آراء

آراء

مع الحضور الطاغي والفعال لمواقع ومنصات التواصل الاجتماعي، أصبح التعلق بالجزئيات وإثارة الضجيج حول تفاصيل فنية ورياضية ودينية معينة ورفدها بشحنات أخلاقية لفظية متشنجة تقليدا استهلاكيا شائعا في جميع المجتمعات المعاصرة، وخصوصا تلك التي تعيش مرحلة انتقالية مضطربة نحو ما يمكن تسميته "الاندماج في الزمن المعاصر المفتوح" بسلبه وإيجابه. تلك المجتمعات تكون غالبا محكومة من قبل دكتاتوريات عسكرية أو مدنية مغلفة بقشرة انتخابية زائفة، أنظمة حكم تعود إلى عصر ما قبل الدولة الحديثة، وتجعل الهويات الفرعية الطائفية والعشائرية بديلا للهوية الوطنية الرئيسية وتدوس على هذه الأخيرة في كل حركة تقوم بها!

الملفت أن البعض من مثقفي زماننا ممن يسمونهم "صناع الرأي العام" يصاب بالخرس والصمم والعمى وهو يشاهد سيادة بلاده تداس وتهان من قبل السفراء الأجانب وخاصة الغربيين، أو وهم يتفرجون على أنهارهم وهي تجف وتزول من الوجود بسبب السدود التركية والمشاريع الإيرانية، أو ثروات بلادهم وهي تنهب وتسرق من قبل عصابات الحاكمين الطائفيين وحاشيتهم من أراذل البشر فلا ينبسون ببنت شفة خوفاً من القمع أو من فقدان الحظوة والامتيازات أو طمعا بحظوة وامتيازات إضافية من لدن أهل الحكم، ولكنهم سرعان ما يشحذون ألسنتهم وأقلامهم إذا تعلق الأمر بفيلم أو مسلسل تلفزيوني تجاري بائس!

بل أن بعض الكتبة ارتضى القيام بدور "مهرج السلطان" الذي لا يستثني سلطانه من قفشاته وغمزاته ولمزاته معتبرا ذلك نوعا من "المعارضة الثورية"، ويصب غضبه على هذا "المجتمع المتخلف" الذي يرفض أن يتطور، ولكن مهرجنا حين يجدُّ الجدُّ يأخذ موضعه على سفرة السلطان كباقي أفراد القطيع "الثقافي" الحكومي بانتظار ما سماه أحد أقطاب التصوف القدماء "ذلِّ انتظار المرق واللحم"!

لا يكاد يخلو شهر رمضان سنويا من ضجة حقيقية أو مفتعلة يثيرها عمل تلفزيوني أو أكثر. وكانت حصتنا في العراق هذا العام ضجتين اثنتين؛ الأولى أثارها مسلسل تلفزيوني كويتي يحمل اسم " دُفعة لندن"، قيل إنه يسيء إلى العراق والمرأة العراقية تحديدا لأن ممثلة عراقية ظهرت فيه بدور "الخدّامة"، والضجة الثانية أثارها مسلسل عراقي اسمه "الكاسر" وقيل إنه يسيء إلى عشائر العراق الجنوبية، والبعض وسع دائرة الإساءة لتشمل الطائفة الدينية الأكبر "الشيعية" كلها! لست في وارد الكلام عن هذين العملين التلفزيونيين لأني لم أشاهدهما، لأنني نادرا ما أشاهد المسلسلات التلفزيونية، ولكني سأكرز كلامي على الظاهرة نفسها؛ ظاهرة الضجة التقليدية التي تثيرها أعمال كهذه وهل هي ترتبط – كما يزعم البعض- بطبيعة المجتمع العراقي التي توصم دائما وكحكم مسبق بالتخلف والمحافظة، أم إنها ظاهرة معاصرة تسود في مجتمعات كثيرة ولها أسبابها وشروطها الاجتماعية؟

بقليل من المتابعة والتحري الإعلامي يتأكد لنا أن هذه الظاهرة ليست اختراعا أو ابتكارا عراقيا، وأعتقد أن غالبية مجتمعاتنا العربية والعالمثالثية شهدتها بدرجات متفاوتة الحدة ولكني سأخص بكلامي الساحة المصرية لكونها الساحة الفنية الأكثر إنتاجا واستهلاكا للأعمال الفنية، وقبل مصر دعوني أذكِّر بما أثاره المسلسل الكويتي "من شارع الهرم إلى" في رمضان من العام الفائت، حيث اعتُبِرَ هذا المسلسل "مسيئا أولا للمجتمع الكويتي وللعلاقات الإنسانية وللقيم الأخلاقية، وبأنه ينطوي على إساءة لسمعة النساء في مصر"، وأطلق مدونون مصريون هاشتاغا للمطالبة بوقف المسلسل ومنع عرضه وشاركهم مدونون سوريون وجدوا أن خطاب الكراهية واضح في هذا المسلسل.

وقد نأت وزارة الإعلام الكويتية بنفسها عن الموضوع وبرأت ذمتها منه بأن أعلنت أن "اللغط المثار حول أحد ‏الأعمال التلفزيونية الذي يبث من قبل إحدى المحطات هي من إنتاج شركة غير ‏كويتية، وأنه لم تتم إجازة العمل من قبل وزارة الإعلام، كما أنه تم تصويره ‏خارج الكويت ويعرض على منصّات خارج البلاد". في المقابل، هناك نساء كويتيات أشدن بالعمل الفني الذي يلقي الضوء على حقوق النساء والمشاكل التي يعانين منها، مبينات أن تفاصيله هي من تفاصيل حياة الكثير من العائلات الخليجية.

أما في مصر فالأعمال الفنية التي أثارت ضجيجاً وصخباً ووصل بعضها الى ساحة القضاء كثيرة، ومنها على سبيل المثال فيلم "أريد حلا" الشهير، رغم أنه أثمر تعديلا قانونيا لمصلحة النساء. ومسلسل "فاتن أمل حربي"، الذي طاله الانتقاد من مؤسسة الأزهر التي أصدرت ضده بيانا شديد اللهجة، رغم الإشادات الواسعة التي نالها، ثم وجد أصحاب المسلسل أنفسهم موضوع شكوى أمام القضاء بعد بلاغ مقدم إلى النائب العام من طرف المحامي المصري، سمير صبري يتهم المسلسل فيه بازدراء الأديان وتشويه صورة علماء الأزهر وإنه يصنف "تحت جريمة استغلال الدين في الترويج لأفكار متطرفة المنصوص عليها في المادة (98) من قانون العقوبات"، ورغم ذلك فلم يصل الأمر إلى منع المسلسل من العرض ولم يعاقَب أصحابه من قبل القضاء حتى الآن.

وقد اعتبرت هذه الأعمال من قبل المحافظين نوعاً من "دراما خراب البيوت" كما وصفها الناقد محمد عبد الشكور. لنقرأ هذه الفقرات من تقارير صحافية مصرية متنوعة حول هذه الظاهرة:

* لنبدأ بفيلم «الأفوكاتو» بطولة عادل إمام والذي كتب قصته وأخرجه رأفت الميهي، وهو فيلم كوميدي من النوع التهريجي السطحي كأغلب أفلام عادل إمام، "وبسببه أقيمت أكثر من مائة دعوى قضائية ضد عادل إمام وحده من محامين كبار اعتبروا ان بطل الفيلم استهزأ بهم ومسح بكرامتهم الارض حين تقمص دور محام «أونطجي»، مهرج، يلعب بالبيضة والحجر، يتحايل على القانون".

وقد أصدر القاضي مرتضى منصور حكما على عادل إمام بسبب الفيلم "بالسجن لمدة عام مع الشغل والنفاذ". وأشار منصور لاحقا في لقاء تلفزيوني "إلى أنّه غضب كثيراً عند مشاهدته فيلم "الأفوكاتو" لكونه يتعرّض وبشكلٍ عام إلى قدسيّة مهنتي القضاء والمحاماة (لاحظت هنا تقديس المهنة كبوابة لمنع نقدها)، الأمر الذي دفعه إلى إصدار حكمٍ بسجن عادل إمام لمدّة سنة. وعلى إثر ذلك، تعرَض مرتضى لهجومٍ كبيرٍ من قبل الصحافة التي دعمت عادل إمام. وعندما ذهب ليشتكي إلى وزير العدل أحمد ممدوح عطية، فوجئ بخبر إلغاء الحكم الذي أصدره؛ الأمر الذي دفعه إلى تقديم استقالته لشعوره أنّ العدالة لا تُطبّق إلّا على الفقراء الضعفاء".

ثم قام "منصور" برفع قضية أخرى على عادل إمام يتهمه بسبه وقذفه حصل بمقتضاها على حكم بحبس الزعيم لمدة 6 أشهر، وتعويض مليون جنيه؛ إلا أن الخلاف انتهى أيضا بعقد صفقة يتنازل بموجبها مرتضى منصور عن بلاغه في مقابل قيام عادل إمام بنشر اعتذار بالصحف لمرتضى منصور وتقديمه شيكا بمليون جنيه لمرتضى منصور بحضور الممثل صلاح السعدني.

* في عام 1983 منع عرض فيلم "الغول" لعادل إمام بسبب اتهامه بالتواطؤ مع رجال الأعمال، ومنع عرض الفيلم جماهيرياً رأت لجنة الرقابة وقتها بأن الفيلم يُعد مظاهرة سياسية مضادة للنظام القائم، ويدعو إلى الثورة الدموية ضد أصحاب رؤوس الأموال، إلى أن اتخذ قرار وقتها بمنع عرضه.

* وحدثت الضجة ذاتها بعد عدة أفلام ذات نزوع أيديولوجي مدعوم من نظام الحكم ومناهض لجماعة الإخوان المسلمين ومن تلك الأعمال "طيور الظلام" و"الإرهاب والكباب".

* و"حين قدم عادل إمام فيلم "عمارة يعقوبيان"، ثارت ضجة بسبب مشهد "الشذوذ"، حيث شكل مجلس الشعب عام 2006 لجنة برلمانية لتقييم الفيلم أثناء عرضه للجمهور، بعد أن تقدم 112 نائبًا بطلب إحاطة، يطالبون فيه بوقف عرضه".

* "عاد الجدل مرة أخرى حول أفلام عادل إمام، وعمل العديد من المحامين التابعين لجماعة الإخوان، على رفع أكثر من قضية ضده يتهمونه بازدراء الأديان من خلال أعماله الفنية السينمائية والتي كان من ضمنها "مرجان أحمد مرجان".

* في عام 1976، شن بعض أعضاء مجلس الشعب حملة قوية على المخرج سعيد مرزوق بسبب فيلمه (المذنبون)، الذي اتهموه أنه يسيء إلى سمعة مصر ونجح ضغط النواب في دفع وزير الثقافة وقتها لتشكيل لجنة سباعية للبحث في منع الفيلم بعد أكثر من شهرين من عرضه عرضاً عاماً.

* من أوائل الأفلام التي تعرضت لهذه التهمة فيلم (درب الهوى) للمخرج حسام الدين مصطفى وكانت المفارقة أن أول من شنَّ عليه حملة صحفية شرسة كان سينمائياً ممن دأبت الصحف على تسميته بزمن الفن الجميل، هو الكاتب والزجال ومسؤول الدعاية السينمائية لعدد من الأفلام الشهيرة في تاريخ السينما عبد الله أحمد عبد الله.

* في عام 1984 تعرض المخرج التسجيلي مختار أحمد للاتهام بالإساءة إلى سمعة مصر، حين بدأ عرض فيلمه القصير (إنقاذ) في مهرجان سينمائي دولي بمدينة أسوان في حضور وزير الثقافة ، وحين بدأ عرض الفيلم الذي يصور الحياة في أحد مساكن الإيواء في منطقة الدويقة بالقاهرة، دوى صوت أحد الصحفيين في قاعة العرض صارخاً: "ولعوا النور، أوقف العرض يا سيادة الوزير، ده واحد بيشوه سمعة مصر"، ليتوقف عرض الفيلم ويعتصم بعض الفنانين في بهو الفندق الذي أقيم به المهرجان مدافعين عن الفيلم الذي قال مخرجه للكاتبة منى فوزي في مجلة صباح الخير "أنا لم آت بشيء غير الواقع، ولم أقدم على هذا الفيلم إلا للتنبيه إلى أن هناك خطراً فظيعاً قادماً"، وهو ما جعل منى فوزي تذكر بما جرى قبلها للمخرج سامي السلاموني حين تم منع عرض فيلمه (الصباح) في التلفزيون لأنه أظهر المصريين وهم يأكلون الفول في الصباح بصورة تسيء إلى سمعة مصر، وما جرى لمسرحية (العسل عسل والبصل بصل) للمخرج سمير العصفوري في مهرجان قرطاج المسرحي الدولي عام 1984، "حين طالب بعض الصحفيين بالتحقيق في ملابسات خروج المسرحية من البلد، ليشكل وزير الثقافة لجنة خرجت بقرار ينص على مراقبة المسرحيات قبل سفرها إلى مهرجانات خارجية حتى لا تسيء لسمعة مصر".

* عادت تهمة "الإساءة إلى سمعة مصر" لتنبعث بشكل صاخب وحاد، كان هدفه هذه المرة المخرج يوسف شاهين، بعد أن عرض فيلمه التسجيلي (القاهرة منورة بأهلها) في افتتاح أسبوع المخرجين في مهرجان كان السينمائي الدولي عام 1991، برغم أن الصحافة المصرية احتفت بالفيلم حين أعلن عن عرضه في المهرجان، واعتبرته نصراً لمصر، لكن رد الفعل اختلف بعد مشاهدة الفيلم الذي تم اعتباره أكثر الأعمال إساءة إلى سمعة مصر على الإطلاق، لدرجة أن هناك سياسيين وصحفيين طالبوا بسحب جواز السفر المصري من يوسف شاهين.

وحول هذه الحادثة كتب مصطفى أمين في عموده اليومي (فكرة) بصحيفة (الأخبار) بتاريخ 3 يونيو 1991 قائلاً: "لم أفهم الضجة القائمة على فيلم يوسف شاهين، واتهامه بالخيانة العظمى لأنه أظهر مدينة القاهرة بكل عيوبها، كأن المفروض أن يقول إن القاهرة أنظف بلد في الدنيا وأن سكانها يعيشون في فنادق ماريوت وسميراميس وهيلتون. خاتماً فكرته بالقول "الوطنية أن ننظف القاهرة لا أن نمنع نشر صور أكوام القمامة"!

خلاصات: بالعودة إلى موضوع مسلسلي "الكاسر" و"دُفعة لندن" ورغم أنني وعدت القارئ بأني لن أتحدث حول مضمون أو إخراج هذين العملين لأنني لم أشاهدهما، ولكني سأطرح الملاحظات والخلاصات التالية حول الضجة التي أثيرت حولهما فتحول هذا الحدث الى ما يشبه الظاهرة السنوية:

* هذه الظاهرة لا تتعلق بتخلف هذا المجتمع وتقدم ذاك، فالتخلف والتقدم حالات نسبية وهي نتيجة لسبب أو لحزمة أسباب، بل تتعلق بنمط متشابه من المجتمعات المغلقة والمقموعة، والتي يتناوب ويتعاون نظامُ حاكم تابع ولاديموقراطي مع نخبة ثقافية محافظة ومنحطة تشتغل في خدمته سواء كانت ذات نزعة دينية أو عشائرية محافظة أو متغربنة تزعم الليبرالية، ومهمتها تغييب وعي الجمهور وقمعه وتضليله واستغفاله وقطعه عن جذوره وهويته الحضارية، وهي تتعلق، ثانياً، بالتقصير الهائل لدى النخبة المثقفة النقدية التقدمية والمشلولة بفعل القمع الحكومي الشرس أو شراء الذمم في القيام بدورها التحرري والتغييري.

* ثم إن النظرة الإفلاطونية القاصرة للمجتمعات بوصفها تجمعا للملائكة أو للشياطين هي التي تؤدي إلى هذه النزعة الخاطئة في تقييم الأعمال الفنية والثقافية عموما. فبموجب هذه النظرة فإن العشيرة أو المهنة أو الجنسية الفلانية كريمة ونبيلة ومقدسة والأخرى العلانية شيطانية وفاسدة ومنحلة، وهذا محض هراء فالمكونات المجتمعية والثقافية هي تجمعات من البشر لا من الملائكة ذوي الأجنحة ناصعة البياض وفيها الصالح والطالح والبين بين، وفيها الجيد والسيء والبين بين، ولا يمكن بالتالي إطلاق الأحكام القيمية والأخلاقية الباترة والمزاجية على العشيرة الفلانية أو ذوي المهنة الفلانية أو على النساء الفلانيات لا في الحياة العادية ولا في الأعمال الفنية.

* وإن استسهال طريق القمع والحظر لكل ما لا نرغب فيه لا يؤدي الى شيء، بل يزيد من تعقيد الأمور، خصوصا وقد أصبح منع نشر وبث الأعمال الفنية في عصرنا شبه مستحيل بوجود منصات البث الرقمي المستقلة، وإن الأفضل من القمع والحظر والمصادرة توسيع دائرة النقد الحر التقدمي والتثقيف الذاتي والجماعي لبناء مصدّات وحواجز حماية ضرورية أمام الأعمال الهابطة والهدامة الحقيقية وليكون بمقدور الجمهور المشاهد ان يقرر بإرادته الحرة نوع الأعمال التي يحبذها أو تلك التي يجب مقاطعتها وفضح مضامينها نقديا.

* إن ظهور بعض الشخصيات الاجتماعية في المسلسلات والأفلام ينبغي أن يؤخذ في إطاره الشخصي، أي إطار الحالة الإنسانية المفردة التي يدور حولها العمل الفني - وهو عمل خيالي أصلا - من دون تعميم، إلا إذا أعلن كاتب العمل الفني ذلك بوضوح. إن الخطأ الفادح إنما يكمن في التعميم، وجعل الفرد ممثلا للجماعة وناطقا باسمها فبموجب هذا الخطأ يتحول المحامي الفاسد فلان إلى ممثل رسمي ينطق ويتصرف باسم جميع المحامين، والمرأة المتحللة أو الفاسدة فلانة تصبح نموذجا لجميع النساء من جنسيتها، وغني عن القول والتكرار أن عمل المرأة "خادمة أو معينة منزلية" ليس منقصة إلا في أذهان الارستقراطيين الكسالى والمتشبهين بهم بل هو عمل كدحي شريف! وأن يكون الشيخ الفاسد والمتحلل فلان نموذجا لجميع شيوخ العشائر، خصوصا وإن غالبية مفردات المؤسسة العشائرية في عراق اليوم كما قلنا بلغت الدرك الأسفل من الانحلال والتفسخ والارتزاق حتى أصبح لكل عشرة أشخاص مشيخة وشيخ وربما أكثر من شيخ، ويبقى القابضون على جمر الكرامة والتقاليد العشائرية الإيجابية قلة نادرة في أيامنا!

وأخيرا، فإن من بديهيات حرية التعبير أن يتكلم الجمهور بحرية وأن يقول رأيه في هذا المسلسل أو ذاك الفيلم، رفضاً أو قبولاً، إنما من دون الدخول في مطبات التحريض والدعوة الى القمع والحظر والتكفير وإهدار الدم، وبعيدا عن الإساءة العنصرية أو الجهوية أو الطائفية الى شعب البلد الذي أنتج فيه العمل أو التنمر على أصحاب العمل والقائمين عليه من منطلقات ذكورية أو طبقية. إنها نوع من النرجسية الشعبية البلهاء تلك التي يسخر المصابون بها من كادحة تعمل خادمة بيوت أو مدبرة منزل ولكنهم يحترمون ويوقرون قواداً يعمل خادماً ومترجما وجاسوسا لقوات الاحتلال الأجنبية ويلتقطون الصور معه للتباهي!

* * *

علاء اللامي - كاتب عراقي

غثاثة ومخاض عسير!

أن المخرجات الكارثية للعدوان الأمريكي على العراق بأحتلالهِ البغيض للعام المشؤوم 2003 لم يكن أحتلالاً عسكرياً فحسب بل (تدميراً للمنظومة الأخلاقية) حين أغرق وطننا العزيزفي مستنقع المخدرات الملوثة بهلوسة المؤثرات العقلية، بالوقت الذي كنا ننعم بأنحساره وقلة مريديه وضئالة أنتشاره بسبب عقوبتها المشددة والثقيلة (أعدام بحق المتعاطي والمروج)، حين أصبحت العقوبة بعد 2003 وحسب الديمقراطية الأمريكية العرجاء (أقرت) : الحكومة الأتحادية في 2017 قانون رقم 50 يعتبر االمدمن والمتعاطي (مريضاً وليس مداناً) بالوقت الذي يذهب بكامل قواه العقلية إلى هذا السم القاتل وهو تحدي سافر للقيم السماوية والوضعية والقيمية الأخلاقية أضافة إلى إنهُ تدمير وبائي للقوى العقلية والخلايا الجسدية،وتفكيك وتدمير الأواصر الأجتماعية، والغريب إن المخدرات وبأنواعها الخطرة وحتى غالية الثمن مثل (الكريستال والكبتاجون) أنتشرت في جميع المحافظات العراقية وفي أغلب الجامعات والمدارس كالنار في الهشيم وعلى سبيل المثال لا الحصر تصريح الناطق بأسم وزارة الداخلية : سنة 2022 ضبط ستة أطنان مواد مخدرة، وعاد في سنة 2023 ليصبح التصريح الحكومي عشرة أطنان والأكثر تحديا تصريح قوى الأمن الداخلي : لدينا 60 طن جاهز للحرق والأتلاف وهو مؤشر مخيف ومرعب على مستقبل أجيالنا القادمة !؟ .

أن المخدرات وحبوب الهلوسة من المواد المضرة بصحة الأنسان والمحرمة شرعا ويجرمها القانون والتي غزتْ العراق في السنوات الثلاثة الأخيرة بالذات أو الأصح أن نقول بعد الغزو الأمريكي الجائر للعراق في 2003، وكان المألوف في العراق يستهلك الحشيش والترياق المهرب من أيران، وكان المتعاطون يمارسونه عن طريق دسّهِ في النرجيلة، وتشهد البصرة وحدها أستهلاك نوع منه ما يسمى بالكرستال الذي يتميّز بتأثيره القوي وأرتفاع شديد لسعره برقم جنوني، وفي الآونة الأخيرة تم تصنيعه مختبريا وبشكلٍ شبه علني، وبعد دخول القوات المحتلة للعراق شكلت هذه الظاهرة القاتلة أرقاما خيالية في التجارة الدولية، وحسب أحصائية لمكتب المخدرات التابع للأمم المتحدة : أن من بين كل عشرة أشخاص تتراوح أعمارهم بين 18-30 سنة يدمن منهم (ثلاثة)، وأنه أخطر من العبوات الناسفة أو حتى الأحزمة الناسفة أن لم توازيها بالخطر المرعب في نخر المجتمع العراقي، لتحطيم القوّة البشرية في العراق عن طريق أغراق شبابه ببراثن التخدير والهلوسة، تعتبر مادة الكبتاجون من أخطر المواد المخدرة التي تدمر الجهاز العصبي للأنسان تدريجياً ويدمن عليهِ الأنسان بسرعة ويتم الترويج لهذا المخدر الخطير على أنهُ مقوّي جنسي، وهذا ما يساعد على أنتشاره !؟ .

وحسب تحليل طبي علمي أستقيتهُ من المجموعة الطبية في جامعة Stockholmshögskola في هودنكه وسط العاصمة السويدية ستوكهوم واحدة من أشهر وأقدم الجامعات رصانة في العالم وإنها تنظم محاضرت للمواطنين وهو تقليد ما زال قائما لحد اليوم وكان حضوري لطرح هذا السؤال : ما هو تأثير المخدرات وبالذات ال(الكبتاجون) على صحة الأنسان ؟ وصلني هذا الجواب :

{أدمان تعاطي الكبتاجون يؤدي إلى الجلطات القلبية، وأبطاء عمل الأعصاب، وألتهاب قشرة الدماغ، وتدمير عمل الغدة الكظرية، وتسارع نمو الخلايا السرطانية، وتقرح المعدة، أضافة إلى مدمني الكبتاجون يعانون من الهلوسات السمعية والبصرية} مترجم بقلم الكاتب .

تداعياتها الكارثية المرعبة

- وهي مواد ذات تأثير تدميري وطريقة بشعة للموت البطيء لا تختلف عن طرق الأعدام على الشبهات لدى النظام الصدامي، والقلق يتزايد حين يكون هذا الموت من نصيب فئات الشباب في العراق المنتجة والمخصبة وتحويلها إلى فئاتٍ شائخة مستهلكة طفيلية عالة على المجتمع .

- ومن تداعيات هذه الكارثة الرهيبة أن يتحوّل العراق إلى ساحة تعبث بها مافيات الجريمة علناً وبشكلٍ غير مسبوق في تأريخ العراق أن تصل الجرأة والتحدي لهذه المافيات أن تفتح لها سوق شبه مخفي ومموه لترويج بيع المخدرات في الباب الشرقي بجوار نصب الحرية ومنطقة البتاوين، فأصبح العراق مخزنأ للتصدير بل تحوّل إلى محطة ترانزيت للتوزيع والتهريب إلى تركيا ودول أوربا الشرقية ثمّ الغربية ودول الخليج وشمال أفريقيا .

- وأن أعداد المدمنين على المخدرات تزايدتْ بشكلٍ ملحوظ بعد سنة الأحتلال الأمريكي للعراق بنسبة 80% وأدت إلى حالات الوفاة المفاجئ أو ربما بالأنتحار بسبب تعاطي هذا السم القاتل ووقعت أغلبها في محافظات البصرة وميسان وبغداد وبابل والمثنى وواسط، وكربلاء والنجف وأكدت البعثة الأممية أن عشرة سنوات القادمة ستفتك المخدرات بالشباب العراقي في حال بقي الوضع متأزما على ما هو عليه .

- وأن أحصائيات العيادات الخارجية في المستشفيات الحكومية للعام 2009 تشير إلى أن عدد المدمنين على الحبوب الطبية والمؤثرات العقلية وصلت إلى40349 مدمنا يرقد في المستشفيات الحكومية 340 شخص فقط وهي أرقام مخيفة حين يتعرض العراق بعد سنة الأحتلال إلى سونامي طوفان المخدرات وحبوب الهلوسة حسب خبر عاجل في نيسان الماضي دخول 18 مليون حبة من المخدرات دخلت العراق من منفذ البصرة والدولة المصدرة الأمارات العربية.

- أصبح العراق جسراً يربط بين آسيا وأوربا من خلال دخول المخدرات أليه من الجارة أيران بشكل رئيسي فغدت تعاطي المخدرات في وطننا العراق ثقوباً سوداء لأبتلاع وجودها الحضاري وقيمها الآجتماعية والآخلاقية مما أدى إلى تزايد أنشطة عصابات ومافيات منظمات التهريب في داخل العراق .

- وأن المخدرات أصبحت وسيلة مساعدة في أرتكاب الجريمة بفقدان المتعاطي لقواه العقلية كما شاهدنا نشرات الأعلام العراقي في مسألة التعنيف الأسري حين يقدم أحد أفرادها على تصفية جميع العائلة أو أن ترمي أم أطفالها من على الجسر إلى النهر ووووو.

الأسباب/

- عدم الجدية في السيطرة على المنافذ الحدودية البرية والبحرية والجوية مفتوحة وغير منضبطة أمنياً تسيطر عليها الرشا في تسهيل تهريب المتاجرين والمروجين لهذه الآفة الخطرة .، وخاصة الحدود مع سوربا وأيران .

- أنتشار البطالة وبنسبْ عالية ربما أكثر من 39 % من المجتمع العراقي، وعدم توفر مراكز للترفيه يلجأ اليها الشباب .

- قانون منع أستيراد وصنع وبيع المشروبات الروحية وهو قانون محزن ومخيب مما أدى إلى الأتجاه إلى المخدرات والتي هي الأرخص عالمياً حين يكون سعر الغرام حوالي 20 ألف دينار ما يعادل (13دولار) .

- الفلتان الأمني أو الوضع الأمني الهش والأشكالات السياسية والدستورية صارت سبباً في أنتشار مروجي المخدرات من الذين يسعون إلى تعزيز مواردهم المالية بطرق سهلة غير قانونية، وللأسف الشديد أن هذه الظاهرة المرعبة والقاتلة مغيّبة عن مراكز القرار المتنفذة وبحضور مخجل، مما دفع إلى ظهور (بعض) الكتل السياسية المتنفذة الذين يسعون أصلا إلى تخريب مؤسسات الدولة من أجل أستغلال هذا الوضع السريري للدولة للأثراء في تسهيل ترويج آفة المخدرات، والنزاعات العشائرية التي أنعكست سلباً على الحياة الأجتماعية والمعيشية والتي هي ربما سبب في الأقتتال العشائري في الأستحواذ على مراكز الحيوية في تجارة المخدرات، وأن المنظومة الأمنية والسياسية المتفككة أصلا وهي تعيش فوضى الطائفية والمحاصصة الكتلوية والحزبية تشكل سبباً هاماً في أنتشار وتعاظم هيكل تلك الآفة الأجتماعية .

- الأحتلال الأمريكي الذي لم يكتفي بتخريب البنى التحتية والفوقية بل عمل على جعل العراق منذ 2003حديقة خلفية للعم توم !!! ولغاية اليوم ممراً للمخدرات الأيرانية والأفغانية بأتجاه دول الخليج .

- أن أسعار المخدرات في دول الجوار عالية ومكلفة جداً، بينما في العراق تباع بأسعار زهيدة .

- أن الأحزاب المتنفذة تتحكم بمقدرات البصرة، وأن الدور الحكومي مغيّبْ تماماً، ويؤكد المكتب الأقليمي التابع للأمم المتحدة في العراق هذا التردي الأجتماعي وأنهيار الحكومة أمام عصابات الجريمة المنظمة وحيتان تجار المخدرات يعود إلى غياب المتابعة والتوعية وقلة مراكز العلاج في العراق فضلا عن أنخفاض نسبة العقوبة في العراق حيث تصل إلى ستة أشهر فضلا عن كون أغلب التجار مدعومين .

- كان لسبب أثارة موضوع منع بيع المسكرات الكحولية - المثير للجدل- في الأسواق العراقية دفع المدمن للأتجاه نحو المخدرات لهذا أصبح سوق المخدرات رائجاً .

العلاج /

- دعوة إلى وزارة الصحة لأنشاء مصحات لمعالجة المدمنين والمتعاطين وتأهيلهم ضمن الأهتمام بالتنمية البشرية، وثم تكثيف الجهود الأمنية والقضائية في ردع المتاجرين والمروجين للمخدرات .

- زج وسائل الأعلام المتعددة في نشر التوعية وتدريس مخاطرها في المدارس والكليات .

- على الهيئات الحكومية في العراق تشريع قانون مكافحة المخدرات الخاص بالعراق

- فرض عقوبات صارمة (الأعدام والمؤبد) بحق المستورد وزارعيه ومصنعيه والأتجار به تجار ومروجي المخدرات، أما المتعاطين والمدمنين الحبس الشديد بتهمة مدان ثم بعد أتمام المحكومية يحولون للعلاج والتأهيل والمتابعة .

- الجميع يتحمل المسؤولية البيت الشارع المدارس الجامعات والمساجد .

- أجراء فحص دوري للعراقيين وخاصة المقدمين على الزواج فرض الفحص الألزامي لأكتشاف أمتداداتها العنكبوتية .

- وأن هذه المؤشرات الخطيرة تحتاج إلى التفكير الجدي عبر الخطاب السياسي الوطني والخطاب الديني الموحد والجامع للحمة العراقية، وهذا يتم عبر الوحدة الوطنية والمصالحة المجتمعية وبث مناهجها الوطنية في التوعية تجاه هذا الكابوس المقلق، وعجبي للدعايات الأنتخابية لم ألاحظ ولا كتلة سياسية واحدة تقدم برنامجا مكثفاً لمكافحة هذه الظاهرة المستلبة للمجتمع العراقي وناسفة لمراهناتها على الأهتمام بمستقبل الأجيال الشبابية .

- السيطرة التامة على المنافذ الحدودية البرية والبحرية والجوية، وتبديل شفتات الحراسة بين الحين والحين لتفادي السقوط في مستنقع الرشوة، والحل يجب أن يبدأ من البصرة لأنها حاضنة لترويج هذه الغدة السرطانية والتي تعمل فيها الأحزاب المتنفذة المدعومة من العشائر.

***

عبد الجبار نوري - كاتب عراقي مقيم في السويد

في نيسان2023

تابعت كذبات نيسان عند العراقيين وحكومات 2006 وما بعدها.. كان اولها في 2003 بالأعلان ان النظام في العراق صار ديمقراطيا. وبرروا المحاصصة بأنها معمول بها في الأتحاد الأوربي ودول ديمقراطية. والكذبة ليست في (المحاصصة) بل في آلية التطبيق والمنهج ومستوى وعي قادة الكتل السياسية الذي اثبت الواقع أن اغلبية تلك الأحزاب ليست سياسية بالمفهوم الأجتماعي – الأقتصادي- الوطني، بل هي تنظيمات دينية مذهبية واثنية لا تمتلك برامج وطنية بقدر ما تهمها مصالحها.والكذبة الثانية ان اهم مبدأ في النظام الديمقراطي هو تطبيق مبدأ العدالة الأجتماعية، فيما نظام ما بعد 2003 كسر الرقم القياسي في عدد الوزارات بين بلدان العالم قياسا بعدد السكان لتنهب حكوماته ثروة البلد ما شهد العراق في تاريخه افسد وأفشل منها.

وعلى صعيد الناس، كانت كذبة نيسان في عام 2016 تكشف عن حاجات ودوافع سيكولوجية تعبّر عن شخصية الفرد العراقي.. بعضها مقالب طريفة لاسيما بين أصدقاء شباب (ينصبون) على احدهم، غالباً ما تكون عاطفية، كأن يقلد أحدهم صوت فتاة تبدي له إعجابها به وولعها فيه.. فيصدّق، ويطلب منها اللقاء، فيأتي الى المكان الذي فيه من حاكوا له المقلب!. وتوزعت أغلب (كذبات نيسان) العراقية حينذاك، بين مقالب تحمل أخباراً مفزعة (شدّ حيلك اخي.. ترى الوالد انطاك عمره، أو.. اخوك.. دعمته سيارة وأخذوه للمستشفى، أو اسرع يمعود.. . ترى صار حريق بمنطقتكم.. .)، وأخرى سياسية تحمل أيضاً خبر موت من يكرهون، أو مفارقات لا تحصل مهما يكون!.

وفي العام (2018) ذكرت (الرشيد نيوز) أن أبرز ما تداوله العراقيون في هذا اليوم (1 نيسان): (خبر زيارة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان إلى طهران، عقب تظاهرات شهدتها بغداد ضد زيارة ابن سلمان إلى العاصمة، بينما كتب الأستاذ في علم النفس قاسم حسين صالح، في هذا اليوم أن محطة CNN العالمية نشرت خبراً عاجلاً ينص على إصدار الرئيس الأميركي دونالد ترامب أمراً للسفارة الأميركية في بغداد برفع الكتل الكونكريتية المحيطة بالمنطقة الخضراء).

ولم تخل مشاركة العراقيين في (كذبة نيسان) من الطرفات، بينها أن صاحب مكتبة ودار نشر المعقدين فارس الكامل، نشر على صفحته الشخصية في موقع فيسبوك، رسالة درامية محبوكة عن خبر اعتزاله مهنة النشر وبيع الكتب، ذيّلها باعتذار إلى أصدقائه ممن قرأوا الرسالة لأنها "كذبة نيسان".

وما لا ينتبه له كثيرون، أن نيسان كذّب على العراقيين كثيراً، بدءاً من عام 2003 (مستثنين ميلاد الرئيس القائد في 28 نيسان!)، فحين تم تشكيل مجلس الحكم، ظن العراقيون أن هؤلاء السياسيين سيعملون لخدمة العراق، وانكشفت الكذبة بعد سنة في كتاب بريمر (عام في العراق) بقوله إن الشيعة جاءوا يطالبون بحقوقهم وكذا فعل السنّة والكرد، ولم يطالب أحد بحقوق العراقيين.

ومن كذبات نيسان العراقية تأكيد النائب علي العلاق في مداخلته بجلسة البرلمان (الاثنين 28 آذار 2016) بأن "السيد العبادي مستعد أن يعلن غداً حكومة تكنوقراط مستقلة، إن وافقت الكتل السياسية"، وعلقنا في حينه بأن تشكيل كابينة جديدة مطعّمة بتكنوقراط.. ممكن.. لكن أن يُقال أن المحاصصة انتهت في العراق بأمان.. فتلك أقوى كذبات الأول من نيسان!

ومن كذبات نيسان عام (2019) رفع شعار (الأغلبية السياسية للقضاء على المحاصصة والطائفية) فيما اثبتت الأحداث بأنه لا يمكن لزعيم طائفي أن يكون ديمقراطياً، لأنه يؤمن بأن طائفته فوق الجميع وأن مرجعيته لها تعلو على مرجعيته للناس والوطن.

ومن كذبات نيسان عام (2020) أن السيد نوري المالكي دعى الى تلبية مطالب متظاهري انتفاضة (ثورة) تشرين، ويعرف ان اهم مطالبهم هو (محاكمة الفاسدين)، ويعرف ويعرفون انه هو الذي تستّر على الفاسدين بتصريحه علنا:(لديّ ملفات للفساد لو كشفتها لأنقلب عاليها سافلها).لكنه صدق يوم قال (جميعنا فاسدين) مؤكدا صدقه بجوابه على استفسار المذيع:بمن فيهم أنت؟.. (نعم بمن فيهم أنا).. واعلن في العام نفسه أنه سيرشح نفسه لرئاسة الوزراء!.

وبصفحاتنا بالفيسبوك وتوتير كانت اصبوحتنا في (1 نيسان 2020): ( الرئاسات الثلاث في العراق ومعها رئيس وزراء سابق، تبرعوا بأربعة ملايين دولار لخلية الأزمة دعما لتأمين الخدمات الطبية للعراقيين)، فاكتشف المتابعون انها كذبة وعلقوا قائلين:(بالمشمش، اول كذبة من الحكومة يفرح بيها الشعب، ما صارت مثلهم بالتاريخ كان استحوا، ما معقولة بس لا كذبة نيسان.. .)

وكانت اشهر كذبة اعلامية عراقية حدثت قبل يوم من واحد نيسان( 2020) ان الأمام علي كان قد تنبأ بـ(كورونا) في نهج البلاغة، مستشهدا بابيات شعرية، فسلقه العراقيون بألسنة غلاظ وكأنهم في نيسان ايضا لا يكذبون!، ولا كأن رجل دين معمم ونائب برلماني لم يكذب حين اعلن في خطبته ( من دخل الأيمان قلبه لن يصاب بكورونا)!.. ولا تقولوا (ان هذا معتقده) لأنه كان يعرف ان رجال دين كبار اصيبوا بكوفيد 19. ولا قول الدكتور حسين الشهرستاني، ان عالما امريكيا اراد ان يصبح مسلما بعد ان قرأ القرآن، ولما سألهم ماذا عندكم بعد.. اعطوه نهج البلاغة، فلما فرغ منه قال آسف، سأبقى على المسيحية لأن نهج البلاغة اكثر تاثيرا من القرآن.

وحين تشكلت حكومة مصطفى الكاظمي في 2020، قالوا عنه انه ليس منتميا لاحزاب نهبت ثروة الوطن وافقروا اهله، وانه سيكون نزيها، وحدث ان انتهت ولايته بسرقة القرن!

وفي 2022 تشكلت حكومة محمد شياع السوداني ووعد بانه سيقضي على الفساد، تبين بعدها انه غير قادر حتى على مساءلة حيتان الفساد الذين طالبت المرجعية بمحاسبتهم، وقتل اكثر من ستمئة عراقي لأنهم رفعوا شعار (محاسبة الفاسدين).

وتبقى حقيقة صادقة، ان الحكومات العراقية هي اكذب الحكومات في تاريخ العراق السياسي على مدى مئة عام.. وانها تكذب ليس في نيسان فقط بل حتى في يوم عشرة عاشوراء، الذي يبكون فيه على الامام الحسين فيما لو ان من يعتبرونه امامهم وقدوتهم ظهر الان مطالبا بالاصلاح واسترداد المليارات، لخيروه بين الرجوع من حيث اتى وبين القتال.

وتبقى أقبح وأوجع هذه الكذبات، يوم هزج العراقيون بساحة الفردوس معتبرين التاسع من نيسان 2003، يوم (التحرير) تبيّن لهم بعدها أنه كان بداية لمرحلة تاريخية من الضحايا والفواجع والتدمير، قابلة للتمديد في مستقبل ليس لهم فيه حق تقرير المصير.!

***

أ. د. قاسم حسين صالح

بعد الغزو البريطاني قامت (شركة بريتيش بتروليوم-BP) باستخراج ما قيمته 15 مليار جنيه إسترليني من النفط العراقي*

على الرغم من انكار الوزراء في حكومة المملكة المتحدة بأن الحرب كانت بسبب النفط، إلا أن الشركة البريطانية الرائدة تمكنت من حصد ثروة كبيرة عند عودتها إلى العراق بعد غزو عام 2003، وفقًا لما توصل إليه موقع (Declassified).

MATT KENNARD**

22 MARCH 2023

ترجمة: عزام محمد مكي

***

* عادت شركة بريتيش بتروليوم إلى العراق في عام 2009 بعد غياب دام 35 عامًا وحصلت على حصة كبيرة في أكبر حقل نفطي في البلاد بالقرب من البصرة التي تحتلها بريطانيا

* ضخت شركة بريتيش بتروليوم 262 مليون برميل من النفط العراقي منذ عام 2011

* حصل السير (John Sawers)، أول ممثل مميز للمملكة المتحدة في العراق بعد الغزو، على 1.1 مليون جنيه إسترليني منذ انضمامه إلى مجلس إدارة شركة بريتيش بتروليوم في عام 2015

* فازت شركة شل النفطية البريطانية "العملاقة" الأخرى بعقد في العراق في عام 2009 كمشغل رائد لتطوير حقل مجنون النفطي "العملاق".

أظهرت تحليلات جديدة أن شركة بريتيش بتروليوم ضخت نفطًا بقيمة 15.4 مليار جنيه إسترليني في العراق منذ عام 2011 عندما بدأت الإنتاج في البلاد لأول مرة منذ ما يقرب من أربعة عقود.  

وتأتي المعلومات الجديدة في الذكرى العشرين لبداية غزو العراق، الذي اعتبرته الأمم المتحدة غير شرعي. ومع ذلك، لم يخضع الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش ولا رئيس الوزراء البريطاني توني بلير، الزعيمان اللذان قادا الحرب، لتحقيق جنائي.

بدأ الغزو في آذار/مارس 2003 وأطلق العنان لكارثة إنسانية كارثية حيث قُتل ما يقدر بنحو 655000 عراقي في السنوات الثلاث الأولى من الصراع، أو 2.5 ٪ من السكان.

تم الانكار باعتبارها حربًا على النفط وعلى نطاق واسع من جانب الولايات المتحدة والمملكة المتحدة: يمتلك العراق خامس أكبر احتياطي نفطي مؤكد في العالم. لا علاقة للعراق بهجمات الحادي عشر من ايلول/سبتمبر الإرهابية التي وقعت قبل 18 شهرًا والتي شرعت ما يسمى "الحرب على الإرهاب".

تأتي البيانات المتعلقة بإنتاج شركة بريتيش بتروليوم بعد الغزو في العراق من التقارير السنوية للشركة وتم حسابها باستخدام متوسط السعر السنوي لبرميل النفط لكل سنة إنتاج.

من عام 2011 إلى عام 2220، ضخت شركة بريتيش بتروليوم 262 مليون برميل من النفط العراقي.

(شركة) بلير للبترول

بدأت الشركة في عام 2011، بإنتاج 31 ألف برميل من النفط العراقي يوميًا، لكن هذا الرقم ارتفع بسرعة إلى 123 ألف برميل يوميًا بحلول عام 2015.

بحلول عام 2020، أنتجت شركة بريتيش بتروليوم نفطًا من العراق أكثر من إنتاجها في أوروبا بأكملها، بما في ذلك بحر الشمال البريطاني.

في الأشهر التي سبقت الغزو عام 2003، أُطلق على شركة بريتيش بتروليوم لقب "شركة بلير للبترول" بسبب الضغوط المكثفة التي مارسها رئيس الوزراء البريطاني نيابة عن الشركة.

لكل من شركتي بريتيش بتروليوم وشل تاريخ في العراق يعود إلى قرن من الزمان، وكانت صناعة النفط في البلاد تحت سيطرة الشركتين البريطانيتين إلى حد كبير خلال معظم القرن العشرين.4987 بترول

"الوصول إلى الموارد"

لكن شركة بريتيش بتروليوم عادت إلى العراق للمرة الأولى منذ السبعينيات بعد ست سنوات من الغزو البريطاني. حيث صرحت الشركة في ذلك الوقت: " نحن نسعى باستمرار للوصول إلى الموارد الذي شمل العراق في عام 2009 ".

وكانت الفرصة الجديدة هي في الحصول على عقد من الشركة المملوكة للدولة لتوسيع الإنتاج في حقل الرميلة بالقرب من البصرة، أحد أكبر حقول النفط في العالم. حيث كان الجيش البريطاني في ذلك الوقت يحتل البصرة والمناطق المحيطة بها في جنوب العراق.

ان حقل الرميلة، الذي يمتد 50 ميلاً من البداية إلى النهاية، تم "اكتشافه" بالاساس من قبل شركة بريتيش بتروليوم في عام 1953 وهو الأكبر في العراق.

كانت خطة إدارة بوش الأولية تقضي بان توقع الحكومة العراقية على قانون نفط جديد والذي كان من شأنه خصخصة النفط العراقي بشكل غير مباشر من خلال نوع غير تقليدي من التعاقد يسمى "اتفاقيات مشاركة الإنتاج" (PSA)

كان من شأن ذلك أن يسمح لشركات النفط الأجنبية بتوقيع عقود مع الحكومة لتطوير مناطق معينة من قطاع النفط العراقي مقابل حصة من أرباح النفط.

لكن الدستور العراقي يتطلب من البرلمان التصديق على القوانين، وبسبب الديناميكيات الداخلية في البلاد في ذلك الوقت، انتهى الأمر بالبرلمان إلى سيطرة الأحزاب الوطنية ذات السياسات المناهضة للاحتلال.

كان على الحكومة العراقية العودة إلى قانون قديم يسمح فقط بـ «عقود الخدمات الفنية» (TSC) التي أبقت النفط تحت الملكية العراقية مع منح شركات النفط الأجنبية سعر ثابت مقابل الخدمات.

اتخذ استثمار شركة بريتيش بتروليوم في الرميلة شكل(TSC)، والذي دخل حيز التنفيذ في كانون الثاني/ديسمبر 2009. في الصفقة، ستسترد شركة بريتيش بتروليوم التكاليف، بغض النظر عن سعر النفط، وتحصل على رسوم لكل برميل من الإنتاج فوق عتبة محددة.

ومع ذلك، ذكرت الشركة أن "عقد الخدمة الفنية (TSC) الذي نعمل بموجبه في العراق يعمل كإتفاقية مشاركة في الإنتاج [PSA]".4988 بترول

"المقاول الرئيسي"

كانت بريتيش بتروليوم هي المقاول الرئيسي في مشروع تطوير الرميلة، بحصة عمل بلغت 38٪. وتمتلك شركة البترول الوطنية الصينية (CNPC) نسبة 37٪ فيما تمتلك الحكومة العراقية نسبة الـ 25٪ المتبقية.

وقالت شركة بريتيش بتروليوم، بانها إلى جانب شركة البترول الوطنية الصينية، تعتزم استثمار 15 مليار دولار على مدى السنوات العشرين المقبلة لزيادة الإنتاج في الرميلة إلى ما يقرب من 3 ملايين برميل يوميًا، أو 3 ٪ من إنتاج النفط العالمي.

في ذلك الوقت، كان حقل الرميلة ينتج فعليا نصف صادرات العراق النفطية وكانت تشمل خمسة مكامن منتجة. ستقوم بريتيش بتروليوم مع شركائها بتجديد الآبار والمرافق.

في عامها الأول من التشغيل، زادت شركة بريتيش بتروليوم إنتاجها من حقل الرميلة بنسبة 10٪ فوق المعدل المتفق عليه في البداية مع وزارة النفط العراقية، مما يعني أن الشركة أصبحت مؤهلة للحصول على حصة من النفط المنتج. على مدى العقد التالي، استخرجت شركة بريتيش بتروليوم ما معدله 65000 برميل من النفط يوميًا من الرميلة.

في عام 2014، زادت شركة بريتيش بتروليوم حصتها في العمل ضمن عقد الخدمة الفنية (TSC) في الرميلة إلى 48٪ وتم تمديد العقد لمدة خمس سنوات حتى عام 2034.

وذكرت الشركة أنه "على الرغم من عدم الاستقرار والعنف الطائفي في شمال وغرب البلاد، فإن عمليات شركة بريتيش بتروليوم كانت مستمرة في الجنوب".

في عام 2015، ذكرت الشركة أننا «نواصل بناء علاقات في معاقل شركة بريتيش بتروليوم التاريخية في الشرق الأوسط، مع تزايد الفرص» بما في ذلك في العراق، حيث وصل إنتاج شركة بريتيش بتروليوم إلى أعلى مستوى 123000 برميل يوميًا. وتم تصنيف العراق الآن كواحد من «مجالات الإنتاج الرئيسية» لشركة بريتيش بتروليوم.

المبعوث المميز لدى العراق

أحد الشخصيات التي حققت أداءً جيدًا من شركة بريتيش بتروليوم هو السير (John Sawers)، أول مبعوث مميز للمملكة المتحدة في العراق في عام 2003، والذي انضم إلى مجلس إدارة الشركة في عام 2015.

على مدار السنوات السبع التالية، كسب (Sawers) 1.1 مليون جنيه إسترليني من الرسوم من الشركة. كما بلغت قيمة حصته في شركة بريتيش بتروليوم العام الماضي 135 ألف جنيه إسترليني، بزيادة 181٪ عن وقت انضمامه إلى الشركة.

انضم (Sawers) إلى شركة بريتيش بتروليوم كمدير غير تنفيذي في آيار/مايو 2015 بعد أن "تم تشخيصه" على ما يبدو في العام السابق عندما تنحى عن منصب رئيس وكالة المخابرات الخارجية البريطانية (MI6).

ذكرت الشركة أن "( John) لديه خبرة طويلة في السياسة الدولية والأمن اللذان يمثلان أهمية كبيرة لأعمالنا". وأضافت الشركة أن (Sawers) أمضى الجزء الأكبر من حياته المهنية في الدبلوماسية "ممثلاً للحكومة البريطانية حول العالم". بسبب هذه التجربة، عينت بريتيش بتروليوم (Sawers) رئيسًا للجنتها الجيوسياسية.

كان (Sawers) مقربًا من رئيس الوزراء توني بلير في الفترة التي سبقت غزو العراق، حيث عمل مستشارًا للسياسة الخارجية من 1999-2001. في آيار/مايو 2003، عين بلير (Sawers) كأول مبعوث مميز لبريطانيا في عراق ما بعد الغزو.

كان دور المبعوث المميز هو "العمل مع العراقيين، ومع شركاء التحالف وكذلك مع ممثلين آخرين للمجتمع الدولي للمساعدة وتوجيه العمليات السياسية المؤدية إلى إنشاء الإدارة المؤقتة".

ثم أصبح (Sawers) المدير السياسي والعضو الرئيسي لمجلس الإدارة لوزارة الخارجية من 2003-2007. وعند عودته الى العراق استمر نفوذه في البلاد ممثلاً للحكومة البريطانية في تشرين الاول/أكتوبر 2005 في أعقاب الاستفتاء الدستوري الناجح.

