آراء

آراء

هدف السلطة هو فصل الدين عن الدولة

ما يحدث في الساحة والحصار المقام على الإسلاميين يعيد النقاش حول قضية الإسلام السياسي كظاهرة، لتحديد الصراع بين حماة الإسلام ومعارضيه حتى لا نقول أعدائه، فاعتماد الإسلام مرجعية أولى مسألة أسالت كثير من الحبر وتعرض اصحابها إلى الحصار لأنهم كما يقول محللون يريدون تسييس الإسلام وتديين السياسة ما جعل البعض لاسيما الموالون للسلطة يقرّ بفشل الإسلام السياسي والاعتراف بأن الحركات الإسلامية لا مجال لها لمواجهة ديناصور اسمه السلطة.

تحاول الأنظمة العربية أن تجعل من شعوبها مجرد رعايا لا مواطنين أي أعدادا خاضعة خضوعا كاملا ل يحق لهم الاعتراض أو حتى رفع الصوت، ولذا تحاول هذه الأنظمة أن تسكت أصوات هذه الشعوب بالتضييق عليها كي لا تطرق باب المعارضة ومحاسبتها فتجعل منها كانا مضطربا في سلوكه ووجدانه، فعملت على فتح المعتقلات لإدانة كل من يقف في وجهها، بزجه في السجن، بتهمة أو بدون تهمة، وقد تفننت في ابتكار التهم والحجج والمبررات، وعادة ما تستهدف السلطة أو الأنظمة العربية المستبدة قادة الأحزاب الذين يمثلون التيار الإسلامي للتضييق عليهم واستفزازهم إمّا بالنفي أو بالسجن، حدث هذا في الجزائر عندما قرر النظام الجزائري إبعاد رئيس الجبهة الإسلامية للإنقاذ عباسي مدني عن دياره ونفيه إلى أن توفي في المنفى ومنع عائلته من حضور تشييع جنازته، وحدث أن رفض رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون الإعفاء عن سجناء التسعينيات المحسوبين على الجبهة الإسلامية للإنقاذ FIS وسجناء الحراك الشعبي بعدما أصدر قرارا يتضمن إطلاق حوالي 09 ألاف سجين في السادس عشر من أفريل 2023.

هو قرار اعتبره البعض بالتعسفي وغير عادلٍ وهو إن دل على شيئ فهو يدل على العنصرية، يحدث اليوم في تونس عندما زُجَّ برئيس حركة النهضة الإسلامية راشد الغنوشي في السجن من قبل الرئيس قيس السعيد بسبب تصريحات أدلى بها خلال سهرة رمضانية نظّمتها جبهة الخلاص الوطني، المعارضة لقيس سعيد، قال فيها إن تونس من دون نهضة، من دون إسلام سياسي، ومن دون معارضة، هي مشروع لحرب أهلية، واعتبرت السلطة التونسية هذا التصريح تحريضًا على العنف وتأجيج حرب أهلية، وسارعت بغلق مقرات الحركة، فموقف السلطة هنا يعكس موقف المعارضة في تونس (جبهة الخلاص الوطني) حيث قالت أن سجن راشد الغنوشي هو تعديًا على حرية التعبير وانتهاكا لحقوق الإنسان، حسب بعض التقارير أن جلّ أنصار النهضة هم الآن داخل السجون بتهم تتعلق بالتحريض على الإرهاب، من بينهم مسؤولين سامين من رؤساء حكومة ووزراء، الشيء نفسه بالنسبة للفيس في الجزائر الذي لا يزال إطاراته داخل السجون منهم حتى من ينتمون إلى الجهاز الأمني الذين وقفوا مع عباسي مدني وأيدوا مشروعه .

الفرق بين التيارين أن حركة النهضة لاقت دعما وتضامنا من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي كانت له محاولات اتصال مع الرئيس للتونسي قيس السعيد لإقناعه بأن يعدل قراره ويفرج عن راشد الغنوشي، لكنها باءت بالفشل لتعنت الرئيس التونسي واستبداده، كما لقيت تضامنا كبيرا من الجزائر ايام الرئيس المخلوع عبد العزيز بوتفليقة لكنها لم تحرك ساكنا في عهد الرئيس الحالي، في حين لم يلق أنصار الفيس في الجزائر دعما من قبل أي دولة، وإن التفتنا إلى إخوان المغرب نجد أنهم يواجهون حصارا مع النظام الملكي، وهناك أطراف تريد التشويش بين جبهة العدالة والتنمية والملك محمد السادس، ولعل حالة الانسداد بين الملك والإخوان في المغرب أساسها قضية التطبيع مع إسرائيل، كذلك ما يشاهده العالم في السودان وفي مصر، وحتى ما تعانيه الحركات الإسلامية في البلاد الأخرى والمضايقات التي يتعرض إليها المسلمون من قبل الأنظمة المستبدة.

فما عرفته البلدان العربية من ثورات وهزات سياسية واقتصادية لابد أن تخضع لمستويات متعددة من التحليل والنقاش، ما يلاحظ أن النظام العربي المستبد يصر على إبقاء انصار التيار الإسلامي داخل السجون، من جهة ليعطي درسا للإسلاميين أن السجن هو مصير كل من يريد التعالي على السلطة أو يقف امامها ندا للند، ومن جهة أخرى الزج بالمعارضة في السجون يكون في صالح السلطة لاستكمال مشروعها السياسي في رفض ما أطلق عليه اسم "الإسلام السياسي" ، وهي بذلك تريد أن تحقق مشروع فصل الدين عن الدولة، أي تريد أن تفرض النموذج الغربي على المسلمين في كل شيئ، في الفكر والثقافة وطرائق العيش والأزياء، بل تفريغ الإسلام من محتواه.

***

علجية عيش

انفجر الموقف بالسودان بين الجيش و«قوات التَّدخل السَّريع»، شُكلَت هذه القوات في حرب دارفور(2003)، لمساندة الجيش السّوداني، لكن بعد انتهاء الأزمة، صعب حلها، حتَّى صار لها دور في التغيير العام (2018). لم تصدر فتوى «جهاد كفائي» بالسُّودان، ولم تُسم تلك القوات بالمقدسة، فالمقدس فوق المساءلة والطَّعن.

ظهر قائد قوات التَّدخل السَّريع كأحد أبرز قادة التغيير بالسُّودان، الذي فضح الرّئيس المخلوع بما نُسب إلى الإمام مالك بن أنس(ت: 179هج)، إباحة قتل الثلث مِن أجل الثلثين. قال البشير برواية محمّد حميدتي: «نحن مالكيَّة، والمالكيَّة عندهم فتوى قتل الثُّلث، وتخلي الثّلثين يعيشون بأمان أو بعزة، والمتشددون منهم تقتل الخمسين بالمائة» (فيديو على النت). اتضح أنَّ تلك الفتوى مدسوسة على الإمام، بُثت بنزعة مذهبية، في كتب الأشاعرة، ذكرها أبو المعالي الجوينيّ(ت: 478هج)، ونقل عنه تلميذه أبو حامد الغزاليّ(ت: 505هج): «إنَّ مالكاً لما زل نظره، كان آثر ذلك تجويز قتل ثلث الأمة، مع القطع بتحرز الأولين عن إراقة محجمة دم، مِن غير سبب متأصل في الشَّريعة، ومنه تجويزه التأديب بالقتل، في ضبط الدولة وإقامة السياسة، وهذا إنْ عهد فهو مِن عادة الجبابرة، وإنما حدثت هذه الأمور بعد انقراض عصر الصَّحابة»(الجويني، البرهان في الأُصول). غير أنَّ شيوخ المالكيّة نفوا الفتوى. بمعنى أنَّ حميدتي، وفق هذه الرواية، أعلن المبرر لإزالة نظام البشير، وهو يهمُ (أي البشير) بقتل الثُّلث، مِن المحتجين ضده!

لم يكن المشهد السودانيّ، بخصوص المحتجين، بعيداً بما حصل لمحتجي العراق، صحيح لم تصدر فتاوى مباشرة بقتلهم، لكن عشرات الفتاوى قد صدرت ضمنياً، ومَن يتمعن في «دليل المجاهد» لمحمد كاظم الحائري، وخُطب رجال الدّين، ومعمم قناة «آفاق» سيجد المضمون واضحاً فيها، اعتبروهم كفاراً فساقاً، حتى ظهر أبرز قادة المجاهدين يقول جهاراً «علينا بالرُّؤوس»! علماً أنَّ المنخرطين في الميليشيات جلهم مِمن تربى على «دليل المجاهد».

