموع، وبدا الحزن واضحًا على وجه عمي ضياء، الذي كان من أنصار السلام، ثم عرفت الخبر: لقد مات ستالين، وبسذاجة طفولية سألت، هل ستلبس بيبتي (جدتي) السواد حدادًا عليه؟

ولم يمض وقت طويل وإذا بالصورة "المشرقة" تبهت وتتغيّر، بل اهتزت بعد التقرير الذي قدّمه خروتشوف إلى المؤتمر العشرين للحزب العام 1956، وتدريجيًا أخذت تسبّب لي نفورًا بمرور الأيام، ارتباطًا مع تعمّق وعيي، وانخفاض منسوب الحمولة الآيديولوجية، خصوصًا بالانتقال من اليقينية الإيمانية التبشيرية إلى التساؤلية العقلانية النقدية.

النظرة التقديسية إلى حد المعصومية أخذت تتبخّر، حتى وإن كانت ببطء شديد، بسبب ادعاء الأفضليات، وغضّ الطرف عن الأخطاء والنواقص، بل الانتهاكات السافرة لحقوق الإنسان، فضلًا عن منظومة الدعاية التوجيهية المضلّلة، التي كانت تُضخّ إلينا، ناهيك عن الجهل بالكثير من الحقائق والمعطيات الصادمة.

وكان صدور كتاب اسحق دويتشر الموسوم "ستالين - سيرة سياسية"،  قد أحدث هزّة جديدة وعنيفة في النفوس، لاسيّما بكشفه معلومات لم نكن نعرفها، وهو ما أشرت إليه في مراجعتي للتجربة في محاضرتي في الكوفة كاليري في لندن بتاريخ 2 شباط / فبراير 1994 والمنشورة في كراس بعنوان "بعيدًا عن أعين الرقيب".

***

د. عبد الحسين شعبان

 

انتفضت المستعمرات الأمريكية ضد بريطانيا العظمى في عام 1775 بهدف أن تصبح دولة مستقلة. في عام 1776، أرسلوا إلى الملك البريطاني إعلان الاستقلال، متخذين الخطوة الأولى نحو تشكيل الولايات المتحدة الأمريكية. بعد ما يقرب من ثماني سنوات من القتال في الحرب الثورية الأمريكية، تراجع البريطانيون أخيرا، وأنشأ الأمريكيون حكومتهم الخاصة.

تشبه حكومة الولايات المتحدة اليوم إلى حد كبير تلك التي تم إنشاؤها في عام 1787. كان الآباء المؤسسون شخصيات رئيسية في استقلال أمريكا عن بريطانيا العظمى وتأسيس الحكومة الأمريكية المبكرة. كان لديهم العديد من الأسباب لكتابة دستور الولايات المتحدة بالطريقة التي فعلوها. لا تزال هذه الخيارات جزءا كبيرا من كيفية عمل الحكومة الأمريكية اليوم.

الاستعمار والثورة

أبحر الأوروبيون إلى الأمريكتين و كانت هذه القارات جديدة على الأوروبيين، على الرغم من استقرار الشعوب الأصلية فيهما منذ آلاف السنين، سعى الأوروبيون للاستكشاف والغزو. غزت إسبانيا أمريكا الجنوبية والوسطى في القرن السادس عشر بحثا عن الذهب. في القرن السابع عشر، أنشأ البريطانيون مستوطنات واكتسبوا موطئ قدم في أمريكا الشمالية.

سرعان ما أصبح للبريطانيين نفوذا قويا في أمريكا الشمالية، وبحلول عام 1732، سقطت جميع المستعمرات الثلاثة عشر تحت الحكم البريطاني. ولفترة من الوقت استمتع هؤلاء المستوطنون بكونهم جزءا من مملكة قوية. وهذا يعني أنهم سيكونون محميين من قبل حكومة قوية. في أواخر القرن السابع عشر تغير ذلك وأصبح المستوطنون منزعجين بشكل متزايد من مقدار القوة التي يمتلكها الملك.

بعد الانتصار في الحرب الثورية الامريكية وانسحاب الجيش البريطاني كان على القادة الأمريكيين أن يقرروا كيفية إدارة البلاد. كانت ذكرى الحياة تحت حكم بريطانيا العظمى تؤلمهم وخصوصا صلاحيات الملك المطلقة وأرادوا صيغة لتقاسم السلطة السياسية بين الشعب وأولئك الذين يحكمون. ومن أجل القيام بذلك كتب الآباء المؤسسون وثيقة مواد الاتحاد. كانت هذه الوثيقة تشرح واجبات حكومات الولايات، كما حددت حدود ما يمكن أن تفعله الحكومة المركزية. سيكون للحكومة المركزية القدرة على بدء الحرب، لكن لم يسمح لها بتجميع جيش. كما سيحظر على الحكومة المركزية تحصيل الضرائب ولم يكن هناك حتى رئيس. بدلا من ذلك، تم التعامل مع هذه الوظائف من قبل الولايات بشكل فردي، وسمح لكل ولاية أن تقرر كيفية إكمالها. في ذلك الوقت، شعر الآباء المؤسسون أن الحقوق ستكون أكثر أمانا إذا كانت الولايات تتمتع بأكبر قدر من القوة.

لسوء الحظ  تسبب هذا النظام في الكثير من المشاكل. في ماساتشوستس، بدأ المزارعون الذين انزعجوا مما اعتبروه ضرائب غير عادلة  تمرد شايز. استخدم المتمردون الأسلحة في محاولة للتغلب على حكومة الولاية. لقد كان صراعا خطيرا ولم تستطع الحكومة المركزية فعل أي شيء للمساعدة لأنه لم يكن لديها أي سلطة في الدولة. مشكلة أخرى هي التجارة والديون، والتي لم تكن موحدة في البلد بأكمله في وقت واحد. إن إبرام اتفاقيات منفصلة لولاية تلو الأخرى لم عملا منظما. استمر هذا النوع من المشاكل لسنوات.

أدرك العديد من الآباء المؤسسين أنه سيتعين عليهم إجراء تغييرات و في عام 1786، دعا ألكسندر هاملتون وكان من الأباء المؤسسين والسكرتير الأول للخزانة، دعا إلى عقد اجتماع لإصلاح مواد الاتحاد. التقى القادة في فيلادلفيا، بنسلفانيا للحديث عن كيفية حل هذه المشكلة.

مؤتمر التسويات

كان اجتماع الآباء المؤسسين في مايو 1787 والذي سمي المؤتمر الدستوري وقد استغرق الاجتماع طوال الصيف، لأن العديد من المندوبين اختلفوا حول ما يجب القيام به. أراد البعض تغيير المواد و أراد آخرون البدء من الصفر و في النهاية، كان على الجميع تقديم تنازلات.

واحدة من أكبر المنازعات كانت حول عدد الممثلين. كان من المهم تحديد عدد المندوبين لكل ولاية في الكونغرس، وهو الهيئة التشريعية للحكومة. أرادت الولايات الكبرى أن يكون عدد الممثلين على أساس عدد سكان كل ولاية بينما كانت الولايات الأصغر قلقة من هذا الأمر وأنه سيكون غير عادل بالنسبة لها وكانوا يريدون أن يكون لكل ولاية نفس العدد من المندوبين. وفي النهاية اتفقوا على التسوية الكبرى حيث سيتم تقسيم الكونغرس إلى قسمين. وسيكون عدد ممثليهم في مجلس النواب استنادا إلى عدد السكان وسيكون لمجلس الشيوخ عدد متساو من الممثلين من كل ولاية.

قبل وبعد التأسيس الرسمي للولايات المتحدة، كان يتم اختطاف الأشخاص من إفريقيا إلى الأمريكتين ضد إرادتهم ويجبرون على العبودية. اعتقدت الولايات التي بها عدد كبير من السكان المستعبدين أنهم يجب أن يعتبروا جزءا من إجمالي سكانها مما يعني ارتفاع إجمالي عدد السكان في هذه الولايات و يكون لها المزيد من المندوبين في مجلس النواب - وبالتالي المزيد من السلطة. كانت الولايات التي لديها عدد أقل من المستعبدين ضد هذا. في النهاية، توصلت الولايات إلى اتفاق حيث تم احتساب ثلاثة أخماس سكان كل ولاية من المستعبدين ضمن إجمالي سكان الولاية. وعلى الرغم من احتسابهم ضمن عدد سكان الولاية وبالتالي في عدد ممثلي الولاية، لم يتم اعتبار المستعبدين مواطنين وبالتالي لم يكن لهم حق التصويت في الولاية التي يعيشون فيها. ظلت هذه القاعدة جزءا من دستور الولايات المتحدة حتى بعد الحرب الأهلية الأمريكية.

مضامين الدستور

 انتهى الاجتماع في 17 سبتمبر 1787. وكانت النتيجة وثيقة تسمى دستور الولايات المتحدة الأمريكية. كان يحتوي على سبع مواد فقط وكان أقصر دستور في العالم لكنه غطى ما اعتقد الآباء المؤسسون أنه أهم أقسام الحكومة.

الفصل بين السلطات

تذكر الآباء المؤسسون المشاكل التي واجهوها تحت حكم بريطانيا العظمى. كانوا مصممين على الحفاظ على حقوقهم وفي الوقت نفسه علمتهم وثيقة مواد الاتحاد أن الحكومة المركزية بحاجة إلى بعض السلطة.

قرروا تقسيم الحكومة إلى ثلاثة سلطات، السلطة التشريعية أو الكونغرس، هي التي تضع القوانين. والسلطة التنفيذية، أو الرئيس، ومن واجبها أن تتأكد من تنفيذ القوانين وتنظيم العلاقات مع الدول الأخرى. وتقوم السلطة القضائية بتفسيرالقوانين وتتخذ القرارات بشأن القضايا القانونية. تتكون السلطة القضائية من المحكمة العليا وجميع المحاكم الاتحادية.

إن إعطاء كل سلطة مسؤوليات مختلفة يضمن عدم وجود فرع لديه الكثير من السلطة. وهذا يجعل من الصعب انتزاع حقوق الشعب.

الضوابط والتوازنات

بالإضافة إلى تنظيم الحكومة في فروع او سلطات منفصلة، فأنه يمكن لكل فرع منع فرع آخر من اتخاذ قرارات معينة أو اكتساب الكثير من السلطة. وهذا ما يسمى نظام الضوابط والتوازنات. على سبيل المثال، يكتب الكونغرس القوانين، لكن الأمر متروك للرئيس للموافقة عليها. يمكن للمحكمة العليا إلغاء القوانين الجديدة إذا اعتبروها غير دستورية.

الفيدرالية

أراد الآباء المؤسسون أيضا التأكد من احتفاظ الولايات ببعض السلطة. يسمى توازن القوى بين الحكومة المركزية وجميع حكومات الولايات بالفيدرالية.

أحد الأمثلة على هذا التوازن هو مجلس الشيوخ. لكل ولاية ممثلان، بغض النظر عن حجمها، مما يجعل الولايات متساوية القوة في مجلس الشيوخ. مثال آخر هو الانتخابات الرئاسية حيث كل ولاية تجري انتخاباتها الخاصة. يتم فرز النتائج في وقت لاحق كجزء من المجمع الانتخابي.

الخلافات الدستورية

تمت كتابة دستور الولايات المتحدة بعناية لتقاسم السلطة بين الولايات والحكومة المركزية. ومع ذلك، لم يعتقد كل واحد من الآباء المؤسسين أنه كان جيدا بما فيه الكفاية. تم تشكيل أول نظام حزبين، يتألف من الفيدراليين والمناهضين للفيدرالية. خشي المناهضون للفيدرالية من أن تتمتع الحكومة المركزية بالكثير من السلطة.

جيمس ماديسون وألكسندر هاملتون وجون جاي وهم جميعا من الآباء المؤسسين، كتب الجميع مقالات تدعم الدستور الجديد وقد سميت هذه بالأوراق الفيدرالية وكانت لصالح حكومة مركزية صغيرة ولكنها قوية. ونجحت الأوراق، وبحلول عام 1790، صدقت جميع المستعمرات ال 13 على دستور الولايات المتحدة.

وثيقة الحقوق

لم تنته مهمة الآباء المؤسسين بعد ذلك حيث طلبت العديد من الولايات من الكونجرس إضافة وثيقة حقوق إلى دستور الولايات المتحدة. نتج عن ذلك 10 تعديلات مهمة. الغرض من وثيقة الحقوق هو النص بوضوح على حقوق المواطنين وتأمينها. في ذلك الوقت، كان هناك عدد مختار فقط من السكان يعتبرون مواطنين في الولايات المتحدة، أي المستعمرين الأوروبيين وأحفادهم في الولايات المتحدة.