بالقرب من وكالة المخابرات الخارجية البريطانية MI6

يبدو أن (Sawers)، وفي وقت سابق من حياته المهنية، كان ضابطا في وكالة المخابرات الخارجية البريطانية MI6. في عام 2009، عندما تم تعيينه رئيسًا لجهاز MI6، علقت بي بي سي: "كما أشارت الحكومة البريطانية بخجل، فإن السير (John)" ينضم مجددًا "إلى جهاز المخابرات السرية (SIS) - ولم يتم تقديم أي تفاصيل حول حياته المهنية السابقة في MI6."

لطالما كانت BP على مسافة قريبة من وكالة المخابرات الخارجية البريطانية MI6. ففي مقال نشرته (Mail on Sunday) في 2007، والذي تم حذفه لاحقًا، ادعى أحد المبلغين عن المخالفات (مخبر) في الشركة أن " شركة بريتيش بتروليوم كانت تعمل عن كثب مع وكالة المخابرات الخارجية البريطانية MI6، على أعلى المستويات لمساعدتها على كسب الأعمال ... والتأثير على الهيكلية السياسية للحكومات".

كتب ( Richard Tomlinson)، الضابط السابق المنشق في وكالة المخابرات الخارجية البريطانية MI6، في مذكراته عام 2001 أن شركة بريتيش بتروليوم لديها "ضباط اتصال في وكالة المخابرات الخارجية البريطانية MI6 الذين يتلقون [المعلومات المخابراتية `ذات السرية] ذات الصلة".

كان سلف (Sawers) كرئيس وكالة المخابرات الخارجية البريطانية MI6، هو السير (John Scarlett)، كبير موظفي الاستخبارات والمسؤول عن ملف توني بلير سيئ السمعة حول أسلحة الدمار الشامل العراقية الذي تم اصداره في الفترة التي سبقت الغزو. وقد اقترح(John Scarlett)" استخدام هذا الملف لتضليل الجمهور حول أهمية الأسلحة العراقية المحظورة".

في تعليق شركة بريتيش بتروليوم حول مهارات (Sawers) ذات الصلة، أفادت الشركة أن "إدارة (Sawers) للإصلاح في وكالة المخابرات الخارجية البريطانية MI6 تكمل أيضًا رغبة شركة بريتيش بتروليوم للتركيز على القيمة والتبسيط".4989 بترول

حقل شركة شل النفطي العملاق

كما عادت شركة النفط البريطانية "الكبرى" الأخرى، شل، الى العراق مرة أخرى في عام 2009 عندما "حصلت على مكانة مهمة" في البلاد بعقد حكومي لتطوير حقل مجنون، مرة أخرى بالقرب من البصرة في جنوب العراق الذي تحتله بريطانيا.

ووصفته الشركة بأنه "واحد من اكبرحقول النفط العملاقة في العالم" باحتياطي يقدر بنحو 38 مليار برميل من النفط.

مُنحت شل شركة «عقود الخدمات الفنية»TSC لمدة 20 عامًا كمشغل رئيسي مع حصة 45٪ في تطوير حقل مجنون. وستمسك شركة النفط الماليزية بتروناس بنسبة 30٪ بينما تحتفظ الدولة العراقية النسبة المتبقية البالغة 25٪.

وصرحت شل إن من المتوقع أن يصل الإنتاج إلى 1.8 مليون برميل نفط يوميا بزيادة عن 45 ألف برميل كانت تنتجه في ذلك الوقت. وقالت شل أيضا بإن لدى الحقل "إمكانات استكشاف إضافية".

وفي عام 2009 حصلت شل أيضًا على حصة 15٪ في عقد لتطوير حقل غرب القرنة 1 – وهو مرة أخرى بالقرب من البصرة - كجزء من تجمع تقوده شركة ExxonMobil.

وفي عام 2014 تمت إعادة التفاوض على هذا العقد حيث تم تخفيض حصة الحكومة من 25٪ إلى 5٪ وتوزيعها على مساهمين آخرين، بما في ذلك شل.

رغم ذلك، باعت شل في عام 2018، حصتها البالغة 20٪ في حقل غرب القرنة 1، وحصتها البالغة 45٪ في حقل مجنون، للحكومة العراقية.

و لم تستجب شركة بريتيش بتروليوم وكذلك السير (Johm Sawers (في الرد على الطلبات المقدمة لهم من اجل التعليق.

***

........................

* https://declassifieduk.org/bp-extracted-iraqi-oil-worth-15bn-after-british-invasion/?s=08

** (MATT KENNARD هو كبير الصحفيين الاستقصائيين في موقع DeclassifiedUK

تغيرت الشوارع الاوروبية بعد العملية العسكرية الروسية في اوكرانيا وتصاعد قرع طبول حرب يقودها حلف الناتو، وتديرها الولايات المتحدة الامريكية صراحة وبلا التباس. حيث فرضت ادارة الحرب الامريكية على اوروبا المشاركة المباشرة في سياسات الحرب تحت اسم دعم اوكرانيا وتقديم المليارات لآلة الحرب فيها وتشريع ما تسميه بالعقوبات والاجراءات العدوانية ضد روسيا والضغط عليها وعلى من يتعاون معها، مبينة ظهور تحالفين واضحين، متصارعين ومستعدين لمواصلة حرب تتدحرج نحو اخطر انواعها واشدها تهديدا للبشرية. وبالتاكيد تولد تداعيات على مختلف الاصعدة وتنعكس على حياة المواطنين عموما. ولهذا تدافعت موجات من الغضب على هذه السياسات في الشوارع الاوروبية، متنوعة من الاضرابات والتظاهرات المحدودة الى الاحتجاجات الشعبية الواسعة، تقودها النقابات وقوى يسارية في المعارضة للاحزاب الاوروبية الحاكمة، والتي اغلبها من اليمين التقليدي او اليمين الوسط.

وسائل الاعلام بكل انواعها، لا سيما الفضائيات منها، تكشف صورها مباشرة وتعلن عنها كما هي في واقع الشوارع الاوروبية وامتلائها بالمحتجين وشعاراتهم والرايات التي تعبر عنهم والتي تنوعت اشكالها وفئاتها الاجتماعية. واغلبها جاءت رد فعل سياسيا وانعكاسا للازمة الاقتصادية التي ضربت اوروبا بعد تلك المواقف والسياسات التي تزعم محاصرة روسيا والتخلي من صادراتها اليها، لاسيما الطاقة والغذاء..فاثرت عكسيا في الحياة الاقتصادية في الغرب عموما، وتراجعت القدرة الشرائية لدى مواطني البلدان التي اشتركت مع الادارة الامريكية في مواقفها وقراراتها ضد روسيا وحلفائها.

وحتى التظاهرات التي خرجت تحت شعارات السلام في اوكرانيا ووقف الحرب والانحياز لموقف الناتو، والتي تدعمها الحكومات الغربية ومن يؤيدها من الاحزاب والنقابات والبرلمانيين، رفعت شعارات تطالب بزيادة الاجور وتحسين الاوضاع الاقتصادية للعاملين في مؤسسات الدولة واعادة النظر بسياسات دعم الحرب والعقوبات والمقاطعة التي حملت الحكومات قسطا من اضرارها المتفاقمة على حياة المواطنين اليومية.

شاركت اغلب نقابات العمال في أوروبا وقوى اليسار الاوروبي في اوسع الاحتجاجات مدافعة عن حقوق اعضائها في العمل والأجور، وأكثرها في قطاعات حساسة كقطاع الطاقة والموانئ والطيران، وامتدت الى نقابات عمال النقل والمواصلات العامة والعاملين في الصحة والتعليم وغيرها مما حكم الشارع الاوروبي في الحياة اليومية لاغلب العواصم الاوروبية وكشف التفاوت والنزاعات المخفية بين الفئات الراسمالية المتحكمة بالسلطات والقواعد الشعبية المنتجة للخيرات او الداعمة للتطور والتقدم الاقتصادي والاجتماعي والثقافي.

عكست ذلك طريقة تعامل الحكومات الاوروبية مع الاحتجاجات السلمية، ومن بينها الحكومتان، الفرنسية والالمانية، مدعيتا مثال الديمقراطية في العالم، حيث مارستا القمع الوحشي للمتظاهرين ومنعهم من التعبير عن سوء حالهم وغلاء معيشتهم وعن آرائهم والمطالبة بحقوقهم، وقد فضحت وسائل الاعلام هذه الممارسات الوحشية وعرت ديمقراطية حكومات الغرب امام العالم.

اثار اعلان تزويد اوكرانيا بانواع اخرى من الاسلحة، كالدبابات والصواريخ والطائرات موجة غضب اضافية، حيث اندلعت احتجاجات في اكثر من مدينة اوروبية، خاصة التي توجد فيها مصانع للاسلحة، مثل مدينة ميونخ، معارضة بشدة نقل الدبابات الألمانية إلى أوكرانيا، وردد المتظاهرون شعارات مناهضة للحرب وطالبوا بحل دبلوماسي للأزمة والكف عن تصعيد الازمة واستمرار اشعالها.

صب زيت الممارسات الحكومية العنفية ضد المحتجين على الرد عليها بما يقابلها ورفع الصورة الى مواجهات عنف بين قوى امنية مدججة بالسلاح ومدنيين يضطرون الى المقاومة بكل الاساليب المتاحة لهم، من حرق اطارات وغلق شوارع، الى مهاجمة مؤسسات الامن وحرقها واشباه ذلك مما يدفع الى نقل مشاهد عنف ترتفع وتيرتها كل مرة، وتضع المسؤولية من جديد على عاتق الحكومات وقراراتها وتبعيتها لسياسات مفروضة عليها ولا تعكس خيارات شعوبها واراداتها الوطنية. وهو ما يستدعي النظر اليه من زوايا الاسباب الحقيقية لما يجري وما يؤدي الى استمرار الاحتجاجات في الشوارع الاوروبية خصوصا.

***

كاظم الموسوي

أنشئ مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية عام 1968 كمركز علمى مستقل وكان فى بدايته موجهاً للتركيز على القضية الفلسطينية ودراسة العدو الإسرائيلي والصهيونية العالمية، لكنه تطور مع الوقت وتشعبت مهامه لتصبح أكثر شمولاً ورحابة .. وباتت للمركز في ظل رئاسة الدكتور محمد فايز فرحات إصدارات دورية ينتظرها المثقفون والمفكرون لما لها من ثقل وأهمية على صعيد الفكر الاستراتيجى..

هذه الإصدارات تعددت وأكثرها يركز على الشأن المصرى مثل (بدائل) و(رؤى مصرية) و(أحوال مصرية) وغيرها من الإصدارات وأغلبها دوريات شهرية تصدر بانتظام، وتسلط الضوء على أوضاع البلاد فى الداخل المصري، وتحلل الوضع من عدة زوايا.. لكن الإصدار الأهم من وجهة نظرى هو الدورية السنوية التى تصدر تحت عنوان(التقرير الاستراتيجى العربي) والذى بدأ إصداره أول مرة عام 1986.. وقد صدر مؤخراً تقرير عام 2022 سعياً لتقديم رؤية استراتيجية مصرية لتطورات النظام الدولى والنظام الإقليمى العربي وحال المجتمع المصري..

قدم للتقرير د. وحيد عبد المجيد تحت عنوان (2022:انخفاض القدرة على حل الصراعات وإدارة الأزمات) كأن تلك النتيجة هى محصلة الأحداث التى حفل بها العام السابق.. وإذا قرأت محتوى المقدمة الطويلة التى جاءت فى تسع صفحات من القطع الكبير من تقرير شامل استوعب ما يناهز الثلاثمائة صفحة سوف تدرك على الفور أن تقييم الأحداث كلها يتمحور حول الحدث العالمى الأهم؛ ألا وهو الحرب الروسية الأوكرانية وما تسببت فيه من تداعيات ضخمة للعالم أجمع..

تلك الحرب ذاتها نشأت،طبقا لرؤية د. وحيد، كنتيجة مباشرة لانعدام القدرة على توصل المجتمع الدولى لحلول دبلوماسية قبل قيام الحرب، وأن التعنت الذى أبداه الجانبان وصل بالأزمة إلى آفاق ومستويات لم تكن فى الحسبان حتى بات العالم كله مهدداً باشتعال حرب نووية عالمية فى أية لحظة ولم يتوقف هذا التخوف بل زاد وتفاقم مع احتدام الصراع وتعقده يوماً بعد يوم..

التفاعلات الدولية

ينطلق التقرير من دائرته الأوسع العالمية ثم الدائرة العربية حتى يصل للشأن المصري.. ووضع عدة محاور ومرتكزات رئيسية من أجل تغطية أهم وأقوى النقاط المؤثرة على السياسىة العالمية جراء الحرب القائمة بين الناتو وروسيا على الأراضى الأوكرانية .. وكيف أن تلك الحرب تسببت فى تهديد مستقبل النظام العالمى وأن جوهر الصراع ليس بين روسيا وأوروبا أو أوكرانيا وإنما بين قوة عظمى أفلت وضعفت وبين قوة عظمى تقاتل للبقاء كذلك.. وكيف أن الوضع الدولى الراهن يتشكل من جديد طبقاً لمخرجات هذا الصراع الدائر بين روسيا والولايات المتحدة الأمريكية..

يتساءل التقرير أولاً: لماذا لم يتم الحسم العسكرى خلال عام 2022؟ ويضع إجابات متعددة لمثل هذا السؤال من واقع ما حدث على الأرض..كما يضع سيناريوهات خمسة محتملة لانتهاء تلك الحرب ..ثم ينتقل إلى بؤرة صراع أخرى بدأت فى التشكل والتنامى عقب الحرب وهى "أزمة تايوان" والتى مثلت ذروة صراع صينى أمريكي يسير بالتوازى مع الحرب الأوكرانية الروسية القائمة.. وكان لابد فى هذا الصدد إلقاء الضوء على التحالف الصينى الروسي الذى لم يكن حتى نهاية العام السابق قد اكتمل كما رأيناه هذه الأيام يظهر بشكل واضح بعد زيارة الرئيس الصينى لروسيا دعما لها..فكأن التقرير قرأ هذا المشهد القادم واستشرف له..

ومن خلال سبعة محاور كاملة انتقل التقرير يحلل تداعيات الحرب ، ومنها ما يخص الفكر العسكرى داخل حلف الناتو ومدى انعكاسات الحرب على الأمن السيبرانى وأمن أوروبا وعلى حركة الهجرة ، ومدى ما حققه اليمين الراديكالى من مكاسب سياسية كنتيجة للحرب.. ثم يرصد التقرير أمراً خطيراً لوحظ فى فترة ما بعد الحرب وهو ما يختص بالتدافع الدولى نحو القارة السمراء، وكيف أن أوروبا والغرب يتجهان بقوة نحو زيادة التقارب والتواجد داخل قارة إفريقيا لمواجهة النفوذ الصينى الروسي من ناحية ولتأمين مصادر الطاقة من ناحية أخرى..

أما التأثير الأكبر والأكثر جلاء ووضوحا لهذه الحرب فهو التأثير على الاقتصاد العالمى.. والتي بدأت أولاً من جانب الغرب حينما فرضوا العقوبات على روسيا فيشكك التقرير من جدوى تلك العقوبات وأنها جاءت بأثر عكسي على فارضيها.. وكيف أن ردة الفعل الروسية إزاءها تسببت فى أزمات فى أسعار الطاقة وعلى سلاسل التوريد وحركة صادرات القمح من أوكرانيا وروسيا ما تسبب فى خلق أزمة غذاء عالمية تفاوت حجم تأثيرها من دولة لأخرى..

دائرة النظام العربي والإقليمى

انشطر هذا القسم من أقسام التقرير إلى ثلاثة فصول.. أولها ركز على مدى حجم تأثر الدول العربية المختلفة بالحرب الروسية الأوكرانية، وثانيها تناول الأزمات الداخلية بهذه الدول، ثم انتهى إلى القضية الأولى والأهم لدى العرب وهى قضية الصراع الفلسطينى الإسرائيلى..

بدأ هذا الجانب من التقرير بالإشارة إلى اختلاف مواقف الدول العربية تجاه الحرب وهو ما بدا من خلال سياساتها الخارجية وتحركاتها الدبلوماسية..وأن تلك المواقف تم اتخاذها طبقاً لأبعاد تاريخية ووقائع تفرض نفسها على الساحة.. وحاز الاتفاق النووى الإيرانى على جانب من مناقشات هذا الفصل الذى انتهى بمناقشة التداعيات الاقتصادية للحرب على العرب فيما يخص النفط والغذاء..

كما ناقش التقرير أوضاع البلاد العربية داخلياً وأهم الأزمات المحورية التى ترزح تحتها كل دولة ، وكيف تتطور تلك الأزمات، وما هى الجهود الدولية الأممية التى تم اتخاذها خلال العام السابق تجاه أزمات عالمنا العربي..

المشهد المصري

اختتم التقرير فصوله بتلخيص المشهد المصري سياسياً من خلال أربعة محاور .. السياسة العامة والمجال العام.. ثم السياسات الاقتصادية .. ثم طاف حول مظاهر تنامى القدرات الدفاعية للقوات المسلحة المصرية قبل أن يختتم هذا القسم بالجهود الدبلوماسية وما تم على صعيد السياسة الخارجية للدولة المصرية..

ثم تناول تحليلاً للخطاب الرئاسي على مدى عام كامل، ثم ناقش الخطوات التى تمت فى ملف الحوار الوطنى، واهتم بالحدث الكبير الذى نظمته مصر ووضعت تصورها الخاص له وهو حدث تنظيم قمة المناخ(cop27) ومدى فاعلية مخرجاته.. كما عرج التقرير على مدى تطورات العنف المجتمعى فى مصر..

ونظراً لأن المحور الرئيسي فى التقرير الذى التفت حوله كل محاوره ظل هو الحرب الروسية الأوكرانية فقد بدأ الملف الاقتصادى المصري بمناقشة أولويات مصر التنموية فى ظل الحرب، ثم تحدث عن مفاوضات صندوق النقد ثم انتهى لمناقشة الموازنة العامة وسياسات الاتجاه نحو اقتصاد السوق..

التقرير الاستراتيحي العربي -الذي يرأس تحريره حاليا الدكتور عمرو هاشم ربيع - جاء حافلاً بالاستدلالات والجداول والصور والرسوم البيانية والتوضيحية ، وهو من إعداد كوكبة من الخبراء والباحثين المرموقين من داخل المركز وخارجه ليخرج بهذه الصورة الوافية المكثفة المشرفة.

***

د. عبد السلام فاروق

 

تجد جبالَ ووديانَ كردستان العِراق زاخرةً بالطُّرق الصُّوفيَّة والعقائد الدِّينيَّة، مِن الإسلام والمذهب السَّائد الشَّافعي، ولعله منذ (القرن السَّادس الهجريّ) عهد الأتابكة السَّلاجقة، و«الأتابك» تركية النَّجار تعني مربي الأمير (حسين، أربيل في العهد السُّلجوقيّ)، مع وجود المسيحيَّة والإيزيديَّة، واليهوديَّة (العماديَّة تاريخاً)، والزَّرادشتيَّة، والكاكائيَّة، وأهل الحقِّ، والبرزانيَّة، والشَّبك، والبهائيَّة والمندائية حديثاً. سادت في التَّصوف: القادرية والنّقشبنديَّة، ومؤسس الأخيرة بالعراق خالد النَّقشبندي.

عُقد بالسُّليمانيَّة «المؤتمر الدُّولي لمولانا خالد النَّقشبنديّ»، وكان مهماً حضره مختصون بالصّوفيَّة، مِن مختلف البلدان. تبناه «مركز عزّ الدِّين رسول الثَّقافيّ»، نسبة للأديب الأكاديمي عزَّ الدِّين رسول (ت: 2019). صار للمركز شأنٌ الآن، بما يحويه مِن مكتبةٍ متعددةِ اللُّغات، تولى تأسيسه شقيقه فاروق رسول رجل الأعمال الذي ما زال يعتز بيساريته كتاريخ، نقل له مكتبات رفاقه السَّابقين، مِن لندن مكتبة ضخمة لرفيقه الشِّيوعي العراقي إبراهيم علاويّ (ت: 2015)، وهي بادرة قيمة، إذا علمنا أنَّ أصحاب المكتبات الغرباء عن العراق حاروا بمصائر مكتباتهم.

يُثار التَّساؤل، لماذا يُحيي مركز ثقافي مدني، صاحبه وراعيه يساريان، شخصية صوفيَّة، شافعيّ الفروع أشعريّ الأُصول (رسالته العقد الجوهريّ)؟! هل لأنَّ النّقشبندي، النَّاقل الطريقة مِن الهند إلى العراق، وعُرفت بالنَّقشبندية الخالديَّة، والبداية بالسُّليمانيّة، برز مِن طبقة معدمة، ومعلوم ما لأهل اليسار مِن صِلةٍ بهذه الطَّبقة، وبعد انتشار طريقته واجهه مَن كان مسيطراً بالقادرية، وهم السَّادة البرزنجيّة مِن الطَّبقة العليا؟ أم هل لصلة النّقشبنديّ بالسُّليمانيَّة وبأسرة آل رسول، وفق ما ورد في كتاب راعي المؤتمر فاروق رسول (ذكرياتي)، كانت دافعاً؟ أقول: ربَّما يكون ذلك.

لكن الراجح أنّ التصوف النقشبنديّ، الذي جعل بينه وبين السياسة والعنف حداً، يصلح لمواجهة الإسلام السياسيّ، السَّاعي لممارسة السُّلطة باسم الدين. صحيح هناك مشاركة للقوى الدينية في البرلمان والحكومة، لكنَّ القلق مِن توظيف الدين في السياسة، والهيمنة باسمه، جعل صحيفة «وشه الكردية» (21/8/2013) ثم «المدى البغداديَّة»(18/9/2013) تنشر صورةَ رسالةِ نائب المرشد خيرت الشَّاطر، إلى «الاتحاد الإسلاميّ الكردستانيّ»، والإخوان هم أصل العمل الإسلامي بالمنطقة، والآخرون فروع، بعد الانشطار عن الإخوان ببغداد، فكانوا قبلها كتلةً واحدةً. مع عدم تأكيد صحة الرِّسالة، لأنها جاءت بعد اعتقال قيادات الإخوان بمصر، ونفاها الإخوان الكردستانيون، إلا أنَّ طرحها والضجة التي أثيرت حولها، يبينان حجم المواجهة مع الإسلام السِّياسيّ.

استلهم النقشبندي الطريقة مِن الهند، وله رسالة «الرّحلة الهنديَّة»- المؤسس الأول شاه نقشبند (ت: 791هج) مِن أوزبكستان- تعرض بعدها بالسُّليمانية وبغداد ودمشق إلى فتاوى تكفير كالرَّسالةِ التي وجهها شيخ صوفي ضده إلى والي بغداد «تحرير الخطاب في الرَّدِ على خالد الكذاب»، فنصره أحد مريديه بـ «الحِسام الهنديّ لنصرة الشَّيخ خالد النَّقشبنديّ».

لم ينته الأمر عند هذا الحد، وصل تكفيره إلى السلطان العثمانيّ نفسه. أخيراً نجا مِن القتل (البيطار، حلية البشر). لكنه تحدى الطَّاعون بدمشق (1242هج): «ما نحن فيه مِن مصابرة الطَّاعون خير ثواباً» (الخاني، الحدائق الورديَّة)، فمات به.

بما أنّ الماضي حاضرٌ، اعترضت فتاة داخل القاعة بغضب على اتهام القادريّة بمحاولة قتله، ولما سألتها قالت: إنّها قادرية كسنزانيّة، فقدرتُ سبب غضبها. لا تعتقدوا بالتَّصوف الصَّفاء التَّام، فالمصالح لا تدع المشاربَ صافيةً.

يأتي التَّوضيح مِن المعريّ (ت: 449هج): «إِنَّما هذه المَذاهِبُ أسبَابٌ/ لجَذبِ الدُّنيا إِلى الرُّؤساءِ/ كالَّذي قامَ يَجمعُ الزِّنج بِالبَصْرةِ/ والقَرمطِيُّ بالأَحَساءِ/ فانفردْ ما استطعتَ فالقائلُ الصَّا/ دقُ يُضْحي ثقلاً على الجلساءِ» (اللزوميات). لا أظن أنَّ رئيسَ مذهبٍ دينيّ لم يستثقل أبا العلاء! أمَّا عن يساري يحتفي بشخصيّة دينيَّة، فلها تاريخ، فاليساريون العراقيون طالما احتفوا بـ «لاهوت التَّحرير»، والعبارة استعرتها مِن هاديّ العلويّ (ت: 1998).

***

د. رشيد الخيّون - كاتب عراقي

29 مارس 2023

 

 

في مقابلة تلفزيونية بثت قبل أيام قليلة، رفض حيدر العبادي التعليق على سؤال يقول "هل صحيح أن قرارك - حين كنت رئيسا للوزراء - بتعيين مصطفى الكاظمي رئيسا لجهاز المخابرات كان سببه رسالة أو إشارة وصلتك عن طريق أخيك محمد عبر شخص مقيم في لبنان من المرجعية الدينية النجفية"؟ ولكنه أجاب عن السؤال بشكل غير مباشر حين أضاف أن الكتل الشيعية والسنية والكردية توافقت بمجموعها على تعيين الكاظمي في ذلك المنصب، أما في تعيينه لاحقا في منصب رئيس الوزراء، فهو كان رافضا لتعيينه بمنصب رئيس مجلس الوزراء. العبادي أكد خبر تسلمه رسالة أو إشارة من المرجعية حول الكاظمي - رغم نفيه لتدخلها في تعيين مسؤولين - حين قال مصححا معلومة المذيع حول الرسالة الإشارة التي وصلت من المرجعية بتأييد تعيين الكاظمي في المنصب الأمني فقال: "ولكن قطعا لم يكن أخي محمد، والشخص في بغداد وليس في الخارج"!

التعليق: إذا رفعنا قشرة اللغة الدبلوماسية البدائية والمجاملات على حساب الحقيقية بين أهل النظام، يثبت لنا كلام العبادي في هذا التفصيل وفي تفاصيل أخرى مشابهة كثيرة، أن هناك ثلاث قوى تتقاسم الهيمنة على نظام الحكم في بغداد وتسييره وحمايته وهي نفسها المسؤولة عن تأسيسه وقيامه على أسس المحاصصة الطائفية والعرقية وهذه القوى هي على التوالي من حيث قوة التأثير: أميركا وإيران والمرجعية السيستانية، إضافة إلى قوى ودول إقليمية أخرى أقل نفوذا، وكل من يراهن على أحد هذه الأطراف كعامل مساعد أو رئيس، في إخراج العراق من مأزقه الكارثي الحالي هو وأهم أشد الوهم ويمهد لبقاء العراق في هذا القبر "الاستراتيجي" المفتوح.

العبادي: هناك من لا يريدون العراق القوي والناجح بل العراق الضعيف حتى يؤكل، والدولة صاحبة النفوذ رقم واحد في العراق اليوم هي إيران لأنها تخاف من عودة العراق المعادي لها. وخلال الحرب ضد داعش جرت محاولة لاغتيالي في الميدان واتهموا بها تركيا أولا ثم أميركا وأخيرا قالوا قذائف هاون!

سؤال من المذيع: هل وضع العبادي بيضه كله في السلة الأميركية، فكان الأميركيون داعمين لتوليك ولاية ثانية؟

العبادي: الأميركيون كانوا داعمين أيضا لرئيس الوزراء الذي كان قبلي وللذي قبله، ولرئيس الوزراء الذي جاء بعدي... فالأميركان كانوا يريدون استقرارا في العراق، حيث كانت لهم مصالح في العراق وأي انهيار في العراق يضر بمصالحهم، ولذلك فهم يدعمون أي رئيس وزراء في العراق يحقق "يضمن" هذه المصالح.

سؤال: أقوى نفوذ خارجي في العراق الآن لأي طرف يعود؟

العبادي: في مرحلة سابقة كان هناك نفوذ إيراني تركي قوي بإضافة إلى النفوذ الأميركي والغربي، أما الآن فإيران هي الرقم واحد. هذا هو تقييمي. أما أميركا والتي يصفونها بدولة كبرى فلا أدري أية دولة كبرى هذه التي لا تعرف مصالحها! البعض يتصور أن اميركا دولة كبرى قادرة على كل شيء، لا، هذا خطأ!

سؤال: إذا كان النفوذ الأميركي قد ضعف، فلماذا لم يتم استغلال ذلك للحد من النفوذ الإيراني؟

العبادي: الأمر متعلق بنا، كم نستطيع أن نقيم علاقة متوازنة مع المقابل؟ لكن إذا انت تشعر بأنك ضعيف وتذهب لتستجدي من الآخرين لكي يعطوك بعض المال حتى تفوز بالانتخابات؟ ويستجدي ليس فقط من إيران، بل من هذه الدولة وتلك الدولة يستجدي المساعدات المالية ليفوز بالانتخابات!

هناك كثير من الناس لا يريدون الاستقرار في العراق لا يريدون النجاح فيه، يريدون العراق ضعيفا حتى يؤكل، حتى يستطيعوا استغلال الدولة... التصور الثاني هو أن العراق القوي في وقتي وعنده أموال جيدة لأننا أوقفنا الهدر حينها فصارت عندنا أموال، فهم تصوروا أن هذا الشيء يجب أن يخطف، شيء يريدون أن يأخذوه والعراق الناجح هم يقودونه ولكنهم عمليا أسقطوا هذا العراق فبعد سنة اندلعت تظاهرات تشرين.

وعن محاولة اغتياله عند خروجه من اجتماع مع كبار القادة العسكريين ومنهم أبو مهدي المهندس حيث قصف الموقع الذي كانوا فيه من قبل طائرة حربية أميركية، قال العبادي أن المحاولة جرت فعلا، ولكن ليس عند خروجه بل وهو في الموقع ولكنها لم تكن بطائرة حربية بل بواسطة قصف هاون. وإن هادي العامري اتصل به وطلب منه مغادرة المكان لأن الأتراك يستهدفونه رغم أن بينهما كانت حالة توتر وتصعيد. ثم أصدروا بيان وقالوا إن الأميركيين هم من قاموا بالهجوم، فقلت لهم إنني دققت بكل الطائرات الموجودة في سماء المنطقة فكانت أقرب طائرة تبعد عنا أربعين كيلومترا فلا تصل قذائفها. وحين طلبت بقايا المقذوف الذي استعمل في الهجوم لم يحضروه لي ولكنهم قالوا إنه مقذوف هاون!

***

علاء اللامي

....................

*رابط يحيل الى المقابلة التلفزيونية مع رئيس مجلس الوزراء السابق حيدر العبادي:

https://www.youtube.com/watch?v=eBEJQ1-2PmI&ab_channel=Utv

 

نشرت (الزمان) بعددها الصادر في (25 آذار 2023) مقالا لنا بعنوان ( نفاق المثقفين.. موقفهم من الراحل عبد الرحمن الربيعي مثالا)، نبه الى ظاهرة مؤلمة هي ان كثيرا من المثقفين نعوا الأديب الكبير عبد الرحمن مجيد الربيعي، فيما اغلبهم ما كانوا زاروه وتفقدوه في بيته، ولم يتبرعوا له بدينار واحد، مع ان الربيعي كان يعاني من اشهر.. وضعا صحيا سيئا وعوز ماديا، قد نعذر السياسي حين يكون منافقا.. لأن السياسة في العراق، بلا اخلاق.. لكن لا عذر للمثقف في مثل هكذا حالات ستتكرر مع ادباء وفنانيين آخرين.

وتساءلنا في نهاية المقال:

هل وصلت الرسالة.. الى وزارة الثقافة والأتحاد العام للأدباء والكتّاب في العراق؟

ولقد اثار هذا المقال اهتمام عدد كبير من الأدباء والفنانين والأعلاميين والمفكرين، داخل العراق وخارجه، توزعت مواقفهم بين من تؤكد وجود هذه الظاهرة وتشيد بلفت الأنتباه لها، واخرى تدين السلطة وتعتب على اتحاد الأدباء، واخرى ساخرة، واخرى تقدم مقترحات لمعالجتها.

وتأتي هذه المقالة لتطرح مشروعا انسانيا لتشريع قانون يضمن حياة كريمة للأدباء والفنانين والمفكرين والأعلاميين الذين يعانون من عوز مادي، أو يتعرضون لأزمات صحية تحتاج علاجا مكلفا.. في ظاهرة غريبة حصلت في السنوات الأخيرة.. أن الملتحقين بقافلة الأدباء والفنانين الذين غادروا الدنيا قد زادوا لأن جميعهم عانوا ما عاناه الربيعي، ولأسباب نفسية هي أن عدم تواصلنا معهم في محنتهم يؤدي سيكولوجيا الى ضعف مناعتهم النفسية، وتعرضهم لأزمات قلبية و.. اكتئاب حاد يستعجل الموت!.

المشروع

نقترح هنا تشريع قانون بعنوان (قانون رعاية المثقفين في العراق) يحدد في مادته الأولى مفهوم المثقفين بأنه يشمل المفكرين والأدباء والفنانيين والأعلاميين الذين يعانون عوزا ماديا او وضعا صحيا يحتاج الى علاج غير مقدور على دفع تكاليفه.

ولأنه قانون يحتاج الى دراسة مستفيضة ورؤية ناضجة، فأننا نقترح على الأتحاد العام للأدباء والكتّاب تبني هذه المبادرة ودعوة كل الأطراف الذي يعنيها هذا الأمر (نقابات واتحادات ومنظمات.. ) الى عقد ندوة تخصصية بعد عيد رمضان المبارك لصياغة مواد هذا القانون، وتسمة لجنة لمتابعة مراحل تنفيذه وأقراره.

*

نماذج من التعليقات.. حرصنا ان تكون باسماء اصحابها، نوجز عددا منها في الآتي:

تعليقات تتضمن تساؤلات و.. تؤكد:

*دكتور سيار الجميل. بوركت عزيزي في موت كل مثقف عراقي مبدع زفة عرس. لأنصاف المثقفين ثم ينسونه بعد ساعات.

* ابراهيم الخفاجي. علامات استفهام من أديب و عالم نفس، مهمة جدا. لكن أنا أسأل، أليس للعراق دستور حشدوا الناس للتصويت عليه و كاد وقتها أن يكون التصويت له مقدسا؟. أليس الدستور كفل حقوق الإنسان و حقوق الشيخوخة و حقوق الرعاية الصحية و حقوق الطفولة و حقوق المساواة إلخ إلخ ؟

أليس من الواجب محاكمة جميع السلطوين من أربيل إلى البصرة و بالخصوص الإسلاميين؟ أين مليارات العراق التي تكفي لإشباع الهند ؟ أين أموال العراق الفلكية و نصف المجتمع يرزح تحت خط البؤس و الفقر و الجوع و التخلف؟

نعم أسئلتك مشروعة و وطنية و إنسانية، لكن هل الرعاية و العناية عصبوية أم مؤسساتية قانونية رسمية ؟

* د. طاهر البكاء. اغاتي هذه معلومات مؤلمة لم نسمع بها من قبل. سؤال لماذا لم يصدر نداء من الادباء عن وضعه في حينها؟

محمود ابو هدير. رسالتك جدا واضحة ولا تحتاج الى ترجمة دكتور، ولكن.. لقد اسمعت ان ناديت حيا ولكن لا حياة لمن تنادي

* علياء طالب عقيل. احسنت.. رحمة ونور على الارواح التي رحلت وعانت وصمت.

* عبد السادة البصري. للاسف هذه الحلة متفشية في الوسط الثقافي وبشكل كبير.

*وليد حسين. بوركت وانت تمد اصبعا وتشير الى ظاهرة النفاق الثقافي.

*د. عقيل الوائلي. موضوع بغاية الروعة وتساؤلات مشروعة.

* وليد حسين. بوركت وانت تمد اصبعا وتشير الى ظاهرة النفاق الثقافي.

* أ. د. مصطفى لطيف عارف. احسنت واجدت دكتورنا العزيز.. فعلا مثلما تفضلت.

* د. أمل المخزومي. بارك الله بك دكتور قاسم على هذه الروح التعاونية وأنت تتابع اصدقاءك وزملاءك.

* رائد كاظم. عرض صحيح لواقع حال حصل في الماضي ويحصل في الحاضر وسيحصل في المستقبل.. وليس للأدباء فقط بل شمل حتى الذين تقدموا وضحوا من أجل الشعب. ولكن الإنسان حيوان سياسي، والسياسة حيلة وتكيف مع الوضع.

* رياض عبد الكريم. كلام مثير للشفقة !واقصد بالشفقة لمن هم في مثل ظروف المرحوم الربيعي اولا، وثانيا لمن هم ينتظرون الموت لاسامح الله ولا من معين او مجيب.

التفاتة طيبة وعتاب واقعي عبر عنهما المقال.

* عبد الامير المجر. تحياتي دكتور. ويبقى السؤال، من يقرأ هذه الكلمات، ومن يصغي اليها جيدا.. من المعنيين ؟؟!!

* صباح هرمز

هذا المقال جدير بكل الادباء ان يطلعوا عليه لانه يعبر بصدق عن معاناتهم عندما تتقدم بهم السن.

تعليقات تنتقد

* يحيى الشرع. دكتور كنت اتمنى ان توجه سهام نقدك لوزارة الثقافة واتحاد الأدباء والرئاسات الثلاث لسبب بسيط.. أن غالبية الادباء او المثقفين او الكتاب، جميعهم يعيشون ظروفا معيشية صعبة وجلهم فقراء ومرضى وسكنهم ايجار. لايعرفون المطارات وقوانين دخولها ولايعرفون الفيزا باستثناء رؤساء الاتحادات والنقابات فهم يملكون ويكتنزون اموالا بحجم النفايات. وللعلم جميع النخب الثقافية يموتون جراء الاهمال المادي والصحي فلم لاتوجه نقدك الى سياسيي الصدفة؟.

* موفق العامري. سعد البزاز تبرع بمبلغ ١٠ مليون لمساعدته في العلاج، ولكن وبعد المسيرة الطويلة للمرحوم الم يفكر في توفير بعض المال لسنينه القادمة. يا دكتور انت عندما أصبت بالكورونا الم تنفق على علاجك ٣٠ ألف دولار!. المشكلة انهم ينفقون أموالهم خارج العراق وعندما يتمرض يعود إلى بلده ويتذكر ولده الذي فارقه منذ أمد بعيد.. هذا أجله وقد عاش حياة جميلة.

* يوسف العراقي. رحم الله الاديب الراحل، ولكن أعتقد انه لم يدخر لايام عوزه، رغم انه كان مستشارا ثقافيا في سفارتنا في تونس وبراتب مجزي أكيد. وأكيد عدم تواصلهم فيها جنبة سياسية، كما حدث مع نعيهم يوسف الصائغ وعبد الرزاق عبد الواحد وسامي مهدي وغيرهم من اعمدة الادب والشعر في العصر الحديث

* أحمد الخياط. لروحه السلام والخلود.. ترك أثرا كبيرا بالمشهد الثقافي العربي والعراقي والعالمي. اما عن الأدباء والكتاب العراقين فاغلبهم حدث عليهم بلا حرج، كما ذكرت قمة النفاق للطبقة السياسية والنظام السياسي بكل زمان. وفي زماننا ازداد أضعافا حتى للمسؤول الثقافي من أجل المصالح والمكاسب. كثر النقد الثقافي الخاص بالمجاملة والتكسب والتسقيط فيما بينهم وللغير. ومثال واحد ماحصل للدكتور حسين الكاصد عندما عين مديرا عاما في وزارة الثقافة.. الكل تنافقه لموقعه، وعندما علق على صفحته الشخصيه حول احمد راضي والراحل هشام الهاشمي انقلب عليه الاغلبية الغالبة نفاقا للنظام السياسي.

* عبد الوهاب الدايني. قد نعذر الادباء والفنانين لكن لاعذر لوزارة الثقافة ولا اتحاد الادباء او نقابة الفنانين. شكرا لهذه الالتفاته.

تعليقات تقترح

* طارق الجبوري. استاذ الى متى نكون عاطفيين. هذه الحالات والمشاهد تكررت، والشفقه مهينه. الموضوع بالمجمل بحاجه الى اقرار قانون رعايه العلماء والادباء والفنانين لا اكثر. وهكذا نكون قد حافظنا على كرامتهم واحترامهم.. شكرا لكم دكتور

* طه ياسين. لنبادر بتاسيس صندوق يكون عليه قيم محترم يخصص ريعه للذين هم اشد تضررا. اما المقالات والشعارات ابدا لا تنفع في امة عربية كلها حرامية.

د. عبد السلام العاني

لو تكررت الزيارات له ولامثاله مع مبلغ بسيط يجمع لكل اديب محتاج لكان انفع هل يوجه دعوه للباقين على شضف الحياة زيارات مع مساعدات قدر الامكان من سيتولى الدعوه لذلك

*

عذرا لأصحاب التعليقات المهمة الأخرى لأن مجال النشر لا يسمح بذلك.. راجيا منهم متابعتنا لنبلغهم بموعد الندوة للحضور والمساهمة في اعداد مشروع القانون.. وراجين من موقع المثقف تبني هذه المبادرة اعلاميا.

***

أ. د. قاسم حسين صالح

مؤسس ورئيس الجمعية النفسية العراقية

في تاريخ السادس من فبراير للعام 2023 جاء الزلزال القاتل في الجمهورية التركية ليكشف حالة قديمة موجودة منذ أيام الدولة العثمانية والتي تجزأت الى أكثر من 22 دولة ومنها الجمهورية التركية الحالية!؟ نقول ان هذا الزلزال المدمر لم يستشهد به أكثر من خمسين ألف انسان مع عشرات الألوف من الجرحى والمصابين فقط، وأيضا هذا الزلزال لم يمسح قرى وبلدات تاريخيا كانت موجودة وحية منذ ما قبل الميلاد بالألف السنين وكذلك هذا الزلزال يشق الأرض ويقلبها ويخلقا ودية جديدة ومسارات ضخمة مستحدثة.

نحن نقول ان هذا الزلزال المدمر قد حطم قشرة حقيقة ما كان موجود منذ ما قبل سقوط الدولة العثمانية وتقسيمها من الاستعباد الفرنسي والاستعباد البريطاني بالاتفاق والتوافق مع الإمبراطورية القيصرية الروسية الى أكثر من 22 دولة وهذا ما ذكرناه سابقا.

اننا نقول: ان هذا الزلزال قد كسر قشرة ما كان مخفيا وما كان يحدث منذ أكثر من مائة سنة من كراهية طورانية تركية عنصرية ضد مواطنين يعيشون في نقس الدولة العثمانية التي تضم ارض اناضوليا المليئة في التنوعات العرقية والدينية والطوائف المتنوعة كما هو الحال في مجمل هذا الشرق القديم.

"يُشار هنا إلى أنَّ الطورانية نفسها مزعومة إلى حدّ كبير، سواء في عناوينها أم في جذورها، فأبطالها السياسيون منذ نهاية القرن التاسع عشر، مروراً بالثُلاثي "طلعت" و"أنور" و"جمال باشا"، وانتهاء بـ "أتاتورك"، ليسوا أتراكاً، بل تعود أصولهم جميعاً إلى منابِت شتَّى، تؤكِّد أنَّ الطورانية من جذورها إلى أردوغان هي صناعة قوَّة إقليمية، فهم من أصولٍ يهوديةٍ أو كرديةٍ أو غجريةٍ أو مجريةٍ أو ألبانية.

أما الجذور التاريخية لمُجْمَلِ العنصر التركي (السلجوقي ثم العُثماني)، فهي لا تقلّ تزويراً عن تزوير التاريخ اليهودي، فالأتراك في أصولهم قبائل بدوية رَعوية لم تعرف تركيا أبداً قبل القرن الثاني عشر، ويشبهون اليهود في ظروف استيطانهم الكولونيالي بتوظيفٍ من قوَّةٍ خارجيةٍ استدعتهم لأغراضٍ عسكريةٍ. فإذا كانت الدولة العباسية قد استدعت الموجة التركية البدوية المُقاتِلة الأولى، وهي الموجة السلجوقية، لمواجهة البويهيين الشيعة، فإن ملك بيزنطة الأرثوذكسي استدعى الموجة العُثمانية (عُثمان بن أرطغرل من قبيلة القايي) لمواجهة فُرسان الصليب المُقدَّس الكاثوليك بعد السقوط الأول لبيزنطة (القسطنطينية) على يد هؤلاء الفُرسان، وتحريرها على يد المسلمين وإعادة الأرثوذكس."

ان العقلية التركية الطورانية العنصرية الكارهة للأرمن واليونانيين والعلويين والعرب والاكراد والتي حكمت وأدت بالدولة العثمانية الى الزوال والنهاية والتفكيك، ان هذه العقلية لا زالت موجودة ومستمرة في الوجود والتواجد والاستمرارية مع الحالة الاردوغانية للأسلام " الأمريكي" التابع لحلف الناتو وهو نفس الإسلام "الأمريكي" للأخوان المسلمين الذي كان أيضا ضد الحالة النهضوية العربية المضادة للاستعباد الغربي.

وهذه العقلية أساسا مضادة للحالة الإسلامية الجامعة للقوميات والأديان والتي قدمت حالة حضارية رائعة في التعايش منذ بداية حركة الإسلام المقدس الرسالة الجامعة والخاتمة لكل الرسالات السماوية حيث انتجت هذه الحالة الإسلامية تجميع وحالة من التعايش الرائع بين كل القوميات ضمن دول وامبراطوريات إسلامية لديها سلبياتها وعيوبها وايجابياتها وتفاصيلها الكثيرة ولكل بالخط العام هذه الحالة الإسلامية قد صنعت وخلقت نموذج جامع وشامل يحترم كل من يعيش على ارض الإسلام على العكس مما تريده وتسعى اليه الحالة الطورانية التركية العنصرية.

وهذه العقلية أساسا ملتبسة غربيا ومتشابكة أوروبيا حيث انطلقت ك "فكرة" وك "كيان" وأيضا ك "ممارسة" لتزيد الأمور تعقيدا في الواقع الاناضولي إذا صح التعبير حيث التداخل والتشابك والتفاعل مع خليط هجرات متتالية ومتتابعة وتاريخ امبراطوريات قامت وزالت منذ ما قبل ميلاد سيدنا المسيح عليه السلام الى يومنا هذا، يقول الباحث حسين داي في بحثه المعنون تناقض نظريات الأمة والمحتوى الحقيقي للمفهوم التركي التالي:

" أن المفكرين الغربيين لم يتمكنوا من توضيح مفهوم الأمة في حضارتهم العلمانية منذ القرن السابع عشر لأنه لا يتناسب مع هيكل أي بلد تقريبًا. يُرى أن مفهوم الأمة قد تم جره إلى نفس الفوضى في العالم الإسلامي التي انتقلت إلى الحضارة الغربية. هذا الحال خاصةً بالنسبة لتركيا أصبحت أكثر تعقيدا. سبب هذه الحالة الخاصة هو أن الأتراك لديهم مجموعة واسعة من التغييرات والإضافات في مجال الوجود التاريخي، سواء من حيث المساحة (الوطن)، والجوار الاجتماعي ونمط الحياة (من الرحل إلى المقيم، من تربية الحيوانات إلى الزراعة والتجارة) وأيضاً من ناحية الإيمان، هناك العديد من التغييرات والإضافات التي لا يمكن مقارنتها بالمجتمعات الأخرى. ما حدث هو الهجرة التي تؤثر على جميع الجوانب المادية والروحية للحياة الاجتماعية. ويمكن القول أنه، على عكس حقيقة إنشاء دول أخرى، تشكلت الأمة التركية في الحال التنقّل لذلك، لم يتم توضيح مفهوم التركية، الذي تم إعداده وفقًا لمعايير الحداثة الغربية. كل من أنظمة الفكر الإيديولوجية "القومية"، التي لا تزال تعرف باسم "التركية-الطورانية، أتاتوركي-الكمالية، الأناضولي"، لديها فهم تركي مختلف."

"المفهوم "التركية" الأكثر انتشارًا في تركيا، عرفها المفكرون الذين هم في الإطار التركية. هذا الفهم، بغض النظر عما إذا كان مذكورًا أم لا فهو الطورانية. ولأنها قدمت في مؤسسات التعليمية أولئك الذين ليسوا في الخط "القومية" تعلموا مفهوم التركية في هذا الإطار. تحت عنوان "من الحضارة الإسلامية والقومية إلى الحضارة الغربية والقومية"، يستند هذا الرأي بشكل رئيسي على مفاهيم "الأمة والتركية" المنتجة في الحداثة الغربية، تم عرضه مباشرة من قبل المنظرين الأتراك الأوائل. في اكتساب هذا المفهوم صفة رسمية في تركيا ووصولها الى أيدولوجية ترتبط فيها بعض الدوائر بكل حماس"

والأخطر في اتباع الطورانية ومنظريهم ما يقوله أحدهم والذي نراه يتحرك على خط التطبيق تاريخيا مع الأرمن والعرب واليونانيين والعلويين الى يومنا هذا؟!، يقول نجدت سانجار أن العرق لا غنى عنه في التعريف التركي!؟ ويقول اتباع الطورانية العنصرية أيضا:

"الأمة التركية لا تتشكل بخلط الأجناس المختلفة. كما هو الحال في بعض الدول اليوم، الأمة التركية هي من سلالة واحدة. وهذا النسب هو النسب التركي... القومية التركية فكرة عظيمة واضحة الأفكار والحدود كمثل وطني للنسب التركي العظيم. الطورانية والقومية التركية هما مبدأين أساسيان لهذه الفكرة العظيمة."

كما دافع رهاء أغوز توركان عن التفوق العرقي واستخدم شعار "العرق التركي فوق كل عرق"، وهناك من الاقوال المتداولة بين الطورانيين العنصريين الاتراك ان أي شخص يستطيع ان يعيش في تركيا ما دام يفكر ويتحدث ويتصرف ك "تركي!"؟ ومن هذا كله نفهم العقلية العنصرية الطورانية التي الغت الاذان باللغة العربية وغيرها من "التتريك العنصري الممارس"، لذلك أيضا يتم السماح بأي كردي او عربي او ارمني او علوي بممارسة السياسة فقط عندما يكون متعصبا قوميا لهذه العقلية الطورانية العنصرية، ك "ملكيين أكثر من الملك" وغير ذلك لا يتم قبولهم ضمن المنظومة الحاكمة او السماح لهم في لعب لعبة السياسة إذا صح التعبير، ولذلك علينا ان نلاحظ ان هناك قوزاق وألبان وارمن واكراد قوميين عنصريين طورانيين أكثر من الاتراك الحقيقيين أنفسهم؟!. وهناك من يقول ان كمال أناورك نفسه ليس تركيا اصيلا ك "عرق" وانتماء، بل هو الباني القومية، وهذا ما يدخل المنظرين للطورانية العنصرية التركية بمأزق لذلك يتجاهلون هذه الحقيقة.

اذن خدم الاستعباد الغربي لا زالوا في الصورة وتحت الضوء وفي خط الممارسة والتطبيق على ارض الواقع ك " عقلية" وك "ذهنية" وك "قناعة" وك "ممارسة على ارض الواقع.

ان الحالة الإسلامية الأميركية للطورانية التركية العنصرية الاردوغانية إذا صح التعبير، ليست فقط تتحالف مع الصهاينة عسكريا وامنيا وتجاريا وتنسق مع الصهاينة امنيا ومخابراتيا وهي أساسا لسواد وجهها هم اول من اعترف بهذا الكيان العنصري السرطاني الذي أقامه كل ما هو شر في العالم على ارض دولة فلسطين العربية المحتلة.