صار بالسودان جيشان، والدَّولة واحدة، وبالعراق جيشان والدّولة المعلنة واحدة، لكن ما يزيد عنه حشد العراق أنّه أصبح قوةً اقتصاديّةً، داخل الدَّولة، بعد تأسيس شركة استثمارية عملاقة، فأخذت ميليشياته تتضخم، لها جهاز استخباراتها الخاص، يعتقل ويخطف جهاراً، اتخذت مِن منطقة «جرف الصَّخر» عاصمةً، المكان الذي حُرم على أهله العودة. أرى المشهد كالآتي، وفق ما حصل بالسّودان: إنَّ حشد العراق بني وفق استراتيجية مدروسة، منذ (2003)، وما فتوى «الجهاد الكفائي» إلا غطاءً دينياً، مِن أجل إضافة «المقدس» له، وهو يتضخم بوجود وزراء وموظفين كبار في الدَّولة، وعدته وعتاده مِن الميزانيّة العراقية، يكفيك النّظر في الرَّايات والصُّور والتَّصريحات، والممارسات تجد سيوفه مشرعةً مع الخارج إذا حمى الوطيس.

انفجر الموقف بالسودان، بين الجيش وقوات التدخل السّريع، ولا نظن أنّ «جنجويد» العراق الولائي سيكون طوع القانون، يأتمر بأمر السّلطة الشّرعيّة. فحذار مِن المواجهة، التي إن حصلت لا تذر ولا تبقي. ليكن المشهد السُّوداني اليوم درساً للعراق غداً!

لا يمكن يستقر بلدٌ فيه جيشان. صار العِراق بوجود الميليشيات طارداً لأهله، في زمن الدّيمقراطيَّة، وهو الذي يشار إليه لعظمة خيره ونعيمه ببيت لبشار بن بُرد(قُتل: 168هج): «يزدحمُ النّاسُ على بابه/والمَورد العَذب كَثير الزَّحامِ»(الدِّيوان).

بمعنى يكثر على بابه الغزاة والطَّامعون بأعذار مختلفة، حماية المذهب أو القوميَّة. زوروا كردستان العِراق، وسترون زحمة طرائد «الجنجويد» الولائيّ تنتظر، بينهم أبناء مخطوفين ومغتالين.

***

د. رشيد الخيّون - كاتب عراقي 

بدأت الدوائر الغربية تستشعر بخطر التحديات التي تمثلها منظمة (بريكس)، تلك المجموعة التي تأسست من 5 دول في عام 2006، وهي روسيا والبرازيل والهند والصين وجنوب إفريقيا، والتي تدعو إلى دعم التعاون متبادل المنفعة بين البلدان ذات الاقتصادات سريعة النمو في المستقبل المنظور، وكذلك رغبة العديد من الدول ذات الثقل الكبير في الاقتصاد العالمي مثل (المملكة العربية السعودية وايران وفنزويلا)، والخطوات التي تقوم بها المنظمة من اجل التخلص من تبعية عملة الدولار كأساس لاحتياطاتها او في التعامل التجاري .

ووفقا لبيانات تقارير وكالة "بلومبيرغ" التي تستند لبيانات صندوق النقد الدولي، فإن دول مجموعة "بريكس" تتقدم على دول مجموعة G7، من حيث إجمالي المساهمة في النمو الاقتصادي العالمي منذ العام 2020، علاوة على ذلك فإن هذا المنحى سيستمر، وستوفر دول مجموعة "بريكس"، 32.1% من النمو الاقتصادي العالمي هذا العام، وفي العام 2028 ستكون مساهمتها 33.6%.، فيما ستوفر دول مجموعة السبع (بريطانيا العظمى وألمانيا وإيطاليا وكندا وفرنسا واليابان والولايات المتحدة) 29.9% في العام 2023 و27.8% في العام 2028، وكذلك أشار صندوق النقد الدولي، إلى أن الصين ستقدم في السنوات الخمس المقبلة أكبر مساهمة في النمو الاقتصادي العالمي وستكون حصتها ضعف حصة الولايات المتحدة.، ومن المتوقع أن تبلغ حصة الصين في نمو الاقتصاد العالمي 22.6% من إجمالي النمو الاقتصادي العالمي حتى العام 2028، تليها الهند بنسبة 12.9%، بينما ستقدم الولايات المتحدة 11.3%.

ويبدو أن الاقتصاد العالمي سيخرج قريبًا من هيمنة الدولار الأمريكي، فقد تم إطلاق الإشارات المقابلة، ويبقى انتظار تنفيذ الخطة العالمية، ووفقا لوزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، فإنه خلال قمة البريكس، والتي ستعقد في أغسطس في جنوب إفريقيا، ستتم مناقشة إنشاء عملة مشتركة جديدة للاتحاد، وشدد على أن "الدول الجادة التي تحترم نفسها تدرك جيدا ما هو على المحك "، وقال إن عجز مالكي النظام المالي النقدي الدولي الحالي، أثر على حقيقة أن بعض الدول فكرت في إنشاء آلياتها الخاصة، وإنه من المهم بالنسبة لهم ضمان التنمية المستدامة التي "ستتم حمايتها من الإملاءات الخارجية".

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بدوره أيضا، تحدث عن هذا الأمر في يونيو من العام الماضي، وقدم قبل قمة البريكس، اقتراحًا لإنشاء عملة جديدة يمكن أن تحل محل الدولار بعد مرور بعض الوقت، وتحريك نظام بريتون وودز (نظام دولي لتنظيم العلاقات النقدية والتسويات التجارية، الذي تم إنشاؤه نتيجة لاتفاقية بريتون، ومؤتمر وودز، الذي عقد في الفترة من 1 إلى 22 يوليو 1944)، وكان رد فعل الكثير على هذا، كفكرة جميلة يصعب تنفيذها في الممارسة العملية، ولكن الوضع اليوم مختلف، أولاً، إن دول البريكس مستعدة بجدية ليس فقط للمناقشة، ولكن أيضًا للعمل على هذا الخيار، ففي أمريكا الجنوبية، اتخذوا بالفعل زمام المبادرة لإنشاء عملتهم الخاصة في جمعيات أخرى أيضًا، فهل هذا يعني أن العالم يقترب من تكوين عملة احتياطي جديدة؟ مع ملاحظة أن دول البريكس من حيث تعادل القوة الشرائية تمثل حوالي 40٪ من الاقتصاد العالمي، وهذه هي بيانات صندوق النقد الدولي لعام 2022.

وتثار مسألة الحاجة إلى الإصلاحات في دول البريكس في كل قمة، وواحدة من هذه كانت قمة G20 في سيول في عام 2010، حيث تمت مناقشة حصص صندوق النقد الدولي، وأعلنت دول البريكس عدم موافقتها على حقيقة أن حصتها الإجمالية كانت أقل من حصة الولايات المتحدة، ونتيجة لذلك، عقدت قمة في عام 2014 في فورتاليزا، وبعد عام - في أوفا، وفي نفس المكان تم إصلاح نوايا هذه البلدان في الطريق إلى نظام مالي بديل، وقد تم تسهيل ذلك من خلال إنشاء بنك تنمية جديد لمجموعة بريكس ومجموعة من احتياطيات النقد الأجنبي المشروطة .

ويبرر قادة "بريكس" قرارهم، بالقول، إنه عندما تم إنشاء صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومؤسسات بريتون وودز، لم يتم أخذ مواقفهم في الاعتبار، ففي عام 1944، لم تكن هناك جمهورية الصين الشعبية بعد، وكانت الهند دولة شبه مستعمرة، وجنوب إفريقيا كانت في شكل مختلف قليلاً عن الآن، لكن مرت 78 عامًا - ولا يوجد اتحاد سوفيتي، وتحولت دول البريكس من "المقترضين إلى أكبر الدائنين"، وبحسب الخبراء، ان روسيا والهند والصين، تمتلك اليوم موارد كافية لإملاء سياساتها، ويبلغ عدد سكانها أكثر من 40٪ من سكان الكوكب بأسره، بالإضافة إلى ذلك، تراكمت لدى هذه الدول بشكل خطير القوة المالية والاقتصادية .

