آراء

آراء

كانت مشهورةً قبل الغزو الأمريكي للعراق، بأنها "مدينة البرتقال". هكذا يعصِرُ العراقيون ذِكرَ مُحافظة ديالى – التسمية الرسميَّة - في وعيهم. بعد 2003م. تعاونت ثلاثة أحداث مركزيَّة على عَصْرِ الحجر، البشر، والأشجارِ فيها وأُمُّهُم البرتقال.

الأول كان تفجيرُ المرقدين – ضريحُ الإمامين علي الهادي وحسن العسكري - في قضاء سُرَّ من رأى (سامراء التسمية الرسميَّة)، في فبراير 2006. الثاني، كان تصفية معسكر أشرف، من منظمة "مجاهدي خلق" الإيرانيَّة، حيثُ يقع المعسكر جوار مدينة الخالص، وقد انطلقت عمليات التصفية في فبراير 2012. أمّا الحدثُ الأب (المركزي)؛ فقد كان استيلاء " داعش" على الموصل، في يونيو 2014.

الأحداث الثلاث المركزية، لعِبت دور جهاز تزويد الطاقة المستمر (UPS)، لعدم الاستقرار في هذه المحافظة، التي تقعُ شرق العاصمة بغداد، على بُعدِ مسافةٍ خجولة جدّاً.. سبعة وخمسون كيلومتراً. الحدثان الأول والثاني – تفجيرُ المرقدين ومجاهدي خلق – وفَّرا بحبوحة طائفيَّة، للميليشيات الإيرانيَّة، لكي تقوم بمجازر ومذابح.

المذبحة وبأبسط تعريف: "هي قتل أكبر عدد ممكن من السكان". أمّا المجزرة فهي: "ذبح عشوائي للأشخاص. وحشي في طبيعته". الميليشيات العقائديَّة، استخدمت مجازِراً ومذابِحاً، لتُخفي سلاح الكاتم الديموغرافي – جريمة التطهير العرقي - عن الضمير الصناعي.. الميديا، سواء كانت المحليَّة، الإقليميَّة؛ بل وحتّى الدوليَّة.

جريمة التطهير العرقي

يتبنى مركز جنيف الدولي للعدالة، هذا التعريف لـ (جريمة التطهير العرقي)، وهي باختصارٍ مُفيد: "عملية الطرد بالقوة لسكّان غير مرغوب فيهم، من إقليمٍ مُعيَّن، على خلفية تمييز ديني، أو عرقي، أو سياسي، أو استراتيجي، أو لاعتباراتٍ إيديولوجية، أو مزيجٍ من الخلفيات المذكورة".

ما حدث في قرية "الجيايلة"، في 20 فبراير 2023، الواقِعة في محافظة ديالى – قضاء الخالص – كان كوكتيل من الدم؛ المضروب في خلَّاطين.. المذبحة والمجزرة. عصيرُ الخلَّاطين، كان كافياً، لملء كأس تعريف جريمة التطهير العرقي.

شروط المذبحة تحققت، لأنها قتلت عدداً كبيراً، من الأفراد الذين لا يقتلون عادةً – النساء والأطفال تحديداً – فقتلُهم يُعتبرُ عاراً إنسانياً، وقَبَليَّاً أيضاً. شرطُ المجزرة موجودٌ بدورِه، إذ صوِّر بأنه ناتج عن عشوائية قانون "الثأر" العشائري. طبعاً، النِّزاعات العشائريَّة، اُستخدِمت وما زالت توظَّف في التبريرات الرسميَّة، كقطعة اسفنج لامتصاصِ الدم.

تبريرُ العشائريَّة، ليس اختِراعاً عراقيَّاً. هو في الأصل، براءةُ اختراعٍ بريطانيَّة. عرَّفها، عالم الاجتماع العراقي عبد الجليل الطاهر كالتالي: " من يستطيع السيطرة على شيوخ العشائر يستطيع السيطرة على العشائر. ومن يسيطر عليها يحكم العراق بكل سهولة".

السُلطات الإدارية، العسكرية، والأمنية، في ديالى، هي وبحسبِ نُشطاء محليين، بيدِ: " مجموعة مُتَنَفِّذة، تجمعُها صِلاتُ قرابة، ومن عشائر بعينها". المعتقلون من أهالي ديالى، كذلك، وبحسبِ معلوماتٍ، غير متداولة في الميديا العراقيَّة: " يمثِّلون نسبة كبيرة من أعداد المعتقلين في سجن مكافحة الإرهاب المركزي". أمّا تاجُ الجحيم؛ الذي ترتديه؛ فيتَمثَّلُ في: " قدوم قوَّات خاصَّة من بغداد، تقوم بحملات اعتقالٍ عشوائية، في مناطقِها. تأخذُهُم بعدها، لمُعتقلاتٍ في العاصمة، بدون علم وتدخل الأجهزة الأمنية والإدارية في المحافظة".

المُفارقة، إن هناك ثلاثين مُعتقلاً، في المحافظةِ نفسها. طبعاً، ليس فيها من الشروط الإنسانيَّة شيء، وفيها من الإجرام ألوان. الأهمُّ من ذلك، حفلات الشتم الطائفيَّة: يا "نواصب". هذا المصطلح خاص لـ "العرب العراقيين السنة"، بتهمةِ رفض ولاية الإمام علي. يترافقُ ذلك مع تهديمٍ مستمر للمساجد.

 النتيجة المطلوبة، وعلى اعتِبار إنَّ أغلب المعتقلين، لم ولن يروا النور أبداً! فإنَّ عوائِلهم ستلعن "الروافض". هذا المصطلح مُخصص لـ "العرب العراقيين الشيعة"، بتهمةِ رفض التكليف الإلهي للرسول العربي. هكذا تزدهر الميليشيات المُسلَّحة، ومُشغِّليها في قُم. يبدو ذلك نصراً عظيماً. خاصَّةً في محافظةٍ مُختلطةِ المذاهب والأعراق.

فخامةُ النصر، تتضحُ في نسيان "السنة والشيعة"، لشعارٍ ردَّدوه، مع طلائع الاحتلال الأمريكي: "لا سنة ولا شيعة.. هذا الوطن منبيعه (لا نبيعُه)"، ليُصبِح: "لا سنة ولا شيعة، انعل ابو اللي ميبيعه (تباً لمن لا يقوم ببيعه)".

ديالى.. معمل طابوق "محافظة سامراء"!

مرَّ سبعة عشر يوماً، تقريباً، ما بين المذبحة – المجزرة في قرية "الجيايلة"، ومحاولة تغيير اسم جامع "سامراء الكبير"، إلى "ولي الأمر". رئيسُ المجمع الفقهي في سامراء، الشيخ عز الدين الرفاعي، كان مصيباً عندما حرَّك حبَّات المسبحة، لتُطلقِ كلمة منطقيَّة: " ديالى". اللطيف إنَّ عمر "سامراء الكبير" وبحسب الرفاعي: "ثمانمائة وخمسة وثلاثون سنة". زاد الرفاعي: "ذلك له علاقة بما يحصل في الطارمية، التاجي، الدجيل، بلد، وصولاً إلى سامراء". سامراء بالطبع – لإعلام القارئ العربي - واحِدةٌ من أقضيةِ محافظة صلاح الدين.

السؤال هنا: من أين تأتي أريحيَّة الميليشيات الإيرانيَّة، إذاً، في محاولة رسم الديموغرافيا عموماً.. التي يُطلِق عليها العراقيون، تعبيراً بسيطاً وموحياً اسمهُ "الإيرنة"؟

تأتي تلك الأريحيَّة، أولاً، من التاريخ الإداري لبغداد. اختصاصات العاصمة الإداريَّة، كانت الإشراف على: "سنجق المركز وأقضيته عانة والرمادي وسامرا والكاظمين والعزيزية والكوت وخانقين وبعقوبة ومندلي وبدرة، وسنجق الديوانية وتتبع له أقضية الحلة والسماوة والشامية، وسنجق كربلاء وأقضيته الهندية والنجف وقضاء الرزازة الصحراوي" ( ستيفن هيمسلي لونكريك، أربعة قرون من تاريخ العراق الحديث).

يتضحُ من ذلك، إنَّ الإشراف على المراكز والمحافظات الدينيَّة في العراق، كان من نصيب بغداد. الأهم في هذه اللقطة التاريخيَّة - بحسب سياق طرحنا– إنَّ ديالى تقعُ اختصاصات العاصمة. علماً إنَّ ديالى ترتبِطُ بوسط وجنوب العراق، جغرافيا الشمال فيه، القُرب من العاصمة كما أسلفنا، القُرب النسبي من غرب العراق الأنبار، وحدود مع إيران، تبلغُ مساحتها مائتان وأربعون كيلومتر.

التركيز على رغبةِ إيران، بفتحِ مزيدٍ من المنافذِ لها مع سوريا، لا يبدو كافياً. استطيع أن أعتبر ذلك نوعاً من المواربة، والاكتفاء بفتح نصف الباب. السبب الرئيسي والذي يعملُ كيدٍ، تستطيع فتح الباب كُلِّه وعلى مصراعيه، إنَّ "الإيرنة الصفويَّة" لا "التشييع"، الحاصل في ديالى، هو ميلُ الحرير الأخير، لتحويلِ سامراء من قضاء إلى محافظة إيرانيَّة صفويَّة، مُتنكِّرَة برداءٍ "شيعي".

***

مسار عبد المحسن راضي و ناجي حرج

كاتب و باحث عراقي/ المدير التنفيذي لمركز جنيف الدولي للعدالة

الانقسام الذي أدى للفصل بين غزة والضفة ليس معادلة فلسطينية خالصة ولم يجري بسبب الخلافات الفلسطينية الداخلية حتى وإن شاركت فيه بعض الأطراف الفلسطينية، بل هو مشروع استراتيجي اسرائيلي تم فيه توظيف هذه الخلافات وقد كتبنا عن ذلك كثيراً بما فيه كتابنا حول صناعة الانقسام ودولة غزة، ولو لم يحدث الانقسام وإخراج غزة من معادلة الصراع ما كان العدو يستطيع التفرد بالضفة كما يجري اليوم.

مطالبة البعض بإنهاء الانقسام من خلال تراجع حماس عن انقلابها وعودة السلطة الشرعية لقطاع غزة دون وضع آلية توافقية لذلك ليس طرحاً عملياً قابلا للتطبيق، ليس فقط لأن حركة حماس ترفض ذلك بل لأن الكيان الصهيوني لن يسمح بإعادة توحيد غزة والضفة في سلطة وحكومة واحدة وهو الذي صنع الانقسام ويعمل على اضعاف السلطة الوطنية حتى في حدود نفوذها المجدود في الضفة.

كما يمكننا الحديث مطولاً عن المشاركين في الانقسام والمستفيدين منه وعن مخاطره، كما يمكن لمعارضي حماس مواصلة اتهامها بالمسؤولية ومطالبتها بالتراجع عن انقلابها وسيطرتها على القطاع، كما يمكن لحركة حماس والفصائل المؤيدة لها والمعارضة للسلطة الوطنية مواصلة انتقاد السلطة وتحميلها مسؤولية الانقسام وفشل حوارات المصالحة ....  ولكن أن يستمر الانقسام والمناكفات في الوقت الذي تشهد فيه فلسطين أخطر هجمة عدوانية استيطانية لحكومة عنصرية لا تخفي هدفها بتصفية الوجود الوطني للفلسطينيين على أرضهم بحيث لا تقل خطورة المرحلة عما جرى خلال النكبة 48 وخلال حرب 67، هو أمر خطير يحتاج لتفكير ومعالجة خارج صندوق التفكير العدمي لكل الطبقة السياسية.

فشلت عشرات جولات حوارات المصالحة والاتفاقات الموقعة بشأنها لأن المتحاورين كانوا يريدون تحقيق توافق على كل الملفات: الأمن والحكومة والمنظمة والمصالحة الاجتماعية والانتخابات والبرنامج السياسي (رزمة واحدة)، ولم ينجحوا في ذلك، إذن ما العمل؟ هل سيبقى مستقبل ومصير المشروع الوطني والقضية برمتها أسير المخططات الصهيونية وأسير الانقسام والمستفيدين منه ويستمر كل طرف فلسطيني بتوجيه الاتهامات للآخر وتحميله المسؤولية؟ أم تفكر بموضوعية وعقلانية بإمكانية تفكيك ملف الانقسام والتدرج في مسار الوحدة الوطنية من خلال مصالحات وتفاهمات بين الفاعلين السياسيين في كل منطقة؟

إلى حين إجراء لانتخابات العامة الشاملة أو نجاح جهود المصالحة في الجزائر- إن كانت المبادرة الجزائرية ما زالت قائمة- ،وحتى لا تستمر نظرة العالم للفلسطينيين كشعب منقسم ويتصارع مع بعضه البعض ولا يتفقون على أية رؤية أو موقف موحد، وحتى لا يستمر توجيه الاتهامات لقطاع غزة بأنه محكوم من جماعة الإخوان المسلمين ومن جماعات مسلحة خارج إطار الاجماع الوطني، وتصنيف عديد الدول بما فيها عربية لحركة حماس كحركة إرهابية،  وبالتالي يستمر حصار القطاع وإخراجه من معادلة الصراع مع الاحتلال،  ولأن قطاع غزة كان خزانا ًللوطنية ويجب أن يستمر كذلك، وحتى لا نستسلم للمخطط الصهيوني لصناعة دولة غزة الذي طالما تحدثنا عنه وحذرنا منه وقد ذكر مؤخرا ًحسين الشيخ أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير أن مشروع دولة غزة مطروح على الطاولة لدى عديد الدول ... لكل ذلك يجب التفكير ومن خلال التوافق على مصالحات جزئية تكسر معادلة الانقسام وتغير المعادلة القائمة، في غزة من خلال تشكيل حالة وطنية تضم جميع أطياف الشعب الفلسطيني، مع استمرار جهود المصالحة الوطنية الشاملة مقابل أن تتوقف حركة حماس  وقوى المعارضة عن سياساتها المعادية للسلطة الوطنية  في الضفة، وأن تسمح السلطة في الضفة بحرية العمل السياسي لمعارضيها من حركة حماس وبقية الفصائل، وأن يتفهم كل طرف خصوصية كل حالة.

نعم، مع تمنياتنا بنجاح السلطة الوطنية الشرعية والرسمية في مواجهة ما تتعرض له من تهديدات وأن تنجح جهود المصالحة ليعود قطاع غزة جزءاً من سلطة وحكومة وطنية واحدة، إلا أنه راهناً هناك سلطة في قطاع غزة منذ عام 2007 تحكم فيها حركة حماس حكماً منفرداً،،  إلا أنها سلطة تحكم أكثر من 2 مليون فلسطيني، ومع أنها بدون سيادة ومحاصرة إلا أنه في قطاع غزة  لا يوجد مستوطنات أو احتلال مباشر، مما يجعل من الممكن أن يتشكل في قطاع غزة إدارة أو حكومة محلية وطنية تمثل كل الأحزاب والمجتمع المدني بجانب السلطة الوطنية الرسمية في الضفة.

يقول بعض المقربين من قائد حركة حماس في قطاع غزة يحيى السنوار إنه يعتبر نفسه غير مشارك في الانقسام وأحداثه الدموية وبالتالي يرغب في تجاوز المرحلة السابقة وتشكيل حالة وطنية في قطاع غزة.  ويستشهد هؤلاء بخروج أو إخراج غالبية القيادات التقليدية والمؤسِسة الأولى للحركة من القطاع وإقامتها الدائمة في تركيا وقطر والتزام من بقي في القطاع الصمت، وهي القيادات المتهم بعضها بالمشاركة في صناعة الانقسام وتوتير العلاقة مع منظمة التحرير، كما توجد في القطاع إرهاصات حالة جديدة تتميز بتخفيف نسبي القبضة الأمنية المتشددة على المعارضين وتوظيف خطاب وطني وحدوي وفسح المجال نسبياً لكل الفصائل الفلسطينية بالعمل السياسي بما فيها تنظيم فتح في غزة.

صحيح أن قطاع غزة يشهد انفراجه في الأمور السابق ولكن ذلك لا يعني تجاهل بعض الأصوات الموتورة التي تواصل خطابها التحريضي على السلطة والقيادة الفلسطينية كما لا يمكن تجاهل ما يُقال من أن كتائب القسام تشتغل خارج إطار القانون وتعتبر نفسها فوق كل قانون، أيضا فالتنسيق مع إسرائيل يتزايد يوماً بعد يوم في مجال تنظيم العمل على المعابر والعمل في الأراضي المحتلة والحفاظ على الهدنة، وهي أمور على كل حال تجد قبولاً من قطاعات واسعة من الجماهير بحيث تراجعت الدعوات لإطلاق الصواريخ أو الدخول في مواجهات مباشرة على الحدود.

قد يقول قائل إن ما يجري في غزة مؤخراً من هدوء وتهدئة و تحسن في الوضع الاقتصادي حيث تدخل الأموال للقطاع من أطراف متعددة بتنسيق مع دولة الاحتلال، وهناك علاقة وثيقة بين الاقتصاد والأمن، محاولة من حماس لتحسين صورتها وإرسال رسائل للعالم أنه يمكن قيام دولة في غزة تعيش بسلام مع دول الجوار ، ولكن، هل يستسلم الفلسطينيون لهذه الحالة إلى ما لا نهاية مما يعني تكريس الانقسام والفصل أم يعملون على كسرها من خلال إثبات أنهم قادرون على حكم أنفسهم بأنفسهم في نطاق ما هو متاح لهم من أرض وسلطة في القطاع وفي نفس الوقت يؤكدون أنهم جزء من الشعب الفلسطيني ومن الحالة الوطنية العامة؟

في قطاع غزة مجلس تشريعي، أجهزة أمنية وجيش، إدارات تقوم بمهام وزارية كاملة الصلاحية، محاكم وقضاء وأنظمة قانونية منفصلة عما يوجد في الضفة، جباية للضرائب، إشراف على المعابر الحدودية، علاقات مع عديد الدول الخ، بمعنى أن في القطاع كل العناصر التي تشكل النظام السياسي إلا السيادة وهذه غير متوفرة حتى عند السلطة أو النظام السياسي القائم في الضفة.

دون أن يشط البعض في تفكيره ويتهمنا بتكريس الانقسام أو يُفهم من كلامنا تشكل بديل عن منظمة التحرير وعن السلطة الوطنية الشرعية، فإن ما نطالب به تشكيل حالة وطنية توافقية لا تعادي منظمة التحرير والسلطة الوطنية والمشروع الوطني، ومن غزة تستمر الحوارات لإعادة بناء وتفعيل منظمة التحرير، فهل تتعاطى حركة حماس مع هذا الاقتراح وتقبل بتشكيل هيئة  أو حكومة محلية مؤقتة لإدارة القطاع تتكون من جميع الأحزاب ومن شخصيات مستقلة؟

قد يشكك البعض في أن تتخلى حركة حماس عن السلطة في غزة وما توفره لها من منافع أو تتخلى عن مشروعها الإسلامي وارتباطاتها الخارجية، كما قد يشكك البعض بأن تسمح السلطة بحرية العمل السياسي لحماس وفصائل المعارضة في الضفة وسيكررون الحديث عن التنسيق الأمني والتزامات أوسلو الخ، ومع ذلك يحدونا الأمل بتغليب صوت العقل والمصلحة الوطنية العليا عند الجميع كما نراهن على دور إيجابي من الفصائل والأحزاب المتواجدة في غزة وعلى دور إيجابي لمؤسسات المجتمع المدني والجمهور في قطاع غزة.

 تغيير الأوضاع في قطاع غزة في الاتجاه الذي ذكرناه سيفشل مخططات العدو بتكريس الانقسام والانفصال ما بين غزة والضفة وسيعزز العلاقة بين حركة حماس والاحزاب الوطنية كما يعطي مصداقية لخطابها الوطني الذي سمعناه يتردد مؤخرا، كما أن غزة تحتاج لحكم وطني ديمقراطي رشيد يثبت للعالم أن الفلسطينيين قادرون على حكم أنفسهم بأنفسهم فيما هو متاح لهم من الأرض.

من المتوقع عدم الرضا عن هذا المقترح من المستفيدين من الانقسام ومن أصحاب الأجندة غير الوطنية وقد يتحدث البعض عن سذاجة هذا المقترح، ولكن من لديه اقتراحات عملية للخروج من دوامة الانقسام ومربع المناكفات السياسية فنحن مستعدون للاستماع له.

***

إبراهيم ابراش

ان أزمة المجتمع العربي الاسلامي بالامس واليوم هي: أزمة أخلاقية تاريخية اساسها التزوير والتناقض بين الايمان ونقيضه في التطبيق، الذي مارسته الأغلبية من نخب السلطة وامعاتها حين حسبناهم مقدسين، من مضللي التاريخ وسارقيه الذين لا يستطيعون الافصاح والأعتراف بأنهم ابتعدوا عن نظرية التأسيس القرآني لحكم المجتمع القائمة على المَثل الأعلى والنموذج والتطبيق خوفا من السيف المسلط على الرقاب وطمعا في السلطة والمال،حتى حسبوه ديناً للتقاليد، كما ينقله لنا التاريخ الوهمي لهم.. لكن الحقيقة تقول انه كان ديناً يملك مشروعا له منطلقات وتوجهات وقسمات يرفض التقليد والتزوير.. وهي بكل تأكيد لو طبقت حسب ما جاء في النص المقدس لاحدثت التغير الجذري في المجتمع العربي والعالمي على مستوى النظر والعمل معاً.. وعلى مستوى الرؤية التاريخية بما هم فيه يعتقدون.

وحين فشلت نظرية منا امير ومنكم امير- بعد وفاة صاحب الدعوة - على طريقة حكم العراقيين الفاشل اليوم.بالامس كانت التجربة المحمدية في قمتها الروحية فسرعان ما تم تطويق هذه الفرقة وعادوا للمؤاخاة.. فمن يعود بالتجربة اليوم والحاكم يمتثل للاعداء الاخرين، ولا يؤمن بدين التوحيد العظيم.

لذا منذ البداية لم يعترفوا بنظرية تكوين الدولة على اساس النص المقدس ووثيقة المدينة اساس الحقوق والقانون.. بل كان الأعتراف على اساس الدولة"أنا" فكانت أنتكاسة الدين والدولة معاً نحو الضعف والتشويه.. ولا زالت.. حتى اصبح الدين اليوم ليس الاسلام المحمدي بل دين الفقهاء.. دين المذاهب الباطلة المخترعة من زعماء البويهيين والسلجوقيين من اصحاب التقاليد.. نطالب وبقوة تغيير المناهج المدرسية من اجل الحقيقة لا التقليد.

من هنا ظهرت المعارضة العربية الواعية صاحبة قوانين مجلس الملأ الرصين منذ البداية تطالب بتطبيق نظرية الشورى التي من اجلها دخلوا الاسلام رغبة لا ترهيب، فالعرب لم يكونوا من الجاهليين كما قرأناهم في برامجنا التعليمية الباطلة، بدليل النص القرآني الذي يقول:"كنتم خير أمة اخرجت للناس" فالنص ما جاء من فراغ بل من صدقية حقيقة الواقع العربي الأصيل.. وها هي مناهجنا المدرسية التي حولت كل صحيح الى باطل مدروس من الفرس والاترك المعادين لأمة العرب.. لكن المتنفذين عَدوا المطالبين بالحقوق مرتدين على النظرية، وليسوا مطالبين بتطبيقها فكان السيف والعصبية القبلية هما البديل. ومنذ ذلك الزمن البعيد بدأت نظرية التصفية لمن يعترض ويخالف لقتل الحقوق والمطالبين والى اليوم.. بألأمس قتل المعارض مالك بن نويرة التميمي وهو مسلم وأستبيحت زوجته.. واليوم قتل العلامة المفكر هشام الهاشمي ولا تحقيق.

اما الرؤية التاريخية للمشروع الاسلامي المتمثل بالمعايير التي تحدد مسار تفاعلات العلاقات على المستوى الواقعي من جهة، والاطار المرجعي المتمثل بما شرع من الدين منذ البداية المنتهي باختتام النبوة وتحويل السلطة الى المسلمين جاءت ليحكموا بقوة العقل والقانون بعد ان صار الدين حرا مختارا لمن يعتقد ويريد وليس اجبارا للمعترضين (لكم دينكم ولي دين) وقوله تعالى: (اعدلوا ولو كان ذي قربى) قوانين لم نقرئها في كل حضارات السنين.. والعقل دوما يعرف بفعاله في التطبيق.. لذا طالبت العامة "لا سيف ولاعصبية قبلية" بل لحكم الشورى بين المسلمين.. هنا أصطدمت نظرية الدولة المزيفة مع نظرية الأمة المطلوبة "هذه أمتكم أمة واحدة وانا ربكم فأعبدون".. من هنا بدأ ت السلطة الغاشمة بالتصفيات والانحراف الكبير.

 نعم.. لقد أشاعت السلطة البارحة واليوم عملية التحريف في كل ما هو جليل ودقيق دونما مسئولية من ضمير حين تم تحريف تفسير النص وأبتداع الحديث وحين تلقف المؤرخ والفقيه نظرية التزوير لخدمة الخليفة الاموي والعباسي حتى "اصبح كل الفاسدين امراء للمؤمنين. وما دروا ان الوعي الفكري والاجتماعي.. هو الذي يصنع الثورة التي تحقق اهداف التغيير وليس خليفة المواخير.. فمن أين نأتي بالاسلام الصحيح بعد.. من مجلس حكم الخائنين،ام من نظريات احزاب الفساد والطائفية والجنس، والكل من التابعين رافع سيفه يحارب المخلصين حتى تحول الدين والمجتمع الى ضنين لكل التابعين..

أفهم أخي المخلص أن الحكام الطغاة واعوانهم وغيرهم من الفاسدين في حكم الدولة مهمتهم ان يجعلوك فقيرا بلا وعي لتبقى تهرول من ورائهم من اجل المواعين.. وشيوخ الطاغية من فقهاء التخريف في الدولة (مرجعيات الدين) أن تقتصر مهمتهم ان يجعلوأ وعيك غائباً ملتصقا بالغيبيات والماورائيات والأدعية واستحداث المزارات الوهمية والزيارات.. وهم يعلمون ان الموتى لا رجاء منهم في التغيير، لتبقى انت خارج الفكر التنويري دون احساس بفكر المتنورين.والنهاية واحدة هي الجهل والموت البطيء.. كما هي مجتمعاتنا العربية والاسلامية وعراقنا المظلوم منهم اليوم.فلا حل الا بفصل الدين عن سياسة الطغاة الكاذبين.

اخي المواطن.. من هو الذي يرفع الغمة عن الحقيقة، غير انت الذي تحدد قيمة نفسك في مجتمع المتنورين، فلا تصغر من شأنها حين ترى فخامة وهيبة الاخرين.. فالطاغية الباطل بالون اجوف جاء بقوة السيف والخنوع للمغيرين،لا بقوة الوعي الانساني الكبير، ورجل الدين الفاشل عمامة فارغة أحبكت بدبوس جاءت من الوهم اللامعقول تساندهم بعض اقلام المنافقين الذين هم اقدر على التبرير. فلا تقف مكتوف الايدي والفكر تجاه عدوك الطاغية.. هؤلاء هم رجال بلا أوزان.. وسيبقون كذلك لانهم لايؤمنون بعدل ولا وطن ولادين فلا تحترمهم او تسمعهم انهم اعداء حرية الانسان والدين،وبدون الحرية فلا حضارة ولا تقدم ولانهوض.اعلم اخي القارىء لو كانت القيمة المادية تقاس بالاوزان لكانت الصخور اغلى من الماس في التثمين.

ان غباء الساسة السابقين والحاليين وطمعهم في السلطة والمال والجنس جعلهم لايدركون حقوق الشعوب وبَلاء الاستبداد في الوجود.. لكن الحقيقة تقول ان لا وجود ولا سلطة مالم تكن هناك سلطة مدركة لزارع يزرع وصانع يصنع وتاجر يشتري ويبيع وطبيب يداوي ومهندس يُعمر ومعلم يُعلم وقاضٍ يَحكم بين الناس بالعدل وسلطة تراقب وتنفذ القانون.. "فأين لنا منها اليوم"بعد ان اصبح الوطن مشاعا للقاتلين. كل هذا كان وما زال مفقودا في دولة الاسلام ودولتنا اليوم بالذات.ان اصرار الشعوب على الحقوق دون وجل هي التي تعلم الحاكم تجارب التاريخ، لذا فان ثورة تشرين العراقية العظيمة مثلاً هي التي جعلتهم يفكرون الف مرة قبل ان يستمروا بظلم الاخرين، ولازالوا رغم السيف وتبريرات رجال الدين مبهورين خائفين.. لذا سيبقى المواطن هو الذي يصنع التاريخ لا الطاغية الكريه القبيح الذي يعتقد انه هو سيد المجتمع والتاريخ.. لذا على المؤرخ ان يكون ضمير الامة وعقلها الباطن وهو بقلمه يُوجه ويُعلم المخلصين.

على المجتمع حفاظا على الحقوق ان لا يسمح لطبقة الساسة التي تعودت على حكم الناس بالباطل ان تتوارث الحكم عن طريق الاحزاب الباطلة والكتل الطامعة بكل جدبد،فلا توارث ولا كتل تحكم بالدين بل بالعدل والقانون.. وهي بلا ذمة ولا ضمير تستمد القوة من الاجنبي المساند لها والكاره للوطن كل تقدم وتجديد.من هنا سيصل الشعب الى طريق التجربة والعمل لمعاني الديمقراطية والحرية والتعاون والمساواة والعدالة.. وهذه القيم تأتي عن طريق المعاناة والاصرار على الحقوق لا عن سبيل المواعظ والعبر وراي مرجعيات الدين البائسة الجالسة على الحصير والأبناء في لندن وباريس يمتلكون الثروة والقصور وهم بالدين والمذهب يتحججون بها وهي ليس لها من حق في التعيين.. وتلك هي معاناة مجتمع الحقوق من وجهة نظر التاريخ.

الشيوعية مثلاً ترى يجب وفرة الاحتياج لكل شخص دون ان يتكل على احد هي بهذا تهدف الى تحقيق مجتمع سلام بلا طبقات، وهذا ما هدف اليه دستور المسلمين (وثيقة المدينة) المغيب عندهم منذ التأسيس

لكن الفرق ان الشيوعية كذبت فالواقع اثبت انها عكس العقيدة والتجريد وان بعض قادة الشيوعية كانت تدعوا للتخريب والتدمير وعدم الابقاء على شيء قائم وهو ما يعرف بنظرية العدمية واصحابها الذين يرون في تطبيقها ضرورة لبناء عالم أفضل.. وقد مات صاحب النظرية (نيتشسايف) في السجن من قبل اعدائه مخلفا ثمرة تجربته الى لينين وتروتسكي وغيرهما من قادة الثورة الروسية عام 1917 بعد ذلك.. لكنهم خابوا وفشلوا في التحقيق.. بعد ان كانوا يجهلون سنن الحياة التي تقول:ان الذي لا يتقدم يتأخر من تلقاء نفسه ويغرق ويموت.. والتقدم لا يعني صناعة البندقية والتدمير.. بل يعني الحقوق والقانون وهم فاقديها.. والا لماذا الاعتداء على الاخرين كما في أوكرانيا اليوم وفلسطين.. وهذاما حل بدولة الاسلام بعد ان حكمها المجرمون من زنادقة التاريخ.. واعتدوا على حضارات الاخرين بأسم الفتوح الكاذبة والفتح لا يبرر التدمير.

ومع تصور هذه الظاهرة بالضارة والعدمية.. لكن الانسان دوما له عقل يتصرف به،وبهذا العقل يستطيع التغلب على الظروف غير المواتية بدلا من الرضوخ لها وتركها تشكله كيف شاءت.. ولهذا بقي الانسان على هيئته وخصائصه رغم وعيه الكبير فترة طويلة دون ان يمس التغيير جوهره الحقيقي في التطبيق.. ولكن.. كان تقصيره في اتباع المنهجية العلمية في التطبيق وهذا ما افتقدناه عند المسلمين؟

حكامنا من العراقيين الحاليين الذين باعوا الوطن مقابل المال والسلطة والجنس خيانة للاخرين دون تفكير.لكن اذا نودي للصلاة تجد الف خنزير منهم يهرول خلف المؤذن ضحكا على الذقون، وكلها لا طعم ولا رائحة عندهم في التطبيق.. المهم المال والسطة والجنس بما ملكت ايمانهم صاغرين.. فهل معقولة ان الله اباح الاعتداء على النفس والمرأة وهو الذي امر بمحاربة الزنى ان يجعل.. ما ملكت ايمانهم دون حسيب ورقيب.. لا اعتقد فان الله منزه عن الكبائر ولا يحب المعتدين.. لكن التفاسير القرآنية في غالبيتها جاءت تحابي السلطة لا الدين.

.. على المسلمين ان يفهموا ان الايمان بانسانية الانسان يتضارب مع السيف والفساد والاحتكار وقتل المطالبين بالحقوق.لذا عليهم ان يعترفوا ان احتكارهم للسلطة اليوم وفتوحاتهم للبلدان الاخرى بالأمس كانت غزوات معتدية وليست أوامردين.. ولازال الحاكم المسلم هو هو دون تغيير.. فهل من العدم يحصل في المجتمع التغيير.. ؟

ولا زال اصحاب الفكر الديني.. يرون ان الحياة الكريمة تتمثل في يوم القيامة لتحقيق العدالة الاجتماعية.. تصور وهمي باهت فيوم القيامة يمثل عدالة التطبيق، ولم يكن مبني على اللاحقيقة التي يطرحها الفقيه.. مجرد تصور لاهوتي قديم.لذا فهم يلجئون للقوة لتحقيقه مدعين ان الله اوحى لهم التحقيق.. كما في غزوات المسلمين للاقطار الاخرى في التاريخ وكل الحروب العبثية التي اشعلوها نتيجة انعدام الوعي والتفكير.. كما من يعتقد بظهور السيد المسيح والامام المهدي المنتظراللذان سوف ينتجان الجنس البشري الخالي من العيوب.. ويقولون بعد ظهورهما لن يكون في الحياة الدنيا خير وشر ولا مشكلات ولا حاجة لابتكارات جديدة في المجتمعات في المسيحية هو المتكفل في رد الخطيئة، وعند المسلمين المهدي الذي سيحقق عدالة القانون.. ولا ندري وهم في السلطة لا يحققون.. هنا كمايعتقد بعض المؤرخين تظهرالمدينة الفاضلة التي تتمثل فيها العدالة المطلقة وانتهاء الاستهتار الانساني.. الكبير لكنهم واهمين.. فالوهم والخيال لاينتج حقيقة.. فالحقيقة لا ينتجها الا القانون كما في المجتمعات الانسانية اليوم التي حققت عدالة القانون.. وهاهم الهاربون من الجحيم يستظلون بظلها اليوم شهداء للتاريخ.

انا شخصيا لست كارها للدين أو رافضاً له، لكنني أرى انه السمو الاخلاقي والفكري لا حاجة له لرجال أوصياء عليه وبفلسفتهم الطوبائية المبنية على النفعية لهم والتمييز بينهم وبين الاخرين يطبقون أخلاقية الدين، ولا ادري من خولهم بهذا الامتياز الذي يتمثل فيه التفريق.. والله خلق الانسان من نفس واحدة دون تفريق.هؤلاء الذين حولوه الى نظرية عدمية ليس لها في الحقيقة من اصل.. وبقدر ما ارى ان وجود دولة دينية عقبة كآداء في سبيل تحقيق الوحدة الوطنية وتقدم وتطور القانون.. "كون ان النص الديني ثابت والقانون متطور".هنا تلغى التطورية التاريخية.هؤلاء مثلهم كمثل من يعتقد ان وجود مرتزقة في الجيش لكي لا يمكن السلطة السياسية من بناء جيش وطن مخلص قوي يدافع عن الوطن في الشدة كما نحن اليوم في التطبيق.. من اجل استمر السلطة والمال بايديهم كما هم حكام العراق اليوم. لذا هم يعيشون في مأزق الخطأ المستمر..

ونحن نقول لهم:كونوا فكرا دءوبا صادقاً ستفتحون به عصرا جديدا.. ان الذي يرضي الحياة ويطورها لصاح مجتمع التاريخ.. ليست الفلسفة التأملية التي يطرحها أصحابها وهماً.. بل الفلسفة الواقعية.. التي تمنح الانسان القوة بحيث يستطيع ان يوقف الظلم ويرد السلطة عن هواها اذا ارادته،ولكن اين نحن اليوم من اعداء علم الفلسفة الذي حولوه الى عقيدة التفريق.، وهنا تكسب السلطة في الاولى عدمية خبرة التحقيق.. وفي الثانية احترام النفس والوطن اجمعين.

وعلى هذا الاساس ينشأ الوعي الخلقي الذي يبتعد عن التفريق كما هم اليوم يفرقون كما في مسلسلي معاوية وابو لؤلؤءة المجوسي الكريهين الذي بهما يريدون الموت للشعوب بالتفرقة الدينية والطائفية المقيتة المخترعة منهم ليبقوا يحكمون.. قاتلهم الله انا يؤفكون.. لا..  بالوعي الفكري والخلقي نتقدم ونقهر المستحيل.. وهذا ما حدث عند الحكومات التي يسمونها (بالكافرة اليوم) التي تحترم شعوبها ونفسها دون تفريق.. فمتى نصل لهذا الادراك الكبير.. 

ليست الحقيقة امام عيني لأراها.. لكني ارى فيها كل ما ارى.. نعم كل ما ارى.

***

د.عبد الجبار العبيدي

قد يتساءل القارىء الكريم الآن: ماذا ستعني هذه "القراءة الجديدة"؟ هل ستطرحُ شيئاً جديداً عن هذه الشخصية التي أشبعها الباحثون دراسة وتفكيكاً! لذلك سَنُبيّنُ ما يلي:

ما نقصده ب"القراءة الجديدة" هو طرحٌ مُخالف لما يُشاع بعد سقوط نظام صدام حسين 2003 وما بعدها. فقد ظهر إتجاه جديد يتمثّل بالحنين الى العهد الملكي عموماً، والى الباشا السعيد خصوصاً، بإعتباره أكبر سياسي ملكي (1) وفي هذا الإتجاه من الأخطاء والمغالطات التاريخية الشيء الكثير (2) وعليه فلا بُدّ من تسليط الضوء على الباشا من خلال المصادر والمراجع المُعتَبَرَة، فهذا هو الطريق الصحيح.

ستكون خطة البحث كما يلي:

1ـ لمحة سريعة عن ولادة الباشا ونشاته

2ـ عقائده السياسية والقيم التي يؤمن بها

3ـ التصفيات السعيدية؟

4ـ إرتباطه ببريطانيا

5ـ الباشا والشيوعية

6ـ الباشا وتدّخل الجيش في السياسة

7ـ الباشا وإستغلال النفوذ الشخصي وإمتلاك العقارات

8ـ حِنكة الباشا تحت الإستفهام

1ـ الولادة والنشأة:

أقرّ دارسٌ مُميّزٌ (3) للباشا بقلة المعلومات المتوفرة عن طفولة الباشا وتبعثرها، فقد إختلفت المصادر في تحديد الموطن الأصلي لأسرته، ولم تتفق على تحديد نسبه. وعَلّل الباحث ذلك بأن الباشا نفسه لم يُشر في كتاباته وأحاديثه الخاصة والصحفية الى إنتمائه القومي.

وُلِدَ الباشا ببغداد سنة 1888م وقضى طفولته في جوٍ أقرب الى الإنغلاق منه الإنفتاح، وهذا ما إنعكس على شخصيته فيما بعد. يقول توفيق السويدي:

(نشأ نوري في بيئة إقليمية محدودة لم يستطع التخلص من مؤثراتها رغم الزمن الطويل الذي عاش فيه وهو متصل بكبار الطبقات من أجانب وشرقيين) (4)

إنعكس ذلك على شخصيته، فقد عانى من الكبت في البيت والكُتّاب، فكان منكسراً خانعاً، لكنه عندما يخرج الى الشارع يكون على النقيض، إذ كان يُنَفّسُ عن كبته بمصارعة الصبيان بالأيدي والتشاجر بقوة. ولعل ذلك قد أصابه بنوع من التناقض في شخصيته، فهو حيناً منكسر وحيناً آخر وحشٌ كاسر (5)

2ـ عقائده السياسية والقيم التي يؤمن بها:

كان السعيد "ميكافيلياً نفعياً" فالغاية عنده تُبَرّر الوسيلة، وهذا يعني بأن طريقه سيكون طريق "المساومة على حساب المبدأ" (6) وكان "دكتاتورياً سلطوياً" فلا مجال لإطلاق الحريات العامة مع الباشا (7) وأهم شيء عنده هو "البقاء في الحكم" وكان لا يعرف الحقد والحسد إلا في السياسة (8) وكل القيم عنده تكون تحت رحمة القيمة السياسية، فالقيمة الدينية في خدمة القيمة السياسية، وتتأثر قيمة الصداقة لديه بالقيمة السياسية (9) فكان كثير السخاء لمعارضيه الأقوياء وقاسي القلب على خصومه الضعفاء (10)

3ـ التصفيات السعيدية:

إرتبطت بعض الإغتيالات السياسية في العراق بإسم الباشا، ونحن بدورنا سنُرَكّزُ على إثنين: توفيق الخالدي والملك غازي.

كان الخالدي شخصية فَذّة وذو كفاءة نادرة، وكان خصومه السياسيون يخشون بأسه ويوجسون خيفة من قُرب صيرورته رئيساً للوزراء حيث يقضي على طموحهم ويُبَدّد أحلامهم وقد يُمهّد لقيام حكم جمهوري في العراق (11)

تتجه أصابع الإتهام في تصفية الخالدي الى الملك فيصل الأول ونوري السعيد وجعفر العسكري. نشرت جريدة العراق في 25 شباط 1924 الخبر الآتي:

بينما كان معالي توفيق بك الخالدي وزير الداخلية السابق ذاهباً الى داره في محلة جديد حسن باشا مساء أول أمس ـ أي مساء الجمعة 22 شباط ـ إذا بيد أثيمة أطلقت عليه أربع عيارات نارية فأردته قتيلاً لساعته، وقد هرب الجاني حالاً فأسرعت الشرطة بعد الواقعة ببضع دقائق ولكن رأت أن الرجل قد قضى وهرب الجاني. وقد تبين من الكشف الطبي أن العيارات النارية هي من مسدس من نوع البرونيك، وأن الرصاصات إجتازت من ظهره الى قلبه حيث توفي حالاً. (12)

بسبب غياب الدليل المادي، فقد إحتار الناس في تعليل الحادثة، فقال بعضهم: كان القتيل من أنصار الجمهورية، وكان يرى رأي عبد الرحمن النقيب في وجوب إسناد الحكم في العراق الى عراقي، فإتفق الملك فيصل مع وزيريه جعفر العسكري ونوري السعيد على وجوب التخلص من الخالدي، فأسر الوزيران الى شاكر القره غوللي، فتبعه الأخير وأرداه قتيلاً. يُعقّب عبد الرزاق الحسني:

(ويُدلل أصحاب هذا الرأي على رأيهم: أن كُلاًّ من العسكري، والسعيد والقره غوللي، لقي حتفه مقتولاً فكانوا مصداقاً للحديث المعروف "بَشّر القاتل بالقتل") ثم يذكر الحسني حادثة شخصية معه في غاية  الأهمية:

(وقد جمعت المعتقلات التي أقامها الإنكليز في العراق في أعقاب الحركة التحررية التي قامت في آيار سنة 1941، أشتاتاً من الناس، وكان عبد الله سرية ممن قضى مع المؤلف نحو سنتين في "معتقل العمارة" وقد سمع  من عبد الله بأنه هو الذي قتل الخالدي، وأن  شاكر القره غوللي كان شريكه في القتل، وأنه كان عضواً في جمعية سرية هدفها الفتك بمن يشايع الإنكليز، وأن الخالدي كان أحد هؤلاء المشايعين) (13)

ويقول محمد حسين الزبيدي بأن الملك فيصل قد قرر التخلص من الخالدي وتصفيته في أقرب فرصة قبل إستفحال خطره، وقد عهد الى نوري السعيد القيام بهذه المهمة فقام بها ونفذها ليلاً (14)

يروي سامي خوندة:

إتصل نوري السعيد بشاكر القرة غوللي وعبد الله سرية وطلب منهما تنفيذ المهمة. ويُدَلّل خوندة على ذلك أن نوري السعيد قد كافأ قتلة توفيق الخالدي على عملهم، فقد وظّف القرة غوللي مديراً للتصليح في معمل الجيش الذي كان يقع في وزارة الدفاع القديمة. وعندما أُحيل على التقاعد تزوج من أرملةٍ من بيت الكواز في بغداد وكانت تملك بعض الأملاك وكان  لها مزرعة في بعقوة قُتل فيها القره غوللي.

أما عبد الله سرية فقد تَمَكّن عن طريق نوري السعيد من إدخال إبن أخته الى المدرسة العسكرية وتخرج فيها. وكان دائماً يفاخر بأن خاله عبد الله سرية قاتل العملاء (15)

أما  بشأن الملك غازي، فقد رحل الى ربه في حادث السيارة المعروف في عام 1939، وفي ظِل غياب الدليل المادي، فما على الباحث إلاّ تفكيك هذا اللغز وتشخيص المستفيد من تصفية غازي.

لقد أشارت الوثائق البريطانية الى أن البريطانيين قد فَكّروا في إزاحة غازي منذ عام 1936 (16) وأن الباشا كان يحقد على غازي لإعتقاده بعدم كفاءته وإعلانه مراراً ضرورة تنصيب الأمير زيد أو الأمير عبد الإله مكانه. وأصبح الأمير عبد الإله واقعياً من أهم المستفيدين من مقتل غازي (17) وبشأن الرأي العام، فقد همست الجماهير بأن الإستخبارات البريطانية ونوري السعيد قد دبّرا إغتيال الملك. وقد حاول السعيد تجنب غضب الجماهير بالوصول الى المقبرة الملكية بواسطة قارب نهري ثم رجع الى المكان بنفس الوسيلة (18).

4ـ إرتباط الباشا ببريطانيا:

كان السعيد قلباً وقالباً مع الإنكليز، يقول ذلك بكل صلابة وصراحة (19) وكان صاحب مدرسة سياسية آمنت بالتعاون مع الغرب، وكانت له وجهة نظر خاصة في الحكم قامت على إحترام الأمر الواقع وتقديره حق تقدير ويحيطها إطار من التفاؤل (20)

لكن الأمر المهم هنا:

هل من المناسب أن نصف السعيد ب"العميل"؟ أي عميلاً لبريطانيا؟ قبل أن نخوض في هذا الأمر، لا بُدّ من أن نُقَرّرَ ب"تطرف السياسة السعيدية" هذه. فمثلاً رُستم حيدر، كان ينتمي الى مدرسة نوري السعيد السياسية، إلا أنه  لم يكن متطرفاً في تأييده للبريطانيين، لذا فإنه  كان يُمثّل الجناح المعتدل للمدرسة السعيدية (21)

يَتَحَفّظ الباحثون المعتبرون في ذلك، يقول عبد الرزاق النصيري:

(من الصعب جداً أن يُصَنّف نوري، على الأقل في المرحلة التي تدخل في الإطار الزمني لرسالتنا، ضمن الأعداء، أو العملاء) (22)

وتقول ليلى الأمير:

(على وفق تلك القناعات، ليس من السهل القول أن نوري السعيد كان عميلاً بريطانياً أو أنه تصرّف وكأنه عميلٌ فعلاً) (23)

نشرت جريدة الفرات ـ وهي من صُحف ثورة العشرين ـ وثيقة مهمة، رسالة عاجلة من "المؤتمر العراقي" في سوريا الى رؤساء الشامية في النجف الأشرف، ولطولها سنختصرها بالآتي:

ربما يحضر إليكم من الشام الجنرال نوري السعيد ليقوم بهذه المهمة المشار إليها التي أناطتها به السلطة البريطانية، ألا وهي توطيد أركان الإحتلال وتثبيت أقدامه في العراق بمفاوضة العراقيين ودرس أفكارهم وتسكين خواطرهم وتعليلهم بالأماني والمواعيد الكاذبة، وربما إتخذت السلطة المحتلة جميع الوسائل المادية والمعنوية التي من شأنها أن تجعل لكلامه شأناً ولشخصه قبولاً أينما حَلّ،  فتُكثر من ذِكر إسمه مقروناً بالجهر والثناء عليه وعلى مبادئه وتتظاهر بإحترامه وتبجيله. لا يحتاج بعد هذا أن نُبيّن لكم واجبكم الذي تؤمنون به إزاء هذا الرجل إذا فارقنا إليكم بهذه المهمة، وخصوصاً الإجتهاد بمقاطعته والإعراض عن أقواله وتحذير الناس من الوقوع في حبائله والسهر على تتبع خطواته ومراقبة حركاته وعرقلة مساعيه. لا تُبالوا أيها الإخوان ولا تقيموا له وزناً ولو إدعى الكلام بإسم الملك حسين والملكين فيصل وعبد الله أو بإسم المؤتمر العراقي الموجود في حاضرة الشام. (24)

وينقل مظهر أحمد عن فاروق صالح العمر، أن الوثائق السرية البريطانية قد ذكرت بأن السعيد كان يتجسس على أعمال المؤتمر العراقي في سوريا ويُزوّد المصادر المختصة بتقارير سرية مفصلة عنها (25)

ما يهمنا الآن هو رأي كمال مظهر أحمد بهذه الوثيقة:

(وهي تُعد أول تقويم صحيح لشخصية نوري السعيد الذي أصبح رجل الميدان السياسي الرسمي للعراق على مدى أربعة عقود أعقبت "ثورة العشرين". وتزداد أهمية الوثيقة أكثر إذا تذكّرنا أن نوري السعيد كان يُعدّ يومذاك أحد الوطنيين العاملين في سبيل القضية العربية، وأنه كان واحداً من أنصار الأمير فيصل المقربين الذي لم يقف أحد بعد على دقائق صلاته السرية مع الإنكليز) (26) ليقول مظهر أحمد في حاشية خاصة:

(إتضح ذلك كله بعد الكشف عن الوثائق السرية البريطانية، أي بعد مرور عشرات السنين على التقويم الصحيح الذي نشرته جريدة "الفرات" أيام "ثورة العشرين") (27)

وبطبيعة الحال ـ وهذا من مستلزمات البحث العلمي ـ لا بُدّ من الإشارة للوثيقة البريطانية التي أشارت صراحة ل"عمالة" نوري السعيد.

يقول النصيري:

(تؤكّد إحدى الوثائق البريطانية الخاصة أن نوري السعيد إستُخدم على إثر ذلك عميلاً للمخابرات البريطانية، وزار الهند لهذا الغرض) (28) ثم يُعقّب: (ورغم ذلك يجب على الباحث أن يُقيّم فحوى الوثيقة البريطانية المذكورة، ومغزاها في إطار الزمان والمكان ودون التطرف في تحميلها أكثر مما تتحمل على ما نعتقد. ويجب أن نأخذ بنظر الإعتبار أيضاً أن نوري في هذه الفترة كان هارباً من الدولة العثمانية ومحكوماً عليه بالإعدام) (29)

والإشارة هنا الى وقوع السعيد في قبضة البريطانيين في البصرة عام 1914 ونُقل بعدها الى الهند.

ومما يجدر ذكره هنا أن أغلب "الكُتّاب السعيديين" قد كانوا على جهل بهذه الوثيقة، أو بالأحرى تجاهلوها (30)

لكن السؤال الأهم هنا: هل عادت سياسة السعيد بالنفع على العراق؟ سياسته المبنية على "إحترام الأمر الواقع حق الإحترام"؟ تقول ليلى الأمير:

(نخلص من كل ذلك إن نوري السعيد لم يُحقق للعراق أي نتائج ملموسة من جرّاء تعامله مع الغرب وتضحيته بالإنضمام الى حلف بغداد) (31)

ويقول كاظم حبيب:

(كان ـ يقصد السعيد ـ حليفاً مخلصاً لبريطانيا يستند لا الى عمالة مباشرة لها بقدر ما كان يلتقي معها في الفكر والسياسة والمصالح، رغم أن المستفيد الأول من كل ذلك كانت بريطانيا والمتضرر الرئيسي في مثل هذا التحالف والطريقة التي كانت تتم بها هو الشعب العراقي) (32)

لكن الأهم من ذلك كُله أن نوري نفسه ـ رغم بقاءه وفيّا لمبادئه أي لإرتباطه بالغرب وهذا ما دفع ليلى الأمير للإستغراب (33) ـ قد إستاء من سياسة بريطانيا في سنواته الأخيرة، بل إنفجر بوجه السفير البريطاني وصارحه: بإستطاعتي أن أكون بطلاً قومياً يُحمَل على الأعناق (34)

لكن المشكلة السعيدية الأولى هنا، أن السعيد كان يرى ـ كما نقل عنه صديقه أسعد داغر ـ : إذا كان نهر دجلة لا يزال يجري فما ذلك إلا بفضل الإنكليز!! (35)

ثم هل من المعقول أن تبقى السياسة السعيدية مع بريطانيا بإتجاه ثابت؟ فإن كانت مُبَرّرَة في بدايات تأسيس الدولة العراقية، فلما الإصرار عليها حتى النهاية! وهذا ما دفع أحمد مختار بابان ـ آخر رئيس وزراء في العهد الملكي ـ الى أن يُوَجّه نقده للسعيد:

فقد يكون السعيد  مُحقاً في إستناده على الإنكليز أثناء مدة الإنتداب، ولا بأس بهذه السياسة حتى نهاية الحرب العالمية الثانية. لكن نوري ظل متمسكاً بصداقة الإنكليز، وكانت سياسته هذه خاطئة جداً (36)

5ـ الباشا والشيوعية:

للسعيد صيتٌ كبير في محاربة الشيوعية في العراق والمنطقة، وهو من قام بإعدام فهد وزميليه زكي بسيم وحسين الشبيبي علناً في ساحات مختلفة من بغداد في 1949 (37) وهذا ما دفع حنّا بطاطو الى القول:

(إن موت فهد أثبت كونه أقوى من حياته، إذ صارت الشيوعية محاطة الآن بهالة الإستشهاد) (38) ونحن مع حنّا بطاطو بكل تأكيد، فأي فكرة تُحرًم من ممارسة العمل العلني، ستتجه الى الخفاء، لتنمو تحت الأنقاض، ثم تكبر وتكبر لتُشكّل خطراً كبيراً على النظام الذي خنقها. وللباشا صيتٌ سيء في هذا المجال، فكل من يخالفه سيكون إشتراكياً وشيوعياً! وهو صاحب حكومة المراسيم الإرهابية في خمسينيات القرن الماضي، وصاحب "حلف بغداد" الذي أراد منه أن يكون سدّاً منيعاً بوجه الخطر السوفيتي الموهوم (39) ورغم إيجابيات هذا الحلف من ناحية تعزيز دفاعات العراق الداخلية والبنية التحتية للدولة، لكن كانت سلبياته كبيرة، فقد قَسّم العالم العربي الى معسكرين وأدخل العراق بسلسلة من مشكلات السياسة الخارجية في وقت إحتاج فيه الى تركيز إهتمامه على الجبهة الداخلية، وولّد حملة مستعرة معادية للغرب في المنطقة، وهي حملة يكاد العراق يكون بغنى عنها (40)

ومن يعلم بتحالف الباشا الوثيق مع زعماء القبائل، لن يستغرب من عداءه الشديد للشيوعيين، فقد أشاد الباشا بالنظام العشائري في مؤتمر صحفي في عام 1957، بل أنكر وجود الإقطاع وإعتبره مجرد مكيدة شيوعية (41)

بل وصل الأمر بالباشا الى محاربة أي إتجاه إصلاحي مهما كان حجمه بسيطاً يستهدف إنصاف الفلاحين وسحب البساط من تحت الملاكين الكبار. فعندما وصل محمد فاضل الجمالي لكرسي الوزارة في عام 1953، إنتعشت الآمال بدء عهد جديد، خصوصاً وأن فيصل الثاني قد إستلم مهامه الدستورية في هذه السنة أيضاً.