يقول الكاتب زاكروس عثمان معلومات قيمة وتحليل مهم حول حقيقة المنظومة الحاكمة في تركيا التالي:

"أمام عجز الثقافة العربية فان العقل الجمعي العربي يظل يدور في حلقة التوكل على الغيب، والهرولة وراء الآخرين، بانتظار أيوبيا!! آخر ينقذهم من شمولية التردي والانهيار، وهذا يفسر سرعة استجابة الإنسان العربي، للظواهر السمعية المثيرة للغرائز القومية والدينية الأكثر بدائية، ولهذا فان التبعية تبقى صفة أصيلة ملازمة للعقلية العربية، حيث نجد عربا لأمريكا وعربا لروسيا، وعربا لإيران، واليوم صار هناك عربا لتركيا أيضا، حيث تحولت ظاهرة الإعجاب بتركيا في العالم العربي، من هيام العوام بالدراما التركية، إلى موقف سياسي تتبناه الأوساط العربية الثقافية والإعلامية، فإذا بهم يتعلقون بتركيا كقشة عابرة تنقذهم من الطوفان العولمي، وهم يتهافتون على تجربتها، لاعتقادهم بان تركيا صادقة في رفع شعارات الإسلام، أو جادة في خدمة المصالح العربية، فالشخصية العربية المأخوذة بالفروسية الجوفاء والزخرفة البلاغية، لا تمتلك القدرة على ابتكار نموذجها الذاتي الحداثوي، لتواجه به تحديات الواقع، كما تفعل الأمم الحية، التي تؤسس تجارب ثرية تمكنها من التفاعل الديناميكي مع مفرزات العولمة، ومن احتواء تسوناميات المتغيرات المتلاحقة في عالم اليوم، لذلك تربط المصير العربي بأجندة القوى الخارجية، علها تنال بعض الفتات من هذه المائدة أو تلك .

فما هي المعايير التي يعتمدها خبراء الرأي العرب، في تقـييمهم لنظام الجمهورية التركية تحت حكم حزب العدالة والتنمية، في هذا المضمار لا نجد أكثر من انطباعات واستنتاجات سطحية ضحلة بعيدة عن المنهجية، تشوبها انفعالات عاطفية متسرعة، قائمة على تحليل التجربة التركية من زاوية أحادية النظرة، ليجدوا في تركيا النموذج الأمثل الذي يجب الاقتداء به، فيطلقون توصيفات عجيبة عليها وعلى تجربة حزب العدالة في الحكم، ضاربين بعرض الحائط شعاراتهم عن الحريات العامة والديمقراطية وحقوق القوميات والثانيات والأقليات العرقية والدينية، ومناهضة الأنظمة الاستبدادية والشمولية، بذلك هم يسيئون إلى مكانتهم الفكرية والسياسية والأدبية كشخصيات عامة، لها حضورها في الأوساط الإقليمية والعالمية، إذ كثيرا ما يتلقى المتنورون من أبناء شعوب المنطقة، هذه الآراء المسطحة بكثير من الاستغراب والاستهجان، فما الذي أطاح بأبراج وعي بعضا من هؤلاء، وبعثر ازياج بصيرتهم ليشطح سمت تلسكوب خيالهم بعيدا عن الواقع بضعة سنوات ضوئية، إلى كوكب خارج مجرة الإدراك، ليكتشفوا عليه- وتؤبيا- تركية، غير التي نحفظ تضاريس سياساتها عن ظهر قلب.

ما بهم-قبل العد إلى الـ 10-يتسابقون إلى إبداء إعجابهم بتركيا وحزب العدالة لحد التماهي، هل هو خلل معرفي أم فقر بالمعلومات، أم تحول فكري أصاب قناعاتهم، أم هو تأثر أعمى بالـ propaganda الغربية، فالغرب بعدما فقد الأمل بنشر الفكر الليبرالي-العلماني في مجتمعات أدمنت الأنظمة الدكتاتورية والفكر السلفي -الأصولي، أراد تسويق النموذج التركي على أساس انه اقل تشددا من الأنظمة الأخرى، وعلى أساس أن إيديولوجية حزب العدالة أكثر اعتدالا من الإيديولوجيات الأخرى السائدة في الشرق الأوسط.

وإذا كنا نؤمن بثقافة الاختلاف ونحترم حق هؤلاء في إبداء الرأي، فإننا أيضا نحترم حق القارئ في الحصول على المعلومة كاملة، لذلك تقديرا لثقافة القارئ، رأينا أن نبين الحقائق التي لم يعرج هؤلاء عليها في غمرة هيامهم بتركيا، لنعمل بشيء من التجرد على إملاء الفراغات بين سطورهم، وإتمام جملهم الناقصة، والإشارة إلى النصف الآخر لوجه تركيا الذي غفلوا عنه سهوا أو عمدا، فالثقافة البديلة التي نشاركهم في البحث عنها، لن تكون أفضل من الثقافة السائدة، ما لم يكن أساسها قائما على الشفافية.

يدعون: بأن حزب العدالة قدم نموذجا لإسلام حداثوية معتدل، وفي موضع آخر يستشهدون بمقولة الرجل الثاني في الـحزب عبد الله غول ( نحن لسنا إسلاميين وحركتنا ليست دينية نحن حزب أوروبي محافظ وحديث) فأين هو الربط المنطقي بين أفكارهم في هذه الادعاءات، فحين يستحسنون الإسلام المعتدل بديلا عن الإسلام المتشدد يصنفون حزب العدالة كحزب ديني معتدل، وحين يفضلون العلمانية على الايديولوجيا الدينية، فإنهم يرفعون الصبغة الإسلامية عن حزب العدالة، وهذا فقاعة ديماغوجية انتقائية مقيتة تشوش رأي المتلقي، في محاولة للتسويق لهذا الحزب بأي شكل كان، فلم يستقروا على رأي حوله، إن كان حزب مشرقي إسلامي، أم حزب أوروبي حديث، هذا لأنهم لا يملكون الإجابة، أو لأنهم لا يريدون التصريح بحقيقة هذا الحزب، فمن المعروف أن نظام الجمهورية التركية قائم من أساسه على الايديولوجيا الطورانية - الاتاتوركية، التي لا تسمح بقيام أي تنظيم سياسي، ما لم تتضمن وثائقه وأديباته التزاما بأطروحات هذه الإيديولوجية، وفي هذا المجال فان تركيا بهويتها الأسيوية الشرقية الإسلامية، أو بهويتها الأوروبية، حطمت الرقم القياسي بين الدول في حظر وإلغاء الأحزاب، تحت مختلف الذرائع، ولكن الدافع الحقيقي وراء المنع، كان رفض تلك الأحزاب اعتناق الايديولوجيا الطورانية، وما كان مجلس الأمن القومي صاحب القرار الأول في تركيا يسمح لحزب العدالة بالاستمرار كحركة سياسية، ولا باستلام السلطة، ما لم يقدم ضمانات أكيدة على التزامه بالاتاتوركية، بغض النظر عن فبركة سيناريوهات حول محاولات حظره، فالغاية من هذه التمثيليات المبتذلة هي حظر الأحزاب التي تمثل شعب كردستان الشمالية الخاضعة للسيطرة التركية، حتى توهم شريكها الأوروبي، بأن حظرها للأحزاب لا يقتصر على الأحزاب الكردية بل الأحزاب التركية أيضا، وانه ليس في الأمر دوافع سياسية، بل نتيجة حكم القضاء، على أساس استقلالية السلطة القضائية في تركيا، بدليل تقديم الحزب الحاكم للقضاء، ولكن عمليا كان تدبير سيناريو محاكمة حزب العدالة يهدف إلى تمرير محاكمة حزب المجتمع الديمقراطي حيث تم قبيل أشهر حظره، رغم انه تبنى الأسلوب السلمي - الديمقراطي - البرلماني طريقا لحل مسالة كردستان الشمالية، في الوقت الذي تم فيه تبرأت حزب العدالة، وهذا يدل على أن القضاء التركي ليس مستقلا ولا نزيها ولا مهنيا، وان أحكامه بحق الأحزاب الكردية تصدر على خلفية سياسية إذا كانت مصالح الغرب تفرض عليه القبول بهذه الخدع التركية المكشوفة، فإنها لا تنطلي على أصحاب الآراء الحرة، التي ترفض حجب حقيقة حزب العدالة على أنهم ليسوا بإسلاميين ولا مسلمون ولا محافظين أوروبيين حداثويين، بل حزب طوراني، انتهازي، شوفيني، يتفوق على الأحزاب الطورانية الأخرى، بنجاحه في تحديد نوعية الأفيون الذي يستسيغه الشعب التركي ليخدره به، ويحصد الأصوات في الانتخابات .

وعلى ما يبدوا فان عدوى إعجابهم بحزب العدالة دفعهم إلى الإعجاب بنظام الدولة التركية ككل، ليجدوها دولة علمانية (تضم تحت مظلتها الأديان والاتجاهات السياسية كافة ولا تلغي أحدا منها، فالوطن للجميع في تركيا المعاصرة والدين فيها لله) عجيب عن أي تركيا وأي علمانية يتحدثون، بالنسبة للأديان، فان غالبية الدول تقر بحرية الأديان والعبادة، وقلما تتدخل الحكومات حتى القمعية منها في المعتقد الديني لدى مواطنيها، وليس هناك ما يميز تركيا عن غيرها من الدول في هذا المجال، مع العلم أن سجلها في معاملة الأقليات الدينية ليس مشرفا، فما زال العلويون والسيزيليون والمسيحيون، يلاقون العقبات أمام ممارسة حقوقهم الدينية والاجتماعية، وإذا كان الدستور التركي لا يشير صراحة إلى دين الدولة، فإنها تنحاز خفية إلى مذهب الأكثرية السنية، وعلى أية حال فان القضايا الجوهرية التي تواجه تركيا هي ليست المسألة الدينية، حتى نقول أنها حققت انجازا في حل هذه المشكلة، أما بخصوص الادعاء بان العلمانية التركية من الاتساع ما يكفي لتستوعب كافة الاتجاهات السياسية، فهذا تجني صارخ على الحقيقة، كما ذكرنا، أن تركيا لا تتقبل التيارات الإيديولوجية والسياسية، من ماركسية أو قومية غير القومية التركية أو دينية أو ليبرالية، ما لم تتبنى أحزابها النظرية الطورانية، والتاريخ التركي المعاصر حافل بالإلغاءات، وليس كما يدعون بان الوطن في تركيا للجميع، فالدستور في تركيا المتعددة الأعراق والأجناس والأديان، ينص على أن تركيا للعنصر التركي وحده، ويقول قادة تركيا المعاصرة !! من أتاتورك إلى أردوغان أن من يسكن أراضي الجمهورية التركية عليه القبول بالهوية العرقية التركية لغة وثقافة وانتماء، ومن يرفض فعليه الرحيل، لن تكون تركيا وطنا للجميع إلا إذا كان هذا الجميع من العرق التركي، أو يتقبل سياسة التتريك السارية المفعول منذ الحقبة العثمانية."

"العلمانية التركية المزعومة، فهي إيديولوجية عنصرية تم استزراعها عنوة بقرار سلطوي فردي في بيئة حضارية متخلفة، ومخالفة لمنشئها الأوروبي، ثقافة وفكرا ودينا، فلم تكن وليدة الرغبة في دولة مدنية - ديمقراطية، ولم تكن من بنات أفكار الفلاسفة، بل اتخذها الجنرال أتاتورك، ذريعة للتملص من استحقاقات معاهدة سيڤر1920، بخصوص منح شعوب السلطنة حق تقرير المصير، تماشيا مع مبادئ ولسون الأربعة عشر، فالرجل بنزعته السوفيتية العنصرية كان من غلاة القوميين الأتراك الطورانيين، ممن يمجدون العرق التركي ويضعونه فوق بقية الأعراق، وما كان مثل هؤلاء ليقبلوا بمنح حق تقرير المصير إلى المستعمرات التي بقيت تحت الاحتلال العثماني، لان الإيديولوجية الطورانية كوجه آخر للصهيونية قائمة على التوسع والعدوان، ولهذا سارع أتاتورك إلى دفن نظام السلطنة الإسلامية، بإعلانه أن جمهوريته الجديدة لا تتحمل أية التزامات كانت مفروضة على السلطنة البائدة، فلم يجد وسيلة أفضل من العلمانية ليقطع الصلة مع الميراث العثماني، والتقرب من أوروبا حتى تعفيه من تركات الرجل المريض، وتسمح له صبغ الجمهورية التركية بالصبغة العرقية التركية، فبادر إلى إنكار وجود القوميات الأخرى في الدولة، خاصة القومية الكردية، فأغلق المدارس الكردية ومنع اللغة الكردية، واعتقل البرلمانيين الأكراد، وباشر عمليات الجين وسايد ضد أبناء الشعب الكردي، ليفرض سياسة التتريك على أهالي البلاد الأصليين من أكراد وأرمن وعرب ولاز ويونان وبلغار ناكرا عليهم حقهم في الوجود، هذه هي علمانية أتاتورك وحداثوية اردوغان، دولة عرقية، قومية، عنصرية، عدوانية، عسكريتارية، تلغي صفة الإنسانية عن أي كائن بشري ما لم يكن من العنصر التركي، علمانية ليست لفصل الدين عن الدولة، وليست لحراسة دولة المواطنة، بل لحراسة الدولة العرقية، فهل حاد حزب العدالة عن هذه السياسة قيد أنملة ."

"إن الموضوعية تقتضي كثيرا من التحفظ أثناء الحديث عن نجاح التجربة التركية، وإذا كان البعض يدعي أن حزب العدالة حكومة ديمقراطيين مسلمين بعيدة عن نوستالجيا وأحلام الشوفينية، فليقدموا لنا المعايير الصحيحة التي يقيسون بها علمانية وديمقراطية نظام الجمهورية التركية، هل هي نموذج الدولة العرقية العنصرية التي تمارس التمييز بين مواطنيها على الهوية القومية، هل هي دولة العرق الأوحد، أم هي دولة المواطنة والعدل والمساواة واحترام التنوع القومي والديني والثقافي."

"هذه هي تركيا التي نعرفها النموذج المشبع بالأطماع التوسعية والنزعة العسكريتارية والايدولوجيا السوفيتية، النموذج المعاصر للدولة العنصرية الاستعمارية، التي تحتل الأراضي الكردية نصف جزيرة قبرص، ولواء الاسكندرون، وتتحين الفرص للانقضاض على ولاية الموصل، وتعتمد على تحالفاتها الاستراتيجية مع الناتو وإسرائيل، لتمارس الغطرسة على دول وشعوب المنطقة، فإذا كانت بعض دولها قد وقعت في مطب الراديكالية الإسلامية، فان تركيا غارقة في مطب الراديكالية القومية، كجسم طفيلي، يعيش على صراع المتناقضات بين الشرق والغرب"

ان هذه الحالة عدوة للأسلام المحمدي الأصيل وهي أيضا عدوة لمواطنيها العرب والأرمن والاكراد والعلويون الذين يعيشون على ارض الاناضول في ظل حكم الجمهورية التركية.

تقول مصادري الخاصة من داخل تركيا وأيضا من خلال شبكة علاقاتي مع الاتراك المقيمين في أوروبا ان هناك تقسيم ديني في التعامل مع الهيئات الاغاثية العاملة في قرى العلويون والاكراد الذين تم تدمير قراهم وبلدانهم وكان هناك تأخير متعمد بما يختص بالمساعدات، وأيضا كان هناك تأخير متعمد وأوامر بالجيش للتأخر بمساعدة الضحايا والمحتاجين في المناطق العلوية والكردية من الجمهورية التركية.

"أصبحت AFAD وهي المنظمة التركية لطوارئ الكوارث وهي المنظمة المختصة بالتحضير لمنع والتحضير للكوارث وتقليل الاضرار في حال حدوثها وهي أيضا المسئولية عن تقليل الاضرار الناجمة لما بعد حدوث الكوارث وترتيب الاستجابات المطلوبة من الدولة ومؤسساتها بجميع المؤسسات الحكومية المعنية، ان هذه المنظمة المهمة اصبحت مزرعة أقارب الأشخاص المنتمين لحزب العدالة والتنمية الاردوغاني ومن غير حملة الاختصاص المطلوب بل ان هناك اعداد كبيرة من أئمة المساجد فيها؟!

"بعد الزلازل التي ضربت كهرمان مرعش، لم تساعد جهود البحث والإنقاذ في المنطقة.

واتضح أن أقارب المقربين من الحكومة كانوا مديري إدارة الكوارث والطوارئ التي تعرضت لانتقادات بسبب وصولها إلى حطام الطائرة متأخرًا وعدم التنسيق أثناء كارثة

كما تم الكشف عن أن الأشخاص الذين ليس لديهم تدريب وخبرة، والبحث والإنقاذ في إدارة الكوارث والطوارئ، عملوا كمدير إقليمي. يوجد العديد من الأئمة بين مديري المحافظات في إدارة الكوارث والطوارئ."

"ان هؤلاء متخصصين في الدين وأساسا هم ضمن تعليم ديني متوسط وليسوا أصحاب اختصاص في الإغاثة او الجيولوجيا او إدارة الكوارث وهذه كلها تخصصات علمية اكاديمية تطبيقية، وهذه أحد اهم المشاكل التي تعيشها المنظومة الحاكمة الطورانية الاردوغانية والتي تتحرك لضمان الولاء على حساب أصحاب الاختصاص والتكنوقراط أصحاب الشهادات وهذا ما تم كشفه وأدى الى مضاعفة الكارثة للزلال أكثر وأكثر على الناس الأبرياء"

وهذه الكراهية والرغبة في تصفية العلويون والاكراد ليست وليدة لحظة زمنية تاريخية قديمة أدت الى انهيار الدولة العثمانية بل هي استمرت مع الجمهورية التركية الحالية وهذا ما حدث بواسطة الجيش والأجهزة الأمنية في العام 1978 في مذبحة مرش الشهيرة، حيث تم تنسيق حالة من القتل الجماعي على الهوية الدينية ضد العلويون وهذا الحالة القديمة المتواصلة ظهرت مع تأخر المساعدات بعد الزلزال.

يقول الباحث خالد بشير:

" شكّل عقد الثمانينيات بداية ظهور تململ واضح من جانب العلويين مما يجري حولهم وضدهم. وكان ما سُمّي بالبيان العلوي الذي أصدره مثقفون علمانيون في آذار (مارس) عام 1989، من كل الطوائف والمذاهب والأعراق، حدثاً مهماً ومرحلة بارزة في مسيرة علويي تركيا؛ إذ طرح هذا البيان ولأول مرة المسألة العلوية في تركيا. "

"ومنذ صدور البيان العلوي، قام العلويون بمحاولات عديدة لإثارة أوضاعهم إلى العلن، وشجّع على تكثيف تحركهم الأحداث الدموية التي وقعت بحقهم في "سيواس" عام 1993، وفي ضاحية "غازي عثمان باشا" بإسطنبول عام 1995؛ حيث وقعت مجزرة سيواس عام 1993، التي قتل فيها 73 شخصاً جميعهم من الشعراء والكتاب والفنانين العلويين، في حادثة احتراق فندق مفتعلة، كانت تعقد فيه فعالية ثقافية."

"ومنذ وصول حزب "العدالة والتنمية" إلى الحكم عام 2002، شرع بتنفيذ سياسات تهدف إلى استيعاب العلويين ودمجهم في سائر النسيج التركي، وهو ما قوبل بالمعارضة من الطائفة؛ حيث اعتبرت هذه السياسات مهددة لوجودها.

وتتمثل هذه السياسات في بناء المساجد السنية في المدن والقرى العلوية، وتدريس أبنائهم الدين على الطريقة السنية. أما بيوت الجمع التي يمارس فيها العلويون الطقوس وشعائرهم الدينية، فتسميها الحكومة مراكز ثقافية علوية ولا تعترف بها كدور عبادة. كما تخصص الحكومة ميزانية رسمية لفائدة المساجد تتراوح ما بين 5 و6 مليارات دولار، من دون وصول أي شيء منها للعلويين."

ان الحالة العنصرية الطورانية اذن هي حالة مستمرة تستخدم الإسلام "الأمريكي" لصناعة حالة استحمار في المحيط الحيوي العربي التي تستعى المنظومة الحاكمة داخل تركيا الى ابتلاعه والسيطرة عليه باستخدام أدوات من تنظيم الاخوان المسلمين الدولي والذي هو أيضا مرتبط مع حلف الناتو التي تركيا أيضا جزء منه وتتحرك معه امنيا واستخباراتيا وعسكريا.

وهذه المنظومة الحاكمة ونهجها القاتل ضد العرب والأرمن والاكراد والعلويين لم يتغير نهجها من أيام الدولة العثمانية الى اليوم، والزلزال كشف ما هو كان قائم عندما تم تكسير بيضة الخديعة عن كل هذا الاستحمار التي تمارسه هذه المنظومة الحاكمة ضد مواطنيها قبل ان تتحرك ضد المحيط العربي بالتعطيش من خلال مشروع سدود جنوب غرب الاناضول او مع احتلال شمال الجمهورية العربية السورية ودعم تنظيمات الاجرام والتكفير الوظيفية الخادمة للمنظومة الحاكمة الطورانية العنصرية، والتي أيضا تستخدم هناك ما استخدمته ضد العلويون والاكراد والأرمن واليونانيين من "تتريك" متواصل في اللغة والتعامل والاضطهاد الديني.

ان التعدد القومي والاختلاف الديني من المفترض ان تكون حالة إيجابية لصناعة ثراء معرفي وتنوع انساني ينطلق من القواسم المشتركة لصناعة خط يخدم الجميع إنسانيا وأيضا خروج الأسئلة الثقافية ذات الهدف والبعيدة عن الجدليات الفارغة والخادمة لخط صناعة الابداع المادي والمعنوي وخدمة الجانب الروحي للأنسان والمجتمع والدولة هي من النواحي الإيجابية المطلوبة اما العنصرية والإلغاء هي تتحرك في الجانب السلبي، لذلك نحن نقول بأن وجود خصوصيات قومية او دينية او طائفية ما دام تتحرك في الخط الثقافي وضمن المساحات المشتركة ضمن الية حوارية تنطلق من المساحات المشتركة بعيدا عن نقاط الاختلاف هي امر إيجابي يقدم غنى لكل الواقع ويمثل خط للخير اذا صح التعبير بعيدا عن عنصرية القتل والإلغاء، يقول المرحوم محمد حسين فضل الله في كتاب خطاب الإسلاميين والمستقبل بهذا المجال الاتي:

"عندما نريد أن ندرس أساس الفكر القومي، فإنّنا نراه يتصادم في عمقه مع أساس الفكر الإسلامي، لأنّ الفكر الإسلامي ينطلق من قاعدة الوحي الذي أنزله الله على رسوله، باعتبار أنّه يمثل الحقيقة فيما يتحدّث به عن الكون في بدايته ونهايته وطبيعته، وفيما يتحدّث به عن الإنسان وعن حركته وأهدافه وأوضاعه، ككائن حيّ مسؤول في الكون أمام الله.

وهكذا في نظرته الامتداديّة التي لا تتمحور حول منطقة أو جماعة معيّنة، أما الفكر القوميّ، فإنه ينطلق من الاستغراق في مجموعة معيّنة من الناس، بعيداً من أيّ معطيات غيبيّة أو دينيّة؛ إنه ينطلق من فكرة أنّ هناك قوماً من الناس في أرض محدّدة في عناصر معيّنة، لا بدّ أن يلتقوا ويجتمعوا ويفكروا لأنفسهم من موقع الخصوصيّة الذاتية والموضوعية التي ترفع مستواهم، بقطع النظر عن أيّ حالة أخرى وأيّ جماعة أخرى.

فالفكر القومي يستغرق في داخل هذه الخصوصيات التي تمثّل محوره، بحيث تكون نظرته إلى العالم منفتحة على ما يرتبط بهذه الخصوصية، ولا يتحرك في العالم من خلال المواقع الإنسانية في ذاتياتها أو في آفاقها الواسعة. من خلال ذلك، نستطيع أن نؤكد أن الفكر القومي علماني بطبعه، بينما الفكر الإسلامي هو ديني في قاعدته."

"ومن هنا، يختلف الفكر القومي عن الفكر الإسلامي من حيث طبيعة القاعدة والنظرة إلى الأمور، ومن حيث معنى الشموليّة هنا في الفكر الإسلاميّ، والمحدودية هناك في الفكر القومي. إنّ الحديث عن التناقض قد لا يكون دقيقاً بهذه المسألة. إننا نتحدث عن الاختلاف، أما التناقض، فينطلق من مضمون أن فكراً ما يمثّل الإيجاب، بينما يمثل ذلك السلب.

إنّ القوميّة قد تلتقي بالفكر الإسلامي في بعض مواقعه وحركته وقضاياه وأهدافه المرحليّة ووسائله. لذلك، لا نعتقد أنّ هناك حتميّة للتّصادم بينهما، ولكن، من حيث طبيعة حركيّة الفكر الإسلامي وحركيّة الفكر القومي، من الممكن أن يكون هناك تصادم بينهما، عندما يريد الفكر القوميّ أن يؤكّد ذاته في الموقع نفسه الذي يريد الفكر الإسلاميّ أن يؤكّد ذاته.

مثلاً، عندما نريد أن نقيم المنطقة العربيّة على الفكر القومي، فلا بد أن ننطلق في دراسة قضاياها من ذاتية القومية في خصائصها ومصالحها، وبعيداً من مصالح أيّ فئة أخرى، وبعيداً من أيّ التزام ثابت بأيّ شريعة معينة، بينما يكون الالتزام بالفكر الإسلامي خاضعاً للنظرة الشمولية للإنسان كلّه وللعالم كلّه وللحياة كلّها، بحيث تكون خصوصية هذا الموقع هنا مقارنة بخصوصية المواقع الأخرى، فتكون دراسة المسألة على أساس النتائج التي تخرج من خلال أولوية الخصوصيات هنا والخصوصيات هناك في الساحة العامّة، إنه تماماً كما هو الأفق العالمي والأفق لمحلي في نظرته للأشياء."

"أما ما هي نظرتنا إلى القومية العربية؟

القوميّة العربية عندما نخرجها من الخصوصية الإيديولوجية التي يفرضها الفكر القومي، فهي حالة إنسانية تمثّل أمّة من الناس، يُطلق عليهم اسم العرب، يلتقون في اللغة والأرض وبعض الخصائص الاجتماعية والتاريخية التي تجعل منهم مجموعة من البشر ذات خصائص مشتركة، مع وجود تمايز في تفاصيل هذه الخصائص بين موقع في الأمّة وموقع آخر، وبذلك ستكون القوميّة العربيّة هي خصوصيّة إنسانيّة تلتقي مع خصوصيات إنسانية أخرى، كالقومية الفارسية والتركية أو أيّ قومية أخرى، وهي لا تتنافى مع الإسلام، بل تمثل أحد الأطر الذي يتحرك فيها لتنفتح على نظامه ونهجه وتفكيره.

كما أنّ للقومية العربية خصوصية تختلف عن القوميات الأخرى، باعتبار أنّ الإسلام ولد في أرضها، وتحرّك كتابه المقدّس بلغتها، وانطلق المجاهدون من الصحابة الأول من موقع خصوصياتهم العربية التي انفتحت على الواقع الإسلامي، وبذلك استطاع العرب في خصوصياتهم الفكرية والعملية أن يعطوا الإسلام الكثير، كما أعطاهم الإسلام الكثير.

ولذلك، فإن شخصانية القومية العربية تتكامل مع شخصانية الإسلام، إذا صحّ التعبير، باعتبار أنّ العرب هم الطليعة الأولى للمسلمين، وهم القاعدة الأولى التي انطلق الإسلام من خلالها إلى العالم.

ونتصوّر أن الإسلام استطاع أن يوسّع أفق العروبة، باعتبار أنه استطاع أن يعرّب مساحات كبيرة من الناس ومن العالم، عندما انفتحت على الإسلام، فانفتحت على لغته وعلى تاريخه وعلى رموزه وشخصيّاته وما إلى ذلك، بحيث أصبح الإنسان المسلم في كلّ بلد في العالم، يرى في التاريخ العربي تاريخه، ويرى في الشخصيات العربية شخصيّته بشكل أو بآخر، مما لا تملكه أيّ قومية أخرى، إلا بمقدار ما أعطت الإسلام من علمها وثقافتها وخصوصياتها في مرحلة ثانية أو ثالثة أو رابعة من التاريخ الإسلامي.

أمّا عندما نتحدث عن القومية العربية كإيديولوجيا، تنطلق من خلال الخطوط الغربيّة في التفكير القومي، وتتحرّك بحرية في احتضان أيّ مضمون فكري جديد، فإنّ الإسلام يختلف معها من خلال ما تختزنه وتنفتح عليه وتتحرَّك معه من فكرٍ يختلف عن الفكر الإسلامي، عند ذلك، لن يختلف الإسلام مع القوميّة العربيّة، ولكنه يختلف مع الفكر القومي الذي ينفتح على فكر غربي أو غير غربي يختلف مع فكر الإسلام."

"لقد ذكرنا أنّ هناك أكثر من رابط، باعتبار أنّ لغة العرب هي لغة الإسلام في كتابه المقدَّس وفي سنّته الشريفة، وكذلك تاريخ العرب هو تاريخ الإسلام، كما أنّ تاريخ الإسلام هو تاريخ العرب، وهكذا نجد أنّ حركيّة العرب في فترة طويلة من التّاريخ وحتى يومنا هذا، ترتبط سلباً أو إيجاباً بحركة الإسلام، باعتبار أنّ أغلب العرب مسلمون.

ولذلك، فإننا لا نستطيع أن نفصل بين العروبة والإسلام في ماضيهما وحاضرهما ومستقبلهما كخطين يلتقيان في أكثر من موقع."

من هذا كله نقول: ان من الواضح ان مشروع الاستعباد الفرنسي البريطاني بالاتفاق مع القيصرية الروسية الموثق في الاتفاق الشهير سايس بيكو وما تخلل عنه من 22 دولة مستحدثة كنتيجة للحرب العالمية الاولي وهذه المشاريع لتلك الدول التي تم اقامتها منتوج لهذه الاتفاقية قد فشلت او انها بالطريق للفشل.

ان الجمهورية التركية الحالية تواجه مشاكل في الهوية والانتماء وطريقة التعامل مع الشعوب والأديان والطوائف التي تعيش على ارض الاناضول منذ ما قبل الميلاد لليوم، وما تم صناعته او وجوده او تطوره من طورانية عنصرية لم تصنع لمواطنيها الا القتل والالغاء المتواصل، وان دولة تقتل مواطنيها او تضطهدهم او تفرض عليهم التصفية والتغيير الديني والقومي ليست دولة نموذج بطبيعة الحال لأي بشر طبيعي.

ان هذا المشكل للفشل يتواصل لباقي "دول" سايس بيكو إذا صح التعبير حيث نشاهد القطر العربي اللبناني مع صيغة الاستعباد الفرنسي الصانعة لهذه المنطقة العربية الجميلة المنكوبة حاليا، ان الصيغة الفرنسية المعدلة أمريكيا مع اتفاق الطائف قد صنعت المأساة والفشل المتواصل.

ان الأجانب الغرباء من فرنسيين وامريكان لا يعرفون هذه المنطقة اللبنانية العربية الاصيلة الا من منظار مصالح الاستعباد الفرنسي والاستعباد الامريكي وهو ما خلق اليوم في القطر العربي اللبناني واقع أسوأ من جهنم يتحكم فيه بالمشهد الداخلي سياسيا واقتصاديا ومعيشيا هناك منظومة من قتلة ومجرمين وسفاحين من مليشيات الحرب الاهلية اللبنانية مع اوباش البشر والقمامات الادمية من حولهم كمنتفعين ومرتزقة والذين صنعوا واقع مافيوي بلا نظام ولا قانون ولا رحمة وهذا الامر الحاصل في القطر العربي اللبناني المنكوب هو جرس انذار لباقي الأقطار العربية والتي ستنتهي لنفس مصير لبنان لاحقا ام اجلا، الا اذا تحركت هذه الأقطار العربية في خط الوحدة العربية الحقيقية الواقعية إداريا وتنظيما وعسكريا وامنيا وعاشت مشروع حقيقي مصلحي عربي للنهضة قبل ان يجرفها ويهدم أركانها، التغير القادم للعالم .....كل العالم من عالم لقطب واحد الى عالم متعدد الأقطاب ومنها سيتم انشاء دول جديدة ومجالات حيوية متجددة ستخدم مصالح الأقطاب الروسية الصينية الانجلوساكسونية الأطلسية والتي تمارس الى الان صراع الأقطاب لحد الوصول الى إعادة صناعة اتفاق مالطا جديد كما حدث بعد الحرب العالمية الثانية، وهذا التقسيم ان حدث فهو لن يخدم مصالحنا ك "عرب" بل مصالح تلك الأقطاب وما يخدم بلدانهم وقومياتهم اذا صح التعبير، لذلك على الشعب العربي والأنظمة الرسمية ان تعيس لحظة المسئولية وواقع الهم الرسالي صاحب المشروع، لكي لا يجرفنا التيار بعد ان لا ينفع الندم، وما حدث في زلزال تركيا المنكوبة ليكن هزة للعقل العربي والضمير لكي نعود للتحرك في خط صناعة السعادة للفرد والنهضة للمجتمع كما كنا، اما الواقع العنصري الاتاتوركي الطوراني السائر في خط خدمة الصهاينة والحلف الطاغوتي الربوي العالمي فماذا سيكون مصيره لاحقا، فأن هذا أيضا سيكون ضمن ماذا سيترتب على صراع الأقطاب الدوليين؟ وهذا هو جواب المستقبل القريب؟

***

د.عادل رضا

كاتب كويتي في الشؤون العربية والاسلامية

 

 

كلنا من يعرف المثل الشعبي "الصديق يعرف بالشداد"، او "الصديق وقت الضيق"، وتعابير أخرى تختلف طبقا للهجات العامية في دول العالم، ولكن جميعها، تشير الى ان التعرف على حقيقة " صداقة " صديقك، فإنها تبان، أو تظهر "معدنها" الحقيقي، عندما تمر بظروف صعبة، وللأسف اليوم، قليل من يحتفظ بصديق " صدوق "، فما أكثر الأصحاب حين تعدهم، ولكنهم في النائبات قليل .

وزيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ، هي تجسيد، لعمق العلاقة التي تربطه والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والذي التقاه لأكثر من 30 مرة، وعشرات المكالمات الهاتفية، أسهمت في تكوين صداقة عميقة بينهما، ويطلقون على بعضهم البعض اسم الشركاء الأكثر موثوقية، "الأصدقاء الأقرب والأكثر موثوقية" بين الزملاء الأجانب، وأسهمت هذه الصداقة القلبية بين رئيسي الدولتين بالارتقاء بالعلاقات الصينية الروسية إلى مستوى جديد وعززت التعاون بين الصين وروسيا في مختلف المجالات لتحقيق مثمر.

الزيارة هذه المرة، حيرت القريب والبعيد، والصديق منهم والعدو، فرغم كل التحديات والتهديدات التي تلقاها الرئيس الصيني، لإلغاء زيارته الى العاصمة الروسية، لأن نتائجها بالتأكيد، لن تحمل أي معنى سوى إنها، زيارة " دعم " لروسيا والرئيس فلاديمير بوتين، أمام هجمة لا يمكن وصفها الا " بأشرس " هجمة غربية عرفها العالم، وعقوبات ظالمة تنزل "كالمطر" تستهدف كل مرافق الحياة، في محاولة غربية، لتجويع الشعب الروسي، وإيقاف عجلة التقدم الحضاري والصناعي والعلمي في روسيا وتقسيم البلاد، لذلك اخذت الزيارة بعدا " حميميا "، أكثر مما كان متوقع، من ان تكون مجرد زيارة روتينية .

وما زاد من " حميمية " هذه الزيارة، قبول الرئيس الصيني دعوة " صديقه " الرئيس الروسي، لشرب الشاي في شقة الأخير الموجودة بالقرب من الكريملين، بعيدا عن المراسيم البروتوكولية، والجلوس وشرب الشاي بجوار مدفأة، ما أوقعت جميع من يهمه الامر، في حيرة كبيرة، عما تم في هذا اللقاء، وخصوصا، عندما أعلن الرئيس بوتين، انه ناقش مع " صديقه "في حفلة الشاي هذه " كل شيء "، تعبير زاد من الامر تعقيدا وقلقا وفضولا، للتعرف عن ما هو المقصود " بكل شيء "، وقال بوتين "نحن لا نشكل أي تحالف عسكري مع الصين، نعم، لدينا أيضا تعاون في مجال التعاون العسكري -الفني، ونحن لا نخفيه، لكنه شفاف، ولا يوجد سر هناك"، وبالتالي زاد الرئيس بوتين " الطين بلة"، في حيرة الغرب وتوقعاته عما يدور في خلد الرئيسين لقوتين كبيرتين الأولى نووية والثانية اقتصادية .

بوتين وشي، صديقان قديمان مرتبطان ببعضهما البعض من خلال اتصال متنوع وغني، وقدموا لبعضهم بعض الهدايا، وسافروا في قطار فائق السرعة معًا، وخبزوا الفطائر معًا، وتذوقوا العسل الروسي والكافيار معًا، وأصبحت كل لحظة من اتصالاتهم جزءًا لا يتجزأ من تاريخ الصداقة الصينية الروسية، و إنهم يدعمون بعضهم البعض في أهم الفعاليات، ففي أوائل عام 2014، قام الرئيس الصيني شي جين بينغ برحلة خاصة إلى روسيا لحضور حفل افتتاح دورة الألعاب الأولمبية الشتوية في سوتشي، وتأثر الرئيس فلاديمير بوتين بشدة بهذه التحية من الرئيس شي جين بينغ، "عندما يحظى أحد الجيران بأحداث سعيدة، سأحضر بالتأكيد لأهنئه شخصيًا"، وفي عامي 2017 و 2019، زار فلاديمير بوتين بكين مرتين للمشاركة في منتدى الحزام والطريق الدولي، وقدم مقترحات بشأن هذه المبادرة الصينية، وفي عام 2021، دعم فلاديمير بوتين دورة الألعاب الأولمبية الشتوية في بكين، وحضر زيارته الوحيدة للدول الأجنبية المقرر إجراؤها حاليًا في عام 2022 حفل افتتاح دورة الألعاب الأولمبية الشتوية في العاصمة الصينية.

وفي عام 2015، زار الرئيس شي جين بينغ روسيا، لحضور الاحتفالات بالذكرى السبعين للنصر في الحرب الوطنية العظمى، بينما زار الرئيس فلاديمير بوتين الصين لحضور احتفالات الذكرى السبعين لانتصار الشعب الصيني في حرب المقاومة اليابانية، والحرب العالمية ضد الفاشية، وفي الاحتفالات التي أقيمت في الساحة الحمراء، ترك الرئيس فلاديمير بوتين المكان الأكثر تكريمًا - عن يده اليمنى - للرئيس شي جين بينغ، وكان حرس الشرف للفروع الثلاثة لجيش التحرير الشعبي الصيني (PLA) آخر من شارك في هذه العرض، ليصبح العدد النهائي لمسيرات القوات الأجنبية، وفي العرض العسكري في 3 سبتمبر، رافق الرئيس شي جين بينغ الرئيس فلاديمير بوتين على طول الطريق إلى منصة تيانانمين، ومثل هذه اللحظات الصادقة لا تعكس الصداقة الودية بين رئيسي الدولتين فحسب، بل تعكس أيضًا الأهمية الكبيرة التي توليها الصين وروسيا لبعضهما البعض، فضلاً عن العلاقات الودية بين الشعبين الصيني والروسي.

وفي مواجهة انتشار COVID-19، سار الصديقان القديمان "جنبًا إلى جنب"، لتقديم مساعدة نكران الذات لبعضهما البعض، فروسيا هي أول دولة من أرسلت وفدًا من الخبراء لمكافحة الوباء إلى الصين، والصين بدورها دولة رئيسية في تزويد روسيا بوسائل مكافحة الوباء، وفي بداية عام 2020، عندما عانت الصين أكثر من COVID-19، زودت روسيا الصين بـ 183 مترًا مكعبًا من البضائع الإنسانية - والإمدادات الطبية ومعدات الحماية الشخصية، ومع ذلك، استمرت جائحة COVID-19 في روسيا في التصعيد لاحقًا، لينتقل ليس فقط الى مستوى التزويد المتبادل للإمدادات الطبية، ولكن إلى مستوى التعاون الشامل ومتعدد المستويات، وحافظت الصين وروسيا على تواصل وتعاون وثيقين طوال الوقت، وتضافرت جهودهما للمساهمة في المعركة العالمية ضد الوباء، وفي قمة قادة مجموعة العشرين الخاصة بشأن الاستجابة لوباء COVID-19، أعرب شي جين بينغ وبوتين عن موقفهما بالإجماع، داعيا المجتمع الدولي إلى بناء الثقة والعمل معًا والتحدث بصوت واحد، في حين أكدت روسيا تصميمها على الوقوف إلى جانب الصين، وأشار مسؤولون روس مثل الرئيس فلاديمير بوتين ووزير الخارجية الروسي مرارًا وتكرارًا للولايات المتحدة إلى أنه من غير المقبول، نقل مسؤولية COVID-19 إلى جمهورية الصين الشعبية.

وتقف الصين وروسيا إلى جانب بعضهما البعض في القضايا ذات الاهتمام الحيوي، فبعد زيارة رئيسة مجلس الشيوخ الأمريكي بيلوسي الى تايوان، وعندما قررت ليتوانيا (البيدق في يد الغرب) للقوات المعادية للصين، تجاهلت السيادة الصينية وأعلنت عن إنشاء ما يسمى بـ "ممثليتها " بالتعاون مع الانفصاليين المؤيدين لـ "استقلال تايوان"، أجرى الرئيسان محادثة هاتفية في أغسطس202، اكد خلالها بوتين، إلتزام روسيا الحازم بسياسة صين واحدة، وتدعم الموقف الشرعي لجمهورية الصين الشعبية في الدفاع عن مصالحها الأساسية في الأمور المتعلقة بتايوان وهونغ كونغ وشينجيانغ وبحر الصين الجنوبي، وتعارض بشدة تدخل القوى الخارجية في الشؤون الداخلية للصين، كما عكست المحادثات الهاتفية بين قادة الصين وروسيا، التي أجريت في لحظات مهمة من تطور الجانبين، الدعم المتبادل والتفاهم والثقة بين الصين وروسيا بشأن القضايا الرئيسية، وهي دليل على المستوى العالي للصين- العلاقات الروسية.

النظام العالمي يواجه اليوم تحديات غير مسبوقة، فقد أعرب قادة الصين وروسيا عن موقفهم من حماية التعددية والعدالة الدولية خلال المحادثات الهاتفية وجسور الفيديو، هذا ليس فقط انعكاسًا لدعم التوازن الاستراتيجي العالمي، ولكنه أيضًا دليل على مسؤولية بلديهما كقوتين عالميتين، باعتبارها أعلى شكل من أشكال التبادلات الدولية، تلعب دبلوماسية رؤساء الدول دورًا مهمًا ولها قيمة استراتيجية لا يمكن استبدالها بتبادلات أخرى.

أن التقارب بين روسيا والصين، من وجهة النظر الغربية، بات يشكل مصدر قلق خطير في العواصم الغربية، حيث يعتبرون هذا الثنائي (روسيا والصين) منافسا محتملا للولايات المتحدة وحلفائها،خصوصا وان التفاعل بين روسيا والصين على الساحة الدولية يساعد على تعزيز المبادئ الأساسية للنظام العالمي وتعدد الأقطاب، وحذر الأمين العام لحلف الناتو ينس ستولتنبرغ من تنامي التعاون العسكري والاقتصادي بين روسيا والصين معتبرا ذلك تهديدا للنظام العالمي الذي أنشأه الغرب، وأن الصين باتت ولأول مرة تدعم مطالب روسيا بإغلاق أبواب حلف الناتو وتتبنى وجهة النظر الروسية حول دوافع العملية العسكرية في أوكرانيا.

ويمر العالم حاليًا بتغيرات عميقة لم نشهدها منذ قرن من الزمان، وطالما أن الصين وروسيا تقفان جنبًا إلى جنب وتتعاونان بشكل وثيق، فسيتم ضمان السلام والاستقرار العالميين بقوة، وستتم حماية العدالة الدولية بشكل موثوق، وتحت قيادة رئيسي الدولتين، سيصبح التعاون الاستراتيجي الصيني الروسي في العصر الجديد أكثر استقرارًا وقوة، وستستمر الصداقة بين الشعبين بلا شك إلى الأبد، كما إن دبلوماسية رؤساء الدول على هذا المستوى الرفيع أمر نادر الحدوث في العلاقات الدولية الحديثة، وأبى الرئيس الصيني أن يغادر موسكو، دون أن يسعد" صديقه "، بكلمات على مبدا " أتكلم معاك يا أبنتي، واسمعي ياكنتي "، فقال شين مخاطبا بوتين، " هناك تغيرات جديدة لم تحصل منذ 100 عام، وعندما نكون معا نقود هذه التغيرات "، ليرد عليه الرئيس بوتين بالقول (أوافقكم الرأي)، كلمات نظن أنها لا تحتاج الى تعليق !

***

بقلم الدكتور كريم المظفر

بسبب التراكمات التربوية والاجتماعية والدينية الموروثة او التي تتعلق بالمناهج الدراسية الجامدة عبر عشرات السنين، والبناء القبلي لمعظم مجتمعاتنا التي تمنح الشيخ صلاحيات تشبه صلاحيات الدكتاتور في النظم السياسية الشمولية، تكلست مجموعة من القيم والسلوكيات التي حولت الكثير ممن يتولون أي مسؤولية إدارية صغيرة كانت او كبيرة الى دكتاتوريات قزمية تحاول تقمص شخصية الرئيس او شيخ القبيلة، من خلال اسقاطات سلوكية وسايكولوجية بالغة في معظم المجتمعات العربية والإسلامية وتأثيراتها على الفرد وموقعه الوظيفي اجتماعيا او إداريا، حيث يتقمص في سلوكه وتصرفه شخصية الرئيس او الملك في الموقع الذي يشغله تدرجا من اصغر مدير دائرة أو مفوض شرطة مرورا بشيخ العشيرة ورجل الدين، وليس غريبا أن يكون ذلك السلوك مرتبطا في الأساس بسلوك ابٍ متسلط بإفراط او معلم مستبد في المدرسة او رجل دين متشدد لا يقبل الحوار والنقاش صعودا الى شيخ العشيرة ومن ثم الى اعلى الهرم في الحكم المطلق للفرد.

ولا عجب في ذلك لأن منظومة التقاليد والعادات والتفسيرات الدينية الداعمة مع التراكم التربوي والاجتماعي وحتى الديني يدعم هذا التوجه والرمزية في الحكم، ولا أظنه عيباً في مجتمعات ما تزال في بدايات انتقالها إلى نمط آخر من الحياة السياسية والاجتماعية وما يواجهها من صراعٍ عنيف بين النظام الذي تعيشه والنظام البديل، خاصةً وأنه ليس من الضرورة أن يكون البديل سياسياً فقط، بل إن المتغيرات التي أنتجتها الكهرباء ومشتقاتها في عالم الاتصالات والإنترنيت والتواصل الاجتماعي أحدثت ارتباكا شديداً في عملية الانتقال المفاجئ إلى النظام الجديد دونما المرور في سياق التطور الطبيعي للمجتمعات وتعاملها مع معطيات الحضارة الجديدة، فكانت أشبه ما تكون في صدمتها بنتائج غزوة بدوية كالتي كانت تحصل بين القبائل قبل عشرات السنين، مما أدى الى تعطيل الانتقال النوعي واستبداله بمظهرية سطحية لم تتعدى الشكل الخارجي وإكسسواراته في السلوك أو الثقافة، والذي أنتج هجينا غريبا لا يمت بأي صلة لا بالنظام الأول ولا بالبديل المرتجى!

نعود الآن إلى عقدة (الرئيس) المفرط بالرئاسة، كواحدة من تلك العقد التي واجهتها عملية التغيير الاجتماعي والسياسي في معظم هذه البلدان، وخاصة تلك التي تم تغيير هياكل أنظمتها اما بانقلابات او بمساعدة قوى خارجية كما حصل في العراق وليبيا واليمن وسوريا وتداعياتها الاجتماعية والسياسية، خاصة العقد الموروثة من أنظمتها السابقة، وفي مقدمتها عقدة (الرئيس القائد) المفرطة التي أنتجتها الدكتاتوريات السياسية والاجتماعية وما يرتبط بها من كاريزما وصلاحيات مطلقة كانوا يتمتعون بها ويستخدمونها في تخدير الغالبية من الأهالي الذين يمتلكون استعداد الاحتواء (القطيعية) من هكذا كارزميات بصرف النظر عن طبيعة سلوكها، ولعلنا نتذكر تلك الجموع الغفيرة التي كانت تتغنى بهم وما زالت تمارس ذات السلوك مع غيرهم اليوم.

ومن هنا وبسبب هذا التراكم الموروث سيكولوجيا واجتماعياً تشعر كثير من الزعامات التي أنتجتها مرحلة الانقلاب الى الوضع الجديد وبغياب دولة المواطنة وهشاشة القانون، إنها تشغل ذات الموقع الذي شغلته تلك الشخصيات في النظم الشمولية، ابتداءً من اصغر مدير دائرة يتوهم نفسه امبراطورا وحتى اعلى المستويات حيث تتقمصها وتقلدها بشكل أعمى، وإزاء ذلك يبدو من الصعوبة بمكان إحداث تغيير مهم وبسرعة في هذه التركيبة من الأمراض الاجتماعية والنفسية والسياسية المتكلسة، مالم تبدأ حملة تطهير وتنوير كبيرة تشارك فيها كل النخب المثقفة والأكاديمية بمختلف توجهاتها وعلى كل المستويات، ابتداءً من الأسرة والمدرسة ومناهجها التي تكرس هكذا سلوك وخاصة في مبدأ المواطنة الجامعة، وتنقية التعليم من عملية تعبئة الرؤوس بالمعلومات واستبدالها بمناهج معاصرة نقدية عملية بعيدة عن المتوارث من الخرافات والاساطير والهيمنة البدوية في التفكير والسلوك، وإلغاء تداخل النظام القبلي او الدين مع الدولة بالتأكيد على مدنية الدولة والنظام، وإن أي موقع في الدولة أو في النظام الإداري والتشريعي والقضائي ما هو إلا عمل وظيفي مقابل أجر لخدمة المجتمع وأفراده، وليس منةً أو هبةً من أحد، بل هي وظيفة اجتماعية أو سياسية أو تشريعية لخدمة الأهالي دونما تأليه أو تفرد أو امتيازات مبالغ بها على حساب الآخرين.

***

كفاح محمود

وكأنه لا يكفي الشعب الفلسطيني ما يتعرض له من طرف حكومة صهيونية عنصرية لا تخفي أهدافها بتصفية الوجود الوطني الفلسطيني، ولا يكفيه الانقسام والفصل بين غزة والضفة وبين الداخل والخارج، ولا يكفيه حالة الفقر والبطالة وتراجع مؤشرات التنمية ومحاولة العدو تجهيل الشعب الفلسطيني، فتأتي إضرابات النقابات وخصوصا في قطاع التعليم وكأنها إعلان عن نجاح المراهنة الإسرائيلية بتوقيعها اتفاقية أوسلو، حيث كانت تراهن على تغيير معادلة الصراع من صراع كل الشعب الفلسطيني ضد الاحتلال إلى صراع حزبي على السلطة، و تغيير في وظيفة المجتمع المدني وخصوصا النقابات من قاعدة من قواعد الثورة الفلسطينية إلى حركات وتنظيمات تواجه سلطة فلسطينية لتحقيق مكتسبات مادية.

لا شك أنه في الوضع الطبيعي والظروف العادية فإن الإضرابات التي تقوم بها النقابات تكتسي شرعية قانونية لأن مهمة النقابات الدفاع عن حقوق منتسبيها، ولكن ... أن تأتي هذه الإضرابات وفي هذا الوقت الذي تتوسع فيه الهجمة الصهيونية على كل شعبنا بحيث لا يميز العدو في عدوانه بين العامل و لمعلم والمهندس والفلاح والتاجر حتى السلطة الفلسطينية نفسها مهددة من الاحتلال، وفي الوقت الذي تقرصن دولة الاحتلال أموال المقاصة وتسعى لإفشال الدور الوطني للسلطة الوطنية، وأن تأتي في ظل الانقسام حيث بعض مكونات النقابات تنتمي لقوى معارضة لا تعترف بالسلطة وتعلن موقفا واضحا بمناهضتها وسعيها لإفشالها، وأن تؤدي الإضرابات إلى تعطيل العام الدراسي ...كل هذا يطرح تساؤلات عميقة حول التحولات التي طرأت في العلاقة بين الحركة النقابية والمجتمع المدني بشكل عام من جهة والسلطة الوطنية التي يفترض أنها امتداد لمنظمة التحرير وعنوان سياسي للشعب الفلسطيني في الأراضي المحتلة من جهة أخرى.