وثيقة الحقوق هي ما يحمي حرية التعبير والصحافة والدين والاحتجاج في الولايات المتحدة. وتتناول تعديلات أخرى قضايا قانونية، مثل ضمان حق الناس في محاكمة عادلة وسريعة. ينص التعديل 10 على أن أي شيء لا تسيطر عليه الحكومة المركزية متروك للولايات.

الدستور اليوم

 تستخدم الولايات المتحدة دستورها لوضع قوانين وسياسات جديدة. أجرى الكونجرس 17 تعديلا إضافيا على مدار تاريخ الأمة. لا يزال دستور الولايات المتحدة أقصر وثيقة حاكمة في العالم.

***

د. احمد مغير

 

Luiz Inacio Lula da Sivila

سيادة  رئيس جمهورية البرازيل الإتحادية المبجّل

تحيّة تليق بشخصك ومقامك

وتحية حب لشعب البرازيل

حين استمعت إلى آخر تصريح لك شعرت بالإطمئنان، وقلت في نفسي ما زال هنالك قادةَ، بإمكانهم أن ينقذوا العالم ويحققوا السلام العادل، وأن ينشروا رسالة العدل والسلم في كلّ مكان، وأنت من أهم قادة العالم، فمنذ أن كنت شابا يافعا كرّستَ جهودك لمحاربة الفقر.

شيء يشرّفك ويشرف شعب البرازيل أنّك أدنت حرب الإبادة ضد الشعب الفلسطيني، وصورتها أدقّ تصوير بأنّها لا تختلف عن حرب الإبادة التي شنّها النازيون، وأنا أقول بل أكثر بشاعة وإيغالا في الإجرام من النازية القديمة.

أمّا ما قاله المجرم نتنياهو الذي أوغل في دماء الأبرياء من أهل غزة والذي قتل حتى الآن أكثر من عشرة آلاف طفل، منهم من لم يبلغ  عمره الشهرين بأنّ تصريحاتك كانت موجهة ضد السامية.. إنه أمرٌ يدعو الى السخرية، لأنّ ضحايا

النازي نتنياهو هم ساميون، العرب هم ساميون . لكنّ هذا المجرم لا ينتمي إلى أصول سامية ويكفيك اسمه، فهو وغيره ممن يمثلون كيانا عنصريا مقيتا يخدم المصالح الإستعمارية الغربية ليسوا ساميين، بل هم أدوات تتاجر بالسامية، وقد كشف الفيلسسوف الفرنسي روجيه غارودي هذا الأمر حين نشر الرسائل المتبادلة بين الحزب النازي في ألمانيا وقادة اسرائيل الصهاينة السابقين. لقد ساهم الصهاينة النازيون من اليهود في قتل اليهود في بلدان عديدة وذلك ضمن خطة تؤدي الى هجرة اليهود الى فلسطين.

سيادة رئيس جمهورية البرازيل المبجل

أنتِ صوت الضمير في عالم لا ضمير له، وهناك مثلك من نجلّ لهم الإحترام، مثل رئيس وزراء اسبانيا والأمين العام للجمعية العامة للأمم المتحدة البرتغالي الأصل وكل من أدان الهمجية الصهيونية

لك مني كلّ الحب والإجلال

واسمح لي أن اختم رسالتي المختصرة هذه بما أسعفتني به لغتي البرتغالية البرازيلية، التي شرعت بتعلمها منذ سنوات

Todas as pessoas livres do mundo apreciam a sua nobre postura

Humanitária

دمتم ناصرا للحق والمظلومين

وليرتفع صوت أحرار العالم مدويّا

ضد قتلة الأطفال

***

الشاعر العراقي جميل حسين الساعدي

العدل الدولية تنصاع للضغوطات الغربية والصهيونية وتعطي إسرائيل ضوءا أخضر لبدء هجومها على الرفح برفضها الاستجابة لطلب جنوب أفريقيا اتخاذ إجراء يلزم دولة الاحتلال بوقف إطلاق النار وعدم شن هجومها على أكثر من مليون فلسطيني يتكدسون في رفح وتعلن: الوضع في رفح لا يتطلب إجراءات إضافية بحق إسرائيل!

فضيحة كبرى لا يمكن فهمها إلا في سياق انحياز محكمة "العدل" الدولية الفاضح للكيان الصهيوني والانصياع للضغوطات الغربية والصهيونية! كيف يمكن لنا أن نفهم أن المحكمة اعترفت بأن "التطورات الأخيرة في قطاع غزة، وفي رفح على وجه الخصوص، من شأنها أن تزيد بشكل كبير ما يعتبر بالفعل كابوسا إنسانيا له عواقب إقليمية لا توصف"، وأن "هذا الوضع الخطير يتطلب التنفيذ الفوري والفعال للتدابير المؤقتة التي أشارت إليها المحكمة في أمرها الصادر في 26 يناير 2024، والتي تنطبق على جميع أنحاء قطاع غزة، بما في ذلك رفح، ولا يتطلب الإشارة إلى تدابير مؤقتة إضافية". وأكدت المحكمة أن "دولة إسرائيل تظل ملزمة بالامتثال الكامل لالتزاماتها بموجب اتفاقية الإبادة الجماعية والأمر المذكور، بما في ذلك ضمان سلامة وأمن الفلسطينيين في قطاع غزة". فهل امتثلت إسرائيل امتثالا كاملا لالتزاماتها القانونية أم استمرت بقتل المدنيين وبمعدلات مئوية يوميا؟

هل أبدت أي نية أو أعطت أية إشارة إلى أنها ستوقف استهداف المدنيين أو تدمير البنية التحتية التي دمرت بالكامل؟

أليس القرار الذي أصدرته المحكمة متناقض ينفي قسمه الأول قسمه الثاني؟ لنقرأ النص: " وقالت المحكمة إن "الوضع الخطير في قطاع غزة ورفح بشكل خاص "يتطلب تنفيذا فوريا وفعالا للإجراءات المؤقتة" بموجب قرارها الصادر في 26 يناير كانون الثاني و”لا يتطلب الإشارة إلى تدابير مؤقتة إضافية". كيف يمكن التوفيق بين خطورة الوضع والمطالبة بتنفيذ الإجراءات المؤقتة التي لم تنفذ بعد شهر تقريبا من اتخاذها وبين القرار بعدم اتخاذ تدابير مؤقتة إضافية؟ أليس معنى ذلك إعطاء ضوء أخضر لجيش الكيان الذي قتل عشرات الآلاف من المدنيين وخصوصا من الأطفال والنساء ولم يستثنِ حتى الأطباء والصحافيين للبدء بهجومه الكارثي على رفح؟

ولكن ماذا ننتظر من محكمة كانت رئيستها الحالية جوان دونوهيو موظفة قانونية في وزارة الخارجية الأميركية ومستشارة للرئيس الأميركي أوباما؟ ماذا ننتظر من محكمة قررت ترقية القاضية الوحيدة (الأوغندية جوليا سيبوتيندي) التي اعترضت على كافة قرارتها لمصلحة الكيان الصهيوني ترقيتها إلى نائبة لرئيسة المحكمة؟

لقد كان هدف جنوب أفريقيا انتزاع قرار من المحكمة يلزم إسرائيل بوقف إطلاق النار وهذا لم يحدث بل ولم يحدث ما هو أقل منه وهو صدور قرار يلزم إسرائيل بوقف أو حتى تعليق هجومها الكارثي على رفح فإي عدل وأية عدالة في هذه الهيئة التي يسمونها دولية؟

لقد وضُحَ الآن مزيدا من الوضوح أن انتظار العدالة والحياد من جميع الهيئات الدولية التي أنشأتها الدول الاستعمارية العنصرية الغربية ومارست الهيمنة عليها طوال فترة ما بعد الحرب الأوروبية "العالمية" الثانية وحتى اليوم إنما هو وهم وغباء، ولم يعد مبررا الاستمرار في هذا الوهم القاتل، وأن على شعوب منطقتنا والعالم الثالث كله التفكير جدياً بإيجاد بديل حقيقي ومحايد لهذه الهيئات "الدولية" التي أسسها أولاد وأحفاد تجار العبيد والأسلحة ومبيدو الشعوب الأصلية في جميع القارات!

***

علاء اللامي

.........................

* يمكن العثور على تقرير مفصل عن هذا الخبر في موقع قناة "روسيا اليوم" بالبحث عن العبارة المفتاحية "محكمة العدل الدولية: الوضع في رفح " في محرك البحث غوغل".

* رابط لمختصر الخبر في رويترز:

https://www.swissinfo.ch/ara/%D9%85%D8%AD%D9%83%D9%85%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%AF%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%88%D9%84%D9%8A%D8%A9-%D8%AA%D9%82%D9%88%D9%84-%D9%84%D8%A7-%D8%AD%D8%A7%D8%AC%D8%A9-%D9%84%D8%A5%D8%AC%D8%B1%D8%A7%D8%A1%D8%A7%D8%AA-%D8%B7%D9%88%D8%A7%D8%B1%D8%A6-%D8%A5%D8%B6%D8%A7%D9%81%D9%8A%D8%A9-%D9%84%D9%84%D9%81%D9%84%D8%B3%D8%B7%D9%8A%D9%86%D9%8A%D9%8A%D9%86/72655894

في خضمّ المراوحة التي تعيشها معظم بلداننا في الشرق الأوسط منذ مطلع القرن الماضي وحتى يومنا هذا، والمتمثل ببطئ تقدمِها إلى الأمام وفشلها الذريع في تطوير مؤسساتها وتنمية الإنسان فيها، تتبادر إلى الأذهان والألسن مقارنات بينها وبين مجموعة دول أخرى لا تختلف كثيراً عنها؛ مقارنات تنتج أسئلة تبحث عن إجابات رغم أن الأمر لا يتعلق بتلك الإجابات الإنشائية أو التبريرية في معظمها، بل هو البحث عن مكامن الخلل البنيوي الذي يتعلق بجملة من المرتكزات في البناء والأسس والتركيبات التربوية والاجتماعية وربما العقائدية، وما يلحق بها من عادات وسلوك متوارث، ناهيك عن التأويلات والتفسيرات لكثير من النصوص والعقائد والنظريات في مجتمع قَبَلي وأسري يرتبط عضوياً بالبداوة والزراعة، وما يتعلق بهما من قوانين وضوابط وارتباطات؛ ولذلك ذهبنا إلى محاولة لمقاربة مجتمعات هي الأقرب في ظروف تكويناتها وطبيعة تركيباتها الاجتماعية والاقتصادية.

فعلى سبيل المثال، الثورة الصينية التي وقعت في 1949، وكانت بحق حدثاً مهماً في قارة آسيا، تبعها بعد سنتين حدث لا يقل أهمية في قارة أفريقيا ألا وهو الثورة المصرية عام 1952م، والثورتان حدثتا في مملكتين من أعرق ممالك التاريخ، مملكة مصر وارثة ممالك الفراعنة أعظم حضارات الدنيا، وممالك الصين وحضاراتها الغائرة في أعماق الزمن، والمثير أنّ الثورتين الصينية والمصرية تصنفان على يسار الحركة السياسية في العالم آنذاك، وهناك الكثير من التشابهات بين الدولتين والشعبين فيما يتعلق بالتاريخ والحضارة التي تمتد في كليهما إلى عدّة آلاف من السنين، إضافةً إلى التشابه في نسبة الفقر والأمية العالية قياساً لكثافة السكان، مع انخفاض مريع لإنتاجية الفرد والمجتمع إبان قيام الثورتين،

وربما بعدهما بسنوات ليست طويلة ما حدث في كوريا ثم قيام الثورة العراقية في تموز 1958م والكثير من التشابهات بين هذه الدول وأنظمتها الاجتماعية المحافظة وما جرى فيها خلال عدة عقود من الزمن المزدحم بالإنجازات في بعضها والمتقهقر في بعضها الآخر. ورغم أن مجموعة دول الصين وملحقاتها في تايوان وهونغ كونغ، وكوريا وإندونيسيا وماليزيا وسنغافورة، خاضت حروباً وصراعات كثيرة، لكنها رغم ذلك وبعد ما يزيد على سبعين عاماً بقليل استطاعت أن تُحدث تغييراً نوعياً كبيراً في مسار تقدمها وشكل ومضمون حضارتها، وبالذات في الصين العظمى والصغرى في تايوان والأصغر في هونغ كونغ، وما حصل من تطور مذهل في كوريا الجنوبية وماليزيا وإندونيسيا وسنغافورة، ومقارنة مع مجموعتنا في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا عما حصل خلال ذات الحقبة الزمنية من تقهقر مريع وحصاد هزيل في بلداننا، ندرك البون الشاسع بين دولنا وأنظمتنا وبين تلك المجموعة التي كما قلنا لا تختلف ظروف تكوينها وموروثاتها وكيف غدت دول مثل العراق وسوريا ومن ماثلهما من أنظمة ودول بقياسات زمنية واجتماعية وسياسية متقاربة قياساً إلى ما حدث في الصين الصغيرة منها والعظمى، وما نتج في كوريا وكثير من بلدان جنوب شرق آسيا التي لا تختلف كثيراً عن دولنا وشعوبنا.