قامت وزارة الجمالي مُمثلة بوزير المالية عبد الكريم الأزري، بتقديم مشاريع إصلاحية، فإقترح بعض اللوائح لإنصاف الفلاحين بقدر أو بآخر لتضع حدوداً لتحايل المتنفذين وأساليبهم الملتوية التي حرمت هؤلاء من حقوقهم وعلى نطاق واسع خصوصاً في العمارة.

لم تَرَ هذه المشاريع الطموحة النور، بل إصطدمت بمعارضة نوري السعيد وكبار الملاكين، فوقفت قوى الحسم ـ البلاط الملكي والسفارة البريطانية والشيوخ في خندق الباشا (42)

6ـ الباشا وتدخل الجيش في السياسة:

قد يبدو للوهلة الأولى أن السعيد بعيدٌ عن هذا الإتجاه، خصوصاً وأنه قد كان ضحية لهذا التدخل في 1958.

لكن الحقيقة خلاف ذلك! يقول سليم طه التكريتي:

(كان نوري السعيد منذ أن توفي فيصل هو أول من وضع أسس تدخل الجيش في السياسة، وقد دفعه نجاح إنقلاب بكر صدقي في سنة 1936 الى ركوب مثل هذا المركب الصعب الذي ألحق بالبلاد الخراب والدمار لعدة أجيال سابقة. فقد إصطفى نوري السعيد هؤلاء العقداء الأربعة ومن والاهم من ضباط الجيش لتنفيذ مؤامراته وتطلعاته الخاصة. فلطالما فرضوه على غازي عدة مرات لكي يؤلف الوزارة) (43)

وقد أزاح ضباط الجيش وعلى رأسهم العقيد صلاح الدين الصباغ حكومة جميل المدفعي بالقوة في الإنقلاب العسكري الثالث في العراق، ووضعوا نوري السعيد على رأس الوزارة (44)

يقول العقيد جرالد دي غوري:

(وهكذا وصل نوري السعيد، الذي كان يتشكّى بمرارة من تدخّل الجيش في السياسة، الى الحكم نتيجة عمل قام به الجيش ذاته) (45)

ويقول سندرسن باشا:

(لم يكن نوري السعيد يوافق على تدخل الجيش في الأمورالسياسية، ومع ذلك فقد إلتجأ الى هذا التدخل عشية عيد الميلاد سنة 1938 للتخلص من الوزارة المقيتة التي كان يرأسها جميل المدفعي. وقد نجح هذا الإنقلاب، فأصبح نوري السعيد رئيساً للوزارة، لكنه قد إختار في هذا سابقة خطرة، هي ذات السابقة التي إستُعملت بعد عشرين سنة لقتل أفراد العائلة المالكة، وقتل نوري نفسه بصفة لا إنسانية!) (46)

بل إن مؤرخة من طراز فيبي مار قد صَرّحت:

(وقد زرع نظام نوري السلطوي بين 1954 و1958 بذور الديكتاتورية العسكرية المستقبلية) (47)

7ـ الباشا وإستغلال النفوذ الشخصي وإمتلاك العقارات:

يوجد تصوّرٌ عام على أن الباشا كان بعيداً عن إستغلال نفوذه الشخصي في الدولة، فهو بنظر كاتب سعيدي (48): نزيهٌ وشريف، عاش ومات وليس له من حُطام الدنيا إلا كفنه، وتاه أهله من بعده وبعد مقتل إبنه الوحيد صباح. وبنظر سعيدي آخر (49): مات هو وولده ولا يملكان واحداً من ألف دينار بالمائة مما يملكه أي إمعة من إمعات هذه الأيام ولما إضطرت زوجته الى قبول الإعانات.

أما حازم جواد ـ القيادي البعثي السابق ـ فقد قال:

(كنا نقول عن نوري السعيد عميل الإستعمار لكن، لم يطعن أحد في نزاهته أو أنه قبض رشوة من هذا أو ذاك، ولا أدري إن كان الإنكليز دفعوا له أم لا، ولكنني حتى هذه أشك فيها) (50)

لكن توجد أدلة مخالفة، فقد ذكر بيتر سلغليت:

(إستغل ياسين الهاشمي ونوري السعيد اللذان كان ضابطين في الجيش العثماني، موقعهما لإمتلاك أراضٍ وتمرير قوانين تُشَرّعن هذه الصفقات أو تكفل لهما إعفاءات ضريبية) ويقول في موضع آخر نقلاً عن وثيقة أجنبية بأن أراضي منطقة أبو عوسج الواسعة قد أُعطيت الى أربعة سياسيين منهم نوري السعيد (51)

ومما يُقويّ ذلك أن أقران السعيد من السياسيين الكبار آنذاك قد إتُهموا بالإستيلاء على الأراضي ومنهم صهره جعفر العسكري (52)

أما حنّا بطاطو فقد أورد جدولاً مُفصّلاً للأراضي الزراعية المملوكة لرؤساء الوزارات في العهد الملكي في عام 1958، فكانت حصة الباشا فيه صفراً، لكن كانت حصة إبنه صباح 9294 دونم (53)

وقد ذكر توفيق السويدي ـ السياسي الملكي المعروف ـ أن صباح كان نقمة على والده وحِملاً ثقيلاً على عائلته بتقريب الأشقياء والسفلة وحشرهم في جو والده، فأثروا غاية الثراء (54)

8ـ حِنكة الباشا تحت الإستفهام:

المشهور عن الباشا هو أنه كان سياسياً مُحنّكَاً، فهو أقدر رجل دولة في الشرق الأدنى (55) ويكاد أن يكون أسطورة القرن العشرين، شعلةٌ ذكاء يتمتع بصفات لا توجد في رجل آخر (56) وهو "تاليران الشرق" برأي مؤرخ ممتاز (57)

نقول:

هل من الحِنكة أن يستمر الرجل على سياسة ثابتة مع عدم مراعاة تغيّر الظروف والأحوال؟ أن يبقى متمسكاً بصداقته للإنكليز؟ يُهمل الشباب لتتلقفهم المعارضة؟ أن يصبح قليل الإختلاط بالناس خصوصاً في أيامه الأخيرة، فلا يسمح إلا لعدد قليل من الأشخاص المكروهين من أكثرية الناس الإتصال به؟ (58) هذه "الحنكة" التي جعلت وصفي طاهر "المرافق العسكري للباشا" (59) مع قادة ثورة تموز؟ هذا مع ضرورة التأكيد على أن الباشا كان مصاباً بداء العظمة (لم يُخلَق بعد الرجل الذي سيجرؤ على إغتيالي) (60)

من جانبنا فنحن نضع هذه "الحنكة" بين مزدوجين تحفظَاً.

وفي نهاية البحث لا يسعنا إلاّ ما يلي:

هل هذه الصورة عن الباشا، والتي إستقيناها من مصادر متعددة كما شاهد القارىء الكريم، تستحق هذا الحنين من قِبَل البعض الآن؟! خصوصاً من الأجيال الجديدة التي لم تعاصر الباشا ولم تَطّلع على سيرته من خلال المصادر المعتبرة؟! هل من المنطق والعقل أن يختم باحث (61) كتابه عن الباشا بعد أن أورد الكثير مما ذكرناه في أعلاه بما يلي:

(مضى المارد العملاق الى ربّه تاركاً صيتاً يلفّه العطر والذكر الحسن)؟!

نترك الحكم للقارىء الكريم.

***

بقلم: معاذ محمد رمضان

.........................

الحواشي:

1ـ لو لم يرحل عبد المحسن السعدون في 1929 وياسين الهاشمي في 1937 لما تمكّن الباشا برأينا من أن يحتل الصدارة.

2ـ وهذا ما ناقشناه بإسهاب في كتاباتنا السابقة.

3ـ عبد الرزاق أحمد النصيري: نوري السعيد ودوره في السياسة العراقية حتى عام 1932، مراجعة: كمال مظهر أحمد، اليقظة العربية بغداد 1987 ص15 و16 و17

4ـ النصيري: المصدر السابق ص17 و18 و19

5ـ محسن محمد المتولي العربي: نوري باشا السعيد من البداية الى النهاية، الدار العربية للموسوعات بيروت ط1 2005 ص21

6ـ المصدر السابق ص30 و31

7ـ المصدر السابق ص32

8ـ المصدر السابق ص35

9ـ المصدر السابق ص50 و51

10ـ يعرب عبد العباس الشمري: نوري السعيد ـ تأريخه الشامل ودوره السياسي الريادي في العراق لنصف قرن ج1 دار أبجد للنشر والتوزيع العراق بابل ص22

11ـ عبد الرزاق الحسني: تأريخ الوزارات العراقية ج1 وزارة الثقافة والإعلام، دار الشؤون الثقافية العامة بغداد ط7 ص201

12ـ المصدر السابق ص200

13ـ المصدر السابق ص200 و201

14ـ محمد حسين الزبيدي: العراقيون المنفيون الى جزيرة هنجام، بغداد ط2 1989 ص292

15ـ المصدر السابق ص292 و295

16ـ رجاء حسين حسني الخطاب: المسؤولية التاريخية في مقتل الملك غازي، مكتبة آفاق عربية بغداد ط1 1958 ص17

17ـ المصدر السابق ص49 و50 ويُصرّح أحد الباحثين بأنه لم يعثر على دليل مادي يشير الى محاولات من قِبَل عبد الإله للإطاحة بغازي، يُنظَر:

عبد الهادي الخمّاسي: الأمير عبد الإله 1939 ـ 1958 ـ دراسة تاريخية سياسية، المؤسسة العربية للدراسات والنشر بيروت ط1 2001 ص70

18ـ لطفي جعفر فرج: الملك غازي ودوره في سياسة العراق في المجالين الداخلي والخارجي 1933 ـ 1939، مكتبة اليقظة العربية بغداد 1987 ص244 و247

19ـ عبد المجيد حسيب القيسي: التاريخ يُكتبُ غداً ـ هوامش على تاريخ العراق الحديث، دار الحكمة ط1 1993 ص127

20ـ ليلى ياسين حسين الأمير: نوري السعيد ودوره في حلف بغداد وأثره في العلاقات العراقية العربية حتى عام 1958، إشراف: فاروق صالح العمر، اليقظة العربية بغداد 2002 ص286

21ـ سعاد رؤوف شير محمد: نوري السعيد ودوره في السياسة العراقية حتى عام 1945، مراجعة: كمال مظهر أحمد، اليقظة العربية بغداد ط1 1988 ص84

22ـ النصيري: المصدر السابق ص328

23ـ الأمير: المصدر السابق ص286

24ـ كمال مظهر أحمد: صفحات من تاريخ العراق المعاصر ـ دراسات تحليلية، مكتبة البدليسي بغداد 1987 ص76 و77

25ـ المصدر السابق ص76 حاشية 63

26ـ المصدر السابق ص75 و76

27ـ المصدر السابق ص76 حاشية 61

28ـ النصيري: المصدر السابق ص42 وتاريخ الوثيقة في عام 1920

29ـ المصدر السابق ص42 و43

30ـ منهم مثلاً: عبد المجيد القيسي في كتابه المذكور أعلاه ص103 ويعرب الشمّري في كتابه المذكور أيضاً ص27، أما محسن العربي فقد تجاهلها في ص25 من كتابه المذكور أيضاً، لكنه عاد وأشار إليها في ص83 ناقلاً بعدها تعليل عبد الرزاق النصيري مع عدم الإشارة إليه!

31ـ الأمير: المصدر السابق ص284

32ـ كاظم حبيب: اليهود والمواطنة العراقية ـ أو محنة يهود العراق بين الأسر الجائر والتهجير القسري الغادر، حمدي للطباعة والنشر سليمانية 2006 ص134

33ـ الأمير: المصدر السابق ص284

34ـ المصدر السابق ص281 و282 وكذلك:

محمود الدرة: ثورة الموصل القومية 1959 ـ فصل في تاريخ العراق المعاصر، اليقظة العربية بغداد ط1 1987 ص70 الى 73

35ـ كمال مظهر أحمد: المصدر السابق ص276

36ـ مذكرات أحمد مختار بابان آخر رئيس وزراء في العهد الملكي، إعداد وتقديم: كمال مظهر أحمد، المؤسسة العربية للدراسات والنشر بيروت ط2 2013 ص55

37ـ يوهان فرانزن: نجمة حمراء في سماء العراق / الشيوعية العراقية ما قبل صدام، ترجمة: سعود معن، تقديم: كاظم حبيب، مكتبة النهضة العربية بغداد ط1 بيروت 2022 ص119

38ـ حنّا  بطاطو: العراق ك2 الحزب الشيوعي، بترجمة: عفيف الرزاز، مؤسسة الأبحاث العربية بيروت ط3 2003 ص227

39ـ الأمير: المصدر السابق ص285

40ـ فيبي مار: تاريخ العراق المعاصر 1921 ـ 2003 بترجمة: مصطفى نعمان أحمد، مكتبة أوراق ومكتبة المجلة ط1 2020 ص127

41ـ سلام إبراهيم عطوف كبة: إبراهيم كبة غني عن التعريف، دار الرواد المزدهرة بغداد ط1 2011 ص166

42ـ رحيم كاظم محمد الهاشمي: محمد فاضل الجمالي ودوره السياسي ونهجه التربوي حتى عام 1958، مراجعة: كمال مظهر أحمد، المؤسسة العربية للدراسات والنشر بيروت ط1 ص2012 ص247 و255 و256 و 257

43ـ ستيفن همسلي لونكرك: العراق الحديث من سنة 1900 الى 1950 ج2 بترجمة وتعليق: سليم طه التكريتي، دار الرافدين بيروت ط1 2019 ص94 حاشية 1 تعليق التكريتي

44ـ سيف الدين الدوري: جميل المدفعي ودوره السياسي في العراق، ضفاف للطباعة والنشر الشارقة بغداد ط1 2022 ص145 و146

45ـ العقيد جرالد دي غوري: ثلاثة ملوك في بغداد، ترجمة وتعليق: سليم طه التكريتي، الأهلية للنشر والتوزيع الأردن ط2 2012 ص147

46ـ مذكرات سندرسن باشا طبيب العائلة الملكية في العراق 1908 ـ 1946 ترجمة وتعليق: سليم طه التكريتي، مكتبة المثنى بغداد ط1 1980 ص210 و211

47ـ فيبي مار: المصدر السابق ص135

48ـ يعرب الشمري: المصدر السابق ج1 ص12

49ـ عبد المجيد القيسي: المصدر السابق ص134

50ـ مذكرات حازم جواد الرجل الذي قاد البعث الى السلطة عام 1963 بدون دار نشر وتاريخ ص180

51ـ بيتر سلغليت: بريطانيا في العراق ـ صناعة ملك ودولة، ترجمة: عبد الإله النعيمي، دار المدى ط1 2019 ص128 المتن + الحاشية

52ـ علاء جاسم محمد: جعفر العسكري ودوره السياسي والعسكري في تاريخ العراق حتى عام 1936، اليقظة العربية بغداد ط1 1987 ص129 و130 الحاشية 308

53ـ بطاطو: المصدر السابق ك1 ص394 و395

54ـ توفيق السويدي: مذكراتي ـ نصف قرن من تاريخ العراق والقضية العربية، المؤسسة العربية للدراسات والنشر بيروت ط2 2010 ص455

55ـ مذكرات سندرسن باشا ص207

56ـ العربي: المصدر السابق ص511

57ـ كمال مظهر أحمد في تعليقاته على مذكرات بابان ص104

58ـ مذكرات بابان ص54 و55

59ـ العربي: المصدر السابق ص512

60ـ مجيد خدوري: العراق الجمهوري،  إنتشارات الشريف الرضي إيران ط1 1408 ص81

61ـ العربي: المصدر السابق ص515

 

يتمنى الناس لأوطانهم الأمن والسلام. تلك حقيقة بديهية. لكن ليس بإمكان الأمنيات أن تمنع كارثة طبيعية من أن تحدث. للطبيعة سطوة قهرية. تختار بنفسها الزمان والمكان، وتهجم فجأة، لتمعن في تدمير أرواحنا، وبيوتنا، وعلاقاتنا الإنسانية بقسوة مفرطة. إن عبارات من قبيل: "لن تصيبنا كارثة، نحن بعيدون عن منطقة الخطر"  قد تفلح في تطمين/خداع النفس، غير أنها لن تنفعنا بشيء لحظة حصول المأساة. ستجعل، فقط، قائمة خسائرنا أكبر حجماً.

نعم. كانت مشاكل العراق الكبرى في المئة عام الماضية بشرية سياسية لا طبيعية، فهو لم يسبق أن تعرض  لزلزال هائل، ليس فيه براكين أيضاً، وأخطار الفيضان تراجعت بمشاريع أنجزت في العهد الملكي، كما لا توجد فيه غابات لتحترق. كل ذلك صحيح، لكن ماذا لو حدث زلزال كبير بالفعل؟ تركيا تجاورنا من الشمال، وإيران من الشرق، جارتان لهما تاريخ من المعاناة مع هذه الكارثة، وقد كان الزلزال المدمر الذي ألمَّ بتركيا وسوريا قبل أيام قريباً جداً من المحافظات الشمالية، حيث أغلب السدود الرئيسية، ومن حسن الحظ أنه لم يؤثر فيها. إن أولئك المسؤولين الذين لا يستفيدون من الدروس القريبة، ولا يتأهبون للكوارث قبل حصولها سيتحملون وحدهم نتائجها الوخيمة.

لنا أن نتخيل سيناريو الزلزال قياساً على ما عرفناه من طبيعة أداء المؤسسات الحكومية مع حدث طارئ أبسط بكثير، ما تسببت به موجة الأمطار قبل عشرة أعوام. وقتها كان رئيس الوزراء محمد شياع السوداني وزيراً لحقوق الإنسان، وتم تكليفه برئاسة لجنة  لتعويض المتضررين. لم تتمكن اللجنة من عمل الكثير، برغم رصد 600 مليار دينار عراقي، وتخصيص خط ساخن لتلقي الشكاوى، وجدت نفسها بمواجهة منظومة فساد هائلة، تشمل أطرافاً في جهات عديدة، بعضاً من مختاري المناطق، وأعضاء في المجالس البلدية، والدوائر التابعة لأمانة بغداد، ومجلس المحافظة. فعل العجز والروتين فعلهما ليعرقل التنسيق بين الوزارات، وتلكأت المصارف في تأمين المبالغ المخصصة، كما خضع أغلب المتضررين الحقيقين للمساومات، وقسم كبير منهم لم يتلق تعويضاً، بينما نزلت أموال كثيرة في جيوب أناس لا تستحق. هذا السيناريو نفسه تكرر مع أحداث طارئة أخرى، أشهرها نزوح الآلاف من مناطق سكناهم، بعد احتلال تنظيم الدولة الإسلامية لثلث العراق.

لنتذكر أيضاً تحديات أخرى، كالأخطار البيئية الكثيرة، تلك التي لم تحسن حكوماتنا المتعاقبة التعاطي معها بطريقة احترافية مسؤولة، مع أن نصيبنا منها كبير للغاية: التغيرات المناخية، الأوبئة، التلوث، النفايات، التصحر، البناء العمراني غير المدروس، هدر واستنزاف الكثير من الموارد الطبيعية، الألغام التي خلفتها الحروب المتتابعة. قائمة طويلة تحتاج حلولاً فورية، ولا من مجيب.

كانت صور المأساة الإنسانية للشعبين التركي والسوري مؤلمة للغاية، شيء يفوق أي كلام. من المفرح أننا شهدنا دعماً شعبياً وحكومياً للجارتين. وسيكون من الرائع أن تتوفر حملات أخرى أكبر وأكثر، تسهم فيها منظمات المجتمع المدني، ودواوين الأوقاف، والمساجد، والمواكب الحسينية. يمكن لرجال الدين المؤثرين أن يوصلوا للناس رسالة مفادها أن صحن حساء دافئ لأطفال مشردين في العراء البارد يساوي الكثير عند الله، وفي إمكان نخب المثقفين، والناشطين، والفنانين، ونجوم كرة القدم القيام بدور مؤثر أيضاً، أن يعملوا مثلاً على استعادة لحظة الكرم الشعبي الأصيل التي شهدناها أيام بطولة خليجي 25. من شأن ذلك أن يعيد تأهيل صورة المجتمع والدولة، ويظهر للشعوب المجاورة، كما البعيدة المعدن الحقيقي للإنسان العراقي. بالمناسبة، لا يزال هذا أمراً ممكناً، وضرورياً أيضاً. فآثار المعاناة التي خلفها الزلزال ستمتد لأمد غير قليل.

تلك الآثار الأليمة تدق ناقوس الخطر أمامنا، وأمام المسؤولين، وتوفر لنا جميعاً فرصة لتجريب أفق مغاير للتفكير، للمراجعة والتقييم، ولمعرفة الوجهة التي يمضي إليها العراقيون وسط عالم "رجراج" على أصعدة متعددة. فلا شيء يسبر غور النفس الإنسانية، ويضع قدراتنا على المحك مثل ما تفعله المأساة.

في لحظة الهجوم الشرس لأي كارثة طبيعية سيجد  العراقيون أنفسهم بمواجهة أخطار مميتة لا قبل لهم بها، حتى الحكومات ذات الخبرة السياسية، والحنكة الراسخة في التعاطي مع الأزمات ستكون عاجزة عن تأمين استجابة سريعة، ومنسقة تؤمن حياة مواطنيها ما لم يهرع العالم لنجدتها. أمامنا مثال تركيا المتصالحة مع الجميع، فقد بدت مؤسساتها ذات الخبرة في التعامل مع الزلازل مرتبكة في اليومين الأوليين. لنتذكر مثال سوريا المعزولة أيضاً، حيث استهلك الحديث عن العقوبات، والمعابر، والجهة المؤهلة لاستلام المساعدات وقتاً طويلاً، كان يمكن فيه إنقاذ العديد من الأرواح.

الزلزال -إن توخينا الدقة- لا يقتل الناس مهما بلغت شدته، لا في تركيا، ولا سوريا، ولا العراق، ولا في أي مكان آخر. ليست له قدرة مباشرة على فعل ذلك. الوفيات تحدث بانهيار المباني، الذي يتسبب به. وهو ما يعيدنا إلى آفة الزلزال الأقوى، والأشد فتكاً: "الفساد". التجربة التركية القريبة كشفت كيف أنه هو المسؤول الأول عن قلب كثير من المباني على رؤوس ساكنيها، بينما في المنطقة نفسها، وعلى بعد أمتار قليلة منها بقيت بنايات أخرى قائمة لأن من بناها كان ملتزماً بالمعايير القانونية. قد يكون بعض منها أصيب بضرر ما، لكنها لم تتسبب بفقدان الأرواح.

تركيا أفضل حالاً منا بمكافحة الفساد، وقوانينها تشترط وجود مواصفات خاصة في الأبنية، مع ذلك انهارت آلاف منها نتيجة مخالفات كارثية ما كانت لتحدث لولا الرشاوى، والمال الحرام. حتى الآن اعتقلت السلطات هناك أكثر من مئتين وخمسين مقاولاً، ومتعهد بناء، أحدهم كان مسؤولاً عن بناء مجمعات سكنية حديثة تتكون مبانيها من اثني عشر طابقاً. ماذا عن المجمعات السكنية التي ارتفعت أبنيتها على عجل، في بغداد وسائر المحافظات، ماذا عن البيوت والمباني التي مضى على بنائها مئة عام في صوبي الكرخ والرصافة، عن أحياء الفقراء (التجاوز) المبنية دون أدنى مراعاة لمعايير السلامة، عن آلاف البيوت التي شيدت بعد تجريف البساتين، فوق تربة هشة؟

ما يحفظ أمن المجتمعات، ويضمن لها السلامة والرفاهية في كل الأوقات، هو ذاته ما يبنى بنجاح أسس الدولة الحديثة، إنه بمنتهى البساطة: "الكفاءة والنزاهة". أي حديث سوى ذلك هو مجرد جهل، أو خداع لن يقنع أحداً. وهنا، لن نأتي بجديد حين نتذكر أن كبار مسؤولي الدولة العراقية من وزراء، ووكلاء، ورؤساء هيئات، وسفراء، وخبراء، ومستشارين، ومدراء عمومين، تمَّ تعيين النسبة الأكبر منهم وفقاً لمنطق المحاصصة، بالولاء لا الكفاءة، وقد أثبتت تجارب السنوات الماضية أن الجهات الساندة لهم ستجعل من الصعب على رئيس الوزراء، وأعضاء البرلمان، والسلطة القضائية محاسبتهم على أدائهم المتعثر، وتخبطهم في إدارة شؤون مصيرية. فهل سيحسن هؤلاء التعامل مع حدث مهول مثل الكارثة الطبيعية بروح قيادية قادرة على اتخاذ القرار السريع والصحيح، أم سيجلسون ليرقبوا المشهد المروع بلا حيلة؟

العمل الإداري، كما السياسة علم لا يجيده إلا المحترفون. وقد صارت حكومات أغلب دول عالمنا اليوم تولي الأهمية الفائقة لما يعرف في اللغة الإنكليزية ب(Disaster management)، أي فن إدارة الكوارث. باختصار، إن لم نتمكن من منع كارثة طبيعية ما، فنحن قادرون على التخفيف من آثارها إلى حد كبير. يتوقف ذلك على مدى تمكين الخبراء الحقيقين من مواقع المسؤولية، أولئك الذين يمتلكون المؤهلات التخصصية، والعقل الاستراتيجي، الناتج من تراكم خبرات ميدانية طويلة، والأهم سرعة الاستجابة في الأوقات الحرجة، حيث الدقائق القليلة تساوي الكثير.

يفترض، قبل كل شيء، أن تكون لدى الحكومة خطط طوارئ جاهزة، وأن تتم مراجعتها، وتطويرها، واختبارها باستمرار في ضوء ما يستجد من تجارب، وتقنيات، خطط تأخذ في اعتبارها أسوء ما يمكن أن يحدث. ففي الزلزال التركي السوري الأخير، وفي غضون دقيقة واحدة فقط كان هناك آلاف الناس تحت الأنقاض، ومئات الآلاف دون مأوى، وسط برد قارص. كانت قوة الزلزال قد سببت انزياحاً في مواقع خطوط السكة الحديد، ولم تعد كثير من مدارج المطارات صالحة للاستخدام، كما أن أكثر الطرق الاستراتيجية السريعة تضررت أيضاً، حدث ذلك كله دفعة واحدة. ما السبيل الأمثل للوصول بسرعة إلى مكان بعيد لنجدة من هم تحت الأنقاض، وكيف سيتم نقل فرق الإنقاذ، وإيصال المساعدات في ظل أوضاع مثل هذه؟

تلك تحديات صعبة بلا شك، لكنها ليست بلا حل. عن السؤال المتقدم، مثلاً، يمكن الاستعانة بطائرات مروحية عسكرية، مما يعني ضرورة أن تشمل خطط الطوارئ تنسيقاً عالياً مع الجيش، للإفادة من إمكاناته في الأفراد والمعدات. غير أن البنية التحتية النموذجية تبقي خير من يوفر للتدابير الوقائية بيئة عمل أكثر فاعلية، تماماً مثل الحاجة لفرق إنقاذ احترافية، لجهاز دفاع مدني متأهب، أفراده مؤهلون، ومعدات الإنقاذ التي بحوزته تواكب أحدث وأفضل ما أنتج من تقنيات.

ما أكبر مسؤولية فريق إدارة الكوارث! يقع عليه العبء الأكبر في إنقاذ أرواح الناس، وتقليل الآثار السلبية، ولا مجال له أبداً لالتقاط الأنفاس. طبيعة مهمته تستلزم الانطلاق من أرضية ممهدة تتوفر فيها بيانات عن كل شيء، لكي يكون له وعي مسبق بالبدائل المناسبة، فحتى الخطط النموذجية المرسومة على الورق قد يعرقلها وقع المأساة الطبيعية. ترى أين هي البيانات التي تقيم تجربتنا مع وباء كورونا، أو مع الحروب، والنزاعات المسلحة التي حصلت؟ ما مدى نجاحنا، أو اخفاقنا في توثيق ودراسة كل ذلك؟ إن قيمة أية تجربة تأتي من قدرتنا على أن نستخلص منها درساً ينفعنا في قادم الأيام.

المشكلة الكبرى، إن شئنا أن نمضي أبعد في تخيل سيناريو الزلزال، ستظهر في التقرير النهائي لفريق إدارة الكوارث الذي ذكرناه قبل قليل، تقرير لن يتضمن مفاجأة أبداً، يعرف العراقيون فحواه من الآن: "فساد في الإدارة، فساد في العقود، فساد في مواد البناء،...فساد.. فساد...فساد...إلخ". أما أوامر إلقاء القبض على بعض المتسببين به فستصدر بعد أن يكونوا قد عبروا الحدود إلى بلاد آمنة، بلاد جميلة بأبنية رائعة لا تتأثر بالزلازل، سينعمون هناك بتناول الشاي الساخن قبل البدء بدفن الضحايا الأبرياء، أو الأصح قبل انتشال جثثهم من تحت أنقاض الخراب المهول.

ماذا لو حدث زلزال في العراق؟ هذا سؤال لم يدر في ذهني بصراحة. كنت قد سمعته بالمصادفة من حوار بين رجلين مسنين في سوق الحيِّ الذي أسكن فيه، والحياء وحده هو ما يمنعني من إيراد الجواب المضحك لأحدهما. لنأمل فقط بأن تشملنا السماء عندئذ بالرحمة.

***

عباس عبيد

أكاديمي وباحث من العراق

يمكننا وصف كثير من العراقيين، إذا قرأنا تاريخ بلادِهم القديم، تحديداً، الجزء الذي وثَّق صِلَتَهُم مع المشروبات الكحوليَّة، بأنهم "بيرويَّون" – نسبة إلى البيرة – ولم تُفلِح آلاف السنين، عشرات الاحتلالات، وتنوَّع الأديان التي اعتنقوها، أن تُغيَّر طبيعتهم "البيرويَّة" هذه.

انفق العراقيون حتّى الربع الأول من 2023، ما كانت قيمته، مائة وخمسون مليون دولار أمريكي على البيرة، شهرياً. الخمسون مليون الباقيَّة، من هذهِ العملة الصَّعبّة، اُنفِقت على مشروباتٍ كحوليَّة أُخرى.

العراقيون المتديَّنون – الديانة الإسلاميَّة غالباً –  استخدموا الخمسين مليوناً، لتبريرِ إدمانِهم، على إضفاء وصف "العرقجية" (تُلفظ عراقيَّاً بالجيم والكاف المُعجَّمتين)، على مُختلف الشرائح، المنتمية إلى المجتمع المدني. أيضاً، الفرد في هذا المجتمع المدني، يوصف بأنَّه " عَلماني"، لتقليلِ شأنِه، وتبخيس قيمة حِراكِه النقدي في المجتمع، وتبكيتاً لِنشاطه السياسي.

العلاقة المُلتبِسة بين الكحول والعراقيين، بلغَ عمرُها الموثَّق، ستة آلاف عامٍ. تعقدت تلك العلاقة ما بعد 2003، بشكلٍ أكبر. عام 2016م، وصلت مرحلة تشريع قانونٍ برلماني، يُحرِّم كُل عِلاقةٍ للعراقي، مع المشروبات "الروحيَّة" (الوصف العراقي الأكثر شيوعاً للمواد الكحوليَّة) .

خوف السياسيين من "ردَّة فعل المجتمع الدولي بالأساس، دفعهم إلى هجر العمل بالقانون، وتخلَّت الأحزاب الإسلاميَّة عن متابعة تنفيذه"، بحسب مصدري المقرَّب، من الفاعلين في العملية السياسية.

إذاً من هم أصحاب البطولة، في إحياء قانون واردات البلدية في 2023، والذي اُعتُبِرت مادتُه الرابعة عشر، أكثرُ المواد تعسُّفاً، لأنها منعت استيراد، بيع، وتصنيع المشروبات الكحولية!؟

الجواب التمهيدي: نيابي سابق، رجل دين، وسياسي يحتلُ منصِباً مهماً، في إحدى مؤسسات الدولة العُليا. لكن من المُفيد أن نبدأ الحديث، عن بدايات تخمير هذا القانون، في البراميل السياسيَّة منذُ 2016م، لكي نفهم بعدها، سبب تعبئته، في جريدة الوقائع العراقية الرسميَّة، في فبراير 2023م.

بداية الرحلة

النظام السياسي في العراق، بعد 2003م، انخفضت درجةُ حرارته، في تنفيذ واجباتِه الرِقابية والتنظيميَّة؛ فيما يخصُّ المشروبات "الروحيَّة"، إلى الدرجة صفر. التداعياتُ كانت، غليان الفواعل اللاحكومية – تلطيف وصف الميليشيات المُسلَّحة خاصَّةً العقائديَّة منها - بدرجة مائة "سيليزي"، في سوق " المشروبات الروحية"!

شهد نوفمبر عام 2016م، وقبل أشهر قليلة من القضاء، على تنظيم "داعش" الإرهابي، في الموصل، الموافقة النيابية، على مُقترحِ قانونٍ، قدَّمهُ النائب علي العلاق، عن ائتلاف "دولة القانون"، بموجبه: " حُظِرت المشروبات الكحوليَّة، وكان للقاضي والنيابي السابق، محمود الحسن – نفس فريق العلاق السياسي - الدور الأعظم في صياغته"، وبحسب المصدر أيضاً: "كان الخوف من ردُّ فعلِ المجتمع الدولي، هو الكابح الأكبر، أمام تنفيذ القانون".

الأرجح إنَّ هذا التشريع، كان المُراد منه، تحقيقُ هدفٍ ذا شقَّين: مُغازلة الحكومة للقوى المُسيطرة على الأرض "الحشد الشعبي"، والذي ترتبط أغلب مكوِّناته السياسيَّة وفصائِله المُسلَّحة، عقائدياً، بولاية الفقيه الإيرانيَّة. أمّا الهدف الثاني؛ فهو استخدام القانون، كمغناطيس، لجذبِ الناخب الملتزم دينيّاً، في انتخابات 2018م.

سهولةُ نوم القانون، هذا "المدلول" – وصف عراقي يُطلق عادةً على الأشخاص المُرفَّهين – لمدَّةِ ستة سنين، في أدراج البرلمان، بدون أن نسمع شخيراً له، يعودُ فضلُه، إلى صمت الدستور العراقي، عن مصير القوانين المُشرَّعة، إن لم تُنشر في جريدة الوقائع العراقيَّة الرسمية، والتي هي الإلزام الوحيد؛ كي يكون القانون المُشرَّع فاعِلاً (بعد خمسة عشر يوماً من تاريخ النشر)، كما أن أهمَّية مصادقة رئيس الجمهورية، على القوانين، بروتوكولية لا حقيقية.

عاد القانون للحياة، في فبراير 2023م. بسببِ طلبٍ: " قدَّمهُ نائِبٌ عراقي سابق، من الدورة البرلمانيَّة الثانيَّة، إلى رئاسة الجمهورية". الجدير بالملاحظة، إنَّ النائب المسؤول عن إيقاظِ "المدلول"، مشهورٌ بـ "المدنيَّة"، وترقيص "اللبراليَّة" على لِسانه. المصدر وضَّح لي بعدها، إنَّ النيابي السابق، قام بذلك بـ : " التعاون مع أحد رِجال الدين المُتشددين في بغداد"، على حدِّ تعبيره.

المُفارقة اللطيفة، إنَّ الطرف الثالث والأخير، في نفضِ الغُبار عن القانون، هو صاحِبُ منصِبٍ مهم، وقد ساهم في إيصال القانون إلى: "الرئاسة النيابية، قبل تثبيته رسميّاً. قبل مالا يقل عن أسبوعين تقريباً، من امتلاكِه صلاحيات المنصب".

لوَّن مصدري بعد ذلك، أريحية هذا المسؤول، في تأريخ المخاطبات الرسمية، بالمقارنة التالية: " هل يمكن مثلاً أن استحق وصف نائب في البرلمان العراقي، قبل قيامي بتأديةِ القسم داخل قُبَّتِه؟".

حبر الصفقة وملفات المصالح

الصفقة التي جمعت بين النيابي السابق، ورجل الدين "المُتشدِّد"، كانت: "ضمان حصوله على أصواتٍ انتخابيَّة، تكفيه كي يعود نائباً، في الدورة البرلمانية القادمة". رجلُ الدين هذا، وبحسبِ المعلومات المُتاحة: " مُقرَّب من زعيم إحدى التحالفات السياسيَّة، والذي كان قد أشهر تديُّنه في الفترة الأخيرة. أمّا صاحِبُ المنصِب المهم؛ فهو مدعومٌ من الزعيم أيضاً".

ركائز نجاح هذه الصفقة، كانت تحتاجُ اتحِاداً، مع أحد الأحزاب الإسلامية "الشيعية"؛ التي تمتلِكُ ميليشيات على الأرض، بشكلٍ مُعلن. نجحَ النائب السابق، في الحصول على: "دعم أحدِها، والمنتميةُ بدورِها، لإحدى التحالفات الكبيرة "الشيعية".

 هذا الحزب، يتشاطرُ مع "مجموعةٍ عقائديَّة "شيعية" أخرى، توفير الحماية مقابل "اتاوات"، لمحال ومخازن بيع المشروبات الكحوليَّة في بغداد/ قضاء الكرخ".

الحزب وشريكه، كُتِب عنهما، وعن نشاطاتهِما بهذا الخصوص، مرَّاتٍ عدَّة، في صُحفٍ عربيَّة وعالميَّة. النتيجة خُتِمت الصفقة، وتحققت الوحدة الوطنيَّة، بلا شوائبٍ مذهبية وبدونِ قرونٍ إيديولوجية!

مخاطر الصراع على عالم صناعة الكحوليات ومصائب الحظر

الحظر، جاء بعد ستة أيّام، من إعلان الحكومة، رفع الضرائب المفروضة، على استيراد المشروبات الكحولية، إلى مائتين في المائة! الحكومة ستحرمُ بذلك، من وارداتٍ ضريبية كبيرة، وستدفعُ تكاليفاً إضافيَّة، لعمل القوى الشُرطيَّة والأمنيَّة. مثالُ ذلك، ما حصل في الولايات المتحدة، خلال عشرينيات القرن الماضي، والسنين الثلاث الأولى من ثلاثينياته، عندما طبَّقت الحظر.

إيجابياتُ بقاء الحظر كثيرة. منها – استخدمنا المؤشِّرات الهندية لعدم وجود نظيرة عراقية - ارتفاع مستوى صحة المواطنين بشكلٍ عام، جسدياً وعقلياً، هبوط نسبة العُنف خاصَّةً المنزلي منه، وانخفاض نسبة المُصابين بأمراض القلب. الأهم إنَّ عوائل المدمنين على هذه المشروبات؛ ستجِدُ مالاً إضافياً، لتوفير احتياجاتِها الضرورية، على أقلِّ تقدير.

سلبيات بقاء القانون، عديدة أيضاً. منها ارتفاع نسبة الجريمة المنظمة، لجوء المدمنين إلى مُنتجات أُخرى للتعويض. غالباً ما ستكون المُخدَّرات؛ التي أصابت لعنتُها العراق ومجتمعاته، بعد أن كانت البلاد، محطةَ عبورٍ لها فقط، زمن النظام السابق.

الأسوأ، إنَّ السوق السوداء لبيع هذه المشروبات، بشكلٍ لا قانوني؛ ستزدهر. هذه السوق، ستُنتِجُ محليَّاً، أو تُهرِّب للبلاد، مُنتجات رديئة النوعية وملوَّثة، تُشكِّلُ خطراً على الصحة.

الحظر سوف يؤثِّرُ كذلك، على ارتفاع نسبة القضايا التي تنظرُها المحاكم العراقية، والخاصَّة بانتهاكات القانون. بالتالي إنهاك النِظام القضائي العراقي، والذي يُعاني أصلاً من قلَّة عدد القضاة، والمُدَّعين العامين، مما قد يُسبِّبُ اللجوء، إلى ما يُعرف أمريكياً بـ "أسلوب شطب الدعوى"، كما حصل مع السيد نور زهير، في القضية التي باتت تُعرف بـ "فساد القرن"، مقابل إرجاعه قسم من الأموال التي بحوزتِه. ورغم إنَّ هذا تعبيرٌ أفضل عن الحقِّ العام؛ الذي يكتفي بالسجن عادةً، مُسبِّباً ضياع المال العام. إلَّا إننا لا نعرف، إن كان ذلك، يتناسبُ مع طبيعة مجتمعنا العراقي، وإن كان هذا الإجراء القضائي؛ سيُساهِم على المدى المتوسط والبعيد، في ترجيحِ كفة القضاء، ضد الفساد المستشري، في مؤسسات الدولة. الحظر سيقضي بدوره، على "مائتي ألف فُرصة عمل، مُتاحة للعراقيين" (يونادم كنا، صحيفة الغارديان). ويسبِبُ ركوداً اقتصادياً، في أسواقٍ عديدة، مُرتبِطة بالمشروبات الكحوليَّة، ومن المؤكَّد ضياع فُرص العمل فيها.

أجِدُ إنَّ على النُخب المجتمعية، النُخب الدينية الإسلامية، النُخب السياسيَّة، والأهم من هؤلاء جميعاً الحكومة، أن تختار نوعية العراقيين؛ الذين سوف تتعامل معهم مستقبلاً، إن بقي الحظر أو أُلغي قانونه: الكريستاليون، مجرمون عُتاة، أم "البيرويَّون"!؟

العراقيون الآخرون، والذين لا ينتمون للأصناف الثلاثة، سوف يذوقون الأمرَّين من الصنفين؛ الأول والثاني. أمّا الصنف الثالث؛ فهو يبدو غير مؤذٍ، بالمقارنة معهما.

أعتقد إنَّ على القضاء العراقي، أن يُبيَّن مخاطر تجربة "الصح والخطأ"، في تشريع القوانين العراقيَّة، مُحذِّراً صُنَّاع السياسات العامَّة؛ الذين يعاني معظمهم، من الأُمَّية الثقافية والتاريخية - استناداً إلى تجارب السنين الماضيَّة - في فهمِ طبيعة مجتمعنا العراقي، من حشرِ أنوفهم الحزبية، في مسائلٍ، لا ناقة للصالح العام فيها ولا جَمَلٌ اقتصادي.

الفرد العراقي مُطالب أيضاً، سواء كان العَلماني أم الملتزم دينياً، أن يفهم، إنَّ إيقاظ "المدلول"، ورائه منافسة اقتصادية، على تجارة وصناعة المشروبات الكحوليَّة، التي تدرٌّ أرباحاً بمليارات الدولارات.

المنافسة هي بين رجال أعمال، يودون الالتزام بالضوابط القانونية، وميليشيات مُسلَّحة تابِعة لأحزاب، تودُّ إبقاء هذه الصناعة في قبضتِها، وإنَّ قانون الحظر، كان تعبيراً منها، عن الرُعب الذي أُصيبت بهِ، من توجّه الدولة، نحو تنظيم هذه الصناعة بالضرائب، والإجراءات القانونية الواضحة.

أخيراً، أُشير إلى عدم حصولي، على إجاباتٍ لأسئلتي، بخصوص هذا الموضوع. كُنت قد أرسلتُها، إلى كُل من: رئاسة الوزراء، اللجنة القانونية في رئاسة مجلس النواب، ورئاسة الجمهورية. أمّا حزب الاتحاد الوطني الكردستاني؛ فقد عادت الرسالة، لعدم إمكانية إيصالِها، إلى بريده الإلكتروني!

***

قصَّة/ مسار عبد المحسن راضي

كاتب، صحافي، و باحث عراقي

قبل أيام كنا وأحد طلبة المرحلة الأولى في دراسة الدكتوراه في إحدى الجامعات الروسية، في اختصاص الاعلام، كان قد أطلع على بعض من مقالاتنا المنشورة في المواقع العربية، وقال، وهو " باستحياء كبير " في التعبير عن رأيه، " يا دكتور نراكم منحازون بعض الشيء للجانب الروسي .. أليس كذلك؟ "، وهذا السؤال يجرنا الى موقعة أخرى، وهي لقاءنا كمحلل سياسي مع احدى القنوات الإخبارية العربية المعروفة، وعند استرسالنا بالإجابة على سؤاله، قاطعنا المذيع، وقال " انتم تتبنون الرواية الروسية "، فقلنا له " حسنا .. أعطيني أنت ما هي الرواية الغربية أذن، ليتسنى لنا المقارنة بينهما، ونعطيكم خلاصة القول "، وبالطبع، فالمذيع والكثير من المحللين السياسيين (آخر هذا الزمان) لا يوجد لديهم أي تصور، ولا يمتلكون أي قدر معقول من المعلومات، عن مجمل الاحداث التي سبقت بدء روسيا العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا، وكذلك الأسباب التي دفعت روسيا لاتخاذ مثل هكذا خطوة، والتي عشناها ونعيشها منذ عام 1995 وحتى الان .

والكلام هذا يجرنا أيضا، الى تغريدة كتبها زميلنا الرائع الدكتور علي شمخي، على صفحته في احدى مواقع التواصل الاجتماعي، وهو يرد على موضوع يخص العملية العسكرية الروسية الخاصة، ولأرتباطنا بعلاقة زمالة طويلة معه، آثرت أن أرد عليه في نفس المكان، وفضلت الاتصال به، لنوضح له حقيقة الامر، التي تغيب وكما قلنا عن الكثير للأسف الشديد، فتقبل منا الزميل " أبو محمد "، ما طرحنا له من معلومات حول هذا الموضوع، وكعادته و بهدوءه المعهود، وخلقه الرفيع، نسب كلامه على ما هو متوفر لديه من المعلومات التي يسوقها الاعلام الغربي والعراقي، وبسبب الغياب التام للإعلام الروسي الموجه للمنطقة العربية، وبالتالي فإنهم (أي الإعلاميين والكتاب والمحللين) غير ملامون على أي رأي يقولونه او يكتبونه، بسبب هذا التقصير الكبير من جانب الاعلام الروسي، في توضيح حقائق الأمور، ولبيان الموقف الروسي الصحيح تجاه هذه الازمة .

نعتذر على هذه المقدمة الطويلة للدخول في صلب موضوعنا اليوم، الذي أخترنا له هذا العنوان، والمقصود به هو الولايات المتحدة الامريكية، التي " تتحفنا " كل يوم وكل دقيقة او ثانية، بأكذوبة تسبق ما قبلها، وتزيدها مكرا ، لتثبت للعالم، بأنها لا تستحي، ولا تخجل، و لا تمتلك ذرة من الاخلاق في تبريرها لجرائمها، عملا بالمثل الشعبي " العذر أقبح من الفعل " ، فهي تقتل القتيل وتمشي في جنازته، ومن ثم تتهم أهله بقتله، أي قباحة هذه، وأي استهتار في العقول والمقدرات خدمة لصالحها، وخيانة حتى أقرب حلفاءها المنساقين وراءها " كالجراء".

اللعب بالكلام، وارباك الاحداث، وتشتيت الأفكار بمعلومات مغلوطة، نجح فيها الاعلام الأمريكي والغربي للأسف في تسويقه الى عقول وفكر الكثيرين، حتى أولئك المقتنعين بالخباثة الامريكية وكذبها، وسنسوق اليكم آخر هذه " الخزعبلات " الامريكية، التي تستخف بالجميع دون استثناء، وتستهتر بكل الأعراف الأخلاقية والإنسانية، والتي تؤكد " نظرية المؤامرة " تجاه روسيا، والتي يحاول الكثيرين طمسها او تجاهلها.

وكب معظمنا جريمة تعرض خطوط نقل الغاز الروسي عبر قاع البلطيق، "السيل الشمالي" و"السيل الشمالي-2"، للتفجير في 26 سبتمبر الماضي، فكل مؤشراتها تدل على ان " للخبث " البريطاني، والولايات المتحدة الامريكية، اليد الطولى في تنفيذ هذه " الجريمة "، ولا يختلف عن هذا اثنين، حتى اللجان التحقيقية التي تم تشكيلها في المانيا والدنمارك والسويد، تمتلك هذه الحقيقة، لكنها " تسترت " على الحقائق التي توصلت اليها، تلك الحقائق الني لا تدين روسيا وتنفي تورطها في تفجير خط الانبوب، والذي هو ملك لشركة روسية، وبالتالي فأن الانفجار لم يكن مفيدا لروسيا.

والضربة التي قصمت ضهر البعير الأمريكي، هي تلك الحقائق التي قدمها الصحفي الأمريكي الشهير سيمور هيرش، في الـ 8 من فبراير الماضي، في تحقيقه الصحفي حول حادثة تفجير خطوط أنابيب "السيل الشمالي"، التي وقعت في الـ 26 من سبتمبر 2022، مستندا فيه إلى معلومات استخبارية، قال إنه حصل عليها من أحد المتورطين بشكل مباشر في الإعداد لعملية التفجير، ووصفها " بالموثوقة "، وأشار هيرش في تحقيقه، إلى أنه تم زرع عبوات ناسفة تحت خطوط أنابيب "السيل الشمالي"، من قبل الولايات المتحدة، تحت غطاء تدريبات BALTOPS العسكرية، بدعم من المتخصصين النرويجيين، الذين قاموا بتفجيرها بعد 3 أشهر، ونوه هيرش، بأن الرئيس الأمريكي، جو بايدن، اتخذ قرار إجراء العملية، بعد 9 أشهر من المناقشات مع مسؤولي الأمن القومي في إدارته.

أن عدم وجود أي استنتاجات تستند إلى نتائج ثلاث تحقيقات غربية في الانفجارات في خط أنابيب الغاز "السيل الشمالي"، وكما يقول الجنرال الفرنسي دومينيك ترينكان، الذي ترأس سابقا البعثة العسكرية الفرنسية لدى الأمم المتحدة، قد يشير ذلك إلى قمع متعمد لنتائجها، وأضاف "ليس لدينا كل المعلومات في أيدينا، وما يذهلني هو أن هناك تحقيقات ألمانية وسويدية ودنماركية، حيث تم بالفعل جمع الكثير من المعلومات، ومع ذلك، لا توجد نتائج، وإذا لم يكن هناك شيء، فربما تكون هناك نتائج لا يريدون ببساطة الإعلان عنها".

الاحراج الكبير الذي وقعت فيه الولايات المتحدة، والدول التي تشكلت فيها اللجان التحقيقية للتعرف على المسبب " بالجريمة " بسبب تقرير هيرش، جعل أمريكا، التي حاولت بكل السبل والطرق، درء الاتهام عن نفسها، ومحاولة دفعه الى جهات أخرى، وهنا بدأ " الاستخفاف والمكر " الأمريكي، فبعد ان بعدت الشبهات عن روسيا، بأنها هي من قامت بتفجير خطوطها بتهمة " استخدام الغاز " كوسيلة للضغط على أوروبا، ولذر الرماد في العيون، اطلقت وسائل الاعلام الغربية " بالونة " اختبار، تفيد بان جهاز الامن الاوكراني هو من نفذ هذه الجريمة.

وحتى لا تكون هناك " وقيعة " بين أوكرانيا وألمانيا (المستفيد الرئيس من خط الانابيب نورد ستريم)، وإمكانية ان تتخذ برلين خطا متشددا تجاه كييف، وتوقف المساعدات العسكرية والمالية لها، جاء الدور على وسائل الامريكية، وطبعا بالتنسيق مع السلطات الامريكية، عادت لتكشف لنا هذه المرة، ما تقول عنها معلومات استخبارية جديدة، تفيد بأن مجموعة موالية لأوكرانيا، تقف وراء ارتكاب أعمال تخريبية على خطي أنابيب الغاز "السيل الشمالي 1 و2".