في الحالة الفلسطينية يتداخل العام مع الخاص والسياسي مع المدني، الشعب الفلسطيني بكل فئاته ومستوياته انتظم في حركة جماهيرية واحدة، قيادة سياسية، نقابات، أحزاب لمواجهة الاحتلال، ولم يكن تأسيس الحركة النقابية بداية وقبل قيام السلطة في إطار حركة مطلبيه اقتصادية أو اجتماعية بل في إطار حركة جماهيرية سياسية نضالية تسعى للاستقلال والحرية وإبراز الهوية الوطنية والحفاظ عليها.

تواجدت الحركات النقابية في فلسطين قبل النكبة وكانت جزءا من الحركة الوطنية في مواجهة الانتداب البريطاني والحركة الصهيونية، وبعد النكبة نهضت مجددا في رحم حركة التحرير الوطني خلال الشتات وكانت المواثيق والقوانين الأساسية لجميع النقابات تنص على انها قاعدة من قواعد الثورة الفلسطينية، وبالفعل كان كثير من المؤسسين والنشيطين في الحركة الوطنية منظمين للحركة النقابية، وكان منتسبو[k1] مؤسسات المجتمع المدني من اتحادات وجمعيات ومنظمات اجتماعية هم الذين رفدوا حركة المقاومة أو الثورة والنخبة السياسية الفلسطينية والسلطة الوطنية خصوصاً، وهؤلاء مدينين للمجتمع المدني بكل تكويناته.

دخول منظمة التحرير الفلسطينية مسلسل التسوية وتوقيعها اتفاقية أوسلو وبداية الحكم الذاتي الفلسطيني في مناطق من الضفة والغربية وقطاع غزة غيَّر في وظيفة المؤسسات المدنية والسياسية التي ظهرت في مرحلة الثورة، فالسلطة الوطنية الفلسطينية التي تدير مناطق الحكم الذاتي أصبحت بمثابة السلطة السياسية لها حساباتها وسياساتها وارتباطاتها الناتجة عن مسلسل التسوية, وهي سياسة وارتباطات لا تتفق بالضرورة مع موقف كل الشعب الفلسطيني ومؤسساته المدنية، ومن هنا حدث الانفصال بين المجتمع المدني وخصوصا النقابات وحركة التحرر الوطني التي يُفترض أن السلطة الوطنية امتداد لها.

وهكذا لاحظنا منذ تأسيس السلطة 1994. ظهور (مجتمع مدني) بعضه تابع للسلطة وآخر يمارس دور المعارضة في مواجهتها، كما أن السلطة اعترفت للنقابات بحق العمل النقابي وحقها بالأضراب وكل أشكال الاحتجاجات السلمية لتحقيق أهدافها بل ووقعت الحكومة مع النقابات اتفاقات وتفاهمات لضمان حقوق العاملين.

ما أربك العلاقة بين الحركة النقابية والسلطة هو انعدام الثقة والانقسام السياسي ومحاولة قوى سياسية معارضة للسلطة الهيمنة على النقابات ليس لتحقيق مزيد من المطالب المعيشية بل لمناكفة السلطة وإضعافها بل وسيطرة بعض أحزاب المعارضة على بعض النقابات مما عزز حالة انعدام الثقة وتخوفات السلطة من توظيف العمل النقابي للإضرار بها.

من حق المعلمين أن يعيشوا حياة كريمة لأن بناء الأجيال يقوم على اكتافهم، ولا يُعقل أن يكون أجر المعلم أقل من أجر عامل في إسرائيل وحتى في الضفة، كما أن على الحكومة الالتزام بتعهداتها مع النقابات، ولكن في نفس الوقت على المعلمين وكل النقابات ألا يتجاهلون حراجة الظروف التي تمر بها السلطة وأن هناك أطراف متعددة معنية بتدمير السلطة وإفشالها وهؤلاء قد يوظفون النقابات لهذا الغرض.

حتى مع اتهامات يوجهها البعض بأن حالة الارباك في تدبير السلطة للشأن العام وما يشوب السلطة من أوجه فساد كما يزعم البعض ووجود بعض الأطراف في السلطة نفسها معنية بالتصعيد مع النقابات لإبعاد الأنظار عما تعيشه من مأزق وعجز في مواجهة العدوان الصهيوني وانغلاق أفق مراهنتها على التسوية السياسية... هذه الاتهامات كما الاتهامات التي توجهها الحكومة لبعض مكونات نقابة العاملين يجب ألا تكون عائقا أمام تصويب العلاقات بين الحكومة والحركات النقابية وخصوصا المعلمين، فاستمرار الإضرابات لن يتضرر منه إلا التلاميذ وأولياء أمورهم وليس الحكومة، بل يمكن القول بأن كل أشكال الإضرابات وتعليق العمل أو التدريس في الحالة الفلسطينية، معلمين وأطباء ومحامين الخ، مرفوضة ويجب إعادة النظر بها، سواء كانت لأسباب مطلبية أو سياسية كالمناسبات الوطنية ودعم الأسرى وغيرها، فالمجتمع الفلسطيني الذي يعيش في مرحلة بناء الدولة ومواجهة السياسة الصهيونية لتجهيل الشعب الفلسطيني وافقاره يحتاج لكل طاقات الشعب في كل المجالات في هذه المرحلة المحرجة، والإضرابات لن يتضرر منها إلا المجتمع الفلسطيني وعلى النقابات البحث عن وسائل نضالية أخرى لتحقيق مطالبها .

***

علي حسين

سبق وإن كتبت مقالا تحت عنوان "العراقيون ولوثة الدكتور"(1) سلطت فيه الضوء على الجانب "العقدي" الجديد في الشخصية العراقية من زاوية تطلع أعداد هائلة من متخرجي الجامعات إلى الحصول على الشهادة العليا (الدكتوراه أو الماجستير) دون أن يمتلك الكثير منهم المقومات التي تؤهلهم لهذه الدرجة العلمية المهمة في تطوير وانتاج المعارف الجديدة. وبما أن المسألة قد أن اخذت بعدا مبالغا فيه في هذا الاتجاه بات الأمر بنظري يتطلب نظرة أبعد باتجاه محاولة اكتناه مدى تأثير هذا الانتشار (الضار بالتاكيد) على الجانب المعرفي العام وبالتالي نوع المنتج البشري الذي يترتب عليه وما يتركه ذلك من آثر في تطور العراق من الناحية الاقتصادية والاجتماعية.

وكما يلاحظ كثيرون فإنك اينما صادفت شبانا عراقيين في الخارج سوف تجد عند أول حديث معهم أن العديد منهم قد جاءوا للحصول على شهادة الدكتوراه. والسؤالان اللذان لابد وأن يتبادرا إلى اذهن المهتم هما أولا: هل يعقل أن كل هؤلاء الطلبة مؤهلين حقا من الناحية الفكرية والمعرفية ويتمتلكون درجة كافية من الذكاء ليصبحوا "دكاترة" يطالبون غدا بتوظيفهم كأساتذة جامعة؟والثاني: هل أن الجامعات التي يدرسون بها تمتلك مستوى علميا مقبولا وأن لديها تقاليد أكاديمية عالية بما يكفي   ليجعلها مؤهلة لمنح تلك الدرجات؟ ويكتسب هذا السؤال أهمية خاصة في وقت تنتشر فيه الجامعات والمعاهد الخاصة ذات الطابع التجاري في كل مكان في الدول العربية. ويزداد عدد هذه المؤسسات "العلمية" ذات الطابع التجاري كلما كان مسؤولو ذلك البلد أكثر استعدادا ، تحت القسر أو الإغراء، للانسياق وراء وصفات الليبرالية الجديدة القادمة من وراء الحدود الموجهة للدول النامية، تلك الوصفات التي تعمد إلى تدمير ما تبقى من المؤسسات الحكومية وعلى رأسها المؤسسات التعليمية الحكومية لتنتشر بدلها معاهد خاصة كلها معنية بتدريس مواد لها علاقة بالتجارة والتسويق وتقنيات الكومبيوتر ولن تجد واحدا منها يدرس المواد العلمية كالفيزياء والكيمياء والرياضيات. إن تزايد الكم (من المتخرجين) الذي أنتجه ذلك التوجه على حساب النوع يكاد يكون ظاهرة لافته في هذه الدول. إن غالبية المتخرجين من هذه المعاهد دائما ما يسعون للانغماس في السوق التجارية عن طريق العمل كوسطاء بيع وترويج المنتجات التي تقدمها الشركات الغربية التي تمول المؤسسات التي تخرجوا منها وهم يفعلون ذلك طامعين بالانضمام إلى فئة الأغنياء الجدد الساعين وراء الربح السريع ليصرفوا و المال الذي كسبوه على شراء سيارات مرتفعة الثمن ولبس ماركات عالمية وبذلك يكون المال الذي كسبوه في خدمة تلك الشركات قد أعادوا ضخه في السوق الراسمالية مع أرباح فاحشة. و لا شك أن النهب الرأسمالي بوسائل مستحدثة كان ولا يزال عاملا بارزا في تزايد فقر البلدان النامية.

ولقد دار حديث كثير حول حصول فضائح في بعض الجامعات اللبنانية التي منحت مئات وربما آلاف الشهادات العليا لدارسين عراقيين مقابل المال ومنح كثيرون شهادات حتى دون أن يحضروا..هذه الجامعات والعديد غيرها في الدول العربية وبعض الدول الأخرى من شرق أوربا كأوكرانيا نادرا ما ترى فيها طلبة دكتوراه من البلدان السائرة في طريق التطور الحقيقي كتركيا أو أندونيسيا وغيرها من بلدان شرق آسيا الناهضة. أما البلدان الني بلغت شوطا كبيرا في التطور كالهند والصين فإن طلبة الدكتوراه عندهم يدرسون في أرقى الجامعات الأمريكية والبريطانية والألمانية. وفي الولايات المتحدة لوحدها يدرس حاليا 400 ألف طالب صيني كلهم في أرقى الجامعات التي تكلف الدراسة فيها مبالغ طائلة لا قبل إلا للدولة في تحمل تكاليفها.وإذا حسبنا المجموع الكلي للصينيين الذين حصلوا على شهادات عليا من الجامعات الأوربية والأمريكية المرموقة لربما بلغ ملايين. أما عندنا فكلمن امتلك 10 آلاف دولار راح يبحث عن جامعة تمنحه شهادة الدكتوراه، ومن لا يملك هذا المبلغ في عراق اليوم؟

كما لا يجوز لنا أن ننسى حقيقة المنح العشوائي للشهادات العليا في المؤسسات التعليمية العراقية الذي حصل بعد 2003 الأمر الذي يضع اللجان التي منحت هذه الشهادات تحت طائلة المسؤولية الأخلاقية ويتطلب الأمر بحثا حقيقيا للإجابة على أسئلة ملحة تتعلق ب: هل أن لجان مناقشة الإطروحات أو من ترأسها مؤهلين من الناحية الأكاديمية لهذه المهمة ويتسمون بالحياد العلمي؟ هل تعرضوا للضغط من أطراف محددة؟هل يوجد من بينهم من يخضع لمغريات المال؟وأسئلة أخرى عديدة تستدعي الإجابة عليها إذا ما أريد وقف الانحدار. إن عدم أهلية المتخرج من المعاهد الدراسية العليا في العراق من شأنه أن يجعل هذا البلد يراوح مكانه وغير قادر على السير للأمام بسبب غياب القدرات العلمية التي تؤهله لذلك...إن أستاذا جامعيا يفتقد التأهيل يعني أن المتخرج على يده حامل شهادة البكالوريوس يتصف بنفس الصفة وتتدرج المسألة نزولا حتى الوصول إلى المستوى الابتدائي..أما رياض الأطفال التي انتشرت عندنا على نطاق واسع كمشروع تجاري يدر ربحا وفيرا فهي جميعها تقريبا يملكها أو يديرها أناس لا علاقة لهم بمهنة تربية وتعليم الأطفال وأصبح فتح روضة أطفال مشروعا مربحا كأي تجارة رائجة أخرى. و لا نعرف كيف تمنح الوزراة المعنية هذه الرخص دون تدقيق وتمحيص الأمر الذي يمكن أن يعرض الأطفال لمخاطر جمة ناتجة عن التوجيه والتعليم الخاطئ وبهذا تترابط سلسلة التردي من أعلى ومن أسفل...

إن أبرز ما يميز الوضع العراقي العام اليوم هو أكوام المشاكل الاجتماعية التي تواجه الحكومة ومنها تشغيل العاطلين. وفي الوقت الذي تحدث فيه رئيس الوزراء محمد شياع السوداني محقا عن ضرورة دعم وتطوير القطاع الخاص في عملية البناء والتشغيل تغيب النظرة إلى واحدة من أهم مستلزمات تطور القطاع الخاص ومجمل التطور الاقتصادي ألا وهو إعداد الكفاءات العلمية والفنية اللازمة لرفد القطاع باليد العاملة الكفوءة. إن واحدة من أهم الأسباب التي جعلت الصين مقصدا لكبرى الشركات العالمية هي امتلاكها لليد العاملة الماهرة والمعقولة الأجر قياسا بما لدى غيرها ولاشك أن الصين قد استثمرت جهدا كبيرا ومالا كثيرا في سبيل إعداد هذا الجيش من العمال والفنيين الماهرين..

في فترة السبعينات وتحديدا قبل اللجوء إلى تبعيث العملية التعليمية على نطاق واسع والذي شكل بداية التدهور كانت الحكومة العراقية تختار افضل الطلبة وترسلهم إلى أرقى الجامعات الغربية مع تعهد بالعودة وخدمة بلدهم وكانت النتيجة أن اسس العراق قاعدة علمية جيدة كانت تؤهله لسلوك طريق التطور الصاعد لولا أن اكلت الحروب المتكررة ما أكلت وكان الاختصاصيون العراقيون الذين اضطروا لمغادرة العراق في فترة الحصارالاقتصادي مثار إعجاب الدول التي هاجروا إليها.

وفي نفس السياق كانت الحكومة آنذاك تولي اهتماما كبيرا بإعداد الكوادر الوسطية وفتحت من اجل ذلك عشرات المعاهد الفنية لتخريج فنيين عالي الكفاءة. لقد اصبح هؤلاء إلى جانب زملائهم من ذوي الاختصاص العالي على وشك الانقراض خاصة وقد هاجرت أعداد كبيرة منهم إلى الخارج خلال فترة الحصار ولم نر نية لأي من الحكومات التي جاءت بعد 2003 في منح من يبدي من هؤلاء استعدادا للعودة للعراق للمساهمة بقدراته الفرصة لإفادة بلده. أقول ذلك وأنا أعرف أن من يأتي للعراق ليساهم بجهده سوف يلقى مقاومة من الجيل الجديد الشاب الذي لا يتسم بالتواضع والرغبة في التعلم من غيره..بل أستطيع القول أن هناك لوبيات تعمد لإبعاد الكفاءات المتقدمة. ولا بد من الإشارة هنا إلى أنه قد سبق لحكومة المالكي الأولى أن وضعت برنامجا لإرسال طلبة دراسات عليا إلى الجامعات الغربية المرموقة ولكننا لم نعرف إين حل بهم المقام وما إذا كانوا قد عادوا ليسهموا بما تعلموه.

وفي الوقت الذي أقر فيه بأحقية الشبان حاملي الشهادات في أن تتوفر لهم فرصة إيجاد عمل يتوافق مع طموحاتهم إذ يفترض في الحالة الطبيعية أن يكون هؤلاء حاملي أفكار جديدة ويتسمون بالحماس إلا أنهم سوف يحتاجون إلى وقت طويل للتعلم عن طريق التجربة والخطأ ما لم يكن هناك مختصون أكبر منهم عمرا يرفدوهم بالمعرفة والخبرة التي اكتسبوها من خلال عملهم الطويل. يولي الصينيون احتراما كبيرا لمن هم أكبر منهم سنا ويصغون لهم بانتباه ويستخدمون كثيرا كلمة "المعلم" في وصفهم وهي كلمة يبدو انها ذات معنى مميز في الثقافة الصينية. ولن تجد بالطبع في ثقافتهم من يصف الأكبر منهم سنا على الطريقة العراقية "هذولة عتيك"، هذا "يخرفش"..إلخ من التعبيرات الحاطة من قيمة الآخر التي يجود به المعجم العامي العراقي.

ويؤكد المفكرون المختصون بقضايا التنمية في بلدان العالم الثالث أن امتلاك قاعدة علمية رصينة (متخصصون ذوي كفاءة عالية) تترجم نفسها في بحوث لتطويرتقنيات الانتاج في المجالات المختلفة شرط لا غنى عنه للتطور العلمي و التقني. إن التكديس الكمي الفاقد للنوع لحملة الشهادا العاليا في العراق من شأنه ليس فقط إثقال الحكومات العراقية بمهام البحث عن عمل لهؤلاء بل وأيضا يلحق ضررا اجتماعيا كبيرا إذ يعتبر الكثيرون ممن حصلوا على الشهادة العليا بالطريقة التي ذكرت أنفسهم قد بلغوا قمة المعرفة ونادرا ما تجد منهم من يقر بقصور معارفه بينما يكشف الواقع حالات تثير الدهشة. لأضرب مثالا:

في مقابلة تلفزيونية مع وزير التخطيط في حكومة الكاظمي ووزير الصناعة حاليا خالد بتال تحدث فيها عن هذه الظاهرة قائلا إنه التقى في مناسبتين مع إثنين من حاملي الشهادات العليا الأول حاصل على الدكتوراه في الهندسة والثاني على الماجستير باللغة الإنكليزية وأن حامل شهادة الهندسة قد أخفق في تعريف الخط المستقيم عندما سأله والثاني لم يفهم ما قاله له الوزير عندما شرع بالحديث معه باللغة الإنكليزية.

ومن باب الطرافة أود أن اذكر أني شاهدت على إحدى القنوات الفضائية فيديو ينقل ما جرى في مطار بغداد أمام مصرف الرافدين عندما أغلق القائمون عل المصرف باب المصرف بوجه المسافرين الذي كانوا يريدون تحويل مبالغ مالية بحجة أن المصرف لا يستطيع القبول بمزيد من العملاء لأن لديه قائمة طويلة. ورفض هؤلاء بعناد إظهار هذه القائمة للمسافرين الذين طالبوهم برؤيتها. والجانب الظريف في الأمر ان أحد المسافرين، وهو شاب لم يبلغ الثلاثين حسب تقديري، تقدم نحو الرجل الطويل الذي يقف في الباب صائحا بوجهه: "أنا دكتور". بالطبع لم يعره الرجل أية اهتمام وواصل عمله المكلف به.

عندمام تسنم السيد علي الأديب وزارة التعليم العالي نقل عنه أنه ينوي تشكيل لجنة من الأساتذة المختصين تتولى مهمة مراجعة الشهادات العليا التي منحت قبل 2003 للتأكد فيما لو كانت تلك الشهادات قد منحت لقيمتها لعلمية الحقة أم لاعتبارات تتعلق بالانتماء الحزبية. وقد أثيرت في وقتها احتجاجات ضد هذه النية بحيث راح بعضهم يضعها في إطار ما سموه "الاستهداف الطائفي" الأمر الذي يبدو أنه قد جعل الوزير يغض النظر عن المسألة. وفي الوقت الذي يمكن فيه الإقرار بأن الكثير من الشهادات العليا التي منحت قبل 2003 (هنا أتحدث عن فترة التسعينات بالدرجة الأولى) لا تتوفر فيها الشروط العلمية فقد تكرر الأمرعلى نطاق أوسع بعد 2003 ولم تتخذ وزارة التعليم العالي في الحكومات المتعاقبة أية إجراء لإخضاع عملية منح الشهادا العليا للمعايير العلمية المطلوبة أو، أضعف الإيمان، أن تعلن الوزارة عبر وسائل الإعلام المختلفة عن الجامعات التي تعترف بشهادتها وأن توضح لكل دارس أن حصوله على شهادة معترف بها من قبل الوزراة لا تعني أن الوزراة ملزمة بإيجاد وظيفة له. أما التدريس في الجامعة فيجب أن يخضع لشروط عملية صارمة أهمها أن يكون صاحب الشهادة العليا (عدى أهلية الجهة التي منحتها) قد أنجز بحوثا ذات قيمة علمية وتطبيقية بعد حصوله على الشهادة. ومن المعروف أنه في الكثير من الدول تخضع عملية معادلة الشهادة المتحصل عليها من جامعة أجنبية لتقييم من لجنة خاصة ولكن كيف لنا في الحالة العراقية ان نتحدث عن معادلة شهادات كهذه بالشهادات المتحصل عليها من المؤسات العلمية العراقية إذا كانت القيمة العلمية والتطبيقية لهذه الشهادات (أي العراقية) هي موضع شك؟

لقد أتيحت لي الفرصة للحديث حول الموضوع إلى حامل شهادة عليا من الجيل القديم فاكتفى بالقول: "إن الوضع بهذا الخصوص خارج عن السيطرة و لا مؤشر على وجود نية لإصلاحه" أما حاملي الشهادات الأدنى الراضين بما هم عليه فهم متفقون على القول ما مفاده: إذا كان سياسيون كبار قد حصلوا على شهادة عليا بهذه الطريقة بل أن بعضهم شهادته مزورة فعلى من نلقي اللوم؟

وهكذا يبدو أن موضوع الشهادة العليا بات يشبه إلى حد كبير موضوع الفساد المالي والإداري (أجد أن الإداري منه عصي على الحل) إذ ما أن ترفع الحجر عن كومة التراب حتى تظهر لك تحته مئات الديدان...

***

ثامر حميد

......................

(1) رابط مقالة "العراقيون ولوثة الدكتور"

https://www.almothaqaf.com/aqlam-4/941374

تمر هذه الأيام الذكرى العشرون لأحتلال العراق من قبل الولايات المتحدة وإسقاط النظام البعثي، الذي كان نفسه سلاح دمار شامل للعراقيين بقمعه وحروبه الداخلية والخارجية وتفريطه بالسيادة الوطنية وأراض ومياه عراقية، ومسؤوليته برعونته عن حصار ظالم دفع العراقيون ولازالوا ثمنه. وقد هيأت الولايات المتحدة بسلسلة من الأكاذيب الأجواء لبدء حربها على العراق، حين وقف وزير خارجيتها كولن باول في مجلس الأمن الدولي حاملا انبوبة صغيرة على أنّها جزء من برنامج كيمياوي يقوم العراق بتطويره! وما أن أنتهت الحرب وليومنا هذا لم تستطع الولايات المتحدة ومعها حلفائها من تقديم أدلّة على أمتلاك العراق لأسلحة نووية وبايولوجية وكيمياوية!

لو تركنا أسباب الغزو والحرب والأحتلال جانبا، وعدنا الى تصريحات المسؤولين الأمريكان ما بعد حرب تحرير الكويت والحصار الذي تلاه وحرب ما سميّت بحرية العراق، لصدمتنا تصريحاتهم حولها. فوزيرة الخارجية السابقة مادلين اولبرايت قالت في معرض ردّها على سؤال من الصحافية ايزابيل كومار أواخر نيسان/ ابريل 2016، حول قولها من أنّ " قتل خمسمائة الف طفل عراقي كان أمرا يستحق ذلك"؟ لتجيب قائلة : لقد سبق لي الإعتراف بأن هذا هو أغبى شيء قلته وأعتذرت عن ذلك، ولكن يبدو أن هناك أناسا يريدون دائما العودة إلى هذه المسألة. لقد غاب عن بال السيدة اولبرايت من أننا نتحدث عن جريمة قتل خمسمائة الف طفل وليس عن خمسمائة الف قطعة شوكلاتة أذابتها شمس بغداد الحارقة، قبل أن تصل الى بطون أطفال العراق المحاصرين كهدايا أمريكية لنقبل كعراقيين ناهيك عن الذين يمتلكون ضمائر حيّة أعتذارها!

لقد قُتل الكثير من المدنيين على يد جنود امريكان وبريطانيين وغيرهم من القوات الغازية، كما ووصلت أهانة القوات الأمريكية للعراقيين الى حد الوقاحة والأستخفاف. وبعد مرور سنوات حسب تقرير للبي بي سي نيوز العربية نشرته بمناسبة الذكرى العشرين لبدء الحرب، قالت فيه لقد " أدرك الرأي العام الدولي أن تلك الحرب كانت خطأ جسيما"، ومن هؤلاء السناتور الجمهوري جون ماكين، الذي كان من أشد المدافعين عن "تحرير العراق" لسنوات، والذي تراجع في مذكراته التي نشرها قبل وفاته العام 2018 عن موقفه فكتب قائلا: " لا يمكن الحكم على تلك الحرب، بتكلفتها العسكرية والانسانية، سوى أنها خطأ... خطأ خطير للغاية، وعليَ أن أتحمل نصيبي من اللوم على ذلك ". أنّه ليس بخطأ أيّها السيّد ماكين لتُلام عليه، بل جريمة تضاف الى سلسلة الجرائم التي أرتكبتموها والغرب بحق شعوب وبلدان عديدة في هذا العالم ويجب محاسبتك وبلادك عليه. وعلى سبيل المثال فأنّ قوات بلادكم ومعها القوات البريطانية أستخدمت ما بين 320 – 800 طن متري من اليورانيوم المنضّب ضد العراقيين في حرب تحرير الكويت فقط، وعليكم أن تكتشفوا بأنفسكم حجم الموت وتشوّهات الأجنة والتربة والمياه التي خلّفتها هذه القذائف في بلادنا وأثارها الواضحة للعيان لليوم!

بعد هذه المقدمة التي لابدّ منها، نعود الى "المكاسب" التي حققتها الحرب وفق السيّد بول بريمر الذي عيّنته واشنطن حاكما مدنيا في العراق، ففي مقابلة متلفزة مع محطة سكاي نيوز بالعربية تناول السيّد بريمر جملة أمور معتبرا أنّها كانت أيجابية وساهمت في تحوّل العراق الى دولة ديموقراطية!! قبل تناول ما حققته الحرب من "مكاسب" للعراق وشعبه، علينا تذكير السيّد بريمر من أن بلاده كتبت في العام 1947 بشخص الجنرال ماكارثر الدستور الياباني إثر هزيمة اليابان في الحرب، ومن خلال بنود هذا الدستور وصلت الحياة السياسية في اليابان الى درجة من النضج الديموقراطي والأستقرار السياسي وهي التي أستقبلت أوّل قنبلتين ذريتين على أراضيها! أمّا في العراق فقد ترك الأمريكان متعمّدين كتابة دستور البلاد الى القوى السياسية الطائفية القومية، وكان أعضاء لجنة كتابة الدستور العراقي تتكون من شخصيات سياسية ودينية، ومنهم السيد أحمد الصافي ممثل السيد السيستاني ومعه عدد من رجالات الدين والسياسة الشيعة وثلاث أو أربع قضاة من قوام 71 عضوا في تلك اللجنة، وعلينا أن نعرف طبيعة الدستور الذي يخرج من هكذا مطبخ! وإن كان الدستور الياباني ضَمَنَ استقرار البلاد وتقدمها، وكان اساسا لتقدم اجتماعي واقتصادي وصناعي اوصل اليابان الى مقدمة دول العالم، فأن دستورنا ومن ديباجته وقبل الدخول في مضمونه وبنوده، ضَمَنَ عدم الأستقرار السياسي بالبلاد، وكان ولا يزال أساسا لتخلّف العراق اجتماعيا وأقتصاديا وصناعيا وزراعيا وتعليميا، ولتكن بلادنا في مقدمة الدول الفاسدة والمتخلفة.

السيّد بريمر قال في لقائه التلفزيوني من أنّ الناتج المحلي للبلاد اليوم يعادل خمسة أضعاف ما كان عليه في العام 2003 ، وأنتاج البترول تضاعف هو الآخر لخمسة أضعاف ما كان عليه في نفس السنة. ولم يتطرق السيد بريمر الى زيادة العشوائيات في المدن، وأزدياد نسبة الفقر والبطالة، وتخلّف الصناعة والزراعة وسوء أدارة الدولة لملفّات المياه والمناخ والتعليم والصحة والكهرباء والخدمات الأساسية الأخرى التي أزدادت طرديا مع ما ذكره من أرقام، وهذا يعني أنّ الزيادة في الناتج المحلي والذي جاء لتضاعف انتاج النفط وصعود اسعاره، قد التهمه الفساد الحكومي ولم يستفاد منها الشعب العراقي. وهذا يعني أيضا أنّ النظام الحالي هو أستمرار للنظام السابق كون نهج النظامين واحد، بغضّ النظر عن طبيعتيهما السياسيتين.

يستمر بريمر في حديثه ليقول من أن الديموقراطية في العراق لم يشهدها أي بلد عربي آخر، لكنّ ما فات السيد بريمر هو أننا أكثر الدول العربية تقريبا في الفساد والأمية، ومصادرة الحريات حتى تلك التي نصّ عليها الدستور. ويبدو أنّ السيد بريمر وهو يحاول تجميل الوجه القبيح والبشع للأحتلال وطبيعة سلطة المحاصصة، يعمل على القفز على مبدأ دستوري يجب أن يتم تعديله ليحبو العراق نحو الديموقراطية ويمارسها بشكل حقيقي. ولا نظن من أنّ عدم حسم نقطة تحديد الكتلة الأكبر الفائزة بالأنتخابات التي يقع على عاتقها تشكيل الحكومة، وترك الأمر للقضاء المسيّس وسطوة المال والميليشيات لحسمه، تعتبر شيئا من الديموقراطية وهي تقصي من تأتي به صناديق الأقتراع لصالح جهة خسرتها.

لقد تحررنا أيها السيد بريمر من سطوة نظام قمعي وحالة حرب مستمرة لعقود، لنسقط في مستنقع نظام محاصصاتي فاسد وحرب أهلية (طائفية) وفوضى، تحررنا من نظام يملك ميليشيا أجرامية كميليشيا صدام، لنسقط أسارى سلطة تمتلك العشرات من الميليشيات، تحررنا من نظام دموي يخطف المناهضين له من الشوارع ويغيّبهم، لنسقط في فخ نظام" ديموقراطي" يخطف الناشطين الذين يواجهون نهجه من الشوارع ويغيّبهم، تحررنا من نظام كان يهجّر مواطنيه الى خارج الحدود لنقع فريسة نظام يعيش عشرات الآلاف من مواطنيه نازحين في بلدهم، تحررنا من نظام تسرق فيه عائلة صدام حسين وبعض المقربين منها عشرات المليارات من الدولارات ، لنسقط في بحر من اللصوص سرقوا مئات المليارات من الدولارات.

النظام السياسي الذي جاء به المحتل الأمريكي في نهجه، هو أستمرار لنهج نظام البعثي في تعامله مع قضايا شعبنا ووطننا. وما عجز النظام البعثي عن أنجازه خلال ما يقارب الأربعة عقود من حكمه الكارثي، أنجزه النظام الحالي في عقدين من الزمن، والأنجاز هنا هو تدمير البلاد والنسيج الأجتماعي والتخلف الثقافي والفكري والتعليمي والصحّي. أننا بحاجة الى زلزال أقوى من زلزال تشرين ليأخذ على عاتقه مهمة أعادة بناء البلاد على أسس ديموقراطية حقيقية بعيدا عن نهج المحاصصة والفساد، أننا بحاجة الى نظام علماني ديموقراطي حقيقي، والّا فأن الأزمات التي نعيشها ستتحول الى أزمات مستدامة لتهدّد وجود الدولة نفسها.

***

زكي رضا - الدنمارك

يبدو أن الغرب " قرر حقا محاربة روسيا حتى آخر أوكراني ليس بالقول فقط بل بالأفعال"، بهذه الكلمات، رد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على النوايا البريطانية بإمداد أوكرانيا بالدبابات، بقذائف مشبعة باليورانيوم المنضب، خطوة واجهتها روسيا برد قوي وسريع، من قبل الرئيس الروسي نفسه، الذي وجه تحذيره المباشر للغرب، من أن روسيا ستضطر للرد إذا بدأ الغرب الجماعي في استخدام أسلحة ذات مكون نووي، وكذلك تحذير وزير الدفاع سيرغي شويغو، من أن موسكو ستفكر بجدية بالرد على الإمدادات البريطانية الموعودة لأوكرانيا، تلك الأسلحة التي استخدمها الناتو سابقًا في يوغوسلافيا السابقة، وقال "سنفكر بجدية في كيفية الرد على هذا".

البارونة البريطانية أنابيل غولدي، نائبة وزير الدفاع في المملكة المتحدة، أعلنت إن المملكة ستزود أوكرانيا، إلى جانب مجموعة من دبابات القتال تشالنجر 2، بالذخيرة، بما في ذلك القذائف الخارقة للدروع التي تحتوي على اليورانيوم المنضب، وقالت في رد مكتوب على سؤال ذي صلة من عضو مجلس اللوردات ريموند جوليف: "مثل هذه المقذوفات فعالة للغاية ضد الدبابات الحديثة والعربات المدرعة"، خطوة، علق عليها نائب المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة، فرحان حق، عبر خلالها عن قلق الأمم المتحدة بشأن استخدام اليورانيوم المنضب في أي مكان، وقال "أعربنا منذ سنوات عن قلقنا بشأن أي استخدام لليورانيوم المنضب، بالنظر إلى عواقب مثل هذا الاستخدام".

والحديث يدور عن قذائف من عيار خارق للدبابات، وتسمى أيضًا BOPS باختصار. وهي ظاهريا، تبدو أشبه بمخل حاد مع ريش. كما يطلق عليها أحيانًا اسم ذخيرة حركية، حيث تتمتع هذه القذائف بقدرة اختراق عالية، فكلما كان قلب أو سبيكة هذه المقذوفة أقوى، كان اختراقها أفضل للدروع، وأظهرت الدراسات أن سبيكة اليورانيوم المستنفد مع التيتانيوم قوية للغاية، نعم. هي، لا تنشر إشعاعات، لكنها شديدة السمية، والحقيقة أن الغبار الناعم منها، والذي يتشكل عندما تواجه عائقًا، يدخل الجهاز التنفسي للإنسان، وهذا ضار جدًا، ومن حيث المبدأ، استنادا إلى مفهوم روسيا لاستخدام الأسلحة النووية في الرد، يمكن اعتبار هذا استخدامًا لأسلحة ضدها، ربما لا تكون نووية تمامًا، ولكنها تتسبب أضرارا جسيمة.

وبلغت قيمة المساعدة العسكرية البريطانية لأوكرانيا العام الماضي نحو 2.3 مليار جنيه (2.8 مليار دولار)، وعلى وجه الخصوص، تم إرسال أكثر من 10000 نظام صاروخي مضاد للدبابات من NLAW، وأكثر من 200 مركبة مدرعة وأنظمة إطلاق صواريخ M270 المتعددة وصواريخ Brimstone عالية الدقة، بالإضافة إلى ذلك، قام المدربون البريطانيون بالفعل بتدريب أكثر من 10000 عسكري أوكراني كجزء من الدورات التدريبية، كما تم تقديم مساعدات إنسانية واقتصادية قدرت سلطات المملكة بنحو 1.5 مليار جنيه (1.86 مليار دولار)، هذا العام، تعتزم لندن تخصيص 2.3 مليار دولار على الأقل للمساعدة العسكرية لأوكرانيا.

وفي الوقت الذي أثارت كلمات البارونة البريطانية البهجة بين القوميين الأوكرانيين، إلا أن الدبلوماسية الروسية شددت من جانبها، على أن لندن "فقدت اتجاهاتها من حيث أفعالها، وهو ما يقوض الاستقرار الاستراتيجي حول العالم"، وأشار وزير الخارجية سيرغي لافروف إلى أن المملكة المتحدة مستعدة لتحمل ليس فقط المخاطر، ولكن أيضا جرائم الحرب، وعلى أن "الناتو"، فقد الاتصال بالواقع، والبريطانيون، بأفعالهم، يعرضون حياة الأوكرانيين العاديين للخطر، وأنه إذا تم تزويد كييف بمثل هذه القذائف الخاصة بالمعدات العسكرية الثقيلة لحلف "الناتو" واستخدامها، " فإن موسكو سترد بشكل مناسب"، بحسب تعبير رئيس الوفد الروسي في المحادثات بفيينا حول الأمن العسكري والحد من التسلح كونستانتين غافريلوف، في حين وصفت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، خطط لندن لنقل قذائف اليورانيوم المنضب إلى كييف بـ "السيناريو اليوغوسلافي"، وان "هذه القذائف لا تقتل فحسب، بل تصيب البيئة وتسبب الأورام، هذا يمكن أن يؤدي إلى تلوث بيئي وانتشار لأمراض السرطان".

ولم يقتصر الامر على الأمم المتحدة وحدها، فقد وصفت النائبة عن حزب اليسار الألماني سارة فاغنكنيخت، خطط بريطانيا لنقل قذائف اليورانيوم المنضب إلى أوكرانيا، ووصفتها بأنها "جريمة"، حيث أظهرت الدراسات أن استخدامه يلوث البيئة ويسبب السرطان بين السكان المدنيين والجنود، ودعت السلطات الألمانية إلى اتخاذ موقف واضح من هذه القضية، كما أدانت منظمة "حملة نزع السلاح النووي"، التي تأسست عام 1957، وهي منظمة بريطانية مناهضة للأسلحة النووية، قرار لندن بنقل قذائف اليورانيوم المنضب إلى كييف، مشددة على أن القرار يؤدي إلى زيادة معاناة المدنيين، ودعت الأمينة العامة للمنظمة، كاثرين هدسونمرارا وتكرارا حكومة المملكة المتحدة إلى وقف استخدام أسلحة اليورانيوم على الفور، وتمويل الأبحاث حول آثارها الصحية والبيئية على المدى الطويل، وقالت " كما كان الحال في العراق، فإن نقل قذائف اليورانيوم المنضب إلى كييف على المدى الطويل لن يؤدي إلا إلى زيادة معاناة المدنيين المحاصرين في الصراع".

مرة أخرى تحاول بريطانيا والولايات المتحدة، تذكيرنا بجرائهما في الحروب، فجريمة قصف العراق بهذه الأسلحة المشبعة باليورانيوم المنضب، وفق استنتاجات العلماء، أن الحربين الدوليتين بقيادة الولايات المتحدة على العراق في عامي 1991 و2003، قد تركتا إرثا وخيما على صحة المدنيين العراقيين بشكل عام، وزيادة في السرطانات والتشوهات الخلقية لدى المواليد بشكل خاص، ولازالت آثارها مستمرة حتى اليوم، ويوضح الدكتور كاظم المقدادي في كتابه تحت عنوان "التلوث الإشعاعي والمضاعفات الصحية لحروب الخليج"، أنه أُطلقت على العراق، كمية هائلة من ذخائر اليورانيوم .

لقد خلفت هذه الهجمات أكثر من 2200 طنا متريا من اليورانيوم المنضب، وهذا اليورانيوم المنضب الذي استعمل في العراق، يساوي في ذريته ما يعادل 250 قنبلة ذرية، وهذا وفقا لما قدره البروفسور ياغازاكي Katsuma Yagasaki من الهيئة العلمية في جامعة ريوكيوس في أوكيناوا في اليابان، وأشار المقدادي، الى أن العقدين الأخيرين، شهدا انتشارا للأمراض السَرطانيّة في المجتمع العراقي على نحو كارثي، وبلغت الإصابات السَرطانيّة أكثر من مليون إصابة مُسجّلة رسميا، وما زال العدد يرتفع باستمرار، ويموت من هذه الإصابات سنويا ما يتراوح بين 10 آلاف و12 ألف شخص، وهناك عشرات آلاف الإصابات والوفيات سنويا غير المسجلة.

وطرأت تغيرات كبيرة على وبائية الأمراض السرطانية في المناطق التي استخدمت فيها أسلحة اليورانيوم، ولاحظ الأطباء عقب حرب الخليج 1991 الكثير من الحالات الغريبة لدى أبناء وبنات المناطق التي تعرضت للقصف، خصوصا في محافظات البصرة وميسان والناصرية، ومنها، كثرة حالات الإجهاض المتكرر والولادات الميتة، وظهور حالات من التشوهات الولادية الرهيبة وغير المعروفة من قبل، وانتشار العقم لدى رجال ونسا، وانتشار الحالات السرطانية وسط عوائل لم يصب أحد منها من قبل، وأحيانا أكثر من فرد في العائلة الواحدة، وإصابة المريض الواحد بأكثر من حالة سرطانية (2 و3 وحتى 4 حالات) في آن واحد، بالإضافة الى انتشار أمراض سرطانية وسط أعمار غير الأعمار المعروفة طبيا، مثل سرطان الثدي لدى فتيات بعمر 10 و12 سنة، وسرطانات أخرى نادرا ما تصيب شريحة الأطفال، وارتفاع الإصابات السرطانية والوفيات بالسرطان بنسب عالية جدا، بلغت أضعاف ما كانت عليه قبل عام 1989.

وفي يوغوسلافيا السابقة، تسببت الأخبار في الغضب والحيرة، فقد أدى استخدام قذائف اليورانيوم المنضب خلال عدوان الناتو إلى مقتل مدنيين وقتل جنود الناتو المشاركين في العملية، وخلال هجوم 1999 على صربيا، تم إلقاء 15 طناً من اليورانيوم المنضب في قذائف، بعد ذلك، احتلت البلاد المركز الأول في عدد أمراض الأورام في أوروبا، في السنوات العشر الأولى بعد القصف، أصيب حوالي 30 ألف شخص بالسرطان في الجمهورية، توفي منهم 10 إلى 18 ألفًا، وقد أثبتت الحرب في يوغوسلافيا بالفعل أن مثل هذه القذائف تشكل خطورة على أولئك الذين يستخدمونها، وليس فقط على أولئك الذين يتم استخدامها ضدهم، كما يقول الرئيس السابق لقسم المعاهدات الدولية بوزارة الدفاع الروسية، الفريق الاحتياطي يفغيني. بوزينسكي، "لا يزال التلوث الإشعاعي في المنطقة يحدث، وإن كان صغيرًا".

والغريب والحالة هذه، هو ذلك " الصلف " البريطاني، و " استخفافه " بالرأي العام العالمي، ومحاولة لندن تبرير " جريمتها "، واعتبار وزير الخارجية البريطاني، جيمس كليفرلي، أن تزويد أوكرانيا بقذائف تحتوي على اليورانيوم المنضب "ليس تصعيدا نوويا للصراع"، وقوله "لا يوجد تصعيد نووي. الدولة الوحيدة التي تتحدث عن الجوانب النووية هي روسيا"، مضيفا أن لا يوجد تهديد، و"الأمر يتعلق فقط بمساعدة أوكرانيا في الدفاع عن نفسها"، وهو ما يشكل تحول خطير في التصعيد الغربي ضد روسيا .

على أي حال، في الرأي العام - ليس فقط في روسيا، ولكن أيضًا في الغرب - يعتبر الارتباط بهذه الأسلحة أمرًا سلبيًا، وعبر الكثير من دعاة حماية البيئة عن غضبهم بشكل خاص، ويرى الخبراء العسكريون من جانبهم، ان الخطوة البريطانية، يمكن ان تكون بسبب نفاذ القذائف العادية، وأصبحت المستودعات فارغة، لذلك قرر البريطانيون إرسالها - بسبب نقص القذائف، لذا فإن توريد ذخيرة اليورانيوم المنضب إلى أوكرانيا سينتهي بشكل سيئ بالنسبة للندن وحدها، وبرأي وزير الخارجية سيرغي لافروف، فإن لندن من خلال القيام بذلك تظهر استعدادها لتحمل "ليس فقط المخاطر، ولكن انتهاكات القانون الإنساني الدولي"، ويعني قرار لندن بالنسبة للكثيرين، أن العالم قد اقترب خطوة واحدة من تصادم نووي - وما زالت أمامه "خطوات أقل وأقل"، وهكذا قال وزير الدفاع سيرغي شويغو، "هذا يدفعنا إلى التفكير بجدية في المسار الإضافي للأحداث، والذي يمكننا الرد به".

***

بقلم : الدكتور كريم المظفر

 

 

دعا رئيس «تيار الحكمة»، و«المجلس الأعلى الإسلامي» سابقاً، إلى الوطنيَّة الشِّيعيِّة، في «مؤتمر الآفاق المستقبليَّة لأتباع آل البيت» يوم 4 فبراير 2023: «بدأنا بطرح وبلورة مشروع شيعي عام، متاح لجميع أتباع أهل البيت، للمشاركة فيه، وإنضاجه تحت عنوان الوطنية الشِّيعية، مستندين في ذلك إلى تاريخ طويل من المواقف والأفكار والإرشادات، الصَّادرة عن النَّبي والأئمة الأطهار، مروراً بحركة الفقهاء على طول التَّاريخ بعد الغيبة الكبرى، وصولاً إلى مدرسة النَّجف الأشرف، بوصفها محوراً مركزياً وأصيلاً لهذا المشروع، وطرحنا معالمه العامة...». نرى بهذا الكلام العائم، قفز الدَّاعي إلى الوطنيَّة الشِّيعيَّة على العشرين سنةً مِن ممارسة السُّلطة، تحولت خلالها ساحات وحدائق عِقر دار الشِّيعة (النَّجف) إلى أضرحة ومصالح أُسريَّة!

قبل «الوطَّنيَّة الشِّيعيّة» ظهر: «إعلان الشِّيَّعة» (20/6/2002)، وبعد 2003 «البيت الشِّيعيّ»، «المجلس الشِّيعيّ»، «الائتلاف الشِّيعيّ»(مجازاً الوطنيّ)، وتداول مصطلح «المثقف الشَّيعيّ»، والتّنسيق بما عُرف بـ«الكاثوليكيَّة والشّيعة»، وكأن المعبرين عن أنفسهم بقادة الشِّيعة ومثقفيهم، يرسمون لوطنٍ بديلٍ عن العِراق، عَبر عنه أحد أصحاب عمائم العنف بـ«البدر الشِّيعيّ»، ولا أرى اختلافاً بينه وبين «الوطنيّة الشِّيعية».

لكنْ ما يبرر العجب والعتب، أنَّ لا الموقعين على «إعلان الشِّيعة»، ولا مؤسسي «البيت الشِّيعيّ»، قد نظروا إلى معاناة الشِّيعة بجنوب العراق ووسطه، قُتل مِن شبابهم نحو ثمانمائةٍ، علانيةً بسلاح شيعيّ صِرف، والخطف والاغتيال جارٍ على كلّ شيعيّ ردد شعار «نريد وطناً». إذن، ما معنى إعلان الشِّيعة، وبيت الشِّيعة، و«الوطنيَّة الشِّيعيّة»، وسواد الشّيعة أسرى أوهام المظلومية، التي تدر ذهباً وفضةً لأصحاب الدَّعوات؟ّ!

يُفهم مِن خطاب الحكيم، وخطابات أمناء الأحزاب وأمراء الميليشيات، أنَّ حدودَ الوطنيَّة العِراقيَّة عُميت، التي مِن غابر التَّاريخ تُسمى بالنِّهايات، وحُددت بما عليه العِراق، فالدَّعوة إلى وطن شيعيّ، يسرُ بقية أمراء الطَّوائف، لأنَّ التركيز على الطَّائفة والقوميَّة يمنح نفوذاً، ويدر فساداً أكثر.

أمَّا تبرير تلك العناوين أنّها لصالح العراق، فـ«خُرافةٌ يا أمّ عَمر»(الخوارزميّ، الأمثال المولدة). فما للوطنيَّة والطَّائفة! هل المطلوب تحقيق شعار «يا شيعة العالم اتحدوا»! على حِساب أوطانهم؟ وهنا يُعطى الحقّ لمواجهة الشِّيعة في أوطانهم، لأنّهم يغدون وقوداً لوهم «الوطنية الشيعيَّة»، بعد تفتيت الأوطان ذات الجغرافيات الثَّوابت! هذا ما حذر منه الشّيخ محمَّد مهدي شمس الدِّين(ت: 2001)، وهو يرى لبنان تتمزق بجماعات لا تشبه لبنان.

صرح شمس الدِّين، على فراش الموت، وتلك أصدق اللَّحظات: «أوصي أبنائي وإخواني الشِّيعة الإماميَّة، في كلِّ وطنٍ مِن أوطانهم، وفي كلِّ مجتمعٍ مِن مجتمعاتهم، أنْ يدمجوا أنفسهم في أقوامهم، وفي مجتمعاتهم وفي أوطانهم، وأنّ لا يميزوا أنفسهم بأي تمييز خاص، وأنْ لا يخترعوا لأنفسهم مشروعاً خاصاً» (الوصايا). هذا، ودعوة الشِّيعيَّة الوطنيّة آخر الاختراعات وليست الأخيرة.

يقول شمس الدِّين الذَّهبيّ(ت: 774هج): «رأَيتُ للأشعرِيّ كلمَةً أَعجبتَني»، راوياً عن أحدهم: «لمَّا قَرُبَ حُضورُ أَجل أَبِي الحَسنِ الأَشعرِيِّ فِي دَارِي ببغْدَادَ، دعَانِي فأتَيتُه، فَقَالَ: اشهدْ عليَّ أَنِّي لاَ أَكفِّر أَحداً مِن أَهلِ القِبلة، لأَنَّ الكلَّ يُشيرونَ إِلَى معبودٍ واحِد، وإِنَّمَا هَذَا كُلُّه اخْتِلاَف العِبَارَات»(سير أعلام النُّبلاء). كذلك شمس الدِّين كان صادقاً.

أمّا الإعلان، البيت، الكاثوليكيَّة والشِّيعيَّة، المثقف الشِّيعيّ، فتلك ستذهب بالعِراق وشيعته ذهاب أمّ عمر «لقد ذهب الحمار بأمّ عمرو/فلا رجعت ولا رجع الحمارُ»(الأبشيهي، المستطرف).

يا أصحاب الدَّعوات، ستتحملون خطيئةً تاريخيّةً بحقّ العراق، وحقّ الشّيعة أنفسهم. فبعد عشرين سنةً مِن النُّفوذ المطلق «إنَّ ما وَرَاءَ الأكَمةِ مَا وَرَاءَهَا»(الميدانيّ، مجمع الأمثال)، وهو قطع رأس العِراق، الذي يأمن الجميعَ مِن خوفٍ ويشبعهم مِن جوعٍ، لو صار الانتماء له صدقاً لا كَذباً.

***

د. رشيد الخيّون - كاتب عراقي

22 مارس 2023

 

 

هناك انتاج وهناك توزيع وهناك اعادة توزيع وهناك تبادل واستهلاك.

هذه الفعاليات تشبه في طبيعتها وموضوعيتها، قوانين الفيزياء والرياضيات، من حيث انه لاوطن لها او انتماء قومي او جغرافي.

انها تخضع لقوانين وشروط وآليات، بغض النظر عن المسميات التي يطلقها عليها البعض لتمييزها وتحويلها الى انماط مختلفة تتبع هذا النظام او ذاك او ذلك البلد او ذلك الحزب وتلك الايديولوجيا.

اقول ذلك للأشارة الى ماكانت تنشره وسائل الاعلام والدعاية خلال حقبة الاتحاد السوفيتي والتي تتحدث عن الاقتصاد الاشتراكي وقوانينه وكيف يتوقف عمل بعض قوانين السوق كلياً او جزئياً في ظل النظام الاشتراكي في ادارة الاقتصاد (قانون القيمة مثلاً).

قوانين الاقتصاد الاشتراكي المزعومة، كانت فرضيات سياسية وضعها بعض الايديولوجيين وجعلوا اقتصاد بلدانهم ميداناً لاختبار تلك الفرضيات والتي ثبت بالتطبيق انها ليست قوانين وانها جزء من ايديولوجيا ترفع شعار الاشتراكية !!

لقد تلاعبوا، بشكل سياسي، باشكال الادارة وجعلوا مهمة الادارة والتنظيم في ايدي موظفين حكوميين ليس لديهم دافع للتطور. واصبحت القرارات ادارية لاتخضع للمنطق الاقتصادي وزعموا ان تلك هي قوانين الاشتراكية.

كانت نتيجة محاولة تطبيق تلك القوانين، سقوط الإتحاد السوفيتي والمنظومة الشيوعية بفعل تراجع الكفاءة الاقتصادية وغياب الحساب الاقتصادي.