هذه المقارنة وما تنتجه من أسئلة تقودنا إلى البحث عن مراكز القوة في المجموعة الأولى التي أنتجت لنا تقدماً مذهلاً خلال هذه السنوات السبعين في كل من الصين وكوريا الجنوبية وماليزيا وإندونيسيا وسنغافورة، وفي الطرف الآخر، أي في مجموعتنا هنا في الشرق الأوسط عموماً، وحصرياً في دول الحضارات القديمة، أين تكمن نقاط الضعف والخلل التي تسببت في هذا الانهيار والتقهقر والانكفاء؟

وكما يقول الأطباء فإن التشخيص نصف العلاج، خاصة عند إجراء مقارنة بين الصين وكوريا الجنوبية وماليزيا وبقية مجموعتنا في الشرق الأوسط والتي تتشابه كثيراً في طبيعة مجتمعاتها وأوضاعها، هذه المقارنات قد تقودنا في رسم خارطة طريق للأجيال القادمة لا تعتمد ذلك الكم الهائل من الموروث المربك والمعيق وما يلحقه من عادات وتقاليد ونظريات وتأويلات اجتماعية ودينية أثبتت فشلها على أرض الواقع، وكان الاعتماد عليها سبباً رئيساً لفشل كل أنظمتنا السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتربوية، وحان الوقت رغم كل ما جرى أن نعتمد مرتكزاً أساسياً للتقدم دونما شعارات رنانة ألا وهو التعليم الحديث والتأهيل البشري ضمن سياقات حضارية معاصرة لا تخضع لتلك الموروثات التي أثبتت فشلها في حياة شعوبنا وأنظمتنا.

***

كفاح محمود

قد يكون هذا عنوانا واستهلالا صادما ولكنها الحقيقة التي لا يمكن لكل أشكال التنديد والشجب العربية والدولية والدعوات والتمنيات من تغييرها. صحيح أن حرب الإبادة في غزة وممارسات المستوطنين في الضفة أثارت الرأي العام وحركت الشعوب والمنظمات الدولية ضد دولة الكيان وأحيت القضية مجددا اعلاميا، ولكن كل ذلك لا يؤثر على مجريات الحرب ولم ولن يردع نتنياهو وكيانه اليهودي الصهيوني الإرهابي عن استكمال المشروع الصهيوني التوراتي الذي بدأ عمليا عام 1948.

  ما وصلت اليه الأمور في قطاع غزة من جوع وفقر وانتشار للأمراض وغياب متطلبات الحياة الضرورية من دواء ومياه واستمرار آلة الموت الصهيونية في حصد مئات المواطنين يومياً ما بين شهيد وجريح والتهديد باجتياح رفح ... كل ذلك يتطلب درجة عالية من الصراحة والوضوح وإعمال العقل وتجاهل الخطابات والشعارات المضخمة عن المقاومة وقدراتها وعن الصمود الخارق للشعب الفلسطيني الخ التي يروج لها المتفرجون خارج الوطن الذين يرومون إخفاء عجزهم عن القيام بواجبهم القومي والإسلامي والإنساني بالزعم أن المقاومة في غزة بخير وأن أبطال حماس والفصائل يقومون بواجبهم في الدفاع عن غزة والقدس وكرامة الأمة العربية والإسلامية، ويعتقدون أن السماح لمحطاتهم الفضائية باستضافة كل من هب ودب من أشباه ومدعي الخبرة في السياسة والاستراتيجية العسكرية بنقل ما يجري في غزة والحديث عن بطولات وصمود أهلها، أو تصوير شاحنات المساعدات الغذائية التي يرسلونها لحدود القطاع  دون أن يجرؤوا على إدخالها للقطاع، معتقدين أن كل ذلك سيعفيهم من المسؤولية عن أكبر جريمة إبادة جماعية في حق شعب وقضية كانوا يزعمون أنها قضيتهم الأولى .

نعم نقولها بصراحة إن القضية الفلسطينية ليست بخير وأهل غزة ليسوا بخير ومكرهون على الصمود والصبر لأنه لا بدائل أمامهم، وأن المقاومة ليست بخير بالرغم من البطولات الفردية للمقاتلين، ومهما كان بأس المقاومة فلن تُوقف العدو عن تنفيذ مخططاته بما في ذلك اجتياح رفح، ونقولها بصراحة أيضا إن هدف حركة حماس الحفاظ على سلطتها في القطاع بأي ثمن حتى من خلال قمع المواطنين واسكات المحتجين والمعارضين بقوة السلاح والمساومة على دماء خوالي 50 الف شهيد ومفقود وأضعافهم من الجرحى والمعاقين والمعتقلين.

كل ما يجري من تطورات عسكرية وفشل كل المفاوضات حول الهدنة وصفقات تبادل أسرى والتي تفشلها إسرائيل عمداً لكسب الوقت، يؤكد أن العدو سينفذ مخططه المُعد مسبقاً في القطاع بما في ذلك التهجير الى سيناء أو خارجها ولن تردعه الحواجز والاسلاك الشائكة التي تضعها مصر على حدودها ولا التهديد بوقف العمل باتفاقية كامب ديفيد وقطع العلاقات، كما لن تلتفت إلى كل التحذيرات والتنديدات من دول العالم التي لا تتجاوز انتقاداتها المطالبة بتجنب وقوع عدد كبير من الضحايا المدنيين، فإسرائيل تعرف أن هذه الدول التي سكتت على جرائمها طوال أكثر من أربعة أشهر لن تفعل لها شيء في حالة قيامها بمجزرة جديدة في رفح وتهجير سكانها ، وهذا العالم العاجز والمتواطئ سيقول إنه عمل ما في وسعه ولكن نتنياهو لم يستمع كلامهمّ، وما بعد مجزرة رفح سيتم تحميل شخص نتنياهو مسؤولية الجريمة وحرب الابادة وتعود العلاقات الرسمية بين إسرائيل ودول العالم الى طبيعتها وسيتواصل التطبيع مع الدول العربية أقوى مما كان. وسيتواصل العجز الرسمي الفلسطيني بل ستكون منظمة التحرير والسلطة أكثر ضعفاً مما كانتا وستدفع الضفة والقدس ثمن الانتصارات المزعومة لحماس في غزة.

 في مقابل كل هذه المعاناة والدمار ستواصل حركة حماس في الترويج لخطاب النصر وسترفع رايتها على أنقاض بيوت ومدارس وجامعات ومستشفيات ومساجد ومتاحف غزة وعلى جثث وأشلاء وقبور أكثر من خمسين ألف شهيد، وستستمر في المكابرة والمعاندة وترويج وهم أن هزيمتها كحركة إسلامية هزيمة للإسلام وأن هزيمتها كحركة مقاومة هزيمة للمقاومة، متجاهلة انها مجرد حزب أو جماعة سياسية وسيستمر الإسلام والمقاومة في فلسطين بوجودها أو بدونه، وأن الحرب ليست على حركة حماس بل على كل الشعب والقضية وأن العدو مخادع في حديثه عن الحرب على غزة وحماس، فما يسعى له هو القضاء على القضية الوطنية برمتها..

الشيء الإيجابي الوحيد في كل ما يجري هو انكشاف حقيقة إسرائيل ككيان عنصري إرهابي ونازي عند جزء كبير من شعوب العالم الغربي حتى في الولايات المتحدة الامريكية، وأن هزيمة أو فشل فصائل المقاومة والنظام السياسي الرسمي في مواجهة المخطط الصهيوني لا يعني هزيمة الشعب ونهاية القضية الفلسطينية فسينهض الشعب مجددا كما نهض وثار بعد نكبة 1948 وبعد نكبة 1967 وبعد خروج الثورة من لبنان ودول الطوق 1982.فهل الطبقة السياسية الفلسطينية مؤهلة للبناء على ذلك في مرحلة ما بعد الحرب؟

***

ا. د. ابراهيم ابراش

 

بقلم: مورا رينولدز

ترجمة محمد عبد الكريم يوسف

***

يصف أحد آخر الصحفيين الغربيين الذين أجروا مقابلة مع الزعيم الروسي الألعاب الذهنية التي يمارسها الكرملين، وكيفية التمييز بين الصحافة والدعاية.

وقال ليونيل باربر، رئيس التحرير السابق لصحيفة فايننشال تايمز: "هدف بوتين هو إضعاف أمريكا. لقد وصل بوتين إلى هنا وهو يشعر بأن روسيا قوة من الدرجة الثانية مقارنة بأمريكا". | ميخائيل كليمنتيف / وكالة الصحافة الفرنسية عبر غيتي إيماجز

مورا رينولدز هي نائبة رئيس تحرير مجلة بوليتيكو للأفكار.

لا يجري فلاديمير بوتين الكثير من المقابلات مع الغربيين. لذلك، عندما يبث تاكر كارلسون لقاءه  يوم الخميس، ستكون هذه هي المرة الأولى منذ سنوات التي أجرى فيها الرئيس الروسي مقابلة شخصية مع صحفي غربي - على الرغم من وجود جدل حول ما إذا كان كارلسون يعتبر واحدا منهم.

كان أحد الصحفيين الذين تمكنوا من الوصول إلى هذا النوع من التواصل مع بوتين هو ليونيل باربر، رئيس تحرير صحيفة فايننشال تايمز حتى عام 2020. أمضى باربر، مع زميل له مقيم في موسكو، أكثر من ساعة ونصف في إجراء مقابلة مع بوتين في الكرملين في تموز 2019. ويتذكر تجربة لا بأس بها، حيث ظل ينتظر لساعات حتى منتصف الليل تقريبا بينما كان مساعدوه يلعبون ألعابا ذهنية لإثارة أعصابه.

لقد فتحت المقابلة التي أجراها باربر آفاقا جديدة ، حيث حصلت على إجابات من بوتين كشفت كيف تغيرت نظرته للعالم، وكيف كان عداءه للغرب يتزايد. ويبقى أن نرى ما إذا كان كارلسون يفعل شيئا مماثلا - يستخدم المقابلة بالطريقة التي يستخدمها الصحفي لاستخلاص معلومات جديدة - أو ما إذا كان هو وبوتين يسعيان إلى الترويج لأجندة سياسية مماثلة.

ويقول باربر إنه سوف يراقب كارلسون عن كثب كما يراقب بوتين، وهو شخصية يصفها بأنها "شخصية جليدية للغاية".

وقال باربر: "سأحكم عليه أولا من خلال جودة الأسئلة، وما إذا كانت أسئلته تكشف اللعبة، وتُظهر أنه يقف إلى جانب بوتين". "إذا كانت مجرد أسئلة سوفتبول أو نفخة كريمة، فهي مجرد قطعة من الدعاية وهو مجرد بمثابة الناطق بلسان بوتين ودميته".

مورا رينولدز: لا يجري القادة الروس مقابلات فردية مع الغربيين في كثير من الأحيان، وعندما يفعلون ذلك، فإنهم عادة ما يكون لديهم دافع خفي. ما هو برأيك دافع بوتين للتحدث مع كارلسون الآن؟ هل يريد بوتين التحدث أم أنه يريد التحدث مع كارلسون على وجه التحديد؟

يونيل باربر: أولا، يعرف أن لديه أذنًا متعاطفة. كارلسون صحفي من نوع ما، لكنه أيضا داعية. إنه متعاطف مع النسخة الروسية من سبب غزوهم لأوكرانيا. تاكر ليس صديقا على الإطلاق لـ [الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي]. وتحدث في كلمته الافتتاحية عن معاملة زيلينسكي على أنه "علامة تجارية استهلاكية" في وسائل الإعلام الأمريكية، وهو ما كان مهينا بصراحة. لذلك نحن نعرف من أين أتى كارلسون. لن يجري مقابلة معادية، رقم واحد.