ووفقا لصحيفة "نيويورك تايمز"،، ونقلا عن مسؤولين أمريكيين، فإن "مجموعة مؤيدة لأوكرانيا" تصرفت دون علم السلطات الأمريكية والمانية والسويدية والدنماركية والاوكرانية ودول أوربا مجتمعة (على أساس ان اوروبا ترتبط بنظام امني موحد)، يمكن أن تكون قد ارتكبت التخريب على خطوط أنابيب الغاز السيل الشمالي " ياحلاوة "، وتم تحديد أن المسؤولين رفضوا الكشف عن طبيعة المعلومات الواردة، وكيف تمكنوا من الحصول عليها، وأية تفاصيل حول الأدلة الواردة فيها، وبحسب المخابرات، فإن منفذي الهجوم هم "من المعارضين لفلاديمير بوتين"، وأضافت الصحيفة، لا شيء يقال عن تكوين هذه المجموعة وقادتها المحتملين، واحتمال وجود صلات بين منفذي الهجوم والحكومة الأوكرانية لا يزال مفتوحا، وبحسب الصحيفة، ربما تم زرع المتفجرات على خطوط أنابيب الغاز من قبل غواصين ذوي خبرة لا علاقة لهم بالجيش أو الخدمات الخاصة (أكيد ممن كانوا يتسكعون في شوارع أوروبا !!)، وفي الوقت نفسه، قال مسؤولون أمريكيون إنهم لم يعثروا على أي دليل على تورط روسي في هذه الهجمات، و"بالمفتشي"، هي محاولة " للملمة الموضوع .

ولأكمال أركان "الكذبة" الامريكية، أنيط الى صحيفة المانية مغمورة أخرى، مهمة الترويج لذلك، حتى يبان الأمر، وكأنه ليس الاعلام الأمريكي وحده من كشف هذه الحقيقة، فقد أفادت صحيفة "تسايت"، بأن المحققين الألمان تمكنوا من تحديد السفينة التي استخدمت في تفجير أنابيب الغاز "السيل الشمالي" في بحر البلطيق، وأن مواطنين أوكرانيين قد يكونون وراء العملية، و إن تحقيقا مشتركا، أجرته مع شبكة ARD الإعلامية وصحيفة SWR، يدل على "أثر أوكراني" في عملية تفجير "السيل الشمالي" على الرغم من أنه لا يزال مجهولا من أمر بتنفيذ العملية، وانه وحسب معلومات الصحيفة، فإن المحققين كشفوا عن السفينة التي استخدمت خلال العملية، وهي يخت تم استئجاره من شركة بولندية، يعتقد أنها مملوكة من قبل أوكرانيين اثنين، " ياحلاوة " .

وأضاف التقرير أن عملية التفجير نفذها فريق من 6 أشخاص، هم 5 رجال وإمرأة، كان يضم قبطان السفينة، وغواصين اثنين ومساعدين اثنين وطبيبا، وهم نقلوا المتفجرات إلى مكان الحادث ووضعوها هناك، وانه لم يتم تحديد جنسيات منفذي العملية، حيث استخدموا جوازات سفر مزورة لاستئجار السفينة، ويشير التقرير إلى أن السفينة أعيدت إلى صاحبها بعد تنفيذ العملية، وتم العثور على آثار المتفجرات في حجرتها، " ياحلاوة "، والسؤال المهم، أين كانت هذه المعلومات قبل تقرير سيمور هيرش ؟ ولماذا تم تسريبها الان؟ .. وهل الأجهزة الأمنية المانية " غافية " الى هذا الحد؟ ولماذا لا يت إشراك روسيا في التحقيقات الخاصة بأنبوبها؟، واسئلة أخرى كثيرة.

هذا الكلام وغيره، لا "ينطلي" حتى على أبسط الناس،، ولا تقنع المتلقي بما لا يعقل، خصوصا وإنه لا توجد ثقة في حيادية استنتاجات أجهزة المخابرات الأمريكية بخصوص تفجيرات أنابيب الغاز السيل الشمالي، وأنه تم تصميم التسريبات في وسائل الإعلام الأمريكية من مصادر مجهولة بخصوص تخريب خط أنابيب السيل الشمالي، لإرباك أولئك الذين يحاولون بصدق فهم هذه الحالة، فلا توجد ثقة في حيادية استنتاجات أجهزة المخابرات الأمريكية.

وأمام هذه المعطيات، نحن لسنا مضطرين للدفاع عن روسيا، فالحقائق هي من تدافع عنها، وتثبت مصداقية موسكو، في طروحاتها، فقد أثبتت المنشورات التي أشرنا إليها، حول الهجوم الذي تعرضت له أنابيب "السيل الشمالي"، هي مجرد شائعات تم بثها بطريقة مقصودة،  ومحاولة " للاستخفاف " بالآخرين، ومن الواضح أن الجهة التي نفذت الهجوم تريد من خلالها تحويل الانتباه لمصلحة الفاعل الحقيقي، وأنه لا يمكن أن نفهم كيف يمكن للمسؤولين الأمريكيين، الذين أشارت إليهم وسائل الإعلام في تقريرها، أن يقدموا فرضيات حول الهجوم الإرهابي الذي استهدف خطي أنابيب "السيل الشمالي"، دون إجراء تحقيق، اذن، ما نشرته الصحافة الأمريكية، حول تورط مجموعة موالية لأوكرانيا في الهجوم الإرهابي، تهدف أيضا إلى توجيه التحقيق في الحادث، إلى مسار خاطئ، ومحاولة للتشويش على أولئك الذين يحاولون بصدق الوصول إلى الحقيقة، وبرأيكم، هل يمكن تبني "الرواية الامريكية"؟ .

***

بقلم الدكتور كريم المظفر

في مثلث برمودا حيث الانحدار الى المجهول، لم يكتشف علماء البحار ودهاقنة المخابرات كلهم ما بعد الانحدار الى أعماق العتمة والنهاية الأبدية من ذلك الثقب الشيطاني المرعب بأضلاعه الثلاثة التي تشمل أضلاع المثلث؛ فلوريدا (بالولايات المتحدة الأمريكية) وجزر برمودا (تابعة لبريطانيا) وجزر البهاما، وبصرف النظر عن صحة ودقة الاخبار المتداولة عن اختفاء السفن والأفراد في هذا المثلث، إلا أنه أصبح كمصطلح متداول يعبر عن خفايا مرعبة أكثر إثارة من ثقب الأوزون الذي لا يعرف حقيقته مليارات البشر، بينما يتحسس علماء البيئة شكل الكوارث التي ستصيب البشرية مستقبلاً نتيجة هذا الثقب الذي يسمح لنفوذ أنواع وكميات من الأشعة الكفيلة بتحويل السرطان الى كورونا سريع الانتشار والدمار.

وما بين ذلك المثلث المفترض وبين ثقب الأوزون تظهر بين حقبة وأخرى ثقوب التاريخ المظلمة التي تفعل فعلتها في الانحدار والجذب المرعب للأفراد والمجتمعات، وتساعد في انتشار رهيب لأشعة الكراهية والأحقاد التي تُسرّعُ في نشوب حروب ومآسي وكوارث أكثر إيلاماً من صيحات وفواجع ضحايا برمودا أو ثقب الأوزون أو اختناقات كورونا، فقد أثبتت الأحداث بأن تلك الثقوب تظهر في بيئة الحاضر المتخلف وانعدام وضوح رؤية المستقبل مع تكلس ظواهر الفقر والبطالة وانعدام العدالة، حيث تنهمك تلك المجتمعات ونخبها في عمليات النبش بين طبقات التاريخ وصفحاته التي كتبت قبل مئات والاف السنين بعقلية ومزاج وثقافة تلك الحقب، بل وكثيرا ما يتحكم في تصوير ووصف أحداثها مشاعر ذلك الشاهد أو المدون سلباً وايجاباً معاً أو ضد.

إن الإيغال في تفاصيل التاريخ ووقائعه وخاصة تلك التي تتعلق بالصراعات العقائدية أو العرقية أو الجغرافية يقود في كثير من الأحيان إلى الانجذاب عبر تلك الثقوب والانحدار من خلالها الى مستنقع تدوير الصراعات القديمة وتفعيلها وإشاعة الكراهية والأحقاد التي تؤدي الى ما يفعله ثقب الأوزون ومثلث برمودا، بدلاً من التعامل مع معطيات العصر الحديث ومخرجاته العلمية والثقافية والتربوية، والعِبر والدروس المأخوذة من التاريخ بقراءة نقدية دقيقة لتطوير الحاضر وبناء أسس المستقبل، خاصة مع إدراكنا لحقيقة مهمة جدا، وهي أن مدوني التاريخ من المؤرخين أو الشهود هم بشر مثلنا تتحكم فيهم غرائزهم وعواطفهم ونزعاتهم ومدى نزاهتهم.

إن العبر أو الدروس التي يؤخذ بها يجب أن تخضع للمساءلة والتمحيص، خاصة تلك التي تدور حول ما يكتبونه، هل هو مجرد نقل ووصف لوقائع منقولة لهم ام كانوا مجرد شهداء عليها وعلى تفاصيلها، ثم هل هي آراء ووجهات نظر ومواقف المدونين من الأحداث والصراعات بكل أشكالها ومواصفاتها، أم انها كتبت بحرفية ومهنية دقيقة، ومن هنا نستطيع الى حد ما أن نوظف تلك العبر والدروس المستخلصة للعبور الى المستقبل.

لقد أكدت الأحداث والصراعات إن ثقوب التاريخ والانغماس فيها، أقوى جذباً وانحداراً من مثلث برمودا، ونتائجها أكثر كارثية من تأثير تلك الأشعة التي تمر عبر ثقب الأوزون، وقد شهدت البشرية في تاريخنا المعاصر الكثير من تلك الكوارث التي وقعت نتيجة المرور من تلك الثقوب المرعبة، وما خلفته لحد اليوم من تناحر مذهبي وعرقي وجغرافي بين الشعوب.

لا تنبشوا دهاليز التاريخ ففي بعض طياتها ما يكفي شعوبنا قرونا اخرى من التناحر والكراهية والاحقاد!

***

كفاح محمود

يرى الدَّاخل إلى مُجَمع العائلة الإبراهيميَّة، بمنطقة السَّعديات مِن أبوظبي، ثلاث دور عبادة متجاورة على شكل مكعبات، متفقة بالعِمارة، منحها البياض الصَّفاء في نوايا التَّجاور الدِّينيّ، وفي داخلهنَّ اختلاف التَّقاليد، بما تميز به المسجد والكنيسة والكنيس. غير أنَّ مَن مرَّ بجزيرة السَّعديات، قبل عشر سنوات، وكانت رملاً وملحاً، ويراها الآن، سيُذهل مِن إتقان العمران، ومِن طبقات البشر السَّائح والقاطن، قاصدها مِن أقاصي الأرض.

احتوى المُجمع على رموز كلّ دين في بيته، عُرف المسجد باسم شيخ الأزهر، ولا يحتكر الصَّلاة فيه مذهب مِن المسلمين، والكنيسة باسم بابا الفاتيكان، لكنها لجميع عقائد المسيحيين، والكنيس باسم الفيلسوف موسى بن ميمون(ت: 1204م)، الذي لا تختلف عليه فِرقة مِن اليهود، وكان صديقاً لابن رُشد(ت: 1198م)، لم يقف اختلاف الدِّيانة حائلاً دون صداقتهما، وهذه نعمة الفلسفة (المسافر بين الفلسفة وعلم الكلام ابن ميمون وابن رشد نموذجاً).

إذا كانت فكرة تشييد البيت الإبراهيمي بأبوظبي ارتبطت بوثيقة الأخوة الإنسانيَّة، التي وُقعت بالعاصمة الإماراتيَّة يوم 4 فبراير 2019، فما الأساس الذي جعل دور الدِّيانات الثلاث تتجاور بقلب العاصمة البلغاريَّة صوفيا، قبل استقلال بلغاريا عن الدَّولة العثمانيَّة(1908)؟

كأن ذلك التَّجاور رسالةٌ مفادها أنَّ سُكان الإمبراطوريَّة مسلمون ومسيحيون ويهود، السُّؤال: هل حصلَ جدلٌ آنذاك، بشعور أنَّه سيقود إلى الانصهار في دينٍ واحدٍ؟! مثلما يجري الجدل اليوم عن ثلاثي العائلة الإبراهيمية بأبوظبي؟ فالفكرة قديمة، نُفذت في ظل الخلافة المرتجاة عند الإسلاميين، المتطاولين على التَّسامح، وقبل ذلك قال الشّاعر الحيريّ عَدي بن زيد(الرَّابع الميلادي): «سعى الأعداءُ لا يألون شراً/ إليكَ وربّ مكةَ والصَّليبِ»(ابن قُتيبة، المعاني الكبير)، فالرَّبُ واحدٌ، ولا أحد استنكر مِن مؤلفي المسلمين على قسم الشَّاعر.

هل أشار الفقهاء إلى الفقيه موسى بن يونس(ت: 639هج) أنه يريد إبداع ديانة جديدة، عندما «عكف على الاشتغال يُدرِّس، بعد وفاة أبيه، في مسجده، وفي مدارس كثيرة، وكان مواظباً على وظائفها، فأقبل عليه النّاس، حتَّى أنه كان يقرئ أهل الذّمة التّوراة والإنجيل»(ابن خِلِّكان، وفيات الأعيان)؟  بالطبع لا. 

افتتح بيت العائلة الإبراهيميَّة بأبوظبي(18 فبراير2023)، فإبراهيم مشترك، وهذا يُخفف مِن وطأة الكراهيَّة، ويقود إلى المراجعة. عدا هذا، أي ديانة من الدِّيانات الثَّلاث قابلة للانصهار؟! كي يُنظر إلى هذا التَّجاور انصهاراً للإسلام؟! هل بالفعل كان المتربصون حريصين على الإسلام، إلى حدٍ أنَّ وجود الكنيسة والكنيس بجوار المسجد يُهدد الإسلام؟! أمَّ أنّها السِّياسة قبل الدِّيانة والثَّقافة؟!

جمع البيت الإبراهيميّ أكثر الأديان انتشاراً، ولا يكاد يخلو مجتمعٌ مِن التَّجاور بينها، مِن الغرب إلى الشَّرق، فالمسيحيون المنتشرون بأوروبا والأميركيتين وآسيا وأستراليا وأفريقيا بلغ عددهم أكثر مِن مليارين، والمسلمون مليار ونحو ستمئة مليون، منتشرون بالقارات كافة، وأتباع اليهوديَّة أكثر مِن خمسة عشر مليوناً، وما بين هذه الأديان تجد إبراهيم مشتركاً، والوصايا العشر التي حوتها الكتب الثَّلاثة، حسب كلِّ ديانة.

يمكننا التَّذكير بما تداول في تراث إلى واليه على مصر ابن الأشتر، مصر المختلطة بالدِّيانات الثّلاثة: «إنِّهم صنفان: إمَّا أخٌ لك في الدِّين وإمَّا نظيرٌ لك في الخّلق»(نهج البلاغة). فإذا طبقت اليوم بنود «يثرب»، ووصية الخليفة، لا يستغرب مِن تجاور بيوت العبادة بأبوظبي، فتجاور الحيطان لا يصهر الأديان، نفهمها رمزية للاعتراف المتبادل، واليوم أحوج مِن الأمس.

***

رشيد الخيّون - كاتب عراقي

8 مارس 2023

 

 

عادة ما يبدأ الترويج للمسلسلات التي تعرض في شهر رمضان من كل عام مبكرا قبل بدء عرضها في الشهر الفضيل، ومن بين قوائمها المسلسلات التاريخية التي غالبا ما تلقى رواجا واقبال لدى شريحة كبيرة من الجمهور، خاصة إن كانت تسرد سيرة إحدى الشخصيات التاريخية التي أثارت الجدل في مواقع التواصل الاجتماعي، وهو السبب الذي يبحث عنه المنتجين والذي بالطبع سيضمن لها جذب أكبر شريحة ممكنة من المشاهدين، كما حدث قبل عدة سنوات وذلك الجدل الذي أثير حول مسلسل "القعقاع بن عمر التميمي" واتهامه بالترويج لقبيلة كبيرة معينة في الخليج، في خطوة تركت أصداء إيجابية كبيرة على صناع العمل.

وقبل عدة أسابيع اثار مسلسل "معاوية بن أبي سفيان" المزمع عرضه في شهر رمضان القادم، جدلا واسعا لدى رواد مواقع التواصل الاجتماعي، خاصة في العراق، حيث رأى الكثيرون بأنه يروج لأجندة مذهبية وطائفية، ما أثار حفيظة واستهجان بعض القنوات التابعة لإحدى المدارس الشيعية.

ولم تكد تعلن قناة mbc السعودية عن بدء تصوير المسلسل، حتى جاء الرد من إحدى القنوات العراقية التي أعلنت عن إنتاج فيلم "شجاعة أبو لؤلؤه" الذي يتناول سيرة قاتل الخليفة عمر بن الخطاب ويروج له. وعلى إثر تلك المواضيع وهذا الجدل الطائفي القائم، قررت هيئة الإعلام والاتصالات في العراق، منع بث مسلسل "معاوية" وفيلم "أبو لؤلؤة"، حيث قالت بأن التوجيه يأتي في إطار الرغبة في عدم بث أي أعمال فنية تتناول موضوعات تاريخية جدلية ومنها العملان الفنيان المذكوران.

لقد أعاد هذا الجدل "الطائفي" لذاكرتنا تلك المناظرات الطائفية التي كانت تعرض في إحدى القنوات الفضائية اللندنية في السنوات الماضية، والتي تقوم باستضافة شخصيات جدلية من "أهل السنة والشيعة" لعمل مناظرات عن الخلافات المذهبية بين الجماعتين، والشهرة التي حققتها آنذاك لتتوسع بعدها وتشمل المذاهب الأخرى كـ"السلفية والصوفية والأشاعرة والأزيدية" وغيرها..، ومن الطريف أن المتناظرين كانوا يتركون الحكم للمشاهد، وكأن آلاف المشاهدين المتابعين للبرنامج، كانوا على علم بـ"الكلام الإسلامي" ومعرفة بصحة العقائد الإيمانية ولديهم جميع المراجع الدينية لإطلاق الأحكام.

ولا شك في أن منتقدي العملين الدراميين، يرون أن الدراما الرمضانية والترويج لسياسات وأجندات طائفية، اساءة لحرمة هذا الشهر الفضيل، الذي يتسابق فيه صناع تلك الدراما   لعرض محتواهم سواء برامج أو مسلسلات. وهو شهر القرآن الذي يكثر فيه المسلم من قراءة القرآن الكريم وختمه وتدبر آياته ومعانيه التي تدعو إلى الوحدة والتآلف بين الناس عامة وليس المسلمين فقط ، بعكس إثارة النعرات الطائفية، التي تجعل المنطقة ملتهبة وترجعها مئات الخطوات الى الوراء، بعد خروجها المؤقت من حالة نزاع طائفي شرس راح ضحيته مئات الآلاف من الأبرياء، كحوادث تفجيرات المساجد أثناء صلوات الجمعة في الكويت والسعودية والعراق واليمن وغيرها.

وبكل أسف.. أقولها إننا في العالم العربي أو الإسلامي نفتقد للحس النقدي، ليس في الأعمال التلفزيونية فقط وإنما حتى في الكتابات التاريخية، ومن المؤسف أن نرى الرد على مسلسل معاوية يكون بإنتاج عمل "مضاد"، وهو هجوم سابق لأوانه لكثيرين يرون ذلك، فالعمل لم يعرض بعد!، صحيح أنه لن يتناول سيرة مؤسس الدولة الأموية بالنقد والتحليل وأنما سيغلب عليه الجانب التبجيلي، لكن هذا هو حال جميع المسلسلات التاريخية سواء  التي أنتجتها قنوات محسوبة على السنة أم الشيعة.

وهو ما يشبه الردود المتبادلة في السجالات المذهبية بين الجماعتين فعندما ألف الفقيه الشافعي ابن حجر الهيتمي كتابه "الصواعق المحرقة في الرد على أهل البدع والزندقة" تصدى له من الجانب الآخر نور الله التستري بكتابه "الصوارم المهرقة في جواب الصواعق المحرقة"، فهل انتقل السجال الطائفي بين المذاهب الإسلامية من الكتب إلى الأفلام والمسلسلات؟

***

بقلم: أ. صالح البلوشي

كاتب و إعلامي عماني

 

كل فترة نكتشف أمراً جديداً وحدثاً بارزاً تم على أرض الفيروز فى هدوء وخفاء. منذ البداية والرؤية لدى القيادة السياسية واضحة نحو تلك البقعة الغالية من أرض مصر..أن يتم تطويرها على أساس سليم وأن تتوجه لها كل الطاقات والإمكانيات المتاحة لتنميتها وحسن استغلالها..

الصعوبة الأولى التى واجهتنا كانت أن سيناء خارج السيطرة؛ فلا يمكن إصلاحها مع وجود ذلك الكم الهائل من الانفلات الأمنى والأنفاق وحرية الحركة التى تمتعت بها الجماعات الإرهابية فى السابق، فكان لابد من اتخاذ قرار حازم بامتلاك زمام الأمور بها. ولم يكن الأمر سهلاً ..

أنت تتحدث عن مساحة شاسعة تبلغ نحواً من 60 ألف كيلومتر أو تزيد، أى ما يعادل تقريباً سائر المساحة التى يعيش المصريون عليها بالوادى والدلتا! فكيف يمكن السيطرة على مثل تلك المساحة التى تعج بتضاريس متباينة بعضها صحراوى منبسط وبعضها الآخر جبلى وعر وبعضها ساحلى. ثم أن التركيبة السكانية لتلك المنطقة ذات طبيعة خاصة، والتواصل مع الطبيعة القبلية يختلف حتما عن التواصل مع غيرهم.

لذا كانت المهمة الأولى ما قبل التطوير هى مهمة التهيئة والإعداد لما يمكن البناء عليه من بنية تحتية متطورة على أنقاض ما تمت إزالته من أعشاش وخيم وأبنية عشوائية قائمة هنا وهناك كيفما اتفق. والأهم من هذا أن يقبل سكان المنطقة ما يتم من تطوير بأريحية واطمئنان ويشاركون فى تحقيقه، والحق أن سكان سيناء قاموا بدور عظيم فى هذا الصدد يحسب لهم.

هناك الكثير مما تحقق فى سيناء لا يعلم عنه أحد لأنه يتم فى منأى عن الأنظار ولأننا اعتدنا أن نتابع همومنا الخاصة دون أن نلم بالصورة الكلية العامة. العمل فى سيناء تم على ثلاثة محاور..محور السيطرة الأمنية ومحور البنية التحتية ومحور التعمير والتنمية. والمسارات الثلاثة حدثت بشكل متزامن. إن ما تم من إنجاز هناك هائل ومدهش ولا تستطيع أن تستوعبه إلا إذا قارنت بين ما كان وما هو الآن. وربما استيقظنا يوماً فوجدنا المصريين يشدون الرحال إلى سيناء بعد أن تصبح بديلاً عن الهجرة للخارج..

لم نكتشفها بعد

جمال حمدان قالها قديماً: إن المصريين مرتبطون بالأرض.. وهذا الارتباط عظيم لدرجة أنك تحتاج إلى قوة نفسية كبيرة لزحزحة المصري من مكان نشأته ليهاجر أو يسافر بعيداً عن أرضه هنا أو هناك. وأن تلك الطبيعة الموروثة فى جينات المصريين تركت أثراً سلبياً أحياناً فى النشاط الإنسانى للمجتمع المصري بشكل عام؛ إذ باتت بعض المناطق فى مصر قليلة السكان غير قابلة أصلاً لفكرة التعمير لغيابها عن ذهن أى مصرى؛ فكرة مغادرة مكانه إلى أماكن أخرى ولو على سبيل المغامرة والاكتشاف والسياحة. الدليل على هذا أن العالم كله حريص على زيارة مصر لرؤية بعض معابدها وآثارها مهما تكلفه ذلك من مشقة وجهد ومال، بينما بعض المصريين قد يعيش ويموت ولم يزر متحفاً أو أثراً ولو كانت تلك الزيارة لا تتكلف إلا بضعة جنيهات!

ربما لهذا السبب وغيره عانت سيناء تجاهلاً وخواء رغم أنها تحوى كنوزاً لا تخفى عن أحد..

كوكتيل عجيب من المعادن والثروات حظيت به تلك المنطقة الغنية بالكنوز.. بترول وفحم وحديد ونحاس وفوسفات ومنجنيز ويورانيوم وذهب وأحجار كريمة أهمها الفيروز الذى تحظى سيناء بأجود أنواعه عالمياً حتى صار اسمها مقترناً به، أرض الفيروز. ثمة ثروة حيوانية أكبر مما ظننا تصل إلى ما يزيد عن ربع مليون رأس ماشية ترعى على الكلأ والزراعات البسيطة فى تلك الأراضى الواسعة المنبسطة فما بالنا لو تضاعفت تلك الأرقام؟ لهذا كان البحث الأول والمشروع الأكثر إلحاحاً هو ما يختص بتوصيل المياه إلى تلك المناطق عبر ترعة السلام.. مشروع عظيم يجرى على قدم وساق وقد تم إنجاز جزء كبير من مرحلته الأولى وتتبعها مراحل. بعد أن تمت السحارة أسفل القناة.

هناك مناطق سكنية تم بناؤها على أساس تخطيط عمرانى سليم بدلاً من العشوائية السابقة. الهدف أن يتم زيادة عدد السكان فى مختلف المناطق بسيناء بنسبة تزيد عن 12% فى الوقت الحالى، نحن لا نتحدث عن حلم بعيد المنال، بل هو حلم يتحقق ويجرى تنفيذه الآن.

العبور الكبير

ها قد نفذنا أهم ما فى الخطة المرسومة.. تكاتفت كل مؤسسات الدولة مع أهالى سيناء، وتم تقويض الإرهاب ونزع أنيابه وانغلقت أنفاقه ، وانفتحت أنفاق الخير والنماء عبر السحارة، وبنيت الأسوار ، واستتب الأمن وبدأت خطوات التطوير تتم بالتزامن شيئاً فشيئاً فتوسعت الزراعة وتم التشييد فى القطاعات السكنية والصناعية والخدمية.. كل هذا ليس إلا البداية.. كل هذا كان يتم بهدوء وصمت..كل هذا كان يتم بالرغم مما حدث ويحدث من عراقيل ومعوقات؛ إذ لم تتوقف الأفواه والأقلام تثير الشائعات والأكاذيب ، ولم تتوقف فلول الإرهاب عن محاولاتها لزعزعة الاستقرار وعرقلة حركة التطوير.. لكن التطوير حدث ويحدث رغم كل الأفاعيل والعراقيل..

إذا قيل إن التنمية فى سيناء التهمت مليارات الجنيهات فهو قليل مهما بدا كثيراً فى أعين الناس لأسباب كثيرة.. أولها أن سيناء مساحتها هائلة وهى متعطشة للتنمية منذ عقود وأجيال من الإهمال، ثم أن المعوقات والمشكلات والتخلص منها له تكلفة ضخمة ، والأهم من هذا وذاك أن ما سبق من إنفاق يعد فوزاً واستباقاً لموجة غلاء عالمية حدثت اليوم وبالأمس منذ جائحة كورونا وإلى اليوم.

إن ما تم ويتم اليوم تحت قيادة الرئيس السيسي على أرض سيناء يعد بلا مبالغة عبوراً جديداً إلى أرض سيناء الحبيبة وكأنها عملية لإعادة اكتشاف تلك البقعة المباركة من أرض مصر.

أكبر من رواندا!

قد تندهش إذا علمت أن سيناء وحدها أكبر من رواندا بمقدار الضعف!. تلك الدولة الإفريقية التى عانت الويلات عبر تاريخها الدامى، وهى دولة مغلقة ليس لها سواحل. واليوم تتمتع تلك الدولة الإفريقية المنغلقة على ذاتها بنسبة نمو تتعدى النسب العالمية! وقد تندهش أكثر إذا علمت أن ما نبغت فيه رواندا ليس إلا السياحة! أين سيناء من كل هذا؟ وماذا لو أنها حظيت بنهضة تنموية كنهضة رواندا؟

سيناء بها مجموعة من أروع وأجمل الشواطئ لا أقول فى مصر بل فى العالم أجمع، والمرضى يأتون من كل أنحاء العالم للاستشفاء على رمالها وفى عيونها الساخنة والكبريتية فى عيون موسي ورأس سدر وحمام فرعون وغيرها..وسيناء هى معبر الأنبياء والصحابة عبر التاريخ، ولها قدسية لدى النصارى واليهود والمسلمين جميعهم لأنها منطقة شهدت رحلة العائلة المقدسة وتيه بنى إسرائيل ورحلة موسي وعبور عمرو بن العاص حاملاً رسالة الإسلام والسلام عبر شعبها الأصيل.. ماذا ينقص سيناء لتصير هى المفتاح لتنمية شاملة تبدأ فى سيناء ولا تنتهى إلا ومصر فى مصاف الدول الكبري إقليمياً وعالمياً؟!

سواعد وأهداف

رجال الأعمال جاءوا ورأوا بأنفسهم حجم ما تم إنجازه، وكلهم امتلأوا بالرغبة فى المشاركة بعد أن رأوا كيف اصطفت الآليات والمعدات بالمئات تعلن جاهزيتها للتعمير والبناء وتعطشها للارتفاع بالمصانع والشركات والارتقاء بسيناء على أيدى أهلها من السيناوية ذوى القوة والجلد. ولن تلبث أرض الفيروز أن تكون كما نتمناها أرضاً لخير وفير ونماء عميم يفيض على أهل مصر قاطبة.

***

عبد السلام فاروق

أكتسب اجتماع قيادة مجموعة الرؤية الاستراتيجية لروسيا - العالم الإسلامي، بمشاركة سفراء الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي، المعتمدين في روسيا الاتحادية، وممثلي السلطات الفيدرالية والإقليمية، ورؤساء الجمعيات الدينية في روسيا، من وجهة نظر وزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف، خلال كلمته في الاجتماع هذا العام، أهمية كبيرة بالنسبة للجميع، حيث تصادف مع الذكرى العشرين للخطاب التاريخي لرئيس روسيا الاتحادية فلاديمير بوتين في اجتماع رؤساء دول وحكومات منظمة المؤتمر الإسلامي في ماليزيا، الذي أيد فيه تطوير العلاقات بين روسيا والعالم الإسلامي بشكل جديد نوعيا، ومُنحت روسيا صفة مراقب مع هذه الرابطة الدولية، وهكذا، تم إرساء أسس الشراكة بين روسيا والعالم الإسلامي، وركزت على البحث المشترك عن إجابات مناسبة للتحديات العديدة في عصرنا.

كما أكتب الاجتماع أهميته، بمستوى الحضور، وفي مقدمتهم وزير خارجية الاتحاد الروسي سيرغي لافروف، ورئيس جمهورية تتارستان، ورئيس مجموعة الرؤية الاستراتيجية لروسيا - العالم الإسلامي رستم مينيخانوف، ونائب رئيس لجنة مجلس الاتحاد للشؤون الدولية، فاريت موخامتشين، ونائب رئيس وزراء الاتحاد الروسي مارات خوسنولين، ورئيس وكالة تنمية الاستثمار في جمهورية تتارستان تاليا مينولينا، وبالإضافة إلى ذلك، ممثلي السلطات الفيدرالية والإقليمية، وأعضاء المجموعة، وقادة الاتحادات الإقليمية الروسية، ناقشوا خلاله، جدول الأعمال في إطار الاجتماع الخاص للمجموعة المقرر عقده في 19 مايو 2023: "روسيا - العالم الإسلامي: القيم الروحية والأخلاقية التقليدية كأساس للتعاون بين الأديان" والاقتصاد الدولي منتدى "روسيا - العالم الإسلامي: منتدى قازان 2023" تحت شعار "اقتصاد الثقة: شراكة بين روسيا الاتحادية ودول منظمة التعاون الإسلامي"، والذي سيعقد في الفترة من 18 إلى 20 مايو المقبل .

وتحافظ روسيا، بأعتبارها أكبر قوة في أوراسيا، على علاقات جيدة وصادقة ومحترمة بشكل متبادل مع دول العالم الإسلامي، ويعتبر تعزيزها من بين الأولويات الثابتة للسياسة الخارجية الداخلية، وبحسب تأكيد لافروف، فإن الجانبين متحدون من خلال الالتزام بالتنوع الثقافي والحضاري لشعوب الكوكب، وحقهم في تحديد مساراتهم الخاصة للتنمية السياسية والاجتماعية والاقتصادية، جنبا إلى جنب مع الأصدقاء من الدول الإسلامية، والدفاع عن تشكيل نظام عالمي متعدد الأقطاب أكثر عدلا وديمقراطية على أساس مبادئ ميثاق الأمم المتحدة، ورفض القيم الليبرالية المتطرفة التي يفرضها "الغرب الجماعي" بقوة.

لقد كانت الآلية الأساسية للحوار المشترك والترويج للمشاريع الواعدة ذات المنفعة المتبادلة هي مجموعة الرؤية الاستراتيجية لروسيا والعالم الإسلامي، التي تأسست في عام 2006، برئاسة رئيس جمهورية تتارستان آر إن مينيخانوف، وعلى مدى السنوات الماضية، تم إطلاق العديد من المبادرات المفيدة في إطارها، تهدف إلى المساعدة في تعزيز أجواء الصداقة والثقة والتفاهم المتبادل بين دولها وشعوبها، واليوم، يساهم الدعم الجماهيري الواسع، بما في ذلك من خلال الدوائر التجارية والجمعيات الدينية ومنظمات الشباب والعلماء والشخصيات الثقافية، في زيادة بناء التعاون، حيث تساهم المناطق الروسية مساهمة مهمة في الجهود المشتركة، و يعيش المسلمون تاريخيًا في وئام وسلام وانسجام مع ممثلي الديانات الأخرى.

وتقدر روسيا تقديراً عالياً الاتصالات المكثفة مع العالم الإسلامي، وهي منفتحة دائماً على التعاون في جميع المجالات، انطلاقا ن رغبتها في التقارب مع العالم الإسلامي على خلفية فرض الغرب لقيم غير مقبولة لروسيا تؤكد تقارب وجهات النظر التقليدية مع العالم الإسلامي، وتؤكد الاختلافات الجوهرية في وجهات النظر مع الغرب، لذلك فإن مجموعة الرؤية الاستراتيجية "روسيا - العالم الإسلامي" بالتعاون مع الجمعيات والمنظمات الإسلامية الوطنية، وهياكل الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي، والأمانة العامة لمنظمة التعاون الإسلامي، والممثل الدائم للاتحاد الروسي لدى منظمة التعاون الإسلامي، والمنظمات الدولية، قد حققت نتائج جيدة في زيادة تعزيز الشراكات وتعميق العلاقات الاقتصادية والإنسانية.

وفي أنشطة المجموعة، تعتبر موضوعات التفاعل بين الإسلام والأرثوذكسية، والقيم التقليدية المشتركة للطائفتين، ومكافحة تدمير المبادئ الأخلاقية، والتجربة الروسية والدولية في هذا المجال، من الأولويات التقليدية، وأصبحت هذه القضايا وغيرها موضوع النقاش في المؤتمر الدولي "الأرثوذكسية والإسلام: الحوار بين الأديان في تحقيق السلام العالمي"، الذي عقد في 15 نوفمبر 2022 في مركز الجمعية الأرثوذكسية الفلسطينية الإمبراطورية في موسكو، وكان الحدث أحد الأحداث الرئيسية في عمل مجموعة الرؤية الاستراتيجية لدعم التفاعل الوثيق بين الإسلام والأرثوذكسية، والحفاظ على القيم التقليدية المشتركة، ومكافحة تدمير المبادئ الأخلاقية، ودراسة التجربة الروسية والدولية في هذا المجال.

وفي أنشطة المجموعة، كما يراها رئيس جمهورية تتارستان، توحد الجميع الرغبة المشتركة في تعزيز التقارب الواسع بين روسيا ودول العالم الإسلامي على أساس الحوار والشراكة المتكافئين التي تركز على توسيع التعاون في مختلف المجالات، بما في ذلك تعزيز التقاليد التقليدية، القيم الروحية والأخلاقية في عملية حماية التنوع الثقافي وشراكة الحضارات. في هذا السياق، تصبح المجموعة منصة عامة موحدة، وفي هذا الصدد، من المقرر عقد اجتماع خاص للمجموعة في قازان في 19 مايو 2023 بأجندة "روسيا - العالم الإسلامي، " القيم الروحية والأخلاقية التقليدية كأساس للتعاون بين الأديان"، ويهدف هذا الاجتماع إلى أن يكون عرضًا لتعزيز تجربة الحوار بين المنظمات الدينية في روسيا ودول العالم الإسلامي، وقادتها الدينيين من أجل زيادة تعزيز التعاون بين القيم الروحية والأخلاقية التقليدية المشتركة، ومبادئ الإنسانية والأخوة بين الأديان والثقافات والصداقة بين الشعوب، حيث تتوسع أنشطة المجموعة وتكوينها باستمرار، وتحت رعايتها، تقام أحداث ذات طبيعة اقتصادية وعلمية وعملية ودينية وثقافية.

ويعرب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن تقديره الكبير لمستوى تعاون مجموعة الرؤية الاستراتيجية بين روسيا والعالم الإسلامي مع دول العالم الإسلامي، ودعم مبادرة منح قمة قازان الاقتصادية الدولية مكانة اتحادية، إلى جانب منتدى سانت بطرسبرغ والمنتدى الاقتصادي الشرقي، و أصبح منتدى KazanForum ثالث منصة فدرالية رئيسية لضمان المصالح الاقتصادية لروسيا في إطار التعاون المتكافئ والمتبادل المنفعة مع الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي، و KazanForum هي المنصة الاقتصادية لأنشطة المجموعة، وبهذا المعنى فهي فريدة من نوعها - لا توجد مثل هذه المنصة في روسيا في الوقت الحالي، ومن أجل عقد المنتدى الاقتصادي الدولي "روسيا - العالم الإسلامي KazanForum 2023"، بنجاح في جمهورية تتارستان في 18-20 مايو 2023، فقد تم تشكيل برنامج أعمال ثري وتم التخطيط لعدد من الأحداث، بما في ذلك دورة حول التمويل الإسلامي من قبل سبيربنك مع AAOIFI (هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية) .

أن تطوير شراكة روسيا مع دول العالم الإسلامي على طريق تعزيز التعاون في الجوانب الاقتصادية والإنسانية سيتيح الوصول إلى المشاريع الدولية الواعدة مع المنظمات الإسلامية البارزة، و أعرب نائب رئيس وزراء روسيا الاتحادية مارات خوسنولين عن امتنانه للدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي على نهجها المنفتح والمتعدد الاتجاهات والحوار الصادق والدعم في جميع مجالات التعاون مع روسيا، في حين شدد الرئيس التارستاني على ان " مجموعة الرؤية الاستراتيجية لروسيا - العالم الإسلامي " هي منبر للمشاورات على مستوى الشخصيات العامة والسياسية ودوائر الأعمال وممثلي المجتمع العلمي ورجال الدين الذين لديهم سلطة و النفوذ في الدول الإسلامية، وتقام تحت رعايتها الفعاليات الاقتصادية والعلمية والعملية والدينية والثقافية. نوع من التلخيص هي الاجتماعات العامة السنوية لأعضاء المجموعة

كما أولت المجموعة دائمًا اهتمامًا خاصًا بالناقل الشبابي في تطوير العلاقات الدولية، وهكذا، ستستضيف قازان في الربيع منتدى الدبلوماسيين الشباب للدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي ومنتدى رواد الأعمال الشباب للدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي، والمدرسة الصيفية الدولية "حوار الثقافات البلغاري"، مؤتمر الشباب العلمي لروسيا والدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي.

على مر السنين، أصبحت الاجتماعات في مواقع المجموعة، والمناقشة المفتوحة للقضايا الموضوعية لجدول الأعمال الثقافي والإنساني الحديث، وتبادل الخبرات وتحديد آفاق التعاون الأخرى، تقليدية، وإن زيادة تطوير أنشطة المجموعة سيصبح بلا شك خطوة مهمة نحو تعزيز التعاون في الجوانب الاقتصادية والإنسانية وسيوفر الوصول إلى المشاريع الدولية الواعدة للشراكة مع المنظمات الإسلامية الدولية، بما في ذلك تلك الموجهة للشباب.

***

الدكتور كريم المظفر - موسكو

ما بين تكتيك المعركة واستراتيجية الحرب

اثناء تقابل الجيوش في أي معركة كانت، فإن الدروس المستفادة من الأخطاء في الميدان قد تؤدي إلى تطوير تكتيكي وفق القرارات المدروسة أو الارتجالية، بناءً على معطيات ما يدور من مواجهات على نحو: حالة التقدم أو التقهقر وربما حجم الخسائر في المعدات والأرواح.

كل ذلك من شأنه أن يؤثر في مجريات المعركة، وبعدها ترسل التقارير إلى القيادة العامة في غرفة العمليات لتقييمها واتخاذ القرارات العسكرية بشأنها، حيث تدار الحرب في إطار التنسيق التقني الميداني بين كافة الأجهزة الأمنية واللوجستية والاستخباراتية. وبالتالي ربط النتائج المستجدة للحرب عموماً بالقرار السياسي لتقييم الموقف العام من قبل القيادة العليا السياسية والعسكرية، لاتخاذ القرار الاستراتيجي المناسب اعتماداً على مدى انسجام تلك النتائج مع الهدف الذي من أجله اشتعلت الحرب، وانعكاساتها الدولية، وتوافقها مع القانون الدولي، وتأثيرها محلياً من النواحي الاقتصادية والإعلامية وإسقاطات الحرب النفسية المتبادلة بين أطراف النزاع على المواطنين.

هذا مدخل لتفسير الحرب الأوكرانية فيما لو كانت محصورة بين الطرفين الروسي والأوكراني أو عالمية النطاق، يتواجه في أتونها الاتحاد الروسي والناتو وكل من يدور في فلكيهما من حلفاء أو متضامنين.

الحرب في الأصل تقوم على المواجهات العسكرية المباشرة بين طرفين، بحيث أن كل من يستغل هذه الحرب لمصالحه من خلال دعم طرف ضد الآخر يعد شريكاً فيها.. حيث يتجلى هذا الدعم من خلال تقديم الدعم العسكري والإعلامي والاستخباراتي والخبراء والجنود المرتزقة وفرض حصار اقتصادي وسياسي إلى جانب استهداف مصالح الخصم الخارجية والسعي لضربه أمنياً في العمق.

لا بل إن ما يجري في أوكرانيا إنما هي حرب عالمية تقليدية مدمرة يتجاوز تأثيرها الاقتصادي والأمني حدود أوروبا وأمريكا إلى القارات الست.

أيضاً لا يمكن قياس نتيجة الحرب النهائية على نتيجة كل معركة ميدانياً لأن التكتيك يستلزم المراوغة وفق المستجدات كما قلنا في المقدمة فيتقدم هنا وقد يتراجع هناك.. أما نتيجة الحرب فهي الحاسمة، إذْ تزود أصحاب القرار السياسي بالموقف العام للاسترشاد به في إصدار القرارات المفصلية سواء بإيقاف الحرب واللجوء إلى طاولة المفاوضات وتقديم تنازلات إن استرعت الظروف أو فرض الأمر الواقع من قبل الطرف الرابح، وإلا فالاستمرار في الحرب إلى أمد طويل؛ ولكن بتغيير الاستراتيجية شكلاً ومصمونا.. وهذا قد يغير الاستراتيجية من الخيار التقليدي إلى النووي التكتيكي كمرحلة ,أولى في علاقة عكسية ما بين الخسارة والتصعيد.

فمن الناحية التكتيكية وعلى صعيد المعارك الأخيرة بين الروس والأوكرانيين (بالوكالة عن الناتو) حاول الجيش الروسي السيطرة على القرى الصغيرة لأهميتها الاستراتيجية ميدانياً، كونها تربط بين المدن لقطع طريق الإمدادات اللوجستية عبر الطرق البرية وسكة الحديد على الجيش الأوكراني (الإنفصاليين والمرتزقة)، توطئة لاحتلال مدينة أوجليدار التي تعد قلعة أوكرانية استراتيجية، وتشكل خطراً على خطوط الإمداد الروسية.. وذلك تمهيداً للهجوم الكبير الموعود (السهم الكبير).

إلا أنه كان من الصعب على الجيش الروسي احتلال هذه المدينة الاستراتيجية كونها أرضاً منبسطة.

وإمعاناً في الضغط الأوكراني على الطرف الروسي بعد احتدام المعارك بينهما، تم سحب جزءٍ من القوات الأوكرانية الانفصالية من منطقة الغابات في مدينة كريمينا المجاورة؛ لتعزيز القوات الأوكرانية في "أوجليدار " فتراجع الروس تكتيكياً حتى نهر دنيفر شرقاً للالتفاف حول المنجم الذي يستحكم به الأوكرانيون، وجر الجيش الأوكراني إلى المناطق المكشوفة والاستعانة بمن تبقى منهم في الغاباتة، وكانت مصيدة محكمة ساعدت الروس على إحكام قبضتهم كالكماشة على أوجليدار فَدُمِّرَ خطُ دفاع الأوكرانيين الأول باستخدام أنظمة قاذفة اللهب الثقيلة “سولنستبوك”.

وكانت أكبر الخسائر التي لحقت بقوات نظام كييف حصلت في منطقة قرية بافلوفكا التي تجاور أوجلدار من الجنوب الغربي. حيث يوجد تقاطع طرق كبير ، بما في ذلك تقاطع آخر مع اتجاه نحو فريموفكا وغربًا إلى جوليبول.

والخطوة التكتيكية الروسية هذه قطعت طريق الإمدادات عن الجيش الأوكراني الذي اندحر جهة الغرب.

يتزامن ذلك مع انتهاء أشد المعارك ضراوة بسقوط مدينة باخموت في يد الروس وفق إعلان قائد مجموعة فاغنر شبه العسكرية الروسية التي خاضت غمار المعركة باقتدار شديد.

الأمر الذي من شأنه أن يقرب ساعة الصفر للهجوم الروسي الكبير (المعركة الكبرى) حيث سيواجه الروس في المحصلة جيشاً واهناً مفككاً، إلى جانب مستودعات أسلحة وذخائر غربية باتت شبه خاوية مثلما هو حالها في المانيا، حيث استهلكت تلك الذخائر في الحرب الروسية الأوكرانية دون تعويض خلافاً لقدرات الطرف الروسي التصنيعية.. فأوكرانيا تستهلك ما يزيد عن 40 ألف قذيفة يومياً دون أن يؤثر استخدامها في تقدم الجيش الروسي على طول خط المواجهة أو استنزافه.

لذلك يحاول الأوكرانيون الحصول على ضوء أخضر من ملدوفا لاقتحام إقليم ترانسنيستريا والسيطرة على مستودعات كوباسنا الروسية التي تحتوي على ذخيرة بكمية 20 الف طن خزنت منذ عهد الاتحاد السوفيتي، وتبعد هذه المستودعات عن الحدود الأوكرانيا 5 كم، مع أنها قد تكون ملغمة حتى لا يتمكن الاوكرانيون من سلبها.

هذه التكتيكات في المعارك اعلاه هي جزء من استراتيجية الحرب التي يصعب تغييرها إلا في حالة الهزيمة فيها؛ ما يسترعي الانتقال إلى استراتيجية جديدة لحسم الحرب لصالح روسيا والشواهد تؤكد على ذلك.

فبعد انسحاب روسيا التكتيكي من كييف في أبريل 2022 الذي اعقبه سلسلة انسحابات تكتيكية ميدانية روسية من مساحات واسعة باتجاه الشرق، وصفت حينذاك بأنها هزيمة واندحار، تم تغيير استراتيجية الحرب من قبل بوتين بإعلان التعبئة العامة وتغيير أهم القادة العسكريين الميدانيين وتحصين المواقع التي يحتلها الروس والقيام بهجوم شامل ما زال يحقق الانتصار تلو الآخر في المعارك الجارية كان آخرها سقوط باخموت.

والسؤال الذي يطرح نفسه ماذا لو تدخل الناتو مباشرة ودون محاذير مستهدفاً العمق الروسي بالصواريخ البالستية؟

فالمراقبون يؤكدون بأن الاستراتيجية الجديدة وفق العقيدة الروسية النووية ستدخل السلاح النووي التكتيكي في الحرب لحسم المعركة.. وستكون الترسانة النووية على أهبة الاستعداد.

لذلك فالمناورات الروسية الاستراتيجية توالت منذ اشتعال الحرب الأوكرانية مطلع العام 2022 في بحر البلطيق، في ظلّ ازدياد التوتر حول هذه المساحة الاستراتيجية تزامناً مع مناورات حلف شمال الأطلسي التي جرت قريباً من ذات المكان، ناهيك عن المناورات الروسية الاستراتيجية المشتركة في العام 2022 شرقي روسيا، وفي مياه بحري اليابان وأوخوتسك، بمشاركة 50 ألف عسكري من 14 دولة، بينها الصين والهند. ومناورات ديربان بين روسيا والصين وجنوب افريقيا في 27 فبراير2023 قبالة سواحل ديربان وريتشاردز باي الجنوب افريقية على المحيط الهندي.

في مجملها فإن المناورات الروسية المحلية والإقليمية تُعِدُّ المنطقة لكل الخيارات العسكرية المتاحة، سواءً كانت في سياق حرب تقليدية ما لبثت جارية، أو التحول الاستراتيجي باتجاه حرب نووية محتملة من خلال إعادة نشر الرؤوس النووية وتحريك الغواصات العملاقة الحاملة للرؤوس النووية التي لم يصنعها الروس للاستعراض.

وهذا يفسر سياسة الروس في تصنيع صاروخ آر اس-28 سمارت الاستثنائي وإعادة نشره.

وهو صاروخ روسي ذو وقود سائل عابر للقارات. يهدف ليحل محل صاروخ آر-36.

وفقاً لنائب وزير الدفاع الروسي يوري بوريسوف، سيكون الصاروخ قادراً على الطيران عبر القطبين الشمالي والجنوبي.

وصُمم هذا الصاروخ للإفلات من أنظمة الدفاع المضادة للصواريخ عبر تقنيات لا تمنح هذه الأنظمة إلا وقتاً قصيراً لبدء التتبع فهو كالشيطان لا يخضع لقوانين الرصد والمراقبة فسرعته أكثر من 20 ماخ أي تفوق سرعة الصوت بكثير ويمسح دول باكملها عن وجه الأرض وفق ما قاله مراقبون غربيون.

فهل يرضخ الغرب لسطوة هذا الصاروخ المدمر الذي لا رادع له كفاتحة لنشوب حرب نووية لا تبقي ولا تذر! وإلا فلماذا سميت لدي الطرفين باسلحة الردع إذا لم توظف فعلياً في هذا الاتجاه؟ وخاصة أن تفكيك روسيا وحشرها في الزاوية بات الهدف الغربي الأبرز في الحرب الأوكرانية المجنونة.

وهذا يفسر سبب تجميد روسيا لمعاهدة ستارت 3 للحد من الأسلحة النووية الاستراتيجية في 21 فبراير 2023 والمبرمة بتاريخ 8 أبريل عام 2010.والتحرر من قيودها.

لقد وُضِعَ هذا السؤال على محك الأزمة الأوكرانية التي تواجه فيها روسيا الناتو ومن ينضوي تحت مظلته.

***

بقلم بكر السباتين

6 مارس 2023

 

وكيف حوٌلها إلى بلد المخدرات والمافيات الأول:

إن السياسي الذي لا يأخذ العبرة من تجارب الشعوب الأخرى ليس رجل دولة بل مستبد صغير وأعمى بصيرة يريد فرض دولته الخاصة فينتهي بتدمير المجتمع والدولة معا: قانون فولستيد، نسبة الى أندرو فولستيد رئيس لجنة القضاء في البرلمان الاميركي، منع بيع، تصنيع ونقل المشروبات الكحولية في الولايات المتحدة في الفترة ما بين 1920 - 1933. وقد أُلغي القانون في 5 ديسمبر 1933.

أثار القانون جدلاً واسعاً في الولايات المتحدة، فالمؤيدون وصفوا الحظر بالتجربة النبيلة وقدموه كانتصار للأخلاق الحميدة وصحة العامة. فيما اتهم المعارضون مؤيدي الحظر بفرض توجهات دينية بروتستانتية ريفية على أبناء المدن.

 كان فرض الحظر صعباً على السلطات التنفيذية لغياب تأييد شعبي، بالإضافة إلى أنه كان سبباً رئيسيا في نمو العديد من المنظمات الإجرامية ونشوء السوق السوداء. ظهر في فترة الحظر أحد أشهر رجال العصابات الأمريكيين المدعو آل كابوني وارتفعت نسب الفساد بين السياسيين ومنسوبي أجهزة الأمن.

في 22 مارس 1933، وافق الرئيس روزفلت على قانون يسمح بصناعة وبيع النبيذ والبيرة منخفضة الكحول وعرف القانون باسم «هاريسون» تيمنا بمتبنيه السيناتور بات هاريسون.

وقد رفضت بعض الولايات مثل ماريلاند ونيويورك الحظر. افتقر إنفاذ القانون بموجب التعديل الثامن عشر إلى سلطة مركزية. واستُدعي رجال الدين لتشكيل مجموعات أهلية للمساعدة في تنفيذ الحظر. علاوة على ذلك، ساهمت الجغرافيا الأمريكية في صعوبة تطبيق الحظر. وفي نهاية المطاف، اعتُرف عند إلغائه بأن الوسائل التي يُنفذ من خلالها القانون لم تكن عملية.

ففي شيشرون، إلينوي، (إحدى ضواحي شيكاغو) سمح انتشار المجتمعات العرقية التي لديها تعاطف مع زعيم المافيا البارز آل كابوني بالعمل على الرغم من وجود الشرطة.

وتحدثت جماعة كو كلوكس كلان (العنصرية الدينية المتطرفة) كثيرا عن إدانة المهربين وهددت باتخاذ إجراءات خاصة ضد المجرمين المعروفين.