تلك المنظومة كانت ترفع اجمل الشعارات وقادتها بشكل عام ليسوا من الأثرياء، لكنها لم تنجح في توفير العيش الكريم والتطور المنشود لبلدانها..

الغريب ان العديد من الدول النامية اتبعت نفس المنهج ونفس القوانين الافتراضية، فأصابها ما أصاب تلك المنظومة. ومن تلك الدول، الهند والبرازيل ومصر والعراق.

العراق حاول ان يذهب بعيداً باختراع مفهوم الاشتراكية العربية (وهنا يلبس علم الاقتصاد ثوباً قومياً).

كانوا يتحدثون عن الاشتراكية العربية بنوع من الثرثرة والانشاء الفارغ، ولا ادري ماعلاقة القومية العربية بعلم الاقتصاد؟

وحتى ربط الاقتصاد بالاسلام ومحاولة تأليف شيء اسموه الاقتصاد الاسلامي، يعتبر عملية غير موفقة.

بعض النصوص الاسلامية تناولت قضاياً محددة مثل شروط التجارة العادلة والنزيهة وكذلك تناولت بعض قضايا العدالة وشجعت على شكل من اشكال معالجة الفقر. وهنالك خلافات فقهية حول بعض الضرائب الواجبة على الاغنياء. اي انها مواضيع تتعلق بالتبادل واعادة التوزيع فقط.. ولايوجد حديث، على حد علمي عن الانتاج وآلياته وشكل الملكية.

في اسكندنافيا وعدد آخر من الدول ظهرت احزاب اشتراكية ديمقراطية، لكنها لم ترفض علم الاقتصاد الحقيقي والموضوعي، بل انها كانت تركز على عملية اعادة توزيع الفائض من خلال نظام ضريبي تصاعدي يقتطع جزء من عوائد الأثرياء لكي يعاد توزيعها على الفئات الاقل دخلاً

(من خلال توفير التعليم والصحة والخدمات العامة) من اجل تحقيق قدر مقبول من العدالة الاجتماعية.

وحتى برامج تلك الاحزاب الاشتراكية الديمقراطية كانت تتعرض للانتقاد من قبل القوى المحافظة لانها تقلل من حوافز رجال الاعمال من ناحية كما انها تشجع الفئات الافقر على الكسل وتُشيع الاعتمادية بينهم وتُفقدهم الحافز للتطور.

وهنالك آراء تقول ان اعادة التوزيع والضرائب التصاعدية والضمان الاجتماعي الخ.. كلها عناصر ساهمت في إلغاء دوافع الثورة والغضب الاجتماعي وقلصت نفوذ اليسار في تلك الدول.

***

د. صلاح حزام

 

 

اختتام زيارة الزعيم الصيني شي جين بينغ، (أول زيارة خارجية له منذ إعادة انتخابه رئيسا للصين لولاية ثالثة)، إلى موسكو في رحلة استغرق ثلاثة أيام، بالتوقيع على وثيقتين بين موسكو وبكين، وهما وثيقة تهدف لتعميق العلاقات الروسية الصينية وخطة لتطوير التعاون الاقتصادي حتى العام 2030، اكدت ان موسكو وبكين يسعيان الى المحافظة على ديناميكيات عالية للتجارة المتبادلة، وفي العام 2023 يمكن أن تتجاوز التجارة عتبة الـ200 مليار دولار.

الوثيقة الأهم في الزيارة، هي البيان المشترك عقب محادثات الروسي فلاديمير بوتين، والرئيس الصيني شي جين بينغ (الذي عقد مع بوتين 39 اجتماعا وجها لوجه) عقب محادثاتهما، أكدت أن العلاقات الصينية الروسية تجاوزت كونها علاقات ثنائية، وهي ذات أهمية كبيرة للنظام العالمي، وأن العلاقات الروسية-الصينية القائمة على شراكة شاملة وتعاون استراتيجي، تدخل عصرا جديدا، وان الرئيسين لخصا معا نتائج تطور العلاقات الثنائية على مدى السنوات العشر الماضية واتفقا على أن العلاقات الصينية الروسية تجاوزت العلاقات الثنائية، وهي ذات أهمية حيوية للنظام العالمي الحديث ولمصير البشرية".

وبشأن القضية الأهم التي ينتظر نتائجها العالم اجمع، فقد أشار الرئيس الصيني إلى أن بلاده تتمسك بموقف موضوعي وغير متحيز بشأن الأزمة الأوكرانية، وتعمل بنشاط على تعزيز المصالحة واستئناف المفاوضات لحلها، والتأكيد أنه فيما يتعلق بهذه التسوية، "فإننا نسترشد بشدة بأهداف ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة، ونلتزم بموقف موضوعي ومحايد، وبفاعلية تعزيز المصالحة واستئناف المفاوضات "، وان هذا الموقف مبني على جوهر القضية والحقيقة، " نحن دائما مع السلام والحوار، ونحن نقف بثبات على الجانب الصحيح من التاريخ "، في حين أشاد الرئيس بوتين بموقف بكين المتوازن في هذا القضية، وغيرها من القضايا الدولية، والتشديد على أن روسيا منفتحة على المفاوضات في الأزمة الأوكرانية، وأكد احترامه للمبادرة الصينية، كما وعبرت روسيا الاتحادية وجمهورية الصين الشعبية عن قلقهما الشديد بشأن الأنشطة البيولوجية العسكرية للولايات المتحدة، بما في ذلك خارج الأراضي الأمريكية، وتطالبان بتوضيحات.

إن روسيا اعتمدت بحسب تعبير الرئيس الروسي، على حقيقة أن الوضع مع أوكرانيا يمكن حله سلميا، ولم تسع أبدا إلى المواجهة، ولكن الشركاء الغربيين رفضوا الحل السلمي في دونباس، وقال "انطلقنا من فرضية أننا سنكون قادرين على حل (الوضع) بالوسائل السلمية المطلقة، لم نسع أبدا إلى أي نوع من المواجهة"، والتأكيد أن روسيا في 2014 لم يكن بإمكانها رفض دعم سكان القرم ومساعدتهم وحمايتهم، من بطش النازيين، والشارة الى ان كل ما حدث في شبه جزيرة القرم، واضح للجميع! ببساطة لم يتمكنوا من رفض دعمهم وحمايتهم لشعب القرم، من قبل النازيين كما يسمون أنفسهم في أوكرانيا.

وبشأن القضايا الدولية الأخرى، فان البيان ركز على أن روسيا والصين تؤيدان الحفاظ على القطب الشمالي كمنطقة سلام وتعاون بناء، والتأكيد على دعم موسكو وبكين سيادة واستقلال ووحدة أراضي سوريا وليبيا، وتدعم الأطراف سيادة واستقلال وسلامة أراضي سوريا، وتسهم في تعزيز عملية تسوية سياسية شاملة، ينظمها وينفذها السوريون أنفسهم، ويدافع الجانبان عن حماية سيادة واستقلال ووحدة أراضي ليبيا، والمساهمة في تعزيز عملية تسوية سياسية شاملة، "ينفذها ويقودها الليبيون أنفسهم كذلك"، والتشديد على عدم مقبولية وجود محاولة استبدال مبادئ القانون الدولي وقواعده المعترف بها بشكل عام، وأن روسيا والصين تعارضان فرض دولة واحدة لقيمهما على دول أخرى، مؤكدين عدم وجود شيء يسمى بـ "ديمقراطية أعلى"، ودعت روسيا الاتحادية وجمهورية الصين الشعبية، حلف شمال الأطلسي "الناتو" إلى احترام سيادة الدول الأخرى ومصالحها، وتأكيدهما أن بكين وموسكو تعارضان التدخل الخارجي في الشؤون الداخلية.

أن العلاقات بين روسيا والصين ليست تحالفا عسكريا ومواجهة، وليست موجهة ضد دول أخرى، ورغم أنها ليست تحالفا عسكريا سياسيا مشابها للتحالفات التي أقيمت خلال الحرب الباردة، وكما جاء في البيان المشترك، تتفوق على هذا الشكل من التفاعل بين الدول، في حين أنها ليست ذات طبيعة تكتلية ومواجهة وليست موجهة ضد الغير، وأن العلاقات بين روسيا والصين ناضجة ومستقرة ومكتفية ذاتيا، وصمدت في وجه الوضع الدولي المضطرب ولا تخضع لتأثير خارجي.

كما شددت المباحثات الروسية الصينية على أن روسيا والصين ضد سياسة القوة، والتفكير في الحرب الباردة، والمواجهة بين المعسكرين (الغربي والشرقي)، وأشارت موسكو وبكين إلى المساهمة الإيجابية لمنظمة معاهدة الأمن الجماعي في إمكانية تطوير التعاون بين منظمة معاهدة الأمن الجماعي وجمهورية الصين الشعبية لضمان السلام والاستقرار، ويلاحظون إمكانية تطوير التعاون بين منظمة معاهدة الأمن الجماعي والصين من أجل ضمان السلام والاستقرار في المنطقة".

وأعربت روسيا والصين عن قلقهما بشأن الوضع في شبه الجزيرة الكورية، وتحثان جميع الأطراف على التحلي بالهدوء وضبط النفس، وبذل جهود للحد من التوتر، وتأكيد البلدان رفضهما القاطع لمحاولات استيراد "الثورات الملونة" والتدخل الخارجي في شؤون آسيا الوسطى، واستعدادهما لتعزيز التنسيق المتبادل لدعم دول آسيا الوسطى في ضمان سيادتها وتنميتها الوطنية، ولا تقبل محاولات استيراد الثورات الملونة والتدخل الخارجي في شؤون المنطقة، والإشارة الى إن روسيا ستدرس مبادرة الحضارة العالمية للجانب الصيني.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي اعتبر ان التعاون التجاري والاقتصادي يعتبر أولوية في العلاقات بين روسيا والصين، وانهما يحافظان على ديناميكيات عالية للتجارة المتبادلة، ففي العام 2023، يمكن أن تتجاوز التجارة عتبة الـ200 مليار دولار، والأشارة إلى أن التجارة بين روسيا والصين وصلت إلى رقم قياسي تاريخي تجاوز مستوى 185 مليار دولار في العام 2022، ومن المتوقع أن تتجاوز التجارة بين البلدين في العام الجاري مستوى 200 مليار دولار، والاشارة الى إن "الفرص الإضافية لإطلاق إمكانات الاقتصادين الروسي والصيني يتم توفيرها من خلال الاتحاد الأوراسي ومبادرة الرئيس الصيني (حزام واحد - طريق واحد)".

المحادثات الروسية الصينية ناقشت بالتفصيل مشروع "قوة سيبيريا-2" (أنبوب لضخ الغاز من روسيا إلى الصين عبر منغوليا)، وسيتم وفقا للرئيس الروسي، زيادة إمدادات الغاز الطبيعي المسال من روسيا إلى الصين، مشيرا الى ان مؤسسة الطاقة النووية الروسية والوكالة الصينية المتخصصة توقعان برنامج تعاون طويل الأمد، كما وان الوثائق الموقعة خلال الزيارة تعكس مستوى العلاقات بين موسكو وبكين، والتي هي عند أعلى مستوى في التاريخ، كذلك لفت إلى أن الوثائق الموقعة مع الصين، تتضمن هدفا بمضاعفة حجم التجارة معها.

روسيا وخلال لقاء الرئيس الصيني و رئيس الوزراء الروسي ميخائيل ميشوستين، كشفت عن أن موسكو ستعزز التعاون الاستراتيجي مع بكين، والاشارة إلى وجود مشاريع حكومية بقيمة 165 مليار دولار بين البلدين، وتشمل محفظة هيئة الاستثمار الحكومية 79 مشروعا، وأن التعاون الاستراتيجي يغطي بحسب ميشوستين، كلا من النقل والمشاريع التكنولوجية، وليس فقط شراكات الطاقة، والحديث يدور عن بناء الطائرات والهندسة الميكانيكية وأبحاث الفضاء وكذلك التقنيات" الشاملة "التي تهدف إلى إنشاء منتجات مبتكرة وتقديم الخدمات، وكما يجري إعداد مشاريع جديدة من شأنها زيادة حركة المرور بشكل كبير على طول الطرق العابرة لسيبيريا وعبر آسيا.

وابرزت الزيارة وفقًا للخبراء، انها جاءت على خلفية رفض إدانة الصين لروسيا، وتهديد الولايات المتحدة بكين مرارًا وتكرارًا بعقوبات ثانوية، وغالبًا ما كانت تجيب (بكين) على الأمريكيين بردود غاضبة - يقولون، ليس للولايات المتحدة أن تقرر بكين مع من تكون صديقة، وإلى جانب ذلك، ألمح ضمنيًا إلى أن الغرب هو الذي يؤجج الصراع بإمدادات الأسلحة إلى كييف، وأكدت إن موسكو كانت تنتظر رئيسًا صينيًا لفترة طويلة، ففي أوائل فبراير من العام الماضي، حضر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، افتتاح دورة الألعاب الأولمبية في بكين، وفي ضوء الممارسة الراسخة للزيارات المتتالية، وعلى خلفية "البيان المشترك للبلدين بشأن دخول العلاقات الدولية حقبة جديدة والتنمية المستدامة العالمية"،، كما وجاءت الزيارة إلى روسيا في مرحلة مهمة للغاية في الحياة السياسية الصينية، فقبل أيام قليلة، تم التأكيد بالإجماع على شي جين بينغ في الدورة السنوية للبرلمان كرئيس لجمهورية الصين الشعبية لولاية ثالثة، ومن وجهة النظر هذه، كانت الرحلة إلى موسكو هي الأولى له بعد إعادة انتخابه، والتي، بالطبع، تبين أنها رمزية معينة، ففي عام 2013، عندما انتخب شي لأول مرة زعيمًا للصين، كانت روسيا أيضًا وجهته الخارجية الأولى، ومنذ ذلك الحين.

الوثيقة الصينية المؤلفة من 12 نقطة، حول رؤية بكين للمخرج من الأزمة الأوكرانية، تهدف إلى إظهار أكبر قدر ممكن من الحياد والتأكيد على مفاوضات السلام، وبحسب المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية وانغ وي بين، فإن فكرة الصين "تنبع من اقتراح واحد، وهو الدعوة إلى السلام وتعزيز المفاوضات"، في وقت لا تريد الصين أن يتصاعد الصراع إلى الوضع الحالي، ويأمل الرئيس الصيني في زيارته التي وصفتها " غلوبال تايمز " الصينية بالفعل بأنها "زيارة صداقة وتعاون وسلام"، في مساعدة روسيا وأوكرانيا، في إيجاد حل سياسي، إلا ان الغرب انتقد الوثيقة على الفور، واعتبرها موالية لروسيا بشكل علني، وأثارت الزيارة بالفعل موجة من القلق بشأن زيادة تعزيز محور موسكو وبكين، واعتبروا (الغرب) وصول الزعيم الصيني واللقاء بالرئيس الروسي بمثابة تحد للولايات المتحدة وحلفائها الذين سعوا للضغط على الاقتصاد الروسي من خلال العقوبات، في حين أعطت موسكو تقييمًا إيجابيًا لوثيقة السلام الصينية .

الزيارة على ما يبدو كشفت أن المزاج الكئيب للغرب، وقبل كل شيء واشنطن، يعود إلى حقيقة أن الاتصالات رفيعة المستوى بين قادة البلدين، أصبحت دليلًا واضحًا آخر على فشل المحاولات لعزل موسكو في الساحة الدولية، وإشراك أكبر عدد من المشاركين في العقوبات المناهضة لروسيا، وجزئيًا، عكس هذا أيضًا استياء الولايات المتحدة من دور الصين نفسها في الشؤون الدولية، حيث اعتادت الولايات المتحدة على لعب دور الكمان الأول فيها، والاعلان السعودي الإيراني قبل أكثر من أسبوع بقليل من الزيارة التي تمت بوساطة الصين، عن استئناف العلاقات الدبلوماسية، والذي مهد هذا الاختراق الطريق أمام جهود بكين التي سلطت الضوء على النفوذ السياسي والاقتصادي المتزايد للصين في المنطقة، والذي شكله النفوذ الأمريكي منذ فترة طويلة، وفي ظل هذه الخلفية، ربما أصبحت صورة الوسيط في الصراع الأوكراني أكثر إزعاجًا للولايات المتحدة.

***

بقلم الدكتور كريم المظفر

الجغرافيا المقدسةُ للإيرانِ والسعودية لحواليْ مليارِ مسلمٍ. هلْ تغيرَ ميزانُ القوةِ في حالةِ التفاهماتِ في ملفِ الصراعاتِ في الشرقِ الأوسطِ، رغمَ الهواجسِ والتخوفاتِ العربيةِ منذُ قيامِ الثورةِ الإيرانيةِ عام / 1979 منْ النظامِ الجديدِ " ولايةَ الفقيهِ " في إيران ساعدَ على تدخلاتِ خارجيةٍ لعدمِ وجودِ جسورٍ لعلاقاتٍ طبيعيةٍ معَ جيرانها العربِ... إنَ جيوسياسيةً الصراعاتِ والحروبِ الأهليةِ التي خلقتْ وضعا

جديدا للمنطقة، ِ في كلٍ منْ - اليمنُ، سوريا، لبنان، العراقُ، أفغانستان " والتدخلاتِ الإيرانيةِ والملفِ النوويِ، خلقُ صراعٍ طائفيٍ وعرقيٍ في منطقةٍ منْ اليابسةِ ممتدةً جغرافيا معَ بعضها... وفي ظلِ ولادةِ عالمٍ جديدٍ متعددٍ الأقطابِ هلْ تشهدُ المنطقةُ في التقاربِ السعوديِ الإيرانيِ سيغيرُ اللعبةَ لشرقَ أوسطَ جديدٍ كقوةٍ لها حساباتٌ أخرى لنظامٍ عالميٍ جديدٍ يولدُ منْ رحمِ ضرباتِ وأوجاعِ فيروسِ كورونا والحربِ الدائرةِ شرقَ أوروبا ونهايةِ حروب في المنطقةِ والأزمةِ الاقتصاديةِ العالميةِ الطاحنةِ "... ؟ !

قيلَ دوما إنَ الجغرافيا أمُ العلومِ، وأنَ السياسةِ هيَ ابنةُ التاريخِ، والتاريخُ هوَ ابنُ الجغرافيا، وقيلَ إنَ الجغرافيا ثابتةٌ لا تتغيرُ،، وسواءٌ كانتْ الجغرافيا الطبيعيةُ أوْ الجغرافيا السياسيةِ “ الجيوسياسيةِ، فإنَ المقولةَ في الحالتينِ خاطئةً، فحتى الجغرافيا الطبيعيةُ، بمحيطاتها وبحارها وجبالها وصحاريها وسهولها، ليستْ ثابتةً، ولمْ تكنْ يوما ثابتةً، بلْ لعلها كانتْ تابعةً دوما للسياسةِ وليسَ العكسُ،، تبدو الصورةُ الحدثيةُ للخريطةِ السياسيةِ للعالمِ العربيِ والإسلاميِ وشرقُ أوروبا مألوفةً على سكانهِ داخلَ هذهِ الخرائطِ مرسومةً الحدودِ، لدرجةَ أنها لا تثيرُ التساؤلَ عنْ أصلها وكيفيةٍ منْ رسمها وصنعها ؛. وتغيرَ الخرائطَ الجغرافيةَ تبعا لتغيرِ خرائطِ القوى السياسيةِ ليسَ أمرا جديدا، بلْ لقدْ كانتْ الجغرافيا في تغيرٍ مستمرٍ دوما حسبَ راسميها، فقدْ دخلتْ ضمنَ بديهياتِ الأمورِ التي لا يتبادرُ للذهنِ التفكيرِ فيها، وإنْ كانَ هذا في بقيةِ العالمِ أمرا أصبحَ مألوفا، بعدُ الحربِ العالميةِ الثانيةِ، الذي أنتجتهُ الأحداثُ الأوروبيةُ على دولِ التجزئةِ. عقبَ اتفاقيةٍ ” سايْكس بيكو ” وغيرها منْ الاتفاقياتِ في رسمِ الحدودِ ؛ - إنَ انهيارَ الحدودِ الجغرافيةِ بينَ الدولِ وسقوطِ المعادلاتِ التي رسمتها اتفاقيةٌ (سايكسْ – بيكو) الشهيرةِ ينذرُ بتحولاتٍ غيرِ مسبوقةٍ على مستوى المنطقةِ برمتها لا سيما أنَ هذهِ المتغيراتِ الدراماتيكيةِ ليستْ وليدةَ عواملَ سياسيةٍ طبيعيةٍ نتجتْ عنْ اتفاقياتٍ أوْ تفاهماتٍ بينَ الدولِ أسوةٍ بالاتحادِ الأوروبيِ، على سبيلِ المثالِ، الذي أعادَ رسمُ هويتهِ السياسيةِ منْ خلالِ ترفعُ الأعضاءَ عنْ مكتسباتٍ ذاتيةٍ وطنيةٍ للمصلحةِ العامةِ والمشتركةِ... وتتزامنَ هذهِ الحقبةِ الجديدةِ منْ نزاعاتِ الشرقِ الأوسطِ معَ تفككِ النظامِ العالميِ، ففي مرحلةٍ “ ما بعدَ الحربِ الباردةِ ” والوضعِ الراهنِ منْ صراعٍ سياسيٍ واقتصاديٍ وسباقِ التسلحِ والبحثِ عنْ أطرافٍ للصراعِ جددَ وكتل متجانسةً جغرافيا لتنضمَ إلى الصراعِ العالميِ، فالشرقُ الأوسطُ لهُ أهميةٌ قصوى لكلِ أطرافِ الصراعِ وليسَ بعيدٌا وخاصتا المملكة السعوديةِ وإيران كأكبر مصدري ْ للنفطِ والاحتياطيِ العالميِ...

ومعَ أزمةِ الطاقةِ منْ تداعياتِ حربِ شرقَ أوروبا التي نعيشها اليومَ، لمْ يعدْ المجتمعُ الدوليُ قادرٌا

على الاستجابةِ بشكلٍ فعالٍ للنزاعاتِ الدوليةِ، ناهيكَ معَ تراجعَ دورُ الأمِم المتحدةَ في فضِ النزاعاتِ الإقليميةِ المنَوطه بها في حفظِ السلامِ وتهديدٍ إلسلمُ الاجتماعيِ العالميِ، لمُ تكن لها دورٌ في وقفِ نزيفِ الدمِ على الخريطةِ السياسيةِ في الشرقِ الأوسطِ منْ حروبٍ أهليةٍ وسطَ هذهِ التطوراتِ الحاليةِ في سوريا، والعراقُ، واليمنُ، وليبيا،، إنَ النزاعاتِ في الشرقِ الأوسطِ. تعنى المشكلةُ الأولى منْ دخولِ أطرافٍ إقليميةٍ في الصراعِ وتهديدِ الأمنِ القوميِ العربيِ...

الجغرافيةَ الدينيةَ لإيران والسعوديةِ لهمْ أهميةٌ قصوى في النزاعاتِ في المنطقةِ فالسعوديةُ تتزعمُ الدولُ السنيةُ، رغمَ تخوفاتها منْ أجزاءٍ منْ أراضيها في المنطقةِ الشرقيةِ الذينَ يدينونَ بالمذهبِ الشيعيِ...

وإيران تتزعمُ المذهبَ الشيعيَ والأقلياتِ الشيعيةَ في المحيطِ الجغرافيِ والعربيِ ومعَ ظهورِ نزاعاتٍ طائفيةٍ وعرقيةٍ ومذهبيةٍ في الدولِ العربيةِ كانتْ إيران حاضرةً وبقوةِ سياسيا وعسكريا في لبنانَ وسوريا واليمنِ والعراقِ... مما ساعدَ على تأزمِ العلاقاتِ العربيةِ الإيرانيةِ... إنَ النزاعاتِ في العالمِ العربيِ والإسلاميِ بترسيمِ الحدودِ أوْ مبدأِ عدمِ قابليةِ تقسيمِ الدولةِ على الطائفيةِ. فنظرا إلى أنَ الحروبَ الحديثةَ بينَ الدولِ تنتهي في غالبِ الأحيانِ منْ دونِ المساسِ بوحدةِ وسلامةِ أراضيها ما حدثَ في حربٍ “ إيران والعراقِ ” على ترسيمِ الحدودِ، لذلكَ أنَ منْ الصعبِ إيجادُ حلولٍ وسطٍ تتأرجحُ بينَ الانتصارِ والهزيمةِ في فتراتِ الحربِ التي استمرتْ ” 8 سنواتٍ ” إنَ الصراعاتِ الداخليةَ والحروبَ الأهليةَ في العراقِ خلقَ شكل جغرافيٍ جديدٍ منْ المطالبةِ بالتقسيمِ بسببِ استحالةِ إحداثِ فصلٍ جغرافيٍ بينَ طرفيْ النزاعِ في شمالِ العراقِ بسببِ تداخلٍ (الديموغرافيةَ والعرقِ والدينِ) كذلكَ لبنان واليمنِ وما هوَ مطروحٌ في ظلِ الوضعِ المأساويِ في سوريا بفصلِ طرفيْ النزاعِ في مناطقِ شمالِ سوريا وحلبَ فيجبُ في هذهِ الحالةِ أنْ يحصلَ أحدُ الطرفينِ على كلِ شيءِ تقريبا، إذْ لا يمكنُ أنْ يكونَ هناكَ حكومتانِ لدولةٍ واحدةٍ ” (كما في الحالةِ العراقيةِ حكومة كردستانْ وحكومة في بغدادَ كذلكَ الحالةِ الليبيةِ واليمنيةِ... إنَ مشكلةَ ترسيمِ الحدودِ تعتبرُ حادةً في حالةِ النزاعاتِ التي ترسمُ معالمها الانقساماتُ (الاثنيةَ والطائفيةِ) لذا، طالما أنَ احتمالَ التقسيمِ الرسميِ لدولِ الشرقِ الأوسطِ لا يزالُ يلقى معارضةً إقليميةً ودوليةً قويةً، سيكونُ منْ الصعبِ تفاديَ الحصيلةِ الصفريةِ ودليلٍ على ذلكَ فشلُ صفقةِ القرنِ للقضيةِ الفلسطينيةِ. وقدْ لأتكون التسوياتِ المتفاوضَ بشأنها والتي تحافظُ على سيادةِ الدولةِ ممكنةً إلا منْ خلالِ تحقيقِ عمليةِ انتقالِ السلطةِ السياسيةِ عبرَ تعزيزِ الحكمِ الذاتيِ المحليِ. وهذا ما طرحَ في مفاوضاتِ جنيف منذُ أعوامُ بشأنِ الوضعِ السوريِ بطرحِ نموذجِ يوغسلافيا في تقسيمِ سوريا.

هذا الانهيارِ على المستوى العربيِ يعيدُ رسمَ الحدودِ الجغرافيةِ بالدمِ وليسَ ” بحبرٍ ”

صحيحٍ أنَ الأهدافَ الاستعماريةَ في مطلعِ القرنِ العشرينَ لمْ تكنْ تبحثُ في تلكَ التقسيماتِ السياسيةِ إلا عنْ مصالحها المباشرةِ والدليلِ على ذلكَ هوَ مساعدتها الحثيثةُ لزرعِ الكيانِ الإسرائيليِ في قلبِ فلسطينَ والمنطقةِ العربيةِ، ولكنْ سرعانَ ما تحولتْ هذهِ الحدودِ إلى أمرِ واقعٍ تولدتْ عنهُ ممارساتٌ وعاداتٌ وتقاليدُ وأعرافٌ سياسيةٌ ومجتمعيةٌ وشعبيةٌ أدتْ إلى تمتعِ كلِ الكياناتِ العربيةِ بخصوصياتٍ لمْ يعدْ التراجعُ عنها بالأمرِ السهلِ لا سيما إذا كانَ هذا التراجعِ يتمُ بالقوةِ والعنفِ ولمصلحةِ مشاريعِ أيدولوجيةٍ وأطماعٍ إقليميةٍ ودوليةٍ للدولِ العربيةِ،، هذا التقسيمِ في الحقيقةِ تقسيما سياسيا بحتا، يضعَ الغربُ نفسهُ فيهِ في مواجهةٍ معَ الشرقِ طمعا بمصالحَ سياسيةٍ واقتصاديةٍ بالدرجةِ الأولى. وستأخذُ هذهِ المواجهةِ غيرِ السلميةِ في غالبِ الأحيانِ شكلاً أكثرَ نبلاً في عيونِ التاريخِ والشعوبِ الأوروبيةِ لوْ بررتها (الجغرافيا المزيفةُ) كصراعٍ حتميٍ لا مفرَ منهُ، ولوْ جعلتها الفروقُ الثقافيةُ والدينيةُ بمثابةِ حربٍ مقدسةٍ للدفاعِ عنْ الهويةِ العربيةِ والفارسيةِ والتركيةِ،، وهوَ يقننانِ منْ مرونةِ الجغرافيا في خدمةِ السياسةِ، سيجعلنا حذرينَ جدا منْ التسليمِ بالمصطلحاتِ الجغرافيةِ. كما أنَ الترويجَ لحالةٍ منْ الصراعِ بينَ الشرقِ الذي كثيرا ما يستخدمُ مرادفا (جغرافيا عنْ العربِ والإسلامِ ) والغربِ الذي يعني دولَ العالمِ الأولِ بهويتها ومرجعيتها المسيحيةِ، على أنهُ صراعٌ تحتمهُ الجغرافيا أمر يحتاجُ إلى إعادةِ نظرٍ، حيثُ تنقضهُ عشراتُ الوقائعِ والأزماتِ التي يصطلي المسلمونَ في جحيمها. فالصينُ مثلاً التي تضطهدُ ملايينَ المسلمينَ في إقليمِ شنغيانغْ تقعَ إلى الشرقِ منا، وكذلكَ ميانمار، وثمةَ أيضا روسيا الدولةَ العابرةَ للقاراتِ والتي غرستْ خنجرها في العالمِ العربيِ، وثمَ إبادة تعرضَ لها المسلمونَ في إفريقيا الوسطى، وهناكَ إسرائيلُ التي تقعُ في قلبنا الذي أسموهُ “ الشرقَ الأوسطَ ”، وكلهمْ لا ينتمونَ للغربِ بالمفهومِ المرادِ لنا برمجةُ عقولنا على جغرافيتهِ. وعندما يتمُ التلاعبُ بالجغرافيا في فتراتِ السيطرةِ والقوةِ، ففي عامِ 1884 م عقدٍ ” مؤتمرَ ميريديانْ ” الدوليُ بتحديدِ خطِ الطولِ “ جرينيتش ” كخطٍ فاصلٍ بينَ شرقِ الأرضِ وغربها. لمْ يكنْ المقصودُ منْ ذلكَ تسهيلُ إجراءاتِ التجارةِ والملاحةِ وقياسِ الوقتِ فقطْ، بلْ يحملُ الأمرُ بعدا سياسيا واضحا، يتمثلَ باعتبارِ بريطانيا العظمى، نفسها نقطةَ صفرٍ للجغرافيا ومركزٍ للعالمِ تقاسُ الدولُ تبعا لهُ شرقا وغربا. وهوَ تقسيمٌ سياسيٌ بحتٌ، وهذا ما يؤكدُ لنا صحةُ تغيرِ الجغرافيا تبعا للسياسةِ. ففي عصرِ الخليفةِ المأمونْ، دعيَ علماء وجغرافيينَ لوضعِ خريطةٍ جديدةٍ للعالمِ، أسفرتْ عنْ خريطةٍ تقعُ بغدادُ عاصمةَ الدولةِ العباسيةِ في مركزها تماما، وتبدو أوروبا فيها صغيرةٌ نسبيا، في حينِ تمتدُ أفريقيا وآسيا امتدادا واسعا، واختفاءُ وجودِ قارتيْ أمريكا وأستراليا فيها، فاختفاؤهما منْ الخرائطِ لمْ يكنْ يعني فقطْ عدمَ اكتشافهما، بلْ كانَ يعني أيضا غيابهما عنْ الخريطةِ، إنَ قدرَ الشرقِ الأوسطِ بما فيهمْ تركيا وإيران تجاوزا، أنْ يكونوا سكانا لأكثر مناطقِ العالمِ سخونةً على مدارِ التاريخِ ؛ فمنذُ سقوطِ الدولةِ العثمانيةِ والشرقِ الأوسطِ، على خلافِ مناطقِ كوكبنا الأرضيِ الأخرى، على صفيحٍ ساخنٍ مستمرٍ السخونةِ والاشتعالِ، كلما خبتْ نارُ صراعٍ اندلعتْ نيرانُ صراعٍ آخرَ، منْ صراعاتِ الحروبِ معَ المستعمرينَ الذينَ تقاسموا تركةٌ « الرجلِ التركيِ المريضِ »، إلى الصراعاتِ والحروبِ غيرِ المتكافئةِ بينَ العربِ وإسرائيلَ حولَ فلسطينَ، إلى صراعاتِ القوى الطائفيةِ في لبنانَ إلى صراعِ الانقلاباتِ العسكريةِ إلى حربِ صدامْ معَ إيران ثمَ صراعِ صدامْ معَ جيرانهِ الخليجيينَ ثمَ الاحتلالِ الأميركيِ للعراقِ إلى صراعٍ إقليميٍ إيرانيٍ وتركِي على منْ يقودُ هذهِ المنطقةِ،، إلى ثوراتِ الربيعِ العربيِ وما أحدثتهُ منْ دمارٍ وفوضى هائلينِ في سوريا وليبيا، واليمن،ثمَ صعودٍ « داعشْ »، وأخيرا التهديدَ بحربِ أميركيةٍ إسرائيلية خطيرةٍ ضدَ النظامِ الإيرانيِ. قدرُ الشرقِ الأوسطِ أنْ يكونَ مهدُ الدياناتِ التوحيديةِ الثلاثِ : الإسلامُ واليهوديةُ والمسيحيةُ، هوَ أيضا سبب لأنْ يكونَ قدرا منْ معاناةِ الصراعاتِ الدينيةِ والمذهبيةِ، وقدرَ الشرقُ الأوسطُ أنْ يكونَ حاضنا لحضاراتٍ عريقةٍ : الحضارةُ العربيةُ الإسلاميةُ والفارسيةُ والعثمانيةُ، ومركزا لطوائفَ مسيحيةٍ متنوعةٍ في كلٍ منْ لبنانَ وسوريا ومصرَ، وخاضنا لمللٍ وأعراقِ ومذاهبَ مختلفةٍ كالسنةِ والشيعة، والدروزُ والآشوريونَ والصابئةُ، والأكراد والدروز، والترْكمانْ، والعلويينَ والبربرِ، والنوبيينَ، والأرمنُ والزنجُ، والتتارُ والصقلابْ والشناقْ والشرُكس، والسرياليينَ، والٍكلدانيينْ، والزيديينَ، هذا ناهيكَ عنْ الهوياتِ العرقيةِ، هوَ تنوعٌ مثيرٌ في مفرداتِ لغةِ الحضارةِ، ولكنهُ تحولَ على نارٍ تحتَ رمادِ الخريطةِ السياسيةِ في الشرقِ الأوسطِ الملتهبِ إلى كوارثَ وصراعاتِ ولعنةِ الجغرافيا،، النفطُ في منطقةِ الشرقِ الأوسطِ، والمقدرَ بثلثيْ الاحتياطيِ العالميِ، هوَ الآخرُ “ منحةٌ ” قدْ يتحولُ في بعضِ الأحيانِ إلى “ محنةٍ، ” جعلتهُ محلَ تنافسٍ شديدٍ بينَ الدولِ المستهلكةِ وجعلِ المنطقةِ كلها في بؤرةِ هذا التنافسِ الآنِ صراعَ الغازِ شرقَ المتوسطِ، (كلٌ ذي نعمةِ محسودْ)، ناهيكَ عنْ الصراعِ المتوقعِ في منطقةِ الشرقِ الأوسطِ على المياهِ، في مصرَ ودولِ المنبعِ في إفريقيا، وفي الشيِح المائي.. في العراقِ وسوريا وهيَ أكثرُ المنطقةِ التي تعتبرُ الأكثرَ فقرا بالنسبةِ إلى المواردِ المائيةِ في العالمِ. منْ يسيرُ حوادثَ التاريخِ في منطقةِ الشرقِ الأوسطِ بالذاتِ سيخرجُ بمحصلةٍ تؤكدُ أنَ المنطقةَ ستظلُ ملتهبةً بالصراعاتِ السياسيةِ والاقتصاديةِ والطائفيةِ والعسكريةِ في سلسلةٍ ممتدةٍ في عمقِ التاريخِ. وأخيرٌا يطرحُ سؤالاً هلْ التقاربُ الإيرانيُ السعوديُ يستطيعُ خلقا شرقَ أوسطَ جديدٍ منْ نبذِ الصراعِ الطائفيِ...؟!

***

محمدْ سعدْ عبدِ اللطيفْ

كاتبٌ مصريٌ وباحثٌ في علمِ الجغرافيا السياسيةِ

 

إن ما يشهده العالم المتقدم اليوم من ردود أفعال على التغيرات الراهنة لا ينبىء أبدا بمبدأ الديمقراطية الذي لطالما تغنى به وعاب على الكثير من دول العالم دكتاتورية الحكام في التعامل مع شعوبها.

ديمقراطية؛ هذه الكلمة التي تحمل في طياتها مبدأ الحرية التي لطالما تفاخر العالم المتقدم بتوريدها للعالم كشكل من أشكال الحضارة.

ديمقراطية؛ يرجى ظهورها الأول إلى آثينا (اليونان القديمة)، مشتقة من demos بمعنى الشعب وKratos بمعنى حكم أو سلطة وعليه فهي تعني سلطة الشعب أو حكم الشعب.

لكن إلى أي مدى وصل حكم الشعب في العالم المتقدم؟

حينما نرى الشرطة في مكان ما من هذا العالم المتقدم تقمع مظاهرات شعبية تطالب بحقوق مشروعة وفق مبادىء الديمقراطية، حينها يكون تساؤلنا مشروعا: لماذا نفس هذه البلدان تعيب على غيرها قمع الحريات عن طريق قنواتها ومتابعيها في بلدان تريد لهم ديمقراطية على مقاسها هي وبما يخدم مصالحها؟

لا ننكر أن هذا العالم المتقدم أعطى للعالم أجمع مثالا رائعا عن التحضر والتطور في جميع المجالات وأحدث ثورة علمية انعكست على الجانب الاجتماعي والفكري للإنسان الحديث الذي ركب الموجة في مسايرة منه للتطور الحاصل في العالم دون أن يدري أنه أداة في يد العلم يحركها كيفما شاء، العلم الذي في جانب منه بعد أن كان فائدة للبشر صار هوسا لفئة قليلة من البشر تؤذي به فئة كبيرة أخرى من البشر.

معظم الحروب التي قامت في العصر الحديث ما هي إلا نتيجة لعلم أنتج أسلحة، منها النووية ومنها البيولوجية.

حرب بيولوجية حسبما يُروى تدور كواليسها في مختبرات لرقعة جغرافية تدعمها دول يُعتقد أنها من عالم ديمقراطي متحضر، ويحاربهم من يتهمه كتابهم ومثقفوهم بالدكتاتورية.

ما قول هؤلاء المثقفين في سياسات حكوماتهم التي تفرض على شعوبها، بشكل مباشر أو غير مباشر، ما تراه عند الآخرين رجعية وتخلفا وتعاملهم بمنطق الأنظمة التي تتهمها بالشمولية في حين أنها تسلب شعوبها حقوقا مشروعة لم يكن فيها جدال.

دول قامت أمجادها على حساب استعمار واستعباد وتقتيل شعوب أخرى وسلبها ثرواتها وتجهيل شعوبها في مقابل ضمان حياة كريمة لمواطنيها الذين تعتبرهم بشرا وغيرهم نصف بشر أو لا يوجد. مواطنون يعلمون أن رفاهيتهم قائمة على حساب تفقير شعوب أخرى ومع ذلك دعموا مواقف حكوماتهم في زمن ما فيما رفضها آخرون منهم دعموا الشعوب المستعمرة ضد حكومات بلدانهم شخصيا، دعم شهد لهم به التاريخ.

لا جدال في أنها شعوب متحضرة في جوانب ما من حياتها وهي كذلك شعوب تفكر وتعمل، لكنها دخلت من خلال الشاشات إلى شعوب أقل تقدما فسلبت منهم عقولهم وحولتهم لمجرد تابعين لها، تبعية لم تدم طويلا، فهاهو العالم يستفيق من غفوته أو من حالة الخدر التي أصابته ليجد ديمقراطية زائفة تكشف عن نفسها في ظل عالم متغير تصعد فيها قوى جديدة وتنهار أخرى أو على الأقل تتضاءل سطوتها مع توجه العالم نحو تعددية قطبية يكون فيها تساو ونوع من العدل في تقسيم ثروات العالم وتعدد قواه.

إن التعددية القطبية التي يسير نحوها العالم اليوم تتطلب تغييرا في النظم والايديولوجيات التي قام عليها العالم سابقا، ليس تغييرا جذريا بين ليلة وضحاها، لكن تغيير تدريجي مبني على أسس تخدم الإنسان، خاصة وأننا نشهد منذ زمن اضمحلالا لهذا الإنسان وسط دكتاتوريات مختبئة تحت غطاء ديمقراطي بدأت تكشف عن وجهها بقمع حرية الرأي والتظاهر والتعسف في تمرير قوانين مرفوضة شعبيا ودكتاتورية رأس المال الذي وسع الفجوة بين الغني الذي لا يزداد إلا غنى والفقير الذي لم يعد يستطيع مقاومة عجلة الرأسمالية التي لا تعترف بالديمقراطية إلا إذا عادت عليها بالمنفعة.

إن تعطش الفرد في بعض الدول الفقيرة أو السائرة في طريق النمو إلى الحرية يجعله لا يعرف كيف يختار طريقه نحو الحرية، فبدل أن يتجه للعمل والتفكير الذي يعود عليه وعلى الصالح العام بالمنفعة، على العكس من ذلك يغرق في مستنقع التشاؤم وعدم الفعالية التي تجعل منه فردا كئيبا دائم التذمر والاعتراض بدل النهوض ومحاولة التفكير الايجابي والعمل اللذان لا يمكن أن نتحدث عن تقدم نحو الأمام بدونهما.

إن الإنسان في ظل عالم متغير عليه تغيير نظرته لتتماشى مع مستجدات الوضع الراهن وعدم تصديق ايديولوجيات زائفة تظهر يوما بعد يوم للعلن معلنة عن انهيار جبل المثل الذي طالما أوهمت به العالم لتكشف عن وجهها الحقيقي الذي لطالما اختبأ تحت مبادئ عدة أثبت الزمن أنها مجرد حبر على ورق.

فالانسانية لا تقتضي القضاء على البشر لحساب البشر والديمقراطية لا تعني استعمار بشر لأجل منفعة بشر آخر.

إن هذه المفاهيم تتطلب تجسيدا واقعيا مع كل البشر والكائنات وإلا فهي مفاهيم تستوجب إعادة النظر في معناها وطريقة تطبيقها.

***

لامية خلف الله - كاتبة من شرق الجزائر

 

 

وحديث عن تحديث الجيش الياباني ما بين استراتيجية التصنيع المتفوق وتعدد مصادر الشراء

ماذا عن العقيدة العسكرية اليابانية وعلاقتها بانتحار الروائي الياباني "هو يوكيو ميشيما"؟

وماذا عن تخوفات الصين وروسيا وكوريا الشمالية؟

وأسئلة أخرى

ظلت العقيدة العسكرية اليابانية منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية رهينة مخرجات الهزيمة التي القت بظلالها على العقل الياباني وبرمجته على رهاب القوة العسكرية اليابانية التي قيدتها شروط الحلفاء القاسية.. وفق عقيدة دفاعية قيدت من تطوير الجيش ليعتمد على وعود الأمريكيين في الدفاع عن اليابان إذا ما تعرضت لعدوان من قبل جاراتها.

لذلك صدرت المادة التاسعة من الدستور الياباني التي تنص على "التخلى إلى الأبد عن الحرب".

وتجدر الإشارة إلى أن اليابان ليست لديها جيش بالمعنى التقليدي، بل هناك ما يسمى ب"قوات الدفاع الذاتي"، لكن ذلك لم يمنعها من تشكيل قوات قوية صنفت في المرتبة الخامسة عالمياً، وفق مؤشر "غلوبل فاير باور" الأمريكي.

إلى جانب ذلك احتضنت الدولة العميقة في اليابان هذه العقيدة لِتُوْلِي اهتمامَها بالتنمية المستدامة وتحويل ما يتوفر من أموال إلى مشاريع التنمية وخفض العبء عن الصندوق السيادي.. وهذا سينعكس على المستوى المعيشي لليابانيين؛ لذلك فاليابانيون يحبذون بقاء الوضع على حاله.

ولكن الحرب الأوكرانية فتحت عيون اليابانيين على ما يحيق ببلادهم من أخطار بالغة، لعل أهمها:

أولاً:- الخطر الداهم الذي يحيط باليابان من ثلاث دول نووية تتنازع معها على بعض الجزر اليابانية، وهي الصين وروسيا وكوريا الشمالية.

ثانياً: عدم ثقة اليابانيين بالولايات المتحدة فيما لو تعرضت اليابان لهجوم من أعدائها، وتأكيداً على ذلك، فإن مستشار الأمن القومي الأمريكي السابق روبرت أوبراين صرح مؤخراً بأن الولايات المتحدة ستدمر مصانع شركة تايوان لتصنيع أشباه الموصلات (TSMC) إذا أتيح للصينيين السيطرة عليها بعد الغزو المحتمل، وفقاً لما أورده موقع بيزنس إنسايدر.. أي أن أمريكا لن تتدخل عسكرياً لحماية حلفائها الذين أخذوا ينفضون من حولها كالسعودية وهم يراقبون التلكؤ الأمريكي في دعم أوكرانيا.

إن تغيير العقيدة القتالية "للجيش الياباني" لم تكن وليدة اليوم، فهي مرتبطة تاريخياً بانتحار الروائي الياباني هو يوكيو ميشيما، الذي توجه إلى قاعدة للجيش في طوكيو في 25 نوفمبر 1970 واختطف القائد، وأمره بأن يجمع الجنود، في محاولة انقلابية فاشلة، ودعا ميشيما الجنود للتمرد على الحكومة المدعومة من الولايات المتحدة والدستور، ووبّخهم بقسوة على الاستكانة والخنوع وتحداهم أن يعيدوا للإمبراطور هيبته كإله حي وقائد قومي كما كان قبل الحرب.

قوبل هذا الكلام باستخفاف الجنود الذين برمجت عقولهم على مبدأ السلام ونبذ الخيار العسكري والخضوع لإرادة أمريكا التي تعهدت بحماية اليابان، ما دام ذلك -بالنسبة لليابانيين- سيصب في دعم التنمية والنهوض باليابان في كافة المجالات وحصولها على فرصة الاطلاع على التكنلوجيا الأمريكية الحساسة؛ ما سيعوض شعور اليابانيين بالإذلال الذي ظل دفيناً في القلوب.

كانت صدمة بالنسبة لميشيما إذ انسحب إلى الداخل وقال كلمته الشهيرة: "أعتقد أن صوتي لم يصل إليهم".

ثم جثا على ركبتيه وانتحر على طريقة الساموراي ببقر البطن.

كان موت ميشيما صادماً للشعب الياباني، وتحول كلامه إلى أيقونة ملهمة أذ يعتبر أول الدعاة إلى "عقيدة الهجوم اليابانية" بدلاً من الدفاعية.

وقد تصاعدت المطالبات بذلك مع وصول شينزو آبي، إلى رئاسة الوزراء للمرة الثانية في 2012، رافعاً معه شعار "استعادة اليابان القوية" اقتصادياً وعسكرياً.

لكن "آبي"، قتل في يوليو 2022 ربما من الدولة العميقة التي تخالف هذا التوجه، إلا أنه بوفاته تصاعدت فكرة استعادة قوة اليابان "الاقتصادية والعسكرية" بدل أن تذبل وتموت.

وجاءت "وثيقة استراتيجية الأمن القومي اليابانية" لتسمح لأول مرة منذ الحرب العالمية الثانية للجيش بالقيام بـ"ضربات مضادة" ضد قوى معادية.

ثم اجتمع رئيس الوزراء الياباني، فوميو كيشيدا مؤخراً، مع وزيري الدفاع والمالية، وأصدر تعليماته باتخاذ التدابير اللازمة لضمان نمو الإنفاق العسكري إلى 2% من الناتج المحلي الإجمالي سنويا بحلول العام 2027.

وهذا يفسر توجهات كيشيدا، بزيادة ميزانية بلاده الدفاعية للسنوات الخمس القادمة إلى 43 تريليون "ين"، بواقع 318 مليار دولار.

وسوف تذهب هذه الميزانية إلى زيادة عدد أفراد الجيش وتطوير الصناعات العسكرية ثم شراء الأسلحة المتطورة مع تعدد مصادرها.

من جهة أخرى ثارت مضاعفة ميزانية اليابان الدفاعية وتغيير عقيدتها العسكرية قلق جيرانها شرقي آسيا، خاصة وأن ذاكرة المنطقة مثخنة بجراح الحروب الدموية التي خاضها الجيش الياباني في النصف الأول من القرن الماضي، منها احتلال شبه الجزيرة الكورية والتنكيل بشعبها.. أي أن علاقة اليابان بأعدائها تقوم على الريبة والثارات المبيتة نسبياً.

وعزز هذه المخاوف، ما لدى اليابان من ميزات في الجوانب العسكرية، أهمها أنها واحدة من أكثر دول العالم تقدماً، وهي تنتج بعضاً من أفضل الأسلحة في العالم، من حيث التكنولوجيا والجودة والريادة، بما في ذلك تقديمها أول رادار "أيسا" في العالم، وواحدة من أكثر الدبابات تقدماً (الدبابة Type-10)، إضافة إلى أن واشنطن سمحت لطوكيو بالوصول إلى التكنولوجيا الأمريكية المتقدمة التي لم يحظَ بها إلا الكيان الإسرائيلي وربما بريطانيا.

لكن الأهم من كل ذلك أن اليابان أيضاً قررت امتلاك أسلحة هجومية من طائرات حربية من الجيل الخامس (إف 35) وصواريخ ذات مدى يطال العمق الصيني ويغطي مساحة كوريا الشمالية ويصل جنوب شرق روسيا.

وهذا لا يحجب ما لدى طوكيو من مشكلات في المجال العسكري، منها تداعيات سنوات النزعة السلمية الطويلة، وتراجع عدد السكان، وبالتالي تراجع أعداد الجنود، والأهم تأخر اليابان في الدخول في مجالات تصنيع الطائرات المسيرة والذكاء الاصطناعي والصواريخ فرط صوتية، وهي المجالات التي حققت فيها الصين -تحديداً- تطوراً مذهلاً فاق في بعض الحالات التطور الأمريكي (خاصة في الصواريخ فرط صوتية).

صحيح أن أمريكا ستستفيد مادياً من فتح سوق السلاح الأمريكي الباهظ الثمن لليابانيين، ناهيك عن توفير قطع الغيار والمواد الأولية ومدخلات الانتاج من العناصر النادرة والشرائح الإلكترونية اللازمة للمساعدة في جهود التصنيع اليابانية لصالح الجيش الياباني؛ إلا أن الخطير في الأمر أن امريكا تريد إشعال منطقة بحر الصين من خلال وكلائها دون أن تورط نفسها وهذا يفسر ما بادر إليه العم سام بفكِّ قيود اليابان العسكرية بغية تطوير جيشها المتعطش للانتقام لاستعادة هيبتها، في إطار التحالف الإقليمي مع أمريكا لضرب الصين إذا ما اقدمت على اجتياح تايوان دون الاكتراث بالنتائج.. مع أن الحكمة تسترعي حل المشاكل مع دول الجوار دبلماسياً كما فعلت الرياض إزاء طهران؛ لأن الحروب مجلبة للدمار وأمريكا لا تقترب من النار بل تدفع حلفاءها إليها أفلا يعقلون!.