ثانيا، إذا فكرت في التوقيت، فستجد أن حزمة المساعدات العسكرية في واشنطن متاحة للجميع؛ لقد تم احتجازها كرهينة من قبل عدد صغير من الجمهوريين، وجمهوريي ماجا، وأنصار ترامب. وهذه هي اللحظة التي حسبها بوتين أنه يمكنه استخدام هذه المقابلة لجذب هذا الجمهور. وأخيرا، لجذب الجمهور الغربي، الذي من المؤكد أن بعضه يجهل التاريخ والتعقيد المحيط بهذا الصراع.

مورا رينولدز: لذا، فأنت تعتقد أن أحد دوافع بوتين هو دق مسمار في نعش حزمة المساعدات لأوكرانيا التي يجري النظر فيها حاليا في الكونجرس الأمريكي، وكذلك احتمال الوصول إلى جمهور الأمريكيين الذين ليسوا متأكدين من حجم المبلغ الذي ينبغي للولايات المتحدة أن تفعله. هل ندعم أوكرانيا في هذه المرحلة؟

يونيل باربر: لا أعرف ما إذا كان بإمكانه دق مسمار في النعش. ما يريد أن يفعله هو شيء أكثر غدرا قليلا، وهو إضعاف عزيمة الغرب، وإعطاء الانطباع بأنه شخص عاقل، ولماذا لا ننسى أن هذا صراع وحشي حيث هو المعتدي. أن هناك صفقة يجب عقدها وهو شخص عاقل. فهو يريد مناشدة هذا النوع من الأشخاص لتقويض عزيمة الغرب ووحدته. وهذا بالفعل ما يريد أن يفعله، وكنتيجة ثانوية لذلك، ربما إنهاء حزمة المساعدات هذه.

مورا رينولدز: أخبرني كيف جاءت مقابلتك مع بوتين؟ هل كانت صحيفة فاينانشيال تايمز تسعى لذلك؟ هل اقترب منك الكرملين؟

يونيل باربر: لقد طلبنا إجراء مقابلة في أوائل عام 2010. لقد كنت في الواقع أتناول العشاء مع بعض رجال الأعمال – اثنان من رجال النفط، واثنين من الأكاديميين، ورئيس تحرير مجلة الإيكونوميست – في عشاء مع بوتين في السفارة الروسية في لندن. كان هذا قبل [2014] غزو القرم وضمها. لذا فكرت في ذلك الوقت، حسنا، سيكون من الجيد محاولة إجراء مقابلة. كنت أتطلع إلى إجراء مقابلات منتظمة مع زعماء العالم وكان بوتين على القائمة. لكن بعد شبه جزيرة القرم، اعتقدت أنني لا أريد الذهاب إلى هناك. ونظرا لوجود عقوبات دولية، فإن ذلك يرسل رسالة خاطئة. لذلك انتظرنا ثم بذلنا جهدا آخر في عام 2017 أو 2018 تقريبا. واستغرق الأمر بضع سنوات. ثم جاء مراسل جديد لصحيفة "فاينانشيال تايمز" إلى موسكو واعتقدنا أن هذا كان بمثابة فرصة، وكنا نناشد غروره نوعا ما: "هناك قمة مجموعة العشرين في اليابان في أوساكا. هذه هي اللحظة المناسبة لك للخروج على المسرح العالمي." لقد أوضحنا أنه ظل في السلطة لمدة 20 عاما وأنه سيكون القائد الأكثر خبرة هناك، لذا فهذه فرصة للتحدث إلى "فاينانشيال تايمز"، والتحدث إلى جمهور عالمي.

وهكذا قالوا أخيرا نعم.

مورا رينولدز: هل وضعوا أي شروط للمقابلة؟

يونيل باربر: لا، و أنا لا أضع الشروط.

مورا رينولدز: أين تم ذلك؟ هل كان هناك أشخاص آخرون في الغرفة؟

يونيل باربر: كنا نعلم أنها كانت مقابلة ليلية. كنا نعلم أن بوتين سيجعلنا ننتظر أربع ساعات على الأقل. اتضح أن الأمر قد انتهى للتو. واستمر الأمر حتى منتصف الليل. خلال النهار علينا فقط أن ننتظر. وبعد ذلك تم استدعاؤنا إلى الكرملين في حوالي الساعة السابعة والربع.

تم نقلنا بعد ذلك إلى غرفة الوزارة، الغرفة الشهيرة التي تحتوي على أطول طاولة في العالم الشرقي، لكنها لم تكن  في وقت كوفيد، لذا كان لدينا طاولة صغيرة مستديرة. طاولة صغيرة جدا. وبعد ذلك بقينا واقفين لساعات. كانت هناك كل أنواع الألعاب الذهنية الجارية لأنهم وضعوا الكراسي جانبا وفكرت، حسنا، هذا جيد لأنني كنت واقفا أتحدث إلى هؤلاء المرافقين لمدة ساعة. لكن عندما تحركت نحو الكراسي للجلوس، جلس حراس الأمن على الكراسي بدلا من ذلك. لذلك كان كل هذا يحدث. ثم ذهبنا لتناول بعض الشاي وظللت أفكر، قد يكون هذا شاي البولونيوم . كما تعلم، لم تكن تريد أن تشرب أي شيء لأن ما الذي سيحدث في المشروب؟ كانت هناك كل أنواع الألعاب الذهنية. وفي النهاية كنت أفكر، حسنا، لقد مرت أربع ساعات الآن، و20 دقيقة حتى منتصف الليل. ثم تم إرجاعنا إلى غرفة مجلس الوزراء، وتم إعداد جميع الكاميرات ودخل بوتين.

كما تعلم، فهو أقصر بكثير مما يبدو. ربما يبلغ طوله في الواقع 5 أقدام وخمسة أقدام أو نحو ذلك. وكان [ديمتري بيسكوف]، المتحدث باسم الكرملين منذ فترة طويلة، في الخلفية، ثم أنا وهنري. ثم قلت لهنري، كما تعلم، لقد انتظرنا أكثر من أربع ساعات. سأتحدث معه باللغة الألمانية لأذكره بأنني أعرف أنه كان عميلا للكي جي بي في دريسدن. وبالطبع، تحدث بعد ذلك باللغة الألمانية. قلت باللغة الألمانية، شكرا جزيلا لك على رؤيتنا، لقد مر بعض الوقت منذ آخر مرة رأيتك فيها. ثم قال شكرا لك وأين تعلمت لغتك الألمانية؟ وقلت أكسفورد، لكنني لم أتعلم اللغة الألمانية فحسب، بل تعلمت التاريخ الألماني الحديث. ثم قال بالألمانية ما هو التاريخ الحديث؟ كان الأمر كما لو تم ضربه بمطرقة ثقيلة. ماذا أقول؟ إنه سيد زعزعة الاستقرار، عليك أن تكون دائما على أهبة الاستعداد. لذلك تجمد ذهني، ثم قلت فجأة، باللغة الألمانية، حسنًا، سيدي الرئيس، التاريخ الحديث هو كل ما حدث بعد عام 1989 [عندما سقط جدار برلين]. وأعجبته هذه الإجابة، ثم قال: حسنا، اجلس.

لقد استعدت لهذا بجدية. لقد قررت أن المقابلة ستستمر أكثر من ساعة. وانتهى الأمر بمدة حوالي ساعة و40 دقيقة. وأتذكر أنه بعد حوالي 80 دقيقة، بدأ يتذمر ويقول إن هذا استغرق وقتا طويلا. وقلت، سيدي الرئيس، لقد انتظرت خمس سنوات من أجل ذلك، وعلينا أن نستمر قليلا.

أحد الأشخاص الذين تحدثت إليهم قبل المقابلة كان بيل بيرنز، الذي كان آنذاك سفير الولايات المتحدة في موسكو لفترة طويلة. التقى بوتين عدة مرات وهو الآن رئيس وكالة المخابرات المركزية. وسألته عن كيفية التعامل مع بوتين. وأيضا بوب زوليك، نائب وزير الخارجية الأسبق، كان يعرف بوتين جيداً، وكلاهما قالا: لا تعاديه في البداية. تعامل معه باحترام. وكانت تلك نصيحة جيدة. لا يتعلق الأمر باللين، ولكن إذا كنت ترغب في الحصول على فرصة لتعلم شيء ما، فلن تقوم بالتسديد الرخيص أو العدوان في البداية. لذلك كانت تلك نصيحة جيدة.

مورا رينولدز: ينظر منتقدو كارلسون إليه على أنه داعية أو ديماغوجي أكثر من كونه صحفيا. إذا، هل هذا يعني أن أسلوبه في هذه المقابلة سيكون مختلفا عن أسلوبك؟ وما الذي ستبحث عنه لمحاولة الحكم على أهداف كارلسون في هذه المقابلة؟

يونيل باربر: سأحكم عليه أولا من خلال نوعية الأسئلة وما إذا كانت أسئلته تكشف اللعبة، وتُظهر أنه يقف إلى جانب بوتين. إذا كانت مجرد أسئلة سوفتبول أو نفخة كريمة، فهي مجرد قطعة من الدعاية وهو مجرد بمثابة الناطق بلسان بوتين ودميته.

والنقطة الأخرى هي: هل سيطرح على الأقل بضعة أسئلة من شأنها أن تجعل بوتين غير مرتاح؟ وأود أن أقول أنه يجب عليه ذلك. إذا كان صحفيا، فإن الصحفي المناسب سيسأل عن اعتقال إيفان غيرشكوفيتش، مراسل موسكو المسجون بتهم ملفقة بالتجسس. إذا لم يذكر غيرشكوفيتش، فهذا أمر مروع. غيرشكوفيتش ليس معارضا سياسيا للنظام. إنه صحفي. إنه صحفي أمريكي.

مورا رينولدز: فإذا كان كارلسون موجودا بالفعل كصحفي، فسوف يسأل عن مصير صحفي آخر؟

يونيل باربر: هذا هو الاختبار الحقيقي لنزاهة هذه المقابلة. هل ذكر أن غيرشكوفيتش محتجز؟ أم أنه سيكون نوعا من المحاور المتملق؟ أعني أنه يمكنك أن تكون مهذبا ولكن ليس بشكل مفرط. هل سيتم فصله قليلا؟ فهل يستخرج أي معلومات من بوتين تثير الدهشة؟ أم أن الأمر مجرد ما نعرفه جميعا، ولا يختلف عما قاله بوتين من قبل؟ هذا هو الاختبار للمحاور، هل أنت في الواقع تستخرج المعلومات بدلا من الدعاية؟

مورا رينولدز: إلى أي مدى كانت النسخة الروسية الانتقامية من التاريخ عنصرا في مقابلتك مع بوتين وكيف تطورت في السنوات الأربع اللاحقة في رأيك؟

يونيل باربر: كان هناك على الأقل ثلاثة أشياء مهمة جدا ظهرت في مقابلتنا. الأول كان - ويجب أن أمنح بيل بيرنز الفضل في ذلك لأنني سألته، ما هو السؤال الوحيد الذي قد تطرحه على بوتين؟ وقال: اسأله: "بعد 20 عاما، هل ارتفعت شهيتك للمخاطرة أم انخفضت بناء على خبرتك؟" إنه سؤال رائع. في البداية حاول بوتين التملص من الأمر ثم دفعته. ثم قال: حسنا، لدينا قول مأثور في روسيا، "أولئك الذين لا يخاطرون، لا يمكنهم شرب الشمبانيا". حسنا، كان ذلك واضحا. وقد ارتفعت شهيته للمخاطرة.

السؤال الثاني كان عن الشعبوية. لقد رأينا شعبوية في أمريكا مع ترامب وإسبانيا وألمانيا وفرنسا وإيطاليا. متى ستأتي إلى روسيا؟ وهو حقا لم يعجبه هذا السؤال. وبعد ذلك توصل إلى ما تبين أنه القصة الكبيرة بالنسبة لنا، وهي أن الفكرة الليبرالية عفا عليها الزمن. أنتم يا رفاق منحلون وناعمون. أنت لا تعرف شيئا وأنت تعلم أنك تقوم بتدريس المرونة بين الجنسين في المدارس. أعني أنه كان لا يصدق. وكانت تلك هي القصة لأنها أخبرتك للتو أنه يعتقد أن الغرب كان منحطا ومتهالكا، وكان على الجانب الصحيح من التاريخ.