وخلال زيارة للصين في 13 أبريل الجاري، اقترح الزعيم البرازيلي لولا دا سيلفا، التخلي عن الدولار في المدفوعات الدولية، وتساءل بسؤال بلاغي من قرر أن الدولار هو العملة الرئيسية بعد إلغاء معيار الذهب ؟، ثم ذكر أن دول البريكس بحاجة إلى تطوير عملتها الخاصة لاستخدامها في التجارة العالمية، وتساءل ألكسندر رازوفاييف، عضو مجلس الإشراف في نقابة المحللين الماليين ومديري المخاطر، بدوره، هل يمكن أن تتحقق رغبة رئيس البرازيل ؟ خلال انعقاد قمة رؤساء دول "الخمسة الأقوياء" في أغسطس في جنوب إفريقيا، ما هي العملة التي ستحل محل الدولار في هذه الحالة ؟.

لقد تم الحديث عن عملة البريكس لفترة طويلة، وازداد الاهتمام بهذا الموضوع في العام الماضي، وأكد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خطط هذه الرابطة فوق الوطنية لإنشاء عملتها الخاصة للتجارة الدولية بدلاً من الدولار، ثم كان من المفترض أن يتم إطلاق الوحدة النقدية الجديدة على أساس سلة عملات لجميع الدول الأعضاء في" البريكس "، وفي نهاية العام الماضي، كتب الكثير عن هذا المشروع في وسائل الإعلام الغربية بالإشارة إلى الاقتصاديين والخبراء الذين نظروا في سيناريوهات مختلفة، ويعرب الغربيون عن أعتقادهم، أن عملة الدول الخمسة "الأقوياء"، ستكون مرتبطة بالذهب أو المواد الخام، أو كليهما، وقد أثار لولا دا سيلفا، مسألة إنشاء عملة البريكس خلال زيارته للصين، وهي ليست مصادفة، فمن الواضح أن العالم يتحدث عن احتمال خروج اليوان إلى هذا المستوى.

والسؤال المهم، هو هل تمتلك دول البريكس قوة اقتصادية كافية للتحول إلى المستوطنات بعملتها الخاصة، مهما كانت؟، وبنظرة بسيطة، فإن مجموعة "البريكس " تشكل اليوم نصف سكان العالم، و 25٪ من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، ونصف الناتج المحلي الإجمالي لدول مجموعة السبع، إذا كنت تحسب بالقيمة الاسمية، وأكثر من الناتج المحلي الإجمالي لـ "الكبار السبعة" إذا كنت تحسبه على أساس تعادل القوة الشرائية، وبمقارنة اقتصادات مجموعة السبعة ودول البريكس، يشير الخبراء بحق إلى أن حوالي 80٪ من الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة والأعضاء الآخرين في "السبع الكبار" هو قطاع الخدمات - التمويل والتأمين والتعليم والطب والخدمات الشخصية -، بينما تبلغ حصة الإنتاج الحقيقي في المتوسط حوالي 20٪، علاوة على ذلك، لا تزال الولايات المتحدة تنتهج سياسة متعمدة لإزالة التصنيع من حلفائها، وهو ما يظهر بوضوح في مثال الاتحاد الأوروبي.

كما لدى "البريكس " نسبة مختلفة في هيكل الناتج المحلي الإجمالي لبلدان "الخمسة الأقوياء"، لا تتجاوز حصة الخدمات 60٪، ويمثل قطاع الإنتاج الحقيقي 35٪ إلى 55٪، وحسب الدولة، بالإضافة إلى ذلك، يمكن لمجموعة "بريكس "، زيادة قوتها في وقت قصير جدًا، لأن إيران والأرجنتين ومصر وتركيا والمملكة العربية السعودية والجزائر أعربت عن رغبتها في الانضمام إلى هذه الجمعية، وكل هذا يدل على أن دول " البريكس"، لديها قوة اقتصادية كافية لإنشاء عملتها الخاصة.

والسؤال المهم اليوم، هو ماذا ستكون العواقب بالنسبة لدول البريكس إذا تخلت عن الدولار؟، فقد أظهر مثال روسيا، أنه في ظل عدد قياسي من العقوبات، يمكن للمرء أن يعيش بشكل أفضل من أولئك الذين يفرضون هذه العقوبات – والحديث هنا عن أوروبا-، التي بدأت مشاكلها للتو، وكما يراها ويلمسها الجميع، بالإضافة إلى ذلك، فإن فرض عقوبات على نصف العالم هو طريق مسدود، سيصبح لوحة في حالة عجز المرء، لذلك إذا أظهرت مجموعة البريكس الوحدة، فلن تكون هناك عواقب ملموسة لهذه الرابطة فوق الوطنية.

ومن وجهة نظر المختصين، فإن عملة البريكس إذا ظهرت، ستكون مشابهة جدًا للروبل السوفيتي القابل للتحويل، ولكن فقط للتجارة الخارجية، أو قد يكون هناك سيناريو آخر، حيث سيحل اليوان بسرعة محل الدولار في التجارة بين الدول "الخمس القوية "، لذلك سيكون اليوان، بالطبع، العملة الرئيسية للعالم غير الغربي، ومن حيث المبدأ، كل شيء جاهز لذلك، أما بالنسبة لعملة البريكس، فهذا قرار سياسي، ويقولون إنه سيتخذ في أغسطس، وبعد ذلك، ستطير "البجعة السوداء" الكبيرة والبدينة من الدولار الأمريكي واليورو، وإذا أطلق أردوغان أيضًا مركزًا ماليًا إسلاميًا في إسطنبول، فسيكون هذا بالفعل بمثابة طلقة الرحمة في رأس العملة الأمريكية.

***

بقلم الدكتور كريم المظفر

الصراع في السودان حتى الآن ليس حربا أهلية، فالشعب والأحزاب غير مشاركين فيها، ولا أساس طائفي أو عرقي أو ايديولوجي لها، فكل من قائد الجيش البرهان وقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي) من نفس النظام والمؤسسة العسكرية كما أن قوات الدعم السريع والجيش الرسمي من المسلمين ومن نفس المذهب السني وجميعهم من العرب، دون تجاهل الطابع القبلي والجهوي للمجتمع السوداني، وبالتالي فإن ما يبدو على السطح حتى الآن إنها حرب وصراع على السلطة وهو صراع ممتد منذ الاستقلال.

منذ عقود ونحن نسمع بأن السودان الذي تبلغ مساحته (1.882.000 كلم) مؤهل لأن يكون سلة غذاء لكل العالم العربي نظرا لخصوبة أراضيه، وما تختزنه الأرض من مواد خام كما أن له موقع استراتيجي في القرن الأفريقي وحدوده مفتوحة على سبع دول: مصر وإثيوبيا وليبيا وتشاد وجمهورية أفريقيا الوسطى وإريتريا وجنوب السودان، ومع ذلك استمر البلد فقيرا حتى بات لا يستطيع تحقيق أمنه الغذائي أو إنجاز الاستقرار السياسي حيث شهدت البلاد منذ استقلالها عام 1956 تعاقب عدة انقلابات عسكرية وحروب أهلية كان أخطرها في جنوب السودان الذي انفصل عن شماله في يوليو 2011 بعد سنوات من الحرب الأهلية.

كما جرت محاولات تمرد واحتجاجات في إقليم دارفور منذ عام 2003 وقد أدت لإزهاق أرواح أكثر من 300000 شخص وتشريد 2 مليون حسب إحصاءات رسمية للأمم المتحدة، وتم قمعها بشدة من طرف حكومة عمر البشير مستعينا بميليشيا (الجنجويد) التي تحولت فيما بعد إلى قوات الدعم السريع بزعامة محمد حمدان دقلو والذي يقوم بمحاولة الانقلاب اليوم على الجيش والدولة التي يتزعمها البرهان.

إن كنا نأمل أن يبقى الصراع محصورا في المؤسسة العسكرية وأن يتم وقفه بسرعة إلا أن هناك خشية من تداعيات قد تؤدي لتقسيم السودان وفتح المجال لتدخل أطراف خارجية وقد تكون تداعياتها على السودان ودول المنطقة أكثر خطورة من تداعيات فوضى الربيع العربي لعدة أسباب:

1- إن لم يكن هناك صراع طائفي وعرقي إلا أن المجتمع السوداني مجتمع قبلي والقبلية لا تقل عن الطائفية والعرقية في قدرتها على الحشد والاستقطاب، كما أن السودان يتشكل من 18 ولاية لكل منها خصوصيتها وبعض هذه الولايات تتشكل من مجموعات مختلطة عربية وغير عربية،

2- ما يجري في السودان جاء متزامنا مع تمدد نفوذ روسيا والصين في السودان وعموم افريقيا وحديث عن دور لجماعة فاغنر الروسية في تدريب ودعم قوات الدعم السريع..