***

بقلم بكر السباتين

20 مارس 2022

صرح بتسلئيل سموترتش المًنظر الجديد للصهيونية العنصرية ووزير مالية الاحتلال، في تصريحات له في فرنسا بالأمس أنه "لا يوجد شعب فلسطيني وأن هذا ليس سوى اختراع يعود عمره الى أقل من مائة عام". وتأتي هذا التصريحات كجزء من الحرب الصهيونية المعممة على الفلسطينيين شعباً وهوية وتاريخاً ولتبرير الممارسات الإرهابية والاستيطانية.

وسنستشهد بنصوص من كتبهم (المقدسة) وهي جزء من الكتاب المقدس الذي يشمل العهدين القديم والجديد وهذا الكتاب موجود في الكنائس وفي المكتبات بكل اللغات بما فيها اللغة العربية، وإن كانت هذه الاقتباسات تؤكد على وجود لليهود في فلسطين القديمة كما كانوا موجودين كديانة في بلاد أخرى ونحن لا ننكر وجود ديانة يهودية، إلا أنها تؤكد أيضاً على أسبقية وجود الشعب الفلسطيني على هجرة اليهود أو بني إسرائيل الأوائل إلى فلسطين.

ففي الكتاب المنسوب إلى نبيهم يشوع بن نون (كتاب يوشع) جاء: " وقد بقيت أرض كثيرة – لم يدخلها اليهود – وهي: كل دائرة الفلسطينيين وكل أرض الجاشوريين – أمام مصر – وأقطاب الفلسطينيين الخمسة – وهم: الغزي والاشرودي و الاشقلوني والجتي والعقروني ..." . وفي عصر (القضاة) الموالي لعصر يوشع جاء في سفر القضاة (10:7) : " فحمى غضب الرب على بني إسرائيل – وباعهم بيد الفلسطينيين فحطموا إسرائيل ثماني عشرة سنة – في جميع أرض بني إسرائيل " وفي سفر القضاة (13:1) جاء: " ثم عاد بنو إسرائيل يعملون الشر في عيني الرب – فدفعهم الرب إلى يد الفلسطينيين أربعين سنة " . وفي العصر التالي – عصر النبي (صموئيل) جاء في الكتاب المنسوب إلى هذا النبي: (صموئيل الأول 4: 1) : " وخرج جيش بنو إسرائيل للقاء الفلسطينيين – فانكسر (انهزم) بنو إسرائيل أمام الفلسطينيين } وتكررت الهزيمة " .وفي عهد الملك (طالوت) واسمه في كتابهم (شاول) جاء في (صموئيل الأول 13: 5): " واجتمع الفلسطينيون لمحاربة بني إسرائيل أيام شاول الملك: ثلاثون ألف مركبة حربية وستة آلاف فارس وشعب (جيش) عدده كالرمل الذي على شاطئ البحر .. فاختبأ اليهود في المغارات والغيامن والآبار .. وكل شعب اليهود ارتعب من الفلسطينيين " . وفي عهد داوود جاء في سفر (صموئيل الأول 27: 12) أن داود يهرب للمرة الثانية ويختبئ هو ورجاله عند ملك الفلسطينيين الذي أكرمهم , وظلوا عنده سبعة أشهر ، وفي كتاب (صموئيل الثاني) جاء أنه بعد أن صار (داود) ملكاً على اليهود , قام باسترداد والديه وزوجاته وأولاده من عند ملك الفلسطينيين الذي أكرمهم جداً . وفي عهد سليمان وفي كتاب (ملوك أول 4: 24) جاء أن حدود مملكة اليهود تنتهي عند حدود مدينة غزة التي لم تدخل أبداً ضمن مملكة اليهود. وظلت بعد ذلك ملكاً للفلسطينيين. وفي كتاب (أخبار أيام ثاني 17: 11) صار ملوك الفلسطينيين أصدقاء لملوك بني إسرائيل الذين ملكوا بعد موت سليمان)

لو لم يكن هناك شعب فلسطيني فلماذا سميت فلسطين تاريخياً بهذا الاسم فالدول تسمى باسم الشعب الذي يسكنها؟ حتى وعد بلفور نفسه وقبل أكثر من مائة عام نص على "إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين" وليس في (إسرائيل).

إن لم يكن الفلسطينيون الذين يعيشون في وعلى أرضهم منذ آلاف السنين وتجمهم نفس اللغة والعادات والتقاليد والهوية والثقافة شعباً فهل اللقطاء الذين جمعتهم الحركة الصهيونية من كل أصقاع الأرض ومن كل الأعراق: عرب وروس وفرنسيين وأثيوبيين وأمريكيين الخ يشكلون شعباً أو قومية؟ نعم يجمعهم الدين ولكن الدين ليس قومية أو شعبا، وماذا يقول سموترتش للأمم المتحدة والمنظمات الدولية وغالبية دول العالم التي تعترف بوجود الشعب الفلسطيني بل وبحقه في دولة مستقلة، وفي العالم خوالي 120 سفارة وممثلية لفلسطين؟ فهل كل العالم على خطأ وسموترتش وحده على صواب؟

***

ا. د. أبراهيم أبراش

 

 

[صفقة أوكس "أسوأ صفقة في التاريح"

بول كيتنغ رئيس الوزراء العمالي الأسترالي ألأسبق]

مؤخرا بدأت تظهر الى العلن تصريحات للمسؤولين استراليين عن التغييرات في الوضع الجيوستراتيجي في العالم وخصوصا في منطقة الباسيفيك، وما كان يهمس به أصبح لازمة وكأن أستراليا ذاهبة الى الحرب اليوم قبل الغد او غدا قبل الذي يليه.

يلعب الإعلام دوراً محورياً في عملية التعبئة وفي تأجيج نيران العلاقات المضطربة بين الصين وأستراليا وقرع طبول الحرب ضد الصين.

فمنذ اسبوعين نشرت صحيفتي ذي سدني مورننغ هيرالد والايج وفي وقت واحد عنوان ملفت (ذي ريد آلرت) الانذار الأحمر في سلسلة من ثلاث حلقات وتوقعت الصحفيتين عن إمكان دخول أستراليا الحرب في العام 2025 في حال قامت الصين بغزو تايوان.

اقامت الصحيفتين ندوة عن الوضع في المنطقة وكان محور الندوة هل أستراليا جاهزة في حال وقعت الحرب وماالتهديدات التي تواجه أستراليا ، وما هي الثغرات في استعداداتنا، وما يجب أن نفكر في القيام به ردًا على ذلك؟

تحدث في الندوة التي نظمتها الصحيفتين 5 من الخبراء العسكريين في كافة المجالات وكلهم من الذين يملكون وجهات نظر معادية للصين كما قال بول كيتنغ رئيس الوزراء العمالي ألأسبق والخبراء هم ليزلي سيبيك، ميك ريان، آلن تنكل، ليفانا لي وبيتر جيننغز، وكان لكل منهم وجهة نظر في مجال إختصاصه.

التقت وجهات نظر المجموعة على انه على أستراليا الاستعداد لما قد تحمله الايام والسنوات القادمة من تحديات وفي بيانهم المشترك قالوا: "لم تكن العقود الأخيرة من الهدوء هي القاعدة السائدة في الشؤون الإنسانية ، بل كانت انحرافًا". "عطلة أستراليا من التاريخ قد ولت".

إذنن لماذ تعزيز القدرات العسكرية ألأسترالية؟

أستراليا تنفق حاليآ 2% من الدخل القومي على النفقات العسكرية ما يوازي 40 مليار دورة ومن أجل سد الفجوة هناك دعوات لمضاعفة الإنفاق العسكري الى 4% اي 80 مليار دولار مع ان الحكومة تقول أن الإنفاق لن يتجاوز 2.5%.

ما كان يدور خلف الابواب المغلقة أصبح على كل شفة ولسان سواء كان من مؤيدي او معارضي الحرب والتي قد تقع مع الصين في حال قررت الصين غزو تايون لإعادتها الى الوطن الأم، مع العلم أن سياسية الحكومات الأسترالية المتعاقبة (عمال واحرار) هي الإعتراف بالصين كدولة واحدة وهو ما يطلق عليه البعض (الغموض الأستراتيجي)، والجدير ذكره أن زعيم المعارضة الفيدرالية بيتر داتون (أحرار) كان قد قال عندما كان وزيراً للدفاع في حكومة موريسن أن استراليا ستدخل الحرب الى جانب الولايات المتحدة في حال نشوب الحرب مع الصين.

حكومة العمال والتي جاءت الى الحكم في أيار الماضي تحاول جاهدة ترميم العلاقات مع الصين، والتي كانت تدهورت في عهد حكومتي مالكوم تيرنبول وسكوت موريسن بسبب مطالبة أستراليا التحقيق في مصدر كوفيد 19، بالاضافة الى منع شركة هواوي من بناء الجيل الخامس من شبكة الاتصالات وغيرها من القضايا والتي ادت الى رد فعل عنيف من الصين التي فرضت عقويات اقتصادية على أستراليا بقيمة 20 مليار دولار بعد ان أوقفت استيراد الأخشاب والشعير والفحم والمأكولات البحرية وغيرها من المواد الأولية والزراعية.

نفسها الحكومة والتي ورثت من حكومة موريسن إتفاقية أوكس لا تزال ماضية في تعزيز تحالفها مع الولايات المتحدة وبريطانيا وكان آخرها الإعلان عن صفقة الغواصات التي ستشتريها أستراليا وبكلفة 368 مليار دولار خلال الثلاثين عاماً القادمة.

بالإضافة الى اوكس تعمل حكومة العمال على تعزيز تحالف الكواد مع الولايات المتحدة واليابان والهند التي زارها رئيس الوزراء أنطوني البانيزي ألأسبوع الماضي لتوقيع إتفاقيات تجارية، وقد أعلن البانيزي من الهند أن أستراليا ستستضيف عمليات عسكرية مع الهند واليابان والولايات المتحدة في مناورات (مالابار) قبالة سواحل مدينة بيرث ألأسترالية في أغسطس آب القادم.

كيف كانت ردود الفعل على صفقة الغواصات النووية والكلفة الباهضة؟ وكيف سيتم تأمين هذا المبلغ الضخم؟ وأين ستتخلص أستراليا من النفايات النووية؟ وهل توجد طواقم أسترالية لتشغيل تلك الغواصات وهل توجد بنى تحتيه لإستقبالها؟ وهل يعني شراء تلك الغواصات تخلي أستراليا عن إتفاقية منع إنتشار الأسلحة النووية؟ وغيرها من الأسئلة وما ذا عن الشفافية الحكومية بشكل عام ؟

أولاً نشير إلى أن الصفقة تحظى بدعم الحزبين الكبيرين العمال الحاكم والمعارضة المؤلفة من تحالف حزبي (الاحرار- الوطني).

رئيس الوزراء انطوني البانيزي قال أن الصفقة سوف تؤمن قرابة 20 ألف وظيفة، وقال أن استراليا سوف تشغل تلك الغواصات وبطواقم أسترالية، واضاف أن أستراليا لن تتنازل عن سيادتها بهذا الخصوص، وهذا ما أكده وزير الدفاع ريتشرد مارلز مدافعاً عن الصفقة، وقال إنها لا تعني أننا ذاهبون الى الحرب ولكنها لتعزيز الردع والسلام. ورفض وزير الدفاع الإفصاح عن كلفة صفقة الغواصات وتهرب من الإجابة عدة مرات في برنامج انسيدرز على اي بي سي 19/3/2023 لانه لا يملك الإجابة الشافية والتي قد تتجاوز مبلغ 368 مليار دولار.

بيتر داتون زعيم المعارضة الفيدرالية قال إن تامين هذه الصفقة مهم لحاجات أستراليا الدفاعية، ولكنه تحفظ على قيمة وكلفة الصفقة وأضاف انها ستكون على حساب النفقات العسكربة الاخرى، وقال إنه سيعطي رأية بهذه الكلفة بعد إجتماع مجلس الحزب وكان هذا الموقف أول خروج عن تأييد الحزبين غير المشروط للصفقة كما تقدم.

حزب الخضر حذر من ان تامين هذا المبلغ الكبير سيكون على حساب إقتطاع نفقات الصحة والتعليم وهدد بأنه لن يدعم عمليات الإقتطاع في البرلمان.

الأستاذ بالجامعة الوطنية الأسترالية هيو وايت رأى أن إنشاء أسطول أكبر من الغواصات التقليدية أفضل من الغواصات النووية الثمانية.

الرد الأعنف على الصفقة كان من جانب رئيس الوزراء العمالي الأسبق بول كيتنغ الذي إستضافه نادي الصحافة الوطني الأسبوع الماضي، فشن هجوماً غير مسبوق وعرى حزب العمال وسياسته اتجاه الصين والتحالف مع أميركا وبريطانيا، وسمى بالأسماء كل من وزير الدفاع ووزيرة الخارجية واتهمها بانعدام الرؤية ولم يوفر رئيس الوزراء على عقد تلك الصفقة، واعتبر هذه السياسة الأسوأ منذ الحرب العالمية الأولى والتي تم فيها تجنيد الشباب اجباريا للذهاب إلى الحرب، وقال اننا سوف ندفع وحدنا تكاليف الصفقة والتي تقدر ب368 مليار دولار لدعم الصناعات العسكرية الاميركية والبريطانية ووصف اوكس بأنها أسوأ صفقة بالتاريخ.

واعتبر كيتنغ بأنه من غير المنطقي إعتبار ان الصين تستطيع احتلال أستراليا هذا اذا كانت هذه النية موجودة.

وقال بأنه لا ينبغي أن تنجر أستراليا إلى صراع حول مستقبل تايوان.

وهاجم الصحافة الفارغة والمضللة ولم يوفر حتى أجهزة المخابرات.

تصريحات كيتنغ فتحت النقاش على مصرعيه حول الصفقة، رئيس الوزراء دافع عن سياسة حكومته واتهم كيتنغ بأنه لا يزال يعيش في تسعينات القرن الماضي وكذلك فعلت وزيرة الخارجية بيني وونغ.

ودعم تصريحات كيتنغ بيتر غارث الذي كان وزيراً للبيئة في حكومة كيفن راد العمالية ووضف أوكس بالصفقة (النتنة) وكان موقف مؤيد لتلك المواقف من بعض نقابات العمال المهمة والتي ترفض أن يشارك أعضاءها في العمل في موانئ تستقبل غواصات تعمل بالطاقة النووية.

النائبة المستقلة عن مقعد فولر في سدني أيدت تصريحات كيتنغ بقوة معتبرة أنه ليس من الحكمة إنفاق مبلغ 368 مليار دولار غلى أصول لن تؤثر عللى الأستراليين العاديين.

سكان منطقة بورت كمبلا والتي يعتقد أنها ستكون المرفأ الذي سيكون مركز الغواصات اعربوا عن سخطهم وغضبهم من تلك الخطوة والتي تشكل خطراً صحياً وانهم لا يرغبون بأن تكون القاعدة هناك.

الملفت في ألأمر أنه لم يصدر موقف معارض للصفقة أو مؤيد لتصريحات كيتنغ من أي من الوزراء والنواب العمال الحاليين رغم وجود حزبيين مؤيدين وبقوة لتصريحات كيتنغ.

مالكوم تيرنبول رئيس الوزراء السابق (أحرار) أصرعلى أنه كان من الأفضل الحصول على غواصات تعمل بالطاقة النووية من فرنسا لأنها ستكون أرخص ، وتكون في بالخدمة في وقت مبكر من الغواصات الاميركية والبريطانية ولا تستخدم إلا اليورانيوم المنخفض التخصيب.

وتساءل تيرنبول عما إذا كانت المملكة المتحدة على مستوى أن تكون شريكًا طويل الأجل في المشروع نظرًا لأن اقتصادها "المريض" غارق في "مشاكل وجودية أساسية.

نشير هنا الى أن حكومة تيرنبول كانت قد وقعت عقد شراء الغواصات من فرنسا والتي الغاها خلفه سكوت موريسن (أحرار) بضغط من الولايات المتحدة لصالح أوكس والتي أدت أي عملية الإلغاء الى توتر العلاقات الفرنسية الأسترالية واتهام الرئيس الفرنسي ماكرون لموريسن بأن كاذب.

الرد الخارجي الأعنف جاء من الصين التي اعتبرت ألإتفاقية طريق خطر وخاطئ وازدراء كامل لمخاوف المجتمع الدولي واعتبرت الصين أن هذه ألاعيب لا تؤدي إلى نتيجة.

واتهم أليكس لو المحرر في صحيفة ساوث تشاينا مورنينغ بوست الصحف الأسترالية "بصب المزيد من الوقود على النار" في وقت مضطرب للعلاقات بين أستراليا والصين وأضاف لو: "إن شريحة كبيرة من مؤسستها السياسية تهلل الآن بسعادة للحرب مع الصين" مع ان النهاية "لن تكون خيراً لأي شخص".

من جهتها روسيا أدانت الاتفاق وركز وزير الجارجية الروسي سيرغي لافروف على الطبيعة «الأنغلوساكسونية» للبلدان الثلاثة.

ويبقى السؤال الذي لا بد من طرحه أين هي الشفافية الحكومية ولماذا لم تعرض الحكومة خطتها على البرلمان بمجلسيه ( النواب والشيوخ) في جلسة مغلقة وسرية وإطلاعهما على نوياها قبل ان تلزم البلاد بهكذا صفقة بتكلفة 368 مليار دولار! والتي حتى المعارضة الفيدرالية المؤيدة بقوة للصفقة تتروى لإعلان موقفها من تكلفة الصفقة كما قال زعيمها بيتر داتون؟

أخيراً، هل تكون صفقة الغواصات المسمار الأخير الذي دق في نعش العلافات الأسترالية الصينية وتنهي علاقة المساكنة بين البلدين؟!

***

عباس علي مراد - سدني

 

 

بعد عشرين عاما من غزو الولايات المتحدة الاميركية وحلفائها ومتخادميها للعراق صدرت كتب ودراسات وابحاث ومذكرات ومصنفات فنية عن جريمة الغزو والاحتلال. كشفت وسردت روايات جريمته واجتهدت بمتابعته وتصوير ادواته وتداعياته واثاره وما حدث وما جرى.. فلم يكن الغزو فعلا عاديا، بل كان انتهاكا صارخا للقانون الدولي وميثاق الامم المتحدة والأعراف الدولية وحقوق الانسان والشعوب. ولن تتقادم هذه الجرائم بل تحتاج الى ان يرفع الضحايا اصابعهم عاليا ويعلنون صوتهم بشجاعة مطالبين بالمحاكمة والقصاص للجرائم ومرتكبيها وانفاذ القانون والعدالة.

فضحت كل ادعاءات الغزاة وحججهم واكاذيبهم وخداعهم، وتعرت في الواقع اسباب غزوهم ولم يستطيعوا ستر الجرائم والفضائح والأكاذيب مع كل ما خططوا وملكوا من وسائل اعلام وتضليل ورعب وصدمات..

صحيح انجزوا القضاء على الطغاة الذين مهدوا لهم طرق الغزو والاحتلال من هدر طاقات الشعب وتبذير امكاناته وتجريد منعته وهدم معنوياته في التصدي والمقاومة الوطنية الشاملة، رغم انطلاق شرارات لها في زوايا الوطن، بعد ان دنست قوات الاحتلال ارض الوطن، وهدمت اركانه، فقدم الشعب المحاصر والمضطهد كالعادة قرابين وجوده على ارضه وتزايدت اعداد ضحاياه وكوارثه وظل العراق جريحا لم يشف من آلامه، وخطايا الطغاة والغزاة والبغاة الذين امعنوا في مأساة الشعب والوطن.

في كلمات تقديم لكتابي: لا للحرب .. خطط الغزو من اجل النفط والامبراطورية، الصادر عن دار نينوى،دمشق، 2004، كتبت: كانت أجواء الفترة الزمنية مشحونة بسجالات، وحوارات ساخنة بين تيارات واحزاب وقوى سياسية وارتباطات لا عدد لها وضغوط وحسابات لا تحصى، وضمن تلك المناخات الملتهبة وتبادل الاحكام السريعة والظالمة والاتهامات الجاهزة تتاتى قوة الموقف وقيمة الرأي وسداد الحكمة وشجاعة الكلمة، لا سيما وقد أعطت الحياة ودروس الأحداث صدقية وراهنية وقيمة فعلية وعبرة للجميع (ص8). وبعد الإشارة الى جريمة الغزو اكدت: وفي مثل هذه الحالات من الضروري إشعال شمعة بدلا من لعن الظلام فقط، وشد عزم وروح المقاومة والكفاح والمواجهة والمناوئة وكل اشكال وتعابير المواجهة في الساحات الكفاحية والبلدان المحتلة أو المحتملة لهجمات الإستراتيجية الإمبراطورية الصهيو امريكية وحلفائها، مستمدة روحها من ارادة الشعوب الحية وتأريخها المجيد..".

وكتبت في كتابي: العراق.. صراع الارادات، الصادر عن دار التكوين، دمشق ، عام 2009، "إعادة قراءة الأحداث وتسليط الاضواء عليها او على مجرياتها او ما يتعلق بها مباشرة او بشؤون العدو المحتل مهمة كبيرة وضرورية لحركة التحرر وبرامجها وبلا شك تفيد في الاعتبار من تداعياتها الخطيرة والانتباه منها، وتدفع الى العمل على تحقيق مشروع تحرري وطني تقدمي، وكذلك الصحوة من الكبوات ومن تفريط الجهود والطاقات والانحراف عن الاهداف السامية بالانجرار وراء مخططات الاحتلال واساليبه ولابد من معرفة انجح السبل الى النهوض والصمود وما يفترض ان يسهم في انجاز المهام والأهداف والامل في التغيير الفعلي بعد كل ما جرى وحصل في الوطن والعالم".

بعد عشرين عاما ماذا انجز للضحايا ؟

لابد من السؤال والإجابة المباشرة ، بإعداد كل الادلة والوثائق والاعترافات واعتماد ما صدر عن فرسان الغزو من شهادات مع اظهار الضحايا البشرية، الاعداد والأرقام، ومناشدة كل المنظمات الانسانية التي واكبت الجريمة وعملت على فضحها، واللجان التي شكلت في عواصم العدوان، مثل لجنة تشيلكوت البريطانية، او دراسات مكاتب البنتاغون، والدعوة للمحاكمة واقرار العدالة.. وتطمين حقوق الشعب والوطن.

عشرون عاما مرت على جريمة الغزو والاحتلال، وفي زلة لسان مجرم من مجرميها انها كانت جريمة بشعة، وفي اعتراف مجرم اخر بان الجريمة سببت انقساما في مجتمعه وندم عليها، ولكن مازال المذنبون دون حساب وعقاب. ان مصداقية اية محكمة ومنظمة حقوقية وتجمعا بشريا اليوم تقف على محك اقرار الجريمة ومحاكمة المجرمين، التي لا يختلف عليها حتى من مرتكبيها..

وهنا الوردة…. فلنرقص معا…..!!

***

كاظم الموسوي

 

 

هناك أسباب قوية جعلت مصر لم تضرب مصر سد النهضة رغم قدرتها، وقد قال من قبل الرئيس عبد الفتاح السيسي:" لا يستطيع أحد أن يأخذ نقطة ميه من مصر وإلا عاوز يجرب يجرب"، وهذه الجملة قد لقيت ترحيباً شديد من قبل كثير من المصريين، وكان هذا موقفاً واضحاً من موضوع سد النهضة، وبمناسبة أخري طلب الرئيس "السيسي" من المصريين أن يتوقفوا من فائض الكلام غير المفيد في موضوع سد النهضة .

وفي الأيام الماضية رأينا وزير الخارجية المصري الأستاذ سامح شكري، قال أن الممارسات الأحادية الأثيوبية فيما يتعلق ببناء سد النهضة، تمثل تهديد مباشر لأمن مصر القومي، وانتهاك للقانون الدولي، والسؤال الآن لماذا لم تضرب مصر سد النهضة حتى الآن؟

قبل الإجابة عن هذا السؤال لا بد من معرفة بعض الحقائق المهمة عن موضوع سد النهضة تخزينياًً، ودبلوماسياًً، وعسكرياًً، ففيما يخص التخزين، فكلنا يعلم أن التخزين الأول، كان في يوليو عام 2020، وقد حجز الأثيوبيون حوالي خمسة مليار متر مكعب، والتخوين الثاني كان في يوليو عام 2021، وتم حجز ثلاثة مليار متر مكعب، فيكون حاصل الجمع ثمانية مليار متر مكعب، ثم التخزين الثالث وكان في العام الماضي 2022، فتم تخزين ثلاثة عشر مليار متر مكعب فيكون حاصل الجمع 22 مليار متر مكعب، وأما التخزين الرابع وكان من المفترض أن هذا العام في يوليو المقبل، والذي كان يجب أن يصل بموجبه التخزين حوالي 30 مليار متر مكعب، وهكذا كل عام، حتى يتم الوصول لحوالي 74 مليار متر مكعب حاصل التخزين النهائي، وهو السعة الكاملة لخزان السد.

وأما دبلوماسياً، فقد حدثت جولة مفاوضات أخيرة بشأن الحد خلال الأسبوع قبل الماضي، وقد شارك عدد من الخبراء من الدول الثلاثة: مصر، والسودان، وإثيوبيا، والنتيجة النهائية لا جديد كما يقول الدكتور معتز عبد الفتاح، ولكن مصر من ناحية أخرى تريد أن تأخذ الموضوع إلى مجلس الأمن مجدداً، وذلك لإخباره أنه من أن دعوتمونا كي نتفاوض مع بعضنا البعض، فحتى الآن لم نستطيع التفاوض، ولهذا تحاول القاهرة التحرك دبلوماسياً بسرعة، وذلك لأن إثيوبيا تسعي لاستمالة السودان تجاهها إثيوبيا في الفترة الأخيرة عرضت معلومات مفصلة على الخرطوم بشأن علية الملئ الرابع والذي ستتم في يوليو المقبل، وذلك كي تستعد السودان لعملية الملئ الجديد بالشكل الذي يجنبها أي مخاطر، أو تداعيات سلبية، ولكن الخرطوم من جانبها رحبت بالخطوة الإثيوبية، ولكنها لم تقل ولم تتحدث بما كانت تقوله من ذي قبل، بأن لا بد من أن يكون هناك تمسك بربط كل الأحداث المتعلقة بالملئ حسب إتفاق قانوني ملزم ما بين الدول الثلاث، وهذا هو المطلب والذي كانت مصر والسودان متمسكين يه .

وأما عسكرياً فهناك سؤال مهم وضروري أن نقوله هنا وهو: هل السلاح اللازم لضرب السد موجود؟..

والإجابة .. نعم، فالسلاح موجود، والخطة موضوعة، ومناطق ضعف السد والذي يمكن ضربها معروفة، ومن جهة أخرى فإن استخدام السلام محظور، وتكرار الحديث عن ضرب السد يمثل إحراج للدولة المصرية، وهي لا تريد ذلك، وذلك لأنها لم تزل في مرحلة ضبط النفس، وسياسة النفس الطويل، والدبلوماسية الهادئة مع الأصدقاء والأشقاء بما فيهم الإثيوبيون .

ولكن هل من بديل عسكري آخر أمام الدولة المصرية؟، وبمعني آخر هل لو قلنا بأنه لا توجد دبلوماسية هادئة، ولا ضبط النفس وخلافه بحيث يخول لنا اللجوء إليه؟، وماذا لو أقدمت حكومة إثيوبيا بشكل مباشر على تعطيش الشعب المصري والدولة المصرية؟

اعتقد مع الدكتور معتز عبد الفتاح أن ملف سد النهضة سيتحول ملف سد النهضة من وزير الخارجية سامح شكري، إلى وزير الدفاع المصري الفريق محمد زكي وزير الدفاع، مع المحاذير التالية، وأعتقد أنها تمنع مصر حتى الآن من توجيه ضربة عسكرية خاطفة:

أولاً: هل السودان يوافق على إنطلاق طائرات الرفال، والسوخوي، والـ f16 من قاعدة المروة العسكرية، بوصفها أقرب قاعدة من إثيوبيا لضرب السد.

ثانيا: وعلى فرض أن السودان ترفض ذلك، ولكن مصر تستطيع توجيه ضربة عسكرية للسد بدون مساعدة السودان، وذلك لأن هناك كثير من الطائرات المصرية، والتي تم استيرادها حديثاً، تستطيع أن تطير حالي 3،700 كم متر، والمسافة من قاعدة " برنيس" والقريبة جداً من الحدود المصرية السودانية، والمسافة بينها وبين سد النهضة تساوي نصف مدي قدرة الطائرة، بحيث إذا أُتخذ القرار السياسي لهذا الاتجاه .

ثالثا: ولكن لا يمكن أن تتجاهل الدولة المصرية تجاهل السودان بوصفه سريك مصري أصيل في المنافع والخسائر، وذلك من الناحية العسكرية قبل الدبلوماسية، وقانونياً، ولهذا فإن هناك ما يقلق الدولة المصرية من كلام الفريق أول الركن " عبد الفتاح البرهان"، حينما قال خلال زيارة رئيس الوزراء الإثيوبي " أبي أحمد" للسودان في الأسابيع الماضية، حيث قال بصريح العبارة " السودان، وإثيوبيا، متفقان، ومتوافقان، حول كافة قصايا سد النهضة، وهذه معناه كما يفهم أن السودان تتعامل الآن مع إثيوبيا، باعتبار أنهما متقاربان على حساب مصر، والحقيقة في نظري أن هذه قضية كبيرة مما يجعل مصر تعيد التفكير في الموضوع كله.

رابعاً: إن الضرر لم يقع تماماً على مصر، رغم أن الملئ يكاد يصل إلى ربع السعة التخزينية للسد وهذا الدي قاله وزير الموارد المائية المصرية الدكتور " هاني سويلم" ن حيث قال:" مصر لم تتأثر بالملئ الثالث لسد النهضة (وهو الذي كان العام الماضي)، والذي وصل بالمياه المخزنة أمام السد إلى 22 مليار متر مكعب بسبب مفاجأة لم تحدث منذ حوالي 115 عاماً من ذي قبل، ولهذا قال بصريح العبارة:" حدوث فيضان كبير أدي بأن تحصل مصر على مياه لم يسبق لها مثيل " ... وهنا يكون السؤال: في حالة إذا ما ضربت السد والعالم كله سألها: ما الذي أغضبك كي تضربين السد؟ .. وهنا يكون قد الرد ردها:" وذلك لكونه يضر بأمني المائي" .. ولكن كيف يضر أمنك المائي وقد وصل إليكِ كمية مياه ضخمة جدا ولم تخطر بيالك منذ 115 بشهادة وزير الموارد المائية الخاص بكي؟ .. ولهذا السبب كان صعب على مصر من توجيه ضربة عسكرية مباشرة لسد النهضة .

خامساً: القضية ليس في عملية توجيه ضربة عسكرية مباشرة لسد النهضة، ولكن ماذا عن تداعيات تلك الضربة؟... فهل مصر مستعدة أن ترتكب تبعيات الضربة العسكرية ؟.. اعتقد صعب على مصر فعل ذلك، وذلك لأن الضرر المتعلق بالتعطيش الحقيقي لم يقع، ومن فالمتربصون بمصر سيقولون الآن تم اصطياد مصر، وهنا توقع على مصر عقوبات شديدة، لا سيما وأن إثيوبيا بمعايير إفريقيا تمثل دولة عظمي، ففيها يقع مقر الاتحاد الإفريقي، ومن ثم لا تستطيع مصر أن تقع في عداء مباشر مع إثيوبيا وحلفائها الأفارقة بدون دفع تكلفة كبيرة، ولهذا على مصر قبل أن تقدم على أي عمل عسكري أن تفكر في جيدا في أنه لا بد من إقامة الحجة الكاملة:سياسيا، ودبلوماسيا، وقانونيا، وأخلاقيا، قبل الإقدام على توجيه ضربة تكتيكية للسد، وذلك لإخراجه من الخدمة، وليس لتدميره كاملاً، وهذا لن يتم إلا بإثبات أن مصر في حالة دفاع شرعي عن النفس، وأن ضرب السد جزئياً لن يسبب كارثة للخرطوم، ولهذا السبب لابد من أن نحسب هذا الأمر بدقة متناهية، ولهذا علينا أن نجعل باب مفتوحاً باستمرار، خاصة وأن إثيوبيا قد تراجهت عن ملئ السد خلال ثلاث سنوات كما كانت تعتزم ذلك، ونحن الآن قد وصلنا حوالي أكثر من سبع أو أكثر في تفاوض، ولم يتم ملئ السد حتى لمجرد 25 مليار متر مكعب، وهي بهذا تقول للعالم (وأعني هنا إثيوبيا) أنا أرعي احتياجات مصر والسودان، ولا أتعسف في استخدام حقي، ولهذه الأسباب فإن التفكير في الضربة العسكرية الجزئية ستكون تكلفتها الأكيدة أضعاف أي مكسب محتمل مهما كان.. وللحديث بقية...

***

الأستاذ الدكتور محمود محمد على

أستاذ الفلسفة وعضو مركز دراسات المستقبل بجامعة أسيوط المصرية

وافقت روسيا على تمديد صفقة الحبوب لمدة 60 يومًا بدلاً من 120 يومًا كما كان من قبل، وعلى الرغم من أن الغرب لم يفِي ببعض وعوده بموجب هذا الاتفاق، فإن تمديده يمنح روسيا عددًا من المزايا المباشرة وغير المباشرة، والسؤال ما هي الفوائد المحددة التي نتحدث عنها وكيف يمكن لموسكو استخدام الاتفاقية لصالحها؟

كما هو معلوم أن صفقة الحبوب، التي انتهت في 18 مارس، قد تم تمديدها لمدة 60 يومًا أخرى، أعلن ذلك نائب وزير خارجية الاتحاد الروسي الكسندر غروشكو، الذي أوضح أنه خلال المفاوضات، تم التأكيد من جديد على طبيعة رزمتها، ووفقا له، ستسعى موسكو بإصرار للوفاء بالتزاماتها تجاه روسيا بموجب هذا الاتفاق، والمسار الثاني مهم بشكل خاص لموسكو - وهو إلغاء جميع القيود، المباشرة وغير المباشرة، لتوريد المنتجات الزراعية الروسية إلى الأسواق العالمية.

وبدوره، قال السكرتير الصحفي لرئيس الدولة الروسية، دميتري بيسكوف، إن روسيا تقدر الجهود التي تبذلها الأمم المتحدة لتنفيذ اتفاقية الحبوب، ولكن ليس من الممكن "اختراق الجدار الفارغ" لجماعة الغرب، وشدد بيسكوف على أن الشروط المتفق عليها "كجزء لا يتجزأ من الصفقة" لم يلبها الغرب، وإن الاتصالات بشأن هذا الأمر مستمرة، وشدد بيسكوف على ان "هذا [تمديد الصفقة] هو نوع من بادرة حسن النية من جانب الاتحاد الروسي، على أمل أنه بعد هذا الوقت الطويل، سيتم الوفاء بالشروط والالتزامات التي تعهدت بها الأطراف المعروفة .

لقد تم تمديد الاتفاق مرتين بالفعل، لكن في غضون 240 يومًا لم تتمكن أنقرة ولا الأمم المتحدة من إجبار الاتحاد الأوروبي، على رفع القيود المفروضة على الصادرات الروسية من الحبوب والأسمدة، و رسميا، الحبوب لا تخضع للعقوبات، ويمكن تصديرها، لكن البنوك لا تصدر قروضا وشركات التأمين لا تقدم ضمانات، كما أن حوالي 300 ألف طن من الأسمدة الروسية عالقة في موانئ البلطيق، علاوة على ذلك، لا توجد قيود على الصادرات - ولا يخضع منتجو الأسمدة ولا مؤسسوهم للعقوبات، لكن الشركات الأوروبية لا تريد تصديرها، والسفن التي ترفع العلم الروسي ممنوعة من دخول موانئ الاتحاد الأوروبي، وأنه من المستحيل أيضًا دفع تكاليف التصدير بسبب قطع اتصال البنوك الروسية بشركات MasterCard و Visa و SWIFT، وعلى خلفية الوضع الحالي، ليس من المنطقي بالنسبة لروسيا أن تمدد الصفقة لمدة 120 يومًا، وترى موسكو إنه إذا لم يحل الغرب كل هذه المشاكل في 60 يومًا، فقد تكون الصفقة في خطر.

في الوقت نفسه، قال وزير البنية التحتية الأوكراني أولكسندر كوبراكوف، إن الاتفاقية الخاصة بمبادرة حبوب البحر الأسود، الموقعة في 22 يوليو، وقعت روسيا وتركيا والأمم المتحدة وأوكرانيا، ( مما يعني فتح ممر بحري لتصدير الحبوب من الموانئ الأوكرانية. الجزء الثاني من الاتفاقية، المعروف أيضًا باسم "مبادرة البحر الأسود"، يتضمن إزالة العقبات أمام تصدير المنتجات الزراعية والأسمدة الروسية )، تنص على تمديد صفقة الحبوب لمدة 120 يومًا على الأقل، وليس لمدة 60 يومًا، ووفقًا له، فإن الاقتراح الروسي تمديد الاتفاقية لمدة 60 يومًا فقط لا يتوافق مع الوثيقة التي وقعتها تركيا والأمم المتحدة، وفي الوقت نفسه، أشارت الأمم المتحدة إلى أن الصفقة تضمن توريد 24 مليون طن من الحبوب، بالإضافة إلى "1.6 ألف مرور آمن للسفن عبر البحر الأسود"، في الوقت نفسه، كما أكدت الأمم المتحدة، يتم إرسال 55٪ من المواد الغذائية إلى البلدان النامية، و أن الحفاظ على الاتفاقية مهم للأمن الغذائي العالمي، ويشار إلى أن أسعار الحبوب والأسمدة والوصول إليها لم تعد إلى مستوياتها السابقة.

وكما هو معروف، انتقد الجانب الروسي مرارًا وتكرارًا جودة تنفيذ الصفقة، وأشارت روسيا إلى أن الحبوب المصدرة من أوكرانيا لا تصل أبدًا إلى أفقر الدول، ومع ذلك، في نوفمبر تم تمديد الصفقة لمدة 120 يومًا أخرى، وأعلنت وزارة الخارجية الروسية في أوائل مارس، أن الاتفاقات الموقعة في اسطنبول بشأن نقل الحبوب إلى البلدان المحتاجة، والتي أطلق عليها اسم "صفقة الحبوب"، لم تعد تعمل، وأوضحت الوزارة أن المشكلة الرئيسية كانت تخريب الغرب وعدم تنفيذ مذكرة التفاهم المبرمة بين روسيا والأمم المتحدة، ويشار إلى أن الولايات المتحدة والدول الأوروبية لا تولي اهتماما لمشاكل الدول المحتاجة وجهود الأمم المتحدة، بل تحاول أن تجعل الأخيرة "أداة مطيعة" لمصالحها السياسية.

كما صرحت وزارة الخارجية الروسية، أن معظم الحبوب من أوكرانيا تذهب بأسعار إغراق الأعلاف إلى الاتحاد الأوروبي، وليس إلى أفقر الدول، وأضافت الوزارة أن مصدري المنتجات الزراعية الروس يواجهون مشاكل من الغرب، الأمر الذي "يدفن" الرزمة الإنسانية للأمم المتحدة، ومع ذلك، تم تجديد الصفقة مرة أخرى في مارس - وهذا القرار له حججه الخاصة، ومن الإنجازات الرئيسية للاتفاقية القضاء على النقص الحاد في الحبوب في السوق، ووقف ارتفاع أسعار هذا المورد، وهذا الفارق الدقيق هو ما يثير، على سبيل المثال، شركاء روسيا الأفارقة، فقد صرح بذلك أندري ماسلوف، مدير مركز الدراسات الإفريقية في كلية الاقتصاد العالي بجامعة الأبحاث الوطنية، "نحن لا نتحدث عن المكان الذي ستنتهي فيه الذرة الأوكرانية مباشرة، على مائدة جزائري أو نيجيري"، وقال إن الأفارقة مهتمون بماهية أسعار الصرف للمواد الخام، وكيف ستؤثر على الميزانيات والأمن الغذائي لبلدانهم، وهذه النقطة، وفقًا لماسلوف، يجب على روسيا أيضًا أن تأخذ في الاعتبار، حيث تشكل أفريقيا نفسها 50٪ من دعم السياسي لروسيا في الأمم المتحدة عند التصويت، وما إلى ذلك، و إنهم يرون بشكل إيجابي للغاية رغبتها في فهم مخاوفهم واحتياجاتهم، وأوضح ماسلوف: "نحن بحاجة إلى بناء علاقات معهم على المدى الطويل"، هناك إيجابيات من تمديد الصفقة لموسكو كذلك.

وخلال العام الماضي، زادت روسيا من صادراتها الغذائية من الناحية النقدية بنسبة 15٪، ومع ذلك، لا يتعلق الأمر حتى بعشرات المليارات التي تكسبها روسيا – فهي بحاجة إلى استقرار النظام "، وانها بحاجة إلى هذه الصفقة من أجل كسب الوقت وبناء نظامها المستقل والبنية التحتية المالية، والتي سيتم إغلاقها أمام الروبل واليوان والعملات الأخرى للدول الصديقة، وكذلك، من الضروري بناء سوق تأمين ونقل مستقل عن الوسطاء الغربيين، لبناء نظام لحجز وتخزين الحبوب على أراضي الدول المستوردة، ووفقا للخبراء فأن هذا العمل يجب القيام به، وهذا يستغرق وقتًا، ويشيرون الى انه ستعقد قمة روسية - أفريقية في يوليو، حيث من المرجح أن يكون الأمن الغذائي هو القصة الرئيسية، وبالتالي فن روسيا بحاجة إلى إنشاء أنظمة تخزين الحبوب في إفريقيا، وحل المشكلات الإنسانية، ولكن الأهم من ذلك، توسيع الصادرات، وإن كل من إفريقيا وروسيا مهتمتان بتوسيع هذا التعاون .

في الوقت نفسه، ذكّر الخبير الاقتصادي إيفان ليزان، بالمطالب الأولية لأوكرانيا، التي لم يتم تلبيتها، من بينها تمديد الصفقة لمدة عام، وتوسيع منطقة تغطيتها إلى ميناء نيكولاييف، وهذا من شأنه أن يسهل على أوكرانيا إرسال الحبوب من الجزء الأوسط من البلاد، في الوقت نفسه، يمكن للقوات المسلحة الأوكرانية إنزال قواتها في " كينبورن سبيت " ومحاولة استعادتها من روسيا، وفي هذا الصدد، تحتاج روسيا إلى إعادة إنشاء مشاة البحرية التجارية الخاصة بها من أجل وقف تكبد الخسائر، فهي لا تحتاج إلى نقل البضائع تحت أعلام أجنبية ودفع مبالغ زائدة للشحن، ولكن عليها تسليم جميع المنتجات الضرورية تحت أعلامها ومع أطقمها الخاصة، ومن الضروري أيضًا إجراء معاملات بالروبل في البورصة الروسية والتأمين عليها في الشركات الروسية.

ويرى الروس، أن هناك عنصرًا إنسانيًا في تمديد الاتفاق، الذي يستهدف شركاء موسكو في إفريقيا ومناطق أخرى، ولسوء الحظ، وبسبب العقوبات المباشرة وغير المباشرة، لا تستطيع روسيا التعاون بشكل كامل مع الدول الأفريقية، ومع ذلك، يمكن لموسكو التأثير على سوق الحبوب وعلى الأقل مساعدة شركائها الأفارقة بهذه الطريقة، لكن هناك مشكلة أخرى، جوهرها إلزام الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، بالامتثال لجميع شروط الصفقة الشاملة، و أنه في الأيام الستين المقبلة لن يتغير الوضع للأفضل، وأن موسكو قررت الآن عدم تفاقم الوضع، لكن لا يمكن أن يستمر على هذا النحو إلى الأبد.

***

بقلم الدكتور كريم المظفر

كتب الصديق د. أحمد جليل البياتي دراسة بعنوان "الدولة والبداوة / دراسة في طروحات د. علي الوردي" الطبعة الأولى لدار المرهج ودار ألواح بغداد 2023

يسعى الكتاب لتوضيح ما يمر بالعراق اليوم، وكيف يمكن التعامل مع الظروف الحالية بما يخدم مستقبل العراق لا حاضره، معتمداً على مؤلفات عالم الإجتماع العراقي المعروف د. علي الوردي ص9

سيتساءل القارىء المُطلع على الأرجح:

هل تصلح أفكار الوردي للوقت الحالي؟!

لم تغب هذه الإشكالية عن البياتي، فقد عمل على تطوير وتحديث النظريتين: الخلدونية والوردية، ليتناسبا مع روح العصر. وإلاّ فستصبح مجرد أحفوريات فاقدة لأي قيمة عملية ص9 و 10

يُذَكّرُني البياتي هنا بالمفكر المغربي الراحل د. محمد عابد الجابري وما قام به في "تبيئة" المفاهيم الخارجية لتكون صالحة داخل البيئة المعرفية العربية. نعم قد يُقال الآن بأن العمليتين مختلفتان! فالمفاهيم الجابرية "مستوردة" من الخارج، أما المفاهيم الخلدونية الوردية فهي في النهاية مفاهيم عربية!

فعلاً فهي مفاهيم عربية، لكنها أصبحت الآن من الماضي، فالمجتمع العربي الآن مختلف عن وقت صياغة هذه المفاهيم بكل تأكيد، وهذا ما دفعنا لهذه المقارنة، أي أن البياتي يعمل الآن على "تبيئة" المفاهيم الخلدونية الوردية لتتناسب مع الواقع العراقي.

سنضرب مثالاً على هذه "الطريقة البياتية":

العصبية والبداوة وجهان لعملة واحدة بحسب تحليل د. البياتي ص22، وجميع سمات البداوة التي إقترحها الوردي تنطبق على الجماعات المتعصبة العراقية التي ظهرت بعد 2003 ص28. وينقل البياتي العصبيتين "الخلدونية والوردية" بعيداً عن الصحراء لتناسب روح العصر ص34 في خطوة منهاجية ناجعة برأينا.

صَنّف البياتي الدول الى ثلاثة أصناف:

أولاً: دول ذات عصبية سلبية واحدة "الدول الدكتاتورية"

ثانياً: دول ذات عصبيات متعددة "الديمقراطية الناشئة"

ثالثاً: دول ذات عصبية إيجابية "الدول الديمقراطية المؤسساتية" ص37

ثم يُناقشها واحدة واحدة، فدكتاتورية صدام حسين، نموذجاً للأولى. والعراق بعد 2003 نموذجاً للثانية. ودول الغرب الديمقراطية نموذجاً للثالثة. ويذهب البياتي ـ نؤيده في ذلك ـ الى أن الدول ذات العصبيات المتعددة أفضل من الدول الدكتاتورية. فأصنام متعددة أفضل من صنم واحد ص42 وهذا ما دفع البياتي للدعوة الى الحفاظ على التجربة العراقية الحالية رغم الأخطاء والنواقص.

يقول في نص سننقله لأهميته:

(هنا قد يقول أحدهم، النظام الحالي في العراق فاسد ويجب أن يزول. بالحقيقة هو نظام فاسد وفاشل وغير مؤهل، ولكنه على الأقل ضامن لإستمرار دولة العصبيات المتعددة التي هي الطريق الوحيد نحو دولة العصبية الإيجابية. لذا يجب أن يتم تأهيله وتحسين الأنظمة والقوانين من داخله لضمان إبعاد الفاسدين ومحاسبتهم ودفع عجلة التحسينات الى الإمام. هذا التأهيل والتحسين يجب أن يكون من خلال النظام نفسه، ما دام يسمح بحرية التعبير والممارسة الديمقراطية. أما إزالته من جذوره والبداية من الصفر فهذه مغامرة لن تُقدّم شيء جديد سوى المزيد من القتل والدماء والإضطرابات وقد ترجع البلاد الى مربع العصبية السلبية الواحدة المقيت) ص86

وهذا ما دفع البياتي لنقد نظرية التيار الصدري "شلع قلع" ص86، وكذلك الى نقد "مظاهرات تشرين" وزج الشباب في المظاهرات (لا يأتي الإصلاح من الشارع والمظاهرات وإنما يأتي بتدعيم المؤسسات وتقويتها ومحاربة الفاسدين وفضحهم بالأدلة لا بالكلام والشعارات) ص107

بطبيعة الحال لا مجال للإسهاب هنا، فالإختصار هدفنا كما هو واضح من العنوان.

وقفة نقدية سريعة:

سنُرَكّزُ في هذه المحطة على بعض الأمور، وأرجو أن يتسع صدر الدكتور البياتي لنا، فهو أعرف منا بهذه المسألة: فلا غِنىً للبحث العلمي عن تعدد الآراء.

1- ينقل البياتي موقفاً مع صديق أثناء فترة الربيع العربي وإنتظار ثورة شعبية ستُطيح بنظام الملالي في إيران ص41

وينقل أيضاً حادثة عائلية له أثناء زيارته للمغرب العربي ص65

أقول:

كان الأولى بالدكتور البياتي وضع الحادثتين في الحواشي بعيداً عن متن البحث، فهي حوادث شخصية لا يتحملها المتن كما هو معمول في الأبحاث الأكاديمية.

2- يرى البياتي أن الفيصل في "الديمقراطية والإسلام" هو ما ذهب إليه المفكر الإيراني محمد مجتهد شبستري، ثم ينقل قوله في فقرة محددة ص51

لكن الإشكال هنا أن قول شبستري معلقٌ في الفراغ! فلا وجود لأي مصدر لشبستري أو غيره! لا في الحاشية ولا في المتن.

وينقل أيضاً قولاً ـ وينقده البياتي بشدة ـ لأحد الكُتّاب، وقد أحالنا قبل أن ينقله الى "جريدة الصباح العراقية في عام 2007". أين العدد؟ التأريخ؟ إسم الكاتب؟ لا وجود لها.

3- في سياق حديثه عن المجتمعات الدينية والمنغلقة ثقافياً، يذكر البياتي الموقف المعارض للمرجع الشيعي كاظم اليزدي من تأسيس أول مدرسة للبنات في مدينة النجف عام 1929 ص50

لا أعرف، هل الخطأ يعود الى الطباعة أم الى الكاتب نفسه؟ فقد توفي السيد محمد كاظم اليزدي عن عُمر تجاوز الثمانين في 30 نيسان عام 1919، يُنظَر:

حميد أحمد حمدان التميمي و عكاب يوسف الركابي: السيد علوان الياسري / الزعامة العشائرية والعمل الوطني ـ دراسة في سيرته ومواقفه الوطنية في تاريخ العراق المعاصر 1875 - 1951، العارف للمطبوعات بيروت ط1 2013 ص78 حاشية رقم 2 و ص79

وفي الختام، نُحيي الدكتور البياتي على هذا العمل المهم.