خلق الحظر سوقا سوداء لبيع الكحوليات وانتشرت تجارة المخدرات وأصبحت تنافس الاقتصاد الرسمي، والذي تعرض للضغط عندما حدث الكساد الكبير في عام 1929. كانت حكومات الولايات بحاجة ماسة إلى الإيرادات الضريبية التي حققتها مبيعات الكحول. انتُخب فرانكلين روزفلت في عام 1932 بناءً على وعده بإنهاء الحظر، مما أثر في دعمه للتصديق على التعديل الحادي والعشرين لإلغاء الحظر وألغي التعديل الثامن عشر في 5 ديسمبر 1933، مع التصديق على التعديل الحادي والعشرين لدستور الولايات المتحدة. على الرغم من جهود هيبر ج.غرانت، رئيس كنيسة يسوع المسيح، صوت أعضاء يوتا البالغ عددهم 21 عضوا في المؤتمر الدستوري بالإجماع في ذلك اليوم للتصديق على التعديل الحادي والعشرين، مما يجعل يوتا الولاية السادسة والثلاثين التي يتعين عليها القيام بذلك.

بعد إلغاء قانون الحظر، اعترف بعض المؤيدين السابقين له علانية بالفشل. فمثلًا، أوضح الملياردير جون دي روكفلر وجهة نظره في خطاب عام 1932. وقال:

عندما حدث الحظر، كنت آمل أنه سيُدعَم على نطاق واسع من قبل الرأي العام وسيأتي قريبا اليوم الذي سيعترف به العالم بالآثار الشريرة للكحول. لقد توصلت ببطء وعلى مضض إلى الاعتقاد بأن هذه لم تكن النتيجة. بدلا من ذلك، ازداد الشرب بشكل عام. ظهرت مجموعة كبيرة من الخارجين على القانون، لقد تجاهل العديد من أفضل مواطنينا الحظر علانية، وتراجع احترام القانون بشكل كبير، وارتفعت الجريمة إلى مستوى لم يسبق له مثيل من قبل." وأخيرا فقد أطلق على هذا القانون اسم "أغبى قانون في التاريخ" بعد قانون تكساس الذي يمنع استعمال الأيدي في المزاح!

منقول باختصار عن التعريف بقانون فولستيد في الموسوعات الحرة، ومقالة مترجمة في الذكرى المئوية لصدوره.

***

علاء اللامي

 

باختصار شديد القضاء على المقاومة في عموم فلسطين المحتلة بات يشكل هدفاً استراتيجياً ومن الأولويات الإسرائيلية في السياسة الداخلية والخارجية، دون الاكتفاء بالمداهمات الأمنية التي باتت عاجزة عن اجتثاث المقاومة وسد المنافذ على خلاياها الفاعلة مثل عرين الأسود المستقلة عن الفصائل.

ودعماً لهذا التوجه الإسرائيلي المراوغ، فقد بادرت أمريكا إلى وضع كل ثقلها السياسي والعسكري والضغط على حلفائها الإقليميين وعلى رأسهم سلطة اوسلو؛ لإنجاح مساعيها في "القضاء" على المقاومة شمال الضفة الغربية المحتلة التي باتت تقض مضجع الإسرائيليين وتُعَثّرْ أهدافَ اليمين الإسرائيلي الساعية لبسط السيطرة على ما تبقى من اراضي الفلسطينيين المنتهكة.

ويتفق المراقبون عبر المنابر الإعلامية في أن هذه الجهود الأمريكية تتوجت بمخرجات مؤتمر العقبة الأخير الذي فُرِضَتْ عليه الإجندة الأمريكية الداعمة جوهرياً للاحتلال الإسرائيلي، ولو بدا شكلياً وكأنه يراعي حقوق الشعب الفلسطيني من خلال إنعاش حياته اقتصادياً في المناطق المحتلة.

ووفق مراقبين فإن هذه الأجندة الأمريكية من شأنها إشعال حرب أهلية طاحنة بين الفلسطينيين تحت شعار "كبّرها حتى تصغر" وهي فكرة ميكافللية تقوم على مبدأ :فرق تسد" الأمر الذي سيؤدي إلى تدخل السلطة لفضها بالقوة، وحتى تتمكن من ذلك مستقبلاً فقد وضع الأمريكيون ضمن أجندتهم خطة تعزيز قوات أمن السلطة بالعناصر الجديدة ودعمها بالسلاح المناسب، ومن ثم الإجهاز على ما يرون بأنه آفة اسمها المقاومة، ما سيؤدي إلى القطيعة بين الشعب الفلسطيني الذي يحتضن المقاومة، وعرين الأسود إذا ما تم استفزازها وجرها إلى الفخ المنصوب لها، حيث انها رغم استقلالها إلا انها تعتبر جزءاً من المقاومة الفلسطينية الموحدة ميدانياً، والتي تتبنى الكفاح المسلح كخيار استراتيجي بعد فشل اتفاقية أوسلو الذريع التي وضعت الفلسطينيين في مأزق وجودي.

وعلى المقاومة التعلم من تجربة الاقتتال الفلسطيني الداخلي في إطار التجاذبات الإقليمية ببيروت في سبعينيات القرن الماضي!

الشرارة جاهزة وتتمثل بتصريحات محافظ نابلس الفتحاوي إبراهيم رمضان بسبب ما ادلاه من تصريحات مستفزة وغير مسؤولة لصحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية، معبراً عن انزعاجه من مواصلة مجموعات “عرين الأسود” مقاومتها للمحتل، ودفاعها عن الضفة الغربية المحتلة ومخيماتها المنتهكة من آلة البطش الإسرائيلية، وكأنه يتحدث بلسان حال اليمين الإسرائيلي، الأمر الذي أشعل معه حالة من الغضب والسخط داخل الأوساط الفلسطينية وعبر الفضاء الرقمي، فيما كشف فعليًا عن دور السلطة الفلسطينية المكشوف في ملاحقة المقاومة وانزعاجها من كل من يقاوم هذا المحتل الغاصب الذي يمارس سياسة التطهير العرقي بحق الفلسطينيين.

وهذا تصريح مستفز لمشاعر الفلسطينيين حيث جاء تكراراً لما قاله في أكتوبر 2022، مسيئاً لأمهات الشهداء ونال فيها حينئذْ من المقاومين وبخس من المقاومة المسلحة وجدواها؛ لزرع مشاعر اليأس في قلوب شباب المقاومة، مؤكداً على مواقف السلطة التي ينتمي إليها حيث توصف شعبيًا بأنها “انهزامية” بينما يعتبرها المطبعون واقعية.

هذه الشرارة تبدأ من البيان الصادر عن حركة “فتح” في بيت لحم إذْ حذرت فيه من المساس بالمحافظ، مؤكدة وقوفها أمام “حملة التهديد والتخوين” التي يتعرض لها رمضان.

ويتساءل كثيرون عبر الفضاء الرقمي:

أين كان هذا الموقف الفتحاوي -الذي لا يمثل إلا أتباع السلطة- وجيش الاحتلال يقتحم مخيمات نابلس وجنين وينكل بالفلسطينيين جهاراً نهارا! بينما يحظى َمْن يحضُّ على إيقاف المقاومة بهذه الحماية المثيرة للأسئلة.. وكأن فتح تخلع عن نفسها ثوب المقاومة! فتنصاع راضخة للأجندة الصهيوامريكية إلا من رحم ربي من الشرفاء الذين ينعشون روح المقاومة غير آبهين بمواقف قادة أوسلو المرفوضة جماهيرياً.

إن تصريحات محافظ نابلس المثيرة لفزعات الانتقام المتبادلة تندرج ضمن فخ الحرب الأهلية وتلتقي مع المقترح الأمريكي في مؤتمر العقبة الذي تضمنه البيان الختامي حيث أكد على ضرورة خفض التصعيد في الأراضي الفلسطينية، و”منع المزيد من العنف”، ووقف الاستيطان والبؤر الاستيطانية لستة أشهر.. وكأنها استراحة محارب للإسرائيليين كي يلتقطوا أنفاسهم ومن ثم يستأنفون مسيرتهم الاستيطانية واحتلال الأراضي دون رادع.. هذه فنتازيا سياسية تخالف المنطق ولا يقتنع بها حتى الطفل في القماط.

حيث وضع الجنرال الأمريكي “مايك فنزل” خطة لتدريب 12 ألف عنصر أمني فلسطيني لمحاربة المقاومة في شمال الضفة الغربية وتحديداً في نابلس وجنين حيث معاقل عرين الأسود.

هذا يعني بأن عدم تسييس عرين الأسود أو انتمائها للفصائل الفلسطينية قد شكل خطراً امنياً لسلطات الاحتلال وجعل الفلسطينيين يلتفون من حولها ترسيخاً لخيار المقاومة كبديل لسلطة اوسلو المنهارة -كما سنرى- ما استرعى طرح موضوعها على أجندة المؤتمر، حيث جاء في تقريرٍ مطوّل لصحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية، أن ظهور مجموعة عرين الأسود في الضفة نابعٌ من التأييد المتزايد من الفلسطينيين للمقاومة المسلحة للاحتلال الإسرائيلي، فيما يتسع نطاق المستوطنات على حساب الأرض الفلسطينية، عدا عن الهجمات التي يشنها المستوطنون ضد أهالي الضفة، وليس انتهاءً بـ”سلطة فلسطينية فاسدة وغير فعّالة.. وأن هذه المجموعات المسلحة -عرين الأسود- أمست محطّ إعجاب من أهالي مدينة نابلس؛ فها هي صور أعضاء المجموعة تعلق في كل مكان، حتى على خلفيات شاشات الهواتف النقالة فيما تصدح أناشيد العرين في المقاهي هناك.

إنها حالة جماهيرية متصاعدة، فتنعش في القلوب طاقة المقاومة التي استوجب من الصهاينة وأدها قبل استفاحلها فيصعب مشاغلتها.

وهذا يعكس -وفق الصحيفة- الدعم الاجتماعي لعرين الأسود كون افرادها يفعلون ما لا تفعله السلطة الفلسطينية، وهو محاربة "إسرائيل”.

من جهته، المسؤول المجتمعي في حركة فتح عميد المصري يتهم عرين الأسود بأنها تفتقر للأفق السياسي.. مُعْزِيًاً أسباب ظهورها جماهيرياً إلى ظروف البطالة السائدة بين الشباب، واضطهاد الاحتلال للفلسطينيين؛ لكنه أخذ يربط الانتفاضة الثالثة التي يدعو إليها الفلسطينيون، بقرار سياسي تتبناه اللجنة المركزية لحركة فتح في الوقت الذي ترتمي فيه سلطة أوسلو بمكونها الفتحاوي في أحضان الأجندة الصهيوامريكية التي تستهدفُ عرينَ الأسود؛ كمقاومة فردية.

من هنا تتوالي الأسئلة المبهمة حول جدوى سلطة أوسلو، مقابل التنبيه إلى الخطر الداهم على المقاومة كيلا تقع في فخ الحرب الأهلية التي لو حدثت فقل على قضية فلسطين السلام "الله يستر"

***

بقلم بكر السباتين

5 مارس 2023

 

يشهد العالم منذ فترة حدثين مهمين، ولا ابالغ اذا قلت انهما الابرز على المستوى العالمي منذ سقوط جدار برلين وانهيار الاتحاد السوفياتي السابق، ولعل تأثيرهما هو الابرز على الصعيد الاقتصادي والسياسي، وهما التغول الاقتصادي للصين ومحاولة تصدرها الساحة الاقتصادية العالمية، وصعودها السريع كمنافس حقيقي للاقتصاد الامريكي، الذي يعد الاول على مستوى تقدم الاقتصاديات العالمية، وانفتاح الصين باتجاه تأسيس لوبي اقتصادي موازي، يسعى لمواجهة اللوبي الغربي يسعى لمجموعة اهداف منها زحزحة مكانة الدولار الامريكي وكسر مقبوليته العالمية في التداولات الدولية، ويهدف لإعادة ترتيب السوق العالمي وفق الشروط الصينية، وبشكل مفاجئ وسريع كاد ان يدفع لحرب اقتصادية معلنة بين الصين والولايات المتحدة الامريكية لولا الخروج المبكر للرئيس الامريكي السابق دونالد ترامب من اروقة البيت الابيض لحساب مرشح الحزب الديموقراطي جو بايدن.

والحدث الثاني هو الحرب المشتعلة بين روسيا واوكرانيا، والتي تكاد نيرانها تدفع العالم باسره نحو حرب عالمية ثالثة، في حال ان خرجت الامور عن السيطرة، وهو احتمال يبقى قائماً اذا ما اخذنا بالاعتبار تورط العديد من الدول الكبر  بشكل او باخر في هذه الحرب من خلال الدعم العسكري او الاقتصادي او المواقف السياسية الداعمة لهذا الطرف او ذاك، وبشكل بدء يعيد لاذهان العالم شكل التحالف الشرقي والتحالف الغربي الذي شطر العالم الى معسكرين متقاطعين في القرن الماضي، ومن جهة اخرى فان تداعياتها تطال معظم دول العالم من خلال عوامل عديدة منها ان 40% من واردات العالم من الحديد القمح والزيت والمواد الغذائية الأخرى هي كلها من روسيا وأوكرانيا، بالاضافة الى ارتفاع سعر الغاز والبترول في العالم كله والذي اثر بشكل او باخر فيكل الدول بدون استثناء.

ولعل ما يهمنا في هذين الحدثين ويثير الاهتمام،  ليس نتيجة الحرب الاقتصادية بين الصين والولايات المتحدة، ولا نتيجة الحرب العسكرية بين روسيا واوكرانيا، بقدر ما يهمنا التكتلات الدولية والاصطفاف في محور شرقي بقيادة روسيا والصين واخر غربي بقيادة امريكا والغرب من ورائها، والذي يكاد يعيد رسم الخارطة الجيوسياسية العالمية ويعيد تمركز القوى بين الدول اعتمادا ًعلى مواقفها الاقتصادية والعسكرية من جهة ومدى نفوذها وتأثيرها في محيطها الاقليمي من جهة اخرى، ولا شك ان هناك دولاً صاعدة وغيرها هابطة واخرى تستمر في هبوطها وافول نجمها ، وبرغم  المحاولات (الخجولة) للحكومات المتعاقبة للنهوض بالبلاد ودفعها باتجاه مكانتها الدولية والاقليمية فان دور العراق لايزال اقل من ثانوي في المعادلات الناشئة، بل لعلي لا اجانب الصواب اذا خشيت ان يتحول بشكله الحالي الى مجرد ورقة من اوراق الضغط بيد القوى العالمية والاقليمية تدفع بها للضغط او المساومة فيما بينها، ولعل ما يؤلم ان ارض السواد لم يعد لها من التأثير ما لبعض الدويلات في المنطقة  والتي لم يمكن لها في احسن الاحوال سوى ان تكون سوى صفحة في تاريخ العراق، ولكنها في نفس الوقت ادركت نقاط قوتها وحاجة الاخرين لما يملكونه، فاحسنوا المناورة في الوقت الذي شغلتنا حروبنا في الداخل او الخارج . لا اريد في هذه السطور الخوض في تاريخنا وتاريخ غيرنا بقدر ما اريد التنبيه  الى حجم الفرص المهدرة في الوقت الذي يعاد فيه رسم خارطة القوة والنفوذ في العالم، وتقرر فيه مصائر الشعوب، وكما قيل قديماً فالحقوق تؤخذ ولا تعطى، ولن اطيل على القارئ وسأكتفي بالإشارة الى عاملين يجب على الحكومة التركيز والاتكاء عليها كمفتاح يرغم الاخرين على الاستماع لصوتنا، واعادة  الاعتبار لما يمكن ان  نمثله من ثقل اقليمي ودولي .

ان العراق يملك رابع أكبر احتياطي مؤكد من النفط الخام في العالم بواقع 145.019 مليار برميل ويأتي بعد كل من فنزويلا التي جاءت أولا والسعودية ثانيا وإيران ثالثا، وفقا للتقرير السنوي لمنظمة الدول المصدر للنفط (أوبك) مع العلم ان من الممكن زيادة احتياطيه النفطي إلى 270 مليار برميل ليحتل المركز الأول في العالم من خلال تحويله من احتياطي محتمل إلى احتياطي مؤكد بشرط زيادة الجهد الاستكشافي للقطاع النفطي في العراق، كما تجدر الاشارة الى ان العراق ينتج قرابة ٤مليون برميل نفط في اليوم بنسبة تصل  11% من انتاج اوبك بلس، وهو بذلك ثاني أكبر منتج في أوبك، فيما يعتزم البدء في زيادة طاقة تصدير النفط لإضافة ما مجموعه مليون إلى 1.5 مليون برميل يومياً بحلول عام 2025، فيمكن للقائ ان يتصور حجم التأثير الذي يمكن ان يلعبه العراق في المعادلة الدولية اذا اخذنا بالاعتبار ان العراق يأتي كثالث اكبر مصدر للنفط الى المصافي الصينية الحكومية بعد السعودية وروسيا .

الوضع الدولي المرتبك والحاجة الملحة الى الطاقة في ظل الظرف الذي فرضته الحرب الروسية الاوكرانية وحاجة اوربا المتزايدة للطاقة وتفاقم أزمة الطاقة في أوروبا على اثر الحصار الذي المفروض على روسيا والذي اتخذته اوربا كورقة ضغط دولية لوقف القتال، ادى في النهاية الى ارتفاع أسعار الطاقة لإضعاف عديدة، مع ملاحظة الحصار القديم على صادرات النفط والغاز الايراني والذي فرضته امريكا والزمت به معظم دول العالم، وما شكله ذلك من احراج للحكومات الاوربية والغربية، وخاصة الولايات المتحدة الامريكية اتجاه حلفائها، مع بقاء احتمال ان تتفاقم هذه الأزمة إلى درجة قد تودي الى عدم القدرة على توفير احتياجات المواطنين الاوربيين، الامر الذي دفع الدول الأوروبية  إلى الدعوة لزيادة إنتاج النفط، والبحث عن تلبية احتياجاتها من بلدان أخرى، منها العراق.

في الختام للقارئ  ان يتصور الفرصة المتاحة امام العراق لاستغلال رصيده الضخم من ، والحاجة الدولية لها في  فرض مواقف اقتصادية وسياسية تصب في  صالحنا وتساعد البلاد في الخروج من النفق الذي تاهت في ظلماته البلاد منذ اكثر من اربعة عقود ولغاية الان.

***

فراس زوين

كان من المفترض، أن أكتُب، ورئيس المركز الدولي للتحليل والتنبؤ السياسي (روسيا)، مقالاً مشتركاً عن أوكرانيا. السيد دينيس كوركودينوف، كان مهتماً أكثر، بنشرِ تغطيةٍ صحافية لـ "ويبنر"، مع مسؤولين وأكاديميين، من بعض الدول العربية، لتحليل نتائج التصويت الأخير (عربياً)، في الجمعية العمومية للأمم المتحدة، ضد الغزو الروسي لأوكرانيا، وإدانته من معظم الدول الوازِنة، في المنطقة، رغم إنّهُ ليس قراراً مُلزِماً، لكنه انتِصارٌ معنوي للغرب ضد موسكو.

هذهِ الندوة الإلكترونية، والتي حضرتُها مُشاهِداً صامتاً لبعض الوقت - انسحبتُ بعدها - بسبب أخطاء "تقنيَّة"!

غامر كوركودينوف - المُستند لرصيدٍ متواضع من الحصافة والأدب المهني - عندما نقل تفاصيل هذا الـ "ويبنر"، من الشِفاه الناطِقة، إلى نصٍّ مُدوَّن، بالذهاب، إلى إنَّ الدول العربية، تقِفُ بالضِّد من "موقف الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين"، وأنها باتت أكثر "تَفَهُماً للعملية الروسية الخاصة في أوكرانيا، والتي اصبحت بتعبير دبلوماسي عربي سابق، عملية خاصَّة ضد الناتو". المُفارقة إنَّ التقرير نُشِر في وكالةٍ إخباريَّة عربية، باللغة الإنكليزية فقط.

كُرة ثلج دعائية

كانت هذهِ الآراء وغيرها، كُرة ثلج صغيرة، ينتظرُ الزميل دينيس منها، أن يكبُر حجمُها، حالما تبدأ بالتدحرُج في وسائل الإعلام "البديل" – منصات الإعلام الإلكتروني عموماً – لتصِل حتّى ولو بحجمٍ صغير جدّاً، إلى الإعلام السائد في المنطقة، خاصَّةً القنوات العربيَّة المؤثِّرة.

الهدفُ المفترض هو: "تصفير قيمة التصويت، في الجمعية العمومية، من قبل وعي الإنسان العربي". كان الأجدر به، البناء على عدم صدور بيان مشترك، لقمة الدول العشرين الأخيرة في الهند، والأداء الرائع للوزير لافروف؛ الذي ذكَّر بمسألتين غاية في الأهميَّة. الأولى؛ إنَّ موسكو لا تُريد سوى تأمين دونيتسك ولوغانسك، والثانيَّة إنَّ بلاده تُريد التفاوض، ولكن الغرب دفع الرئيس زيلينسكي، إلى إصدارِ قرارٍ، يُحرِّمُ التفاوض مع موسكو، ما دام الرئيس بوتين في الكرملين!

الوزير لافروف لم يدخر وسعاً أيضاً، في تذكير الجميع؛ الذين حضروا جلسته النقاشية، على هامش أعمال القمة الهندية لدول العشرين، بما كتبه سيمور هيرش، عن قيام واشنطن وبمعية بعض الدول الأوروبية، بتفجير خط أنابيب "نورد ستريم".

بغداد، كوسوفو، صربيا وغيرها، حضرت أيضاً في حديثه. كانت رشيقةً على لِسان الوزير لافروف، كأنهُ كان يستعين بألمعيَّة الراقص الإيقاعي الشهير، فاسلاف نجنسكي.

إنَّ الذي فعله الزميل كوركودينوف، كان تعبيراً روسيّاً، عن اضطراب بلاده، نتيجة العداء الأوروبي؛ الذي خرجت آثارُه المزمِنة، من قاع الحدث الأوكراني. اثبت هذا الحدث وكما رأى الفرنسي، تييري مونبريال، بأنَّ: "العداء لروسيا يُساهم في وحدة أوروبا"، وإنَّ: " روسيا جزءٌ من جغرافيَّةِ أوروبا لكنها لا يمكن أن تكون أوروبية".

ألكسندر دوغين، صاحبُ النظرية الرابعة، وعقلُ بوتين كما يوصف، قال ذلك مِراراً وتكراراً. الأهم إنَّهُ بيَّن – الأسبقية لـ مونبريال على حدِّ علمي – إنَّ روسيا تُعاني من "فُقدان هويةٍ، وإيديولوجية متماسِكة، يجبُ أن تمتلكها للحِفاظ على زخمها في القرن الحادي والعشرين".

المُفارقة التي ذكرها دوغين أيضاً، في لقائه الأخير، مع إحدى القنوات العربية – قبل أيّام قليلة - بأنَّ التأكيد على "أهمية الهوية الوطنيَّة الروسية، سيكون موجوداً بين خُلفاء بوتين في الكرملين، وأنهُ لا داعي لانتظار خروج بوتين من الكرملين، أو إلى العالم الآخر، كي يتأكدوا من ذلك". بالنسبة لي، اعتقد إنّهُ بات على الغرب، أن يكُفَّ عن انتظار بوريس يلتسين جديد، أو غورباتشوف آخر!

مصير أوكرانيا في 2023

 كُل ما تقدَّم يأخذُنا بالتأكيد، إلى محاولة رصف خطِّ سيرٍ، لمصير أوكرانيا في 2023. الأمريكي، سكوت ريتر الأبن، وهو أحد المفتشين السابقين عن أسلحة الدمار الشامل، في العراق. عَمِلَ في الأمم المتحدة 1991-1998م، ليبرِز بعدها كأحدِ أنشط النُقَّاد، للسياسات الخارجيَّة لبلاده، ذهب إلى إنَّ "العملية الروسية المفترض أن تنطلق في الربيع، سوف تشهدُ انتصار روسيا، وإنَّ الأمل بصمود كييف، يشبهُ نجاة كرات ثلج موضوعة في الجحيم".

الكولونيل الأمريكي دوغلاس ماكريجور، والذي اجرى النيابي البريطاني الأسبق، جورج غالاوي، حِواراً معه، وَجَد أيضاً إنَّ "أوكرانيا حُشرت بين الغرب وموسكو وستدفع الثمن".

المُتابع للشأن الأوكراني، خاصَّةً في المنطقة العربية، يجب عليه أن يفهم بأنَّ ما يحصل في أوكرانيا، هو محاولة حقيقية لحذف روسيا، من قائمة الدول العُظمى، في القرن الحادي والعشرين.

هذا الحذف، ليس مشروعاً مُراهِقاً من الناتو. باراج خانا، عالم السياسة الأمريكي، من أصلٍ هندي، كتب عن ذلك في (العالم الثاني). مفادُ ما ذهب إليه خانا: "القرن الحادي والعشرين؛ سيكون أمريكياً، صينياً، أوروبيا، وإنَّ روسيا لا تعدو كونها دولة إقليمية كُبرى".

واشنطن بالطبع، تحاولُ الحصول على أرباح حذف روسيا المُفترضة، من الحدث الأوكراني. نستطيع أن نصِف هذا الربح بـ "الربح البولندي أو ربح مثلث فايمار".

مثلث فايمار المكوَّن من ألمانيا، بولندا، وفرنسا، والذي كان المُرادُ منه وما يزال، أن يُساهم بشكلٍ غامض، في استقرار غرب ووسط أوروبا، ضخَّم الحدثُ الأوكراني حجمه، في العيون الأمريكيَّة. وارسو وبحسب هذا الربح؛ ستكونُ عاصمة وسط أوروبا الأمريكية! ومركزاً جديداً لاستقطاب دول أوروبا الشرقية، بعيداً عن نفوذ موسكو.

انتصار روسيا المتوقع في أوكرانيا، سيطلقُ على الأرجح إعلاناً أمريكياً – أوروبياً، من النوع المُتسرَّع، بفتح الباب على مصراعيه، أمام كُل من يودُ الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، رغم إنَّ بروكسل تُصرِّحُ كثيراً، إنَّ الانضمام إليها يمرُّ بطريقٍ طويل من تنفيذِ الاشتراطات.

العيبُ البسيط في هذا التصميم، إنَّ وارسو إضافة إلى دولٍ عديدة، من وسط وشرق أوروبا، لديها مُنازعات حدودية مع أوكرانيا. الزميل كوركودينوف، سرَّب استعداد روسيا، لتقاسم الجغرافيا الأوكرانية مع تلك الدول. أمّا عيبهُ الأضخم؛ فسيكون إطلاق تسونامي يميني في أوروبا، يُهدد الاتحاد الأوروبي نفسه.

السلوك الأفضل للعرب في الحدث الأوكراني

السيناريوهات الأمريكية والأوروبية؛ التي تُريد المُضاربة بالحدث الأوكراني، لن تستطيع أن تؤثِّر على المنطقة العربية بشكلٍ كبير، إن استخدمت دول المنطقة، خاصَّةً الخليج العربي، إمكاناتِها الدبلوماسيَّة الكبيرة، حتّى ولو بدرجةٍ متوسِّطة.

الأفضلُ لها أن تسمح باستخدام مواردِها الإعلاميَّة، بشكلٍ مفتوح ولو جزئياً، لصالح سيناريوهات تحليلية، بالتعاون مع مراكز بحثيَّة، تجِدُ الميديا العربية، سهولة ويُسراً، في إيصالِها إلى فضاء الرأي العام العربي.

الهدف أن تُبقي دولنا العربية، خياراتٍ مفتوحة، للتعاطي مع الحدث الأوكراني، بعيداً عن ازدواجية واشنطن وبروكسل، واضطراب موسكو؛ التي تُريد تعطيل الرأي العام الدولي، المُسيطر عليه أمريكياً، بتحفيز الميديا في المنطقة العربية؛ الُمحبطة، إلى انتِهاج خِطابات عدائية، تجاه الغرب، والتي ليس لها من قيمة، إلَّا باستغلالِها من قبل "إسرائيل".

الحدث الأوكراني، فُرصة عظيمة أمام الدبلوماسيَّة العربية، في ملء أرصدة حضورِها، بين نظيراتها، في قارات العالم الأُخرى، حتّى لو كان ذلك بعيداً عن تصوَّرات الغرب؛ بل ومن أجلِ غربٍ أكثر معقولية، والمُساهمةُ كذلك في عِلاج، داء المركزية لديه، بالتعاون مع شركاء مُعتبرين، في هذهِ اللحظة التاريخيَّة، مثل بكين، موسكو، نيودلهي، برازيليا، ومع واشنطن، أهمُّ شريكٍ مؤثِّر في عالمٍ أُحادي أو متعدد الأقطاب.

***

مسار عبد المحسن راضي

كاتب، صحافي، و باحث عراقي

 

عندما نريد أن نُكَوّنَ صورة دقيقة عن: مذهب فكري - جماعة دينية - حزب سياسي، فلا بُدّ من قراءة هؤلاء بأقلامهم أولاً. فهذه الخطوة من أبجديات البحث العلمي الأساسية، إذ لا يجوز محاكمتهم من خلال خصومهم. نعم، قراءة الجميع ضرورة مُلحّة، لكن الخطوة الأولى هي "قراءتهم بأقلامهم".

من يريد الإطلاع على تاريخ الحزب الشيوعي العراقي، فعليه أن يتجه لمصادر هذا الحزب أولاً، قبل أن يتجه للمصادر الأخرى. وبين يَدَي الآن مصدرٌ شيوعي ممتاز، ألا وهو كتاب "عقود من تاريخ الحزب الشيوعي العراقي"  للأستاذ عزيز سباهي، وهو كتاب ضخم بثلاثة أجزاء صادر عن شركة الرواد المزدهرة في بغداد ط2 2007.

أما المصدر الآخر فلا يقل أهمية عنه، وهو كتاب "محطات مهمة في تاريخ الحزب الشيوعي العراقي" للأستاذ جاسم الحلوائي، وقد صدر عن الدار  المذكورة نفسها. يتناول فيه الحلوائي كتاب سباهي بالنقد.

وبطبيعة الحال لن يتسع المقام للكلام عنهما، وعليه فسأرُكّز على نقطتين لهما أهمية كبيرة في تاريخ هذا الحزب، إذ تُثار دائماً بهدف النيل منه ومن تاريخه الطويل. وهُما:

1- إرتباط هذا الحزب بالخارج، أي بالإتحاد السوفياتي والسير على تعليماته بعيداً عن خصوصية الواقع العراقي.

2 - موقف الحزب من القضية الفلسطينية.

(يلمسُ المرء ميلاً خاصاً نحو تحميله ـ الحزب الشيوعي - مسؤولية بعض ما مرّ على البلاد من مشاكل، وهناك من يغالي في هذا الشأن) هذا ما ذكره سباهي في ج1 ص11، وفعلاً فهذا الإتجاه واضحٌ جداً ويطفو على السطح في هذه الأيام.

برأينا، أن هذا الرأي فيه من التسرع و "المراهقة العلمية" الشيء الكثير. فكما ذكر سباهي ج1 ص11 و 13:

يبدو أن إحساس الحزب العالي بالمسؤولية تجاه الشعب، وإصراره على مكاشفته بالأخطاء، قد أغرى الكثيرين في أن ينسبوا له حتى ما لا علاقة له به وتحميله مسؤولية الجرائم التي إرتكبها خصومه. ثم إن هذا الحزب لم يكن فقط ثمرة للتوزع الطبقي، بل هو إبن البيئة الإجتماعية وعصبياتها، جاء يحمل مزاياها وعيوبها، فطبيعة العامل الذاتي من نفس طبيعة العامل الموضوعي.

صراحة، وأنا أقرأ هذا التحليل القيّم من سباهي، وجدتُ نفسي أمام قلمٍ مسؤول، إذ لم تمنعه أيديولوجيته من أن ينظر من زوايا أخرى ستعمل على إثراء الموضوع بكل تأكيد.

لنُناقش النقطة الأولى الآن:

هل فعلاً كان الحزب الشيوعي العراقي يأتمر بأوامر السوفيت بعيداً عن الخصوصية العراقية؟ يتلقاها على طريقة "نفذّ ولا تُناقش"؟

يقول الحلوائي في ص191: (هناك نظرة تبسيطية أحياناً لحقيقة العلاقة بين قيادتي الحزبين الشيوعيين العراقي والسوفيتي، وتُصوّر هذه العلاقة أحياناً وكأنها علاقة تابع بمتبوع، في حين أن آراء السوفيت كانت دوماً إستشارية، تُقبَل أو تُرفَض) ويضرب الحلوائي مثالاً وهو تجاهل الحزب الشيوعي العراقي "موضوعة الطريق اللارأسمالي" التي تبناها الحزب الشيوعي السوفيتي في ستينات القرن الماضي، لأكثر من عشر سنوات.

وينقل الحلوائي شهادة لزكي خيري تُلخّص حقيقة هذه العلاقة، وهي صادرة بعد إنهيار الإتحاد السوفيتي ص192:

(كان الرفاق السوفيت يردّون على كل إستفسار نُوجّهه إليهم في المنعطفات السياسية الحادة ويُقدّمون لنا النصح الخالص. ولم يكن رد الفعل من جانبنا إيجابياً دائماً، ولم يُقاطعونا بسبب توترنا بل يواصلون الحوار بروح رفاقية ونَفَس طويل. وكُنّا نحن الذين نعرض عليهم خلافاتنا وعلى أشقائنا الشيوعيين الأجانب لنتسلح بفتاويهم في جدالنا مع بعضنا)

النقطة الثانية:

تتحدث بعض المصادر عن (تَبَنّي الحزب الشيوعي العراقي لوجهة النظر الصهيونية من الصراع العربي ـ الصهيوني) سمير عبد الكريم: أضواء على الحركة الشيوعية في العراق ج1 1934 ـ 1958 دار المرصاد ص5 مقدمة د. صلاح محمد.

يُذَكّر سباهي القارىء بحقيقة مهمة وفريدة ج1 ص377 و 378 (أُذَكّر القارىء أولاً، بأن الماركسيين كانوا هُم السبّاقين الى الدعوة الى التظاهر ضد زيارة الداعية الصهيوني الوزير البريطاني ألفريد موند في عام 1928، وفي مقدمة من إعتقلتهم الحكومة في المظاهرة الصاخبة ضد ألفريد موند كان حسين الرحال وعزيز شريف وعبد الفتاح إبراهيم وزكي خيري)

أصدرت الأمم المتحدة قراراً بتقسيم فلسطين في عام 1947، وقد أيّد الإتحاد السوفيتي هذا القرار، وهذا ما سينعكس بطبيعة الحال على الحزب الشيوعي العراقي. فما هو موقف الحزب من هذا القرار؟

تَبَنّى الحزب الشيوعي العراقي هذا القرار بتأثير الموقف السوفيتي. لكن إن وقفنا هنا فسنقع بخطأ فادح! فبشأن التقرير الموسوم "ضوء على القضية الفلسطينية 1948" يقول سباهي ج1 ص398 (ليس واضحاً كيف جرى تبني الحزب الشيوعي العراقي لهذا التقرير) بل إن قيادة الحزب التي أطبق عليها السجن آنذاك مُمثلَة بفهد، قد إستاءت من نشره، فقد أوقف فهد قارىء التقرير دون أن يُخفي إستياءه ص399

ولم تنفرد المصادر الشيوعية بهذه الحقيقة، يقول هاني الفكيكي:

(غير أن فهد وهو في سجنه تردد في التسليم بطروحاتها وتَمَنّع عن قبولها كسياسة للحزب، تاركاً القرار ليهودا صدّيق ومالك سيف اللذين أقرا الوثيقة) أوكار الهزيمة / تجربتي في حزب البعث العراقي، دار سطور بغداد ط1 2022 ص35

بل إن القيادة الميدانية قد أصدرت قبلها في عام 1947 بتوجيهات من فهد "رفض قرار التقسيم بشكل قاطع" كما ذكر الحلوائي في ص43 فضلاً عن قول فهد (لا أدري كيف إعترف الإتحاد السوفيتي بدولة اليهود!) ص49 الحاشية.

أما الحلوائي فقد أدلى برأي مهم ص48:

(ولم يكن بمقدور الحزب التخلف عن الركب أو السبَاحة ـ في النص: السبح ـ ضد تيار الحركة الشيوعية العالمية، خاصة بعد أن أصبح تقسيم فلسطين أمراً واقعاً في آيار 1948)

خلاصة المقال هو ضرورة قراءة تاريخ الحزب الشيوعي العراقي من خلال كوادره، فهي الطريقة الأسلم، وكتاب سباهي يفرض نفسه بكل تأكيد، فالنقد الذاتي حاضر وبقوة فيه.

ومما يجدر ذكره هنا، أن د. سيف عدنان القيسي "الباحث في تاريخ الحزب الشيوعي العراقي"، قد أعطى رأيه لنا في تعليق خاص على صفحات التواصل الإجتماعي:

(لا يمكن الإستغناء عن كتاب سباهي، فأغلب مصادره وثائق شيوعية قبل هدم أو حرق أرشيف الحزب في جيكوسلوفاكيا). 

***

بقلم: معاذ محمد رمضان

يتخوف كثيرون من أن الحكومة الصهيونية المتطرفة بزعامة نتنياهو وزمرته تعمل على حسم وإنهاء الصراع في وعلى فلسطين وبالتالي إنهاء القضية الفلسطينية، ومع اعترافنا بقوة الخصم إلا أن حسم وانهاء الصراع ليس قرارا إسرائيليا خالصا، نعم يمكن إنهاء الصراع مع دول وأنظمة عربية وإسلامية ولكن القضية والمسألة الفلسطينية تخص الشعب الفلسطيني بالدرجة الأولى وإن لم يستسلم الفلسطينيون ويرفعون الراية البيضاء، وهذا لم يحدث، فسيستمر الصراع حتى وإن كان بثمن أكثر فداحة.

خلال الأشهر الأخيرة تأكدت حقائق لا يمكن لعاقل تجاهلها ستحدد مستقبل الصراع وطبيعته وهي:

الحقيقة الأولى: أنه لا يمكن التوصل لأية تسوية سياسية مع الحكومة الصهيونية اليمينية والفاشية حتى على مستوى الالتزام بالاتفاقات الموقعة، أوسلو ولواحقها، كما أن توجهات وممارسات الحكومة الحالية تُنذر بنكبة جديدة تتجاوز مشاريع توسيع الاستيطان إلى ارتكاب مجازر جماعية وعمليات تهجير قسرية للفلسطينيين وإلغاء الدور الوظيفي الوطني للسلطة الفلسطينية.

 الحقيقة الثانية: أن الشعب الفلسطيني لم يتنازل عن حقوقه الوطنية المشروعة وعنده الاستعداد لمقاومة الاحتلال بما هو ممكن ومتاح حتى وإن اقتصر الأمر على عمليات فدائية فردية.

الحقيقة الثالثة: بالرغم من التنديد الواسع للإرهاب الصهيوني كما جرى مع جرائم المستوطنين والجيش في حوارة إلا أنه لا يبدو في الأفق أي توجهات دولية جادة للضغط على إسرائيل لتتراجع عن ممارساتها كما لا يوجد أي تحرك لتفعيل عملية السلام.

الحقيقة الرابعة: تأكد أن الصراع هو بين الفلسطينيين والكيان الصهيوني وسقوط أي مراهنة على الأمتين العربية والإسلامية كأنظمة وأحزاب ومنظمات إقليمية، حيث لمسنا ردود فعل دولية رافضة لجرائم الاحتلال أكثر من ردود الفعل العربية والإسلامية.

الحقيقة الخامسة: تأكد عدم قدرة بنية النظام السياسي الفلسطيني بمرجعيتيه وسلطتيه في غزة والضفة في الارتقاء لمستوى ما يجري حيث لم نسمع عن تفعيل حوارات المصالحة أو اجتماعات قيادية شاملة وبالتالي غياب أية استراتيجية أو رؤية وطنية لمواجهة ما تتعرض له القضية والشعب من مخاطر

الحقيقة السادسة: مهما كان بأس العمليات الفدائية وشرعيتها وما تلاقيه من تأييد وتعاطف شعبي إلا أن قدرتها لوحدها على تحرير فلسطين أو حتى إنهاء احتلال الضفة والقدس أمر شبه مستحيل.

الحقيقة السابعة: مع تأييدنا للعمل الدبلوماسي وتحركات القيادة الفلسطينية دوليا في الأمم المتحدة ومحكمة الجنايات إلا أنه من العبث المراهنة أن تُعيد لنا الأمم المتحدة حقوقنا الوطنية أو تُجبر العدو الصهيوني على الانسحاب من الأراضي المحتلة،

الحقيقة الثامنة: التحدي الرئيسي الذي يواجه القيادة والسلطة الوطنية في الضفة راهنا هو كيف يمكن وقف اعتداءات المستوطنين والحفاظ على وجود السلطة ودورها الوطني ودفع إسرائيل للالتزام بالاتفاقيات الموقعة.

الحقيقة التاسعة: هدف حركة حماس وبعض فصائل المقاومة في غزة في الوقت الراهن الحفاظ على السلطة القائمة و استمرار التهدئة على حدود القطاع، مع محاولة توتير الوضع الأمني في الضفة من خلال مواجهة الاحتلال والسلطة الفلسطينية معا.

الحقيقة العاشرة: حتى مع وجود الحكومة الأكثر تطرفا وعنصرية ووجود وضع دولي وعربي عاجز إن لم يكن متواطئ أحيانا، فلا يمكن لهذه الحكومة أن تحسم الصراع كما يتخوف البعض ليس لأنها لا تريد ذلك بل لأن حسم الصراع نهائيا لا يكون بقرار إسرائيلي بل يجب وجود موافقة فلسطينية أو إعلان الاستسلام وهذا لم يحدث لا رسميا ولا شعبيا، مع التذكير أن العدو لم يحسم الصراع لصالحه عندما حدثت النكبة عام 48 ولم يحسم الصراع بعد حرب حزيران 67 واحتلاله بقية فلسطين وأراضي عربية أخرى.

انطلاقا مما سبق وبغض النظر عما ستؤول اليه الخلافات داخل دولة الكيان العنصري حيث كل الحكومات الصهيونية معادية للشعب الفلسطيني والخلافات الداخلية عندهم لها علاقة بالصراع على السلطة وترتيب نظامهم السياسي وليس على علاقتهم مع الفلسطينيين وأي حكومة قادمة ستبني على ما أنجزته سابقاتها ولن تتراجع عنه، وبغض النظر عما سيطرأ على المحيط العربي والدولي من تطورات حيث بدأ صراعنا مع المشروع الصهيوني في عهد عصبة الأمم قبل قيام منظمة الأمم المتحدة، وناضل الفلسطينيون ضد العصابات الصهيونية والاحتلال البريطاني قبل تأسيس جامعة الدول العربية وقبل أن تتواجد على الخارطة السياسية أغلب الدول العربية الحالية، وكانت القضية الفلسطينية حاضرة خلال الحربين العالميتين وخلال الحرب الباردة وما بعدها، واستمر صمود ونضال الشعب الفلسطيني في زمن المد القومي العربي واستمر حتى بعد انهياره، وكان موجودا قبل فوضى الربيع العربي والمد الأصولي وما زال مستمرا بعدهم، والفلسطينيون مستمرون في نضالهم منذ ما قبل التطبيع وما قبل ما يسمى السلام الابراهيمي وسيستمرون.

الصراع مع العدو لن يتوقف سواء استمرت الحكومة الصهيونية الحالية أم تغيرت. صحيح من المفيد استغلال الخلافات داخل معسكر الخصم ولكن دون كثير من الأوهام بأن انهيار الحكومة الحالية سيكون بالضرورة لمصلحة الفلسطينيين وما على هؤلاء الأخيرين إلا تعميق التناقضات داخل الجمهور الإسرائيلي وانتظار النتائج.

لكل ومع كل ما سبق فإن المعادلة التي تحدد شكل الصراع وطبيعته وأدواته مستقبلا وامكانية حسمه وانهائه لا يضعها أو يتحكم العدو فقط ولا المشاريع والمعادلات الإقليمية بل القرار النهائي بيد الفلسطينيين أصحاب الأرض والحق الأصليين، والعالم ينتظر منهم انهاء الانقسام وتحقيق الوحدة الوطنية كشرط رئيس لتمتين وتمكين فعالية القرار الفلسطيني في معادلة الصراع.

***

إبراهيم ابراش

الطبقية تاريخ طويل من انعدام العدالة والمساواة بمصر...!!

كانت مصر قديماً تعيش نظاماً طبقياً بين "الريف والحضر"، والريف كان يمثل أكثر من 75% من السكان، ويعيشون تحت خط الفقر دون أي خدمات أو أي امتيازات، وكان يسود المجتمع الريفي الأمية، والفقر، والمرض ويوجد داخل المجتمع من يمثل الطبقة العليا من "ناظر الخاصة الملكية، أو ناظر الإقطاع والحاشية"، وكان ذلك في عهد الملكية.

بينما "الحضر" يحظى بالمدنية من المدن والحدائق والشوارع المرصوفة والأحياء الراقية والمساكن الأنيقة والمدارس الحديثة، وتوجد بها تقريباً كل ما تحظى به مصر من مستشفيات ومصحات وأطباء، للمصريين أو الأجانب، وينافس سكان مصر حينها في مستوى معيشتهم سكان أكثر الدول تقدماً في العالم.

كانت تسكن المدن الطبقة العليا ونسبتها كانت ضئيلة جداً، بالنسبة لمجموع السكان، وتتكون من ملاك الأراضي والكبار من الإقطاعيين، وعلى قمة الهرم الأسرة الملكية وحاشيتها، وكان لا يزال الكثير من عائلات هذه الطبقة العليا ينظرون إلى بقية المصريين على أنهم مجرد "فلاحين" وخدم لهم.

كما كانوا غارقين حتى الأذن في نمط الحياة الغربية، تختلط في كلامهم اللغة العربية مع مفردات بلغات أجنبية، ويمارسون كل عادات الغرب في المأكل والمشرب، والملبس، والمسكن، فضلاً عن المدارس التي يرسلون إليها أولادهم.

كل هذا كان من شأنه أن يعزل هذه الطبقة عزلاً شبه تام عن بقية المجتمع المصري في قصورهم ونواديهم وشواطئهم التي قد لا يراها بقية الناس من بعيد دون أن تطأها أقدامهم هذه الأماكن.

تواجد هذا العصر قبل عام 1952، ومن أهم ما يميزه "الطبقية" دون أن ينقسم إلى شرائح اجتماعية، عليا ودنيا، فتتمتع العليا بمتع الحياة، والجاه، والسلطة، بينما تحرم منها الشرائح الدنيا.

الغريب في ظل تلك الأوضاع ظهرت طبقة تخدم هذه الطبقة داخل المجتمع الريفي، واعتبرت نفسها أعلى من الطبقة الدنيا في المجتمع الريفي من نظار، ومهنة مثل الخولي في الزراعة والباشكاتب في الإقطاعيات الزراعية، بالاضافة إلى أن بعضهم كان يسند لهم مناصب مثل العمد ومشايخ الناحية؛ وتقوم أدوارهم بخدمة أسياد الطبقة العليا.

أوضاع الفقراء في مصر تزداد صعوبة/ رويترز

ثورة يوليو 1952م والتغيير الطبقي

لقد قامت ثورة يوليو عام 1952م للقضاء على هذه الازدواجية، وسرعان ما أدرك الشعب المصري ذلك وسعد به، ولكن بعد مرور عشرين عاماً أو أقل على قيام هذه الثورة، كانت هناك ازدواجية جديدة قد حل محلها من طبقة تعلمت وكبرت في عيون آبائهم من الطبقة المهمشة السابقة التي سمحت لهم الثورة أن يتولوا المناصب.

ومع قيام الثورة كانت الإجراءات والقوانين المتعاقبة من قانون الإصلاح الزراعي، وتأمين الشركات قد أظهرت طبقة جديدة تتربع على السلطة، وكانت تبحث عن امتيازات مادية، وتبحث عن المساكن الفاخرة واستغلال بعض الأماكن التي تم تأميمها، وتطلع بعضهم إلى حياة ما قبلهم من الإقطاعيين، وحاولوا تقليدهم في استغلال النوادي والشواطئ والقصور على أنها إرث لهم.

رغم ذلك لم تكن الازدواجية الجديدة بنفس حدة وقسوة الازدواجية القديمة، ولا كانت قائمة على المفارقة بين الريف والحضر كما كانت قبل عام 1952م، إذ دخل أصحاب السلطة الجديدة إلى الريف أيضاً، وانتقلت شرائح كبيرة من الفقراء ومتوسطي الدخل إلى الحضر، بسبب التوسع في التعليم ووظائف الحكومة والجيش والصناعة في المدن الحضرية.

لكن ظل عدد المهشمين كبيراً، بل ربما أصبح أكبر مما كان عليه قبل الثورة، إذ إن التهميش الآن لم يعد بسبب العامل اقتصادي فقط، بل أصبح يشمل نسبة كبيرة من المتعلمين والمثقفين الذين أصابهم نوع جديد من الاغتراب لا علاقة له بانخفاض الدخل.

ازدواجية المال والسلطة

عندما توفي جمال عبد الناصر في 1970م، كان نظامه قد خفف بلا شك من الازدواجية البغيضة بين الغني والفقير، وبين الحضر والريف، ولكنه ترك عناصر طبقة جديدة تحلم بالقفز إلى السلطة بمجرد أن تتاح لهم الفرصة، وهو ما تحقق بدرجة مذهلة في العشرين سنة التالية بعد حرب أكتوبر عام 1973 وصولاً لعام 1993، مع بداية هجرة العمالة المصرية لدول النفط.

حيث تم ترسيخ هذه الطبقية بعد حرب أكتوبر عام 1973م، وهذا ما ذكره بالتفصيل الدكتور جلال أمين في مذكراته ومقالاته؛ حيث تحدث عن التغييرات الطبقية التي حدثت في المجتمع المصري.

قد ظهر مع نهاية عصر السادات ما يعرف اصطلاحاً بزواج "السلطة بالمال"، فأوجد ازدواجية جديدة من القطط السمان وتجارة الأراضي والذين قاموا بتسقيعها ونهبها وأصبحت هذه الطبقة تسيطر على مفاصل الدولة.

إن صعود ازدواجية بين رجال السلطة ورجال الأعمال خلق طبقة واسعة داخل المجتمع من المهمشين رغم أنهم حظوا بنسبة كبيرة من التعليم والثقافة؛ مما جعلهم ناقمين على كل الأوضاع، بسبب سيطرة أصحاب رؤوس الأموال على القرار السياسي والاقتصادي بالدولة المصرية، ويتضح ذلك جلياً بوصول رجال الأعمال للبرلمانات والمناصب الوزارية، خصوصاً في عهد الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك، وصولاً للعهد الحالي الذي يسيطر فيه رأس المال على السلطة مع اختلاف الشريحة المسيطرة، فأصبح على عالم الاقتصاد والسياسة حيث تدخل الجيش في مفاصل هذا العالم، مع تحجيم دور رجال الأعمال في عهد مبارك، على الرغم من امتلاكهم سلطة اقتصادية يستطيعون من خلالها الحفاظ على مكتسباتهم السابقة.

لذلك يحتاج المصريون للنهوض بالعدالة والمساواة كما كافح من أجلها المناضل الأسود القس "مارتن لوثر كينغ" في صراعه في ستينيات القرن الماضي مع البيض الأمريكان، التي أضاءت الطريق للوصول لرجل أسود من أصول إفريقية وإسلامية إلى سُدة الحكم بإعلان فوز "باراك حسين أوباما" ووصوله إلى البيت الأبيض!

***

محمد سعد عبد اللطيف .

كاتب مصري وباحث في الجيوسياسية

 

بمناسبة الضجيج المفتعل ضد (مسلسل معاوية)، يفرض هذا السؤال نفسه:

ـ كيف يمكننا التفريق بين الزعيم الجيد عن الزعيم السيء، فجميع زعماء تاريخ  العالم القديم والحالي، حتى  الانبياء والاولياء، قاموا بحروب وقمع عندما قادوا دولا، فلا دولة دون جيش وشرطة ومحاكم وسجون.

على هذا الاساس مثلا،  يقوم الحداثيون واليساريون بمعاداة تاريخ الاسلام الاول واتهام الخلفاء والصحابا بممارسة الحروب والعنف بينهم والاغتيال.  لكن اية نظرة لتواريخ جميع ثورات ودول العالم، تكشف لنا بوضوح كيف انها مليئة بالتصفيات والحروب والصراعات بين الزعماء بعد استلام السلطة:

لننظر الى الثورة الفرنسية (كيف اكلت ابنائها)، ومذابح وتصفيات الثورات الروسية والصينية والخمينية الايرانية.. الخ..

ـ اذن ما هو المقياس المعقول الذي يساعدنا على تمييز الزعيم الجيد عن السيء ؟؟!!

ـ هاكم هذا المقياس الذي نقترحه مع الامثلة الداعمة:

ـ النبي محمد، رغم حروبه وغزواته وعقوباته، الّا انه يستحق التمجيد لانه قدم لنا انجازات تاريخية كبرى: الاسلام والقرآن اساس اللغة العربية، واساس الدولة الاسلامية التي انتجت فيما بعد الحضارة العربية الاسلامية الكبرى.

ـ نابليون بونابورت، حروبه التوسعية العالمية كلفت حوالي 6 ملايين من الضحايا فرنسيين واجانب (ابحث: ضحايا حروب نابليون).. مع هذا فأنه من الزعماء التي تمجدهم فرنسا.. لماذا؟؟!! لانه مع حروبه التي خسر معظمها، قام بانجازات كبرى في مجال الاصلاحات وسن القوانين الايجابية في فرنسا والدول التي احتلها؟

ــ ماوتسي تونغ، زعيم الصين، كان دكتاتوريا وسفاحا، لكنه اسس الصين الجديدة المستمرة حتى الآن.