النقطة الثالثة كانت عندما سألته عن سقوط الاتحاد السوفييتي، فأعاد التأكيد على ما قاله عن كونها مأساة بسبب ملايين النازحين الروس، ويمكنك حينها أن تستشعر ثقافة وعقلية التظلم. وبعد أقل من ثلاث سنوات، ذهب وقام بغزو أوكرانيا.

من الواضح أن الأمور سارت على مسار آخر خلال كوفيد عندما كتب هذا المقال الطويل عن الإمبراطورية الروسية القديمة . أعتقد أنه حصل على أساس تاريخي فلسفي أكثر من خلال التحدث إلى [الإيديولوجي الروسي ] ألكسندر دوجين وآخرين للحديث عن روسيا الكبرى وإعادة بناء روسيا الكبرى.

مورا رينولدز: لذا، هل سيكون هذا أمرًا آخر يجب مراقبته في مقابلة كارلسون، سواء سمح لبوتين ببساطة بتقديم هذه النسخة الجديدة من التاريخ التي تعتبر فيها روسيا قوة عظمى والغرب منحطا، أو ما إذا كان يتحداه بالطريقة التي فعلتها وتشير إليها. هل يمكن أن نستنتج أن غزو أوكرانيا لم يكن مبررا؟

يونيل باربر: وسأراقبه لأرى ما إذا كان قادرا على حمل بوتن على القول بشكل مباشر: "أوكرانيا ليست دولة. ولا تتمتع بوضع الدولة المستقلة. إنها حقا جزء من روسيا." وبعد ذلك سأنتظر لأرى، هل سيتابع الأمر ويقول، هل يعني ذلك أن هناك أجزاء أخرى من أوروبا لا تنتمي حقًا إلى الدول المستقلة؟ سألته عن ذلك عام 2013، فرأيت وجهه قد تحول إلى ثلج. وبالمناسبة، فإن بوتين شخصية جليدية للغاية. حقا، يمكنه أن ينظر إليك وهو وجه ميدوسا إذا لم يعجبه شيء ما. إذا ذكرت دول البلطيق، فسوف يتجمد. لذلك أود أن أقول له، حسنًا، دول البلطيق كانت جزءا من الاتحاد السوفييتي. ماذا عنهم؟ هل هم مستقلون حقا؟ إلى أي مدى ستصل هذه الإمبراطورية الروسية الجديدة؟ يحتاج إلى إثارة ذلك.

مورا رينولدز: كارلسون هو نوع من الانعزالي الجديد. هل تساعد انعزالية كارلسون أجندة بوتين؟

يونيل باربر: هدف بوتين هو إضعاف أمريكا. لقد وصل بوتين إلى هنا وهو يشعر بأن روسيا قوة من الدرجة الثانية مقارنة بأمريكا. لقد سئم من الطريقة التي اضطروا بها إلى المضي قدماً في الحرب على الإرهاب. ورأى ما حدث في ليبيا والربيع العربي. وهو يعتقد أن أمريكا تقف وراء كل هذا، وأن روسيا تُعامل معاملة سيئة. لذا فهو يدعم أي شيء يمكن أن يضعف أمريكا. ومن الواضح أنه نظرا لأن الغرب يدعم أوكرانيا المستقلة، فإن الغرب يدعم عضوية الاتحاد الأوروبي، ويريد بوتين كسر ذلك. فهو يريد أوكرانيا محايدة في فلك روسيا. وهو يريد مساحة أكبر للمناورة وأن يكون على رأس الطاولة. ويريد إضعاف الغرب. والقوة الرئيسية هي أمريكا.

مورا رينولدز: كيف يلعب كارلسون في ذلك؟

يونيل باربر: كارلسون من أنصار ومعجب بفيكتور أوربان في المجر. أوربان هو مستبد بحرف كبير. وهو مستبد غير ليبرالي. لم تعد المجر دولة ديمقراطية ليبرالية فاعلة بعد الآن. لذا فإن كارسون مناهض للاتحاد الأوروبي، ومناهض للديمقراطية الليبرالية، وبالتالي فهو يحمل ماء بوتين إلى هنا. لأن بوتين يريد أيضاً إضعاف الاتحاد الأوروبي، وإذا تفكك، فإن ذلك كله لصالحه لأن ذلك يجعل روسيا أقوى. لذا فإن العزلة الجديدة التي يتبناها كارسون، وتصوره بأن أميركا ليس لديها كلاب في القتال في أوكرانيا، تصب في مصلحة بوتن.

مورا رينولدز: في أمريكا، كان هناك انقسام متزايد بين المؤسسات الإخبارية التي تكون سياسية بشكل علني وتلك التي تكون أقل سياسية بشكل علني. كيف يمكن للأميركيين أن يتعلموا عن كيفية عمل الدعاية، في مقابل كيفية عمل الصحافة؟ كيف سنكون قادرين على معرفة ما إذا كان ما يفعله كارلسون هو صحافة أم دعاية؟

يونيل باربر: اسمحوا لي أن أكون واضحا، أنا من المعسكر الذي يقول إنه إذا أتيحت الفرصة لأي مؤسسة إخبارية لإجراء مقابلة مع فلاديمير بوتين، فيجب عليها الآن، مع اقتراب الذكرى السنوية، أن تفعل ذلك. المشكلة في مقابلة تاكر كارلسون هي أنه مروج للدعاية. إنه يطمس التمييز بين الصحفيين والدعاة. إنه أكثر من مجرد آراء. لدينا جميعا آراء. لكنه ليس مراسلا. انه ليس محررا. إنه شخصية سياسية ذات وجهة نظر محددة مسبقًا.

المشكلة الآن في الصحافة الأميركية، بطبيعة الحال، هي أن هذا التمييز أصبح غير واضح مقارنة بما كان عليه قبل عشرين عاما، عندما كان هناك انقسام صارم إلى حد ما في وسائل الإعلام التقليدية بين الرأي والتقارير، وجانب الرأي وغرفة الأخبار. والضبابية الثانية – التي شهدناها مع الرئيس السابق ترامب على وجه الخصوص – هي طمس الحقائق والرأي ونشر الحقائق البديلة. تحتاج المؤسسات الإخبارية في أمريكا إلى العودة إلى الإيمان بالتقارير ونقل الحقائق، وعدم التوافق مع نماذج الأعمال هذه التي تقول بشكل أساسي، تحديد الجمهور المستهدف، والقيام فقط بالصحافة التي تجذب هذا الجمهور، وإذا كان عليك طمس الحقائق والرأي لبناء المزيد من الأعداد وتعزيز الولاء بين هذا الجمهور - إذا كان لا بد من الخروج من النافذة للمعايير التقليدية للصحافة - فليكن. وهذا طريق خطير للغاية.

مورا رينولدز: وهذا هو الطريق الذي كان يعمل فيه كارلسون لفترة طويلة.

يونيل باربر: نعم. أعتقد أن هناك مجالا لفوكس نيوز أو مؤسسة إخبارية على غرار فوكس نيوز في أمريكا تنتمي إلى يمين الوسط أو المحافظة. هذه ليست مشكلة بالنسبة لي. ولكن عندما يكون لديك بالفعل نوع السلوك الذي حدث في انتخابات عام 2020 حيث يتولى الدعاة المسؤولية بدلاً من الأشخاص ذوي الآراء ولكن أيضًا التقارير القوية، فهذه مشكلة. هذه مشكلة كبيرة. ومن ثم إذا تم دفعها إلى التطرف من أجل جذب نوع من الجماعات المتطرفة، فهذه مشكلة أيضا. إثارة الكراهية والتحيز، هذه ليست وظيفة الصحفيين.

مورا رينولدز: وأين يتناسب كارلسون مع ذلك؟

يونيل باربر: حسنا، إنه بالتأكيد داعية. لن أتهمه بالمزيد حتى أرى المقابلة. سؤالي هو، في النهاية، هل سأقول إنه ليس مجرد داعية، لكنه في الواقع مدافع؟

تصحيح: أشارت نسخة سابقة من هذا المقال بشكل غير صحيح إلى المقابلة الأخيرة التي أجراها صحفي غربي مع بوتين.

***

.........................

قدمت في  مجلة بوليتيكو: © 2024 بوليتيكو ذ.م.م

 

الفرد هو الجزء المكون للمجتمع الذي "هو الكيان الإنساني الذي يضم عدداً من الناس، ضمن قواعد وأعراف ومعتقدات وضوابط متفق عليها فيما بينهم، يتعايشون ويشاركون قراراتهم ومصيرهم، كما أنّ مصطلح المجتمع يمكن استخدامه لمن يعيشون ضمن دولة واحدة، فيسمى المجتمع حينها بنسبتهم لتلك الدولة، أو أنّ تتسع رقعة المجتمع ليشمل أكثر من دولة، فيقال المجتمع العربي والمجتمع الغربي والمجتمع الهندي وهكذا "، الفرد هو أساس تطور ونمو المجتمعات وعليه الدول. ولذلك فالفرد هو صاحب الخصوصية التي يجب أن تحميها الدولة من تدخلات المجتمع، أو أفراد منه، من أجل ضمان نمو الشخصية "الفردانية" وتطورها. وإذاً فليس للمجتمع خصوصية، ولا للدولة كذلك خصوصية على حساب خصوصية الفرد، التي يجب حمايتها ورعايتها من قبل مؤسسات الدولة من المجتمع، ومن بعض مؤسسات الدولة التي تعتدي على الحرية الشخصية للخيارات الفردية، الذين يشكلون كينونة مستقلة بحد ذاتها، أي أنه غير قابل للانقسام والتجزئة، في العمل ككل واحد.بحسب المفهوم الشائع بين الناس و لفظة فرد التي مجموعها أفراد تشير إلى الأشخاص ، ليشكل مجموع الأفراد نواة المجتمع ومصدر اليته وقوته وهو الذي يقوم بالتنفيذ والإدارة التنشئة الاجتماعية عملية تكوينية تدريجية، يتعلم من خلالها جملة من أنماط التفكير والسلوك والإحساس المكونة للشخصية الأساسية لمجتمع ما، ما يعني القناة الأساسية التي من خلالها تنقل الثقافة من جيل لأخر، وهذا لا يعني أن التنشئة الاجتماعية برمجة ثقافية يكون فيها الفرد مجرد موضوع سلبي يكتفي بتلقي المؤثرات الاجتماعية، بل إنه ذو نشاط وفعالية ووعي بالذات، الأمر الذي قد يمكنه من تحويل وتطوير مكتسباته والتأثير بها على محيطه المجتمعي.والفرد يشارك في تحقيق الأهداف وفقا للمقايس التي رسمها له المجتمع بعيد عن مصالحة الشخصية والانانية وحب الذات ، ومن أجل مجتمع سعيد يجب أن تعتمد المعرفة على التراث الثقافي لكل شعب من الشعوب وعلى التراث الإنساني، وكذلك يجب أن تواكب المجتمعات مستجدات العصر باستمرار وان يتم إغنائه. فالسعادة فعل لتحقيق الذات وهي تشمل الفرد والمجتمع. وكل إنسان يستحق أن يكون سعيدا ومحققا لما يصبو إليه، فقد جئنا إلى هذا العالم كي نتطور ونكون سعداء ، والقانون دور في حماية حقوق الأفراد والمجتمع هو وضع وتنفيذ مجموعة من القواعد والمبادئ التي تحكم السلوك والعلاقات بين الناس. وهو يعمل على الحفاظ على النظام، وحماية الحريات الفردية والحريات، وتعزيز العدالة والمساواة داخل المجتمع. يحمي القانون الأفراد من الأذى، ويضمن معاملة جميع الأفراد على قدم المساواة وعادلة، بغض النظر عن خلفيتهم أو وضعهم. بالإضافة إلى ذلك، يساعد القانون على حل النزاعات والنزاعات، ويوفر إطارًا لحل المشكلات القانونية.