***

بقلم: معاذ محمد رمضان

أمور كثيرة كالأمن والاستقرار تشغل بال المواطن العراقي في الداخل، ونستطيع القول من خلال متابعتنا للأوضاع منذ السقوط وإلى يومنا هذا، إن من أهم الأمور التي يحرص العراقيون على تحقيقها هي: حماية المواطن وعدم السماح باستباحة دمه على يد مجهولين أو منتسبين لميليشيات متعددة المنشأ والهوية والتبعية؟… معرفة السقف الزمني لمعالجة الفوضى السياسية والاقتصادية السائدة على طول البلاد وعرضها، أيضا، الكشف عن أسبابها؟. أين يذهب النفط العراقي وعائداته منذ أول أيام الغزو ولحد اليوم؟ ومن المسؤول عن اختفائه من الأسواق العراقية؟. كم هي أموال العراق الموجودة في البنوك الدولية… ولماذا لا توضع تحت تصرف الجهات العراقية؟. لسد العجز المعاشي للمواطنين والعمل على صيانة البنية التحتية التي تضررت جراء الحروب وأعمال النهب والسلب والفساد؟

ولا يخفي العراقيون امتعاضهم من التمييز المفرط في مفردات الحياة اليومية على المستوى الفردي والجماعي، المادي والمعنوي، الذي تمارسه فئة مستهترة حاكمة، أتت من خارج الحدود، لا رصيد شعبي وسياسي لها. تتحكم بمقدرات البلد ومستقبله بتوجيه وضغط خارجي، “إيراني ـ أمريكي” جعل الساحة العراقية مفتوحة… يشعرون بمرارة، تشديد بعض القوميات أو الطوائف في مسار الخطاب السياسي الحديث عن الهوية والإنتماء، على أساس البعدين (الإنتماء القومي) أو (الديني ـ الاسلاموي)، فيما يستثنى العربي من التأكيد على عروبته. بمعنى آخر عندما يدافع العراقي العربي عن القيم المتعلقة بثقافة التنوع وحقوق القوميات في أي مكان، يقال عنه أممي، لكنه في نظر الآخر إذا ما طالب ثمة إحترام لهويته وإنتمائه العربي، يصبح “قومجي” منبوذ.. يتساءل العراقيون أيضا: لماذا تتدفق الأموال للمناطق الكردية التي لم تنلها الحروب والحصار، لكنها لوحدها، تحصد واردات الزراعة والصناعة وموارد الحدود والنفط في كردستان العراق دون دفع مستحقات الدولة من ضرائب وفوائد الإنتاج. فيما تفتقر مناطق الوسط والجنوب لأبسط مقومات الحياة اليومية من ماء وكهرباء وتعليم وغذاء ودواء بالإضافة إلى ما تعانيه تلك المناطق من خراب ودمار للبنى التحتية سببه الحروب والنزاعات العشائرية، ناهيك عن ما يعانيه شبابها منذ عقدين من بطالة وخطف ومداهمات يومية وخوف من التعرض للقتل.. انها نتائج عقدة الخطاب السياسي الشعبوي الذي لا يقبل دون شك الصراحة وكشف المستور والإعتراف بإنتماء الآخر.

معاناة النازحين

ومن الامور التي طال الوقوف عندها بألم: معاناة النازحين والمهجرين العراقيين عن ديارهم عنوة، دون أن تنتهي مآسيهم وعودة البسمة إلى وجوههم. إذ كانت السلطات العراقية بحلول نهاية آذار مارس 2021، قد أغلقت ودمجت جميع مخيمات النازحين تقريبا، ولم يتبق سوى مخيم واحد في نينوى وواحد في الأنبار. أدى هذا الإجراء من قبل السلطات المركزية إلى تشريد الآلاف من البالغين والأطفال المشردين داخليا أو تشريدهم مرة أخرى. ولم يكن لديهم إمكانية الوصول إلى السكن أو الخدمات الأساسية مثل الرعاية الصحية والتعليم. فيما لا زال أكثر من مليون ونصف شخص في العراق يعتبرون نازحين داخليا. وأثناء التحرك لإغلاق المعسكرات، هددت قوات الأمن العراقية النازحين وأجبرتهم على إخلاء المخيمات في نينوى دون أن تعرض عليهم لحد الساعة أي بديل أو السماح بالعودة إلى مناطق خارج مقاطعاتهم الأصلية. فيما ظل النازحين العائدين إلى مناطقهم الأصلية يواجهون عقبات. كان عليهم أن يتوقعوا طردهم أو مصادرة ممتلكاتهم أو تدمير منازلهم لأنه كان ينظر إليهم على أنهم من مؤيدي داعش المشتبه بهم. والأنكى من ذلك تعمدت قوات الأمن حرمان النازحين داخليا من الحصول على وثائق الأحوال المدنية الضرورية لحرية التنقل والحصول على الخدمات الصحية والتعليمية. فيما دعا قادة وحدات الحشد الشعبي إلى تطبيق نموذج جرف الصخر بحقهم، إعادة “التوطين القسري” للعائدين.

أنه لمن المؤسف أن يعد العراق صاحب أقدم حضارة بشرية ومنشأ أهم “القوانين المدنية”، من أكثر الدول التي يعاني مواطنوه من الإهمال القسري على كل المستويات، الاقتصادية والمعيشية. زيادة البطالة والفقر المدقع بين السكان، انعدام السكن وفقدان الأمن والرعاية الاجتماعية. إلى جانب انقطاع الكهرباء وتفاقم انعدام الأمن الغذائي ونقص مياه الشرب، وبالتالي إلى مزيد من الاحتجاجات بهدف تحقيق العدالة المجتمعية خاصة في المحافظات الجنوبية الأشد فقرا وإهمالا… للأسف دون جدوى!.

***

عصام الياسري

الذكرى الأولى للحرب الروسية الأوكرانية؛ وتداعيات الحرب علي النظام العالمي والاقتصاد وسلة الأمن الغذائي، صراع جيوسياسي- إستراتيجي في قطعة جغرافية تعيد ترسيم خريطة جديدة لمنطقة أوراسيا، (زبغنيو بريجنسكي)، مستشار الأمن القومي السابق في الولايات المتحدة، يتصدى للإجابة عن هذا السؤال في كتابه (لعبة الشطرنج)الذي يستشرق المستقبل، ويتشبع بدروس الماضي. بعد انهيار حائط "برلين وسقوط وتفكك الاتحاد السوفييتي" ومع بلوغ القرن العشرين نهايته، تبرز الولايات المتحدة الأمريكية كقوة عظمى وحيدة في العالم، حيث لم يسبق لأية دولة أخرى من قبل أن حازت قدرات عسكرية واقتصادية مماثلة، أو كانت لها مصالح تتوزع على العالم كله مثل الولايات المتحدة،. وفي ظل الوضع الراهن بعد عام من الحرب، السؤال الحرج الذي يواجه أمريكا يظل دون إجابة...؟!

ما هي الاستراتيجية العالمية، التي ينبغي لأمريكا اتباعها، من أجل المحافظة على وضعها الاستثنائي في العالم...؟!

هل إشعال فتيل حرب ضد أي قوة تحاول الصعود والمنافسة أو تحافظ علي أمنها القومي...؟

هل سوف يكون مصيرها الدخول في حرب تقضي عليها...؟!

لقد استطاعت أمريكا أن تشيطن النظام الروسي في صورة متعطش ديكتاتوري قاتل، يبحث عن أحلام اجدادة من " بطرس الأعظم وكاترين الثانية " في الإرث القديم من محاولة استعادة الحدائق الخلفية لروسيا القيصرية في أوكرانيا (روسيا الصغرى ودول البلطيق والقوقاز) ومع جيرانها وتصورها على أنها صراع بين أهل "الشر والخير، والديكتاتورية والديمقراطية" واستطاعت اللعب في البداية باستخدام الإله الإعلامية. بشيطانة المطالب المشروعة لروسيا بحماية الأقليات العرقية في جنوب وشرق أوكرانيا واتفاقية "منسك" الخاصة بجزيرة القرم والمنفذ الوحيد لها بحريا للعالم والتجارة والوصول للمياه الدفيئة عن طريق البحر الأسود ... واعتراضها في التوسع شرقا لحلف "الناتو" حق ومطلب شرعي للدول كما تفعل في ظل الأمور المشتعلة في فتح ملف انضمام (السويد وفلندا) للحلف الجارتين لروسيا ولم تعلم أمريكا أن الجغرافيا والتاريخ لهم حسابات أخرى، وان روسيا جزء من الكتلة اليابسة المتجانسة جغرافيا من أوروبا... إن استعراض القوة العسكرية وجميع أنواع الأسلحة القديمة والحديثة في الحرب واستخدام القوة المفرطة في الحرب أدت إلى تهجير حوالي/ 8 ملايين مهاجر أوكراني إلى أوروبا، إن تداعيات الأزمة على اقتصاديات العالم وخاضتا الدول الهشة اقتصاديا في بعض البلدان. إلى العجز والتضخم والركود الاقتصادي وأزمة في سلة الغذاء العالمي وشعوب تعاني من الفقر والجوع بسبب الحرب. كل ذلك من أجل أن تصبح أمريكا. منفردة على العالم لقد غاب في المشهد هروب دول كبرى، ودول صاعدة مثل الصين والهند والبرازيل في البعد عن تدخلهم في وقف الحرب بالطرق الدبلوماسية رغم العلاقات الكبيرة بينهم. ولقد نجحت أمريكا في عزل الصين عن التدخل لصالح روسيا، بفتح ملف "تايوان" في ظل بداية الحرب مع الصين الحليف الاستراتيجي لروسيا، كما نجحت من قبل أمريكا في عزل الصين والتقارب الأمريكي في ظل وجود الاتحاد السوفييتي وكان السيد/ هنري كيسنجر مهندس العملية في عزل المارد الشيوعي الذي كان بالنسبة لأمريكا أكبر خطرا في فترة الحرب الباردة،

إن رقعة الشطرنج الرئيسية التي تدور عليها اللعبة الآن كما يقول المؤلف ومستشار الأمن القومي الأمريكي السابق؛- هي أوراسيا وهي لعبة تنتهي بسيطرة الغالب على الإدارة الاستراتيجية للمصالح الجغرافية السياسية، حيث الاعتقاد الراسخ لدى السياسيين بأن من يسيطر على أوراسيا يسيطر على العالم القديم (أفريقيا، آسيا،، أوروبا). وفي عصرنا الحديث، استطاعت أميركا السيطرة على هذه البقعة الحيوية من العالم بعملية التوسع شرقا، حيث الهدف النهائي للسياسة الأميركية يتمثل في صياغة وتشكيل جماعة دولية متعاونة تكرس هذه الهيمنة. ووجدت ضالتها في القارة العجوزة، من الهيمنة عليها ودفع الأمور إلى المواجهة في سباقي التصعيد "السياسي والعسكري"، في شرق أوروبا والدول المنضوية، تحت حلف الناتو. والضغط على ألمانيا وفرنسا في إرسال الأسلحة الحديثة إلى أوكرانيا من دبابات ألمانية وبولندية حديثة، إلى ساحة القتال، إن الهيمنة الأمريكية على السياسات الأوروبية التي كان اتحادها يسعى دائما إلى الحفاظ على علاقات سلام وتجارة وتعاون مع روسيا، كما جاء في حديث للمستشارة الألمانية السابقة/ ميركل في ندوة في نهاية العام المنقضي في "برلين" عن اعتراضها على دخول ألمانيا بمساعدات لأوكرانيا ضد روسيا. واتهمت النظام الأوكراني بالفساد ؛- ولكنها دخلت مع روسيا في مواجهة تفرض العقوبات التجارية والاقتصادية على روسيا وتحاصر صادراتها من الطاقة المورد الرئيسي للقارة على الرغم مما يعنيه ذلك من غياب أمن الطاقة وارتفاع أسعارها عالميا، على نحو يرهق الشعوب والاقتصاديات، ومن جهة أخرى إلى كتلة سياسية تشارك الولايات المتحدة في توريد السلاح إلى أوكرانيا وفي الضغط من أجل ضم أعضاء جدد إلى حلف الناتو وفي رفع موازنات الجيوش والدفاع وفي إنتاج ذات خطاب التحدي والهيمنة باسم الديمقراطية الجديدة التي تفرضها على شعوب تربطها ببعضها عوامل الجغرافيا والتاريخ والقرابة والدين والعرق... على غرار ما رسمه السيد/ بريجنسكي في كتابة لعبة الشطرنج نهاية الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفيتي في أوائل التسعينيات من القرن المنقضي من خط عرض/ 30/ إلى خط عرض/ 40 منطقة سوف تشهد صراعا جيوسياسيا...؟! هل تصبح الأراضي الأوكرانية شبيها بألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية بعد ضم أربع مقاطعات "جنوب وشرق أوكرانيا" أراض تحت سيطرة روسيا وتحت مظلة الحماية النووية الروسية ويكون أمرا واقعا،. ..؟!

عام كامل على الغزو العسكري الروسي للأراضي الأوكرانية في غياب دور الأمم المتحدة والنظام الدولي في وقف نزيف الدم وعلى تداعياتها الفادحة لجنون ارتفاع الأسعار العالمية للغذاء وأسعار الطاقة والاستمرار الآمن لوارداتها، وعلي معدلات التضخم المرتفعة والنمو الاقتصادي المنخفض التي ترهق كاهل فقراء العالم في بلدان الجنوب والشرق الأوسط وتحاصرهم بأخطار المجاعات والعجز المالي والاستدانة كما يحدث الآن في مصر ولبنان ودول كثيرة حتي وصل حوالي 60% تحت خط الفقر .؛ إن تداعيات الأزمة سوف تطيح بكل اقتصاديات العالم وسوف تسبب عدم استقرار في الأمن والسلام العالمي ، وانتشار الفوضى في دول كثيرة وقد ظهر بإعلان إفلاس/ 3 بنوك أمريكية هذا الأسبوع، صراع التسلح العالمي يعود للواجهة مرة أخرى وأوروبا تدخل في صراع وسباق التسلح في رفع موازناتها العسكرية إلى 3/ إضعافها

علي غرار ما رسمه السيد/ بريجنسكي / في كتابة لعبة الشطرنج نهاية الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفيتي في أوائل التسعينيات من القرن المنقضي ،هل سوف تنجح أمريكا في انهيار روسيا وتفككها اقتصاديا من سباق جديد " سياسي واقتصاديالجنوب والشرق الأوسط وتحاصرهم بأخطار المجاعات والعجز المالي والاستدانة كما يحدث الآن في مصر ولبنان ودول كثيرة. إن تداعيات الأزمة سوف تطيح بكل اقتصاديات العالم وسوف تسبب عدم استقرار في الأمن وانتشار الفوضى في دول كثيرة وقد ظهر بإعلان إفلاس/ 3 بنوك أمريكية هذا الأسبوع، صراع التسلح العالمي يعود للواجهة مرة أخرى وأوروبا تدخل في صراع وسباق التسلح في رفع موازناتها العسكرية إلى 3/ إضعافها

علي غرار ما رسمه السيد/ بريجنسكي في كتابة لعبة الشطرنج نهاية الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفيتي في أوائل التسعينيات من القرن المنقضي هل سوف تنجح أمريكا في انهيار روسيا وتفككها اقتصاديا من سباق جديد سياسي واقتصادي وعسكري لتظل الهيمنة الأمريكية علي العالم...؟!

***

محمد سعد عبد اللطيف

كاتب مصري ومتخصص في علم الجغرافيا السياسية

 

في الأيام الأخيرة ثار جدل غير مسبوق في المغرب حول الموقف الرسمي من القضية الفلسطينية وذلك بعد بيان لحزب العدالة والتنمية ذي المرجعية الإسلامية والذي ترأس الحكومة المغربية لفترتين متتاليتين وفي عهده حدث التطبيع بين المغرب وإسرائيل عام 2020 قبل أن تتراجع شعبية الحزب كثيراً في الانتخابات الأخيرة 2021، وسبب الجدل ما تضمنه بيان الحزب من نقد لسلوك وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة في المؤتمرات الأفريقية الأوروبية، وجاء في البيان: "تستهجن الأمانة العامة المواقف الأخيرة لوزير الخارجية الذي يبدو فيها وكأنه يدافع عن الكيان الصهيوني في بعض اللقاءات الإفريقية والأوروبية، في الوقت الذي يواصل فيه الاحتلال الإسرائيلي عدوانه الإجرامي على إخواننا الفلسطينيين..." ومع أن البيان لم ينتقد مبدأ التطبيع إلا أنه استفز المؤسسة الملكية حيث أصدر الديوان الملكي بلاغا شديد اللهجة جاء فيه:

"أولا: إن موقف المغرب من القضية الفلسطينية لا رجعة فيه، وهي تعد من أولويات السياسة الخارجية للملك، رئيس لجنة القدس، الذي وضعها في مرتبة قضية الوحدة الترابية للمملكة. وهو موقف مبدئي ثابت للمغرب، لا يخضع للمزايدات السياسية أو للحملات الانتخابية الضيقة.

ثانيا: إن السياسة الخارجية للمملكة هي من اختصاص الملك، بحكم الدستور، ويدبره بناء على الثوابت الوطنية والمصالح العليا للبلاد، وفي مقدمتها قضية الوحدة الترابية.

ثالثا: إن العلاقات الدولية للمملكة لا يمكن أن تكون موضوع ابتزاز من أي كان ولأي اعتبار، لاسيما في هذه الظرفية الدولية المعقدة. ومن هنا، فإن استغلال السياسة الخارجية للمملكة في أجندة حزبية داخلية يشكل سابقة خطيرة ومرفوضة.

رابعا: إن استئناف العلاقات بين المغرب وإسرائيل تم في ظروف معروفة وفي سياق يعلمه الجميع، ويؤطره البلاغ الصادر عن الديوان الملكي بتاريخ 10 ديسمبر 2020، والبلاغ الذي نشر في نفس اليوم عقب الاتصال الهاتفي بين الملك والرئيس الفلسطيني، وكذلك الإعلان الثلاثي المؤرخ في 22 ديسمبر 2020، والذي تم توقيعه أمام الملك.

وقد تم حينها، إخبار القوى الحية للأمة والأحزاب السياسية وبعض الشخصيات القيادية وبعض الهيئات الجمعوية التي تهتم بالقضية الفلسطينية بهذا القرار، حيث عبرت عن انخراطها والتزامها به."

ومع اعتقادنا أن حدة هذا الجدل خفت بعد بيان حزب العدالة تعقيباً على بلاغ الديوان الملكي حيث نفت الأمانة العامة "نفياً مطلقاً كل ما يمكن أن يفهم من بلاغها المذكور أنه تدخل في الاختصاصات الدستورية لجلالة الملك وأدواره الاستراتيجية والتي ما فتئ الحزب يعبر عن تقديره العالي لها، وتثمينه ودعمه الدائمين لما يبذله من مجهودات داخلياً وخارجياً للدفاع عن المصالح العليا للوطن وتثبيت وحدته الترابية وسيادته الوطنية ...وجددت "في هذا الصدد اعتزازها الكبير بموقف جلالة الملك، أمير المؤمنين ورئيس لجنة القدس، المبدئي والثابت تجاه القضية الفلسطينية وتأكيده المتواصل على أنها في مرتبة قضية الوحدة الترابية للمملكة".

هذا الجدل ليس غريباً عن المناخ الديمقراطي السائد في المغرب وما تتيحه المؤسسة الملكية من حريات سياسية للأفراد والأحزاب ومؤسسات المجتمع المدني بدرجة أفضل مما هو متواجد في كل الدول العربية بل يمكن القول بأن التجربة الديمقراطية في المغرب يمكن للدول العربية ودول الجنوب الاحتذاء بها واستلهامها في عملية الانتقال الديمقراطي في بلدانهم. وفي رأينا ما كان من الضروري تدخل المؤسسة الملكية في الجدل وأن تبقى تسمو على كل الخلافات والتعارضات السياسية وخصوصاً أن ما ورد في بلاغ الديوان الملكي حقائق وثوابت يعرفها المغاربة والفلسطينيون وغيرهم.

أم بالنسبة لقضية التطبيع ومع رفضنا له وتفهمنا للظرفية التي جاء فيها بيان حزب العدالة والتنمية حيث تشهد فيه الأراضي الفلسطينية أبشع وأوسع عمليات استيطانية وعدوانية ضد شعبنا الفلسطيني بما يتعارض مع المنطلق الذي بنيت عليه اتفاقات التطبيع والسلام الإبراهيمي حيث كانت تقول بأن التطبيع سيعزز من فرص السلام ولن يسيء للشعب الفلسطيني، ومع اعتقادنا بأنه كان من الممكن لوزير خارجية المغرب اتخاذ موقف مغاير وتحديداً في قمة أديس أبابا الأفريقية بشأن طلب إسرائيل باعتمادها عضو مراقب في الاتحاد حيث كانت المغرب الدولة العربية الوحيدة التي أيدت طلب إسرائيل، وقد أثار موقفه المنحاز لإسرائيل استياء غالبية دول الاتحاد الأفريقي في الوقت الذي يسعى فيه المغرب لكسب تأييد دول الاتحاد لطرد جمهورية البوليساريو منه.

بالرغم من ذلك نؤكد على أن المغرب بكل مستوياته الشعبية والرسمية كان دائماً مع الشعب الفلسطيني، وأن الموقف من القضية الفلسطينية يتجاوز كل الأحزاب وعابر لها وفي هذا السياق نسجل ما يلي:

1- الجمعية المغربية لمساندة الشعب الفلسطيني التي تأسست عام 1968 هي الوحيدة التي استمرت في العمل حتى اليوم بينما توقفت الجمعيات الشبيهة في الدول العربية الأخرى.

2- كان المغرب وما زال من أكثر الدول العربية التي تشهد مسيرات، مليونية أحياناً، لنصرة الشعب الفلسطيني ورداً على العدوان الصهيوني وضد التطبيع، ولم ترتبط هذه المواقف والمظاهرات بحزب من الأحزاب بل كانت في ظل كل الحكومات التي ترأسها أحزاب ليبرالية ويسارية و(مخزنية) وإسلامية.

3- خلال حرب أكتوبر أرسل المغرب كتيبة عسكرية لتحارب على الجبهة السورية بقيادة الجنرال الصفريوي وقد اعترفت سوريا بالدور المشرف للجيش المغربي في الحرب.

4- المغرب احتضن القمة العربية في الرباط 1974 والتي فيها تم الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية ممثلا شرعياً ووحيداً وتم تغيير مسمى مكتب ممثلية فلسطين في الرباط إلى سفارة فلسطين.

5- في كل المؤتمرات والمنظمات الإقليمية والدولية كان موقف المغرب مع القضية الفلسطينية.

6- عند قيام السلطة الفلسطينية عام 1994 تم التبادل الدبلوماسي بين المغرب وإسرائيل وفي نفس الوقت تم فتح سفارة فلسطينية في مناطق السلطة تحديداً في غزة، ولكن بعد انتفاضة الأقصى قطعت المغرب علاقاتها الدبلوماسية مع الكيان الصهيوني واحتفظت بسفارتها في مناطق السلطة.

7- ترأس المرحوم صاحب الجلالة الملك الحسن الثاني لجنة القدس التي انبثقت عن منظمة المؤتمر الإسلامي ومن بعده الملك محمد السادس وما زالت اللجنة تقوم بعملها بما هو متاح لها من إمكانيات من الدول المنضوية فيها.

8- الملك الحسن الثاني الوحيد الذي استقبل الراحل أبو عمار أثناء حصاره ومقاطعته بعد حرب الخليج الثانية.

9- كان بين الملك الحسن الثاني والرئيس أبو عمار رحمهما الله علاقات صداقة كبيرة فكان أبو عمار الوحيد الذي سُمح له بالمشاركة في دفن الحسن الثاني.

10- عند تطبيع العلاقات الرسمية بين المغرب والكيان الصهيوني لم يصدر بيان أو تصريح رسمي من السلطة الفلسطينية يدين التطبيع مع أن الفصائل الفلسطينية أدانته.

11- في يونيو 2021 أي بعد التطبيع زار رئيس حركة حماس إسماعيل هنية المغرب ومن هناك وجه الشكر لصاحب الجلالة على دعوته و جهوده لنصرة القضية الفلسطينية دون أن يتطرق للتطبيع الرسمي بين المغرب وإسرائيل.

***

إبراهيم ابراش

وصفعات لأمريكا و"إسرائيل"

إذا عرف السبب بطل العجب.. وهذا ينطبق على تداعيات ما قبل الاتفاق السعودي الإيراني الذي أبرم مؤخراً وأعلن عنه في بكين.

وجاء هذا الاتفاق ليشكل صفعة لواشنطن التي بدأ السعوديون يسحبون البساط من تحتها في الخليج العربي، مع أن أمريكا نقلت مركزية عملياتها العسكرية المتوقعة ضد إيران إلى قواعد جديدة شرقي الفرات ذات الحدود المشتركة مع كردستان العراق التي تعتبر من أكبر حلفاء أمريكا و"إسرائيل" حيث المسافة بين تلك القواعد وحدود شمال إيران أقرب من مسافة عرض الخليح العربي الفاصل بين إيران والسعودية، وبالتالي فإن الوصول إلى بنك الأهداف الإيرانية (حيث أعلن الإسرائيليون بأنها حوالي 600 هدف استراتيجي).

كما ويشكل هذا الاتفاق الذي يعد اختراقاً صينياً للمنطقة، صفعةً أخرى ل"إسرائيل" التي خسرت من جرّاء ذلك ولو استشرافياً أهم الدول الخليجية المؤثرة، مثل السعودية التي عودتنا في عهد ولي العهد محمد بن سلمان على اتخاذ قرارات تحوّلية جريئة، فالاتفاق السعودي الإيراني جاء على أرضية المصالح السياسية والاقتصادية والأمنية لحلها لدى الطرفين آخذاً في الاعتبار التوافق بين الطرفين بعيداً عن المحاولات الإسرائيلية الرامية لإجهاض فرص التلاقي بين طرفي الاتفاق لتأزيم الموقف ضد إيران؛ وهي ضربة كبيرة للاتفاقية الإبراهيمية حيث خسرت من جراء ذلك أكبر حليف مستهدف يتمثل بالسعودية، التي اعطت الضوء الأخضر لصدور فتوى دينية عن دار الإفتاء السعودية رسمياً بتحريم الديانة الإبراهيمية ومن ينضوي في ظلها أو يدعو إليها، ما يعني أنها رفضٌ مُبَطَّنٌ لأية علاقة مع "إسرائيل" التي تعتبر جزءاً من المشروع الأمريكي لتوريط دول الخليج العربي في مهاجمة إيران ولو أدى ذلك إلى كوارث لا تحمد عقباها.

فوفق تسريبات أميركية، كشف النقاب عن خطة حرب عسكرية للجيش الأميركي أطلق عليها اسم عملية "دعم الحارس"

إذ نقلت "إسرائيل" قبل أقلّ من عام، بعض غواصاتها وسفنها الحربية إلى بحر العرب. واشتركت مع القوات البحرية الأميركية بعدة مناورات وتدريبات على مقربة من الشواطئ الإيرانية. وشملت التدريبات محاكاة هجوم مشترك على منشآت إيران الحيوية ومفاعلاتها النووية ومصانع صواريخها الباليستية وطيرانها المسيّر ومقرّات القيادة وعقد الاتصال، ويبدو أن الاتفاقية أعلاه ستحيد الخليج العربي وستضعف من احتمالات حصول هذا الهجوم في وقت قريب.

وفي ميزان الربح والخسارة لدى الطرفين السعودي والإيراني فقد أبدى كل طرف أسباب هذا التقارب بينهما.

ولنبدأ بالسعودية التي آثرت إبرام الاتفاق مع إيران صارفة النظر عن خيار

"إسرائيل" التي صورت للخليجيين بأنها الضامن لأمنهم أسوة بالإمارات والبحرين، فتبين مدى هشاشة هذا الكيان الذي لم يعد قادراً على حماية نفسه من المقاومة وأنه يبتغي تحويل دول الخليح إلى رأس حربة ضد الجارة إيران التي عندها مفاتيح الحل لو تم الاتفاق.. وقد دُفِعَتْ السعودية إلى ذلك لعدة اسباب أهمها:

أولاً:- البحث عن حل جذري للحرب الاستنزافية اليمنية من خلال رفع الدعم الإيراني عن الحوثيين من خلال حل توفيقي مقبول ويتناسب مع تطلبات الأمن السعودي.

ثانياً:- إيقاف النزف المالي المهدور في الحرب وتحويلها إلى مشاريع التنمية في سياق خطة 2030 التي طرحتها القيادة السياسية السعودية.

ثالثا:- وقف التهديدات الحوثية المباشرة التي طالت منشآتها النفطية والصناعية، وكان أخطرها الهجوم على منشآت أرامكو عام 2019، حيث وجهت الاتهامات إلى إيران كجهة داعمة.

رابعاً:- محاولة التخلص من عبء الولاء للأجندة الأمريكية وسطوة الدولار من باب تغليب المصالح السعودية واعتماد البديل الاستراتيجي المتمثل بالصين وروسيا ضمن مجموعة بريكس (مستقبلا).

أما بالنسبة لإيران فالأسباب كثيرة وأهمها:

أولاً:- التحرّكات الشعبية الداخلية التي أرهقت الحكومة والقوى الأمنية حيث يتهم السعوديون في تاجيجها وفق الأجندة الأمريكية.

ثانياً:- المعاناة من اقتصاد منهكٍ بعقوبات غربية شلّت عجلة التنمية المستدامة، وانعكست سلباً على حياة الإيرانيين.

ثالثاً:- تعثّر المفاوضات النووية مع المجموعة (5+1) في فيينا، ومع الوكالة الدولية للطاقة الذرية ما أدى إلى استمرار العقوبات ضد طهران.

رابعاً:- الضغوطات الإسرائيلية والتلويح باللجوء إلى القوة لضرب الصناعات الإيرانية الحساسة في الوقت الذي يتهم الغرب فيه إيران بدعمها لروسيا بالمسيرات.

خامساً:- تحييد السعودية في اي مواجهات محتملة مع امريكا و"إسرائيل".

وفي المحصلة فإن ملفّ المصالحة السعودية الإيرانية، يتضمّن الاتفاق على عدم التدخّل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، فهل ينجح الطرفان في تطبيق ذلك وفق تعهد الجهة الراعية،الصين.

من هنا تأخذ الرهانات أسئلتها ويبدو بأن الحكمة سادت الموقف أخيراً بين الجارين الكبيرين.. فالاستقرار بينهما من معطيات الأمان في الخليج العربي عموماً والقضية الفلسطينية بالتحديد.

***

بقلم بكر السباتين

15 مارس 2023

 

كي ندرك أهمية ما جرى ويجري مِن كبح للصَّحوة الدِّينيَّة، والخطوات الجريئة لقطع الطَّريق على خلاياها السَّابتة ببلدان، بينما وجدت لها منابرَ ببلدان، لا بد مِن النَّظر في ما وصلت إليه هيمنتها، وعلى مجدها هذا تبكي البواكي. يربي حزب إسلاميّ منتسبيه على الاستخفاف بالأوطان وعداوة أهل الأديان. يُحكم على رجلٍ أُتهم بالسّحر بشهادة الجن، وما كنتُ مصدقاً لولا رواية مَن مارسها. نُشر الحديث في الصُّحف حينها، مِن باب الرّد على مَن تحدث ضدها.

عندما يُستغل التَّعليم، ويُعلم تقليد «ضرب المرأة»، فما بالك إذا كانت صُحفاً رسمية، وما زالت، تنشر مقابلات تعتبر ضرب المرأة شريعةً. الاختلاف بين تحية المسلم وتحية غير المسلم. يُستغل التَّعليم لإشاعة الهلع بتكريس ثقافة الموت. يُقدم درسٌ لتلاميذ الابتدائية في تغسيل الموتى، ومحاضرات عن عذاب القبر. وصل الحال إلى اعتبار قتل الأقارب جهاداً.

شاع في زمن الصَّحوة نبذ الفلسفة والعِلم، أمَّا مَن تفلسف منهم فالفلسفة عنده تقف عند تمجيد الأوهام في إيجاد نظام ديني. يُقدم كلّ هذا بلغة ينفر منها العاقل ويُتخدر بها الجاهل. قصد هذا صفي الدِّين الحليّ(ت: 750هج) ببيته: «لغةٌ تنفرُ المسامعُ منها/حينَ تروى وتشمئزُ النُّفوسُ»(الدِّيوان، النُّفور مِن الغريب).

كانت أكثر الكتب انتشاراً، بالبلدان التي طالتها الصَّحوة، الخاصة بعوالم الجن، والإعجاز العلميّ، وعندما يُسأل الوراقون عن غزارتها، في تلك الأيام، يردون بأنها الأكثر ربحاً، لأنَّ الشَّباب يصحون وينامون على صفحاتها. أمَّا عن تحضير الأرواح فقد استخدمت هذه الشَّعوذة لاستدراج الشَّباب إلى الكهوف الصَّحويَّة، فالاعتقاد بهذا الوهم يفتح المجال إلى تعليم كره الأوطان، فالإسلاميون يدارون بمرشد وخليفة وولي فقيه خارج الحدود، لا اعتبار للوطن عندهم.

ما نشاهده اليوم مِن عقائد خرافيَّة، حتَّى أصبحت حقائق في أذهان الشَّباب، غير منفصل عمَّا بدأت به الصَّحوة في السَّبعينيات. فما هي قوة ثقافة الوهم كي يغمض الطَّبيب أو المهندس عينه عمّا تَعلَّمه، ويقوم بعقد جلسات تحضير الأرواح، أو يأخذ القاضي بشهادة الجن؟ يمارس مسؤول إسلاميّ الاستخارة في إدارة الدَّولة. كيف وصل الطَّبيب إلى مُجندٍ للانتحاريين وناشرٍ للأوهام؟!

لا يقع الذَّنب فقط على شيوخ الصَّحوة وساداتها، فما هو مستوى الثَّقافة والتَّعليم، الذي اخترقته الخرافة؟! صحيح أنَّ الإسلاميين، بأحزابهم ومنظماتهم، كانوا الأساس، لكننا شاهدنا تخاذلاً أمام بدايات الصَّحوة، أن يؤتى بصحوي، يدعي التَّنوير، ويملأ العقول بخرافاته، داخلاً مِن باب العلم والأدب، والحِكمة. كانت الحكومات ترى ذلك مجاراة لعواطف الأسلمة! كيف اقتنعت أنظمة بإعلان حملات إيمانيَّة، أسست بها لأوضاع مخجلة؟

قال أحد القضاة في زمن الصَّحوة: «كان الجن يهوداً وقد أسلموا، وصاروا مِن شباب الصَّحوة، فعندما سألهم: إنْ كانوا مِن شباب الصَّحوة؟ فقالوا: نعم» (المدينة، العدد: 11667 في 16/3/1995). كان هذا دور الصَّحوة في تجهيل المجتمع، ومَن يقرأ ما حصل لا يستهن بكبحِ جماحها، وإزالة آثارها.

ضبطت بلدان الخطاب الديني، فالحرية فيه تعني الفوضى، بينما ببلدان، ومع مجدها الحضاريّ، في الماضي البعيد، تركت التعليم لحرية عقائد المعلمين، يعلمون النَّشءَ مِن مخابئ عقائدهم. تُركت الثَّقافة لأهل المنابر، فلا تستغرب أنَّ تجري محاكمة لهشام بن عبد الملك(ت: 125هج) في جامعة، المفروض أنها للعلم، أو يظهر أحد المنبريين، يبرر الهيمنة على عقارات، بأنها ليست أملاكه، إنما أملاك الإمام الغائب!

هكذا يكون تبرير الاستحواذ باسم الدِّين، بينما الفقر يتزايد. لأبي العلاء المعريّ(ت: 449هج) في صاحبنا المنبري:«توهمتَ يا مغرور أنَّك دينٌ/عليَّ يمين اللهِ مالك دِينُ/ تسيرُ إلى البيت الحَرام تَنسكاً/ويشكوك جارٌ بائسٌ وخَدينُ»(لزوم ما لا يلزم).

***

د. رشيد الخيّون - كاتب عراقي

 

فى تزامن فريد وعجيب.. حدثان نزلت أخبارهما على العالم كالصاعقة. أحدهما يصب فى صالح الصين وضد أمريكا، والثانى فُجع به الاقتصاد الأمريكي!

أما الخبر الأول فهو الاتفاق السعودى الإيرانى برعاية صينية.. وأما الثانى فهو إعلان إفلاس بنك وادى السيليكون. وكلا النبأين فوجئت بهما وكالات الأنباء وباتا فى غضون سويعات هما حديث الناس شرقا وغربا..

كلمة السر .. الصين

لطالما تحدثت فى هذا الموضوع وأشرت إلى أهميته منذ ما قبل كورونا..

أن علينا تحديد اتجاه البوصلة الاستراتيجية وإعادة تقييم أولوياتنا السياسية فى علاقاتنا الخارجية بالدول على أساس المتغيرات الحادة الحادثة حولنا.. وأننا لو لم نفعل فسوف يسبقنا إلى هذا آخرون..

تعال ننظر إلى ما فعلته الصين بالأمس وما تفعله بأمريكا منذ بداية الحرب الأوكرانية الروسية التى اتضح أنها فخ نصبته أمريكا لروسيا والصين.. هلم بنا نتذكر سلسلة أحداث ربما بدأت قبل هذا بقليل منذ ما قبل تولى بايدن مقاليد الحكم فى أمريكا واتهامه للصين بقيادة عملية تجسس كبري نالت من عدة جهات حكومية داخل أمريكا وانتهاء بمنطاد التجسس الصينى الذى ظل يتجول ويتوغل فوق أمريكا لمدة أسبوع كامل قبل أن تقرر أمريكا إسقاطه! فبات من الواضح للعيان أن الصين تسبق أمريكا بكثير فى مسارات عدة خلاف المسار الاقتصادى..

أمريكا حاولت جرّ أقدام الصين لغزو تايوان بنفس الطريقة التى استفزت بها روسيا لبدء حربها ضد أوكرانيا، فهل نجحت فى ذلك؟ نعم تحركت الصين، وبالفعل حاصرت تايوان، لكنها أبداً لم تقدم على اجتياح تايوان مع قدرتها على ذلك.. فلماذا لم تفعل؟

نترك هذا المشهد إلى مشهد قريب جداً استهلت به الصين العام الجديد 2023 مع ذكرى مرور عام على الحرب الروسية الأوكرانية عندما قدمت نفسها للعالم كحمامة سلام وكوسيط صلح بين الأطراف المتحاربة؛ فعرضت مبادرة للتهدئة وإنهاء الحرب وهى تعلم علم اليقين أن الطرفين كليهما سيرفضان! فلماذا تقدمت بهذه المبادرة الفاشلة؟

طوال الوقت والصين تنادى وتعلن وتؤكد مراراً أنها لا تهدف إلى قيادة العالم وإنما إلى رفاهية شعبها اقتصادياً،وأنها نفضت يدها من الحروب المهلكة للاقتصاديات.. إنها ركزت فقط على هذا الهدف الأوحد وأنها لا مطامع لها فى إذلال أمريكا كما تدعى الأخيرة.. ولهذا جاءت تحركات الصين تصب فى هذا الاتجاه.. دخولها فى عدة تجمعات وأحلاف اقتصادية آسيوية وإفريقية.. تجهيزها لطريق الحرير بإصرار عابر للعراقيل وللأجيال.. دعواها المتكررة لنبذ الحرب ومنع التدخل فى الشئون الداخلية للدول.. حتى جاءت خطوتها الأخيرة القاصمة. الصلح الإيرانى السعودى..

توب سيكريت

الصحف الأمريكية خرجت صباح اليوم التالى للصلح الثلاثى مذهولة فاغرة الأفواه.. تقول: كيف لم تعلم أمريكا بمخابراتها وأقمارها الصناعية بالنبأ؟ بل إن بعض الصحفيين عندما سأل بايدن عما تم بين الصين وإيران والسعودية سرا قبل إعلانه بدا بايدن كأنه آخر من يعلم! أمر عجيب..

أربعة أيام كاملة تمت فيها المباحثات السرية بين الأطراف الثلاثة قبل أن يخرجوا على العالم بالخبر الصادم. فأين كان السي آى إيه وأين كان الموساد وهما يسمعان النبأ من الفضائيات والصحف؟!

أما الخبر ذاته، فهو خبر الموسم بل قل خبر العام.. كيف لقطيعة دامت سبع سنوات أو أكثر أن تنتهى فى لحظات؟ فهذه عاصفة الحزم استمرت لسنوات طويلة سوداء على أهل اليمن والجنوب السعودى، وتهديدات مستمرة لحرب محتملة تنشب بين القوى الإقليمية كنتيجة للتحزبات نحو المعسكر الشرقى الآسيوي أو المعسكر الغربي. بعد كل هذا تأتى الصين لتقلب الطاولة على الجميع وتنهى الأزمة الخانقة للمنطقة خلال سويعات!! أى عجب..

إذا ضممت هذا الحدث لعدة أحداث سابقة تمت فى السعودية فأنت أمام مشهد مذهل بكل المقاييس.. فمنذ الصلح بين السعودية وقطر،وقرارات الأوبك برفع سعر برميل البترول لصالح المنطقة وضد القرار الأمريكي، ثم التقارب الصيني السعودى، واحتمالية كسر أسطورة البترودولار على أعتاب صعود اليوان والروبل! كلها أمور تقرأ منها مشهداً إقليمياً وعالمياً جديداً .. فما الذى يحدث؟!

إننا أمام خطوات انتصار تحققها الصين على الساحة العالمية وإن لم تدخل فى أتون أى حرب.. وفى المقابل هزائم متوالية تحدث للمعسكر الغربي الأمريكي وآخرها ما حدث فى الوول ستريت بالأمس القريب.. فما الذى حدث فى أمريكا؟ وما تداعياته عليها وعلى العالم؟

الدولار.. وبداية النهاية

كنت من أول المتسائلين عما سيصيب الاقتصاد الأمريكى بسؤال مصيري : من سيرث كعكة الدولار إذا سقط؟.. اليوم يبدو أن النبوءة قد بدأت تتحقق رويداً رويداً على أرض الواقع.. وربما استيقظ العالم يوماً على انهيارات مالية مهولة تتبع انهيار الدولار ..

لم يعد هذا بعيداً بعد خبر سقوط واحد من أكبر بنوك أمريكا، بنك وادى السيليكون.. إن كل الصحف العالمية تسابقت لتحليل تفاصيل هذا النبأ العظيم والحدث الجلل الذى أعاد للعالم ذكرى الانهيار الاقتصادى عام 2008.. فهل نحن مقدمون على ما يشبه الكساد العظيم القديم؟

البعض قد يتساءل: لماذا هذه الضجة الكبيرة على حدث عادى مثل إعلان إفلاس بنك؟ وكيف يمكن لمثل هذا الأمر أن يؤثر على اقتصاد أكبر دولة فى العالم وأقواها اقتصادياً؟

الحق أن الذهول الذى أتبع إعلان الخبر أمر طبيعى وله مبرراته.. لأن بنك وادى السيليكون ليس بنكاً عادياً أبداً.. إنه أحد أكبر البنوك الأمريكية برأس مال200 مليار دولار، أى بمقدار ميزانيات دول، فكيف له أن ينهار ويفلس؟ ثم أنه كان فى حالة نمو دائم منذ 2017 وحتى بدايات هذا العام، فمتى وكيف أفلس؟!

من بين التقارير التى صدرت فى هذا الصدد تقرير مجلة الإكونومست البريطانية التى شرحت أسباب انهيار البنك الذى كان من أهم بنوك الإقراض للشركات الناشئة فى قطاع التكنولوجيا، فقالت: أن ما حدث هو أن سعر سهم البنك قد بدأ فى الانخفاض خلال أسبوع ما قبل الانهيار من 60% إلى 70% وهو ما دفع البنك لمناشدة عملاءه بمساندته ودعمه وهى المحاولات التى قوبلت بالتجاهل حتى تم إيقاف التعامل بأسهمه فى الوول ستريت وتم الحجز على ودائعه ثم جاء السقوط وإعلان الإفلاس..

التكالب على الاقتراض من هذا البنك والذى بدا كأنه سبب نجاحه كان فى الواقع هو السبب الأول للسقوط؛ فنظرا لأن البنوك تجني الأرباح من الفارق بين سعر الفائدة الذي تدفعه على الودائع والسعر الذي يدفعه المقترضون فإن وجود قاعدة ودائع أكبر بكثير من دفتر القروض كان يمثل مشكلة يقتضي حلها حصول البنك على أصول أخرى تحمل فائدة.لذلك غامر البنك فأقدم على استثمار هائل بنهاية 2021 بلغت قيمته 128 مليار دولار، معظمها في سندات الرهن العقاري وسندات الخزانة بأسعار مرتفعة.. ثم تغير العالم -وفقا للتقرير- وارتفعت أسعار الفائدة مع ترسخ التضخم وانخفضت أسعار السندات، مما ترك بنك "إس في بي" مكشوفا بشكل فريد، وخفض العملاء ودائعهم من 189 مليار دولار في نهاية عام 2021 إلى 173 مليارا في نهاية عام 2022. واضطر البنك إلى بيع محفظته من السندات السائلة بالكامل بأسعار أقل مما كانت عليه، متكبدا خسائر بلغت نحو 1.8 مليار دولار تركت فجوة حاول سدها بزيادة رأس المال، لكنه لم يفلح.

معنى هذا أن قرارات البنك الفيدرالى الأمريكي باتت لها تبعات مباشرة على أرض أمريكا ذاتها.. وأن التبعات القادمة ربما كانت هى الأهم والأفدح..

وما خفى كان أعظم..

فى عالم السياسة بعيد الغور أشياء تجرى وراءها الصحافة وتتبعها ثم تعلنها وهى ليست إلا قمة جبل.. بينما يبقى الجزء الأعظم متوارياً فى العمق لا يعلم به أحد!

نبأ انهيار بنك السيليكون فالى ونبأ الاتفاق السعودى الإيرانى كلاهما قمة جبل من ورائه أخبار وفى أعماقه أسرار أكثر من أن تُحصى.. والتداعيات التى ستأتى بعدهما لابد أنها فوق التوقعات والتخرصات.. فما الذى تخفيه لنا الأيام من أحداث جسام؟ دعونا نرى..

***

د. عبد السلام فاروق

عادة ما تتجه المراكز البحثية في البلدان الديموقراطيّة وهي تريد أستقراء الأوضاع السياسيّة أو الأقتصادية وغيرها ومواقف الجماهير منها، الى عيّنات عشوائية من الناس وأستطلاع آرائهم لغرض عرضها على صانعي القرار السياسي لأتخاذ موقف ما من قضيّة ما. لكنّ أستطلاعات الرأي لا تعني مطلقا نجاحها في تقديم صورة حقيقية للقضيّة التي أستطلع الجمهور فيها، فهناك دوما هامش للخطأ بنسب تختلف من مجتمع لآخر إعتمادا على أمور عدّة، منها أنتشار الوعي، جودة التعليم، الديموقراطية، نسبة البطالة، قوّة النقابات والأتّحادات المهنيّة، الثقة بالحكومة، الأعلام المستقل، وغيرها من تلك التي هي على تماس مع مصالح الجمهور اليومية. أنّ أستطلاع الآراء أصبحت اليوم تجارة تقوم بها مؤسسات أستطلاع لأحزاب متنافسة في وصولها للسلطة، أو حتى بين شركات كبرى تتنافس لتسويق بضائعها في الأسواق، وهذا يعني أنّ هذه المؤسسات البحثيّة تعمل على صناعة رأي عام يساعد تلك الأحزاب للوصول الى السلطة، او تلك الشركة لتسويق منتجاتها، وهذا يعني تحديدا أرباحا مالية للأحزاب والشركات المتنافسة.

يُحدّد الكثير من الباحثين في موضوعة الرأي العام وأهمّيته، على أنّ هناك رأي عام ثابت وآخر مؤقّت. كما وأنّ هناك رأي عام يُقاد، وآخر يقود. ولأننا نتحدث هنا عن العراق، فأننا سنتحدث عن الرأي العام في العراق ودوره على الخارطة السياسيّة في بلده، وموقفه من الأزمات السياسية والأقتصادية والأجتماعية التي تمر بها البلاد. لنرى إن كان هناك رأي عام عراقي بالشكل المتعارف عليه في البلدان الأخرى، ومدى أمكانية أن يلعب الرأي العام العراقي دورا مؤثرّا في "العمليّة السياسيّة" التي تقوده وبلاده نحو المجهول؟.

من العوامل التي تشكّل الرأي العام وفق آراء الكثير من الباحثين ولا زلنا نأخذ العراق كمثال حصرا هنا هم الزعماء السياسيون ورجال الدين والعشائر وزعماء الميليشيات، وكم المشاكل الأقتصادية والأجتماعية التي يواجهها المجتمع العراقي، ولا نقول السياسية كون الشأن السياسي لا تهتم بها الغالبية العظمى من الجماهير نتيجة غياب ثقتها بمنظومة الحكم بأركانها الثلاثة من جهة، وغياب أو ضعف قوى سياسيّة تطمح وتعمل على التغيير، ويأسها أي الجماهير من حدوث تغيير نحو الأفضل من جهة ثانية، وكونها غير واعية لا بحاجاتها اليومية وتوفيرها للعيش بكرامة ولا بمستقبل وطنها. قد يبدو هذا الأستنتاج قاسيا، لكنّه الأقرب الى الحقيقة بشكل كبير من خلال أستقراء الأوضاع السياسية التي شهدتها البلاد منذ الأحتلال لليوم. أنّ الأنتماء الوطني بالعراق ضعيف مقارنة بالأنتماءات الطائفيّة والقومية والعشائرية بل وحتّى المناطقيّة، والقوى المهيمنة على المشهد السياسي وتشكّل الدولة والدولة العميقة في العراق اليوم تعمل على أنتشار وترسيخ الطائفية والعشارية والمناطقيّة كوسيلة لبقائها في السلطة، بل هي في الحقيقة وإن توخينا الدقّة فأنّها أي الدولة إمتداد طبيعي للنسيج الطائفي القومي المناطقي.

هناك رأي عام ثابت وآخر مؤقّت وفق الباحثين والمراكز البحثية المختلفة، والرأي العام الثابت هو الذي يرتكز على مفاهيم ثقافية ودينية وطائفية محدّدة ومشتركة بين غالبية جمهور مناطق جغرافيّة معيّنة وحتّى من أبناء تلك المناطق الذين يعيشون خارجها، ومزاج هذا الشكل من الرأي العام من الصعب تغييره، أو من الصعب تغيير غالبيته ولو البسيطة في مسائل سياسيّة مهمّة، كأصلاح أو تغيير سلطة. ولأننا لازلنا في المثال العراقي، فأنتفاضة تشرين على سبيل المثال لم تستقطب جماهير البلاد بأكملها، وأقتصرت لحدود بعيدة جدا على أبناء مناطق ذات لون ثقافي وطائفي واحد وهم الشيعة، لأسباب منها ضعف البنى التحتيّة والخدمات في المناطق الشيعية مقارنة بغيرها من المناطق ككوردستان مثلا، وكون السلطة التنفيذية بيد ساسة ورجال دين شيعة لم يقدّموا ما كان منتظرا منهم لأبناء جلدتهم على الأقل، هؤلاء الذي أنتفضوا ضد سلطة البعث في آذار 1991 تحت شعار "ماكو ولي الّا علي ونريد حاكم جعفري" وإذا بالحاكم الجعفري فاسد ولص وأذاقهم الفقر والبطالة والمرض والجهل والأميّة. والرأي العام المتحرك أو المؤقّت فهو مرتبط بوجود مشكلة ما أو مطلب ما، وموقف الرأي العام منها عن طريق تنظيم تظاهرات أو أعتصامات أو أضرابات أو وقفات جماهيرية، والرأي العام هذا سلبي أكثر ممّا هو أيجابي، كونه يبحث عن مصالحه بأنانيّة وغباء، فالسلطة تستطيع أن تقف بوجه أضراب المعلّمين أو الكادر الصحي والخدمي في مدينة أو منطقة ما في حال تنظيمهم تظاهرة أو أضرابا أو وقفة جماهيرية لتحقيق مطالبهم، لكنّ نفس السلطة ستكون عاجزة عن مواجهة أضرابات أو أعتصامات في كامل البلاد إن كانت هناك قوى سياسيّة قادرة على تنظيم هكذا شكل من أشكال النضال الجماهيري.

الرأي العام الثابت بالعراق ومن خلال تجربة ما بعد الأحتلال بل ومنذ تأسيس الدولة العراقيّة لليوم، يرتكز على أسس طائفيّة وقوميّة ومناطقيّة. فالرأي العام (بأغلبيته البسيطة على الأقل) في جنوب العراق مثلا، يتأثر لحدود بعيدة بالمؤسستين الدينيّة والعشائريّة وتتم أدارة موقفه وتوجيهه من قضايا البلاد وفق وجهات نظر رجال الدين والعشائر والأحزاب والميليشيات من تلك القضايا. وهذا ينطبق على المناطق الغربية والكوردية أيضا. وهذا يعني أنّ موقف الرأي العام عند الشيعة مرتبط بطقوس مقدّسة تنتجها وتديرها مؤسسات دينية وعشائرية وثقافية مرتبطة بهاتين المؤسستين من جهة، وسطوة رجال الدين والعشائر والنخب السياسيّة في ظل غياب الدولة أو ضعفها أو إنحيازها لجهة دون أخرى. وموقف الرأي العام في المناطق السنيّة يتم إدارته وتوجيهه هو الآخر من قبل مؤسسات دينية وعشائرية وثقافية ترتبط بهما، مع وجود نفس الدور لرجال الدين والعشائر والنخب السياسية في توجيه الرأي العام نحو حنين لماض كانت فيه أي الطائفة هي من تمتلك زمام السلطة. أمّا الكورد وهم يحلمون بوطن قومي لهم، فأنّ الرأي العام عندهم يقاد هو الآخر من مؤسسات عشائرية عائلية، مع تأثير واضح كما الآخرين للمؤسسة الدينية.