ـ نفس الامر ينطبق على الخميني واسماعيل الصفوي، فرغم جرائمهما العنفية، الا انهما يستحقان التمجيد من قبل ايران، لان كل منهما قد شيد دولة ايرانية جديدة قوية. اكرر يستحقان التمجيد من قبل ايران، وليس من قبلنا نحن العراقيون ضحايا حروبهما ضد بلادنا..

لكن  هنالك زعماء يستحقون النبذ والادانة:

ـ صدام حسين، ليس بسبب دكتاوريته وحروبه، بل لانه لم يقدم اية انجازات ايجابية، بل بالعكس دمّر انجازات نظام البكر، و سبّب الخراب للعراق، وبلغ ذورة طيشه ورعونته في تسليم العراق الى المحتلين الامريكان والايرانيين..

ـ هتلر، نفس الحال: يستحق النبذ  لانه قد دمّر اوربا وسلّم المانيا خرابا للمحتلين.

الخليفة معاوية وانجازاته العظمى

كل هذا يساعدنا على تقييم زعماء تاريخنا العربي الاسلامي: ليس على اساس حروبهم وقمعهم، بل على اساس: هل شيدوا وانجزوا ورفعوا قيمة شعوبهم..  ام خربوا وانهزموا وورطوا شعوبهم في كوارث؟

لنطبق هذا المقياس على (معاوية بن ابي سفيان):

1ـ انه قد اسس اول واكبر واعظم امبراطورية عربية اسلامية (الامبراطورية الاموية)، وجعلها دولة بأدارة حديثة متقدمة بمقاييس ذلك العصر.

2ـ  انه جعل الاسلام دين هذه الامبراطورية التي قامت بنشر هذا الدين الجديد من حدود الصين حتى حدود فرنسا!

3ـ ان هذه الامبراطورية التي شيدها معاوية، هي التي جعلت اللغة العربية لغة الدولة والادارات والجيوش، وبالتالي تحولها الى لغة الحضارة العربية الاسلامية طيلة اكثر من خمسة قرون.

4ـ انه شيد اول اسطول عربي اسلامي لمواجهة تهديدات الروم البيزنط.

5ـ انه كسب ودّ  الغالبية المسيحية في ذلك الوقت، من خلال زواجه بسورية مسيحية (سمّية ام الخليفة يزيد) وتقريبه شعراء عرب مسيحيين.

6ـ بالاضافة الى ان تاريخه الاسلامي الاول كان ايجابيا، إذ كان احد كتبة الرسول الكريم، وشاركه في معارك: حنين والطائف وتبوك. ثم قاتل المرتدين اثناء حروب الردة. ثم شارك في فتح الشام وبيت المقدس.  وان (ام حبيبة) زوجة الرسول، كانت اخت معاوية.

7ـ وباعتراف جميع المؤرخين، انه كان زعيما حكيما ذكيا يتقن فن السياسة والدبلوماسية. وتشهد له مقولته الشهيرة: (لو كان بيني وبين الناس شعرةً، ما انقطعت. فإذا مدّوها أرخيتها، وإذا أرخوها مددتها).

نعم ان الخليفة معاوية، اهم شخصية تاريخية فاعلة ومؤسسة في تاريخنا العربي الاسلامي، بعد النبي محمد، ومن الخطيئة والجريمة علميا ودينيا اهماله ولعنه..

 تعصب الشيعة ضد (الخليفة معاوية) مقارنة بـ (الخليفة علي)؟!

ان حجة الشيعة واساس تكوينهم المذهبي قائم على (ثقافة البكاء على ضحايا العلويين وانصارهم) و(الحقد) على  الخلفاء الاوائل ثم على الامويين والعباسيين.

لكن (حجة الشيعة) هذه تفقد شرعيتها امام اية نظرة ضميرية حيادية الى التاريخ إذ تكشف لنا الحقيقة التالية:

ـ نعم صحيح ان (الخليفة علي) كان تقيا زاهدا ومحاربا شجاعا، لكن ايضا ان التاريخ بين انه كان (رجل سياسة ودولة فاشل) إذ اسس دولة في العراق (الكوفة) لم تدم ثلاث سنوات، خاض من اجلها اشرس الحروب ضد مسلمين وليس كفرة، كلف الآلاف المؤلفة:

1ـ معركة النهروان، ضد المسلمين الخوارج، والتي كلفت الآف عديدة من الخوارج المسلمين العراقيين: علما ان الخوراج كانوا من انصار علي، وجريمتهم انهم رفضوا ان يقبل (الخليفة علي) مبدا التحكيم من جماعة معاوية، وقالوا بشعار:«لا حكـــم إلا لله»

2ـ معركة صفين، ضد جيش معاوية التي كلفت اكثر من 70 الف

3ـ معركة الجمل، ضد جيش (عائشة) زوجة النبي!!

وهنا بالذات تكمن (عظمة الخليفة معاوية)، انه بدهائه (نجح) بتأسيس اول واعظم امبراطورية نشرت الاسلام والعربية بين آسيا وافريقيا واوربا.

مشكلة تزييف تاريخ الامويين

يضاف الى هذا هنالك حقيقة معتم عليها:

ان تاريخ معاوية والامويين، لم يكتب ابدا في عصرهم، بل كتبه العراقيون في اول العصر العباسي باشراف (التحالف الهاشمي: العباسي العلوي) للانتقام من الامويين وتدمير سمعتهم، لأن التدوين بدأ في هذا العصر في العراق. (ابحث عن: عصر التدوين). كلنا نعرف ان كتب التأسيس والتاريخ وغيرها، قد كتبت في العراق في العصر العباسي، مثل: سيرة النبي، لابن هشام، وصحيح البخاري، ونهج البلاغة، وتاريخ الخلفاء الاوائل والامويين.. الخ.

اساس التشيع ليس ديني اسلامي، بل سياسي عراقي!

ان هذا الموقف المتعصب والحقود للشيعة ضد 90% من زعماء وخلفاء المسلمين، يتحجج بحكايات خرافية عن (كسر ضلع فاطمة من قبل عمر) و(احقية علي بالخلافة) وغيرها من الاوهام المذهبية التي صنعها العراقيون. ان التشيع قبل تحوله الى مذهب بعد اكثر من قرن، بدأ اولا في الكوفة بعد مقتل (الخليفة علي)، كتيار سياسي متمرد ضد (السيطرة الاموية: الشامية المصرية).

لان (الخليفة علي) اول من اختار العراق مركزا للدولة الاسلامية الجديدة:(العاصمة الكوفة: وريثة بابل)، ومنح العراقيين الامل باعادة امجاد دولتهم وحضارتهم النهرينية التي غابت لألف عام.

بل ان (علي) اعلن اصله العراقي:

(قال نحنُ معاشِرَ قُرَيش حَيٌّ من النَّبَط، مِن أَهل كُوثى، والنَّبَطُ من أَهل العِراق.))(ابحث عن هذا القول)

لكن رغم ذلك فأن (الخليفة علي) بعد ثلاث سنوات من الحكم، فشل ومات قتيلا..

نعم ان (علي) كان رجلا شجاعا وحكيما وطاهرا، لكنه رجل دولة فاشل..

وهنا بالذات يكمن سوء فهم الشيعة و(تعصبهم العذري) لصالح (علي) وضد (معاوية والامويين)..

ان اهل العراق، ومعهم خصوصا اهل الحجاز وبعض ايران وتركستان: (خراسان)، بقيادة (التحالف الهاشمي: العباسي العلوي) نجحوا بعد حوالي قرن من التمردات الفاشلة بأسقاط الامويين وبناء الخلافة العباسية وجعل (بغداد: بين بابل وآشور) عاصمتها.

نعم الامويون صنعوا دولة ونشروا الاسلام والعربية، ولكن العباسيون انجزوا المرحلة الثانية: صنعوا الحضارة العربية الاسلامية في معاقلها العراقية خصوصا: بغداد والكوفة والبصرة والموصل. طبعا مع اسهام جميع الشعوب الاسلامية من حدود الصين حتى الاندلس.

إذن يتوجب انصاف الامويين والاعتراف بدورهم العظيم التأسيسي السياسي والديني واللغوي.. ثم انصاف العباسيين لدورهم في صنع الحضارة..

ولكن ايضا ايضا مع نقد جميع الاطراف والكشف عن اخطائها وتعصباتها..

هكذا تاريخ الاوطان والبشرية جمعاء، خليط من الخير والشر

اخيرا يتوجب القول: ان هذا الشحن الطائفي الشيعي المتصاعد في السنوات الاخيرة، مدفوع من قبل مرتزقة ايران التي تحرص على دوام السيطرة على شيعة العراق والعرب، من خلال اضعافهم وعزلهم عن اخوتهم المسلمين العرب واشعال الاحقاد الخرافية.

***

سليم مطر ـ جنيف

.....................

* لمن يرغب بالتفاصيل ليطالع الفصل الرابع من كتابنا الاخير عن تاريخ العراق. هاهو رابط الكتاب كله:

https://www.salim.mesopot.com/.../83-2017-03-15-15-39-26

وهاهو رابط الفصل الرابع وحده:

https://www.salim.mesopot.com/.../iraq.../iraq-history-4.pdf

أصبحت الهجرة جزءًا من حقيقة الحياة اليومية للأوروبيين في دول الاتحاد الأوروبي. يوجد اليوم ما يقرب من 37 مليون شخص في أوروبا ولدوا خارج الاتحاد الأوروبي ويشكلون حوالي 8٪ من مجموع السكان. سواءً داخل دول الاتحاد الأوروبي، أو بين الاتحاد الأوروبي وبقية العالم، ازداد عدد السكان المهجرون، سواءً كانت الهجرة بسبب العمل، أو الأسرة، أو بسبب الفرار من الاضطهاد والحروب، ستظل سمة رئيسية للمجتمعات الأوروبية خلال العقود القادمة.

 تُعتبر سياسات الاندماج والتكامل أمر بالغ الأهمية في الدول التي يتواجد فيها المهاجرون. حيث أصبحت الهجرة قضية شائكة سياسياً، ويعتبر ما نسبته 25٪ من مواطني الاتحاد الأوروبي أنها من بين أهم ثلاث قضايا تواجههم، بزيادة 5% عن الدراسة السابقة التي أُجريت عام 2017.

لمواجهة تحديات الهجرة والاندماج والتخفيف من مخاوف مواطني الاتحاد الأوروبي بشأن قدرة البلدان إدارة هذه التحديات، اتخذ الاتحاد الأوروبي خطوات لدعم الدول الأعضاء في سياسات التكامل الخاصة بها. في حين قد تختلف احتياجات المهاجرين حسب أسباب قدومهم، فإن الدول الأوروبية تتلقى الدعم التشغيلي والمالي من الاتحاد الأوروبي.

من أجل فهم أفضل لكيفية عمل مؤسسات الاتحاد الأوروبي مع الدول الأعضاء والجهات الفاعلة الأخرى لمواجهة تحديات التكامل، من الضروري أن يكون لديهم فهم أوضح للرأي العام حول هذه القضية. بالإضافة إلى ذلك، من المهم فهم كيف تختلف وجهات النظر بين الدول الأعضاء، وكذلك بين المواطنين الأوروبيين عبر المجموعات الاجتماعية والديموغرافية، واعتماداً على التفاعلات والروابط القائمة مع المهاجرين.

لمعرفة التصورات العامة للمهاجرين في الاتحاد الأوروبي،  ولقياس مواقف الأوروبيين تجاه الهجرة واندماج المهاجرين من خارج الاتحاد الأوروبي، أجرت شركة Kantar للدراسات وتحليل البيانات ومقرها لندن، دراسة شملت 27 ألف مواطن أوروبي من دول الاتحاد الأوروبي السبع والعشرون بين شهري نوفمبر/تشرين الثاني عام 2021، وديسمبر/ كانون الأول عام 2022. الدراسة أُنجزت بتكليف من المفوضية الأوروبية ـ المديرية العامة للهجرة والشؤون الداخلية (DG

HOME)، في إطار العمل على "البوصلة الرقمية: الطريقة الأوروبية للعقد الرقمي.

تم إجراء مقابلات مع المجموعات الاجتماعية والديموغرافية التي شملتها الدراسة في بلدنهم الأصلية، وباللغة الأم. تم استخدام المنهجية الخاصة بمسوحات Eurobarometer ونفذت لصالح المديرية العامة للاتصالات في المفوضية (وحدة مراقبة وتحليل وسائل الإعلام).

فيما يلي أهم النتائج التي توصلت إليها الدراسة:

ما يقرب من أربعة من كل عشرة من الأوروبيين (38٪) يقولون إنهم على علم بالهجرة والاندماج، وهو الحال في معظم البلدان الأوروبية بين عامي 2017 و2022، كانت نتائج إجابات هذا السؤال بالكاد تغير. من المرجح أن يقول المستجيبون ذلك بشكل طفيف على دراية جيدة (38٪ ، +1 نقطة مئوية) وأقل احتمالاً للإشارة إلى أنهم لا يعرفون (0٪، -2).

 غالبية الأوروبيين، حوالي )56٪( يحصلون على معلوماتهم حول الهجرة والمسائل المتعلقة بالاندماج من خلال وسائل الإعلام التقليدية مثل الصحف والتلفزيون والمذياع. يقول أكثر من واحد من كل عشرة (15٪) إنهم يحصلون على هذه المعلومات من شبكات وسائل التواصل الاجتماعي.

 ثم يلي ذلك الملاحظات على ما يجري في منطقتي المحلية، والمناقشات مع العائلة والأصدقاء الموثوق بهم يشكلون (كلاهما 10٪).

أكثر من ثلث الأوروبيين (36٪) يعتقدون أن عدد المهاجرين الذين يقيمون بشكل قانوني أكثر من المقيمين بصورة غير شرعية.

 أكثر من ثلاثة من كل عشرة (36٪) من المستجيبين يعتقدون أن هناك المزيد من المهاجرين الذين يقيمون بشكل قانوني، مقارنة بدراسة سابقة أجريت عام 2017 بمقدار 3%.

يعتقد (57٪) من المستجيبين أن هناك الكثير من المهاجرين المقيمين بشكل غير قانوني، هذه النسبة تشكل زيادة كبيرة (+10) عن دراسة عام 2017.

يعتقد واحد من كل ثلاثة مشاركين (33٪) أن عدد المواطنين من خارج الاتحاد الأوروبي الذين يقيمون بشكل غير قانوني هم أكثر من المقيمين بشكل قانوني في الاتحاد الأوروبي، وهي زيادة طفيفة (+4) عن دراسة عام 2017.

إن (68٪) من الأوروبيين يميلون إلى المبالغة في تقدير عدد المهاجرين من خارج الاتحاد الأوروبي بالنسبة إلى سكان بلادهم. وحوالي سبعة من كل عشرة (68٪ ، +18) من الأوروبيين

يميلون إلى المبالغة في تقدير نسبة المهاجرين في بلدان الاتحاد الأوروبي. وما يقرب من الخُمس (19٪ ، -2) يقدرون أعداد المهاجرين بشكل صحيح، حيث تتراوح نسبة المهاجرين بين 0٪ و6% (مقارنة بمتوسط الاتحاد الأوروبي البالغ 5،1٪). وحوالي 13٪ يقولون إنهم لا يعرفون(-16).

 توصلت الدراسة إلى أن المستجيبون الحاصلون على مستويات تعليمية عليا ويشكلون نسبة (23٪) من المشاركين في الدراسة، وأولئك الذين أجابوا بأنهم لا يواجهون مشاكل في دفع فواتيرهم الشهرية، ويشكلون نسبة (21٪) يميلون إلى إعطاء تقدير أكثر دقة لنسبة المهاجرين في بلدهم، أكثر من هؤلاء الذين لديهم مستويات أقل من التعليم وأولئك الذين في كثير من الأحيان لديهم مشاكل في دفع فواتيرهم.

يشعر غالبية الأوروبيين (64٪) بالراحة مع جميع الفئات الاجتماعية للمهاجرين، مما يمثل زيادة بنسبة 7% نقطة عن عام 2017.

ثلاثة من كل عشرة (30٪، -4) يقولون إنهم يشعرون بعدم الارتياح مع فئة واحدة من المهاجرين على الأقل.

 في ستة بلدان أوروبية يشعر أكثر من ثمانية من كل عشرة مشاركين بالراحة في إقامة علاقات اجتماعية مع المهاجرين من أي بلد من البلدان التي تمت فيها هذه الدراسة، وعلى الأخص في الدول التالية: البرتغال وأيرلندا (كلاهما 89٪)، إسبانيا (88٪)، وهولندا (85٪).

وبالمقابل نجد أن نسبة الذين يرحبون بعلاقات اجتماعية مع المهاجرين هي الأقل في دول أوروبا الشرقية سابقاً. في المجر (24٪)، وبلغاريا (29٪) ورومانيا (35٪).

يتفاعل أربعة من كل عشرة مشاركين على مستوى الاتحاد الأوروبي مع المهاجرين مرة واحدة أسبوعياً على الأقل، على الرغم من أن هذه النسبة تختلف حسب البلد. الأصغر سناً (53٪) وذوي المستويات الأعلى من التعليم (45٪) هم الأكثر اتصالاً مع المهاجرين على أساس أسبوعي. غالبية الأوروبيين (51٪) لديهم علاقات شخصية مع مهاجرين.

 أكثر من نصف الأوروبيين (51٪) لديهم إما أصدقاء أو أحد أفراد الأسرة من المهاجرين، وهذا يشكل زيادة حادة بلغت 20% عن عام 2017.

الغالبية العظمى (أكثر من تسعة من كل عشرة) من الذين شملهم الاستطلاع كانوا من مواليد الدولة التي أجريت فيها الدراسة. مع ما يقرب من (92٪) يقولون إن والديهم قد ولدوا أيضاً هناك.

 في أكثر من نصف الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي كانت النسبة من المستجيبين الذين قالوا إن جميع أجدادهم كانوا كذلك ولدوا في البلاد قد انخفض في نطاق من 1 إلى %13 بين عامي 2017 و2021.

ما يقرب من واحد من كل ثلاثة أوروبيين (31٪) يعتقدون أن الهجرة مشكلة أكثر من كونها فرصة، وذلك يمثل انخفاضاً بحوالي 7% مقارنة بعام 2017. ويعتقد (22٪ ، +2) أن الهجرة من خارج الاتحاد الأوروبي تمثل فرصة، و(38٪ ، +7) يرون أن الهجرة تمثل مشكلة وفرصة.

يرى بعض المواطنون الأوروبيون أن الهجرة أكثر من فرصة في الدول التالية:

في أيرلندا بنسبة (41٪)، لوكسمبورغ بنسبة (39٪) ، والسويد بنسبة (31٪).

لا يعتقد المواطنين أن الهجرة فرصة في: اليونان بنسبة (3٪)، ولاتفيا بنسبة (7٪)، وكذلك في سلوفاكيا، وبلغاريا، وليتوانيا بنسبة (9٪ من الجميع).

 في خمس دول أعضاء في الاتحاد الأوروبي يعتقد أكثر من نصف المشاركين في الدراسة أن الهجرة هي مشكلة كبيرة، ولا سيما في قبرص بنسبة (61٪)، وليتوانيا واليونان بنسبة (60٪)،

ولاتفيا بنسبة (56٪)، ومالطا بنسبة (51٪).

يزداد الميل إلى اعتبار أن الهجرة مشكلة مع التقدم في العمر. يرى أقل من واحد من كل خمسة، أي نسبة (18٪) ممن أعمارهم بين 15 إلى 24 عاماً أن الهجرة مشكلة. وما يقرب من أربعة من كل عشرة أي بنسبة (38٪) ممن تبلغ أعمارهم 55 عاماً أو أكثر يتبنون هذا الرأي.

 بالمقابل يرى ما يقرب من ثلث أصغر المشاركين بنسبة (32٪) أن الهجرة فرصة. وما يقرب من ستة من كل عشرة بنسبة (58٪) من عموم الأوروبيين يوافقون أن اندماج المهاجرين ناجحاً في بلادهم المنطقة المحلية أو المدينة أو البلد، ولكن هذا الرقم يختلف على نطاق واسع بين دول الاتحاد.

المواطنون الأوروبيون الذين يوافقون على نجاح اندماج المهاجرين بلغت نسبتهم في أيرلندا (86٪)، وفي لوكسمبورغ، وإسبانيا نسبة (76٪)، وفي الدنمارك نسبة (75٪). والأقل موافقة على نجاح اندماج المهاجرين كان في المجر، وبلغاريا بنسبة (كلاهما 40٪)، ولاتفيا بنسبة (42٪).

 بشكل عام، تعتقد أقلية فقط من الأوروبيين أن تحسنا قد حدث في أوضاع المهاجرين. على سبيل المثال، تعتقد أقلية فقط من الأوروبيين بنسبة (39٪) أن نتائج التعليم لأطفال المهاجرين تحسن. يمكن قول الشيء نفسه عن مستويات تعليم المهاجرون البالغون الذين لديهم إقامة طويلة الأمد التي تحسنت.

لا يعتقد ما نسبته (26٪) من الأوربيين أن معدل الفقر تحسن بين المهاجرين. يعتبر الأوروبيون أن تعلم لغة البلد الذي يتنقل المهاجرون إليه مهماً لنجاح الاندماج بنسبة (85٪). وينظر نسبة (69٪) إلى التمييز على أنه يعوق الاندماج. وترى نسبة (67٪) أن تعزيز التكامل هو استثمار ضروري في المستقبل. ويرى ما نسبته (كلاهما 78٪) أهمية مساهمة المهاجرون في نظام الرعاية الاجتماعية عن طريق دفع الضرائب، ويلتزمون بقيم ومعايير المجتمع.

 أكثر من ثلثي المشاركين في الدراسة بنسبة (69٪)  يعتقدون أن صعوبة العثور على عمل قد يعوق اندماج المهاجرين. ويعتبر (67٪) أن المهاجرون أنفسهم مسؤولون عن جهود الاندماج والتمييز.

يقدم (53٪) من الأوروبيين وجهات نظر مختلفة حول ما إذا كان الحكومات الأوروبية تبذل ما يكفي لتعزيز بنشاط اندماج المهاجرين.

 غالبية الأوروبيين بنسبة (69٪) يقولون إن الترويج لنشاط اندماج المهاجرين هو استثمار ضروري على المدى الطويل لبلدهم. مقارنة بعام 2017 فإن نسبة المشاركين الذين يتفقون مع هذا الرأي بقي مستقراً مع انخفاض طفيف في "بالكامل موافق "(27٪ ، -2).

 أكثر من نصف الأوروبيين بنسبة (53٪) يوافقون على أن الحكومات الأوروبية تفعل ما يكفي لتعزيز نشاط اندماج المهاجرين في المجتمع. هذا يشكل زيادة طفيفة بنسبة (+2) عن عام 2017.

 غالبية الأوروبيين بنسبة (58٪) يعتقدون أن الاندماج حالياً يمثل أولوية ملحة، ولكن ليس أولوية قصوى بالنسبة لهم، بل للحكومات.

 أكثر من ثلث المشاركين بنسبة (35٪) يعتقدون أنه يجب وضع الاندماج في مرتبة أعلى على جدول أعمال السياسيين.

 ثلاثة أرباع الأوروبيين بنسبة (75٪) يقولون إن التدابير التي اتخذت لمكافحة آثار جائحة COVID-19 كانت مهمة، وأخذت في الاعتبار احتياجات تكامل المهاجرين.

غالبية الأوروبيين بنسبة (70٪) ينظرون إلى الاندماج على أنه عملية ثنائية الاتجاه، مع مسؤولية متساوية للمهاجرين والمجتمع المضيف كليهما. بالكاد تغير هذا الرقم (+1) منذ عام 2017.

تعتبر أقلية بنسبة (10٪) إن المجتمع المضيف مسؤول إلى حد كبير عن اندماج المهاجرين (+2).

توافق غالبية كبيرة من الأوروبيين بنسبة (83٪) على أن العوامل المختلفة تلعب دوراً حيوياً في نجاح تكامل المهاجرين ببلدهم المضيف.

 أولاً وقبل كل شيء المهاجرون أنفسهم بنسبة (79٪)، ومؤسسات التعليم الوطنية الحكومية بنسبة (76٪)، والمحلية بنسبة (75٪).

***

حسن العاصي

باحث وكاتب فلسطيني مقيم في الدنمرك

...................

مصادر

http://appsso.eurostat.ec.europa.eu/nui/show.do?dataset=migr_pop3ctb&lang=en

https://ec.europa.eu/migrant-integration/news/europe-immigration-mostimportant-issue-facing-eu-eurobarometer-says_en

https://europa.eu/eurobarometer/surveys/detail/2169

مر عام على البدء بالعملية الحربية الروسية على أوكرانيا، وكانت عملية خاصة ومختصرة على أبعاد القوات الاوكرانية عن حدود روسيا والدنباس وجود جمهورية الدنباس ذات الحكم الذاتي والتي يسكنها أغلبية روسية من المتحدثين باللغة الروسية، وكانت روسيا انذاك استعادة جزيرة القرم ذات الموقع الاستراتيجي والتي هي كانت بالأساس عائدة إلى روسيا وأيام الإتحاد السوفيتي أقدم نيكيتا خروشوف وهو من أصول اوكرانية وكان سكرتير الحزب الشيوعي السوفيتي وأوكرانيا هي إحدى جمهورية الاتحاد السوفيتي، أصدر مرسوم بضم جزيرة القرم إلى أوكرانيا، ولاشك حارب الاوكرانيين إلى جانب كل القوميات والشعوب السوفيتية في الحرب الوطنية العظمى (الحرب العالمية الثانية) وقدموا الشهداء كما الشعوب الاخرى حيث قدم الشعب السوفيتي والجيش الأحمر مايقرب 30 مليون قتيل دفاعا عن الوطن السوفيتي وكذلك الإنسانية من أجل تخليصها من الفاشية والنازية (هتلر وموسليني)، وبعد التامر على الاتحاد السوفيتي من قبل غربوتشوف وزمرته انتهى الاتحاد السوفيتي وأصبحت جمهورياته دول مستقله وكانت من ضمنها أوكرانيا وابرم اتفاق مع حلف النيتو بعدم أقامة تحالف مع هذه الدولة وضمها مع دول الاتحاد السوفيتي السابق الى حلف ناتو (حلف شمال الاطلسي)، حتى لايكون هناك تهديد عسكري وتواجد للقواعد العسكرية تهدد أمن روسيا الاتحادية، وقد وقعت اتفاقية مينسك في جمهورية بيلاروسيا، بين روسيا وأوكرانيا ومنظمتة الأمن والتعاون في اوربا وسميت بروتوكول مينسك وقع قادة جمهورية دونيتسك الشعبية وجمهورية لوغانيتسك الشعبية على الاتفاقية في 5 سبتمبر عام 2014 في مدينة مينسك عاصمة جمهورية بلروسيا.

جوليتو كينازا عضو الاتحاد الأوربي يقول في خطاب له في مجلس 2015 وهو استاذ جامعي ومؤسس الحركة الديمقراطية قال إن أوكرانيا ستقودها النازية الجديدة. أوكرانيا سيجعلها الأمريكان مخلبهم لمواجهة روسيا. سيجعلون دونباس ومذابح النازين في لوهانسك شرارة لحرب عالمية ثالثة. الموضوع ليس أوكرانيا هو تدمير اوربا كلها في حرب روسية أوربية. اي عدوان على روسيا هو حرب عليكم ايها الاوربين. امريكا تنحدر ولن يكون لها مستقبل. ولن يكون القرن الواحد والعشرين أمريكيا ما لم تشن حربا مدمرة في العالم.

في جلسة في مجلس الأمن في الأمم المتحدة بناءعلى طلب المندوب الروسي، بشأن تطوير امريكا لأسلحة بيولوجية على حدودها داخل أوكرانيا:

1- تسليم المندوب الروسي وثائق وأدلة في مضبطة

الجلسة تؤكد مايلي: تمويل البنتاغون الرسمي لبرنامج أسلحة بيولوجية واضحة في أوكرانيا، اسماءالاشخاص والشركات الأمريكية المتخصصة بالأدلة والوثائق المشتركة في هذا البرنامج، اماكن المختبرات في أوكرانيا ومايتم حتى الان من محاولات أخفاء الأدلة.

2-اعلان مفاجأة أخرى من مندوب روسيا بأماكن المختبرات الأمريكية التي تعمل في تصنيع وأختبار الأسلحة البيولوجية في 26 دولة حول العالم (بزيادة 12 دولة عن الجلسة السابقة).

3- تحديد المندوب الروسي الأمراض والأوبئة ووسائل أطلقها والدول التي يتم تجربتها فيها ومتى واين تمت التجارب وبعلم حكومات هذه الدول او بدون علمها.

4 - تأكيد المندوب الروسي علانية أن من ضمن التجارب والآثار هو الفيروس عن الجائحة الحالية وكم هائل من الخفافيش المستخدمة في نقل هذا الفيروس.

5- امريكا تنفي وفرنسا وبريطانيا تحالف معها (و الصدى داخل شعوب هذه الدول عنيف للغاية)ويميلوا لتصديق هذه الرواية تحت الضغط النفسي الذي خلفته الجائحة على الجميع.

6- منظمة الصحة العالمية تنفي معرفتها بوجود تجارب بيولوجية في أوكرانيا وتقول كل معلوماتنا انها مختبرات طبية بحثية لمقاومة الأمراض (وروسيا تثبت بالأدلة مكتبات وزيارات منتظمة لخبراء من منظمة الصحة) للمختبر الامريكية المشبوهةحول العالم.

7- الصين تهاجم الجميع طالما انتم تلفون وواثقون من براتكم لماذا ترفضون باستماته إجراء تحقيق من متخصصين للوقوف على الحقيقة خاصة مع وجود وثائق وأدلة دامغة.

وللرئيس الكرواتي (زوران ميلانوفيتش) صرح أمام القمة الأوربية وبحضور ممثل أوكرانيا: من يريد يهزم المنتصر بالحرب العالمية الأولى والثانية فهو غير طبيعي او مخدوع. شبه جزيرة القرم واقاليم دونيتسك ولوغانسك وخيرسون وزابوروجيا وكل شرق أوكرانيا وغيرها لن تعود إلى أوكرانيا أبدأ. وكل ما أستمر المعركة ستضل روسيا أقوى فأنا اعلم من هم الروس وماذا يخفون وسوف تستمر تضم مزيدا ومزيدا من الأراضي الاوكرانية الذي اوقعها الممثل الكوميدي بالفخ بهمسة أمريكية الذي سوف تتخلى عنه بثواني لان روسيا لن تتوقف حتى توصل بولندا).

الولايات المتحدة الأمريكية وسياسة رئيسها الجمهوري بايدن، راح يعمل مع الاتحاد الاوربي ودول حلف الناتو، بأرسال الأموال والأسلحة إلى نظام النازي الجديد زلينسكي موجها الأخرين في هذه الدول بتزيد أوكرانيا بالأسلحة والعتاد من بولونيا وألمانيا، من أجل اطالة الحرب مع روسيا، والمعروف أن روسيا كانت تجهز اوربا بالغاز الروس عن طريق انبوب السيل الشمالي عملت المخابرات الأمريكية على تفجير هذا الأنبوب وقدمت روسيا الاتحادية وثائق تدين هذه الجريمة التي أقدم جهاز المخابرات الأمريكية على تنفيذها، واقدم الأمريكان على إعداد فصيل من المرتزقة للقتال إلى جانب الجيش الأمريكي، ولسوء حظ الأمريكان أن أحد هؤلاء المجند الأمريكي الجنسية كان يخطط للتعرف على هذا الفصيل ومهماته ومن هم أعضاء هذا الفصيل تسنى له أن يجمع كل المعلومات والوثائق ويهرب بها إلى الجانب الروسي وهي معلومات عسكرية مهمة وعندما سؤل، عن لماذا أقدم على هذا العمل، قال انا شيوعي وهو عضو في الحزب هذا مادفعه إلى هذه العملية المغامرة.

زلينسكي في آخر تصريح له يطالب السلطة الأمريكية في إرسال أبنائهم وبناتهم للقتال إلى جانب الجيش الاكورايني، وعدد من الأمريكان كتبوا في مواقع التواصل الاجتماعي، اننا لن نرسل ابنائنا وبناتنا للقتال مع النازية، كان هذا ردهم بتسميت النظام الاوكرايني كنظام نازي جديد، ويخفى على المتابع للحدث أن النظام العنصري في الأرض المحتلة متمثل بدولة الكيان الصهيوني، يقف إلى جانب حكومة زلينسكي يمدها بالمال والسلاح، بحجة أن روسيا لم تحترم سيادة دولة أوكرانيا وحتلت أجزاء منها، ونسأل كيف انتم احتليتم فلسطين العربية وجئتم بالمستوطنين من كل بلدان العالم ؟ !، مما اتخذ الروس موقفا من (إسرائيل) في عدوانها على سوريا محذرا وبشدة في حالة تكرار الاعتداءات، أصبحت (إسرائيل) والامبريالية الأمريكية تعلم العالم بالديمقراطية وحقوق الشعوب في تقرير المصير، نسأل الأمريكان: أين أنتم مما تقولونه اليوم، انسيت تدمير الشعوب في العدوان العسكري والحصار كما في العراق وسوريا تحت حجج منها أسلحة الدمار الشامل، وانتم بأنفسكم بعدها اعترفت كما قال كولن باول.

انكم ظللتم الرأي العام بكذبتكم في تدمير العراق من أجل دولة الكيان الصهيوني، وسرقت نفطه وثرواته وتراثه الحضاري، وتريدون الحفاظ على القطبية العالمية، من أجل قيادة العالم لنهب ثروات الشعوب، والتحكم بأقتصاده من أجل بيعه السلاح وما يصنع من قبل الشركات الرأسمالية الجشعة، لا.. والف لا، اليوم العالم يطمح بتعدد الاقطاب، وبدونكم ليعم السلم في العالم وبدون حروب.

***

محمد جواد فارس

طبيب وكاتب

 

تبدو الديمقراطية واحدة من المبادئ الحاسمة في اختبار السلوك وتوصيف الأحكام عن طبيعة السلطة وحراكها واستحكاماتها، وتعد الديمقراطية بمبادئها العامة، الثغرة النافدة التي تعطي المبرر المنطقي لمنظمات وهيئات ذات مصالح متشابكة ومترابطة، لتأشير الإخفاق وإثارة التساؤلات ورصد الظواهر والخصائص الأساسية الكلية لطبيعة نظام الحكم، أي نظام حكم كان. ومن ثم توصيف طبيعة تعامله مع الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وعلاقته بأفراد المجتمع، وطابع ردود أفعاله تجاه حاجاتهم الآنية والمستقبلية، وهل هناك علاقة تكافؤ بين السلطة والجماهير، لخلق توازن مرن لتامين السلم المجتمعي. ومن خلال حيثيات هذا المدخل والمراقبة، تكون الديمقراطية بابا للضغط على السلطات لأجل بناء قواعد للسلوك والقيادة، بالرغم من كون هذا المدخل دائما ما يكون واجهة لما هو أبعد من ظاهره.

مع التطور التاريخي المتسارع، يبدو أن معادلة الديمقراطية أصبحت أكثر تنوعا وتشابكا وتأثيرا، فقد خرجت لما وراء حدود الدولة القومية، وتم ثلم الكثير من الخصوصيات الوطنية، لصالح شراكات دولية، إثر ظهور نماذج لروابط بعيدة ومؤثرة، تتمثل بصيغ العولمة الاقتصادية والتقنيات والمعلوماتية، وتشابك مشتركات المصالح الدولية والهيئات والمنظمات الدولية، التي باتت العامل الأقوى في التأثير على سير الأحداث وقلب المعادلات، والضاغط الأكثر قوة لتغيير أنماط السلوك والتفكير المحلي، ودفعه لمواكبة متطلبات الشراكة الدولية، ومن ثم صناعة التوجهات وأساليب وسياقات العمل والعلاقات حتى اليومي منها، بما يتناسب وتلك المشتركات العالمية.

 تعرف الديمقراطية بمبادئها وقيمها الأساسية، وتلك القيم والمبادئ هي التي تقدم الدليل الحيوي على فاعلية ونشاط وحقيقة علاقة المؤسسات والأفراد بنموذجها الأمثل، ونوع الترتيبات والطرق المتخذة لصيانتها وتطويرها.وفي عموم مظاهرها تبرز القواعد والقيم من مثل، مشاركة المجموع في صناعة القرار العام، وتأثيرهم على صناع القرار، وكذلك المساواة الفاعلة بينهم في الموقف، والتمثيل والمسؤولية والشفافية والتفويض، والقدرة على التأثير والسيطرة على اتخاذ القرار، وإزالة احتكار النخبة له، والمكاسب الناتجة عنه، وكذلك مدى فعالية وشفافية النظم التي تتحكم بعمل المؤسسات المدنية (السياسية ـ المهنية ـ الاجتماعية) والى أي مدى تتخطى تلك الفعاليات التشوهات والتعديات والتقسيمات الجنسية والدينية والعرقية، وما هي الحصانة الفاعلة لنظام المؤسسة المالي والإداري، ضد اشتراطات المصالح الخاصة .كل ذلك يمكن من خلاله تعريف الديمقراطية وتقييم علاقة تلك الفعاليات والمؤسسات بقواعدها .

في محاولة لتقييم وضع الحكومات التي تدير وقائع الحدث اليومي في العالم الثالث، وضمن البحث في تأثير هذا المضمار الواسع من العلاقات الدولية المتشابكة والمعقدة المتعددة الأوجه،  ولكون العديد من تلك السلطات تفتقد حقول السياسة والإدارة فيها، لأي نوع من أنواع الحريات والسلوك الديمقراطي. فقد باتت تتعرض لضغوطات وجرعات حث مستمرة، لزجها في حومة الحراك الدولي ودفعها نحو خيار النهج الديمقراطي كسلوك عمل،  ولذا ما عادت معزولة أو محصنة في بعدها الوطني.

إن مثل هذا التوصيف يضعنا في خانة الطعن في بعض القوى دون غيرها، وبالذات القوى الحاكمة، ويقودنا لتغافل الحقائق حول موقف الآخرين وقيمهم، وعليه يتوجب للوصول إلى الفكرة الأعم، بافتراض تقصي جميع ذلك الخليط غير المتجانس، والتداخل المربك بين الطبقات والشرائح الاجتماعية في هذا العالم المترامي الأبعاد، ونتاج مؤسساته المدينية على مستوى الأداء والفاعلية والمشاركة والشفافية المبدئية.

لذا وفي محاولة تقصي المسيرة الديمقراطية في الحياة العامة، فإن مثل هذا المبحث يسترعي الإشارة أيضا للكثير من القوى العلمانية في هذا الجزء من العالم، والتي سنحت لها الظروف، امتلاك شيء من السطوة وبناء قواعدها الجماهيرية. وهنا لا حاجة لنا للتكرار والاستعانة بقائمة الخروقات اليومية لحقوق الإنسان والديمقراطية، التي ترتكب من قبل تلك القوى العلمانية، والذي يفرض علينا الواقع وضعها في خانة القوى التي لا تتمتع بعلاقة سوية مع الطبيعة والسلوك الديمقراطي، وفي المحصلة النهائية نجبر على تصنيفها ضمن القوى المضادة للديمقراطية وحقوق الإنسان، وما أكثر هذه النماذج والكتل والشرائح وما أوسعها وبالذات في العالم العربي، والشرقي أيضا. لذا لا يمكننا حصر واختزال إشكال الديمقراطية عند حدود نموذج بعينه، وضمن نمط قيمي أيدلوجي، والافتراض عنوة أن العلمانية أو اليسار قلعة حصينة للديمقراطية وحقوق الإنسان.

في نظرة فاحصة لتشكيلة قوى العلمانية واليسارية، نجد أن هناك الكثير من الجفوة بينها ومفهوم الديمقراطية، وكذلك وجود تمويه ملتبس لمفهوم العلمانية، وهذا أيضا من عيوب الكثير من القوى بمختلف أشكالها ونماذجها القومية والمحلية (اليسارية والمحافظة). ولا يمكن قصر الإشكال عند هذه الحدود أو تقنينه بآليات وملكات تختص بها تلك القوى دون غيرها، وإنما الواجب يفترض النظر بموضوعية، لهوامش أخرى تتحكم في المسار العام للعلاقة بين الوعي الديمقراطي والوعي الاجتماعي، ومن ثم تأثير القيم والعادات والتقاليد، في تركيبة ونشوء تلك الفعاليات. يضاف لذلك العلاقة الملتبسة والمشوهة، التي تنتظم وفقها نماذج الأداء السلطوي وآليات القوانين والدساتير المشرعة، وتأثيرها في طبيعة التكوينات والمؤسسات السياسية والاجتماعية، ومدى القسوة والعنت الذي يمارس لتعميم وفرض خيارات متخلفة محبطة وباعثة على الخيبة، في ظل غياب سلطة القانون والتشريعات التي تحمي المواطن وتكفل حقوقه وتعطي لمؤسساته المدنية حرية الخيار والحركة والتطور.

مجمل قوى اليسار والعلمانية العربية نشأت وفق خيار استيراد الأيدلوجية من الخارج أو محاولة خلق توليفة بين المستورد والمحلي (قومي ـ تراث وطني) باستعارات للخروج بنموذج، اعتقدت تلك القوى بأنه الخيار الأكثر حضارية وعقلانية، وأنه الأقرب لنبض الشارع، والأكثر قدرة على مواكبة التطور. وكان ولا زال التجريب والاستعارة وردود الفعل الآنية، الصفة الغالبة على الخطاب الأيدلوجي، لجميع تلك القوى السياسية، مما جعلها تتخبط في الرؤى والأفعال، وأصبح من العسير عليها إكمال مشوار نهضتها وعدتها المعرفية وقدراتها التنويرية، وهذا ما جعل الوضع السياسي بمجمله يعيش أزمة حقيقية، تتمثل بقصور بائن في مواكبة التطور الحضاري ومعطيات العصر، وتخلف البنية التنظيمية لتلك القوى، بالرغم من اعترافنا بطليعيتها وتقدمها على باقي تشكيلات المجتمع. فصفة اللاثبات لا زالت تميز فكرها وفعلها السياسي .

سجلت سنوات الخمسينات والستينات والسبعينات نزوعا حقيقيا لكثير من القوى القومية العربية نحو اليسار، وتبني الفلسفة الماركسية كخيار تاريخي. وكان الظن، أنه يعيد بعث الهوية القومية علميا، وفي ذات الوقت يقوم بخلق ثقافة تهمش العواطف القومية وتقضم أضرارها. وكانت ساحات انتصار ذلك التوجه، واضحة للعيان بين أوساط حركات الكفاح المسلح الفلسطينية والخليجية وفي اليمن وشمال أفريقيا وغيرها من أماكن وحضور للحركات العلمانية القومية في الوطن العربي. وساهمت الحركات الفكرية الماركسية في إنضاج توجهات تلك المشاريع، ليصبح المد اليساري الواجهة الأكثر حضورا والأشد مكنة في الشارع السياسي العربي.

ولكن المؤسف أن تلك التحولات اقتصرت على استعارات مشوهة وهجينه للرطانة (السوفيتية)، من مثل تبجيل خيار حكم النظام الحزبي الشمولي البعيد كليا عن المفهوم الماركسي للطليعة. واستمر العمل الحزبي بذات التوجهات السابقة كناتج ملتبس للعمل السري الخالي من الانفتاح والنقد، والخانق للمبادرات والتعبير الفردي بحجة الديمقراطية المركزية والشرعية الثورية. وقد فرض الأداء السلطوي العدائي الكابح للحريات والعلنية، على تلك الأحزاب والفعاليات خيار الإيغال في الإجراءات السرية والتشبث بالمركزية، واتخاذها كمتاريس للحصانة في مواجهة الأساليب العدوانية للسلطات الحاكمة، وعمم ذلك في النظم والعلاقات الحزبية الداخلية، ومع هذا بات من العسير على المبادرات الفردية اختراق التبريرات والحجج القاضمة للديمقراطية دون التعرض لتهمة الخيانة والتحريف .

إن أي رصد للواقع السياسي العربي وقواه الناشطة، يؤشر اليوم لهول التردي الذي وصل إليه وحجم التحديات المفروضة عليه.ولو أردنا المقاربة، فأن أول ما يواجهنا هو الحقيقة المرة في انعدام الديمقراطية والحريات والشرعية القانونية، ليس فقط للهياكل الرسمية لمؤسسات الدولة، وإنما داخل مؤسسات المجتمع المدني، وعلى رأس قائمتها التيارات الفكرية والسياسية، التي لم تكن الديمقراطية لتحتل مكانة متقدمة في جدول أعمالها . وليس من العصي التدليل على حجم ذلك التردي، لو أطلعنا على الآليات والنظم والعلاقات الداخلية التي تسير عمل تلك الفعاليات والتيارات.فنجد فيها هياكل تنظيمية تتعاطى العمل السري وتداول المحظور، وتشيع في أوساطها (ازدواجية المعايير، الخطاب الفكري المتحيز، السلطة الكهنوتية الأبوية، الإقصاء والتخوين والطعون، تقبل المساعدات المالية المشروطة، الضغوط على الأعضاء لتغيير المواقف، التكتل والشللية والإقصاء، التطير من النقد، الانغلاق على الذات وعدم القبول بالرأي الأخر والحفاظ على روح الوجاهة والقرابة واللحمة، والنزعة الطائفية والمناطقية والعشائرية وتقديس الأفراد). كل تلك العيوب هي منجز جماعي، ساهمت فيه القوى الفكرية والسياسية العربية، بما فيهم صناع الثقافة ومنتجوها ومبدعوها ومؤسسات المجتمع المدني، ومن الإجحاف اختزال مسببات ذلك الخراب فقط عند أروقة السلطة الحاكمة وشخوصها ومؤسساتها، رغم أن ثقل الإشكال يقع بالدرجة الأولى على عاتقها.

إن هذا المشهد المتناقض والشديد الالتباس، يؤشر لازمة فكرية شاملة تلف الكثير من الفعاليات والقوى الثقافية والسياسية العربية، ويؤكد هشاشة وتصدع هويتها الفكرية وفقدانها لقناعاتها بقدراتها الذاتية في مواجهة المحن والأزمات، ويشخص الخلل الكبير في منهجية واستراتجيات تلك القوى والأثر الضار والمدمر الذي تركه ويتركه العمل السري والتغييب القسري للديمقراطية.

***

فرات المحسن

العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا، وهي تدخل عامها الثاني، تكشف لنا كل يوم مفاجأة تختلف عما قبلها، فحجم المؤامرة الدولية الخطيرة، والخطط الامريكية الجهنمية، وأطماعها في القارة العجوز لن تنتهي، ومنذ الايام الأولى للعملية، كشفت روسيا حجم وعدد المختبرات البيولوجية الامريكية الخطيرة المنتشرة في أوكرانيا، وما تقوم به من تجارب علمية خطيرة، تستهدف البشر قبل الحجر، ومرت الأيام، لتكشف العملية الخاصة، النوايا الامريكية لتدمير العلاقة المتينة التي كونها مجلس الاتحاد الأوربي – الروسي، وفي المقدمة منها التعاون في مجال الطاقة، وتفجير خط الانابيب الغاز " السيل الشمالي "، ناهيكم عن القرار الأمريكي بنقل جميع الشركات الاوربية الكبيرة للعمل في الولايات المتحدة، بهدف تجريد أوروبا بالكامل من عنصر قوتها الاقتصادية، ولم يقف الحد عند هذا فحسب، بل وكما اعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أن الامريكان يهدفون الى تقسيم روسيا. .

واغرب ما ستتعرفون عليه اليوم، يخالف جميع توقعاتكم، وتوقعات كاتب هذه السطور، فتلك المقاصد الامريكية في شن حربها على روسيا بالإنابة، مستغلين جهل وغباء الرئيس الاوكراني " زيزو "، وتصويره على انه قائد قومي اوكراني، وتنظيم استعراضات بطولية، حتى تصور نفسه بالفعل " البطل المغوار "، ويمكن ملاحظة ذلك حتى في مشيه امام الكاميرات، فاردا يديه، ومقوسا ارجله، ومرتديا ملابس أبطال أفلام المغامرات الامريكية، باعتباره منقذ البشرية، ونسي نفسه، بأنه مجرد " مهرج "، لا تتعدى امكانياته خارج خشبة المسرح، وهو يقدم " وصلاته التهريجية "، أمام جمهور لا يرى فيه اكثر من ان يكون " دمية ".

تصريحات السياسيين الغربيين بأن بلادهم - الولايات المتحدة وبريطانيا العظمى - على استعداد للقتال "حتى آخر أوكراني"، (وليس حتى آخر جندي امريكي أو بريطاني)، اكتسبت معنى إضافيًا، فإنهم لا يرون الأوكرانيين فقط على أنهم كتلة حيوية مرسلة للذبح، لكنهم يريدون تطهيرًا كاملاً للإقليم، لماذا؟ فقد تم التعبير عن هذا بواسطة المرشحة الرئاسية السابقة ووزيرة الخارجية الامريكية السابقة هيلاري كلينتون، في مقابلة مع شركة التلفزيون الأمريكية ABC News بشأن مستقبل الولايات المتحدة، اتضح أن الأمريكيين بحاجة إلى الأرض لإعادة التوطين في المستقبل القريب.

قد يبدو للبعض بأن العبارة غير مفهومة للبعض منكم، وما المقصود بإعادة التوطين؟ ومن هم الذي سيعاد توطينهم؟، فأتضح ان الدعم الكبير الذي تقدمه الولايات المتحدة الامريكية وبريطانيا، والضغط على دول أوروبا بشكل كبير، ليقدموا كل شيء من اجل " انتصار أوكرانيا "، لا تحمل أي نوايا صادقة تجاه الشعب الاوكراني، او تحقيق نصر اوكراني، لأنهم أصلا يعرفون بان كييف لا يمكن لها الانتصار في معركة " خاسرة " سلفا، ولكن هي محاولة أمريكية لاستنزاف روسيا وأوكرانيا على حد سواء، وتدمير شعوب شرق أوكرانيا، خدمة لمشروع أمريكي الجديد القديم، والذي أعلنته الوزيرة السابقة بيل كلينتون، باسم " الدولة الامريكية" في أوربا .

ويعتقد العالم كله أن الولايات المتحدة، تدافع عن حرية واستقلال أوكرانيا، وتريد إعادة شبه جزيرة القرم إلى أوكرانيا، وضخ حشود من المهاجرين من أمريكا إلى الميدان، وفي نفس الوقت، لتطهير الأراضي المجاورة من الشعوب الأدنى مثل البولنديين والهنغاريين والرومانيين، وسيذهب هؤلاء لاستكشاف رمال إفريقيا المليئة بالحيوية ورعي الجمال في الصحراء العربية، فالولايات المتحدة، وكما توضح كلينتون، لا يمكنها تجاهل التدهور الكبير في الوضع الجيوفيزيائي في منطقة منتزه يلوستون الوطني، والذي يهدد وجود أمريكا الشمالية ذاته، و يلوستون ليست مزحة، إنه ينتمي إلى فئة البراكين العملاقة، التي تؤدي ثورانها إلى كارثة كوكبية، تحدث مثل هذه الانفجارات كل 50-150 ألف سنة، ويقترب وقت يلوستون، وفقًا للعلماء، ويمكن أن يؤدي انفجار هذا البركان، إلى إطلاق ما بين 1000 إلى 2500 كيلومتر مكعب من الجسيمات الصلبة على شكل رماد، يقع الجزء العلوي من البركان داخل دائرة نصف قطرها 30-50 كم في أحشاء الكوكب، وسيغطي الرماد كامل أراضي الولايات المتحدة، بطبقة سمكها 30-100 سم، وسيكون عدد الوفيات في الساعات الأولى من 50 إلى 80 مليون شخص، وسيتم تدمير البنية التحتية للحياة بأكملها، فقط أجزاء من الكوكب بعيدة عن يلوستون، مثل شرق سيبيريا، سيكون لديها فرصة للبقاء على قيد الحياة.

والديمقراطيون الذين تنتمي إليهم كلينتون، يؤكدون انه لا يمكن للولايات المتحدة أن تتجاهل الوضع، والذي يهدد بعواقب كارثية على أمريكا الشمالية، ويعرض وجودها ذاته للخطر، ولم يتبق سوى القليل من الوقت للحفاظ على استقلال الولايات المتحدة وازدهارها، وبالتالي، من الضروري النظر بشكل أكثر حسمًا وثباتًا، في مسألة نقل الدولة الأمريكية إلى الأراضي الأوروبية، و يجب اعتبار الخيار الرئيسي لإعادة التوطين هذه أراضي أوكرانيا، حيث تكون الظروف المناخية مواتية للمواطنين الأمريكيين، ومع ذلك، وبسبب تضافر بعض الظروف، فإن حل هذه المسألة في خطر .

نعم، مشروع أمريكي خطير، يقضي بالقضاء على دول البلطيق وأوكرانيا ومولدوفا وبولندا، لطالما اعتبرتهم واشنطن، بمثابة "دول نفايات بيولوجية ميؤوس منها " بحسب تعبير كلينتون!، فالولايات المتحدة الأوروبية ملزمة باحتلال المنطقة التي دخلت فيها الدول في غيبوبة، مع عدم وجود احتمال للتعافي، واليوم، وبطبيعة الحال، هذه هي أوكرانيا، التي تحتل مساحة كبيرة ومربحة اقتصاديًا، والتي لم تتمكن السلطات المحلية من إدارتها بعقلانية لمدة ربع قرن، وحيث لم يشهد العالم بأسره سوى زيادة تدريجية في المجتمع والدولة، وتدهور ديموغرافي واقتصادي من سنة إلى أخرى .