3- ما يجري جاء متزامنا مع صراع بين حلف الأطلسي وخصوصا واشنطن مع كل من الصين وروسيا للهيمنة والتحكم بخيرات أفريقيا الهائلة، أيضا مع حرب أوكرانيا واحتمالات تحولها لحرب عالمية.

4- في حالة ضعف الدولة السودانية قد تنقل جماعات متطرفة نشاطها الإرهابي إلى السودان وخصوصا من دول الجوار كليبيا وتشاد ومالي حيث تنشط هذه الجماعات.

5- للسودان أهمية استراتيجية لمصر بسبب تحكمها في كمية المياه التي تصل مصر من نهر النيل أيضا لأنها من الدول المطلة والمتحكمة في البحر الأحمر، وأي نظام سياسي في السودان معاد لمصر سيؤثر على الأمن الاستراتيجي لمصر وخصوصا أن حدود مصر الأخرى مع ليبيا وإسرائيل غير آمنة تماما.

6- ما كان لقائد قوات الدعم السريع أن يُقدم على محاولة الاستيلاء على السلطة ومواجهة الجيش الرسمي الذي يفوقه عددا وعدة لو لم يكن مدعوما من جهات أجنبية أو موعودا بدعمها.

7- لإسرائيل علاقة حسنة بطرفي الصراع وقد عبرت عن استعدادها للوساطة فإن نجحت فستعزز نفوذها مع الطرفين وإن فشلت الوساطة قد تساند طرفا على طرف آخر وخصوصا أنها تتطلع منذ سنوات لأن يكون لها موقع قدم في البحر الأحمر.

8- بيان الخارجية الأمريكية بأن واشنطن قلقة على مستقبل وحدة الأمة السودانية أيضا تحذير حلف الأطلسي بأنه لن يسمح باستمرار الحرب في السودان يشي باحتمال تدخل غربي مباشر.

9- حتى في حالة حسم المواجهات في العاصمة الخرطوم لصالح طرف على حساب الطرف الثاني فإن هذا لا يعني نهاية الحرب حيث سيلجأ الطرف الخاسر إلى حاضنته القبلية وفي هذه الحالة سنغرق السودان في حرب أهلية.

10- نظرا لوجود تاريخ طويل من الحروب الأهلية وبعضها في إطار الانفصال فإن احتمال بروز نزعات انفصالية أمر وارد وسيكون إقليم دارفور البادئ في الأمر.

قد يقول قائل لا داع لتوظيف نظرية المؤامرة وتضخيم ما يجري في السودان لأن ما يجري مختلف عما جرى في دول (الربيع العربي) حيث الصراع في السودان محصور بين مكونات المؤسسة العسكرية وبالتالي لا علاقة بين الحدثين ولا خوف من تداعيات الصراع في السودان سواء على وحدة الدولة والمجتمع أو على دول الجوار.

لا نقول بأن هناك تطابقا بين الحالتين ولكن علينا التذكير بأنه قبل فوضى الربيع العربي كانت عديد التقارير والدراسات الاستراتيجية المسربة من واشنطن وحلف الأطلسي تتحدث عن مخطط (بلقنة) أو تجزئة دول العالم العربي وكانت هذه التقارير تتحدث عن تجزئة مصر والسودان والمغرب والجزائر ولبنان والعراق إلى دويلات وقد أشار المشروع الأمريكي لـ (الشرق الأوسط الجديد2004)  ثم ( الشرق الأوسط الكبير 2006) إلى ذلك وقد نجح الغرب وخصوصا واشنطن مستعينة بأطراف داخلية في تحقيق بعض الإنجازات في هذا المجال كما جرى في العراق واليمن وليبيا وسوريا وفي مناطق السلطة الفلسطينية، وحتى في السودان حيث انفصل جنوب السودان عن جنوبه في العام الأول 2011 من فوضى الربيع العربي.

عندما اندلعت فوضى ما يسمى (الربيع العربي) عام 2011 كان الوجه البارز للصراع وأطرافه  المباشرين هم الشعب في مواجهة السلطة، ولم يكن في المشهد السياسي في الأيام الأولى للأحداث أي حضور مباشر لأطراف خارجية أو لجماعات مسلحة محلية أو وافدة من الخارج وكان شعار المتظاهرين (الشعب يريد اسقاط النظام)، ولكن ما أن مرت أيام حتى ركبت موجة الاحتجاجات جماعات مسلحة كالقاعدة وتنظيم الدولة وجماعة الإخوان المسلمين وأخذت الدول الخارجية تتدخل، خفية أحيانا من خلال تمويل جماعات المعارضة أو بشكل عسكري مباشر كما جرى في ليبيا وسوريا واليمن، كما برزت الطائفية والمذهبية والإثنية والجهوية، وبدلا من إسقاط النظام سقطت الدولة.

حمى الله السودان وشعب السودان من الفتنة والحرب الأهلية.

***

د. ابراهيم أبراش

السودان الحبيب.. ضحية عمقه العربي الإسلامي الإفريقي

تمهيد: واسوداناه، واعرباه، واسلاماه، وا إنسانيتاه. هي صرخة شعب سُرقت منه الحياة.

هل أمسى السودان في مفترق الطرق؟ ولماذا وقع في قبضة جنرالين، أحدهما كان تاجر إبل، وأصبح قائد ميلشيات متمرّدة على سلطة الدولة والجيش النظامي، والآخر قائد الجيش النظامي، وكلاهما يطمحان، سرّا وعلنا، للتفرّد بالسلطة الفعليّة، وإجهاض السلطة المدنيّة؟ قتال بين قوتين، صنعت مأساة شعب طيّب الأعراق، مسالم، له من الذكاء والعبقريّة قسط وافر، شعب مسالم، خدوم، هاديء، محبّ للأمن والسلام.

منذ استقلال السودان، والغرب، بأجنحته السياسيّة والثيوقراطية والاقتصاديّة، يتربّص به الدوائر. وطفق، على مرّ قرن من الزمن، يشعل الفتن تلو الفتن في جنوب السودان وغربه وشرقه وشماله. تحت مجموعة من العناوين السياسيّة والحقوقيّة والدينيّة. كالديمقراطيّة وحقوق الإنسان المدنيّة والدينيّة، حتى نجح الغرب الصليبي الحاقد، بمؤازرة الإيديولوجيّة الصهيونيّة، في تقسيم السودان إلى شمال وجنوب.

قد يتساءل المرء، لماذا وجّهت الكنيسة الغربيّة سهام سمومها إلى السودان؟ هل طمعا في مياهه أم طمعا في أراضيه الخصبة، كونه سلة الغذاء العربي والعالمي، ومعادنه الثمينة؟

إنّ الأمر (الخطير)، الذي حرّك الكنيسة الغربيّة في الماضي، ومازال يحرّكها، هو البعد الجغرافي الاستراتيجي للسودان ؛ فقد جرّ عليه موقعه المتميّز حقدا غربيّا لا مثيل له. فجغرافيته المنبسطة الواقعة بين سبع دول هي (مصر، ليبيا، تشاد، أثيوبيا، إريتريا، جمهورية إفريقيا الوسطى، جنوب السودان)، هي التي جرّت عليها هذا الحقد الغربي الصليبي، وألّبت عليها الأطماع الغربيّة. إنّ السودان مثال راق للمجتمعات المثقفة، المؤلّفة قلوبهم، المتعايشة في كنف التراحم والتعارف. وبفضل السودان انتشر اللسان العربي ولغة الضاد في شرق إفريقيا وقرنها. وبفضل المنهج الديني الوسطي في السودان أنار الإسلام مناطق شاسعة من إفريقيا. فقد عُرف عن الإنسان السوداني دماثة الأخلاق، والتسامح الديني، والتعايش السلمي، وحبّ الآخر، ولو كان على غير ملّته. ولم يعرف المجتمع السوداني قديما، أي قبل بروز أنياب الذئاب الغربيّة، صراعا إثنيّا. لقد عاش الإنسان السوداني مترفّعا عن الفتن الجاهليّة، والأحقاد الصليبية والصهيونيّة. ولم يستطع الانتداب البريطاني وأعوانه، ضرب الوحدة السودانيّة، بوساطة سياسة (فرّق تسد).