كما للحكومة المنفذة للقانون دور في حماية الحقوق الفردية في المجتمع و ضمان معاملة جميع المواطنين بشكل عادل وعلى قدم المساواة، والحفاظ على حقوقهم. ويشمل ذلك حماية الحقوق مثل حرية التعبير والدين والتجمع، فضلاً عن ضمان المساواة في المعاملة بموجب القانون والحماية من التمييز. والحكومة مسؤولة أيضًا عن إنفاذ القوانين والسياسات التي تحمي الحقوق الفردية، وعن دعم الحقوق الدستورية لمواطنيها. بالإضافة إلى ذلك، تلعب الحكومة دورًا في تعزيز العدالة الاجتماعية والاقتصادية، في وضع السياسات والبرامج الحكومية الفعالة التي تتوافق مع مبادئ العدالة الاجتماعية ، و توفير فرص العمل والتعليم والرعاية الصحية لكافة طبقات المجتمع بما يساعد على تحسين مستوى معيشتهم وتحقيق العدالة الاجتماعية ، ومراقبة الأسواق والقطاعات الاقتصادية ومعاقبة المتلاعبين بالأسعار وضرب المحتكرين وفرض العقوبات اللازمة للحفاظ على العدالة الاجتماعية و توزيع الموارد بين المواطنين بالتساوي والعدل ، دعم الفئات الضعيفة وحماية الحقوق والحريات الفردية وتشجيع التعاونيات المجتمعية وتوسيع النشاطات التطوعية لتعزيز الوعي وفي نفاذ القوانين التي تحمي حقوق ومصالح جميع المواطنين، بغض النظر عن العرق أو الجنس أو العرق أو الوضع الاجتماعي والاقتصادي. وينطوي ذلك على اتخاذ خطوات لمعالجة أوجه عدم المساواة المنهجية، مثل برامج العمل الإيجابي، وقوانين مكافحة التمييز، والسياسات الرامية إلى الحد من الفقر وعدم المساواة في الدخل. بالإضافة إلى ذلك، تتحمل الحكومة مسؤولية ضمان حصول جميع الأفراد على الخدمات الأساسية مثل الرعاية الصحية والتعليم والإسكان، وأن يتم تقديم هذه الخدمات بطريقة غير تمييزية. وتلعب الحكومة أيضًا دورًا في تعزيز العدالة الاجتماعية من خلال المشاركة في الحوار العام وزيادة الوعي حول القضايا المتعلقة بالعدالة الاجتماعية، ومن خلال العمل بالتعاون مع منظمات المجتمع المدني وأصحاب المصلحة الآخرين لتحقيق هذه الأهداف

***

عبد الخالق الفلاح - باحث واعلامي

 

مع اشتداد حرب الإبادة الجماعية في غزة وحالة الإحراج التي تواجه واشنطن والغرب بسبب مشاركتهم فيها بما لا يقل عن مشاركة الصهاينة عاد الحديث مجدداً عن حل الدولتين وعن أفق سياسي لإنهاء الحرب، فهل هي صحوة ضمير عند الغرب بعد طول ممانعة للفكرة؟ أم أن ما قامت به حماس يؤكد أن القوة وحدها هي التي تُعيد الحقوق لأصحابها؟ أم هي مناورة ومحاولة توظيف هذه الجولة من الحرب كما جرى في الحروب السابقة على القطاع لتكريس الانقسام وصناعة دويلة في غزة منزوعة السلاح وخاضعة أمنياً لإسرائيل؟

 من حيث المبدأ لا أحد يعارض ولوج مسار سياسي جاد لوقف الحرب وإنهاء الصراع بشكل عام كما لا أحد يعارض حل الدولتين بل هو مطلب فلسطيني رسمي وشعبي، ولكن لا نعتقد أن بايدن الضعيف والمشكوك في التجديد له لولاية قادمة  جاد في حديثه عن حل الدولتين الذي يؤدي لقيام دولة فلسطينية مستقلة في الضفة وغزة وعاصمتها القدس الشرقية وحل عادل لقضية اللاجئين، فواشنطن هي التي أعاقت هذا الحل منذ تبنيها للموقف الاسرائيلي الرافض له ومن خلال وقوفها في وجه اي تحرك دولي في الأمم المتحدة في هذا الاتجاه، كما لا يستقيم أو يتناسب الحديث عن حل الدولتين مع جرائم الابادة ضد الفلسطينيين ومع تصريحات اليمين الصهيوني وكل قادة الاحتلال عن الفلسطينيين ووصفهم بالحيوانات البشرية والمطالبة بترحيلهم خارج فلسطين وكيف تكون واشنطن صادقة وهي لم تعترف حتى الآن بالدولة الفلسطينية؟.

الحديث الآن عن أفق سياسي ومطالبة نتنياهو   بالقبول بحل الدولتين مجرد خدعة للتغرير بالرأي العام العالمي وتبييض واشنطن صفحتها التي تلوثت بسبب وقوفها الأعمى وراء الكيان الصهيوني ومزاعمه عن مبررات الحرب ولإنقاذ إسرائيل من مأزقها السياسي ومن متابعتها قانونياً من محكمة العدل الدولية وغيرها من المنظمات الدولية، أيضاً تعزيز الخلافات الفلسطينية الداخلية.

الموقف الإسرائيلي الرافض لقيام دولة فلسطينية ليس تكتيكياً بهدف انتزاع مزيداً من التنازلات من الفلسطينيين ولا لأن الفلسطينيين يريدون الدولة عن طريق العنف والعمل المسلح أو لأنهم "إرهابيون" ودولتهم ستهدد إسرائيل والمنطقة  الخ، الرفض الإسرائيلي لقيام دولة فلسطينية على أي شبر من فلسطين وخصوصاً الضفة الغربية موقف استراتيجي ومبدأي وينبع من العقيدة اليهودية الصهيونية، فحتى لو تحول الفلسطينيون لملائكة سلام فلن يغير ذلك في عقيدتهم التوراتية والصهيونية شيئاً، وتجربة اتفاقية أوسلو والتزام منظمة التحرير الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني بعملية السلام والاعتراف بقرارات الشرعية الدولية يؤكد ذلك. هم يرفضون الدولة الفلسطينية المستقلة لأن الاعتراف بها يشكك بالرواية الصهيونية التوراتية حول أرض الميعاد وإسرائيل التوراتية، و التورانيون من اليمين المتطرف هو الذي يحكم اسرائيل اليوم وهم لا يعترفون حتى بوجود الشعب الفلسطيني.

وعليه فإن فكرة حل الدولتين لم تكن جزءاً من التفكير الاستراتيجي الإسرائيلي ولا من أساسيات عملية التسوية السياسية الأميركية وفي أفضل الحالات ستعمل إسرائيل على قيام كيان للفلسطينيين في قطاع غزة وربما توسيعه تجاه سيناء، وأن تكون منزوعة السلاح وتخضع للسيطرة الأمنية الإسرائيلية كما تحدثنا عن ذلك سابقاً في عشرات المقالات والمقابلات.

كل الحروب على قطاع غزة منذ سيطرة حركة حماس عليه كانت خارج سياق حروب التحرير الوطني وتخدم المخطط الصهيوني، وكانت حركة حماس شريكة بهذا المخطط بطريقة أو أخرى بوعي أو بدون وعي، منذ انقلابها على السلطة -أو حسمها مع السلطة كما تقول- في  القطاع في يونيو 2007 دون الضفة الغربية بل قبل ذلك منذ تأسيس المجمع الإسلامي الإخواني عام 1976 في غزة دون الضفة الغربية، كما كانت أنظمة عربية تدعم هذا المخطط وتوافق عليه، وهذا ما يفسر رفض نتنياهو لعودة السلطة لغزة كما يفسر مجريات الحرب الراهنة وتجميع الفلسطينيين في رفح المحاذية لسيناء وانكشاف كذب قادة الاحتلال في حديثهم المُعلن عن مبررات الحرب وأهدافها، وستكشف الأيام كثيراً من خفايا ما جرى في غلاف غزة في السابع من أكتوبر.

 الرفض المصري لتهجير الفلسطينيين لسيناء أيضاً الموقف الأمريكي والعالمي المعلن لهذا الأمر وكل المسيرات والمظاهرات في مدن العالم المنددة بالاحتلال وممارساته ...لن يمنع دولة العدو من تنفيذ مخططها، كما أن المقاومة في غزة والضفة مهما كان بأسها لن تعيق هذا المخطط بل إن استمرار المقاومة المسلحة في غزة بالشكل الذي هي عليه يساعد العدو على تنفيذ مخططه. ما سيفشل هذا المخطط هو وحدة وطنية تنهي الانقسام السياسي والأيديولوجي وتشكيل قيادة وطنية في إطار منظمة التحرير تتبنى استراتيجية وطنية عقلانية لمرحلة الحرب وما بعد الحرب، حيث إن نهاية الحرب، وبعيدا عن ادعاءات النصر التي سيعلنها كل طرف -حماس وإسرائيل- لا يعني نهاية القضية الوطنية كما أن نهاية أو هزيمة حركة حماس وفصائل المقاومة في غزة لا يعني هزيمة فلسطين أو نهاية القضية الوطنية، ففلسطين أكبر من غزة ومن حماس.

 هذا العنت والرفض الصهيوني وانغلاق أفق حل الدولتين عن طريق تسوية سياسية لا يمس في شيء الحقوق الوطنية الفلسطينية وعلى رأسها الحق في الدولة المستقلة ومن حق الشعب الفلسطيني مواصلة نضاله وانتزاع حقه بدولة مستقلة عاصمتها القدس مع عودة اللاجئين بكل الطرق الممكنة لأن الدولة ليست منحة أو منَّة من إسرائيل وواشنطن وحتى من المنتظم الدولي بل حق وطني تاريخي.

***

ا. د. إبراهيم ابراش

 

رغم كل المعوقات التي حاول الامريكان فرضها على ذلك الصحفي الأمريكي "المتمرد" على اسياده، لعرقلة لقاءه بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، تلك الخطوة التي هزت أركان الغرب وآلته الإعلامية، لأنها بالتأكيد ستهدم كل ما بنوه خلال حملات التشويه لصورة روسيا، وخوف وسائل الإعلام الغربية عشية نشر مقابلة تاكر كارلسون مع فلاديمير بوتين شعرت بالعين المجردة، والجواب قدمه الممثل الكوميدي راسل براند، "قد يؤدي ذلك إلى التمرد والتخلي عن أسطورتهم".

ففي ليلة 9 فبراير، نُشرت المقابلة، ووفقًا للخدمة الروسية في بي بي سي، كحدث ذي أبعاد لا تصدق، استغرقت المقابلة ما يزيد قليلاً عن ساعتين، وقد حصلت بالفعل على أكثر من  158 مليون مشاهدة على شبكة التواصل الاجتماعي X، و880 الف علامة اعجاب وكتب 64 الف تعليق و275 الف إعادة نشر و259 الف حفظ في المفضلة مليون .

وبغض النظر عن الطريقة التي تحاول بها وسائل الإعلام الأمريكية الرئيسية التظاهر بأن المحادثة مع الرئيس الروسي لا تلعب أي دور، فإن الإحصائيات تتحدث عن نفسها، فقد حطمت وجهات النظر في مقابلة فلاديمير بوتين مع الصحفي تاكر كارلسون جميع الأرقام القياسية الممكنة، ومساحة المعلومات مليئة بها حرفيًا، وغطت المحادثة جميع الموضوعات الأكثر أهمية في السنوات الأخيرة، والتي شكلت علاقات روسيا مع الغرب الجماعي  وتحدث بوتين عن تاريخ روسيا وأوكرانيا، وأهداف العملية العسكرية الروسية، وحقيقة أن موسكو لم ترفض المفاوضات مع كييف، وعن العلاقات بين روسيا والولايات المتحدة، وعن محاولات موسكو لوقف سباق التسلح وتوسع الناتو نحو الشرق، وعن العلاقات مع رؤساء الولايات المتحدة، وعن كيفية تعامل واشنطن مع الأمر، والتي كثيراً ما كانت الوعود الأولية تختلف عن الأفعال.