ووفقا للمفهوم الأمريكي، فإن مغامرة الولايات المتحدة في خطر، لأن جزءًا من المنطقة، يعيش بالفعل تحت العلم الروسي، و من المحتمل أن تكون كلينتون حزينة من هذا الظرف، لكنها لا تمنعها في تخيلاتها، وقالت "يجب ألا نتخلى عن هذه المنطقة باعتبارها الأكثر ملاءمة لإعادة التوطين الأمريكي العالمي، بسبب موقف روسيا، وسنواصل تنسيق الضغط الدولي لإعادة شبه جزيرة القرم إلى مساحة إقليمية واحدة "، بالإضافة إلى ذلك، من الضروري القيام بعمل تمهيدي حول ضم أراضي العديد من دول أوروبا الشرقية إلى الولايات المتحدة الأوروبية المستقبلية - بولندا والمجر ورومانيا ودول البلطيق، وبالتالي والكلام للوزيرة السابقة، " وسنكون قادرين على توسيع مساحة المعيشة اللازمة حتى لا نشعر بالضيق ولدينا احتمالية لمزيد من التنمية الصناعية والاقتصادية ".

وعن مصير مواطني الدول التي أشارت إليها، أشارت هيلاري، إلى أنه ليس بالأمر الأسمى، لأن السكان سيكونون سعداء بالحصول على جنسية الدولة الجديدة - الولايات المتحدة الأوروبية، لكن كلينتون حذرت من أن مثل هذه الفرصة لن تتاح للجميع - فسيتم طرد بعض السكان المحليين إلى الشرق الأوسط ودول أفريقيا، وتعرب عن أملها في أن تتمكن الولايات المتحدة الأوروبية بشكل مناسب، من استبدال سوء التفاهم غير الحكومي على المنصة الأوروبية، نتيجة لذلك، ستجد واشنطن لغة مشتركة مع روسيا والصين و " نصبح جيرانًا جيدين وشركاء تجاريين متساوين لا يحتاجون إلى أي حروب واضطرابات ".

وان كانت كلمات الوزيرة السابقة للكثيرين، تقترب من الهوس، وأنه كاد سيُنسى، لولا مستشار الأمن القومي لرئيس البيت الأبيض، جيك سوليفان، الذي يرى ان دعم الولايات المتحدة لأوكرانيا، يجب حل مسألة الحاجة إلى" الاستيلاء "على شبه جزيرة القرم، على الرغم من حقيقة أن موسكو تعتبر أن قضية القرم مغلقة تمامًا، وقال سوليفان في مقابلة مع شبكة CNN أن ما سيحدث في نهاية المطاف لشبه جزيرة القرم في سياق هذه الحرب، فضلاً عن تسوية هذه الحرب، هو أمر يجب أن يفعله الأوكرانيون بدعم من الولايات المتحدة.

والمفاجأة الثانية هي، إدعاء الامريكان، بأن هناك حقوقا تاريخية لهم في إقليم القرم الروسي، وانه سيكون من السذاجة الاعتقاد أنه حتى بعد 100 عام، يمكن أن يتخلى الأمريكيون، كما يعتقدون، عن حقوقهم القانونية في شبه الجزيرة !!، وهو موضوع مستقل آخر، سنسلط الضوء عليه في مقال آخر، فإننا لم نستفق بعد من الصدمة الأولى، المتمثلة في هذا المشروع " الخبيث واللئيم "، والذي لا يفكر فيه، سوى أولاد " الجنية " !!، وكلمات كلينتون ليست مجرد غمغمة من الطراز القديم، لقد تم الإعلان عن الهدف الاستراتيجي، وتم الاتفاق على جميع الرسائل، وتم إزالة الأقنعة بالكامل، وبالتالي فإن الحرب العالمية الثالثة تدخل مرحلة جديدة.

***

بقلم الدكتور كريم المظفر

أُختطف المهندس جاسم الأسديّ، العاشرة صباحاً في الأول من (فبراير) 2023، على مشارف بغداد، فالخاطف لا يخشى إلهاً، ولا حكومةً. عادةً يُنفذ الاختطاف في عتمةٍ ليلٍ، فهل سمعتم بخاطفٍ سافر الوجه، وفي وضح النَّهار؟! أشد القوى جبروتاً تختار الفجرَ وقتاً للخطف، «زوار الفجر»! إلا العِراق الخطف به جهاراً نهاراً، وهذا ما حصل مع الأسدي، الذي نذر عمره، ومنذ عشرين عاماً، لإصلاح الأهوار، التي كان صراخ المعارضة مدوياً ضد تجفيفها، وها هم مجاهدو الأمس، يخطفون سادن الأهوار ونورسها، لأنهم يريدونها مشروعاً للتدمير.

ظهر الأسديّ محطماً بعد إطلاقه يوم 15 فبراير الماضي كاشفاً الغرض «ثنيي عن العمل مِن أجل الأهوار... ومطالبتي المستمرة بإدامة هذه البيئة المهمة ثقافيَّاً واقتصادياً... أخذوني إلى جهةٍ مجهولةٍ، بعد أنْ عصبوا عينيَّ، وقيدوا يديَّ، وبقيتُ عندهم خمسة عشر يوماً، اتنقل مِن مكانٍ إلى آخر، في غرفٍ ودهاليزٍ مظلمةٍ، تعرضتُ خلالها إلى أشد أنواع العذاب، أقسى أنواع التَّنكيل الجسدي والنَّفسي، باستخدام معدات مختلفة، منها الكهرباء والعصي والتَّعليق» (تصريح لقناة الشَّرقيَّة). تمعنوا في شهادة المخطوف، وركزوا على «الكهرباء» المتاحة للعذاب، وشحتها للإضاءة!

أقول: أسمعتم بعلو صوت منظمات حقوق الإنسان الإسلاميَّة، زمن المعارضة، وخرسها عندما صار التَّنكيل إسلاميّاً؟! يومها كنا صرعى الأمل الكاذب، ويأتي الإحباط مِن صريع الغواني(ت: 208هج): «وأكثرُ أفعالِ اللّيالي إساءةً/ وأكثر ما تلقى الأماني كواذبا»(الحصري، زهر الآداب).

تعلمنا والمخطوف في المدرسة «الأسديَّة الابتدائيَّة»، التي تأسست(1924)، ثم إعدادية «الجزائر»، حيث اسم منطقتنا قديماً، لأنها مجموعةُ جزرٍ، قطاراتها وعرباتها القوارب، فلا شيء غير الماء. كان جاسم ذكياً فطناً، مخلصاً لوطنه، لذا لم استغرب ما عمله للأهوار، وهو خريج الجامعة التكنولوجية ببغداد، كذلك لم استغرب اختطافه، فحلمه جعل الأهوار محجةً للسائحين، يعيق تجارة الخراب. كانت الأهوار دلتا النَّهرين، منذ عصر الحضارة القديمة، ومَن يزور المُتحف البريطانيّ لا يفوته مجسد بيت القصب، ومجسد القارب (المشحوف)، وقد شاعهما صاحب «العودة إلى الأهوار» في كتابه.

غير أنَّ إحياء الأهوار، وتأهيلها للسياحة يحتاج أمناً واستقراراً، بينما يريدها الخاطف كهوفاً للعنف، والاتجار بالمدمرات، لهدم العراق مِن الدَّاخل، وهذا سلاحٌ أمضى مِن الدَّمار الشَّامل، لذا حصل الصِّدام بين مصلحة الخاطف وحلم المخطوف.

خطفت سادن الأهوار ونورسها الكائنات التي قال فيها صاحب المعلقة طَرفة بن العبد: «إذا ما غزوا بالجيش حَلق فوقهم/ عَصائب طَيرٍ تهتديّ بعصائب»! ومعنى العصائب والكتائب: «العقبان والرَّخم، تتبع العساكر، تنظر القتلى لتقع عليها»(الديوان بشَرح الشَّمنتريّ). هذا، والولي واحدٌ، وإن اختلفت العناوين.

وُهبَ جاسم عمراً جديداً، فمن العادة لا تترك العقبان والرّخم مخطوفيها أحياءً، تقليداً لفتوى أصدرها فقهاؤهم المتطرفون، وهي التخلص مِن الأسير(انظر: دليل المجاهد)، ومعلوم أنَّ المخطوفَ أقلُ حقَّاً بالحياة مِن الأسير. لكن الصُّدفةَ أنْ تم التَّعرف على نمرة سيارة الخاطفين، وعُرف أحدهم، فثارت عشيرة المخطوف، وهذا لم يتح للمخطوفين السَّابقين، الذين قُتلوا وما زالت أسرهم تنتظر عودتهم!

لقد أكثروا الشّكوى عن الظُّلم الذي أصاب الأهوار، يوم كانوا يجاهدون لأخذ السُّلطة بين قصبها وبرديها، وحينها كانت ملأى بالعمائم المسلحة، لكن ما أن تمكنوا صاروا عليها نموذج جلال الدّين أبو القاسم ابن الزَّكي الثَّالث بن معية، نقيب صدر الفراتيّة، الذي قال فيه مزيد الخشكريّ (قُتل: 666هـ): «فكأنّما الهور الطُّفوف وأهله الشّ/ هداء وابن معيّة ابن زياد» (ابن السَّاعي، الجامع المختصر).

صار الخطف حقَّاً مكفولاً لهم، فالخاطف لا يعد نفسه خارجاً على القانون، إنما هو القانون! أقول: مَن ينتصر لحلم المخطوف، فالأحزاب الدِّينيَّة كافة سكتت، والسُّكوت رضا وثناءُ!

***

د. رشيد الخيّون - كاتب عراقي

 

- هناك مثل انكليزي في علوم برمجة الحاسوب يقول:  Garbage in garbage out- or GIGO . بتعبير اخر اذا كانت المدخلات للبرنامج زبالة فالمخرجات ستكون حتما زبالة ولذلك كيف يمكن ان نتوقع نتائج مغايرة عند نشكيل الحكومة قبل ما يقرب ماـة يوم بعد شلل العملية السياسية لعام كامل وعلى نفس اسس المحاصصة والطاـفية الاثنية الكريهة التي عاني منها العراق ولازال يعاني منذ عام 2005 ولحد الان .

عند تشكيل الحكومة السابقة عقب انتفاضة تشرين عام 2019 كان البعض يعتقد بوجود بصيص من الامل بسبب الوعود المعسولة التي اطلقت والتي تبين لاحقا انها مجرد اكاذيب رخيصة خاصة بعد ان وجدنا الان ان رئيسها ومستشاريه يلاحقون اليوم بتهم الفساد وخاصة دورهم فيما سمي بسرقة القرن ومسؤولها الاول نور زهير الذي "تفضلت" الادارة الحالية باطلاق سراحه بكفالة !!

 تحاول السلطة الحالية الهاء الناس بقضايا ثانوية بالنظر لفشلها المتواصل على كافة الاصعدة في تحقيق اي مطلب يذكر على صعيد اصدار القوانين او تلبية حاجات المواطنين الخدمية الاساسية كالكهرباء والصحة والتعليم وكذلك فشل مجلس النواب في تشريع القوانين الهامة كقانون النفط والفشل طبعا متراكم طيلة اكثر من عشرين عاما ليلجاوا اليوم الى القانون 111 لسنة 1969 وهو احد قوانين دولة الدكتاتور الطائش والمخالفة كليا لمفاهيم الديمقراطية وحقوق الانسان التي يتشدق بها النظام الحالي وكل ما قاموا به تحت مزاعم محاربة المحتوى الهابط هو القاء عدد من البسطاء السذج في السجن دون تحذير مسبق او توعية حقيقية في ان المحتوى السياسي الهابط الذي تلوك به السنة السياسيين المتنفذين من نواب ووزراء وزعماء الاحزاب الطائفية والقومية في مجالات التحريض الطائفي والفساد والكذب بعيد كل البعد عن المحاسبة .

ان احدى القضايا الاساسية التي يحاولون تمريرها هو الرجوع لقانون انتخابي يعتمد على سانت ليغو المعدل الذي سبق وان استخدموه في العديد من جولات الانتخابات السابقة قبل انتفاضة تشرين 2019

 التي ارغمتهم على اصدار قانون جديد كان اساسا للانتخابات الاخيرة التي خسرت فيه قوى الاطار الشيعية خسارة مدوية والتي قال فيها الشعب العراقي كلمته بمقاطعة تجاوزت 80% ولكن وبالرغم من ذلك نجدها الان وبالتحالف مع بقية الشلة الطائفية والعنصرية تحتكر السلطة وتقوم بتدوير نفس الوجوه الكريهة الفاشلة التي فقدت صلاحيتها منذ امد طويل ولم تعد تصلح للاستعمال رغم انها فاشلة وفاسدة من الاساس . ان المخاوف الرئيسية متاتية من ان تستخدم ذريعة المحتوى الهابط والاسائة للذوق العام في تكميم الافواه ومحاربة حرية الرأي وقمع الاراء التي لا تعجب الزمرة الحاكمة .

ان العودة لاستخدام سانت ليغو يعني العودة للوراء وتجاهل التضحيات التي قدمها شباب الانتفاضة باستشهاد الكثر من 800 شاب وشابة اضافة لثلاثين الف معوق في وقت لم تقدم حكومة الكاظمي السابقة سوى الوعود الكاذبة والكلام المعسول ولم تحقق في جراتم القناصة والقتلة ولم تقدم حتى مجرما واحدا للمحاكمة على قتل شباب الانتفاضة  رافعي شعار "نريد وطن" اما الحكومة الحالية فلم نستمع منها حتى لوعود لانها تمثل المتهمين بالقتل والاغتيال اصلا وليست ببعيدة عنا حادثة اختطاف الناشط المدني وداعية الاهوار السيد جاسم الاسدي وتعرضه للتعذيب البشع طيلة 15 يوم قبل اطلاق سراحه دون تقديم المجرمين الذين قاموا باختطافه والمعروفين لدى وزارة الداخلية لاية محاسبة ولازال في نفس الوقت مصير السادة مازن عبد اللطيف وتوفيق التميمي الذين جرى اختطافهم قبل ثلاثة سنوات مجهولا لحد الان اضافة للعشرات من جرائم الاغتيال والاختطاف لشباب الانتفاضة والمستمرة لحد الان اضافة لالاف الدعاوى الكيدية .

توجد الان وفرة مالية بسبب الارتفاع النسبي لاسعار النفط مما ساعد الحكومة الحالية على محاولة رفع قيمة الدينار امام الدولار ورغم غلق مزاد العملة بتدخل مباشر من البنك الفيدرالي الامريكي الا ان مواصلة بيع حوالي 300 مليون دولار يوميا للمصارف والبنوك المشبوهة الخاصة لازال مستمرا والمعروف ان معظم تلك الملايين من الدولارات تهرب لدولة مجاورة  خاصة وان ادارة البنك المركزي سلمت من جديد لنفس المدير المسؤل عن مزاد العملة لسنوات طويلة سابقة ولي ينطبق علية المثل الشعبي المعروف "سلم البزون شحمه" .

لقد تراجع الوضع السياسي بخطوات واسعة للوراء حيث تشكلت الحكومة الحالية قبل اكثر من مائة يوم وفق اسس الطائفية المحاصصة البغيضة شانها شان جميع الحكومات التي سبقتها بعد ان تاخر تشكيلها لمدة عام وعلى اثر صعدود 73 شخصا من المرشحين الخسرانين في الانتخابات الاخيرة واحتلوا مقاعد برلمانية لا تعود لهم وهم غير شرعيين ولذلك يعتبر البرلمان فاقدا للشرعية ولذلك لا نستغرب ان نجد رئيسه يتصرف وكان البرلمان هو مزرعته الخاصة ولم يصدر هذا البرلمان المسخ اية قوانين تخدم الناس وليس هذا فحسب بل ان العشرات من النواب يحملون شهادات مزورة ولا يتجاوز تعليمهم الحقيقي مرحلة المتوسطة وهذه الحالة لا تنطبق على النواب فحسب بل على الكثير من الوزراء والمسئولين وهدفهم مواصلة تدمير العراق لان ولائاتهم للدول المحيطة وبعيدين كل البعد عن اية وطنية عراقية حقيقية .

منذ تشكيل الحكومة الحالية تحاول اقلام ماجورة وابواق عالية تسويق رئيسها الذي هو في واقع الحال احد اتباع "مختار العصر" على ليس فاسدا وذو خبرة (كذا) والصحيح انه تسلم مسئولية العديد من الوزارات في زمن زعيمه ولكن لا تعرف اية انجازات حقيقية لتلك الوزارات في عهده اما في الوزارة الحالية فمن انجاراته اطلاق سراح المتهم الرئيسي لسرقة القرن كما يسمونها لان سرقات زعيمه في فترة ولايتيه يعتقد انها وصلت الالف مليار دولار نصفها مفقود ولا يعرف احد كيف تبخرت خاصة وانه لا توجد حسابات ختامية لكافة الميزانيات السابقة منذ 2006 ولحد الان .

أخيرا وليس اخرا واصلت العديد من المليشيات المسلحة اطلاق الصواريخ والقصف بالمسيرات للعديد من المواقع في اربيل اضافة الى استهداف القواعد والتواجد الامريكي قرب الحدود السورية سوية مع اتهامات قوى الاطار للحكومة السابقة بالعمالة والولاء للمحتلين الامريكان ولكن ما ان شكلوا الحكومة الجديدة حتى تبخرت كل الادعاءات السابقة واخذوا يتسابقون في تقديم الولاء والطاعة للقوات الامريكية الصديقة مما كشف زيف ادعائاتهم وحرصهم على استقلال وسيادة العراق .

لذا يبنبغي ان نسأل اليس من حقنا ان نشخص كون مستقبل الغراق على كف عفريت .

***

محمد الموسوي

27-2-2023

نقلا عن مصدر إسرائيلي - قناة كان- من المحتمل عقد قمة دولية في الأردن يوم غد الأحد لبحث وقف التصعيد بين الفلسطينيين والإسرائيليين، ولا نريد هنا استباق الحديث عن نتائج القمة ومدى إلزامية ما سيتمخض عنها وخصوصا أن قمم ولقاءات عديدة جرت قبل وأثناء كل تصعيد عسكري إسرائيلي وخصوصا على جبهة غزة ونذكر هنا بقمة شرم الشيخ في مصر 2009 و2012 ومؤتمر باريس في يوليو 2014 أثناء الحرب على غزة في نفس العام والتفاهمات واتفاقيات الهدنة التي كانت تجري برعاية مصرية وقطرية ودولية وآخرها العام الماضي، كما أن وزير الخارجية الأمريكية بلينكن بحث خلال جولته الأخيرة بداية الشهر مع الرئيس أبو مازن ومسؤولين إسرائيليين وأردنيين سبل منع التصعيد والحيلولة دون اندلاع انتفاضة خلال شهر رمضان .

منذ بدء المراهنة على التسوية السياسية في مؤتمر مدريد 1991 و أوسلو 1993 تجري عملية تهرب من الواقع وتغيير في جوهر الصراع وهو الاحتلال، فتارة يتم جذب الاهتمام إلى الحروب على غزة وصواريخ غزة، وتارة أخرى إلى التقارير الدولية حول الانتهاكات إسرائيلية، وتارة حول العمليات الفدائية وسقوط مدنيين، وأخرى حول اكتساب عضوية فلسطين في منظمات دولية أو التوجه لمحكمة الجنايات الدولية، أو قرصنة إسرائيل لأموال المقاصة الخ كما يتم خلط الحابل بالنابل ويتداخل موضوع الصراع مع الاحتلال مع الصراعات والخلافات الفلسطينية الداخلية كموضوع الانقسام وفشل جهود المصالحة وحصار غزة وخلافة الرئيس أبو مازن وأزمة الانتخابات ثم تأتي إضرابات النقابات لتحقيق مكاسب مادية لتزيد من ارتباكات وتعقيد المشهد الخ ،كل ذلك بهدف إغراق الفلسطينيين بعديد المشاكل وتشتين اهتمامهم وابعادهم عن قضيتهم المركزية وما تتطلبه من وحدة وطنية، أيضا الالتفاف على أي مناقشة جادة في الأمم المتحدة أو في مؤتمر دولي لموضوع الاحتلال.

 الإعلان عن هذه القمة جاء بعد أيام من المجزرة التي ارتكبها جيش الاحتلال في نابلس وبعد يوم واحد من طلب القيادة الفلسطينية الحماية الدولية وهو طلب بحد ذاته ملتبس وغامض، وكأن المراد من هذه القمة القفز حتى عن الإنجازات الهزيلة التي يمكن تحقيقها في الأمم المتحدة من خلال قرارات وتوصيات غير ملزمة.

مجرد أن يكون عنوان القمة (منع التصعيد) فيه تحيز وتضليل ومساواة بين المجرم والضحية، لأن ما يجري هو عدوان من دولة استعمارية ضد شعب خاضع للاحتلال وما يقوم به الشعب الفلسطيني والقيادة الفلسطينية هو دفاع طبيعي عن النفس، ويُفترض في أي مؤتمر دولي أن يركز على موضوع انهاء الاحتلال لأن الاحتلال هو مصدر كل تصعيد وعدم استقرار في فلسطين وفي المنطقة.

نتفهم أن تكون القمة في الاردن لأن التخوفات من (التصعيد) له علاقة بالأماكن المقدسة وخصوصا المسجد الأقصى مع اقتراب شهر رمضان، ومصر وقطر تقومان بدورهما بالنسبة لضبط الأمور على جبهة غزة، وهذه الأماكن تحت الوصاية الأردنية. ولكن التخوف الأكبر أن تؤدي هذه اللقاءات إلى طلب مرابطة قوات دولية على حدود قطاع غزة لمنع التصعيد المزعوم وهذا يعني تكريس فصل غزة عن بقية فلسطين، كما نخشى أن يطلب المؤتمرون في قمة الاردن تواجد مراقبين دوليين في المناطق الأكثر توترا في الضفة الغربية مثل نابلس وجنين وقد رأينا الدور الهزيل إن لم يكن المتواطئ لهؤلاء المراقبين في مدينة الخليل عندما تواجدوا بعد مجزرة الحرم الإبراهيمي عام 1994.

 وأخيرا وفي حالة انعقاد هذه القمة فإنها ستكون مجرد منصة وعنوان للإعلان عن تفاهمات سبق الاتفاق عليها بين الأطراف الفاعلة وخصوصا واشنطن وتل ابيب وعمان والقاهرة، ولا ندري ما هو الدور المنوط بالسلطة الفلسطينية في هذه التفاهمات؟  وهل إن إجراءات أمنية لمنع حدوث انتفاضة يصب في صالح الفلسطينيين أو صالح الإسرائيليين؟

***

د. ابراهيم أبراش

 

التاريخ بين الحياد والانتقاء: في حوار صحافي أجري معه قبل سنوات قليلة من وفاته سنة 1998، أجاب الراحل هادي العلوي على سؤال حول عمله كمؤرخ مُتَّهَم بقراءة التراث كما يراه لا كما هو، فيقول: " إنني كمؤرخ أعالج قضايا التاريخ كما تبدو لي في مصادرها بمنهجيتي المأخوذة عن الماركسية والخلدونية ومنهج توينبي في الأساس؛ وهنا، أتصرفُ كمؤرخ محترف. أما بخصوص التراث فأنا آخذ منه ما يلائمني لأن إحياء التراث واستعماله  يجب أن يكون على أساس الانتقاء. فعندما أكتب بحثاً عن معاوية بن أبي سفيان سأكتبه كمؤرخ محايد، لكن عندما أقوم بتوظيف التراث لنضالنا فإني أهمل معاوية ... ينبغي التوكيد، على أي حال، على فرق الممارسة بين التأرخة المنهجية والتوظيف الثوري للتراث. ص 150 -هادي العلوي، حوار الحاضر والمستقبل/ إعداد خالد سليمان وحيدر جواد".

إنَّ الشق الأول من مداخلة العلوي هذه، يحيلنا الى التأرخة المنهجية الواجب اتباعها في الكتابة عن الأحداث والشخصيات التأريخية، بغض النظر عن موقف المؤرخ الأيديولوجي أو المذهبي منه، وقد ذكر شخصية معاوية كمثال على عملية التأرخة الاحترافية أو التوظيف عبر الانتقاء الثوري لما هو إيجابي وتقدمي في التراث، وهذا الرأي يصلح مدخلا للحديث عن المسلسل التلفزيوني المزمَع عرضه خلال شهر رمضان القادم على القنوات الفضائية "شبكة أم بي س".(شبكة «أم بي س» - وقد أعلنت «أم بي سي عراق» أمس في بيان تعقيباً على قرار منع هيئة الإعلام العراقية عرض المسلسل، أن العمل ليس من إنتاجها «ولن يعرض في الدورة البرامجية للشهر الفضيل والدورات اللاحقة»).

حجج الرافضين للمسلسل:

من خلال متابعتي الشخصية لما نشر حول هذا الموضوع حتى الآن، وجدتُ أن غالبية الرافضين لعرض هذا المسلسل ينطلقون من دوافع ومبررات سياسية واجتماعية متعلقة بحالة الاستقطاب الطائفي "االسُّني الشيعي" القائمة، والتي استعرت بوجه خاص بعد احتلال الولايات المتحدة للعراق سنة 2003، وقيام حكم المحاصصة الطائفية في العراق. وبعدها بعد سنوات بدأت المواجهة السياسية والأيديولوجية بين إيران وعدد من دول الخليج العربي بقيادة المملكة العربية السعودية، تلك المواجهة التي لا تخلو من بواعث ونزعات مذهبية عميقة، مع أنها كانت مستترة ثم جرى تسعيرها من طرف جهات معادية لشعوب المنطقة ولها مصلحة في هذا التسعير . أما الهدف المعلن لدعاة رفض إنتاج وعرض المسلسل فهو تفادي إثارة المزيد من الفتن والاستقطاب المذهبي، وهو هدف إيجابي دون شك، ولكنه لم يعد ممكنا أو مجديا من الناحية العملية والاجرائية.

هذه الحالة والأسباب والدوافع لا يمكن إنكارها أو التقليل من خطورتها، رغم أن هناك من لا يعتقد بوجود علاقة مباشرة لموضوع معاوية بالاستقطاب الطائفي السني الشيعي، لأنه موضوع خلاف حاد بين المسلمين السنة أنفسهم، وهذا صحيح أيضا، ولكنه لا ينفي تلك العلاقة تماما، بل يضعها في سياق أشمل؛ فهل يصح أن يُجعل السبب السيامجتمعي مبرراً قامعاً لكل إبداع فني أو أدبي أو تناول بحثي منهجي لتاريخنا، دون أن يعني ذلك التضحية بالحريات الفردية والعامة؟ وفي المقابل، هل يمكن الموافقة على مفاقمة هذه الحالة من الاستقطاب الطائفي والمذهبي بتقديم أعمال حساسة أو تحريضية مذهبية وذات مساس مباشر بأصولها وتضاعيفها عبر وسائل إعلام حديثة كالتلفزيون الذي دخل إلى كل بيت؟ وهنا ستكون الإجابة بالنفي طبعا، فلا يوجد سبب يبرر القمع الفكري ومنع الإبداع الفني والأدبي أيا كانت وجاهته. فكيف يمكن التوفيق بين الفكرتين: فكرة رفض تسعير الاستقطاب والفتن وفكرة رفض منع الأعمال الفنية والأدبية؟

الموقف النقدي كبديل للقمع:

أعتقد أن الموقف من أي عمل من هذا النوع ينبغي أن يستمد أسسه من مقدار تمسك أهل العمل الفني أو الأدبي المعني كهذا المسلسل بالمنهجية الموضوعية العلمية المحايدة، خصوصا وأن الموضوع إشكالي وحساس، والشخصية المركزية فيه مختَلَف عليها بشدة بين من يعتبر معاوية صحابيا جليلا وأحد كتاب الوحي، ومَن يعتبره عدوا للإسلام ونبيه وآل بيته، وأول من حوٌل الإسلام من الشورى الى الملك العضوض"المطلق". ولكن هذا الخلاف حول شخصية معاوية لا يكفي لتبرير المطالبة بحظر العمل التلفزيوني بحد ذاته، والمرجح - رغم صعوبة الكتابة الاستباقية بل وحتى عدم جوازها حول أعمال لم تكتمل وتُشاهَد- أنّ هذا العمل لن يكون محايدا تماما، خصوصا وأن الأعمال التأريخية التي قدمتها شبكة القنوات المذكورة في السنوات الماضية، لا تساعد على التفاؤل، نظرا لهشاشتها وتوظيفاتها التأليفية والفنية، ومع كل ما تقدم فإن فكرة منع عرضه ليست ذات جدوى من حيث المبدأ، ولكن لسبب آخر، هو أن المنع بات غير ممكن عمليا ولا فائدة منه في عالم الإعلام المفتوح والمنصات والمواقع الكثيرة والمستقلة عن أية سلطة مانعة، وهاكم هذا المثال/ الدليل.

هل يمكن منع الأعمال الفنية اليوم؟

لقد سبق أن مُنعت وحُظرت أعمال سينمائية وتلفزيونية كثيرة ولكنها وجدت طريقها الى الجمهور العريض بطريقة أو بأخرى -لعل آخر مثال من هذا القبيل هو الفيلم البريطاني "سيدة الجنة" الذي كتب قصته وحواره المحرض الطائفي المعروف ياسر الحبيب، فرغم رفض هذا الفيلم من مراجع ومؤسسات دينية شيعية عديدة رفضاً بلغ درجة تحريم رؤيته "لأنه مثير للفتنة الطائفية" كما قيل صراحة، ولكنه ما يزال يعرض على عدة قنوات منها شبكة "زينا" ومنصات رقمية منها "يوتيوب" حيث شاهده أكثر من مليوني شخص. وحسب الموقع الأمريكي المتخصص في الأفلام (Movie Insider) يحتل هذا الفيلم المرتبة الأولى كأكثر فيلم تاريخي ودرامي منتشر في 2021! ولكن بديل المنع شبه المستحيل عمليا يمكن أن يكون أكثر جدوى في وضع العمل نفسه تحت الأضواء الناقدة المنهجية للتقليل من أضراره المجتمعية وتطور السوية الثقافية العامة للجمهور وهذا يتطلب زمنا طويلا وظروفا أخرى.

إن مقارنة سريعة بين فيلم "سيدة الجنة"، المكرس لحياة السيدة فاطمة الزهراء، كريمة النبي العربي الكريم، وزوجة الإمام علي بن أبي طالب، والذي يتفق الجميع عدا صناعه البريطانيين والمؤيدين له من المذهبيين المتشددين الصرحاء، بأنه يسيء إساءات بالغة للخليفتين الراشدين  أبي بكر وعمر بن الخطاب، وأضيف من جانبي؛ أنه لا يقل إساءة إلى الخليفة الراشدي الرابع الإمام علي بن أبي طالب نفسه، الذي يتنطع الفيلم للدفاع عنه وعن زوجته فاطمة الزهراء بطريقة مريبة، والعمل المزمع عرضه عن حياة معاوية بن أبي سفيان تؤكد لنا عدم جدوى قرارات المنع وحتى التحريم.

لقد استنكرت العمل الأول "سيدة الجنة" جهات ومراجعيات شيعية مهمة وأصدرت "فتاوى بتحريم مشاهدته وترويجه وتمويله وأثَّموا من يقوم بذلك لأنه يثير الفتنة بين المسلمين مثل ناصر مكارم الشيرازي، وجعفر السبحاني، ونوري الهمداني، ولطف الله الصافي الكلبايكاني. وقال محمد أصغري في حديث بثتهُ قناة العالم: "وقد اعتبر مراجع التقليد تقديم أي مساعدة لياسر الحبيب على انتاج هذا الفيلم حرام شرعا، وكل الذين يساهمون في إعداد ونشر هذا الفيلم أو مشاهدته يرتكبون كبائر الذنوب، داعين اتباع أهل البيت عليهم السلام، إلى الاعلان جهارا بأن من يبحث عن مثل هذه البرامج المثيرة للخلافات، ليس من مدرسة أهل البيت عليهم السلام، فمثل هذه الأعمال لا تحقق إلا مطالب الأعداء، وهي بعيدة كل البعد عن العقل والتقوى/ صفحة التعريف بالفيلم على الموسوعات الحرة". إن هذه المواقف الرافضة لهذا الفيلم تسجل لمصلحة أصحابها دون شك، ولكنها ستبقى دون كبير جدوى كما أكدت الأحداث والأرقام سالفة الذكر، لهذا أعتقد أن الجهد النقدي والمنهجي الذي يواجه أعمالا كهذه يبقى أكثر فائدة وجدوى عملياً، وأصح من حيث المشروعية المدافعة عن الإبداع الفني والأدبي من الجهد المكتفي بقرارات التحريم والمنع.

انعدام الحياد مراعاةً للممول:

لعل من أهم أوجه انعدام الحياد والمنهجية العلمية الصارمة في تناول الأحداث والشخصيات التأريخية  في أغلب الأعمال التي عرضت حتى الآن، إهمال المؤلفين وكتاب السيناريوهات، لجوانب تعتبر حساسة وروايات مهمة معتم عليها او مهملة عن عمد للأحداث والشخصيات التأريخية موضوع العمل الفني، مراعاةً للجهات المنتجة والممولة. فعلى سبيل المثال، وضمن سياق الحديث عن مسلسل معاوية، هل يمكن لنا أن نتوقع من القائمين عليه أن يمروا على الاتهامات التي وردت في مصادر تأريخية إسلامية مرموقة لمعاوية بالضلوع في مقتل الخليفة الراشدي الثالث عثمان بن عفان؟

ان السائد في السردية التأريخية الرسمية هو أن معاوية، وبعد أن تحول من  والٍ يحكم إقليما متمردا على الدولة المركزية الإسلامية وعاصمتها الكوفة الى خليفة /ملك لدولة الإسلام كلها، رفع قميص عثمان مطالبا بالثأر له. ولكن وجهة النظر التأريخية المخالفة الأخرى والتي تتهم معاوية نفسه بالضلوع في مقتل الخليفة الثالث معتم عليها تماما ولا يجري التطرق إليها حتى من باب العلم بالشيء في الكتابات المعاصرة إلا ما ندر وبطريقة بعيدة عن الأمانة.

سأستعين هنا بفقرات من محاضرة معاصرة للباحث الفلسطيني الإسلامي عدنان إبراهيم حول هذا الموضوع من سلسلة محاضرات له متوفرة على النت بعنوان "معاوية في الميزان حلقة 16 - ج 3": يعتقد هذا الباحث أن "معاوية متورط إلى حد بعيد في قتل عثمان وخذلانه"، وعلل اعتقاده بعدة أدلة وروايات تأريخية. فهو يروي لنا تفاصيل الرسالة التي عُثر عليها في حوزة أبي الأعور السلمي، والتي زوَّرها وختمها بختم عثمان كتابه مروانُ بن الحكم بن أبي العاص كما قال. ونفهم من سياق الرواية أن مروان تعمد أن تسقط هذه الرسالة وحاملها في قبضة المتمردين على الخليفة بعد انسحابهم من المدينة وإجهاض الفتنة.

إن هذه الرسالة المكتوبة باسم الخليفة عثمان وموجهة إلى عامله على مصر عبد الله بن سعد بن أبي سرح، وهو أخو عثمان في الرضاعة، وكان من كتاب الوحي ثم ارتد عن الإسلام وهرب الى مكة، وقد أمر النبي بقتله بعد فتحها  فتشفَّع له عثمان عند النبي فعفا عنه، كانت هي الشرارة التي أدت إلى مأساة مقتل الخليفة؛ ففيها يطلب الخليفة عثمان من ابن أبي سرح أن يقتل محمد بن أبي بكر - وهو من الموالين لعلي بن أبي طالب  وعامله لاحقا على مصر - ويصلب مجموعة من أصحابه المطالبين بعزل عثمان وعامله. وقد عُثر على هذه الرسالة بعد أن نجحت محاولات التهدئة والوساطة التي قام بها عدد من الصحابة وفي مقدمتهم الإمام علي بن أبي طالب وانسحب فريق المسلمين الثائرين على الخليفة بعد أن وعدهم بالموافقة على عزل عامله على مصر. وحين واجه الثوارُ الخليفةَ بهذه الرسالة أنكر معرفته بها، وأقسم بالله أنه ليس كاتبها، فطالبوه بأن يسمي كاتبها فرفض، ويرجح أغلب المؤرخين والباحثين ومنهم عدنان إبراهيم أن كاتب الرسالة هو مروان بن الحكم قريب عثمان من بني أمية، ويعلل إبراهيم رفض الخليفة كشفه برقته وعاطفته للحفاظ على أهل بيته وأقربائه.

لماذا لم ينقذ جيش معاويةُ الخليفةَ المحاصَر؟

ثم يسرد لنا الباحث، كيف أن معاوية أرسل جيشاً من أهل الشام إلى الحجاز (تقول المصادر إنه مؤلف من أربعة آلاف مقاتل أي ضعف عديد جيش المتمردين من أهل مصر والعراق. ع.ل) بهدف معلن هو إنقاذ الخليفة عثمان، ولكن معاوية أوصى قائد جيشه يزيد بن أسد القسري بالمرابطة شمال المدينة، عند موضع ذي خُشُب على مسافة 34 كم من المدينة، وأمره أن لا يبرحه ولا يتقدم ويدخلها، فبقي هناك حتى مقتل الخليفة ثم انسحب عائدا إلى الشام. أما الرواية السائدة فتزعم أن جيش القسري وصل متأخرا، أي بعد مقتل عثمان، وهذا غير صحيح. وفيما بعد، وحين استتب الأمر لمعاوية وأصبح هو الخليفة/ الملك صار أبو الأعمر السلمي، حامل الرسالة المزورة التي أشعلت الفتنة وانتهت بمقتل الخليفة عثمان، من كبار قواد معاوية! يوثق إبراهيم روايته بالقول "وهذا ما رواه عمر بن شُبة البصري في كتابة الضخم "تاريخ المدينة/ متوفر على النت". والبصري المولود سنة 173 هـ محدِّث ومؤرخ من أهل السنة والجماعة يوصف بالمحدث الثقة.

وحتى قبل حدوث الفتنة فثمة دليل يورده المؤرخ  ابن الأثير يؤكد أن معاوية موضع شكوك ومتهم بالتواطؤ، فقد تساهل مع جماعة من الناقمين على الخليفة عثمان حين نفاهم إليه ليضعهم تحت رقابته وكتب له: "إن نفراً قد خُلِقوا للفتنة؛ فأقم عليهم وانههم، فإنْ آنست منهم رشداً فاقبل، وإن أعيوك فارددهم عليَّ". فلقيهم معاوية وزجرهم وأغلظ لهم، ثم أتاهم بعد ذلك؛ وقال لهم: "إني قد أذنت لكم فاذهبوا حيث شئتم لا ينفع الله بكم أحداً ولا يضره، اذهبوا إلى حيث شئتم فسأكتب إلى أمير المؤمنين فيكم". وكتب إلى أمير المؤمنين يهوِّن له من شأنهم ويقول عنهم: إنهم "ليسوا أكثر من شغب ونكير". فكان أن عاد هؤلاء الى المدينة لاحقا، بتسهيل وتساهل مريب من معاوية، وحدث ما حدث. ود.ابرهيم ليس الوحيد بين علماء وفقهاء أهل السنة ممن كانوا يتخذون هذا الموقف المناوئ لمعاوية بل هناك آخرون، منهم مثلا العراقي الشيخ د.  أحمد الكبيسي والسعودي الشيخ د. حسن بن فرحان المالكي، المعتقل والذي يتهدده الحكم بالإعدام في أيامنا، ولهما مداخلات كثيرة تلفزيونية ومكتوبة، نختم منها بمقولة الشيخ المالكي "إني لأعجبُ من  أناس يدَّعون أنهم يحبون النبي ويمدحون أشخاصاً أفنوا أعمارهم في حرب رسول الله وأهل بيته وصحابته على مدى ثمانين عاما". وهو يقصد معاوية كما يُفهم من سياق كلامه في سلسلة محاضرات تلفزيونية بعنوان "حقائق تجهلها عن معاوية بن أبي سفيان/متوفرة على النت" في عدة أجزاء.

إن هذا مثال واحد وبسيط على التفاصيل التي تسكت عنها السردية الرسمية السائدة بسيادة الدول المذهبية التي تركز على جانب واحد هو دور الشخصية التاريخية المعنية، وهو دور تأسيسي في بناء دولة ذات سمات امبراطورية شاسعة الأرجاء هي الدولة الاموية؛ شخصية تمتاز دون ريب بقدرات ومواهب قيادية لا تنكر، ولكن هذا الجانب ليس كل شيء في التاريخ الإنساني. أما أصحاب الأعمال الفنية والأدبية الطامعون بأموال الدولة المذهبية، أيا كانت، فلا شأن لهم في كشف خبايا تأريخنا وتراثنا ودراستها علميا ووضعها في سياقها الصحيح ومقاربة الحقيقة منهجيا وبحياد علمي صارم وايلاء البُعد القيمي والأخلاقي حقه في المعادلة البحثية. إن انعدام الحياد في التأرخة وغياب المنهجية العلمية والنقدية التي تراعي البُعد القيمي وتستهدف أعمالا فنية وأدبية كهذه هو ما يشكل الخطر الفعلي على المجتمعات وليس الأعمال الفنية بحد ذاتها لأنها تترك تلك المجتمعات من دون مصدّات حقيقية في مواجهة التحريض المذهبي والفتن الطائفية والعرقية المخطط لها بدهاء من قبل من يريدون الشر بشعوبنا ومجتمعاتنا.

***

علاء اللامي - كاتب عراقي

منذ أن تأسست الكيانات السياسية الحديثة في الشرق الأوسط بعد اتفاقية سايكس- بيكو، حاولت غالبية النُّخب السياسية ومفكريها وواجهاتها من القوى والجمعيات والاحزاب على نقل التجربة الديمقراطية الغربية إلى تلك الكيانات، دونما دراسة التراكم القيمي والديني والاجتماعي المتوارث في تركيباته، ورغم الكم الهائل من الخسائر الفادحة التي مُنيت بها تلك القوى، إلا أنها لم تحقق الحد الأدنى لطموحاتها وما انتجته لم يتعدى ديمقراطية هجينة لا ترتكز على اية قاعدة ولم تتجاوز صناديق الاقتراع الخالية تماما من الرابط الأساسي والمرتكز الأهم الا وهو المواطنة التي تُشكل النسيج المحبوك لمكونات المجتمع، وقد فشلت تماما في ترسيخ تلك الفكرة التي يتمتع فيها الإنسان بحريته الكاملة في التعبير عن الرأي وتقرير المصير والعقيدة والانتماء واحترام الرأي الآخر، ولعلّ تجارب لبنان وتركيا وإسرائيل هي الأكثر قرباً مما كانت تطمح إليه تلك القوى، إلا أنّها للأسف اصطدمت بإرثٍ هائل من تراكمات قبلية ودينية ومذهبية جعلتها وبعد سنوات ليست طويلة في حقل الفشل الذريع، حيث تمزّق لبنان بين القبائل والطوائف، بينما غرقت تركيا في عنصرية تسببت بمقتل وتهجير ملايين الأرمن والكُرد على خلفية مطالبتهم بأبسط حقوقهم الإنسانية والديمقراطية، وفي إسرائيل التي بشّرَ الكثير من مفكريها وسياسيي الغرب بأنها ستكون نموذج الديمقراطية في الشرق الأوسط، فإذا بها تتحول إلى دولة دينية عنصرية في تعاملها مع سكانها من غير اليهود.

أما بقية دول الشرق الأوسط وبعد حقبة الدكتاتوريات الحزبية والفردية التي اسقطتها او ساعدت على اسقاطها قوى خارجية استطاعت اختراق جدرانها الداخلية مستغلةً العِداء الشعبي لأنظمتها، كما حصل في كلّ من إيران والعراق وليبيا واليمن وسوريا، حيث تدخلت بشكل مباشر في إسقاط هياكل تلك الأنظمة أو تدجينها ومن ثم الانتقال إلى استنساخ تجاربها الديمقراطية في مجتمعات ما تزال تعاني من إشكاليات بنيوية وتربوية واجتماعية ناهيك عن الصراعات العرقية والدينية والمذهبية التي انتجتها اتفاقيات استعمارية في فرض كيانات ودول على تلك المجموعات، وما يحدث اليوم في هذه الدول من فوضى وفساد وتناحر ناتج أساسي من فرض نظام سياسي على مجتمعات يتشتت فيها الولاء والانتماء بين الدين والمذهب والقبيلة والمنطقة على حساب الوطن الجامع والمواطنة الرابطة، هذه المجتمعات التي تعتمد في أسس بنيتها التربوية والاجتماعية على الرمز الفردي ومرجعيته، ابتداءً من الأب ومروراً بشيخ العشيرة وإمام الجامع ومختار القرية والزعيم الأوحد المتجلي في رمز الأمة والمأخوذ من موروث مئات السنين أو آلافها بشخص الأمير أو الملك او السلطان او الرئيس القائد، حيث أدمنت معظم هذه الأنظمة وأحزابها التاريخية العظيمة على مجالس ملحقة بالقائد الرمز.

ومن هنا نستنتج أن أي تغيير خارج التطور التاريخي للمجتمعات بأي وسيلةٍ كانت سواءً بالثورات أو الانقلابات أو التغيير الفوقي من قبل قوى خارجية لن تعطي نتائج إيجابية بالمطلق، بل ستنعكس سلباً ربما يؤدي إلى مردودات كارثية على مصالح البلاد العليا على مستوى المجتمع أو الفرد ولسنوات طويلة جداً وهذا ما حصل ويحصل اليوم في العراق وليبيا واليمن وسوريا، حيث يتمّ فرض مجموعة من الصيغ والتجارب الغربية في بناء نظام سياسي واجتماعي بعيد كل البعد عن طبيعة تلك المجتمعات ووضعها الحالي وخاصةً ما يتعلق بالنظام الاجتماعي والتربوي والقيمي لمجتمعات هذه الدول، ولعلَّ الأهم هو إن صيغة الديمقراطية الغربية ليست من الضرورة أن تكون هي الحل أو العلاج لمشاكل هذه الدول ومجتمعاتها التي تختلف كلياً عن المجتمعات الغربية في الموروثات الاجتماعية والدينية ومنظومة العادات والتقاليد التي تتقاطع في مفاصل كثيرة مع الصيغ الأوروبية لتطبيقات الديمقراطية.

ولو عدنا قليلاً إلى بعض النماذج من النظم السياسية لبعض دول المنطقة لأدركنا كنوزاً كثيرة من تجاربها الناجحة التي أدت إلى تطور المجتمعات تربويا وعلمياً وثقافيا  وإدارياً، هذه النماذج التي اعتمدت العدالة والتطور العلمي تدفعنا للبحث عن سرِّ نجاح تلك التجارب وصيغها في إدارة الدولة التي تواكب منظومة مجتمعاتنا القيمية والاجتماعية والتربوية هذا اليوم، بما يعزز مبدأ العدالة والقيم الخلاقة والحداثة التي تُكرس المعرفة والتطور الحضاري والثقافي والسياسي والاقتصادي في نظام يعتمد العدالة والمساواة والمواطنة بما يحفظ خصوصياتنا التي نختلف فيها تماماً عن طبيعة وسلوكيات المجتمعات الغربية.

***

كفاح محمود

التفاهةُ "مصطلح لعنوانِ العصرِ الحديثِ، بعدُ أنْ أصبحَ عنوان لأحداثٍ كثيرةٍ يوميةٍ ومتواليةٍ في مجالاتٍ مختلفةٍ... ولأنَ" التفاهةَ "قدْ أصبحتْ صناعةٌ رابحةٌ ولأنها تعتبر مصدرا كبيرا، ومعينْ لا ينضبُ لكلِ منْ يبحثُ عنْ المجدِ والشهرةِ في عصرنا، حتى ولوْ كانَ مجدا باطلاً، وشهرةُ زائفةٌ" رغمَ ماكتبة المفكرُ والفيلسوفُ الفرنسيُ/ جي ديبورْ / عامٍ 1967 في كتابةٍ تحتَ عنوانِ (حضارةِ الفرجةِ ) في العالمِ المقلوبِ بشكلٍ واقعيٍ رأسا على عقبٍ، يكون ما هوَ حقيقيٌ وواقعيٌ لحظةً منْ لحظاتِ ما هوَ وهميٌ وزائفٌ". وسيطرةٌ غيرُ الأكفاءِ تدريجيا التي أوصلتْ إلى سيطرةِ التافهينَ على جميعِ مفاصلِ الدولةِ الحديثةِ. إنَ كتابَ نظامِ التفاهةِ "، هوَ عنوانُ كتابٍ لفيلسوفٍ الكنديٍ وأستاذٍ جامعيٍ وكاتبٍ يدعى/ آلانْ دونو / كانَ قدْ نشرَ وأصدرَ هذا الكتابِ" نظامَ التفاهةِ "عامَ 2017 يقول الكاتبُ إنَ الدفعَ بالذينَ يتسمونَ بالسطحيةِ والتفاهةِ إلى الواجهةِ الإعلاميةِ..

اليوم سواءٌ المرئيةُ أوْ المسموعةِ، وبالأكثرِ المكتوبة في مواقعِ التواصلِ اَلِاجْتِمَاعِيّ والجرائد ،ِ والمجلاتِ ، هيَ جريمةٌ في حَقّ الأجيالِ الناشئةِ، والشبابُ الذينَ في سنِ المراهقةِ؛ ويأخذكَ في جولةٍ في حساباتِ المشاهيرِ الجددِ في مواقعِ التواصلِ اَلِاجْتِمَاعِيّ، تجعلكَ تكتشفُ أنهمْ يشتركونَ في سمةٍ واحدةٍ ، وهيَ الاعتمادُ على مفاهيمَ جديدةٍ تقومُ على أسسٍ سطحيةٍ دونَ قواعدَ علميةٍ صحيحةٍ أوْ حتى أخلاقيةٍ- يصرخونَ. ويولولونَ، يقفزونَ، ويرقصونَ، يطبلونَ وينطقونَ بكلماتِ بلا معنى أوْ مغزى.!!

يستهزئونَ بالمقدساتِ، ويدعمونَ الجهلةَ والمستبدينَ والطغاةَ، ثُمَّ تنهالُ عليهمْ عروضُ الاستضافةِ في وسائلِ الإعلامِ المختلفةِ، وعملَ المهرجاناتِ، والندواتُ الثقافيةُ ويلعبُ المجتمعُ اَلْمَدَنِيّ هوَ الآخرُ دور خطيرٍ في المجتمعاتِ الريفيةِ والأحياءِ الشعبيةِ دورَ الراعي في مواضيعِ خارجِ المسارِ على اعتبارهمْ دولةَ داخلَ دولةِ فيستغلونَ الجهلةَ والساذجينَ باسمِ الدينِ وأصبحَ مصدرُ رزقٍ وأبوابٍ للتسولِ المشروعة لبعضهم ..ِ ثُمَّ ماذا تكون النتيجةُ غَيْر: انحدارُ الأخلاقياتِ. وانعدامَ الفكرِ وضياعِ العقولِ. ضياعُ أجيالِ بالكاملِ. حياةٌ بلا هدفٍ. ثُمَّ نتساءلُ: - منْ المسئولُ عنْ هذا الانفلاتِ في غيابِ دورِ الدولةِ والإشرافِ رغمَ وجودِ قواعدَ شكلية للتنظيم ٍ دونَ وعي؛-ِ فإذا كنتُ تبحثُ عنْ شهرةٍ ومجدٍ زائفٍ عليكَ أنْ تَنْضَمّ إلى المجتمعِ اَلْمَدَنِيّ ومناسباتٌ؛ العزاءٍ أوْ أفراحِ أوْ تحتَ غطاءِ أعمالٍ خيريةٍ وتبدأُ بتنزيلٍ بوست وصورةِ لهُ، في مناسبةِ ما ويبدأُ طابورُ المنافقينَ والتافهينَ بالإعجابِ. وقدْ أدى ذلكَ لبعضهمْ في إرتداء لباس ملابسَ أوجلباب َ. أوسعَ منْ عقليتهمْ التافهَ فتجدُ بعضهمْ ينطبقُ عليهِ شخصية "مَحْرُوس بتاعَ الوزيرُ" فيبحثُ التافهُ عنْ مسئولٍ أوْ نائبٍ في البرلمانِ وتتكونُ شلةُ السكرتاريةِ ،والتشهيلاتِ. وتجدهمْ مثلَ الكومبارس في مسرحٍ مفتوحٍ في المناسباتِ. يلتقطونَ صورا لهمْ وراءَ المسئولِ وخاضتا وراءَ نوابِ البرلمانِ. وهذا ماذكرةَ "الأديبِ تَوْفِيق اَلْحَكِيم " في روايتهِ" نائبٌ في الأريافِ." والبعضُ منهمْ يبدأُ تفكيرهُ في الترشحِ. ويعيشَ الأحلامَ والأوهامَ الزائفةَ ، فَكُلّ ما يملكهُ منْ ثقافةٍ هيَ "ثقافةُ الفرجةِ" لنخلقَ جيلاً جاهلاً منْ هؤلاءِ منْ وصولهمْ إلى السلطةِ والدليلِ على ذلكَ نائبٌ في دائرتيْ بعدَ فوزهِ الزائفِ عنْ طريقِ المالِ اَلسِّيَاسِيّ اختفى منذُ فوزهِ على مقعدِ الدائرةِ. لذلكَ ليسَ منْ حقنا الشكوى. للأننا يقودنا تافهٌ

فهلْ آنَ الأوانُ للتوقفِ عنْ تتويجِ" الأغبياءِ "وجعلهمْ أسيادا في المجتمعِ. رغمَ أنَ الكاتبَ ،يعيشُ في كندا باعتبارِ كندا منْ العالمِ المتقدمِ ،ولكنْ ينقلُ صورةً حقيقيةً لعالمنا العربيِ الحاليِ بكلِ تفاصيلهِ؛ أنَ طابورَ التافهينَ يقودهُ تافها وهذا نلاحظهُ يوميا على شبكاتِ التواصلِ الاجتماعيِ ، منْ أصحابِ "السيكوباتيةِ" هوَ مرضٌ نفسيٌ يصيبُ منْ يشعرُ بعقدةِ النقصِ التي تعرفُ في بعضِ الحالاتِ "جنونَ العظمةِ" أيضا فيشعرُ الشخصُ بعقدةِ الجهلِ ويحاولُ أنْ يكملها بأفعالٍ لا يعلمُ أنها مرضٌ نفسيٌ أصيبَ بهِ فيجد طابورٌ يشجعهُ على ذلكَ، إنها الحياةُ الحديثةُ التي لا نعرفُ لها حكايةٌ ثابتةٌ... نعيشُ اليومُ في مجتمعينِ: مجتمعُ أقليةٍ يعيشُ في عالمٍ يعرفُ القراءةَ والكتابةَ وقادرٍ على التعاطي معَ التعقيداتِ وتمييزِ الوهمِ منْ الحقيقةِ، ومجتمع آخرَ يمثلُ أغلبيةً متزايدةً منْ الناسِ ينسحبُ منْ عالمٍ يقومُ على الواقعِ إلى عالمِ منْ اليقينِ الزائفِ والوهمِ ، لدرجةِ أننا لمْ نعدْ نبحثُ عنْ أصدقاءٍ جددَ، أوْ حتى عنْ أشخاصٍ يحبوننا، بلْ أصبحنا نبحثُ عنْ أنفسنا، في عالمٍ جديدٍ يحيطُ بنا منْ تسيدٍ للتفاهةِ والتافهينَ.، توقفنا عنْ مجادلةِ أحدٍ حتى ونحنُ على صوابٍ، أصبحنا نتركُ الأيامُ تثبتُ صحةَ وجهةِ نظرنا، كبرنا هرمنا لدرجةِ ما عدنا نتحدثُ معَ أحد ،ٍ عما يحدثُ معنا، ولا عما يؤلمنا ويداوي جراحنا بأنفسنا، كبرنا وصرنا نفرحُ بصمت رهيب ٍ، ونبكي بصمتٍ، ونضحكُ بابتسامةٍ عابرةٍ، لمْ نعدْ نتأثرُ بمعسولٍ الكلامِ، أصبحنا نريدُ أفعالاً منْ القلبِ، لمْ نعدْ نستهزئُ بأفعالِ الغيرِ، كبرنا وعرفت أنَ المظاهرَ خداعةٌ، وتعلمنا أنهُ ليسَ كلُ ما يلمعُ ذهب، تعلمنا ألا ننتظرَ أيُ شيءِ منْ أحدٍ، وألا نتأملَ بأحدٍ، بلْ تعلمنا كيفَ نكتفي بأنفسنا،؛- أنَ كتابَ "تدهورِ الحضارةِ الغربيةِ" للفيلسوفِ أوزوالدْ أشبنغلرْ، "حضارةُ الفرجةِ" لصاحبِ نوبلْ الأديبِ فارغاسْ يوسا، و "مجتمعُ الفرجةِ: الإنسانُ المعاصرُ في مجتمعِ الاستعراضِ" للفرنسيّ جيءَ ديبورْ " الإنسانُ العاري "لمؤلفيهِ" ماركِ دوغانْ "و كريستوفْ لأبي "وغيرها منْ الكتبِ المهمةِ والأساسيةِ. إنَ أطروحةَ هذا الكتابِ تكمنُ في لفتِ الأنظارِ إلى ما صارَ يحيطُ بنا منْ تسيدٍ للتفاهةِ والتافهينَ في عصرنا." !!!