إنّ ازدهار السودان وتقدّمه الاقتصادي وتماسكه الاجتماعي وتآلف أبنائه ووحدتهم في ظلّ الأمن الوطني والاستقرار السياسي، خطر، ما فتيء يؤرّق الغرب، وهو خطر يهدّد – في نظر الغرب – الوجود الكنسي في شرق إفريقيا كلّها ووسطها. فقد عجزت الكنيسة، بمختلف مذاهبها، عن الوقوف في وجه المدّ العربي الإسلامي. وهو مدّ عفويّ متسارع الخطى، لم تصاحبه قوة سيف ولا إغراء ماديّ. لقد كثّف الغرب غاراته الثقافيّة والفكريّة والدينيّة على السودان، خوفا من الإسلام ولغته وتعاليمه السمحة.

يقول زويمر في مؤتمر بالهند: " والمبشّرون المنتشرون على ضفتي النيل، وشرقي إفريقيا، وبلاد النيجر، يرفعون أصواتهم، بالشكوى من انتشار الإسلام في هدة الأنحاء " (1).

إنّ حروب الغرب في إفريقيا، التي ظاهرها أمنيّ كما يزعم قادته ومنظّروه، هي حروب دينيّة في حقيقتها. وما يشاع في أدبيّات سياساتهم وإعلامهم ومؤتمراتهم الدوليّة والإقليميّة، أنّ تواجدهم بالقارة السمراء، وخاصة بدول الساحل، هدفه مكافحة الإرهاب، الذي تتزعمه مجموعات إرهابيّة مسلّحة، لا يُعرف انتماء، غير الانتماء الإرهابي، هو ذر للرماد في عيون المغفّلين.

فالغرب، لا يقرّ له قرار، فتارة يصف تلك الجماعات المسلّحة (وأغلبها هو من يسلّحها)، بأنّها جماعات إرهابيّة، وتارة يصفها بالجهاديّة، وتارة بجماعات معارضة لأنظمة الحكم، فهو غالبا ما يسعى إلى تدجينها واحتوائها لصالحه سرّا، ويدّعي – علنا – بأنّه يناصبها العداء ويحاربها.

" ونتيجة هذا الخوف من الإسلام، وهذا الاستصراخ اجتمع الغرب المادي الملحد تتزعمه أمريكا التي لا تعرف من العبادة غير عبادة الذهب، ومع هذا غطت مساحة كبيرة من العالم بجيوش التنصير، زاعمة أنّها تدعو إلى حياة روحيّة وسلام ديني، ومن المعلوم أنّ فاقد الشيء لا يعطيه، وما هؤلاء في الحقيقة إلاّ عيونها ورسلها " (2)

و يضيف الكاتب: " ولذا تُسهم أمريكا في ميزانيّة التنصير إسهاما عاليا، ولقد صرّح رئيسها الحالي (ريغان) أنّه دفع نصيب دولته في ميزانيّة التبشير (عشرة ملايين من الدولارات)، هذا بخلاف المبالغ الضخمة التي تدفعها المؤسسات الصهيونيّة والصليبيّة والأشخاص الأمريكيون للأسهام في حملات التنصير، ممّا أغرى كثيرا من أصحاب الأغراض الشخصيّة، من مرتزقة ومغامرين ورحّالة وتجار أن يمتطوا التنصير مركبا لبلوغ أهدافهم ومآربهم، ساعدهم في ذلك ضعف المسلمين وغفلتهم " (3)

العقل العربي المعاصر والجامعة العربيّة:

هل أفلس العقل العربي المعاصر؟ سؤال مستفزّ لأولي النهى والبصيرة؟ وهل سطت (من السطو) العصبيّة القبليّة والعشائريّة على فلسفة الثقافة الديمقراطيّة المعاصرة؟ هل فُطِر العرب على حلّ نزاعاتهم القبليّة والعشائريّة والعائليّة والشوارعيّة (من الشارع) والمذهبيّة والرياضيّة على سلّ السيوف من أغمادها، وجزّ الرقاب؟ لماذا تنجح الوساطات الأجنبيّة بين العرب، وبالمقابل تفشل الوساطات العربيّة؟ لماذا لم تقم الجامعة العربيّة بدورها في معالجة الأزمات العربيّة بالحوار، قبل انفلات أزيز الرصاص ودوي المدافع والقنابل؟ ما محل منظمة المؤتمر الاسلامي من النزاعات العربيّة العربيّة؟ ألم يكن من الأولى منع وقوع الفأس في الرأس، بدلا من البحث عن الحلول والفرج بعد حدوث الكارثة؟ متى يتطهّر العقل العربي من مخلّفات حرب داحس والغبراء، ومأساة حرب البسوس، ومآلات التحكيم بين معاوية وعلي؟ إلى أين يتّجه السودان الشقيق؟

لقد حملت لنا العشر الأواخر من رمضان أنباء مفجعة وحزينة من أرض السودان الشقيق. خرست العقول، وضغطت الأصابع على الأزندة، وتناقلت القنوات الشقيقة والصديقة وقنوات الأعداء، المسموعة والمرئيّة، صورا وصرخات من أرض المعركة التي اندلعت بين (الأخ) و(أخيه). من أجل جلالة الكرسي، وفخامة السلطة. وعوض أن يتبادل الأخوان (العدوان) تهاني العيد المبارك بالألعاب الناريّة الصينيّة والمسّرات والتبريكات وأداء واجب صلات الرحم والحلويّات وما تيسّر من المشويات، تبادلوها بأزيز الرصاص وطلقات المدافع ودويّ الطائرات الحربيّة والدموع وصرخات الاستغاثة والآهات. إنّها، حقّا، صورة دراماتيكية، تراجيديّة، مأساويّة، داحسيّة، غبراويّة (حرب داحس والغبراء)، بسوسيّة (حرب البسوس)، تدمي القلوب، وتضيف لأمتنا العربيّة المجيدة لبنات أخرى من المآسي والخيبات.

إن إنشاء المليشيات المسلحة مهما كانت توجّهاتها الإيديولوجيّة - سواء بترخيص من السلطة الحاكمة، أو بلامبالاتها - كما هو الشأن في لبنان والعراق واليمن والسودان - خطر داهم على وجود مؤسسات الدولة. فقد انقلبت هذه الميليشيات المسلّحة على السلطات الفعليّة لتلك الدول، وتمرّدت عليها. ولعل، ما يجري في السودان الحبيب خير مثال على ذلك. إنّ امتلاك هذه المليشيات للسلاح، خطأ أمني واستراتيجيّ، وخرق فاضح للدستور، نظرا لعقائد تلك المليشيات القائمة على المذهبيّة الدينيّة والسياسيّة والقبليّة والإثنيّة والذاتيّة. إنّ مثل السودان الشقيق كمثل الجماعة التي قيل فيها المثل العربي: (يداك أوكتا وفوك نفخ).

قُتِل مواطنون أبرياء سيُقتل آخرون أبرياء أيضا، وقُتِل جنود، وسيتقتل جنود من الطرفين، وسُفكت دماء، وستسفك دماء القتلى والجرحى غزيرة، وسالت دموع الثكالى والأيامى واليتامى المفجوعين والأطفال، وستسيل غزارا في أتون هذه الحرب النتنة، إذا لم تتوقّف اليوم قبل الغد. وطوبى للقنوات الصديقة والشقيقة والعدوّة ولمواقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك، تيك توك، تويتر، يوتيوب، انستغرام)، ستمنح لها هذه الفتنة الملعونة، مزيدا من المشاهدين، وسيجني أصحابها مزيدا من المال القذر.

و كأنّ العرب يقتنون الأسلحة بتريليونات الدولارات من أجل أن يتقاتلوا فيما بينهم، مثلما حدث في فتن الربيع العربي (اليمن، سوريا، ليبيا، السودان، العراق).

إن عسكرة المجتمع المدني، كان وبالا على الأمّة العربيّة الإسلاميّة، جعلها تفقد صفة الأمة الواحدة (كُنْتُمْ خَيْرَ أمّةٍ أُخْرجَتْ للنَّاسِ).{ 10 / آل عمران}

و عندما يعجز العرب عن مقاتلة عدوّهم اللدود (العدو الصهيوني)، تسوقهم شهوة العنف لديهم إلى التقاتل فيما بينهم، على أتفه الأسباب.