مثل هكذا رأي عام لا يمكن الأعتماد علية في قياس موقف ما من قضية وطنية بحتة، فالمجموعات الثلاث بغالبيتها البسيطة كي لا نكون قساة في حكمنا عليها لا تعرف معنى الوطنية والأنتماء للوطن، فالوطن عندها طائفة وقبيلة وعشيرة. ومثل هكذا رأي عام يقاد بسهولة الى مواقف من يقودها ويرسم سياساتها. فالمثقفون وهم أقليّة ولا يملكون وسائل أعلام ولا أمكانيات ماديّة كالتي تملكها مؤسسات الدولة التي هي أمتداد للطائفية والعشائرية كما اشرنا قبل قليل، غير قادرة في ان تلعب دور القائد في صراعها مع الطرف الآخر للتأثير في الرأي العام.

أمّا الرأي العام المتحرك أو المؤقّت، فهو رأي عام بائس وغير ميّال للمساهمة في إيجاد حلول أو مراكز ثقل لقوى مناهضة لسلطة الفساد ليمنحها القوّة على الساحة السياسيّة. فتظاهرة لعدم توفّر الكهرباء تنطلق في البصرة مثلا ويُقتل فيها عدد من المتظاهرين لا نرى تظاهرات متزامنة مثلها في مناطق أو مدن أخرى رغم معاناة أبناء تلك المناطق كما معاناة أبناء البصرة من نفس المشكلة، كي تكون ذات تأثير واضح على مزاج الناس من جهة وتحدّيهم للسلطة ودفعها لإيجاد حلول للمشكلة من جهة ثانية!

بشكل عام لا يجب أن يتحرك الرأي العام فقط بأتجاه تحقيق مطالب آنيّة وإن كانت ملحّة، بل عليه التحرّك نحو فضاءات أكبر بكثير من المطالب الآنية، فضاءات تأخذ قضايا سياسية كبيرة كتغيير شكل السلطة وترسيخ مبدأ القانون وبناء دولة مؤسسات حقيقية في ظل نظام علماني ديموقراطي، وهذه الأمور الحسّاسة والمصيرية بحاجة الى قوى سياسية قريبة من الجماهير ومزاجها من جهة، وقادرة على إقناع هذه الجماهير بضرورة مشاركتها الفعلية في ماكنة التغيير، كونها أي الجماهير هي الطاقة التي تحتاجها القوى السياسية الباحثة عن التغيير لتحريك ماكنة التغيير لأنقاذ الوطن من مستقبل تشير الوقائع الى أنّه كارثي بمعنى الكلمة.

***

زكي رضا - الدنمارك

مرحلة «عصر الاضمحلال» تنبؤات تحدث الآن في وصية أستاذي ومعلمي/ الدكتور العالم الشهيد راهب العلم "جمال حمدان" يقول جمال حمدان في مذكراته الخاصة... مصر اليوم إما القوة وإما الموت...؟!

وإن لم تحقق مصر، قوة عظمى تسد المنطقة بأسرها، فسوف "يتداعى عليها الجميع يوما ما" كالقصعة "أعداء وأشقاء وأصدقاء وجيرانا من المحيط الجغرافي. ويقفون هم يتفرجون في حياد كاذب في انتظار العزاء بعد الوفاة... ولكن رغم مرضها المزمن من الأمراض المتوطنة لن تموت وقد تحارب مصر يوما ما عسكريا في أعالي النيل وفي أثيوبيا والسودان ثم إسرائيل ثم عرب البترول ثم تركيا وإيران... وحين نقول مصر القوية، فنحن نقصد مصر القوية العزيزة الكريمة، في الخارج والداخل والقوة وحدها على خطورتها لا تكفي، فالصوت في الغناء، لا تكفيه القوة. بل لا بد من ثنائي القوة والجمال مصر القوة والجمال- هذا ما نريد. والقوة هي التحرر الوطني والسيادة الوطنية والعزة القومية ونفى التبعية والاستعمار والصهيونية وإسرائيل... أما الجمال: فهو عزة الإنسان المصري في دولته القوية، دولة" العدالة، والمساواة "، وإعادة توزيع الملكية والدخل... هكذا مصر: تأخذ وتعطى... تؤصل وتوصل... رحم الله هذا العبقري الراهب في محراب الوطنية المصرية الذي رأى بالفراسة ما عجز عنه أهل السياسة فرحل في ظروف غامضة وقلمه يكتب عن عشقه لمصر الزمان والمكان...!!

وفي ظل الوضع الراهن المأساوي التي تعيشه مصر اليوم في كل المجالات بعد رحيل جيل من العمالقة ربما لا تعرفها الأجيال الحالية أو حتى سمعوا عنه بعد أن تصدرت المجالات الأدبية والثقافية والفنية والاجتماعية في مصر حاليا، مجموعة من ذوي العاهات" السيكوباتية "والاضطرابات النفسية مثل شيوخ الفتاوى، وكل من يلتحف بعباءة الدين والتقوى. وكل من يبحث عن دور داخل المجتمع...

وأيضا من الذين قفزوا على المشهد الإعلامي من الكتاب والصحفيين ومقدمي ومقدمات البرامج التلفزيونية، وغيرها في مواقع التواصل الاجتماعي، بينما أولئك وهؤلاء لا يعرفون أن الفاعل هو اسم مرفوع، وأن المفعول به يكون منصوبا بالفتحة أو بحرف الياء، وغيرها من قواعد اللغة العربية في النحو والصرف لا أعتقد أن أيا من شباب الجيل الحالي يعرف أو حتى سمع عن الشخصيات التي أثرت الحياة الأدبية والثقافية والسياسية والعلمية، وأيضا الفنية والإبداعية من فنون الموسيقى والتلحين والغناء والرسم والتصوير والتمثيل، وغيرها من المجالات التي نبغت وبرعت وأبدعت فيها هذه الأجيال من العمالقة في العصر الحديث، وتحديدا منذ بدايات القرن العشرين. كما لا أعتقد، ولا حتى أتخيل أن أي أحد يستطيع أن يملأ الفراغ الكبير الذي تركه مثل هؤلاء العظام بعد رحيلهم؟! فعلي سبيل المثال …...

على ساحة الدعوة والدين:

الشيخ محمد عبده، أحمد حسن الباقوري،  الشعراوي، الغزالي، محمد السيد طنطاوي، الشيخ جاد الحق وغيرهم!؟

على ساحة الأدب والرواية والقصة والنقد... عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين، عباس محمود العقاد، أحمد لطفي السيد، والدكتور محمد حسين هيكل صاحب أول قصة في السينما المصرية" زينب "مصطفى المنفلوطي، نجيب محفوظ، يحيى حقي، سلامة موسى، محمد عبد الحليم عبد الله، محمود تيمور، محمد مندور، يوسف السباعي، أمين الخولي، الدكتورة سهير القلماوي، مفيدة عبد الرحمن، الدكتورة عائشة عبد الرحمن" بنت الشاطئ "، والدكتور مصطفى محمود،احمد بهاء الدين ..

أمين يوسف غراب، يوسف جوهر، وغيرهم... وعلي ساحة الفنون الإبداعية مثل الموسيقى والتلحين والغناء والتأليف: الشيخ سيد درويش، محمد عبد الوهاب، أم كلثوم، عبد الحليم حافظ،فريد الأطرش.، سعاد حسني، نجاة الصغيرة، فايزة أحمد، شادية، صباح وردة... محمد القصبجي، رياض السنباطي، الشيخ زكريا أحمد، أحمد رامي، بيرم التونسي، حسين السيد، مأمون الشناوي، كامل الشناوي، محمد الموجي، وسيد مكاوي وغيرهم الكثير مما لا يتسع المجال هنا لذكرعلى ساحة السينما والمسرح والتمثيل والإخراج:

يوسف وهبي، أمينة رزق، فاتن حمامة، زكى رستم، حسين رياض، عبد الوارث عسر، سليمان بك نجيب، فردوس محمد، نجيب الريحاني، عبد السلام النابلسي، إسماعيل ياسين، إستفان روستي، محمود المليجي،يحي شاهين،  فريد شوقي، توفيق الدقن، أنور وجدي، عبد الفتاح القصري، عمر الشريف. محمود مرسي وعبداللة غيث. زينات صدقي، سراج منير، بركات، أحمد بدرخان، صلاح أبو سيف، يوسف شاهين .  وغيرهم الكثير على الساحة الإعلامية في الإذاعة والتليفزيون:

صفية المهندس، سامية صادق، جمالات الزيادي، حسني الحديدي، فاروق شوشة، أمان ناشد، سلوى حجازي، ليلى رستم، درية شرف الدين، إيناس جوهر، منى جبر، ناهد جبر... في الصحافة:

محمد زكى عبد القادر صاحبا" نحو النور "، على أمين و" فكرة "، مصطفى أمين. ومحمد حسنين هيكل ومحمد عودة

و" قبلات وصفعات "، فكري أباظة، محمود أمين العالم، عبد الرحمن الشرقاوي، زكى نجيب محمود، أنيس منصور،  وغيرهم ممن لا تعييهم ذاكرتي الآن أتذكر هؤلاء الرواد العمالقة كلما أسمع أو أشاهد أولئك المدعين الذين دخلوا خلسة من أبواب المنتجين من تجار الخردة في وكالة البلح، وبأموالهم القذرة، إلى عالم السينما من أمثال محمد مختار ونادية الجندي التي تارة تقوم بدور" عالمة الذرة "، وتارة نجدها قد" هزت عرش مصر "، ومرة تقضي" 48 ساعة في تل أبيب "لكي تهزم بمفردها" الموساد "الذي هو جهاز المخابرات الإسرائيلي؟!

وها هي تظهر علينا مؤخرا في ثياب الواعظة الدينية التي تنصح بالتقرب إلى الله لكي تنصلح أحوالنا هؤلاء ومعهم السبكي وأمثاله، ومعهم كلهم وقبلهم" صفوت الشريف "الذي حكم جهاز الإعلام بقبضة حديدية لعدة عقود هؤلاء وغيرهم من أسماء أصحاب السوابق الذين دخلوا إلى كل المجالات الإبداعية في كل أبوابها وصنوفها ودروبها، وأفسدوها بكل ما هو عفن وسيئ وهابط، وقضوا على عقول أجيال من الكبار قبل الصغار من الذين مشوا ورائهم وصدقوهم السيكوباتية من أمراض نفسية. نعم هم الآن يتصدرون المشهد...إننا نعيش حالة من الفوضى تشبه بردية الحكيم المصري القديم «إيبور»،

تؤرخ البردية لمرحلة قاسية في التاريخ المصري القديم حوالي سنة 2180 ق. م، بعد انتهاء الأسرة السادسة وزوال الدولة القديمة التي وصلت لأعلى درجات المجد في عصر بناة الأهرام، حيث مرت مصر بعقود من الفوضى تصفها البردية بكثير من التفصيل وببلاغة أدبية عالية؛ حيث يقول الحكيم إيبور: «أصبحت البلاد ملأى بالعصابات حتى أن الرجل كان يذهب ليحرث أرضه ومعه درعه، وشحبت الوجوه وكثر عدد المجرمين ولم يعد هناك رجال محترمون. وفقد الناس الثقة في الأمن. وعلى الرغم من فيضان النيل فقد أحجم الفلاحون عن الذهاب لفلاحة أرضهم خشية اللصوص وقطاع الطرق».

كما صارت القلوب رجفة ثائرة، خاصة بعد انتشار الوباء في كل الأرض، والدم أريق في كل مكان، وكثر عدد الموتى حتى أصبحت جثثهم من الكثرة بحيث استحال دفنها، ولذلك فإنها ألقيت في الماء كالماشية الميتة، وأصبح أصحاب الأصل الرفيع مفعمين بالحزن، وصارت الأرض تدور كعجلة الفخاري تعيد تشكيل ملامح الحياة، وبات اللص صاحب ثروة، وتحول النهر إلى بحر دماء عافتها النفوس وأصيبت التماسيح بالتخمة بما التهمت من جثث وقضي على الضحك، فلم يعد يسمع صوته على الإطلاق، بينما أخذ الحزن يمشي في طول البلاد وعرضها ممزوجا بالأسى، وكره الناس الحياة حتى أصبح كل واحد منهم يقول: يا ليتني مت قبل هذا. وعم الظلم والمرض والفوضى البلاد، وأصبح الرجل يقتل أخوه من أمه، والطرق شائكة، فاللصوص يكمنون في الحشائش حتى يأتي المسافر في ظلام الليل ليسلبوا منه حمله ويسرقون ما عليه، ثم يضربونه بالعصي حتى يقطع نفسه ثم يذبح ظلما...

ويقول الباحثون إن هذه البردية تلخص الحالة التي حدثت في مصر أثناء فترة ما يسمى «عصر الاضمحلال» بعد وفاة الملك بيبي الثاني، والذي جلس على عرش مصر 94 عاما، وفقدت مصر بعده وحدتها، وجرى تقسيم أقاليمها، ودام ذلك حوالي 80 سنة حتى جاءت سلالة جديدة منإننا نعيش حالة من الفوضى تشبه بردية الحكيم المصري القديم «إيبور»،

تؤرخ البردية لمرحلة قاسية في التاريخ المصري القديم حوالي سنة 2180 ق. م، بعد انتهاء الأسرة السادسة وزوال الدولة القديمة التي وصلت لأعلى درجات المجد في عصر بناة الأهرام، حيث مرت مصر بعقود من الفوضى تصفها البردية بكثير من التفصيل وببلاغة أدبية عالية؛ حيث يقول الحكيم إيبور: «أصبحت البلاد ملأى بالعصابات حتى أن الرجل كان يذهب ليحرث أرضه ومعه درعه، وشحبت الوجوه وكثر عدد المجرمين ولم يعد هناك رجال محترمون. وفقد الناس الثقة في الأمن. وعلى الرغم من فيضان النيل فقد أحجم الفلاحون عن الذهاب لفلاحة أرضهم خشية اللصوص وقطاع الطرق».

كما صارت القلوب رجفة ثائرة، خاصة بعد انتشار الوباء في كل الأرض، والدم أريق في كل مكان، وكثر عدد الموتى حتى أصبحت جثثهم من الكثرة بحيث استحال دفنها، ولذلك فإنها ألقيت في الماء كالماشية الميتة، وأصبح أصحاب الأصل الرفيع مفعمين بالحزن، وصارت الأرض تدور كعجلة الفخاري تعيد تشكيل ملامح الحياة، وبات اللص صاحب ثروة، وتحول النهر إلى بحر دماء عافتها النفوس وأصيبت التماسيح بالتخمة بما التهمت من جثث وقضي على الضحك، فلم يعد يسمع صوته على الإطلاق، بينما أخذ الحزن يمشي في طول البلاد وعرضها ممزوجا بالأسى، وكره الناس الحياة حتى أصبح كل واحد منهم يقول: يا ليتني مت قبل هذا. وعم الظلم والمرض والفوضى البلاد، وأصبح الرجل يقتل أخوه من أمه، والطرق شائكة، فاللصوص يكمنون في الحشائش حتى يأتي المسافر في ظلام الليل ليسلبوا منه حمله ويسرقون ما عليه، ثم يضربونه بالعصي حتى يقطع نفسه ثم يذبح ظلما.

ويقول الباحثون إن هذه البردية تلخص الحالة التي حدثت في مصر أثناء فترة ما يسمى «عصر الاضمحلال» بعد وفاة الملك بيبي الثاني، والذي جلس على عرش مصر 94 عاما، وفقدت مصر بعده وحدتها، وجرى تقسيم أقاليمها، ودام ذلك حوالي 80 سنة حتى جاءت سلالة جديدة من الملوك الأقوياء الذين أعادوا النظام والأمن إلى مصر، وبدأت معهم مرحلة حكم الدولة الوسطى في التاريخ الفرعوني، وهو المعروف باسم «عصر الرخاء»، الذي تميز بالرفاهية الشديدة والتقدم في جميع مجالات الحياة... هكذا هو حالنا الآن كما جاء في البردية...!!

الملوك الأقوياء الذين أعادوا النظام والأمن إلى مصر، وبدأت معهم مرحلة حكم الدولة الوسطى في التاريخ الفرعوني، وهو المعروف باسم «عصر الرخاء»، الذي تميز بالرفاهية الشديدة والتقدم في جميع مجالات الحياة... هكذا هو حالنا الآن كما جاء في البردية...!!

***

محمد سعد عبد اللطيف

كاتب مصري وباحث في علم الجغرافيا السياسية

 

ويعتبر دجلة والفرات نهرين عابرين الحدود وليسا نهرين دوليين!

هل يعقل أن رئيس الوزراء العراقي ومستشاريه وهم بالعشرات ، لا يعرفون الفرق بين المصطلحين الأول "الانهار العابرة للحدود" والثاني "الانهار الدولية" وأنه لم يطلعوا على تفاصيل الخلاف الشديد حول هذا الموضوع طوال عدة عقود بين العراق وتركيا؟  نرجو أن يكون ما قاله رئيس الوزراء  مجرد "زلة لسان" حيث ان تركيا طالبت العراق باعتبار النهرين عابرين للحدود وليست دوليين وقد رفضت الحكومات العراقية المتوالية ذلك.

ان الفرق بين اعتبار النهرين عابرين للحدود أو دوليين هو الاتي: تركيا تعتبر النهرين نهرين تركيين عابرين للحدود ولا ينطبق عليهما القانون الدولي الخاص بمجاري الانهار الدولية، ولذلك لم توقع تركيا على هذا القانون ورفضته.. أما القول انهما دوليان بمعنى يمران في عدة دول مستقلة فيعني ان القانون الدولي ينطبق عليهما..تركيا تعتبر الانهار التي تفصل بين الدول كالانهار بينها وبين بلغاريا وروسيا انهار دولية ولذلك وقعت مع بلغاريا وروسيا اتفاقيات لتقاسم مياه تلك الانهار ورفضت وترفض التوقيع على الاتفاقيات مع العراق وسوريا وما قاله السوداني اليوم سوف يتسبب بكارثة لانه يعتبر اعترافا بالمنطق التركي.. وقبل السوداني اخطأ الوزير حسن الجنابي حين قال عبارة "حوض دجلة والفرات" والصحيح انهما حوضان مستقلان جيولوجيا وهايدروليكيا وليس حوضا واحدا وتركيا تطالب العراق باعتبارهما حوضا واحدا، لتعوض مياه واحد من الاخر، ولكن العراق رفض ذلك. وقد كتبت مقالة مطولة في الصحافة العراقية واللبنانية حينها وانتقدتُ الجنابي على هذا التصريح وقد صحيح الرجل موقفه في تصريح لاحق رغم انه واصل اداءه المتهاون والتفريطي بحقوق العراق في مياه الرافدين.

ان الحل الممكن و السلمي وفي الحد الادنى يكمن في أن تنتهج الحكومة العراقية  موقفا وطنيا جذريا يتناسب وحجم الكارثة المحدقة بالعراق والعراقيين وتبادر فورا الى تدويل المشكلة وتقطع التبادل التجاري الضخم مع دول المنبع المتفردة بإدارة مياه النهرين الدوليين دجلة والفرات وروافدهما و إلا ستتحمل المسؤولية الكاملة عما حدث وما سيحدث. اليكم نص ما قاله السوداني: "مئات الالوف نزحوا من مناطقهم وسبعة ملايين مواطن تضرروا بسبب الجفاف، والانفراد بالتحكم بالمياه في دول المنبع يزيد من هشاشة الدول في مواجهة تأثيرات التغيرات المناخية! وما الحل؟ وقال: "ندعو الدول الصديقة ومنظمات الأمم المتحدة كافة لدعم العراق في مواجهة آثار التغيرات المناخية والدول الأطراف في الاتفاقيات الدولية البيئية، لتعزيز بنود التعاون الدولي في الإدارة المشتركة لأحواض الأنهار العابرة للحدود، والحفاظ على حقوق الدول المتشاطئة".

***

علاء اللامي

........................

*رابط يحيل الى التقرير الاخباري حول الموضوع:

https://www.alsumaria.tv/news/%D9%85%D8%AD%D9%84%D9%8A%D8%A7%D8%AA/450066/%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%88%D8%AF%D8%A7%D9%86%D9%8A-%D9%8A%D8%B7%D9%84%D9%82-%D9%85%D8%A8%D8%A7%D8%AF%D8%B1%D8%A9-%D9%83%D8%A8%D8%B1%D9%89-%D9%84%D8%B2%D8%B1%D8%A7%D8%B9%D8%A9-5-%D9%85%D9%84%D8%A7%D9%8A%D9%8A%D9%86-%D8%B4%D8%AC%D8%B1%D8%A9-%D9%88%D9%86%D8%AE

تواصل وسائل الإعلام الغربية ومراكز البحوث العسكرية والاستراتيجية، مناقشة الهجوم الصاروخي الروسي الذي نُفذ في 9 مارس / آذار على أهداف أوكرانية حرجة، ما ولد تساؤل كبير عن الذي يواجه مجتمع استخبارات الناتو، وهو ما هي الترسانة طويلة المدى وعالية الدقة للقوات المسلحة الروسية اليوم.

الرئيس الاوكراني فلاديمير زيلينسكي الذي أجبر على الاعتراف، بهذه "الليلة العصيبة"، اخفى ووزير دفاعه، ما نتج عنه هذا الهجوم الصاروخي الروسي، والذي أستهدف بحسب مصادر مطلعة، مخابئ التحصينات ومراكز التخطيط، وكذلك على الدفاع الجوي / الرادار، ووفقا للمصادر المطلعة عن خسائر فادحة في صفوف الضباط، بمن فيهم الأمريكيون، يبدو أن "هيئة الأركان العامة الظل"، لحلف شمال الأطلسي تكبدت الكثير من الخسائر .

وجراء الهجوم قُتل "العشرات من ضباط الناتو" في "ضربة مرعبة" بصاروخ ماخ 12، وتؤكد " برو نيوز " في جميع الاحتمالات، حدوث هزيمة "لهيئة الأركان العامة الظل" لحلف شمال الأطلسي في أوكرانيا، والمخبأ السري تحت الأرض، والذي بُني على عمق 400 قدم (120 مترًا)، وكان يأوي العديد من ضباط الناتو (المتقاعدين) والمستشارين، وفي المجموع، أكثر من 300 شخص، وحتى الآن، تم انتشال 40 شخصًا من تحت أنقاض المقر الرئيسي تحت الأرض، لكن معظم القتلى لم يتم العثور عليهم بعد، ولا يُعرف بالضبط كم عدد المواطنين الغربيين، وعدد الأوكرانيين الذين قُتلوا نتيجة لضربة صاروخ "الخنجر"، فمعظمهم وكم تشير بوابة " برو نيوز"، هم بريطانيون وبولنديون، لكن كان هناك أيضًا أمريكيون، وممثلون عن شركات خاصة تدعم الاتصالات ونقل البيانات، وسيتبين في الأيام المقبلة إلى أي مدى سيؤثر ذلك على سير العمليات الأوكرانية والغربية، ومحاولات وقف المرحلة الأخيرة من الهجوم الروسي على باخموت.

ويشير المراقبون والمحللون العسكريون الى ان "هذه"، هي أول ضربة واسعة النطاق ضد الأفراد العسكريين في دول الناتو، وليس معروفًا كيف سيكون رد فعل العواصم الغربية على ذلك، على الرغم من أنه في حالة حدوث رد فعل، سيكون الأمر نفسه كإقرار بالمشاركة النشطة للعسكريين في الحرب ضد روسيا، فبحسب الممثل الرسمي لوزارة الدفاع الروسية، اللفتنانت جنرال إيغور كوناشينكوف، فقد تم تدمير قواعد هجوم الطائرات المسيرة، وتعطل نقل الاحتياطيات والنقل بالسكك الحديدية للأسلحة الأجنبية، ومنشآت إنتاج لإصلاح المعدات العسكرية. وتم تعطيل إنتاج الذخيرة.

ووفقا لما اعلنه القائد العام للقوات المسلحة الأوكرانية زالوجني، في مطاردة حامية، فإن الجانب الروسي أطلق 81 صاروخًا على أهداف أوكرانية، بما في ذلك X-47 Kinzhal و X-22 و X-101 / X-555، بالإضافة إلى 8 طائرات بدون طيار من نوع Geran، وأن المدافع المستقلة المضادة للطائرات المزعومة قد أسقطت 34، و 8 "لم تصل إلى أهدافها نتيجة المعارضة المنظمة، الا انه ووفقا للمعلومات المستقلة، فإن قوة الهجوم الصاروخي كانت في 12 منطقة، وفي كل مكان مع دمار خطير، وحتى الآن، يستمر حريق قوي في CHPP-5 في كييف، وتم الوصول في قاعة التوربينات، وتحدثت "خاركيف" العامة عن ما لا يقل عن خمسة عشر انفجارًا وهجومًا على CHP-3 و CHP-5، في حين ذكرت صحيفة أوكرينسكا برافدا نقلاً عن مسؤولين من الإدارة الإقليمية: "في منطقة زابوروجيه، عن أصابة 5 صواريخ منشأة بنية تحتية حيوية في آن واحد، في حين اجبر وزير الطاقة الأوكرانية، على الاعتراف بأن الهجوم الصاروخي أضر بثلاث محطات طاقة حرارية على الأقل.

من ناحية، وصفت وزارة الدفاع الروسية رسميًا هذا الهجوم الصاروخي الواسع النطاق، بأنه ضربة انتقامية على أعمال تخريب عبر الحدود وهجمات إرهابية، ارتُكبت في وقت سابق من هذا الشهر في منطقة بريانسك الحدودية، ومن ناحية أخرى، أثبتت موسكو قدراتها من خلال الإشارة إلى أن طائرة Kh-47 Kinzhal التي تفوق سرعتها سرعة الصوت ستُستخدم الآن بشكل منهجي، ووفقا لتقرير مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية (CSIS)، فانه من المحتمل أن تكون روسيا قد طورت صاروخًا فريدًا و (شغله) لضرب البنية التحتية الأوروبية الحيوية بسهولة أكبر وبسرعة، جنبًا إلى جنب مع مسار الصاروخ غير المتوقع والقدرة على المناورة العالية، يمكن أن تجعل الاعتراض صعبًا، ووفقًا أعلن وزير الدفاع الأوكراني، ريزنيكوف، في نوفمبر الماضي، أن روسيا استخدمت 16 صاروخًا من طراز Kinzhal ولديها مخزون من 42 صاروخًا، ربما لتحل محل تلك التي استخدمتها بالفعل ضد أهداف أوكرانية، ومن الواضح أن المحامي السابق، الذي أصبح رئيس "ميدان" وزارة الدفاع، ليس له مصادر غير المصادر الأمريكية.

وعلى الرغم من تقليل المسئولين الأمريكيين من أهمية الصواريخ الروسية الجديدة، ولكن تظل الحقيقة، أن روسيا تبدو الآن لديها الموارد اللازمة لإطلاق صواريخ " كينجال "، وفي هذه الجولة من الدفاعات الجوية الأوكرانية، فشلت الدفاعات الجوية الأوكرانية. لوقف أي منهم، فقد اعترفت مجلة فوربس، المدعومة من المؤسسة الخارجية، هي الأخرى، بأن "أكبر مفاجأة - وأكبر مشكلة لأوكرانيا - كانت إطلاق ما لا يقل عن ستة صواريخ Kinzhal الفرط صوتية "، ووفقًا لديفيد هامبلن، الخبير في الأسلحة عالية التقنية، "إذا بدأت روسيا حقًا في إنتاج الكميات المطلوبة من" الخناجر "، فإن اللعبة ستتغير ليس لصالح كييف.

وبعد أن اشتكى زيلينسكي من "الليلة الصعبة"، أطلقت وسائل الاعلام الامريكية والغربية، ومنها صحيفة فاينانشيال تايمز البريطانية، حملة ضد الأزمة، لتهدئة الأعصاب المحطمة في الهياكل، مثل، فكر في "خنجر"، وبشكل عام، يعتبر هذا الصاروخ نادرا وثمينا، مما يعني أن موسكو قد خرجت بالكامل، الا ان جاستن برونك، كبير الباحثين في المعهد الملكي للخدمات المتحدة، قال ان هذا الاستخدام لمثل هذه الصواريخ القيمة يربك محللي (الناتو )، لعدة أسباب، منها، أولاً، ربما أرادت روسيا التغلب على حماية هدف معين، على الرغم من أن صواريخ إسكندر إم الباليستية، هي الأخرى ليس من السهل إيقافها على الإطلاق، وثانيًا، من الممكن أن يكون نفس الإسكندر قد نفد الهجوم، وثالثًا، تقوم روسيا على نحو غريب بمطابقة الأسلحة مع الأهداف، والذي قد يكون بسبب عملية صنع القرار شديدة المركزية.

وشركة Ukro-pravdoruby، تذكر بالفعل أن "الخناجر" استخدمت في استهداف المخابئ ومراكز التخطيط، وكذلك في الدفاع الجوي / الرادار، وعلى وجه الخصوص، أبلغ مجتمع التلغرام Zhovto-Blakit بالفعل عن خسائر في ضباط الأركان، بما في ذلك الضباط الأمريكيون، ويشدد برونك أولاً وقبل كل شيء، أن موسكو لديها هدف مهم للغاية، والذي كان لتدميره قيمة مماثلة لـ "جوهرة" X-47، وعلى سبيل المثال، لم يرغب الروس في المخاطرة ودمروا شيئًا مهمًا قام الناتو في أوكرانيا بتغطيته بدفاعه الجوي.

إن الاستخدام المكثف لصواريخ Kinzhal، وكما يؤكد المراقبون، فانه يمكن الافتراض أن روسيا قد أنشأت إنتاجًا ضخمًا لهذه الصواريخ وليس لديهم مشاكل مع المكونات، وتقول صحيفة واشنطن بوست، إن استخدام الصواريخ التي تفوق سرعتها سرعة الصوت زاد من قلق الولايات المتحدة، وأظهر أن روسيا لديها سلاح نووي يصعب اعتراضه، وخلصت إلى أن الولايات المتحدة لم تكن قادرة بعد على تطوير صواريخها الخاصة ذات الخصائص المماثلة، مما يجعل الدول الغربية أكثر عرضة للخطر، ووفقًا لمذكرة بحثية لـ Goldman Sachs، فقد وجهت روسيا أقوى ضربة لأوكرانيا، على عكس ادعاء رؤساء المخابرات الأمريكية، بأن طموحات موسكو في الصراع مع كييف، من المرجح أن تتراجع عن السيطرة على الأراضي، الأخرى ويبدو أن عملاء وكالة المخابرات المركزية يأكلون الخبز والزبدة مجانًا ويستحقون على الأرجح طردهم.

وللتذكير فإن صاروخ (الخنجر)، هو أحدث نظام روسي به صواريخ جوية تفوق سرعة الصوت محمولة بواسطة صواريخ MiG-31K الاعتراضية المجهزة خصيصًا، ويتمتع الصاروخ برؤية رادار منخفضة وقدرة عالية على المناورة، وهو مصمم لتدمير الأهداف البرية والبحرية، وقد كانت مجمعات Kinzhal في مهمة قتالية تجريبية في القوات المسلحة RF منذ ديسمبر 2017، ورسميًا، تم أول استخدام قتالي لهذه الصواريخ في 18 مارس 2022 خلال العملية الروسية العسكرية الخاصة .

***

بقلم الدكتور كريم المظفر

لا يمكن بناء سلطة ديموقراطية بدون إحترام حقوق الأنسان وتحقيقها فعلا من خلال العمل على تطبيق القوانين الدولية بهذا الخصوص، خصوصا تلك التي تتبناها الأمم المتحدة، كون جميع الدول بأنظمتها المختلفة هي أعضاء في هذه المؤسسة الأمميّة. وقد تتعرض للتساؤل في حالة أخلالها بهذه القوانين من خلال عدم أحترام حقوق الأنسان في بلدانها. وبالتأكيد فأنّ للدول الحقّ أيضا في أن تنظر لهذه المسألة من خلال قوانينها الخاصّة والتي يجب أن لا تبتعد عن المفاهيم الأساسية لحقوق الأنسان وحقّه في العيش بكرامة. ولأننا نتحدث عن العلاقة بين الديموقراطية وحقوق الأنسان، فعلينا أن لا ننجر الى مواقع السلطات التي تتبنى من خلال برلماناتها وكونها الأكثرية سواء كانت تلك الأكثرية سياسية أو دينية أو طائفية أو قومية، في قهر الأثنيات والأحزاب السياسية والمجموعات الدينية والحريّات الشخصيّة من خلال مبدأ الأكثرية والأقليّة، فهذا المبدأ يفقد معناه حينما يبدأ بمواجهة تلك المجاميع من خلال مبدأ الديموقراطية.

نتيجة السجل الأسود للنظام البعثي في ملف حقوق الأنسان وضربه لكافّة المواثيق والعهود الدولية بل وحتى الأسلامية عرض الحائط وقمعه لجماهير شعبنا بكل أطيافه، تبنت المعارضة العراقية  وقتها هذا الملف بكثير من الحماس كونها عانت كما بقية أبناء شعبنا من إستبداد سلطة البعث وسجونه وإغتيالاته وإعداماته. وقد عوّل شعبنا على هذه القوى في إقامة نظام سياسي يحترم حقوق الأنسان وحريّاته الشخصية، وينهي مأساة تلك الحقبة السوداء من تاريخه. فهل نجح معارضي البعث وهم على رأس السلطة اليوم  في تقديم رؤية قانونية لحقوق الأنسان العراقي، على أنقاض رؤية البعث لها؟

لقد تاجرت القوى الأسلاميّة كما غيرها وهي في صفوف المعارضة على ملف حقوق الأنسان، وكان من ضمن الشخصيات الأسلامية التي تناولت هذا الملف المهم جدا من وجهة نظر إسلاميّة هو د. أكرم الحكيم القيادي في المجلس الأسلامي الأعلى المعارض وقتها، والشاغل لمناصب عليا في الدولة العراقية بعد الأحتلال الأمريكي للبلاد. ففي مقال له تحت عنوان " وجهة نظر إسلاميّة تجاه مسألة حقوق الأنسان"، والتي نشرتها مجلة الثقافة الجديدة التي يصدرها الحزب الشيوعي العراقي في عددها رقم 286  والصادرة بتاريخ كانون الثاني – شباط 1999 في صفحاتها 32 – 35  ، تناول السيد الحكيم هذا الملف إستنادا الى الفكر الأسلامي، وحتّى عندما كان يعرج في مقالته عن حقوق الأنسان في العصر الحديث فأنّه كان يربط هذه الحقوق بالدين الأسلامي وتأثيره المعاصر! فهل أوفت القوى الأسلاميّة وهي تتصدر المشهد السياسي اليوم بتعهداتها حول حقوق الأنسان العراقي كما كانت تروّج له وهي في المعارضة؟

السيّد أكرم الحكيم لم يخرج قط عن عباءة الدين بنظرة طائفية في مقالته وهو يقول " المصادر الأسلامية (القرآن الكريم ونصوص المعصومين عليهم السلام!!)، هي مصدر الفكر والثقافة والتشريعات والأخلاق الأسلاميّة"، فأكّد وهو يتناول نصوص دينية من التراث الأسلامي الشيعي وآيات قرآنية والتي سنتناول البعض منها لاحقا من أنّ " قيمة هذه النصوص ومثيلاتها تنبع أضافة الى المفاهيم التي تتضمنّها والسياسات التي تؤسسّها، تنبع أيضا من عمرها الزمني الذي يمتد لأكثر من ألف وأربعمائة سنة... بكلمة أخرى يمكن القول وبدون مبالغة بأنّ النصوص الأسلاميّة ساهمت وبدرجة كبيرة في أثراء التجارب البشرية المتراكمة بمرور الزمن حتى وصلت الى صيغتها المتقدمّة المعاصرة المتمثلّة بالأعلان العالمي لحقوق الأنسان الذي أصدرته الجمعية العامة للأمم المتحدة في العاشر من كانون الأوّل 1948"، عازيا الدين كعامل مهم في تكوين ما أنتهى اليه الفكر الأنساني، علاوة على " حقوق الأنسان والمواطن" الذي أصدرته الثورة الفرنسيّة ووثيقة " أعلان الأستقلال الأمريكي" في أعلان الصيغة النهائية لقانون حقوق الأنسان، فهل حصل المواطن العراقي على جزء من حقوقه التي نادى بها السيد الحكيم وحزبه والأحزاب الأسلامية الأخرى تمتلك عرش العراق اليوم..؟

لقد أجتزء السيد الحكيم بعض الآيات التي ذكرها في مقالته وهو يسوّق مبدأ حقوق الأنسان من خلال معتقداته، والتي برهن التاريخ من أنّها لم تكن الّا وسيلة لذرّ الرماد في العيون، فها هو أسلامه وتشيّعه على رأس السلطة ولم نرى شيئا من حقوق الأنسان في بلدنا الذي أكتوى بنار البعث، وجاء الأسلام السياسي ليكمل ما عجز البعث عن أنجازه في كل حقول السياسة والأقتصاد والأجتماع ومنها حقوق الأنسان وحقوق المرأة وحقوق الأطفال. فالسيّد الحكيم يستشهد بآية (لا إكراه في الدين) سورة البقرةآية 256، لكنّه لا يستمرّ بالآية الى نهايتها والتي تقول (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ۖ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ ۚ فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ لَا انفِصَامَ لَهَا ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)، كما وأستشهد السيد الحكيم بالآية 29 من سورة الكهف (وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ ۖ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْۚ) والتي كما التي قبلها جاءت في غير سياقها كونها لم تستمر حتى نهايتها (وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ ۖ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ۚ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا ۚ وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ ۚ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا ). في الآيتين السابقتين والتي جاء بهما السيد الحكيم كمثال على مبدأ حقوق الأنسان في القرآن الكريم، فيهما نوع من التهديد والوعيد وهذا بعيد عن مبدأ حقوق الأنسان، فحقوق الأنسان كما الحريّات لا تتجزأ والّا ستكون بعيدة عن أهدافها الحقيقية.

السيّد الحكيم وبعد كم الآيات والأحاديث التي تناولها في مقالته تلك التي كانت بعيدة عن صلب الموضوع أصاب الهدف بدقّة في نهايتها، حينما تساءل عن السبب الذي يجعل البلدان الأسلامية تعيش انتهاكات كبيرة لحقوق الأنسان، مؤكدا من أن أنتهاك حقوق الأنسان ومصادرة حريّاته هي سياسة ثابتة وأستراتيجية للحكومات بمختلف ألوانها. وقد حدّد السيد الحكيم الأمر بنقطتين جوهريتين الأولى هي " إنّ أغلب الحكومات التي تعاقبت  على السلطة في عالمنا الإسلامي ولقرون طويلة من الزمن اختارت من الأطروحة الأسلامية ما يناسبها وأهملت كل ما يتعلّق بحقوق الشعب وكل ما يتعارض مع تسلطها وأستبدادها، حتّى بلغ الحال أن تعتقد ملايين من المسلمين بقداسة تاريخ وشخصيات خلفاء وحكّام كانوا في الواقع ظلمة وطغاة وفاسدين"، والثانية " تخلّف الجماهير في وعيها الديني والسياسي والثقافي شكلّ على الدوام عاملا مساعدا لأستغلال الدين والقيم الدينية لغير أهدافها الأصليّة".

 إذا أخذنا النقطتين أعلاه كمثال لما يجري بالعراق الأسلامي اليوم، سنرى أنّ السلطات تكرّس ما تحتاجه من نصوص اسلامية وغير اسلامية لاستمرار هيمنتها على السلطة، والأسلام السياسي الذي ينتمي اليه السيد الحكيم هو جزء اساسي وفاعل في هذه السلطة اليوم، أمّا عن تخلّف وعي الجماهير فأنّ للسلطة والمرجعيات الدينية والعشائرية الدور الأكبر في تغييب وعي الجماهير وقبره.

غياب حقوق الأنسان والحريّات الأساسية تعني غياب الديموقراطية، وغياب الديموقراطية تعني الأستبداد وأن كانت صناديق الأقتراع فيصلا، كون الديموقراطية في هذه الحالة تكون على قياسات أحزاب السلطة. وما نراه في العراق اليوم من قمع للمتظاهرين وخطف للناشطين والتضييق على الحريات بقرارات تستند على نصوص اسلامية، بعيدة عن كل ما جاء في الأعلان العالمي لحقوق الأنسان. والقوى الأسلامية اليوم تختار من الأسلام نفسه ما يناسبها، فهي تحرّم أمور كثيرة، لكنّها لا تحرّم السرقة التي وردت آية في القرآن تأمر بقطع يد السارق كما جاء في الآية 38 من سورة المائدة (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِّنَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)، لأننا حينها سنرى مئات من الساسة ورجال الدين مقطوعي الأيدي.

أنّ السرقة حرام، والغشّ حرام، والفساد حرام، والخيانة حرام، وأشاعة الجهل بين الناس لغاية في نفس الأحزاب الأسلامية حرام، وأكل مال اليتامى والأرامل حرام، وأستيراد المخدرات وبيعها على شبابنا حرام ما بعده حرام، أمّا أستمرار سلطة المحاصصة فهي الكفر بعينه. لكي يكون للأنسان العراقي حقوق وفق معايير دولية، فأننا بحاجة الى نظام علماني ديموقراطي لا ينظر لهذه الحقوق من ناحية دينية، بل من ناحية قانونية ودستورية تمنح المواطنين الحق في التظاهر والتجمع والأضراب وممارسة شعائرهم الدينية وحريّاتهم الشخصية ومنها حريّة التعبير بما لا يتعارض ومفاهيم حقوق الأنسان.

***

زكي رضا - الدنمارك

 

 

كانت مشهورةً قبل الغزو الأمريكي للعراق، بأنها "مدينة البرتقال". هكذا يعصِرُ العراقيون ذِكرَ مُحافظة ديالى – التسمية الرسميَّة - في وعيهم. بعد 2003م. تعاونت ثلاثة أحداث مركزيَّة على عَصْرِ الحجر، البشر، و الأشجارِ فيها وأُمُّهُم البرتقال.

الأول كان تفجيرُ المرقدين – ضريحُ الإمامين علي الهادي و حسن العسكري - في قضاء سُرَّ من رأى (سامراء التسمية الرسميَّة)، في فبراير 2006. الثاني، كان تصفية معسكر أشرف، من منظمة "مجاهدي خلق" الإيرانيَّة، حيثُ يقع المعسكر جوار مدينة الخالص، و قد انطلقت عمليات التصفية في فبراير 2012. أمّا الحدثُ الأب (المركزي)؛ فقد كان استيلاء " داعش" على الموصل، في يونيو 2014.

الأحداث الثلاث المركزية، لعِبت دور جهاز تزويد الطاقة المستمر (UPS)، لعدم الاستقرار في هذه المحافظة، التي تقعُ شرق العاصمة بغداد، على بُعدِ مسافةٍ خجولة جدّاً.. سبعة و خمسون كيلومتراً. الحدثان الأول و الثاني – تفجيرُ المرقدين و مجاهدي خلق – وفَّرا بحبوحة طائفيَّة، للميليشيات الإيرانيَّة، لكي تقوم بمجازر و مذابح.

المذبحة و بأبسط تعريف: "هي قتل أكبر عدد ممكن من السكان". أمّا المجزرة فهي: "ذبح عشوائي للأشخاص. وحشي في طبيعته". الميليشيات العقائديَّة، استخدمت مجازِراً و مذابِحاً، لتُخفي سلاح الكاتم الديموغرافي – جريمة التطهير العرقي - عن الضمير الصناعي.. الميديا، سواء كانت المحليَّة، الإقليميَّة؛ بل و حتّى الدوليَّة.

خلق محافظة مقدسة ثالثة!

النائب ناهدة الدايني عن ديالى، قالت: " إنَّ التهجير القسري، شمل 60% من مناطق المحافظة، وأن عمليات التهجير هذه تستهدف مكوِّن بعينه، كونه الأكبر في ديالى". كما أن ما يحصل في ديالى الآن – قتل أطباء و ضباط - هو صِراع بين ميليشيات، تريدُ تعديل حجومِها النافِذة في المحافظة، قبل بدء استثمارات الطاقة الغازيَّة فيها!

 ما تقوم بهِ إيران، هو نُسخة مُعدَّلة، من سعي "الشاه طهماسب" لـ: " أن ينعم بلقب "خليفة الخلفاء" على حاكمه في بغداد فلم يفلح" (المصدر السابق). إيران تريدُ تنصيب مرجعيَّة "صفويَّة" جدّاً، في سامراء. حظوظ ذلك في النجف، وعِرَة جدّاً.. لأن العالم يُركِّزُ عينيه عليها؛ على "العُليا" فيها تحديداً، و بغداد العاصمة، رغم مناطقِها العشوائيَّة – الهدف الأساس صناعة "جيتوات" طائفيَّة – ملعونة بعراقيين، ليس لتسبيل اليدين عندهم أو تكتيفُهما حظٌ كبير.

مرجعيَّة سامراء الافتراضيَّة؛ ستحكمُ باسمِ "ولي الفقيه و خليفة الخلفاء" في طهران. هكذا سيصبحُ للعراق محافظة مُقدَّسة ثالثة – العراق في غنى ديني عنها - تستطيعُ أن تُشِع صفويَّاً على بقيَّة البلاد. طهران تريدُ انتزاع (سُّر من رأى)، من الخليفة المعتصم بالله.. بالأحرى من السلاجقة!

تغيير ديموغرافيَّة ديالى، يوفِّرُ مدداً تبشيريّاً، بعيداً عن الأعين الفاحِصة؛ فهي بعد كُل شيء واقِعة في قبضة الحدود الإيرانيَّة، و ممتازة كقاعِدة لتمركُز الجيوش، و الذريعة "داعش"، الموجود إعلاميَّاً، ولفائدة جميع اللاعبين في العراق. جديرٌ بنا أن نُذكِّر هنا، إنَّ أحد رُباعي المراجع في النجف، هو " مسؤولٌ إداريّاً عن إدارة العتبة العسكرية" في سامراء".

مرجعيَّة خامِسة بدل رُباعيَّة النجف

ميليشيا "سرايا السلام" تُسيطر الآن على سامراء، و هي تابعة للزعيم الصدري. تكادُ تكون الجِدار الأخير، أمام استيلاء الميليشيات الأُخرى – التي تتبنى نهج ولاية الفقيه الإيرانيَّة – لكن و كما تحدَّث رجلُ دينٍ، بلسان نُخبة سامراء الدينية: "نريدُ الحكومة لا غيرها "، كتعبيرٍ مجازي صريح، عن عدم رغبة أهلها، بأي "سلاحٍ موازي" (تعبير نحتهُ الأكاديمي يحيى الكبيسي للإشارة إلى سلاح الميليشيات).

سامراء، توفِّرُ للزعيم الصدري، فُرصة تنصيب نفسه؛ كمرجعيَّة عراقيَّة عربيَّة – حسب سياق الأحداث و ظواهِرِها - بعيداً عن النجف، المُسيطر عليها، من قبل مرجعيات دين، مُتعدِّدَة الجنسيات الآسيويَّة (إيران، باكستان، أفغانستان، و الرابعة من بيت الحكيم).

الصورةُ الخياليَّة هذهِ، عن مطاطيَّة تغيير الحدود الإداريَّة للعراق و مناطِقه، وإمكانية استعمارِه، بريطانيَّة الطابع. عماد أحمد الجواهري، لاحظ ذلك، و هو يبحثُ مشكلة الأراضي و تملُّكِها في العراق من 1914م – 1932م، حيثُ سجَّلَ لنا، ما وردَ في برقيةٍ صادرة من القسم التجاري، للقنصلية البريطانية في البصرة: "إن حالة فوضى نظام ملكية الأراضي في وادي الرافدين يمكن أن تسمح للمستوطنين الأوروبيين ببناء مستعمرات فيه".

نستطيع القول؛ إن محاولات (عثمنة، إيرنة، تهنيد) العراق، إدارياً، تنبعُ من هذهِ الفوضى. أمّا لماذا ما يحصلُ في ديالى، لا يجذب الاهتمام الكافي إعلاميّاً؛ فربما نستطيع الاستعانة بـ ستيفن هيمسلي لونكرك مرَّة أُخرى – طبعاً هو يقصِد العراق بأكمله لكن دعونا نستخدمها لديالى حصراً - و بما مفادُه: " هذه الشهرة العريقة في القدم قد جاءت خيبة لا مثيل لها، في أن تستجلب نظرة من العطف؛ فقد نفَّر عصر الفقر، و الفوضوية و الإهمال الطويل، مؤرخي حمورابي و غيرهم".

بات لِزاماً على العراقيين، خاصَّةً: العاملين في مراكز البحوث الأجنبيَّة، مراكز حقوق الإنسان، نُشطاء الميدان، المؤرِّخون، المثقفون، أن لا يتصرَّفوا كـ "جامِعيْ معلومات" على حدِّ تعبير آلفن توفلر. أن لا يمارِسوا البخل المعرفي، في هذه اللحظة التاريخيَّة المهمة، في حياةِ بلادِنا؛ بل أن يتكلموا عن جمالِ وقُبحِ بلادِنا، شِفاهاً و تدويناً، حتّى لو وجدوا، إنَّ هنالك من سيسرِقُ أفكارهم، من العاملين في هذه الجهات، و يقبضون الثمن بدلاً عنهم.

الدول العربيَّة التي تبكي على العراق، ربّما بات عليها – لتحقيقِ أمنها القومي و الإقليمي - أن تُفسِح مجالاً أكبر للصوت العراقي، في وسائل إعلامها، بعيداً عن اشتراطات النقاء المذهبي – ذكرنا ذلك سابِقاً - أمّا الأُخرى التي تتعاون مع طهران؛ فإنّي أجِدُ إنَّ علاقاتِها الاستراتيجيَّة معها، ليس فيها من داعٍ لخنقِ العراق إعلاميَّاً!

وصيتنا الأخيرة للنُشطاء في العراق عامَّةً، و ديالى خاصَّةً، أن يقوموا مع كُل حدثٍ في ديالى، بتوضيح التالي شِفاهاً و كتابة، و لنأخذ قرية "الجيايلة" كمثالٍ ما زال راهِن التأثير: أين موقعها بالتفصيل الممل، جغرافيتُها، كم تبعد عن الحدود الإيرانيَّة، ما نوع القوى التي تُسيطر عليها، سواء الحكوميَّة أم الميليشياوية و هكذا. هذهِ التفصيلات ستكونُ ضوء كشَّاف مهم، يفضحُ الجُناة؛ الذين يستغلون الليل البهيم، لفوضى العراق الإداريَّة، و تعب الإقليم و العالم، من أحداثِه الأمنيَّة التي لا تنفُذ.

المعرفةُ هذهِ، و إن كان ما سيعلقُ منها شذرات، في وعي البُسطاء، هي ستُقلِّل اتساع نِطاق التُهم الرخيصة و الطائفيَّة، المُتبادلة بين العراقيين. خُلاصة النصيحة، إنَّها ستفضح المشاريع التدميرية للبلاد.

هذا ليس ابتكاراً من عندنا؛ بل ما فعلهُ أجدادُنا مع الاسكندر المقدوني؛ الذي كاد أن يُجن، بسبب قدرة العراقيين على التملُّص من مشاريعه، مما دفعهُ للتشكي منهم، في خِطابٍ، أرسلهُ لمُعلِّمه ارسطوطاليس؛ كي ينصحه عن الأفضل فعلهُ معهم، ليردَّ عليه و باختصار: "لا فائدة".

***

مسار عبد المحسن راضي و ناجي حرج

كاتب وباحث عراقي/ المدير التنفيذي لمركز جنيف الدولي للعدالة

 

في المثقف اليوم