***

محمدْ سعدْ عبدِ اللطيفْ

كاتبٌ مصريٌ وباحثٌ في الجغرافيا السياسيةِ

 

لا احد ينكر ان إعلان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في كلمته للامة امام الجمعية البرلمانية الفيدرالية في 21 من فبراير الجاري، بتعليق مشاركة روسيا في معاهدة الأسلحة الهجومية الاستراتيجية "ستارت"، ووصول مستوى تجهيز قوات الردع النووي الروسي إلى أكثر من 91%، وما تلاه في اليوم الثاني من تصريحات للرئيس الروسي في ملعب لوجنيكي (الملعب الذي شهد فتتاح بطولة كأس العالم 2018 )، حول نية بلاده تعزيز الثالوث النووي لروسيا، كانت بمثابة صفعة للولايات المتحدة.

الرئيس الروسي ذكر الولايات المتحدة، بأن أول قاذفات لنظام صواريخ سارمات بصاروخ ثقيل جديد ستبدأ هذا العام في الخدمة القتالية، بالإضافة إلى ذلك، الإنتاج الضخم للمجمعات الجوية التي تفوق سرعتها سرعة الصوت "Dagger"، ستبدأ عمليات التسليم الجماعية للصواريخ التي تفوق سرعتها سرعة الصوت في البحر "Zirkon"، و"بقبول الغواصة النووية" الإمبراطور ألكسندر الثالث "في البحرية، ستصل حصة الأسلحة والمعدات الحديثة في القوات النووية الاستراتيجية البحرية إلى 100٪"، وأن ثلاث طرادات أخرى من هذا المشروع ستنضم إلى الأسطول في السنوات المقبلة.

هذه التصريحات للرئيس الروسي، فتحت باب التكهنات والتحليلات على مصراعيها، وبدأ النقاش عن مدى إمكانية مجاراة الولايات المتحدة، لسباق تسلح نووي مع روسيا، خصوصا وان المسؤولين الأمريكيين يصرون مرارًا وتكرارًا، على إجراء مفاوضات مع روسيا حول الوضع المتعلق بمعاهدة الحد من الأسلحة الاستراتيجية والحد منها (ستارت -3)، بعد ان علقت روسيا عمليات التفتيش على أسلحتها النووية من قبل الأمريكيين في عام 2020 (بسبب "الوباء")، ودعا الامريكيون في 2 فبراير، في موقع الجمعية الأمريكية للحد من الأسلحة (جمعية مراقبة الأسلحة)، حيث كان الخبراء الروس حاضرين على الإنترنت، إلى البدء الفوري في المفاوضات بشأن معاهدة ستارت 4 الجديدة، حتى قبل انتهاء صلاحية ستارت 3 في عام 2026.

وكيلة وزارة الخارجية الأمريكية للحد من التسلح والأمن الدولي، بوني جينكينز، أعربت عن أمل بلادها في فصل المناقشات مع روسيا، حول الوضع حول معاهدة ستارت عن الأزمة بشأن أوكراني، حيث لم تكن هناك حسب رأيها، مناقشات واضحة مع الاتحاد الروسي، وقالت "هذا أمر مؤسف ... قلنا لهم بوضوح أنه في الواقع لا يوجد شيء يمكن أن يتدخل في عمليات التفتيش "، ان هناك محاولات لأتاحة الفرصة لهم للقاء الاتحاد الروسي، لأن تطبيق ستارت مهم جدًا من وجهة نظر الأمن القومي، لذا فإن هدفها هو توضيح " أننا مستعدون للقائهم عندما يكونون مستعدين " .

وحتى كتابة هذه السطور، كنا نتخوف، ومن مثلي الكثيرين، من القوة النووية الامريكية وامكانياتها، ولكن وعلى قول المثل المصري الشعبي " من فوق هالا هالا، ومن جوه يعلم الله "، فبعد البحث والتمحيص في بحر مواقع البحث، بدا ان الكثيرين لا يعرفون من ان الصناعة النووية الأمريكية، تشهد تراجعا كبيرا، ولم يكن تقرير غرفة الحسابات الأمريكية (GAO) مفاجئًا، فهو أكد ان الولايات المتحدة لا تستطيع إنتاج ما يكفي من نوى البلوتونيوم لرؤوسها النووية، وانه وبحلول عام 2030، يريد البنتاغون إنتاج 80 نواة بلوتونيوم جديدة سنويًا،، فنوى البلوتونيوم هي أهم عنصر في الأسلحة النووية الأمريكية، وإنها تعمل كمحفز: عند انفجار البلوتونيوم، يتسبب في تفاعل نووي صغير، مما يؤدي إلى انفجار ثانوي أكبر للشحنة النووية الرئيسية، لكن هذا غير ممكن لأن البنية التحتية النووية الأمريكية قد دمرت، فقد أنتجت الولايات المتحدة ما يصل إلى 2000 نواة سنويًا خلال الحرب الباردة في مصنع Westighouse's Rocky Flats في كولورادو، وتم إغلاق المصنع في عام 1989 بعد مداهمة قام بها مكتب التحقيقات الفيدرالي ووكالة حماية البيئة بسبب انتهاكات قوانين البيئة، وبدأ مكتب التحقيقات الفدرالي تحقيقا، انتهى في عام 1992 بأكبر غرامة قدرها 18.5 مليون دولار عن الجرائم البيئية في ذلك الوقت، وتم إغلاق المصنع وهدمه بالكامل، وتمت إزالة أكثر من 1.3 مليون متر مكعب من النفايات وإعادة تدوير أكثر من 72 مليون لتر من المياه.

الولايات المتحدة الآن لديها معمل واحد فقط في لوس ألاموس، حيث يمكن إنتاج نوى البلوتونيوم، ومن عام 2007 إلى عام 2011، تم إجراء 29 ترقية للرؤوس الحربية النووية لصواريخ الغواصات النووية، وفي عام 2013 تم إيقاف جميع الأعمال بسبب عدم الامتثال لقواعد العمل مع المواد المشعة، ومنذ ذلك الحين، لم تنتج الولايات المتحدة نواة بلوتونيوم واحدة، ونتيجة لذلك، فإن معظم النوى الموجودة في الرؤوس الحربية الأمريكية اليوم يتراوح عمرها بين 30 و 40 عامًا، حيث يتحلل البلوتونيوم ببطء بمرور الوقت، مما يؤدي إلى تآكل اللب وربما التأثير على فعالية السلاح، ووفقًا لتقرير صادر عن معهد بروكينغز، وهو مركز أبحاث للحد من الأسلحة النووية، فإن المدة التي تستغرقها هذه العملية ومدى تأثيرها الشديد على أداء السلاح هي مسألة نقاش.

وفي عام 2019، أصدر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تعليمات لـ NNSA باستئناف إنتاج الأسلحة النووية والوصول بها إلى 80 قطعة بحلول عام 2030، و أستؤنف العمل في عام 2021، وأعلنت الإدارة الوطنية للأمن النووي (NNSA)، أنها أكملت بنجاح أول ترقية للرؤوس الحربية لصواريخ Trident II D5 على الغواصات النووية، وكان جوهر التحديث هو تركيب فتيل إلكتروني وفتيل ومادة تفجير لتفعيل الشحنة على رأس نووي من طراز 1988، ولم يتم الإبلاغ عن أي شيء حول حالة البلوتونيوم الأساسي للرأس الحربي النووي .

وفي تطور لاحق اعلنت NNSA وفي بيانها الصحفي في 9 فبراير الجاري، أعلنت عن إطلاق مشروع إنتاج حفرة البلوتونيوم في لوس ألاموس (LAP4) لإنتاج نوى البلوتونيوم، ولهذه الغاية، من المخطط "إنشاء البنية التحتية اللازمة في مختبر لوس ألاموس الوطني (LANL) لتمكين إنتاج 30 نواة بلوتونيوم احتياطيًا عسكريًا سنويًا"، بالإضافة إلى إعادة توظيف "مصنع وقود مختلط سابق للأكسيد في سافانا موقع نهر في أيكن بولاية ساوث كارولينا لإنتاج 50 نواة على الأقل سنويًا في مشروع يسمى مرفق معالجة البلوتونيوم في نهر سافانا، في حين وصف تقرير صادر عن معهد تحليل الدفاع، وهي منظمة غير ربحية تدير العديد من شركات البحث والتطوير الممولة اتحاديًا، خطط NNSA هذه بأنها غير واقعية، في غضون ذلك أشارت الرابطة الأمريكية للحد من الأسلحة (ACA)، التي دعت مؤخرًا إلى البدء الفوري لمفاوضات ستارت 4)، في تقريرها إلى أن البنتاغون يشعر بخيبة أمل إزاء الوضع في مختبر لوس ألاموس ويراهن على مصنع نهر سافانا.

لقد بدأ بناء المصنع في عام 2007، وتم تحديد عيوب خطيرة في التصميم تطلبت 50 مليار دولار إضافية لإصلاحها، بالإضافة إلى ذلك، قالت ACA، ان منطقة نهر سافانا معرضة للرياح والفيضانات التي تسببها الأعاصير، وسيتطلب إنتاج نوى البلوتونيوم في موقع نهر سافانا نقل المزيد من البلوتونيوم عبر الولايات المتحدة، بدلاً من نقل النوى على بعد حوالي 300 ميل من مستودعاتهم في مصنع Pantex في تكساس إلى لوس ألاموس، سوف يسافرون ما يقرب من 1000 ميل إضافي للوصول إلى موقع نهر سافانا، وسيؤدي هذا، من بين أمور أخرى، إلى مطالبات من دول العبور.

أما المختبر في لوس ألاموس، فهو يقع في منطقة بها صدوع تكتونية خطيرة زلزالياً، ويتم تسجيل انتهاكات مختلفة لسلامة التعامل مع المواد المشعة بانتظام في المختبر، وعلى سبيل المثال، في مختبر إشعاعي تم بناؤه في عام 2010 بتكلفة مليار دولار، حدث تسرب في عام 2019 مرتبط بعيب تصميم في نظام الأنابيب، ويذكر تقرير ACA أن المختبر "يفتقر إلى الموظفين المؤهلين" الذين يعرفون كيفية التعامل مع البلوتونيوم بحيث لا يصل عرضًا إلى الكتلة الحرجة ويبدأ تفاعل تسلسلي غير متحكم فيه، كما يذكر التقرير أيضًا، أن "المراجعة المستقلة قد ألقت بظلال من الشك على قدرة NNSA على تلبية متطلبات [الكونغرس] لإنتاج نواة البلوتونيوم في لوس ألاموس ونهر سافانا لإنتاج 80 نواة سنويًا."

لقد تحققت توقعات الخبراء المستقلين في يناير 2023، وأفاد مكتب مساءلة الحكومة الأمريكية أن NNSA لم تفي بالمواعيد النهائية، ولم يكن لديها "وصف رئيسي متكامل" (IMS) للعمل، وأن تقدير المشروع كان يتزايد باستمرار، وفي 8 فبراير الجاري، اعترف رئيس NNSA جيل هروبي بأن خطط إنتاج أسلحة نووية جديدة بحلول عام 2030 "غير مجدية" لأن "هناك حاجة إلى قدرة تصنيعية جديدة وابتكار، بينما " نستبدل المزيد والمزيد من المكونات"، وتقول صحيفة فورين بوليسين الولايات المتحدة لا تستطيع إنتاج العدد المخطط له من نوى البلوتونيوم للأسلحة النووية، ليس فقط الآن، وليس في المستقبل القريب، وربما أبدًا على الإطلاق ".

ووفقًا لنشرة صادرة عن مجموعة تايلور وفرانسيس، وهي مؤسسة بحثية بريطانية، تم إنتاج 3800 رأس حربي نووي أمريكي منذ 30 إلى 40 عامًا، وحددت NNSA عمر خدمة رأس حربي نووي يبلغ 45 عامًا، وهذا يعني أنه في السنوات المقبلة، قد لا يكون جزء كبير من الترسانة النووية الأمريكية جاهزًا للقتال، ولهذا السبب يسعى الأمريكيون إلى استئناف المفاوضات مع روسيا بشأن ستارت 4، حتى ن حامل مرض " روسفوبيا " أنتوني بلينكين قال، إنه "يشعر بخيبة أمل من قرار الاتحاد الروسي بتعليق مشاركته في معاهدة تخفيض الأسلحة الهجومية الاستراتيجية"، وبما ان الولايات المتحدة لا تستطيع إنتاج رؤوس حربية نووية جديدة، الأمر الذي يدعو إلى التشكيك في وضعها كقوة نووية رائدة.

***

بقلم الدكتور كريم المظفر

لطالما كنت أفكّر وعلى مدى سنوات، لماذا أُعدم فهد "يوسف سلمان يوسف" أمين عام الحزب الشيوعي العراقي ورفاقه في العام 1949؟ فقد كان هناك قادة معتمدون لأحزاب شيوعية عربية ولدول المنطقة ولديهم علاقات وطيدة مع الاتحاد السوفيتي، لكنهم لم يلاقوا المصير ذاته، حتى وإن تعرّضت الحركة الشيوعية العربية عمومًا وقاداتها إلى العسف والتنكيل.

جاء إعدام فهد في لحظة تاريخية مفارقة، فقد شهدت فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية انتعاش الحريّات على الصعيد العالمي وانتشار الأفكار الديمقراطية عقب هزيمة النازية والفاشية، وقد انعكس مثل ذلك على العراق أيضًا، ولاسيّما بعد خطاب الوصي على العرش الأمير عبد الإله في 27 كانون الأول / ديسمبر 1945، الذي أُعلن فيه موافقته على تأسيس الأحزاب وورد ما نصّه "لا يصحّ بقاء البلاد خاليةً منها"، الأمر الذي التقطته وزارة توفيق السويدي التي تشكّلت بتاريخ 23 شباط / فبراير 1945 ووزير داخليّتها سعد صالح (جريو) الذي يعتمر القبعتين القانونية والأدبية، إضافة إلى وطنيته المعهودة، فأقدم على عدد من الخطوات الجريئة منها إجازة 5 أحزاب سياسية بينها حزبين ماركسيين وإجازة عصبة مكافحة الصهيونية وإطلاق حريّة الصحافة وتبيض السجون وإلغاء الأحكام العرفيّة، فكيف حصل مثل هذا الارتداد السريع وحُكِمَ على فهد بالإعدام؟

كانت مبادرة تأسيس العصبة إحدى مآثر الحزب الشيوعي وزعيمه "فهد"، إضافةً إلى دور اليهود الشيوعيين الذين وقفوا ضدّ الصهيونية وعارضوا منطلقاتها الفكرية وكشفوا زيف ادعائها تمثيل اليهود بغضّ النظر عن بلدهم الأصلي، وميّزوا بين الصهيونية كعقيدة عنصرية واليهودية كدين، وهو ما أوردته أوريت باشكين في كتابها Impossible Exodus: Iraqi Jews in Israel الصادر في العام 2017.

وقد استقطب الحزب آنذاك أعدادًا واسعة من اليهود المعادين للصهيونية، وبلغ عدد المنتسبين حسب تشلسي سيمون ماي 300 عضوًا بينهم شيوعيات يهوديات متميّزات وذلك في دراستها "النساء اليهوديات في الحزب الشيوعي العراقي".

وحسب سجلات التحقيقات الجنائية (أجهزة الأمن العراقية) واستجوابات العديد منهن فقد برزت شخصيات مثل: إلين يعقوب درويش ودوريس وأنيسة شاؤول ونجيّة قوجمان وسعيدة ساسون مشعل (سعاد خيري – زوجة زكي خيري) وعمومة مير مصري (عميدة مصري) ومارلين مائير عيزرا (زوجة بهاء الدين نوري) وكامن سعيدة سلمان وألبرتين منشّي وراشيل زلخا، وبلغ عدد الناشطات قبل الهجرة الجماعية (1951) نحو 600 ناشطة كما جاء في إنسيكلوبيديا النساء اليهوديات Encyclopedia of Jewish Women.

الصهيونية والاستعمار

ربط فهد مكافحة الصهيونية بمكافحة الاستعمار، فهما وجهان لعملة واحدة، وفي كرّاس صدر له بعنوان "نحن نكافح من أجل من؟ وضدّ من نكافح؟" يقول فيه " إن مكافحة الصهيونية توجب مكافحة الاستعمار حتماً في فلسطين وكلّ البلاد العربية، ومن يزعم مناهضتها ولا يناهض الاستعمار يخدمها،أراد أم لم يرد... ".

وعالج في هذا الكرّاس المشكلة الفلسطينية بفصل الصهيونية عن اليهودية وربطها بالاستعمار بما فيه الاستعمار الأمريكي الصاعد. وقد ساهمت تلك التوجّهات والنشاط داخل صفوف اليهود العراقيين على كسر التردّد الذي كان ينتاب بعض أفراد المجموعة الثقافية اليهودية للمشاركة في العمل السياسي، ونشط هؤلاء بشكل ملحوظ بمناسبة الذكرى اﻟ 28 لصدور وعد بلفور، حيث أصدرت العصبة نداءً جاء فيه " أن الاستعمار يستطيع أن يتكرّم بفلسطين مئات المرّات، طالما أنها ليست بلاده وطالما أنه يجد في ذلك ربحاً له ومغنماً لأن غايته وعميلته الصهيونية هي تحويل نضال العرب الموجه ضدّ الاستعمار نحو جماهير اليهود، وبذلك تخلق منهم حاجزاً يختفي وراءه الاستعمار، ولو كان المستعمرون يعطفون حقاً على اليهود لعاملوهم معاملة طيبة في أوروبا".

وبادرت العصبة بتوجيه من فهد إلى التظاهر يوم 28 حزيران / يونيو 1946، وتعرّضت التظاهرة التي شارك فيها أعداد من اليهود العراقيين إلى القمع والقسوة الشديدين من جانب الأجهزة الأمنية، وسقط شاوول طوّيق أول شهيد شيوعي وكان يهوديًا دفاعًا عن فلسطين، وهو ما أورده المؤرّخ والباحث الفلسطيني حنا بطاطو.

وبعد حظر نشاط العصبة وإيقاف صحيفتها وإحالة المشاركين في التظاهرة المذكورة إلى القضاء، أصدرت محكمة الجزاء أحكامًا متفاوتة يوم 15 أيلول / سبتمبر 1946 على عدد من اليهود الشيوعيين بمن فيهم رئيس العصبة يوسف هارون زلخا بالسجن المؤبّد بالزعم أنه يترأس عصبة للكفاح من أجل الصهيونية وليس ضدّها، وكان ذلك بداية حملة شعواء لطي صفحة الانفتاح المحدود ما بعد الحرب العالمية الثانية، حيث نشطت الحركة الصهيونية بشكل كبير، خصوصًا بعد صدور قرار الأمم المتحدة رقم 181 القاضي بتقسيم فلسطين في 29 تشرين الثاني / نوفمبر 1947.

العدو المشترك

نبّه فهد إلى العدو المشترك للعرب واليهود وأهمية التضامن إزاء المخاطر المشتركة وسلّط الضوء على نشاط الوكالة الصهيونية وبعض أركان الحكومة العراقية الموالية لبريطانيا، لتهجير اليهود العراقيين إلى فلسطين.

وعلى الرغم من وجود فهد في السجن، حيث اعتقل ليلة 18 كانون الثاني / يناير 1947، وصدر الحكم عليه بالإعدام في 24 حزيران / يونيو من العام ذاته، إلّا أنه كان يتابع تطوّر الموقف من القضيّة الفلسطينية على الصعيد العالمي، خصوصًا بعد تغيير الموقف السوفيتي السلبي وانعكاساته على الشارع العربي.

وكان غروميكو المندوب السوفيتي في الأمم المتحدة قد أعلن في تشرين الثاني / نوفمبر 1947 تأييد قرار التقسيم وأطلق عليه "القرار الأكثر قبولًا". وبرّر أن القرار ليس موجّهًا ضدّ العرب وأنه يتوافق مع المصالح الوطنية الأساسية لكلا الشعبين. وحين أُعلن عن تأسيس "إسرائيل"، بادرت موسكو للاعتراف بها مباشرة، واستقبلت أول وفد "إسرائيلي" برئاسة السفيرة غولدا مائير (مايرسون).

وقد غيّرت غالبية الأحزاب الشيوعية موقفها منتقلة من التنديد بقرار التقسيم إلى تأييده باعتباره "أحسن الحلول السيئة" وكان ذلك يمثّل نموذجًا لطريقة التفكير التعويلية من جهة ولعلاقة التبعية للمركز الأممي من جهة ثانية. ولم يهضم الحزب الشيوعي العراقي مثل هذا التبدّل في بداية الأمر، وظلّ متحفّظًا لحين، على الرغم من وصول وثيقة "أممية" من باريس بعنوان "أضواء على القضية الفلسطينية" (11 حزيران / يونيو 1948) تعكس وجهة نظر الحزب الشيوعي الفرنسي ومن خلاله وجهة نظر (المرجعية الأممية) المؤيدة لقرار التقسيم، وقد نقلها يوسف اسماعيل البستاني وتمّ الترويج لها، حتى وصلت إلى سجن الكوت، حيث كان الرفيق فهد يقبع فيه وعدد غير قليل من السجناء.

وكما جرت العادة في السجن، كان السجناء يجتمعون لتقرأ عليهم، نصوص البيانات والأخبار والتقارير الحزبية لتتم مناقشتها. وحين بدأ أـحد الرفاق بتكليف من منظمة السجن بتلاوة وثيقة باريس المذكورة وما أن وصل إلى "الانقلاب" في موقف الاتحاد السوفيتي، أمره الرفيق فهد بالتوقّف وعدم إكمال تلاوة ما تبقّى من الوثيقة، وذلك لسماعه فقرات لم تعجبه وتتعارض مع توجّه الحزب الشيوعي العراقي، خصوصًا بعد قيام "إسرائيل" في 15 أيار / مايو 1948. وقد أبدى فهد وهو في السجن تحفظات حول الموقف من قرار التقسيم، وقد انعكس ذلك في توجيه حزبي داخلي، وهو ما يمكن تلمّسه من الفقرة التالية، وأنقلها على الرغم من طولها كما وردت في كتاب حنّا بطاطو، الجزء الثاني، وجاء فيها "إن موقف الاتحاد السوفيتي بخصوص التقسيم وفّر للصحف المرتزقة ومأجوري الإمبريالية فرصة لا للتشهير بالاتحاد السوفيتي فقط، بل أيضاً بالحركة الشيوعية في البلدان العربية... ولذلك على الحزب الشيوعي تحديد موقفه من القضية الفلسطينية حسب الخطوط التي انتمى إليها والتي يمكن تلخيصها بالتالي:

1- إن الحركة الصهيونية حركة دينية رجعية ومزيفة بالنسبة للجماهير اليهودية.

2- إن الهجرة اليهودية... لا تحلّ مشكلات اليهود المقتلعين من أوروبا، بل هي غزو منظّم تديره الوكالة اليهودية... واستمرارها بشكلها الحالي... يهدّد السكان الأصليين في حياتهم وحريّتهم.

3- إن تقسيم فلسطين عبارة عن مشروع إمبريالي قديم... يستند إلى استحالة مفترضة للتفاهم بين اليهود والعرب.

4- شكل حكومة فلسطين لا يمكن أن يتحدّد إلّا من قبل الشعب الفلسطيني الذي يعيش في فلسطين فعلاً، وليس من قبل الأمم المتحدة أو أي منظمة أو دولة أو مجموعة دون أخرى.

5- إن التقسيم سيؤدي إلى إخضاع الأكثرية العربية للأقلية الصهيونية في الدولة اليهودية المقترحة.

6- إن التقسيم وخلق دولة يهودية سيزيد الخصومات الوطنية والدينية وسيؤثر جديّاً على آمال السلام في الشرق الأوسط.

ولهذه الأسباب فإن الحزب الشيوعي يرفض بشكل قاطع خطة التقسيم.

لكن هذا الموقف تغيّر بعد ذلك، واستمرّت التبريرات الخاطئة والساذجة لتلميع الموقف السوفيتي، بل والاستماتة في إثبات "صحّته"، بما فيه الدفاع عن قيام "إسرائيل"، وظلّت ذيول هذه القضية مستمرّة لسنوات عديدة ولم يتمكّن الحزب من معالجة هذه القضيّة الحسّاسة والخطيرة والجوهريّة والمبدئية، إلّا على نحو جزئي بمراجعة أوّلية أجراها تقرير الكونفرنس الثاني (أيلول / سبتمبر 1956) الذي كتبه عامر عبد الله بإشراف سلام عادل وتوجيهه (استشهد العام 1963 على يد إنقلابيي 8 شباط / فبراير). وجاء فيه " إن بعض العناصر المشكوك بها نجحت في أن تدسّ في صفوف حزبنا وحركتنا مفاهيم خاطئة بالنسبة إلى الصهيونية... من بينها الأفكار التي وجدت صداها في بيان عنوانه "أضواء على القضية الفلسطينية".

السبب المباشر للإعدام

لعلّ موقف فهد من الصهيونية ومبادرته تأسيس عصبة مكافحة الصهيونية ومن القضية الفلسطينية عمومًا، لاسيّما تحفّظه على قرار التقسيم كان وراء إعدامه، فبعد أن اضطرت حكومة صالح جبر إلى إبدال حكم الإعدام بالسجن المؤبد، إلّا أن ذلك لم يرض المخابرات البريطانية التي لجأت إلى التحريض ضدّه، فضلًا عن الدعاية الصهيونية، خصوصاً ضدّ العصبة ومن يقف وراءها، لاسيّما بعد إفشال توقيع معاهدة بورتسموث 1948 (جبر – بيفن)، بتأجيج الشارع في تظاهرات عارمة في وثبة كانون، حيث اعتبر فهد مسؤولًا عنها على الرغم من كونه سجينًا. وهكذا تحالفت ثلاث قوى لتنفّذ فعلتها النكراء تلك وهي الصهيونية العالمية والإمبريالية البريطانية والقوى المحافظة العراقية في الحكم وخارجه من الجماعات الرجعية والقومية المتعصّبة مستغلّةً الموقف من القضيّة الفلسطينية، لاسيّما بعد تأييد قرار التقسيم.

لذلك أصرّت حكومة نوري السعيد التي تشكّلت في 6 كانون ثاني / يناير 1949 على إعادة المحاكمة على نحو عاجل فصدر حكم الإعدام بحق فهد ورفاقه، وتم تنفيذه على جناح السرعة ليلتي 13 – 14 شباط / فبراير 1949، حيث أُعدم كلّ من فهد وزكي بسيم (حازم) وحسين الشبيبي (صارم) ويهودا صدّيق، وعُلّقت جثثهم في الساحات العامة.

وحسب الصحافي البارز عبد الجبار وهبي (أعدم العام 1963) كان السفير البريطاني شخصياً يتابع محاكمة فهد، وشجّع إصدار حكم الإعدام ضدّه. ويروي كامل الجادرجي الزعيم الوطني الديمقراطي في مذكّراته أن أحد وزراء العدل في العهد الملكي وهو جمال بابان عمل على رشوة 3 من القضاة بتوزيع مبلغ 800 دينار عراقي عليهم من المخصصات الخاصة للتأثير عليهم بإصدار حكم الإعدام بحق فهد ورفاقه وهو ما يؤكّده صبيح ممتاز الذي كان وكيلًا لوزارة العدل وهو الذي قام بتوزيع المبلغ بحضور الوزير كما أخبر الجادرجي.

وبالطبع لم تكن هناك مبررات كافية لمثل هذا الحكم الغليظ، إلّا إذا كان موقف فهد من الصهيونية وتأسيس عصبة مكافحة الصهيونية وقيام دولة "إسرائيل"، ففي جميع البلدان العربية لم يعدم حتى ذلك الحين أي قيادي شيوعي، لاسيّما في قضية مدنية.

ولم تنته القصة بإعدام فهد، بل انتقل المجلس العرفي العسكري بكامل هيأته إلى سجن نقرة السلمان الصحراوي أواخر العام 1949، فأجرى محاكمة ﻟ 44 سجينًا بتهمة ترويج الشيوعية، لأنهم قدّموا عريضة يحتجوّن فيها على إعادة محاكمة فهد وإعدامه.

الوكالة اليهودية

وكانت الوكالات اليهودية قد نظّمت حملة مضادة لتوجّهات فهد وعصبة مكافحة الصهيونية جمعت بعض مئات من التواقيع المطالبة بالهجرة، لتأكيد روايتها بأن الصهيونية مسؤولة عن يهود العالم، وزاد الأمر سوءًا ما تعرّض له اليهود من أعمال عدوانية وعنفية والتي عُرفت ﺒ "الفرهود" راح ضحيّتها العشرات من القتلى والجرحى، وذلك لدفع الحكومة العراقية لإصدار قانون يسهل أمر تهجيرهم وهو ما حصل فعلًا في العام 1950.

وهكذا تواطأت الحركة الصهيونية مع بعض أركان النظام الملكي والقوى المتعصّبة بشكل مباشر أو غير مباشر على تهجير اليهود من العراق، وحينما كانت تفشل في مخطّطها لعدم الاستجابة الكافية من جمهور اليهود، كانت تضع المتفجرات في محالهم التجارية وأماكن سكنهم ودور عبادتهم، فضلًا عن نشر الإشاعات لتخويفهم ودفعهم إلى الهجرة على نحو قُضيَ على أعرق وأقدم مجموعة ثقافية يهودية خارج فلسطين (نحو 125 ألف مواطن عراقي يهودي)، وألحق ضرراً بالنسيج الاجتماعي للمجتمع العراقي وتعدديته الدينية والعرقية والثقافية، وهو الأمر الذي يتكرّر اليوم بخصوص المسيحيين في العراق وعدد من البلدان العربية، بما فيها فلسطين المحتلّة، ناهيك عن الإزيديين والصابئة المندائيين وغيرهم.

الهجرة القسريّة والدور المشبوه

وسبق للصديق عباس شبلاق أن سلّط الضوء الكاشف على المزاعم الصهيونية بشأن هجرة اليهود "القسريّة" إلى "إسرائيل" في كتابه الموسوم "هجرة أو تهجير – ظروف وملابسات هجرة يهود العراق". وكشف الجاسوس الصهيوني رودني الذي سبق له أن خدم في الجيش البريطاني وهو معروف بقسوته ووحشيته فضيحة الأسلحة المدفونة في عدد من أماكن بغداد، فضلًا عن جمعه المعلومات عن شخصيات عراقية كبيرة لإقناعها بعقد الصلح مع حكومة "إسرائيل".

ومثل هذا الدور الذي قام به رودني ظلّ قائماً منذ ذلك الحين وازداد كثافة وسفوراً بعد احتلال العراق العام 2003، حيث يتم الاتصال بجهات وشخصيات عراقية لدعمها مقابل تبنّيها فكرة إقامة علاقات مع "إسرائيل" تمهيداً للاعتراف بها، وهو ما يقوم به العرّاب الفرنسي برنارد ليفي.

وأختتم بفقرة مما كتبه فهد باسم لفيف من الشباب اليهودي برسالة موجّهة إلى وزير الداخلية لطلب تأسيس العصبة وهي تعكس حقيقة توجّهه وتفسّر سبب إعدامه، وجاء فيها: "نحن نعتقد، إخلاصاً، بأن الصهيونية خطر على اليهود مثلما هي خطر على العرب وعلى وحدتهم القومية، ونحن إذ نتصدّى لمكافحتها علانية وعلى رؤوس الأشهاد، إنما نعمل ذلك لأننا يهود ولأننا عرب بنفس الوقت".

***

عبد الحسين شعبان

توطئة: بلغ عدد القتلى الناجم عن الزلازل المدمرة التي ضربت تركيا وسوريا فجر السادس من (شباط/فبراير 2023) بقوة (7.8) على مقياس ريختر، اكثر من (46) ألف قتيل بواقع (40642) في تركيا و(5800) في سوريا، واكثر من (25) مليون متضررا بلا مأوى، وذلك لغاية (18 / 2/ 2023)، وفقا لـ بي بي سي، ليرتفع العدد الى 47 الف قتيل بعد آخر زلزالين في (19 / 2/2023).

ومع ان العالم العربي والدولي قدم المساعدات المطلوبة، غير ان الجميع لا يخطر على بالهم ما سيحصل للناجين والذين سحبوهم من تحت الأنقاض، والذين شهدوا انهيارات العمارات والأبنية، وحالات الرعب والهلع الجماهيري.. من اضطرابات نفسية شديدة بعد انتهاء الحدث بأشهر وحتى سنوات!. وهذا ما سنتحدث عنه ونقدمه الى وزارات الصحة في تركيا وسوريا والعالم العربي، والى أسر واقرباء ومحبي الذين سيعانون حالات نفسية شديدة.. بعضها ينتهي بها الحال الى الأنتحار.

البداية.. حرب فيتنام

يواجه الإنسان في حياته اليومية ضغوطاً نفسية متعددة.ويعني الضغط (stress) أحداثا خارجة عن الفرد، أو متطلبات استثنائية عليه، أو مشاكل أو صعوبات تجعله في وضع غير اعتيادي فتسبب له توتراً أو تشكل له تهديداً يفشل في السيطرة عليه.

ولقد جرى تشخيص هذه الاضطرابات ودراستها بصورة منهجية تبعاً لوضوح أعراضها وشيوعها، والتقدم العلمي في مجالي علم النفس والطب النفسي. ويمكن تحديد " الهستيريا " بوصفها أول اضطراب من مجموعة الاضطرابات التي تعقب الأحداث الضاغطة يتم دراسته وتوصيف أعراضه بصورة منهجية، فيما يعد اضطراب ما بعد الضغوط الصدمية( Post Traumatic Stress Disorder – PTSD) آخراضطراب في هذه المجموعة يتم الأعتراف به في التصانيف الطبية النفسية.

ويعود السبب الرئيس في تعرّف هذا الاضطراب بالوصف الذي عليه الآن إلى الحرب الفيتنامية .فقد لوحظ في السبعينات (1970) على الجنود الأمريكيين الذين شاركوا في حرب فيتنام أعراض اضطراب ما بعد الضغوط الصدمية، وذلك بعد تسعة اشهر إلى ثلاثين شهراً من تسريحهم من الخدمة العسكرية . وقد أثارت هذه الملاحظة دهشة الباحثين، فالمتوقع هو حصول أعراض هذا الضغط في أثناء المعركة أو بعدها بأيام، وليس بعد انتهاء الحرب بسنتين أو ثلاث!. بل أن قسماً من اولئك الجنود ظلوا يعانون أعراض هذا الاضطراب بعد مرور اكثر من ربع قرن على تلك الحرب، تقدّر الدراسات عددهم بنصف مليون من الجنود الذين شاركوا فعلاً في حرب فيتنام!

وقد وصفت التصانيف الطبية والمرشد الطبي النفسي الأمريكي اضطراب ما بعد الضغوط الصدمية بأنه أية حادثة تكون خارج استجابة مدى الخبرة المعتادة للفرد وتسبب له الكرب النفسي، او تكون استجابة الضحية فيه متصفة بـ" الخوف الشديد، والرعب، والشعور بالعجز".. فيما نبهت تصانيف أخرى الى ضرورة التمييز بين اضطراب ما بعد الضغوط الصدمية (PTSD) وبين اضطراب الضغط الحاد (Acute Stress Disorder)، حيث يستعمل الثاني لوصف الحالة التي يكون فيها تماثل سريع للشفاء من ضغط الحادث الصدمي، فيما يستعمل اضطراب ما بعد الضغوط الصدمية (PTSD) لوصف الحالة التي لا يحصل فيها شفاء سريع من هذا الضغط.

والتساؤل هنا: اذا كان ما حصل للجنود الأمريكان من ضغوط نفسية حادة استمرت لأشهر ولربع قرن.. فكيف الحال مع ملايين الناجين من زلازل تركيا وسوريا.. والكارثة اوجع وافجع؟!

ما سيعانيه الناجون

تشير الدراسات الى ان الذين يصابون باضطراب ما بعد الضغوط الصدمية، او اضطراب الكرب التالي للصدمة، يعانون من الأعراض الآتية:

الاستيقاظ في الليل عدة مرات، مصحوبة بكوابيس متكررة لها علاقة بالزلازل.

ذكريات وافكار ومدركات اقتحامية وقسرية ومتكررة عن حدث الزلزال تسبب الحزن، الهمّ، التوتر، القلق، الأكتئاب، العنف، والتوتر.

الشعور كما لو ان الزلزال سيعاود الوقوع في اية لحظة.

تذكّر الحدث على شكل صور او خيالات.

انزعاج انفعالي شديد لأي تنبيه يقدح زناد ذكريات الحدث.

صعوبة التركيز على اداء نشاط كان يمارسه .

وفقدان الاهتمام بالحياة اليومية، الشعور بالذنب، وافكار انتحارية.

واذا علمنا ان عدد الناجين والمشردين وأسر وأقرباء ومحبي الضحايا والذين شهدوا حالات الرعب والفواجع والانهيارت الكبيرة للعمارات والبيوت في زلازل تركيا وسوريا يتجاوز الثلاثين مليون شخصا، وأن الدراسات تشير الى أن ما لايقل عن 9% من الذين تعرضوا للكوارث الطبيعية يعانون من اعراض اضطراب ما بعد الضغوط الصدمية فان عدد الذين يصابون بهذه الاعراض يتجاوز الثلاثة ملايين شخصا، بينها حالات تحتاج الى علاج نفسي سريع يمتد الى اسابيع أو اشهر، واخرى تمتد فيها المراجعات والأشراف النفسي الى سنوات.

وانطلاقا من هذه الحقيقة، وادراكا من منظمة الصحة النفسية العالمية التي عمدت الى ادراج الصحة النفسية في اطار الاغاثة في الكوارث، فاننا ندعو وزارات الصحة في تركيا وسوريا والبلدان العربية الى اتخاذ التدابير لمعالجة من يعاني من تلك الأعراض، وبينها حالات تحتاج الى سنوات، والبدء من الآن باقامة دورات تدريبية يشارك فيها اختصاصيون بالصحة النفسية ( اطباء نفسيون، استشاريون نفسيون.. .) ومتدربون يتلقون في البدء محاضرات نظرية تشمل الذكريات الأقتحامية، التغيرات السلبية في التفكير، الحالات المزاجية، ردود الفعل الجسدية.. وحالات الخوف الشديد، الرهاب، نوبات الذعر، الأكتئاب، لوم الذات، العزلة الاجتماعية.. حرقة المعدة المزمنة، تشنج العضلات، الأسهال الشديد.. .والأفكار الأنتحارية، وصولا الى خيارات العلاج النفسي المناسبة لكل حالة ما اذا كانت تتطلب مضادات اكتئاب او علاجا سلوكيا معرفيا او جلسات ارشاد نفسي جماعي.. وأخرى.

ان هذا المشروع الانساني الذي نتقدم به عبر جريدة الزمان، يتطلب البدء به من الآن، وان ادارة الجريدة ورئاسة الجمعية النفسية العراقية يسعدهما التعاون مع وزارة الصحة العراقية.. لتكون المبادرة عراقية، نحن على يقين انها ستحدث تاثيرا على مستوى العالمين العربي والدولي لصالح ملايين ستظهر عليهم اعراض ما بعد صدمة زلازل القرن.

***

أ.د. قاسم حسين صالح

مؤسس ورئيس الجمعية النفسية العراقية

 

من واجب "القارىء الباحث": تسليط الضوء على هذه المرحلة الحسّاسة ـ نهاية الملكية وقيام الجمهورية ـ، أي التعامل مع الأحداث والفاعلين الإجتماعيين تعاملاً بعيداً عن التحزب والآيديولوجيا. لهذا فقد عزمتُ على كتابة هذا المبحث، فالتعامل "الإنتقائي" مع قاسم هو ظاهرة بارزة وبشدة الآن، إذ تضجُ وسائل التواصل الإجتماعي بهذه الإنتقائية الفاضحة، وما يميز هذا التعامل الإنتقائي هو الإبتعاد عن المصادر والمراجع الموثوقة! فإطلاق الكلام اللامسؤول أصبح موضةٌ تضج بها هذه الوسائل مع كل الأسف! وكأن الحكم في التاريخ سهلٌ وفي متناول الجميع!!

سأشتغل على محورين:

الأول: قيام ثورة 14 تموز 1958 والموقف من إسقاط الملكية وقتل العائلة المالكة

الثاني: سياسة الزعيم قاسم بعد الثورة. وسيتم بحث المسألة هنا بصورة موضوعية ما إستطعنا، إذ سنذكر ما لقاسم وما عليه.

المحور الأول:

قامت الملكية في العراق بعد الحرب العالمية الأولى 1914 ـ 1918 وسقوط الإمبراطورية العثمانية "الرجل المريض"، وتحديداً في عام 1921، فقد جاءت بريطانيا العظمى بالأمير فيصل بن الحسين ونصّبته ملكاً على العراق بعد أن خسر عرشه في سوريا تحت ضربات الجيش الفرنسي. وقد ذَلّلت السلطات البريطانية المصاعب أمام فيصل، إذ ظهر عدد من المنافسين له: طالب النقيب ـ الشيخ خزعل ـ هادي العمري (1)

بقي فيصل ملكاً على العراق حتى وفاته في عام 1933، وكان فيصل رجلاً وطنياً مؤَسّسَاً للدولة العراقية الحديثة، هذه حقيقة لا مجال للمراوغة فيها (وبوفاة الملك فيصل الأول باني الدولة العراقية الحديثة ومؤسسها إختل التوازن السياسي في البلاد) (2) فتسلّمَ إبنه غازي العرش، وكانت فترة قصيرة، إذ توفي الملك غازي في حادثٍ غامض في عام 1939. فأصبح عبد الإله وصيّاً على العرش، فإبنه فيصل الثاني كان قاصراً، ولم يتسَلّم فيصل مهامه كملكِ على العراق إلاّ في عام 1953 (3)

وتميزت هذه الفترة بتسلّط الوصي عبد الإله، وحتى عندما تَسَلّم فيصل مهامه الدستورية كملك على العراق، أصَرّ عبد الإله على الحيلولة دون إتصال الملك الجديد بالشعب، وهذا ما قاد الملكية لنهايتها المحتومة (4)

لا يمكن أن أتوسع هنا، فالقلم لن يتوقف عن الكتابة، فالإجراءات الإرهابية لنوري السعيد في فترة الخمسينيات قد ضيّقت الخناق على المعارضين كثيراً كثيراً، وعليه فقد حفر العهد الملكي قبره بيده (5)

يُقال بأن العهد الملكي كان أفضل بما لا يُقاس بالعهد الجمهوري، وطبعاً لن نختلف مع هؤلاء هنا، فالبشاعة في العهد الجمهوري ـ ما بعد قاسم خصوصاً ـ طافحة وبشدّة. ولكن هذا لا يعني بأن العهد الملكي كان عهداً ذهبياً! ثم إن المسألة لا تُقاس بهذه الطريقة فقط، فهنالك جوانب متعددة يمكن أن نُطِلَ من خلالها على الموضوع. يتصوّرُ هؤلاء بأن عبد الكريم قاسم كان جالساً مع عدد من الضُباط، ثم فَكّروا في إسقاط الملكية وإقامة الجمهورية، فضغط قاسم على الزر وإنتهت اللعبة!!

منطق ساذج ويا للأسف، فلن يقبله التاريخ أبداً. فقضايا التاريخ ـ خصوصاً الحاسمة ـ لا تُقاس بهذه الطريقة البائسة، فالبُنية الفوقية لن تتغير إلا بعد أن تتغير البُنية التحتية، فالشروط الموضوعية هي الحاكمة في النهاية، فالبُنية الفوقية ـ الملكية ـ لم تعد تستطيع الإستجابة الى البُنية التحتية ـ أي الشروط الموضوعية على الواقع ـ، وهذا ما يُخلخل التوازن ويُفَجّرُ الوضع ويقوده الى نهايته المُنتَظَرَة (6)

كانت الشروط مختمرة على الواقع، فقد هيمن نوري السعيد على حياة البلاد السياسية هيمنة لا نظير لها في السنوات الأربع التي سبقت ثورة 14 تموز 1958 (7) وعليه فقد إزداد التعاون الوطني خصوصاً بعد تأميم قناة السويس، إذ إتخذت الأحزاب ـ رغم خلافاتها ـ مواقف متشابهة لتأييد مصر، ونتيجة لذلك فقد تشكلت "جبهة الإتحاد الوطني" في شباط 1957 والتي تكونت من أربعة أحزاب معارضة: الحزب الشيوعي العراقي ـ الحزب الوطني الديمقراطي ـ حزب البعث العربي الإشتراكي ـ حزب الإستقلال. أما الحزب الديمقراطي الموحد للكُرد فلم يدخل في الجبهة بسبب الفيتو الذي وضعه حزب الإستقلال والبعثيون، إلا أنه كان ناشطاً في الجبهة من خلال علاقاته الجيدة مع قادة الأحزاب المؤتلفة (8)

المسألة واضحة الآن، جناحٌ مدني سياسي ناقم وبشدة على السلطة الملكية، ولولاه لما أمكن للتنظيم العسكري أن ينجح في ثورته المظفرة أبداً. وعليه فالتبعة في إسقاط الملكية تقع على عاتق هذه الأحزاب وأتباعها أيضاً!! فَهُم من مَهّدوا الأرضية المناسبة للعسكر لكي يثب وثبته الظافرة!! فأين رُوّاد التواصل الإجتماعي من هذه الحقيقة التاريخية؟!! (9)

أما الجناح العسكري "تنظيم الضُباط الأحرار" فلم تتبلور فكرة هذا التنظيم إلا بعد ثورة 23 تموز 1952 في مصر، وقد بدأ التنظيم الحقيقي للضباط الأحرار في نهاية 1952، ويُعد النقيب المهندس رفعت الحاج سري المؤسس الحقيقي لحركة الضباط الأحرار، وقد ناقش سري مع صديقه الحميم ورفيقه في السلاح الرائد المهندس رجب عبد المجيد فكرة نشر شبكة من الخلايا السرية في صفوف القوات المسلحة (10) أما الزعيم الركن عبد الكريم قاسم قائد لواء المشاة التاسع عشر من الفرقة الثالثة والعقيد الركن عبد السلام محمد عارف قائد الفوج الثالث للواء المشاة العشرين من الفرقة نفسها، فقد عادا من الأردن في 3 كانون الثاني 1957، وبادر قاسم للمطالبة رسمياً بدمج منظمته بالمنظمة الرئيسية مع إصراره على إدخال عبد السلام عارف على أن يكون مسؤولاً ـ أي قاسم ـ عن تصرفاته. ونظراً لسموّ رتبة قاسم وأقدميته رُقيّ الى رئيس اللجنة في آب 1957، وأصبح محيي الدين عبد الحميد نائباً أول للرئيس ورجب عبد الحميد نائباً ثانياً له، وبقي رجب عبد المجيد أميناً للسر (11)

لنفترض أن قاسم لم يكن موجوداً! أو أنه لم يشترك في "مؤامرة" إسقاط النظام الملكي! فهل يعني هذا أن الملكية ستبقى؟! فقاسم قد إنضمَ لاحقاً لتنظيم الضباط الأحرار، أي أن المسألة لا تتعلق بقاسم ـ الأشخاص ـ قدر تعلقها بالمجموع أي العسكر.

مقتل العائلة المالكة: من البديهي أن مقتل العائلة المالكة مرفوضٌ قطعاً، خصوصاً بالطريقة البربرية التي تمت بها. لكن، نحن في ثورة، وفي النهاية فإن الثورة عبارة عن شأنٍ فَظِ وقاسٍ وعنيف، في جزءٍ منها على الأقل (12) يتساءل المؤرخ الكبير حَنّا بطاطو:

(هل كان هذا عملاً وحشياً أو لا إنسانياً؟) يقصد قتل نوري السعيد وعبد الإله ثم سحلهما والتمثيل بجثتيهما، فيُجيب: (ربما لا يكون إصدار مثل هذا الحكم ملائماً، ولكن علينا أن نُضيف ـ لا تبريراً بل توضيحاً ـ أن نوري وولي العهد لم يكونا أبداً رحيمين بحياة الناس. ثم: أيُستَغرَبُ أن تنبع اللاإنسانية من الأوضاع اللاإنسانية التي كان يعيشها "شرقاوية" ـ سكان الأكواخ الطينية ـ بغداد؟) (13)

ثم هل كان من الممكن الإبقاء على عبد الإله ونوري السعيد؟! ألا يعني هذا الإجراء أن الثورة ستتعرض للخطر الكبير وتتكرر مأساة 1941؟

المحور الثاني:

قبل أن ندخل الى هذا المحور، لا بُدّ من لمحة موجزة عن الزعيم قاسم.

وُلِدَ قاسم في 21 / 11 / 1914 في مدينة بغداد، أي في السنة التي تفجرت فيها الحرب العالمية الأولى، وُلدَ في عائلة تدين بالإسلام، من أبٍ عربي يُدعى قاسم محمد البكر الزبيدي، ومن أمٍ عربية إسمها كيفية حسين اليعقوبي. كان الأب سُنياً حنفياً، أما الأم فكانت شيعية جعفرية. دخل عبد الكريم قاسم مدرسة الصويرة الإبتدائية مع تأسيس الدولة العراقية الملكية في عام 1921 وإستمر فيها حتى الصف الرابع الإبتدائي، ثم إنتقل منها الى مدرسة الرصافة الإبتدائية في بغداد وتخرج منها عام 1927. بعدها دخل الى الثانوية المركزية في بغداد وتخرج منها في عام 1930 ـ 1931، وتَعَيّنَ بعدها لمدة سنة واحدة مُعلماً في مدرسة الشامية بلواء الديوانية، ومنها قَدّمَ في عام 1932 طلباً للإنخراط في الكلية العسكرية (14)

الخصم المنصف الذي يحترم نفسه لن يتوانى عن الإعتراف بوطنية قاسم، بعدم إستغلال المنصب من أجل الإثراء الشخصي، هذه حقيقة لا بُدّ من الإعتراف بها، فعبد الكريم قاسم كان رجلاً وطنياً مخلصاً لبلده وشعبه، وحقق الكثير من الإنجازات في فترة قصيرة جداً، خصوصاً للكادحين. فلم يُطعم قاسم الفقراء كلماتٍ فقط، بل عمل بشكل ملموس وبالتنسيق مع عارف أولاً ثم لوحده، على تحسين حصتهم، فقد خفض إيجارات الغرف والمنازل والدكاكين، وخفض سعر رغيف الخبز المسطّح والصمونة والطحين الموزع على الأفران، وحدد العمل الليلي بسبع ساعات، والنهاري بثمان ساعات. وبنى لسكان الأكواخ الطينية في بغداد خلال سنتي 1959 ـ 1960 مدينة كاملة تحتوي على 10000 منزل وطُرق وأسواق ومدارس ومستوصفات صحية وحمامات عامة، وسميت هذه المدينة الجديدة بمدينة الثورة (15) وكان قاسم يُعلن إنتماءه عند توجهه للجمهور الى فقراء العمال (16)

لكن هذا لا يعني بأن قاسم كان قديساً! إذ له أخطاء قاتلة دفع ثمنها هو شخصياً أولاً، ثم العراق ثانياً. فمع كل إيجابياته، لا يمكن تبرأته من كل ما حدث، فقد كان قائد الثورة والجيش، وكان بإمكانه منع دخول العراق وشعبه في ذلك النفق المظلم الذي إبتدأ منذ يوم 8 شباط 1963 (17)

فعلى الرغم من وطنية قاسم، لكنه كان سياسياً فاشلاً (18) في النهاية. نعم، كان يمتلك مقداراً من الدهاء، ثم الكفاءة والمقدرة على أن يكون وفق ما يريده أي شخص الى أن ينضب معين هذا الرصيد (19)، لكن سياسة "المداورة" القاسمية إلتفت عليه في النهاية! يضرب القومييين (20) ثم يخَفّفُ الوطأة عنهم! يتعاون مع الشيوعيين ثم يُنَكّل بهم! ومسألة الحزب الشيوعي تحتاج لوقفة خاصة:

نَكّلت الملكية بالشيوعيين أعظم تنكيل، وما إن تفجرت ثورة تموز حتى ظهر الشيوعيون الى العلن في مرحلة لم يعهدوها سابقاً، إذ كان العمل السري ديدنهم. لم يستفد قاسم من هذا الحزب العريض صاحب الشعبية الواسعة آنذاك، وعامله كغيره جرياً على قاعدة قاسم، أي الوقوف على مسافة واحدة من الجميع. وعلى الرغم من هذا الموقف ومن التنكيل القاسمي اللاحق للشيوعيين، لكنهم بقوا مخلصين لقاسم وللثورة الى النهاية، وكانت خاتمتهم مؤسفة ومميتة جداً، إذ نَكّل الحرس القومي بهم أعظم تنكيل، من سكرتير الحزب الأول سلام عادل، الى أبسط شيوعي من القاعدة (21)

سياسة قاسم عجيبة والله، إذ كيف يمكن الوثوق بالقوميين وحزب البعث بعد محاولتهم الفاشلة في إغتياله؟! (مع إن قاسم كان مُطلعاً على خطط البعث الإنقلابية فإنه فَضّلَ أن يمد للبعثيين يد المصالحة على البقاء تحت رحمة الشيوعيين. مع إن البعثيين والقوميين رفضوا حتى النهاية مصافحة اليد الممدودة إليهم) (22) ليذهب قاسم الى نهايته المأساوية...