لماذا يشتري الحكام العرب السلاح من الغرب والشرق، ثم يوجهونه إلى صدور شعوبهم؟

ما محل الجامعة العربيّة من الإعراب، ودورها؟

هل عجزت الجامعة العربيّة (المتفرّقة)، وفشلت في إرساء نظام سياسيّ ديمقراطي حرّ في العالم العربي، تقوم فيه العلاقة بين الحاكم والمحكوم على فلسفة المنفعة المتبادلة والتراحم. فلا الحاكم يطغى على رعيّته ويستبّد عليها، ولا الرعيّة تخرج عن طاعة الحاكم؟ أجل، لقد عجزت وفشلت، ولم تحقّق طموح العرب، من المحيط إلى الخليج. فلو أحصينا عدد الحروب الأهليّة والبينيّة ومجمل الأزمات بين أعضائها والخلافات والنزاعات والخصومات وقطع العلاقات وإغلاق الحدود والمجالات الجويّة، التي حدثت في ظل وجود الجامعة العربيّة، لتأكدنا من عقم الذي أصاب الجامعة العربيّة، ولقلنا دون مجاملة أو مكايدة أو مبالغة أو نكران، أنّ دور الجامعة العربيّة في حفظ الأمن العربي القومي والسلم الاجتماعي واللحمة العربيّة الوحداويّة، لوجدناها لم تتعدّ الدرجة الصفريّة.

كل الوقائع الماضية التي أصبحت في ذمّة التاريخ وفي قرطاسه المشهود، والأزمات الحاليّة تجسّد الفشل السياسي العربي. لم تستطع الجامعة العربيّة – نظرا لضعف مجلسها التنفيذي وعدم القدرة على إلزاميّة تنفيذ قراراتها – منع وقوع الأزمات قبل وقوعها، ولا حلّها بعد وقوعها. وكانت نكسة 1967 م ضربة قاصمة للأمّة العربيّة، وبعدها اندلعت الحرب اللبنانية اللبنانيّة، ثم الحرب العراقيّة الإيرانية، ثم غزا العراق الكويت الشقيقة، ثم دمّر الغرب، بقيادة أمريكا العراق تدميرا، وحوصرت قطر الشقيقة من لدن أشقائها الأقربين جغرافيا وإثنيّا، ودمّر الحوثيون اليمن بمباركة نظام الملالي في إيران، وتعيش سوريا الشقيقة أحلك أيامها في التاريخ المعاصر، وبقيت الأزمة الليبية دون حلّ دستوري وديمقراطي، وانتكس ما يسمّى بالربيع العربي وثورة الياسمين في تونس، وبين النظامين الجزائري والمغربي جفاء وعداوة وحدود مغلقة ومجال جويّ محظور على الخطوط الملكيّة المغربية، وفي مصر – مقر الجامعة العربيّة - أُسقط نظام ديمقراطي منتخب واعتقل رئيس منتخب وزُجّ به في السجن حتى لقيّ ربّه، والخلاف بين فلسطينيي غزة والضفة الغربيّة لم يد له العقلاء حلاّ يرضي الطرفين، وهو ما يُسّر الصهاينة ويسعدهم، وانقسم السودان الشقيق (كان أكبر دولة إفريقية مساحة) إلى جنوب وشمال، وها هو اليوم، وفي عزّ العشر الأواخر من رمضان، يشتعل حربا وخرابا بين الإخوة، أبناء الوطن الواحد، بقيادة جنرالين، حرّكتهما شهوات السلطة والمصالح الشخصيّة الضيّقة، لتضحك من جهلهما الأمم، وفي مقدّمها أمم الغرب الصليبي، والعصابات الصهيونية الحاقدة. والسؤال الذي مازال معلّقا من عرقوبه، أين كانت الجامعة العربيّة؟ لماذا لم تحم الشعوب العربيّة من غطرسة السياسة الرعناء وقراراتها العمياء؟ لماذا لم تحم الشعب الكويتي الشقيق من ديكتاتوريّة الزعامة؟ لماذا لم تحم الشعب العراقي من الإرهاب الكوبوي الغربي؟ لماذا لم ترمّم الصدع الفلسطيني؟ وإجمالا، لماذا وقفت الجامعة العربيّة، كالذي بُهت حين طُلب منه الإتيان بالشمس من المغرب بدل المشرق، أمام الأزمات العربيّة العربيّة في المشرق والمغرب؟ وإذا كانت الجامعة العربيّة، قد نجحت في جمع الحكّام العرب تحت قبّتها بالقاهرة، فقد عجزت، بالمقابل، عن تأليف القلوب وتطهيرها من سيكولوجيّة الزعيم النرجسي، وفشلت – فشلا ذريعا – في محو الخلافات بين الأشقاء، ومعالجة أدواء الأمّة العربيّة، التي أمست جسدا مريضا، لا تختلف وضعيتها عن حالة الدولة العثمانيّة (الرجل المريض) في أواخر سنوات سقوط الخلافة (1908 م – 1922 م.

وكأنّ شهوة التقاتل متحكّمة في العقل العربي، ومتجذّرة في اللاشعور الجمعي، منذ العصر الجاهلي. وكأنّي بالإنسان العربي، لا يستطيع العيش دون قتال، ولا يقوى على الحياة الديمقراطيّة والسلم. فإذا لم يجد عدوا يقاتله، قاتل نفسه، أو قاتل طواحين الهواء، كما فعل دون كيشوت.

يقول الشاعر العراقي وليد الصراف في بيت شعري له:

جاء المغول و" دون كيشوت " منتفضا ** مازال يضرب أعناق الطواحين.

وفي رواية الروائي الإسباني الشهير، ميخائيل دي سرفانتس، يستفيق بطلها دون كيشوت من جنونه ويعود إلى رشده، ويقول:

" لقد كنت مجنونا والآن صرت عاقلا، لقد كنت دون كيشوت دي لا منتشا، والآن كما قلت لكم ألونسو كيخاتو".

ألا متى يستفيق (الدون كيشوتيون) في السودان واليمن وليبيا وسوريا، وغيرها، ويؤوبون إلى عقولهم، أو تؤوب إليهم عقولهم؟

ألا ليت الإخوة السودانيّون الشرفاء يدركون – قبل فوات الأوان وتوسّع الجراح وغئورها - أنّ حربهم الأهليّة الحاليّة، وحروبهم السابقة كلها، تصبّ في قناة خدمة الغرب، سياسيا وكنسيّا واقتصاديّا وثقافيّا.

إن السودان الحبيب، في حاجة ماسة إلى ثورة على الجهل والتعصّب والجوع والأمراض الفتاكة الفتن، ما ظهر منها وما بطن، وعملاء الغرب والصهيونيّة. إنّه، والعرب جميعا، مدعوون إلى التعليم والتنوير وممارسة الحريّة والديمقراطيّة بعيدا عن أزيز الرصاص وأساليب القمع الثقافي والاستبداد الثيوقراطي. إنّ التقاتل بين الإخوة ليس فيه منتصر ولا منهزم للطرفين، إنّما المنهزم الوحيد هو الوطن، ولا أحد غير الوطن.

و أخيرا، أنا مضطر للتوقف عن الكلام المباح وغير المباح، لأقف وقفة ترحّم على ضحايا الفتن العربيّة كلّهم، وعلى شهداء الحريّة، في انتظار أن يدركنا فجر جديد، نغيظ به الأعداء والصهاينة. وكل عام والسودان الحبيب بألف خير وحبّ وسلام وعافيّة.

***

بقلم الناقد والروائي: علي فضيل العربي – الجزائر

.........................

هامش:

(1) الغارة على العالم الإسلامي – ص 160.

(2) النشاط الكنسي في السودان. أساليبه ومقاصده وطرق مواجهته / الخضر عبد الرحيم أحمد – ص 9.

(3) المصدر نفسه.

الإخوة الأعزاء سلام عليكم

حياكم الله وبارك فيكم وأسعد الله أيامكم وكل عام وأنتم بخير ونعمة ورضا الله تعالى. دفع الله عنكم كل سوء وحفظكم وسدد خطاكم وأسعدكم وبارك فيكم.

نتيجة مخرجات الأحداث الدموية المتكررة التي تقع في جنوب العراق بين فينة وأخرى؛ والتي تستخدم فيها الأسلحة الثقيلة أحيانا، ومن خلال ما يرشح من مخرجات المشهد المرئي الذي يتضح منه أن القبيلة أصبحت اليوم منافسة للدولة بشكل صارخ، بما تمتلكه من سطوة ورجال وسلام ونوايا عدوانية ظاهرة، وما يمثله ذاك من ولادة قوى موازية للدولة لها قدرة التأثير على قراراتها، عشنا في الآونة الأخيرة مآس كبيرة تسببت في إحداث دمار شامل، وفقدان مجاميع شبابية وطاقات مهدورة، وتسببت في إذكاء روح الكراهية والحقد، وتسببت في فصم عرى الإنسانية والوطنية والدينية داخل المجتمع، وجعلت فئات المكون الإنساني الواحد تتشظى إلى كيانات صغيرة تضمر الحقد والسوء لكل ما يحيط بها، فهذا كله يدعونا إلى تولي مهمة البحث الجاد على أمل الوصول إلى نتائج من الممكن توظيفها لإعادة هيبة الدولة وتُفعِّل مدنيتها المصادرة، ومثل هكذا دراسات تحتاج عادة إلى تلاقح آراء وأفكار ممكن أن يصب في مصلحة النتائج.