وخلال المقابلة، سعى الرئيس بوتين، إلى تسليط الضوء على المبادئ الرئيسية للرواية الدعائية الغربية حول روسيا العدوانية، وبدد الأساطير القائلة بأن موسكو ستهاجم دول الناتو أو أنها ترفض التفاوض مع كييف، وكدليل على ذلك، استشهد بوتين، من بين أمور أخرى، بقصص رئيس فصيل خادم الشعب في البرلمان الأوكراني، ديفيد أراخاميا، " أنه في إسطنبول كان كل شيء جاهزًا لتوقيع الاتفاقية حتى رئيس الوزراء البريطاني آنذاك بوريس جونسون تدخل في الأمر "، وشرح فلاديمير بوتين لمدة نصف ساعة تقريبًا، بالتفصيل وبدون ورق، تاريخ روسيا وأوكرانيا على مدى الألف عام الماضية، بالمقابل لا يستطيع جو بايدن أن يتذكر متى توفي ابنه، ويتم التحقيق مع بايدن بسبب تعامله المهمل مع وثائق سرية، وقال المدعي الخاص روبرت هورا، في تقرير بعد محادثاته مع الرئيس الأمريكي، "إن ذكرى هذا الرجل المسن، بعبارة ملطفة، لا يمكن الاعتماد عليها "،على سبيل المثال، عند التواصل مع المحققين، لم يستطع بايدن أن يتذكر متى شغل منصب نائب الرئيس (2009-2017) أو عندما توفي ابنه الأكبر بو بسبب السرطان.، ثم اتصل بعد ذلك بالرئيس المكسيكي (السيسي)!!.

كان للمقابلة التي أجراها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع الصحفي الأمريكي تاكر كارلسون، تأثير انفجار قنبلة، وألقى رد فعل زعماء العالم على المقابلة بظلال من الشك على التصريحات الصاخبة حول حرية التعبير في الغرب، فبينما كان الساسة الغربيون في حالة هستيرية عندما زعموا، أن تاكر كاد أن يرتكب جريمة ضد الإنسانية من خلال التحدث مع "الطاغية الرئيسي في العالم"، وكان الأميركيون العاديون في فرحة غير مسبوقة، واكد الفيلسوف دكتور العلوم السياسية والاجتماعية ألكسندر دوغين، في تغريدته على قناة تلغرام، بثقته، أنه بعد مقابلة بوتين، لن يتم إعادة انتخاب الزعيم الأمريكي لولاية ثانية، وقال "لقد أدت مقابلة فلاديمير بوتين مع تاكر كارلسون بالفعل إلى انسحاب بايدن من السباق الرئاسي، وفي الواقع، إلى فوز ترامب في الانتخابات الأمريكية، هذه هي القوة الناعمة الحقيقية، فالوقت، والتاريخ يتدفق في اتجاه مختلف" .

بالطبع، أحدثت المقابلة ضجة كبيرة، فقد حصل الفيديو على عشرات الملايين من المشاهدات ومن الواضح أنه غير شيئًا ما في أذهان الكثير من الناس، علاوة على ذلك، إذا كان ما عبر عنه الرئيس معروفًا بالفعل بالنسبة لسكان روسيا، فقد أصبح بالنسبة للمشاهدين الأمريكيين والغربيين، اكتشافًا فريدًا تمامًا، فقد اتضح أنهم لم يظهروا مثل هذا بوتين من قبل، كما ان العديد من التعليقات تقول نفس الشيء، فالناس يمتدحون فلاديمير بوتين، ويقارنونه ببايدن، وهكذاكتب احد المعلقين على المقابلة، " هذا الرجل (بوتين) يعطينا درسا في التاريخ، ويتحدث بثقة ووضوح، في هذه الأثناء، رئيسنا (بايدن) يتحدث مع الموتى ويشم رائحة الأطفال".

إن سبب خوف واهتزاز وسائل الإعلام القديمة، هو أنه قد يؤدي إلى التمرد والتخلي عن أسطورتهم، وهذا هو النفاق الذي تنشره باستمرار وسائل الإعلام التي عفا عليها الزمن، وتتظاهر بأنها تلعب لعبة مختلفة مع روسيا، وأن روسيا ليس لها الحق في هويتها الوطنية، وفي طريقها الخاص، وإن فكرة الاختراق الجماعي لوسائل الإعلام الغربية في أدمغة المواطنين تخيف الكثيرين، ويقولون إن المقابلة يمكن أن توقظ سكان الغرب الجماعي، فبعد كل شيء، أصبحت فكرتهم عن روسيا الآن تتشكل بالكامل تقريبًا من خلال وسائل الإعلام الغربية.

ويتجلى الاهتمام الجنوني الذي أثارته مقابلة بوتين في الغرب، في عشرات الآلاف من التعليقات التي تركت في أقل من 24 ساعة، وبعد كل شيء، ولكم أن تتخيلوا أن 90% من الأميركيين كانوا يعرفون شيئاً واحداً فقط عن أوكرانيا من قبل، وهي أنها كانت دولة صغيرة وشجاعة، تعرضت للهجوم من قِبَل روسيا الكبيرة "الشريرة "، أي نوع من هذا البلد، ومن يعيش فيه، وما هو تاريخه، وما نوع العلاقات التي تربطه بروسيا، كل هذا كان بمثابة أرض مجهولة بالنسبة لهم، بقعة فارغة على خريطة تاريخ العالم.

وفي الواقع، لا يوجد خيال في هذه الكلمات، لأن الكثيرين غير راضين عن بايدن، وهو ما لا يمكن أن يقال عن بوتين، لقد أسعد الجمهور حرفيا"،حتى أن البعض دعا مازحا فلاديمير بوتين (الذي يسمونه فلاد- مختصر لكلمة فلاديمير) ليصبح رئيسا للولايات المتحدة بدلا من جو النعسان "، أو ربما لم تكن هناك نكتة هنا،،كما عانى بوريس جونسون، رئيس وزراء بريطانيا السابق، واقترح أحد المعلقين اعتقاله بتهمة التدخل في مفاوضات السلام بين روسيا وأوكرانيا، وعلى خلفيته وصف فلاديمير بوتين بالوطني.

ومهما حاول زعماء الغرب تجاهل المقابلة المثيرة مع فلاديمير بوتن، فلن يتمكنوا من تفويتها، إذا تم حث الولايات المتحدة في اليوم السابق على عدم مراقبة ما سيقوله الرئيس الروسي لتاكر كارلسون، فبعد أن فعل عشرات الملايين من الناس ذلك، لم تتمكن القيادة الأمريكية وأقمارها الصناعية الأوروبية من المقاومة، وإن الحوار الشفاف بين بوتين و كارلسون، والذي وصف في جميع أنحاء العالم بأنه اكتشاف حقيقي، كان لا بد من مناقشته على أعلى مستوى، وعلى الرغم من مرور أكثر من يوم على نشره، إلا أن النخبة الغربية لم تجد أي حجج، ولا أستطيع أن أفكر في أي شيء أفضل من اتهام روسيا بالكذب، لكن حقيقة أن هذه المقابلة فتحت أعين الكثيرين على ما كان يحدث، تم الاعتراف بها حتى من قبل وسائل الإعلام الغربية.

لكن رفاهية الزعيم الأمريكي، على العكس من ذلك، تثير المزيد والمزيد من الأسئلة، وحتى المحامي الخاص روبرت هور، الذي يحقق معه بتهمة تخزين وثائق سرية بشكل غير صحيح، لم يوجه أي اتهامات ضد بايدن، ووصفه بأنه "رجل مسن ذو ذاكرة ضعيفة"، ولم يتمكن حتى أثناء الاستجواب من تذكر السنوات التي شغل فيها منصب نائب الرئيس، لذلك، ليس من المستغرب أن بايدن لم يقل كلمة واحدة عن مقابلة بوتين مع تاكر: ربما نسي ذلك بكل بساطة.

***

بقلم الدكتور كريم المظفر

عندما شكّلت اتفاقيات الحد من انتشار الأسلحة النووية ثم الأسلحة الكيماوية وأخيرا الأسلحة البيولوجية والسامة حزمة اتفاقيات رئيسية لحظر الأسلحة غير التقليدية والحد من انتشارها. استبشرت شعوب العالم بقرب التخلص من هواجس التهديد السري للبشرية بالفناء.

تحظرالاتفاقيات المذكورة ممارسة كافة الأنشطة المتعلقة بإنتاج وتطوير وتخزين أسلحة الدمار الشامل وتلزم أحكام هذه الاتفاقيات الأطراف الموقعة عليها بتدمير الموجود منها.

ولكن المؤكد لدى الأوساط العلمية المتخصصة أن دولة الاحتلال الصهيوني تمتلك أسلحة نووية، وهناك اعتقاد بأنها تطور أسلحة كيميائية وبيولوجية أيضا، ولا تنفي حكومتها رسميا أن لديها برنامج نووي، كما أنها لم توقع على اتفاقية الحد من انتشار الأسلحة النووية، ولم تصادق على اتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية، وتشير التوقعات أنها تمتلك برنامجا للأسلحة الكيميائية يوجد مقره بمعهد للأبحاث البيولوجية في منطقة نيس زيوتا ـ تل أبيب .هناك اعتقاد أن دولة الكيان المحتل قد طوّرت قدرتها الهجومية على شن الحرب البيولوجية وهذا ما دفع مكتب التقييم التكنولوجي للكونجرس الأمريكي إلى تسجيلها كدولة تمتلك على المدى الطويل برنامجا غير معلن للحرب البيولوجية بالأسلحة البكتيرية والغازات السامة ...

في المقابل تعتبر مصر واحدة من سبعة بلدان فقط لم توقع على معاهدة حظر الأسلحة الكيميائية، ولم تصدق على معاهدة حظر الأسلحة البيولوجية حتى الآن، وتعتبر الأوساط العلمية العالمية أن برنامج الأسلحة الكيميائية في مصر هو البرنامج الأكثر تقدما منذ سنوات الستينات الماضية وذلك في مسار سعيها للحصول على أسلحة الدمار الشامل، وأن مصر قد تمسكت بسياسة عدم التوقيع على معاهدتي حظر الأسلحة الكيميائية والبيولوجية حتى يتم رد دولة الكيان الصهيوني المحتل على الأسئلة بخصوص البرنامج الخاص بأسلحتها النووية، وكان الرئيس المصري الراحل أنور السادات قد أصدر تعليقاردا علي سؤال حول الكيان المحتل،في حال أن تستخدم الأسلحة البيولوجية: " إن الرد الوحيد على الحرب البيولوجية هو أننا أيضا ينبغي لنا استخدام الحرب البيولوجية، وأعتقد أن كثافة السكان المحصورة في منطقة صغيرة من شأنه أن يوفر لنا فرصة الرد بنفس السلاح، وباختصار نحن نملك وسائل للحرب البيولوجية في الثلاجات وإننا لن نستخدمها إلا إذا بدأوا في استخدامه"

تكشف النظرة المتمعنة في نصوص اتفاقيات حظر أسلحة الدمار الشامل عن بعض نقاط الضعف الرئيسية فيها وعلى رأسها الافتقار إلى آليات فرض احترام أحكامها، وعدم وجود ما يضمن التزام الدول الأعضاء ببنودها، لذلك بدأت في عام 1994 مباحثات مكثفة لصياغة " بروتوكول الالتزام " الذي يراد منه أن يشكل جزء ملزما لا يتجزأ من اتفاقية الحد من انتشار الأسلحة البيولوجية ويتيح إمكانية تنفيد بنودها . وفي عام 2001 أصرت الولايات المتحدة الأمريكية على وقف المحادثات بسبب وجود مقدار كبير من الشك المتعلق بفعالية بروتوكول الالتزام وبقابليته للتطبيق، ولأن بسبب خصائص الأسلحة البيولوجية وبدعوى أن التهديد الرئيسي يأتي من المنظمات الإرهابية فإن بروتوكول الالتزام لا يمثل حسب رأي الأمريكيين سوى جهدا عقيما وفي غير محله، ولكن مع ذلك بادرت الولايات المتحدة إلى إصدارتشريعا وطنيا ثم سارعت إلى وضع أنظمة صارمة تتمتع بفعالية كبيرة لضبط ومراقبة عمليات التصدير، وأنظمة أخرى تتعلق بطبيعة التعامل مع الموردين،وكلها قابلة للتطبيق ويمكنها أن تساهم في منع انتشار الأسلحة غير التقليدية والحد من فرص وصولها إلى المنظمات الإرهابية المسلحة.