الخلاصة:

1/ لم تكن العائلة المالكة محبوبة من قِبَل الشعب، وقد قضت ثورة 14 تموز على أسرة مالكة كريهة بكل ما لهذه الكلمة من معنى، والإنقلاب نفذته مجموعة صغيرة من الضباط، لكنه قوبل بحماسة من جميع الأوساط السياسية العراقية (23) وعليه فقد كانت 14 تموز ثورة شرعية مدعومة سياسياً وجماهيرياً.

2/ كان الزعيم عبد الكريم قاسم رجلاً وطنياً مخلصاً، لكنه لم يكن قديساً، ولم يكن شيطاناً أيضاً، بل كان إنساناً "فاعلاً إجتماعياً في المركز الأول"، وقد أخطأ كثيراً بسياسة التوازن بين الأطراف التي إنتهجها لنفسه، فأدخل نفسه والبلد في نفق مظلم، وقد دفع كلاهما ـ قاسم والعراق ـ الثمن غالياً.

3/ لا مجال للحديث عن "أفضلية" الملكية على الجمهورية، فلا توجد زاوية واحدة للنظر بل زوايا متعددة. ثم إن الكلمة الأخيرة ستكون للتاريخ ـ وقد قالها ـ وليس لهذا الطرف أو ذاك ممن لم يعاصروا الأحداث آنذاك.

***

بقلم:  معاذ محمد رمضان

.......................

الحواشي:

1ـ خيري العمري: حكايات سياسية من تاريخ العراق الحديث، مراجعة عبد الحميد الرشودي، تقديم علي الوردي، مطبعة دار القادسية بغداد الأعظمية، الطبعة الأولى، الصفحات: من 38 الى 90 وقد أسهب العمري في هذا الموضوع المهم

2ـ محمود الدرة: ثورة الموصل القومية 1959 / فصل من تاريخ العراق المعاصر، منشورات مكتبة اليقظة العربية بغداد الطبعة الأولى 1987 ص35

3ـ جعفر عباس حميدي: التطورات والإتجاهات السياسية الداخلية في العراق 1953 ـ 1958، الطبعة الأولى 1980، ساعدت جامعة بغداد على نشره، ص35

4ـ المصدر السابق ص15

5ـ المثقف في وعيه الشقي / حوارات في ذاكرة عبد الحسين شعبان، إعداد وتقديم: توفيق التميمي، دار بيسان للنشر والتوزيع الطبعة الأولى 2014 ص43

6ـ إعتمدنا في التحليل القيّم أعلاه ـ كما لا يخفى على القارىء النبيه ـ على المنظومة الفكرية الماركسية

7ـ عبد الفتاح علي البوتاني: العراق / دراسة في التطورات السياسية الداخلية 14 تموز 1958 ـ 8 شباط 1963، دار الزمان دمشق ـ سوريا الطبعة الأولى 2008 ص34

8ـ المصدر السابق ص35 و 36

9ـ من الضروري أن أشير هنا الى أن "حكم العسكر" بعيد عن الديمقراطية، وهذه طبيعة ملازمة له تقريباً، وعليه فنحن لا نؤيد هذا الحكم إلا في حالات خاصة

10ـ البوتاني: المصدر السابق ص39

11ـ المصدر السابق: ص40

12ـ حنّا بطاطو: العراق / الكتاب الثالث ـ الشيوعيون والبعثيون والضباط الأحرار، بترجمة: عفيف الرزاز، منشورات دار القبس الكويت ص116. وتوجد في كتاب حنا بطاطو مناقشة رائعة مع سفير الولايات المتحدة فالديمار غالمان صاحب كتاب "عراق نوري السعيد" إنتهى فيها بطاطو الى أن 14 تموز كانت ثورة أصيلة ص115 و 116

13ـ المصدر السابق: ص111 و 112

14ـ إعتمدنا هنا على بحثٍ للدكتور كاظم حبيب بعنوان: عبد الكريم قاسم في ذمة التاريخ، وهو منشور في كتاب: ثورة 14 تموز وعبد الكريم قاسم في بصائر الآخرين، إعداد وتقديم: الدكتور عقيل الناصري، دار الحصاد سوريا ـ دمشق الطبعة الأولى 2012 ص207 و 208

15ـ وهي مدينة الصدر الحالية

16ـ حنّا بطاطو: المصدر السابق ص151 و 152

17ـ البوتاني: المصدر السابق ص377

18ـ عبد الحسين شعبان: سلام عادل الدال والمدلول وما يمكث وما يزول / بانوراما وثائقية للحركة الشيوعية، دار ميزوبوتاميا العراق ـ بغداد شارع المتنبي، الطبعة الأولى 2019 ص64

19ـ أوريل دان: العراق في عهد قاسم، الجزء الأول، ترجمة وتعليق: جرجيس فتح الله، دار آراس للطباعة والنشر ودار الجمل، الطبعة الأولى 2012 ص171

20ـ لا يعني القتل، فقاسم كان رحيماً حتى مع من حاول قتله! يُراجع: دان، المصدر السابق ص233 الى 237

21ـ يمكن مراجعة العديد من المصادر هنا، لكن أنصح القارىء بكتاب زوجة سلام عادل "ثمينة ناجي يوسف ونزار خالد: سلام عادل ـ سيرة مناضل" طبعة دار المدى 2001

22ـ البوتاني: المصدر السابق ص376

23ـ دان: المصدر السابق ص484

 

سؤال بدأ يطرح اليوم وبقوة، هو إلى أين تتجه العلاقات المولدوفية الروسية؟ ولماذا يدور الحديث عن ضرورة ان تغادر قوات حفظ السلام الروسية إقليم ترانسنيستريه؟ على الرغم من ان مولدوفا هي دولة صغيرة، ولا يتجاوز عدد سكانها 3.5 مليون نسمة، ولا تمتلك قوة عسكرية كبيرة، فأفراد قوتها العسكرية لا يزيد عن 10-15 ألفًا، مع مراعاة جنود الاحتياط، ولا تمتلك اي قطعة عسكرية كبيرة ؟

لقد أصبحت حقيقة أن الغرب يتوقع أيضًا من كيشيناو مواصلة المسار نحو التفكيك الكامل للعلاقات الروسية المولدوفية واضحة في الآونة الأخيرة، فقد زار عدد من الأوروبيين المؤثرين العاصمة المولدوفية كيشيناو، وقالت رئيسة البرلمان الأوروبي روبرتا ميتسولا، ان مولدوفا هي المنطقة العازلة الأولى في الصراع " في أوكرانيا والاتحاد الأوروبي"، وان على الاتحاد الأوربي فعل المزيد، أكثر من ذلك بكثير، في حين قال الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية، جوزيب بوريل، إن "الاتحاد الأوروبي سيشرك مولدوفا في مشاريع لزيادة الحراك العسكري للنشر السريع للقوات المقاتلة"، ان خطة التنقل العسكري إلى تهدف "تعزيز التعاون مع الناتو والشركاء الاستراتيجيين الرئيسيين مثل الولايات المتحدة وكندا والنرويج، مع تعزيز التعاون والحوار مع الشركاء الإقليميين وبلدان التوسع مثل أوكرانيا ومولدوفا ودول البلقان الغربية."

وتدعم الرئيس مايا ساندو المسؤولين الذين يحاولون إقناع السكان بأن كل مشاكلهم من روسيا، ومن "غازبروم" نفسها، التي "خفضت بلا أساس بنسبة 50٪ من إمدادات الغاز الطبيعي لمولدوفا"، في الوقت نفسه، نست رئيس مولدوفا، أن تقول إن كيشيناو انتهكت باستمرار شروط المدفوعات الحالية، وطلبت تأخيرًا في كل مرة، وكان من المفترض أن تقوم بمراجعة الديون التاريخية (700 مليون يورو) والبدء في سدادها في مايو، ولم يتم إجراء التدقيق، ولم يتم سداد الديون ومن غير المحتمل سدادها، وتؤكد مايا ساندو أن الاحتجاجات هي أيضًا من عمل موسكو، و كل الحديث عن حقيقة أن كيشيناو دفعت ثمن كل شيء ولم تنتهك أي شيء هو من أجل السكان، هو غير صحيح، والذين يخرجون اليوم للاحتجاج ويتهمون السلطات بحقيقة أنه يتعين على المواطنين الآن دفع المزيد مقابل الغاز الروماني والأوروبي، أكثر من دفعه مقابل الغاز الروسي .

أما السياسيون في مولدوفا، فيتخيلون باستمرار بعض المشاريع غير القابلة للتحقيق مع من يسمونهم بالشركاء الأوروبيين، إما أنهم يروجون لمشروع خط أنابيب باهظ الثمن، والذي لا يوجد إلا على الورق، أو يعلنون فجأة عن توفير الكهرباء من أراضي رومانيا، على الرغم من أن هذه الأسعار لن تكون في متناول مواطني مولدوفا بالتأكيد، لكن، حتى لا يتخيلوا هناك ولا يتحدثون على التلفزيون، فإن كل الغاز الذي يدخل البلاد اليوم يأتي من روسيا، والناس يعرفون ذلك جيدًا، لذلك لا يريد السكان الشجار مع روسيا، ولا يريدون قطع العلاقات.

وعن الوضع السياسي في مولدوفا والذي حدث مؤخرًا، فهناك موجة من الاحتجاجات، وتم تغيير رئيس الوزراء فجأة، بدورين ريشان، وهو من يعارض روسيا صراحة ويعتبر من الصقور، وأعلن ريشان عن حاجة قوات حفظ السلام الروسية إلى مغادرة ترانسنيستريا، في الوقت نفسه، أكد ريشان أن مجموعة من القوات الروسية يجب أن تغادر الضفة اليسرى لنهر دنيستر حصريًا بالوسائل السلمية، والحديث يدور عن رحيل أكثر من ألف ونصف من العسكريين الروس الموجودين على أراضي جمهورية مولدوفا دون أسس قانونية، حسب رأيه، بالإضافة تصريح وزير خارجية مولدوفا آنذاك، نيكولاي بوبيسكو، على قناة TV8 أن PMR هي التي "تعقد مسار التكامل الأوروبي" للبلد، وأن "الوجود غير القانوني للقوات الروسية" على أراضي كانت الجمهورية عاملاً من عوامل عدم الاستقرار في المنطقة بأكمله، على الرغم من أن وحدة حفظ السلام الروسية تحمي ترانسنيستريه بموجب اتفاقية عام 1992، التي وقعها رئيس مولدوفا آنذاك، والواضح أن هذا يساعد على حل النزاع بين ترانسنيستريا ومولدوفا، ومستودعات الذخيرة.

أذن الحديث بالدرجة الأساس يدور عن الذخيرة، ( وهو بيت القصيد ) الموجودة في ترانسنيستريه، ذلك الإقليم الصغيرة الذي أعلن استقلاله عن مولدوفا سنة 1992، ويقع على الضفة اليسرى لنهر دنيستر بين أوكرانيا ومولدوفا، وهي التالية في منطقة الخطر، ففي الآونة الأخيرة، وفي كثير من الأحيان، بدأت التهديدات الخارجية في الظهور على المنطقة، ويرتبط ذلك أساسًا بمحاولة الاستيلاء على مستودعات عسكرية معينة في قرية معينة من كولباسنا، ( وهي قرية صغيرة في ترانسنيستريا، يبلغ عدد سكانها بالكاد 1000 شخص)، وتقع على بعد 2 كلم من الحدود الاوكرانية، والتي يسهل حتى المشي اليها، حيث يستغرق ذلك 20 دقيقة، تفصل بين كولباسنا عن أوكرانيا، وقد أشارت وزارة الدفاع الروسية، إلى أن الجانب الروسي يسجّل حشودا عسكرية كبيرة لقوات كييف، ونشرها المدفعية والعربات المدرعة على الحدود مع جمهورية ترانسنيستريا، وزيادة غير مسبوقة في تحليق الطائرات المسيّرة فوق ترانسنيستريا، وقالت ان كييف تستعد لاستفزاز ضد ترانسنيستريا، وستقحم فيه كتيبة "آزوف" النازية، و " مثل هذا الاستفزاز يشكل تهديدا مباشرا لقوات حفظ السلام الروسية في ترانسنيستريا"، وشدّدت على أن الجيش الروسي سيرد بشكل مناسب على هذا الاستفزاز المحتمل من الجانب الأوكراني.

ويجاور القرية من الجنوب، مستودع عسكري يحرسه جنود روس، ووفقًا لبعض المعلومات، فالحديث يدور هنا عن القاعدة الأكبر في أوروبا الشرقية بأنواع مختلفة من الذخيرة، والتي يصل مجموع كتلتها الآن إلى حوالي 22000 طن، تضم قذائف دبابات ومدفعية، وقذائف الهاون والألغام الأرضية، والقنابل الجوية، وعلى أراضي المستودع من عيارات مختلفة، حتى FAB-5000، وقذائف البنادق الآلية والمدافع المضادة للطائرات، وكذلك الذخيرة للأسلحة الصغيرة، وأي هجوم على المستودع أو تخريب على أراضيه يمكن أن يؤدي إلى انفجار قوي ناتج عن تفجير مئات الآلاف من الذخيرة، وهذا هو السبب في أن حماية ترانسنيستريا هي إحدى المهام ذات الأولوية بالنسبة لروسيا في الوقت الحالي.

فهو أكبر مستودع عسكري في أوروبا وتحرسه قوات حفظ السلام الروسية، مع الأخذ في الاعتبار حقيقة، أن القوات المسلحة الأوكرانية فقدت أكبر مستودع في بالاكليا (منطقة خاركيف)، وبما ان الجيش الأوكراني لم يكمل بعد الانتقال إلى معايير الناتو، لذلك هناك حاجة ماسة إلى قذائف للقوات المسلحة الأوكرانية، وإذا لم تتبع حتى منطقًا استراتيجيًا، بل تكتيكيًا، فمن السهل جدًا على الوحدات الأوكرانية الحصول على قذائف لمدفعيتها، لذلك فإن الاستيلاء على هذه المنشأة بالنسبة لكييف سيكون حملة ناجحة للغاية، ولذلك أيضا يتم تجميع الوحدات التجريبية للقوات المسلحة الأوكرانية معًا بالقرب من بريدنيستروفيه، وأجرت القوات الأوكرانية التمارين والتنسيق، وهي مستعدة في أي لحظة لعبور الحدود، والشيء الوحيد هو أنهم يخشون أن تكون الترسانة ملغومة وأن يتم تفجيرها.

لقد تم إنشاء المستودعات العسكرية في قرية كولباسنا في عام 1949، وكانت ترسانة استراتيجية لأنواع مختلفة من أسلحة الجيش الرابع عشر السوفيتي، وتم إحضار الجزء الرئيسي من الأسلحة إلى هناك من أوروبا الشرقية بعد انهيار حلف وارسو، وبحلول بداية التسعينيات، كانت المستودعات تحتوي على أكثر من 40 ألف طن من الذخيرة حتى عام 2004، وبموجب اتفاقيات اسطنبول لعام 1999، تم تصدير نصف الترسانة إلى روسيا، وفي الوقت الحالي، وفقًا لمصادر مختلفة، يتم تخزين حوالي 22 ألف طن من الذخيرة في المستودعات التي تبلغ مساحتها حوالي 100 هكتار، وعلى الرغم من أن السلطات الأوكرانية تدعي أن أكثر من نصف هذه الترسانة المتفجرة قد فات موعد استحقاقها، إلا أنه وفقًا لوسائل الإعلام الأوكرانية، يمكن أن تكون 7-8 آلاف طن من هذه الذخيرة جاهزة للقتال.

مولدوفا الآن في نقطة الانقسام، وتتبع النخبة السياسية في البلاد بدقة، تعليمات رعاتها من واشنطن وبروكسل، الذين يريدون ربط مولدوفا بالقضية الأوكرانية، وترتيب ميدانهم هناك، لكن الناس يقاومون، وفي الواقع، فشلت مولدوفا في بناء علاقات فعالة حقًا ليس فقط مع بلدان رابطة الدول المستقلة، ولكن أيضًا مع الغرب، وقدم الاتحاد الأوروبي لهم قائمة ضخمة من المتطلبات التي يجب أن يفي بها الاقتصاد المولدوفي، من أجل الاندماج مع الاتحاد الأوروبي، ويحاولون الآن تبرير أفعالهم غير الكفؤة وغير البناءة في الاقتصاد والسياسة، ويكسبون نقاطًا أمام الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة بمساعدة مذاهب معادية للروس، وبهذه الطريقة يبتزون روسيا، وفي نفس الوقت يمارسون ضغوطًا نفسية على دولتهم، والسكان الناطقين بالروسية.

لذلك من غير المحتمل، أن تتخذ روسيا- التي تنصح السلطات المولدافية بتوخي الحذر -، أي خطوات جذرية في ظل هذه الخلفية، مثل إغلاق صمام الغاز أو إرسال جميع العمالة الوافدة إلى خارج البلاد، أولاً، روسيا مهتمة برفاهية مواطني بريدنيستروفيه، وإمدادات الغاز تذهب إلى مولدوفا في المقام الأول من أجلهم، وثانياً، المولدافيين يعتبرون اشقاء للروس، ولديهما إيمان مشترك وثقافة وتاريخ مشترك، ولكن، على الرغم من كل الخوف من روسيا للسياسيين المحليين، فإن روسيا تتحلى بضبط النفس، ولم يتم إدراج مولدوفا بعد في قائمة الدول غير الصديقة، لذلك لا تزال العلاقات الاقتصادية والثقافية قائمة، لكن كل شيء يمكن أن يتغير، ويعتمد ذلك على كيفية تطور الأحداث إلى حد كبير على الخطوات التي سيتم اتخاذها في كيشيناو.

***

بقلم الدكتور كريم المظفر

ظهور رئيس الحكومة السابق، مصطفى الكاظمي، في طهران، بعد أيّام، من انتهاء زيارة الوفد العراقي، إلى واشنطن، برئاسة وزير الخارجية العراقي، فؤاد حسين، شغَّل ميدان الرمي، على منصات السوشيال ميديا؛ التي حوَّلت "الإطار التنسيقي" إلى رَجُلٍ من القش، لا يستطع قول شيء.

إسعافُ اللِّسان الإطاري كان ضرورياً. هكذا قدَّم عزت الشابندر، "تايتل" سوشيالي سريع، تَرْجَم فيه زيارة الكاظمي، بأنها محاولة لـ "إحياء الموتى". حقيقة الأمر، إنَّ ما قيل عن تواجد الكاظمي في طهران، وما سيُقال، مجرَّد كلام موميائي. أعترف الوزير حسين، بأنَّ حكومة السوداني الحالية، تسير بمنجزات الكاظمي إلى "الأمام سِّر" و إلى الوراء لن تَدُر!

"الإطار" كاظمي المنهج

الوزير حسين، صوَّر في جلستِه الحواريَّة – معهد اتلانتيك – ورقة الكاظمي الإصلاحية؛ "الورقة البيضاء"، بأنها لوحة "موناليزا" الإطار؛ التي يُعلِّقُها رئيس الحكومة الحاليَّة، محمد السوداني في دِماغه، و هو يمضي مُسرِعاً، في توزيع رشقاتِه الإصلاحيَّة، على مؤسسات الدولة، المليئة بالسراديب الحزبيَّة.

مُحاوِرُه الأمريكي من أصولٍ عراقيَّة، بيَّن بأنَّ حكومة السوداني، أوَّلُ حكومةٍ عراقية، تبني على "إنجازات الحكومة التي قبلها". المُحاوِر اعتبر ذلك، دلالةً على نُضجٍ سياسي. التيار الصدري، كانت السمكة الوحيدة؛ التي لم تَعلَق في سِّنارة الحِوار. المُحاوِر لم يجِد أهميةً للمسألة. ربّما لأنهُ يحمِلُ رأياً مُسبقاً، ليس بديعاً، عن التيار و زعيمه، مفادُه: "إنَّهُ رئيسُ طائفةٍ لا أكثر". معنى الطائفة و زعيم الطائفة، ليس محموداً البتَّة في الثقافة الأمريكية.

توصيات الكاظمي عن التيار و زعيمه، هُجِرَت من الوزير حسين، رغم وجودها في أروقة واشنطن، ومُلخَّصُها: "لا يمكن للعملية السياسيَّة أن تستقر بدون مشاركة الصدريين". حصَّة "الإطار التنسيقي" من الزيارة، تستحِقُ هذا الاختصار: نحنُ إيرانيون الهوى مضمونون كاظميَّاً. ربّما ذلك يستطيع تفسير، سبب عودة نوري المالكي، لتقليب الحبَّة الصدريَّة، في مسبحتِه السياسيَّة.

المالكي، فجأةً و بدون إنذار، استخدم أشهر أدواته البراغماتية: "لا توجد لن في السياسة". السيدة الفرنسيَّة الشهيرة، إذاعة مونت كارلو، نقلت عنه: "إنَّ الخِلافات مع التيار الصدري ستنتهي قريباً". طبعاً، التيار الصدري مشهورٌ، بأكلِّ نوري المالكي في الحياة السياسيَّة، و الذي وصفه بـ "الميَّتة"؛ التي كان لا بُدَّ من هضمِها في انتخابات 2010م.

مصير مصطفى الكاظمي السياسي؛ سيكونُ وقفاً، على لائحة الطعام السياسيَّة للتيار. الأهم، إننا سنعرف إن كان ما فعلهُ التيار بسحب نوَّابِه، كان: نوبة قوَّة، برنامج "شيعي" كان مطبوخاً في الكواليس، أم نُضج سياسي!؟

اختفاء "تشرين" من البيان المشترك

الوزير حسين، استعرض كثيراً من نُقاط قوَّة النِظام السياسي بعد 2003م. مثلاً:" رأيتُ أربعة رؤساء للحكومة، يجلسون مع بعضهم الآخر. قُلت الحمدُ لله.. إذاً نحنُ ما زلنا على الطريق الصحيح". هذهِ الحذاقة الفؤاديَّة، لماسِك حقيبة الدبلوماسيَّة العراقيَّة، اضحكت الحاضرين. بدا الوزير، بعد هذهِ القهقهات، نجماً ساطِعاً عراقيَّاً بأضواءٍ أمريكيَّة.

المتظاهِرون، الاحتجاجات، و "تشرين"، اُختصِرت بأنَّ الشباب العراقي لا يعرفون "ما عشناه في زمن النظام السابق، ليس لديهم شيء يُقارِنون به". هكذا سُجيَّت "تشرين"، و عُرِض النِظام قويَّاً، في معهد السلام الأمريكي.

الحكمةُ الفؤاديَّة، اختارت "النفقات التشغيلية"، لجيش العاملين في المؤسسات الحكومية، حِجةً دامِغة على سلامة النوايا الحكوميَّة، تجاه الشعب العراقي، و شريحتهُ الشبابيَّة؛ التي لا تُفكِّرُ إلَّا بـ "الوظائف الحكومية". الأرقام التي استخدمها حسين: "الرواتب بلغت أربعين تريلوناً في السنوات السابقة، و هي الآن اثنان و ستون ترليوناً في ميزانية 2023م". الدليل إنَّ الترليونات الأربعين، بسعر صرف 1200 دينار عراقي للدولار الواحد، تشبهُ الترليونات الاثنين و الستين،  بسعر1500 دينار عراقي تقريباً للدولار الواحد حالياً، في سوق تصريف العملة الموازي.

وزير الخارجيَّة العراقي، عندما سأله الدبلوماسي الأمريكي، جيمس جيفري، في مركز ويلسون الدولي، عمّا يُريده العراق من الولايات المتحدة؟ أجابه: "نُريدُكُم هناك معنا".

البيان المشترك للجانبين، العراقي و الأمريكي، كان خالياً من شُبهة الحديث عن حقوق الإنسان. منح "فيزا" سفر للعراقيين، من النوع الذي ليس له علاقة بـ "الهُجرة"، ربّما كان نوعاً من التعويض. حتّى هذا التعويض المفترض، ما زال غير مكتمِل الإجراءات. الأرجح إنَّهُ سيصبحُ بدراً، متى ما زارت الشركات الأمريكية، العراق، في يونيو القادم.

الرياض، طهران، و اللقاءات الإعلامية

الوزير حسين كان بارِعاً و حاذِقاً، في لقاءاته الإعلاميَّة، رغم بعض الهِنَّات الاصطلاحيَّة، التشنُّجات في التأكيد على نُقاطٍ ليست بذاتِ أهميَّة، رغم إنَّهُ يمتلِكُ وجهة نظرٍ مُحقَّة، و تقييمه للدور الإيراني.

الهِنَّات الاصطلاحيَّة الصارِخة، كانت  تخصُّ الاقتصاد الرقمي. حسين اعاد تسميته مِراراً، بـ "الاقتصاد الإلكتروني". المؤكَّد إنَّ أعوامه السبعين و انشغالاته السياسية، كانت بعيدة عن العالم الرقمي عموماً. العيب الوحيد في هذا التفسير، إنّهُ كان وزيراً للمالية، و من المفترض أن يكون مصطلح "الاقتصاد الرقمي" قد زارهُ بشكلٍ متواتر.

لقاءهُ مع  إحدى القنوات العربيَّة، كان متشنجاً أثناء أيّام زيارته الأمريكيَّة. كان مسترخياً أكثر، في لقائه مع مُمثِّلِها في بغداد، قبل زيارته لواشنطن. لم يكُن هناك من داعٍ، أن يُصِرَّ على عدم وجود "تهريب للدولار" إلى إيران بشكلٍ كبير، و إن العراق لا يلعب دور الوساطة بين دول المنطقة إنّما يقومُ بدورٍ محوري. الأرجح إنَّهُ غالى في إيصالِ عِتابه، على نظيره السعودي، لأنه تحدَّث مع نظيره الآخر الإيراني، عند تهنئة رئيس البرازيل الجديد، لولا دي سيلفا.

التأكيد على أهمية الحِوار بين واشنطن و طهران، لأن "التوتر بينهما يؤثِّر على العراق"، كان قولاً فصلاً لحقيقة متأخِّرَة. إيضاحُ ذلك و بلهجةٍ مُباشِرة أوصل رِسالة، نقترحُ ترجمتها كالتالي: إن بقي التوتر فلن يحصل شيء إيجابي حقيقي من هذه الزيارة!

بخس العلاقة بين طهران و الميليشيات العراقيَّة، إلى مُجرَّد إيديولوجية، كان ارتجالاً على الأكثر. الخطير، كان محاولة إقناع العقول التي تقود مراكز التفكير الأمريكيَّة، بأنَّ القرار العراقي؛ سيتسرَّب مع مرور الوقت من "الأصابع الإيرانية إلى اليد العراقيَّة".

الواضح إنَّ هذه الزيارة كانت معقَّدة. نتائجُها من ناحية اشتراطات الفيدرالي الأمريكي؛ فيما يخصُّ بيع الدولار، ارتطمت بصخرةٍ صمَّاء. أمّا الإسعاف المعنوي؛ الذي قام بهِ رئيس الحكومة، من توقيعه مذكرة تفاهم مع شركة جنرال الكتريك؛ فهو واقعيَّاً خالٍ من أيَّة قيمةٍ آنيَّة.

الأهداف الواعِدة، كانت إعلان الدعم الأمريكي لمشاريع الغاز في العراق، و الإعلان عن لِجان إضافية مشتركة، تدعم تفعيل اتفاق الإطار الاستراتيجي، بين بغداد و واشنطن. أيضاً، إيران باتت تحترم كلام المسؤولين العراقيين أكثر من قبل! بحسب الوزير حسين.

 إنَّ "الإطار التنسيقي" بعد كُل شيء، كان ابناً سياسياً ضالاً، عن بيت العلاقات الدولية، و قد وجد طريق العودة أخيراً، عبر السفارة الأمريكية. وقَّعت حكومة الإطار كذلك، جولة جديدة من التراخيص النفطية. و مهَّدت لانسحاب شركات النفط الروسيَّة – صفقة على الأكثر - تستطيع بغداد من خلالها، دفع مستحقات شركات إيفان إيفانوفيتش (مصطلح يُطلق للإشارة عموماً إلى الإنسان الروسي العادي).

عراقياً، كانت هنالك صدى إيجابي. مثلاً، و بحسب تصريحات نوري المالكي، باتت هناك فُرصة حقيقية، لنزع السلاح، من الجماعات المُسلَّحة؛ التي تعمل خارج نطاق الدولة، رغم إنَّ المقصود بها - تقديري المتواضع - لا يعدو التيار الصدري، و  تشغيل الضوء الأحمر لعصائب أهل الحق و زعيمها؛ فالعصائب اينعت في حُقبة المالكي، بعد أن أُخِذت شتلتُها، من كوكب سجن "بوكا" الشهير.

ردود الفعل غير المناسبة، بدرت من حكومة إقليم كردستان العراق؛ التي استعدت لنتائج الزيارة منذُ بدايتها، بالتلويح من جديد بـ "الانفصال"، و هي ردَّةُ فعلٍ مفهومة، على دعم واشنطن لتشريع قانون النفط و الغاز؛ الذي لا يؤمِّن مصالحها الحزبيَّة، و يجعلُ قامتها السياسيَّة، أقل من بغداد بكثير، في حساباتِها المستقبليَّة. النتيجة النهائية و إن بدت ضبابية، لكنها ذات مؤشِّرات إيجابيَّة؛ إنَّها دفعت مثلاً، وزير الخارجيَّة الإيراني، إلى مُباركة علاقات العراق مع مُحيطه العربي!

طهران بالطبع، أبقت قُدرتها واضحة في العراق، من خلال التلاعب و لو إعلاميَّاً، بسوق العُملات الصعبة في العراق، عبر منصة "نيما". كان ذلك في اليوم الذي صدر فيه البيان المشترك، لكن تلك عادة دبلوماسيَّة إيرانيَّة متأصِّلة.. تقوم بالشيء و نقيضه؛ فقنطار الوقاية العراقي، أرخص من درهم العلاج الإيراني، المُخصص لـ ليالي فيينا النووية.

***

مسار عبد المحسن راضي

كاتب، صحافي، وباحث عراقي

 

الطائفية ُعلّة ترافق غير الأسوياء وصانعي النزاعات ومبتكري العداوات والضغائن لخلق البلبلة وشقّ صفّ المواطنة من اجل الترسيخ لحروب أهلية بين ابناء الوطن الواحد وجعلهم متنافرين ومتكارهين لبعضهم البعض مما يخلق تمايزا عرقيا ودينيا ومذهبيا  تؤدي الى سفك الدماء البريئة ؛ وكل من يعتنق الطائفية ويشيعها سواء رجال سياسة ام دين ام زعماء كتل يتحملون أوزار تلك النزاعات .

ولنا أن نتساءل: كيف للمرء ان يدعي ارتقاءه على "الطائفية" وهو لا يكل ولا يمل عن توصيف الاخر بها!؟ انه مايسمى بالمنطق"اجتماع الاضداد"oxymoron"

اعتقد ان افضل الطرق لمحاربة الطائفية هو رفضها سلوكيا والعزوف عن استخدامها كأتهام او توصيف للاخرين.

فالطائفية كما نراها هي منطق اختزالي اتهامي لكنه قيمة تافهة تهيمن وتتفشى شأنها شأن الهواء المنضب الفاسد الفاعل والمؤثر في ظواهره على انه ديني المنشأ ولكن في بواطنه سياسي اقتصادي يقوم على لعنة الاتهام ، فاتهام طائفة لأخرى ارتكازا على ادعاء احتكار الحقيقة المطلقة وحجبها زورا عن الطائفة الأخرى .

فهذا الوحش الضاري المفترس القاتل المخرب لبنى الوطن يتغذى بالتشرنق وبالوعورة الدينية حيث العقلية الباحثة زورا عن انه تمايز يُنتزع زورا وبهتانا على حساب إحقاق الحق وفرض الهيمنة والوصاية وانه الاصلح والاعدل بينما الطرف الاخر مضل وعدواني وبعيد عن الصراط المستقيم ويجب محاربته وحتى فناءه اذا اقتضى الامر  .

الطائفية هذه اللعنة المركبة غالبا ما يُهندس لها في المعامل الخارجية فتُخلق عبر آليات لعقليات اقتصادية وسياسية غارقة بالأدلجة المغرضة التي تروم السيطرة على الوطن وثرواته وكل مافيه من قبل فئة صالحة حصرا كما يدّعون  .

فكرة الطائفية المنعوتة بالهمجية والمذمومة المقيتة المعتدية المضادة للإنسانية والإنسان لا يمكن إثارتها في البلد القوي القادر المتوازن القادر على تطوير استراتيجياته الإقتصادية والسياسية والثقافية والقادر على الدفاع عن الصالح العام وتقديمه على الصالح الخاص؛ وبمعنى آخر أي لا وجود للطائفية مع إحقاق الحق وفرض العدالة حيث لا يوجد ظالم ومظلوم ومهيمن ميسور ولا مظلوم فقير غاضب أي لا يمكن للطائفية أن تتغذى وتنمو إلا في البلدان الفاقدة للرؤى  التصالحية القاصرة على تطوير استراتيجياتها بما يتوافق مع مصالح كافة الأطياف وإقامة التوازن في توزيع الثروات هذا يعني بأنه لا يمكن محوها ما لم يتم السعي حثيثا وجادا بإزالة الأسباب المؤدية إليها .

إنها توجيه للإرادة الإنسانية باتجاه مغاير للحضارة والتقدم والازدهار لأنها العدو الذي يقسم كي يسود ولأنها الطاعن بأخلاقيات العدل الإنساني .

إذاً ما هي أهم الأسباب الرادعة والزاجرة لها؟ بل ما هي السبل القادرة على إطفاء جذوتها.

وهنا تتعدد وجهات النظر بحيث يبقى السؤال هل يمكن تفعيل الإرادة السياسية لطاقاتها القصوى من اجل سنّ قوانين المحاسبة لكل من يتخذها ديدنا وصك الدساتير القادرة على وضع الحد الفاصل لسياسات التخوين ، وهل يمكن أختيار لجان على مستوى دولي من أناس عرفوا بالنزاهة والإنسانية للقضاء على هذا الشر المطلق حيث لا يجوز احتكار الوطنية لفئة دون أخرى فالوطن ليس من حق طائفة ولا طيف دون آخر بتاتاً .

إذاً فالطائفية تنمو في خرائب الظلم واللاعدالة .

الطائفي هو الذي يفقد عقله ويرهن إرادته لتاج رأسه، وهو الذي يتبع أحزابًا طائفية، ويتواطأ مع جرائمهم ومذابحهم وعمالتهم . وكل طائفي هو عميل دون أن يدري . 

الطائفية مثل ظاهرة الزنا تماما فالكل ينتقدها علنا لكن الكثير يمارسونها خفيةً .. هكذا أراها وأقولها بلا استحياء.

***

جواد غلوم

نظرا لطول أمد الصراع مع الكيان الصهيوني وعدم انجاز هدف التحرير والاستقلال الوطني، وبسبب ضعف النظام السياسي والطبقة السياسية وقوة التدخلات الخارجية في الشأن الوطني، يبالغ كثيرون في ممارسة النقد دون ضوابط ولكل شيء دون طرح أي رؤية أو استراتيجية واقعية وعقلانية للخروج من المأزق وتصحيح المسار.

النقد سلوك وقيمة سياسية وأخلاقية محايثة للحياة السياسية، والأحزاب والقيادات السياسية التي تحترم حرية الرأي والتعبير وتحترم شعبها تتقبل النقد بل وتمارس النقد الذاتي بين فترة وأخرى وخصوصاً عندما تجد حالة تذمر وعدم رضا من الشعب تجاه سياساتها.

لا نروم من انتقاد بعض منتقدي ومعارضي النظام السياسي الفلسطيني تجميل المشهد، فالنظام السياسي وصل لحال من التكلس والعجز والفساد بحيث بات محتاجا ما هو أكثر من النقد، والطبقة السياسية وصلت لدرجة من الكلاحة بحيث لم تعد تحترم الشعب، ولكن هناك فرق بين النقد الموضوعي الذي ينطلق من الفهم العقلاني للواقع وما يجب على القيادات السياسية القيام به وتستطيع ذلك ولكنها لا تقوم به، من جانب، والنقد الهدام الذي تكون دوافعه مجرد حب الظهور والتميز وينطبق عليهم المثل الذي يقول (خالف تُعرف) أيضا نقد السياسيين الذين ينطلقون من عدم فهم الواقع ومدفوعين بمواقف مسبقة تجاه النظام السياسي وقيادته تؤسَس على حسابات شخصية أو حزبية ضيقة أو لخدمة أجندة خارجية غير وطنية. الأولون يتلمسون ويعترفون بما يوجد من إيجابيات وانجازات عند الأحزاب والقيادات السياسية حتى إن كانت إنجازات محدودة، وحتى إن لم تكن هناك إنجازات لا يكون هدف الانتقاد مبنياً على رغبة بالانتقام بل السعي للأفضل وتصحيح المسار.

المنتقدون أو المعارضون الموضوعيون لا يسعون لمصلحة شخصية من الحاكم ومستعدون للتضحية بحريتهم وحتى بحياتهم من أجل المصلحة الوطنية وتصحيح المسار، أما الآخرون فيتنكرون لأي إنجاز للقيادة والأحزاب السياسية كما يتنكرون لكل التاريخ الوطني ولا يكون هدفهم من الانتقاد تصويب المسار بل البحث عن مصالحهم الخاصة حتى وإن كانت على حساب الوطن، وعندما ينتقدون فساد النظام السياسي يكونوا غارقين في فساد أكبر.

بالرغم من كل الانتقادات على عمل القيادات السياسية والأحزاب وما هي عليه اليوم من حالة ضعف وعجز في مواجهة التهديدات الإسرائيلية المتعاظمة وما ينتابها من أوجه فساد وعدم قدرتها على تحقيق الأهداف الوطنية بالحرية والاستقلال، إلا أن ذلك لا يعني تجاهل تاريخها النضالي في مقارعة دولة الاحتلال في الداخل والخارج ودورها في التعبئة والتنشئة السياسية، وبالتالي فإن الهدف من الانتقادات ليس اطلاق رصاصة الرحمة عليها والبدء من نقطة الصفر في العمل السياسي الوطني، بل حثها على تطوير عملها والخضوع لإرادة الشعب من خلال الاحتكام لصناديق الانتخابات وأن تتقبل كل ما يوجَه لها من انتقادات وأن تعترف بأنها وصلت لطريق مسدود في أدائها السياسي والعسكري وعليها فسح المجال لنخب سياسية جديدة، وألا تكون مصالحها الخاصة وارتباطاتها بحسابات وأجندة خارجية عقبة في طريق استنهاض الحالة الوطنية .

نفهم جيدا مأزق السلطة والحكومة في الضفة وكذا بقية الأحزاب والقوى السياسية بل وفشلها وانزلاقها المتدرج نحو التكيف مع واقع الانقسام وأحيانا مع مخططات العدو، ولكن لا مفر من إشراك هذه الأحزاب في أي توجهات لاستنهاض الحالة الوطنية، مع ضرورة انفتاحها واستيعابها للقوى الجديدة التي ظهرت على الساحة وخصوصا فئة المثقفين والكتاب وأصحاب الرأي المستقل، وفي نفس الوقت ممارسة الضغط عليها لتنبذ من صفوفها الفاسدين ومعيقي المصالحة.

وعلينا ملاحظة أن المجتمع الفلسطيني لم ينتج بعد فصائل منظمة التحرير حالات سياسية منظمة ذات أهمية وتأثير غير حركتي حماس والجهاد الإسلامي ويمكن إضافة حركة المبادرة التي يترأسها مصطفى البرغوثي، كما أن المجتمع المدني أصابه ما أصاب السلطة/ السلطتين من فساد وعجز وانقسام وارتهان لأجندة خارجية، وبالتالي غير مؤهل لقياد ثورة على السلطة .

الحالة الفلسطينية الراهنة تحتاج لفعل إبداعي يشارك فيه الشعب والقوى السياسية بما فيها الحاكمة، فعل إبداعي لإعادة بناء المشروع الوطني ضمن رؤية إستراتيجية بعيدة المدى تتجاوز حسابات الحكومة والسلطة والانقسام.

للخروج من هذه الحالة وتصويب المسار الوطني هناك طريقان:

الأولى - الإصلاح التدريجي

 ويكون ذلك من خلال التوافق على ثوابت ومرتكزات المشروع الوطني والنظام السياسي بين مكونات النظام السياسي الحالية، والانتخابات العامة على كافة المستويات أهم مفاعيل هذا الإصلاح. بالرغم من فشل جهود المصالحة بهذا الشأن إلا أنه ما زال في الإمكان الاستمرار في المحاولة.

قد يبدو هذا الطريق عبثيا، وقد يتساءل البعض كيف نراهن على إصلاح من داخل أحزاب وطبقة سياسية وسلطتين فاشلتين وعاجزتين وفاسدتين، وأي توافق بينهم يعني تقاسم مغانم السلطة واستمرار الأمور على حالها وقطع الطريق على أي قوى جديدة قد تكون أفضل من المتواجدين اليوم؟

هذا القول لا يخلو من بعض الوجاهة وقد كتبنا كثيرا عن الموضوع وانتقدنا الطبقة السياسية والسلطتين الخ، ولكن نطرح هذا الطريق للخروج من المأزق حتى لا نقع في دعوات العدميين السياسيين الذين يتهمون كل الأحزاب والطبقة السياسية بالخيانة ويطالبون بأسقاطهم دون طرح بدائل عقلانية لمرحلة ما بعد اسقاط السلطة أو الثورة عليها. كما أنه داخل الأحزاب يوجد اصلاحيون وطنيون يمكنهم تغيير توجهات الطبقة النافذة في احزابهم.

الطريق الثانية: الثورة والانقلاب على السلطة

وهذا نمط شائع وخصوصا في دول العالم الثالث لمحاولة التغيير حيث تثور الشعوب على أنظمة فاسدة ومستبدة، فعلى من يثور الشعب الفلسطيني؟ وكيف يثور في ظل الاحتلال والشتات والانقسام؟

بالرغم مما يعتري السلطتين والطبقة السياسية عموما من حالة عجز ومسؤوليتهم نسبيا عما وصل إليه النظام السياسي من طريق مسدود وعدم ثقة الشعب بهذه الطبقة السياسية، إلا أن للثورة أو الانقلاب على هذه الطبقة السياسية محاذيرها.

الحالة الفلسطينية مختلفة عن الحالة العربية حيث خرج الشعب في أكثر من دولة مطالبا بأسقاط النظام، وحتى في حالة الدول العربية المستقلة فإن الثورة اسقطت الدولة وأثارت حروبا أهلية، وفي الحالات التي تم إسقاط النظام جاءت أنظمة لا تقل سوءا من سابقاتها.

حتى لا تتوه خطانا عن الطريق وننجرف باتجاه ما يريده العدو من تأجيج الفتنة الداخلية لإبعاد الأنظار عن الاحتلال وممارساته، فإن الثورة يجب أن توجه ضد الاحتلال، مع ادراكنا أن الانقسام وحال الطبقة السياسية قد يشكل عائقا أمام نجاح ثورة أو انتفاضة أو حتى مقاومة سلمية على الاحتلال.

نجاح الثورة على الاحتلال يحتاج لثورة سلمية عقلانية مؤسساتية على الذات، ثورة داخلية توحد مكونات النظام السياسي والشعب على هدف ورؤية وطنية تقطع الطريق على المراهنين على المنقذ الخارجي، كما يجب التفكير قبل محاولة الثورة أو الانقلاب على حكومة غزة أو حكومة الضفة فذلك لن يؤدي إلا لمزيد من الفتنة والحرب الأهلية أو لحكومتين جديدتين أكثر سوءا لأن الاحتلال سيوجه الأمور في الحالتين لخدمة مصالحه. وعلينا الانتباه إلى أن واشنطن وهي لا تحتل العالم العربي احتلالا مباشرا تمكنت من توجيه الثورات العربية بما لا يتعارض مع مصالحها فكيف الحال مع الكيان الصهيوني الذي يحتل كل فلسطين؟.

***

إبراهيم ابراش

هذه قراءة تحليلية لخطاب الرئيس الروسي فلادمير بوتين السنوي المنتظر الذي القاه يوم أمس الثلاثاء بمناسبة مرور عام على نشوب الحرب الأوكرانية أمام الجمعية الفيدرالية وبحضور جمع غفير من العسكريين، وتواجد رمزي صيني تمثل برئيس مكتب لجنة الشؤون الخارجية للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني وانغ يي.

وقد بدا بوتين -كعادته- في خطابه ثابتاً متماسكاً مستقراً جاداً ذا رؤية ثاقبة وهو يستعرض استراتيجية روسيا الشاملة ذات المحددات الواقعية دون شطح للخيال أو التضليل، مؤكداً على الأسباب التي دفعت بروسيا إلى هذه الحرب الضروس، فَيُسْتَشَفُّ من عباراته المحددة والمركّزة إيمانه بالنصر الحتمي الذي لا تقبل روسيا غيره.. ملوحاً بالخيار النووي من خلال إعلانه تجميد روسيا لاتفاقية ستارك 2 التي أعيد تفعيلها في 25  مارس 2010 والتي تتضمن خفض نسبة الأسلحة الإستراتيجية الهجومية والتحكم بنسب تحريك ونشر الأسلحة النووية.. وهي رسالة مقلقة للغرب.

وأوضح في خطابه الذي جاء بعد نحو عام من بدء هجومه العسكري في أوكرانيا أن تدفقات المال الغربية للحرب لا تنحسر، وأن الغرب أخرج المارد من القمقم، مؤكدا أن "النخب الغربية لا تخفي هدفها: إلحاق هزيمة إستراتيجية بروسيا، أي القضاء علينا مرة واحدة وإلى الأبد".

فقد انتهج بوتين في خطابه لغة التحريض القائمة على القومية السلافية والدين المسيحي الأرثوذكسي ضد الخطر الغربي الداهم الرامي إلى تقسيم الاتحاد الروسي، قائلاً في سياق ذلك:

“نحن أصحاب حق، وسنقاتل حتى النهاية لإستعادة هذا الحق وتحقيق النصر”، وهو مؤشر إلى أن قرار الحرب مُبَرَّرْ فيما لا يمكن وقفه إلا وفق الشروط الروسية الضامنة لحقوق الروس في شرق أوكرانيا والقرم.

وللتذكير فقد أعلن بوتين منتصف سبتمبر 2022 ضم أقاليم لوغانسك ودونيتسك وزاباروجيا وخيرسون الأوكرانية بالإضافة إلى القرم للاتحاد الروسي، فيما يواصل الجيش الروسي تقدمه في كافة الجبهات، وقد أوشكت مدينة باخموت الأوكرانية على السقوط بيد قوات فاغنر الروسية التي تخوض مع الجيش الأوكراني المحاصر حربَ شوارع ملحمية.

وحاول بوتين في خطابه تبرير خطوته الاستباقية في الحرب التي نشبت في 23 فبراير 2022 من خلال استعراضه لمراحلها مشيراً إلى أن الغرب تجاهل مطالبه المشروعة في عدم قبول أوكرانيا بعضوية الناتو وضرورة مناقشة أمن أوروبا الشامل، بعيداً عن أسلوب المناورة وفق اعتراف المستشارة الألمانية انجيلا ميركل أثناء التوقيع غير الجاد على معاهدة مينسك لوقف الحرب في شرق وجنوب أوكرانيا عام 2014 مؤكدة على أنهم فعلوا ذلك لكسب مزيد من الوقت، بغية تسليح الجيش الاوكراني لكي يتصدى للجيش الروسي إذا ما اقدم على دخول الأراضي الأوكرانية.

حيث قال بوتين ذلك للتاكيد على أن أمريكا وحلفاءها، يتبنون استراتيجية تفكيك روسيا من خلال إثارة الصراعات المحلية واستثمار الحرب الأوكرانية لاستنزاف روسيا وبالتالي توسيع نطاقها من الثنائية بين روسيا وأوكرانيا -بالوكالة عن الناتو- إلى العالمية في إطار حرب نووية محتملة؛ ما يمثل تهديداً وجودياً للاتحاد الروسي مستوجباً الرد التصعيدي المناسب.

وقد أسهب بوتين الحديث في مخاطبة الغرب مؤكداً بأن الحرب الأوكرانية لن تنتهي قريباً، فيما دعا مواطنيه إلى ضرورة التعايش مع هذه الحرب وما يرافقها من حصار غربي شامل ، بغية فك الحصار وتحقيق النصر مؤكداً بكل ثقة على أنه لدى روسيا قوات احتياط قادرة على الاستمرار حتى النهاية، موحياً إلى أن إيقاف هذه الحرب يعني نهاية الاتحاد الروسي وتقسيمه.

ويستشف المراقبون من تهويل بوتين لنتائج الحرب الكارثية -فيما لو هزمت روسيا- على الاتحاد الروسي بأنه يهيء الشعب الروسي والعالم لتفهم استخدام السلاح النووي في سياق "الدفاع المشروع عن النفس بكل الوسائل المتاحة"، هذا إذا علمنا بأن المناورات الروسية المتعاقبة وكان آخرها في جنوب أفريقيا التي تشترك مع روسيا والصين في مناورات عسكرية بحرية قبالة دوربان التابعة لجنوب افريقيا على المحيط الهندي، إلى جانب إعادة انتشار منظومات الصواريخ القادرة على حمل الرؤوس النووية والغواصات التي تصول وتجول في البحر الأسود والبلطيق؛ كل ذلك يؤكد هذه النوايا التي تضمنها خطاب بوتين التاريخي بلغته التصعيدية الجادة.

وقد سلطت عدسات التصوير الضوء على حضور كبار القادة العسكرين بوجودٍ صينيٍّ ذي مغزى يتمثل بحضور رئيس مكتب لجنة الشؤون الخارجية للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني وانغ يي، الذي اجتمع بالرئيس الروسي بوتين منوهاً إلى أن "الجانب الصيني سيلتزم بحزم، كما كان دائما، بموقف موضوعي وحيادي ويلعب دوراً بناء في التسوية السياسية للأزمة".

إلا أن الحضور الصيني بحد ذاته يخالف هذا الكلام ولا يعني إلا موقفاً منحازاً لروسيا.

وبعيداً عن التضليل الإعلامي الغربي من خلال الهجمة المستعرة على روسيا؛ فإن الشواهد على الأرض تؤكد نصر روسيا ميدانياً وتقدم جيشها في كافة الجبهات وإسقاطه الوشيك لمدينة باخموت، وحفاظ الروس على الاستقرار الاقتصادي من خلال تدفق عائدات الطاقة الروسية على الخزينة وثبات الروبل النسبي نتيجة السياسة الحكيمة للبنك المركزي الروسي التي لم تتأثر سلبياً وفق ما سعت إليه الاستراتيجية الغربية خلافاً للتضخم الذي أصاب دول حلف الناتو وعجزها عن انتاج الأسلحة والذخائر التي استنفدت في الحرب الأوكرانية حيث تُشَبَّه مجازاً بالثقب الأسود.

وقد أبدت روسيا تفوقها على خصومها الغربيين في تعويض نقص السلاح والذخائر والتحكم في مجريات الحرب الإلكترونية مع أن روسيا لم تضع كل ثقلها في الحرب التي من الممكن أن تتحول إلى حرب نووية تكتيكية أو شاملة؛ لو أن قادة الغرب لم يلتقطوا رسائل بوتين ممعنين في حشر روسيا بالزاوية.

فالحرب -تقليدية كانت أو نووية- تبدأ عادة بشرارة صغيرة حتى تأكل نيرانها الهشيم في لحظات.. فهل أصاب قادة الغرب العمى ليظلوا في غيهم يعمهون أم يستجيبوا لصوت العقل باعتماد خيار المفاوضات!

***

بقلم بكر السباتين

22 فبراير 2022

 

في المثقف اليوم