بناء عليه أتقدم لحضراتكم بعدد من الأسئلة التي تحتاج إلى تفاعلكم الإيجابي معها على أمل النجاح من خلال الاستعانة بالأجوبة في إعداد دراسة أصيلة حول الموضوع:

1. هل يتوافق وجود النظام القبائلي مع الدولة المدنية الحديثة؟

2. أين يتقاطع النظام القبائلي مع نظام الدولة المدنية؟

3. هل ممكن للنظام القبائلي أن يخدم الدولة المدنية، ومتى، وكيف؟

4. هل أن تحول القبيلة إلى ملاذ آمن جاء بسبب ضعف الدولة، وهل ممكن لهذه الحالة أن تنتهي إذا استعادت الدولة قوتها؟

5. ما تأثير القبيلة على الهيكل العام للنظام القانوني في الدولة، ولاسيما وأن لكل قبيلة قوانينها وسننها الخاصة بها؟

6. ما الإجراءات التي يجب أن تتخذها الدولة للحد من تنامي النشاط القبلي؟

7. ما المتوقع حدوثه إذا ما استمر تنامي النظام القبائلي بهذا الشكل؟

8. متى تتمكن الشعوب من تجاوز قبليتها إلى وطنيتها وهل ممكن أن نمر بهذه المرحلة، ومتى؟

9. استخدام الدولة للقوة المفرطة والمميتة للحد من النشاط القبلي هل يتوافق مع روح الدولة المدنية؟

10. ما موقف الدين والمؤسسة الدينية والمرجعية الدينية من سطوة النظام القبلي المتنامية؟

11. هل تتمكن القوى السياسية من تبني فكرة التخلص من الهوس القبلي؟

12. لماذا إذن يلجأ الكثير من السياسيين إلى قبائلهم ويدعمونها بالمال؟

13. هل أن السياسيين المعاصرين أضعف من أن يتمكنوا من خلال قواهم وملكاتهم الذاتية من تحقيق الانتصار الشخصي بمعزل عن القبيلة؟

14. هل تتوقع أنْ تتحد بعض القبائل لتشكيل تنظيم تسعى من خلاله للسيطرة على نظام الحكم، ومتى ممكن ان يحدث ذلك؟

***

الدكتور صالح الطائي

 

ثلاث قضايا تشتبك سلبيًا مع مبادئ السيادة، واجهها رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني خلال الأيام القليلة المنصرمة؛

أولها - العدوان التركي على مطار السليمانية، والتهديدات التي أطلقها مولود جاويش أوغلو وزير الخارجية التركي، بإغلاق المجال الجوّي، لكون "السليمانية واقعة تحت سطوة حزب العمّال الكردستاني PKK "، الذي يعتبره منظمة إرهابية. ولم يكن ردّ الفعل العراقي بالمستوى المطلوب، علمًا بأن تركيا ترفض إجلاء قواعدها العسكرية من كردستان العراق، على الرغم من الطلب العراقي.

ولعلّ عمليات القصف واستهداف بعض مناطق كردستان هي ما تقوم به إيران بصورة روتينية لمبررات مماثلة، بزعم وجود جماعات إيرانية معارضة، وهي التي تعتبر العراق فناءً خلفيًا، دون أي اعتبار لسيادته. يضاف إلى ذلك، أن القوات الأمريكية تقوم بنشاطات عسكرية على طول العراق وعرضه، دون العودة إلى الحكومة العراقية، وهو ما حصل حين اغتالت مسؤولًا عراقيًا (أبو مهدي المهندس)، وآخر إيرانيًا (قاسم سليماني).

وثانيها - استمرار الميليشيات المسلحة خارج نطاق الدولة والقانون، وقد شهدت بغداد مؤخرًا استعراضًا مفاجئًا لمسلحين غير نظاميين، دون رد فعل يُذكر من جانب الدولة، وهذه ليست المرّة الأولى، ويبدو أنها لن تكون الأخيرة، في منافسة الدولة التي يُفترض أن تكون مرجعيّتها القانونية فوق جميع المرجعيات، وأن تحتكر السلاح بيدها لوحدها. ولم تتمكّن الحكومات المتعاقبة من ضبط السلاح، على الرغم من أن الدستور يحظر وجود ميليشيات عسكرية (المادة 9).

وثالثها - التصريحات النارية التي أطلقها أكرم الكعبي، زعيم "جماعة النجباء"، ضدّ الولايات المتحدة، مهدّدًا ومتوعّدًا وجودها العسكري في العراق، إن لم تجل قواتها وترحل من العراق، ملقبًا سفيرتها ﺑ "سفيرة الشر"، علمًا بأنها جزءًا من قوات الحشد الشعبي (الرسمية قانونًا). وكان مجلس النواب قد حدّد مساره القانوني العام 2016، إلّا أن اعتراضات، كانت تظهر، بين الفينة والأخرى في مناطق عدّة من غرب العراق، وصولًا إلى الموصل بشأن السلاح، واستخداماته من جانب المسلّحين، فما بالك حين يكون الأمر في العاصمة بغداد.

وصرّح السوداني قبل أيام من هذا التصعيد ﺑ "نعمل مع التحالف الدولي لوضع أفكار تُفضي إلى اتفاق بهدف نزع السلاح من كلّ التيّارات"، فهل بعد 20 عامًا على الاحتلال الأمريكي للعراق، نعود إلى المربّع الأول، لمناقشة فكرة السيادة؟

وكالعادة يختلف الفرقاء، "الأخوة الأعداء"، حسب الروائي اليوناني نيكوس كازانتزاكس، بشأن مفهوم السيادة لدرجة يعتبر البعض أن العراق خاضع لإيران، والآخر يعتبره مقيد أمريكيًا، حيث استعيض عن الاحتلال العسكري بالاحتلال التعاقدي. وهناك من يذهب إلى أن العراق موزّع بين إيران وأمريكا، وثمة من يقول أن السيادة تمّت إستعادتها على مراحل، ابتداءً من العام 2004، ثم بخروج القوات الأمريكية رسميًا في نهاية العام 2011. وبعد هزيمة داعش عسكريًا، استعاد العراق سيطرته على ثلث الأراضي العراقية التي كانت تحتلّها.

وبالطبع لم يعد مفهوم السيادة مطلقًا، بل إنه مقيّد بحكم الأمر الواقع، فكيف يمكن تصوّر سيادة مطلقة بالمعنى التقليدي في ظلّ العولمة والطور الرابع للثورة الصناعية، حيث أصبح العالم "قرية صغيرة ومفتوحة" من جميع الجوانب، ليس بفعل القوّة العسكرية فحسب، بل بوسائل ناعمة أكثر تأثيرًا وأعمق أثرًا مثل الثقافة والاقتصاد والإعلام والتكنولوجيا وغيرها.

ومنذ صدور قرار مجلس الأمن الدولي رقم 688 في 5 نيسان / أبريل 1991، والقاضي بوقف القمع الذي تتعرّض له المنطقة الكردية وبقية مناطق العراق، أصبح مبدأ التدخّل "لأغراض إنسانية" مثار جدل ونقاش فقهيين وسياسيين في ظلّ اعتبار قاعدة احترام حقوق الإنسان بصفتها قاعدة علوية من قواعد القانون الدولي. وللأسف فإن مبدأ "التدخّل الإنساني" تمّ تسييسه واستغلاله من جانب القوى المتسيّدة في العلاقات الدولية على نحو انتقائي بازدواجية المعايير، تلك التي تتجلّى بأبشع صورها اليوم من عسف وإجلاء واستيطان في فلسطين، ومن عدوان "إسرائيلي" مستمر ومتكرّر على الأمة العربية.

وكنت قد جئت على مفهوم السيادة في كرّاس بعنوان "السيادة ومبدأ التدخّل الإنساني"، أساسه محاضرة ألقيتها في جامعة صلاح الدين (إربيل) في العام 2000، وقامت الجامعة حينها بطبعه، تناولت فيه تطبيقات الفكرة ومفارقاتها نظريًا وعمليًا، خصوصًا فيما يتعلّق بنظام العقوبات المفروض على العراق والذي استمرّ ما يزيد عن 12 عامًا.