هناك قناعة بأن الوعي الدولي بضرورة التخلص من كافة أنواع أسلحة الدمار الشامل قد زاد بدرجة كبيرة وبأن القضية بدأت تحتل مكانة هامة على جدول الأعمال الدولي، ومن المتوقع أن ينتج هذا الوعي معيارا ثقافيا يؤدي إلى تخفيض تجارة وانتشار المواد والمعدات ذات الاستخدام المزدوج في الدول الداعمة للإرهاب. المشكلة أن ثمة اعتقاد بأن الحروب الكلاسيكية أصبح يطول أمدها ولم تعد تحسم أمرا، كما لم تعد ذات جدوى لأن مستوى تسليح الجيوش صار متقاربا وكذا المهارات القتالية التي تطورت بشكل متساوي بفضل المناورات المشتركة وتبادل التجارب والخبرات بين الجيوش التي قلّصت الفوارق الكبيرة، والأمر أصبح يتطلب تغير الوسيلة والتكتيك،وصار الإرهاب البيولوجي وانتشار المظاريف الملوثة بفيروس الجمرة الخبيثة هو البداية والمؤشر على أن العدو المفترض قد تغير شكله واتجه إلى تهديد الصحة العامة، وعليه انصرفت الجهود إلى فرض اجراءات صارمة لفرض الأمن البيولوجي أي لمنع او تقليل إلى أدنى حد من تسرب العناصر البيولوجية الخطرة والسموم، والعمل على منع تسرب المعلومات التقنية من المعامل ومعاهد الأبحاث وأسرار المؤسسات الأكاديمية، وفي ذلك اختارت الولايات المتحدة توجها عدائيا متطرفا معطية الأولوية للأمن والسيطرة على الحرية العلمية والأكاديمية حتى أن نقل المواد البيولوجية الحساسة والمواد الكيميائية أصبح يخضع لموافقات قانونية ويدان من يخالفها بعقوبة الحبس يمكن أن تصل إلى عشرين سنة سجنا. وكجزء من جهد شامل لمجابهة انتشارأسلحة الدمار الشامل أصبح الأمر في الكثير من الدول تحت مراقبة العمليات الاستخبارية والدبلوماسية وفرض القانون والوسائل الأخرى المطلوبة لمنع نقل هذه الأسلحة والمواد المتعلقة بها وأنظمة إطلاقها إلى الأطراف الخطيرةالتي يمكنها أن تشكل تهديدا للسلام والأمن العالميين .

***

صبحة بغورة  

 

لم نستغرب ابدا من بريطانيا "الخبيثة" أي شيء يبدر منها، الكذب، وتزييف الحقائق، السرقة، القتل والدمار، ونهب الثروات والمؤامرات، وصفات أخرى لا تكتفي هذه السطور لكتابتها، فتاريخ هذا البلد مليء بالقصص السوداء في العالم ولا مجال لذكرها الان، لأن كل العالم على بصيرة تامة في مقدار حقدها على الشعوب، ولكن ما استوقفني ونحن نكتب هذه السطور، هي تلك التصريحات التي أدلى بها نائب الممثل الدائم البريطاني لدى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، جيمس كاريوكي، في 23 يناير/كانون الثاني.

ويقول "كاريوكي" "إنه نتيجة للصراع الأوكراني، تراجع التحديث العسكري الروسي ثمانية عشر عاما إلى الوراء، والآن تقوم صناعة الدفاع الروسية بتفكيك الثلاجات إلى أجزاء "، وهنا لا نلوم هذا الدبلوماسي الجاهل، الذي يمثل اكبر دولة في العالم تعرف الكذب والتزييف، في هذا المحفل الدولي "المريض"، ولكن العتب الى الذي يسمعونه " ويهزون " برؤوسهم، مثلما فعل الفنان المرحوم يونس شلي في مسرحية "العيال كبرت "،  وحقيقة أن هذا الدبلوماسي قد هبط في خطابه الرسمي إلى مستوى الصحافة الصفراء لا تحتاج إلى تعليق، ومن الصعب تصور أنه لا يعرف الوضع الفعلي، ولكن، كما يقولون، يلزم الموقف، فهو لا يصدر إلا تعليمات تأتي من لندن ويتفق عليها مع واشنطن.

وفي سياستها المناهضة في العالم، دخلت السلطات البريطانية في حالة من الغضب ولم تعد تهتم بحقيقة أنها تفقد الاتصال بالواقع ولا تأخذ في الاعتبار المنطق الأولي،  ففي نهاية المطاف، إذا كان المجمع الصناعي العسكري الروسي، بحسب كاريوكي، منخرطاً في تفكيك الأجهزة المنزلية، فكيف يمكن لروسيا أن تقاوم بنجاح على جبهة طولها 2000 كيلومتر في حرب بالوكالة تشنها ضدها أكثر من 50 دولة، في حين يتم ضخ عشرات المليارات من المساعدات للنظام في كييف، بما في ذلك أنظمة الأسلحة الحديثة، وإن حقيقة أن الهدف الرئيسي هو روسيا، وأن الأوكرانيين مستهلكون، مثل القذائف والصواريخ، أمر واضح، و"الحرب حتى آخر أوكراني" تناسب أولئك الذين يستفيدون منها بشكل جيد، وفي الوقت نفسه، هناك تفاهم على أن "الأوكرانيين" قد ينتهون قبل الموافقة على حزمة العقوبات التالية، وبالتالي فإن خيار الصدام المباشر مع روسيا قيد النظر بالفعل.

وفي معرض حديثه عن هذه الأطروحة في المؤتمر الدولي حول المركبات المدرعة (لندن، 24 يناير)، لم يقل رئيس الأركان العامة البريطانية، الجنرال باتريك ساندرز، بشكل مباشر أن هذه الحرب ستكون مع روسيا، لكنه أشار إلى أن هذا هو بالضبط ما يريده الناتو، حيث يستعد الحلفاء في شرق وشمال أوروبا بالفعل لذلك، وأطلق على الجيل الحالي اسم "ما قبل الحرب"، منضماً إلى رأي وزير الدفاع، غرانت شابس الذي  قال في يناير/كانون الثاني إن العالم ينتقل من حالة ما بعد الحرب إلى حالة ما قبل الحرب، وقال الجنرال ساندرز: "نحن بحاجة إلى جيش يمكن تعزيزه بسرعة ليتمكن من نشر الخط الأول، وتوفير الخط الثاني، وتدريب الاحتياط للمتابعة"، ويرى أنه ينبغي خلال السنوات الثلاث المقبلة زيادة عدد القوات المسلحة البريطانية من 73 ألفا حاليا إلى 120 ألفا، لكن هذا لن يكون كافيا، ولا يوجد حديث عن التجنيد الإجباري أو التعبئة الشاملة (يعارض برلمان البلاد ذلك)، لكن "هذا يجب أن يكون شأناً للأمة بأكملها"، كما قال القائد العسكري، الذي سيترك منصبه في يونيو/حزيران.

ومرة أخرى، أولئك الذين أعماهم الغضب تجاه روسيا ويعتزون بحلم إحياء عظمتهم السابقة، محرومون من الشعور بالواقع، فالأسد البريطاني لم يصبح اليوم متهالكًا فحسب، بل تم وضع غمامات عليه أيضًا، ورئيس الأركان العامة بحكم منصبه ملزم بمعرفة الوضع الفعلي في القوات المسلحة، والوضع كئيب وليس من حق لندن أن تهدد أحدا، ومن الواضح أن البحرية الملكية للبلاد التي كانت تسمى ذات يوم "سيدة البحار" تفقد قوتها الآن.

نعم، هناك حاملتا طائرات، لكنهما غير قادرتين على دخول الخدمة القتالية، فالأسطول غير قادر على توفير مجموعة مرافقة من السفن الحربية وسفن الدعم، وصحيح ان هناك أربع غواصات نووية استراتيجية من نوع فانغارد، لكن أصغرها يبلغ من العمر ربع قرن بالفعل، وعدد الحوادث يتزايد باستمرار، وبدأ بناء الجيل القادم من القوارب من نوع Drentout، لكنها لن تدخل الخدمة قبل 10 سنوات،  وتمتلك البحرية الملكية 30 سفينة (بما في ذلك فرقاطات من النوع 23) كان من المفترض أن يتم إخراجها من الخدمة قبل عشر سنوات، وانتهت مشاركة البحرية البريطانية في التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة ضد اليمن بشكل محرج في 22 يناير، بعد ان فقد طاقم كاسحة ألغام تشيدنجفولد السيطرة على السفينة واصطدمت بكاسحة ألغام بريطانية أخرى إم 109 بانغور، وتعرضت كلتا السفينتين لأضرار بالغة وفقدت قدرتها القتالية.

اما القوات البرية فإنها تمتلك  157 دبابة تشالنجر 2، وتم الإعلان عن برنامج لتحديث بعضها إلى مستوى تشالنجر 3 (مع برج جديد وحماية للدروع وتحسينات أخرى)، ومن المثير للاهتمام أنه في مارس 2021، اعترفت لجنة الدفاع البرلمانية: "سنحتاج إلى أربع سنوات أخرى على الأقل للحصول على فرقة واحدة على الأقل قادرة على القتال الحقيقي"، ناهيك عن ما تم من تدمير "تشالنجر - 2" أخرى للقوات المسلحة الأوكرانية في اتجاه زابوروجيه في  يناير 2024، واعترف الجنرال بي. ساندرز بأن الجيش البريطاني ليس صغيرًا وغير مجهز بشكل كافٍ فحسب، بل إنه غير قادر على تدريب المجندين وجنود الاحتياط، حتى عندما يُمنح الأمر بذلك، من الصعب أن نختلف مع هذا.

وللتاريخ فانه في عام 2009، هُزمت القوات البريطانية في العراق على يد جيش المهدي (شبه العسكري) - بعد سلسلة من الهجمات المؤلمة، وأمرت قيادة الوحدة البريطانية بعد الاتفاق على مغادرة البصرة مقابل الوعد بعدم مهاجمة القاعدة الرئيسية القريبة من المطار، وفي العملية اللاحقة لاستعادة السيطرة على هذه المدينة الكبيرة، شاركت القوات الأمريكية والعراقية فقط - واختار البريطانيون الجلوس في مكان آمن نسبيًا، وفي عام 2010، حاصرت حركة طالبان القوات البريطانية في مقاطعة هلمند الأفغانية، وقد غمروا قيادة التحالف بشكاوى عديدة حول ضعف الإمدادات، ونقص المروحيات والعربات المدرعة، وطالبوا بإرسال تعزيزات من مشاة البحرية الأمريكية على الفور إلى المنطقة، وفي أغسطس 2021، فر البريطانيون من أفغانستان بسرعة كبيرة لدرجة أنهم تخلوا عن الوثائق التي تحتوي على تفاصيل الموظفين الأفغان والسير الذاتية للمتقدمين لشغل وظائف العقود في السفارة.

البريطانيون لا يزالون يعيشون في (أحلام الماضي)، بعد ان كانت سلطتهم لا تغيب عنها الشمس كما كانوا يقولون عنها سابقا، وفي التاريخ العسكري للمملكة هناك أمثلة كثيرة على الشجاعة والبطولة - فقط تذكر بحارة القوافل الشمالية، لكن البريطانيون نسوا او يتناسوا بأن الزمن قد تغير بشكل كبير، واليوم لم تعد المهنة العسكرية في بريطانيا العظمى مشرفة للغاية، كما أن مكانة الخدمة العسكرية آخذة في الانخفاض، وبالتالي تتناقص جودة الوحدة، وفي ديسمبر من العام الماضي، ذكرت وزارة الدفاع البريطانية أنه منذ بداية المنطقة العسكرية الشمالية، تم تدريب 32 ألف عسكري أوكراني في البلاد.

ومن الجدير بالذكر أنه في الشبكات الاجتماعية الأوكرانية، هناك رأي مفاده أن الميزة الرئيسية لهذا التدريب هي رحلة إلى الخارج على النفقة العامة، والتعرف على التجربة البريطانية ومواصلة دراسة معايير الناتو، ولكن بالنسبة لممارسة القتال المشترك بالأسلحة، وتصرفات أطقم الدبابات وبعض التخصصات الأخرى في ظروف الصراع الشديد الشدة، والاستخدام النشط لأحدث أنواع الأسلحة، فإن السؤال لا يزال هو من يجب أن يعلم من، وان اتفاقية التعاون الأمني بين أوكرانيا وبريطانيا العظمى، والتي تم التوقيع عليها في كييف في الثاني عشر من يناير/كانون الثاني، لا تحمل في هذا السياق طابعاً غامضاً فحسب، بل تحمل أيضاً طابعاً مثيراً للسخرية.

***

بقلم الدكتور كريم المظفر

في المثقف اليوم