قد تكون هذه المواضيع الحسّاسة وراء تصريح السوداني بشأن التفكير بالتحالف الدولي في مسألة نزع سلاح جميع التيارات كما قال. وهو أمر إشكالي ويثير أسئلة جديدة - قديمة، حول فكرة السيادة العراقية التي ظلّت "معوّمة" و"مجروحة" منذ فرض الحصار الدولي، إثر غزو الكويت، وإلى يومنا الحاضر. فهل أن إقحام "التحالف الدولي" في شأن داخلي محض، سيكون مساعدًا في استعادة السيادة، أم أنه سيزيد من تعقيدات الوضع العراقي؟ هي أسئلة برسم الحكومة العراقية.

***

د. عبد الحسين شعبان

 

 

أحداث كثيرة وخطيرة جرت منذ توقيع اتفاقية أوسلو والمراهنة الفلسطينية على تسوية سياسية تؤدي لـ (حل الدولتين)، وهي تحولات جعلت هذا الحل كما تراه وتريده القيادة الفلسطينية شبه مستحيل لعدة أسباب منها:

1- سياسة الاستيطان التي لم تترك أرضا في الضفة الغربية لقيام الدولة الفلسطينية.

2- توقف عملية التسوية السياسية وتراجع الاهتمام بها عربيا ودوليا.

3- الانقسام الفلسطيني الذي أسس لمشروع دولة غزة وأدى لضعف مؤسسة القيادة الفلسطينية.

4- وصول حكومة صهيونية عنصرية تتنكر لحقوق الشعب الفلسطيني بل وتنفي وجود شعب فلسطيني كما زعم المتطرف سموترتش.

5- الصراعات العربية الداخلية والتطبيع بين دول عربية وكيان الاحتلال مما أضعف من معسكر الحلفاء الذين قد يدعمون الموقف الفلسطيني وأدى لتجاوز المبادرة العربية للسلام التي كانت تدعم حل الدولتين.

6- انشغال العالم والأمم المتحدة بحرب أوكرانيا وتداعياتها السياسية والاستراتيجية والاقتصادية، كما أن قرارات الأمم المتحدة التي كانت تشكل مرجعية لدولة حل الدولتين بقيت حبرا على ورق.

بالرغم من كل ذلك فإن القيادة الفلسطينية لم تطرح روية أو تصورا ديلا لحل الدولتين وما زالت مترددة عمليا في تجاوز مرحلة الحكم الذاتي التي كان يُفترض أن تنتهي في مايو 1999 وتعلن رسميا عن سيادة الشعب الفلسطيني على أراضي الدولة التي اعترفت بها غالبية دول العالم في عام 2012.

فهل هذا التردد بسبب قناعة من القيادة الفلسطينية أنه ما زال هناك إمكانية لقيام الدولة في الضفة وغزة وعاصمتها القدس من خلال المفاوضات؟ أم لأنه لم تعد هناك أرض في الضفة الغربية لقيام هذه الدولة؟ أو أن القيادة الفلسطينية تراهن على متغيرات داخل الكيان الصهيوني توصل للسلطة أحزاب معتدلة تقبل بحل الدولتين؟

 

للإجابة عن هذه الأسئلة يستحسن الرجوع إلى بداية الحديث عن الدولة الفلسطينية في سياق عملية التسوية السياسية، جيت كانت البداية مع التوجه الرسمي لمنظمة التحرير الفلسطينية لتسوية سياسية تعترف فيها المنظمة بإسرائيل والانتقال من الشرعية التاريخية للحقوق السياسية للفلسطينيين والادبيات التي تتحدث عن تحرير كل فلسطين من النهر الى البحر ... إلى الشرعية الدولية وقراراتها حول القضية الفلسطينية وهي قرارات غير ملزمة ولا تتطابق مع الحقوق التاريخية للفلسطينيين في كامل أرضهم.

كانت دورة المجلس الوطني الفلسطيني (19) في الجزائر 15 نوفمبر 1988 نقطة فاصلة في الانتقال من الشرعية التاريخية إلى الشرعية الدولية والمراهنة على هذه الأخيرة لقيام الدولة الفلسطينية على الأراضي المحتلة في خرب يونيو 1967.

ففي هذه الدورة تم صدور ما يسمى (وثيقة الاستقلال) وفيها تم الإعلان عن قيام الدولة الفلسطينية ولكن بصيغة ملتبسة ومشحونة بمفردات ثورية وطنية وعاطفية تخفي ما تهيئ له القيادة لمرحلة ما بعد الإعلان عن (الاستقلال) وهو الاستعداد للتفاوض مع إسرائيل، وهو غموض والتباس وضحه البيان السياسي الذي صدر في نهاية الدورة.

فإن كان إعلان الاستقلال تحدث عن الشرعية التاريخية ولم يُحدد بوضوح الأراضي التي ستقام عليها الدولة الفلسطينية ولا الوسائل المتبعة للوصول للدولة، فإن البرنامج السياسي المتزامن مع إعلان الاستقلال كان أكثر وضوحا في تحديد مرجعية الدولة وحدودها حيث جاء فيه: " وانطلاقاً من كل ما تقدم، فإن المجلس الوطني الفلسطيني .... يؤكد عزم منظمة التحرير الفلسطينية على الوصول إلى تسوية سياسية شاملة للصراع العربي الإسرائيلي، وجوهره القضية الفلسطينية، في إطار ميثاق الأمم المتحدة، ومبادئ وأحكام الشرعية الدولية وقواعد القانون الدولي، وقرارات الأمم المتحدة......"

رحبت غالبية دول العالم بهذا الإعلان الذي اعترف بقرارات الشرعية الدولية كمرجعية لحل الصراع بالطرق السلمية وأدرجت الجمعية العامة للأمم المتحدة المسألة الفلسطينية على جدول أعمال دورتها السنوية المنعقدة في جنيف في 13 ديسمبر 1988، وبعد هذا الاعتراف ارتفع عدد الدول التي اعترفت بالدولة الفلسطينية إلى 108.

ولكن، الولايات المتحدة وإن رحبت بقبول المنظمة لقرارات الأمم المتحدة، وخصوصاً تلك التي تتضمن الاعتراف بدولة إسرائيل ونبذ العنف، إلا أنها أعلنت عبر وزارة خارجيتها أنها لم توافق على إعلان قيام دولة فلسطينية مستقلة، بل إنها وظفت قانون المساعدة الخارجية وغيرها من التدابير لثني البلدان الأخرى والمنظمات الدولية عن الاعتراف بدولة فلسطين.

على إثر هذه الدورة للمجلس الوطني تم تسمية الرئيس أبو عمار رئيسا للدولة مع احتفاظه برئاسة منظمة التحرير، ولكن واشنطن التي باشرت حوارات مع المنظمة في تونس رفضت أن تجلس مع أبو عمار بصفته رئيس دولة فلسطين واشترطت حتى تستمر المفاوضات أن يتخلى عن مسمى رئيس الدولة وهذا ما جرى بالفعل، وحتى مع بداية مفاوضات أوسلو فقد نص بيان الاعتراف المتبادل بأن تعترف منظمة التحرير بحق إسرائيل في الوجود مقابل اعتراف هذه الأخير بمنظمة التحرير كممثل للشعب الفلسطيني، كما أن اتفاق أوسلو بحد ذاته لم يذكر بتاتا كلمة الدولة الفلسطينية، وحتى الانتخابات الرئاسية والتشريعية كانت لرئيس سلطة فلسطينية ولمجلس تشريعي لسلطة حكم ذاتي.

وهذا غاب مصطلح ومسمى الدولة الفلسطينية ورئيس الدولة من كل الوثاق والمراسلات الرسمية وحل محله مسمى السلطة الفلسطينية ورئيس السلطة الفلسطينية.

استمر هذا الغياب طوال عهد الرئيس الراحل أبو عمار الذي حاول بعد نهاية المرحلة الانتقالية في مايو 1999 وفشل مفاوضات كامب ديفيد 2 تجسيد قيام الدولة عمليا وتجاوز مرحلة الحكم الذاتي إلا أنه تلقى تهديدات من واشنطن ودول أجنبية وحتى عربية وخصوصا مصر حسني مبارك بأنه في حالة الإعلان عن الدولة ستتوقف عملية التسوية السياسية وتتوقف الدول المانحة عن تقديم المساعدات للسلطة، حتى قيادات من حركة فتح حذروه من الإقدام على ذلك، وبسبب موقف أبو عمار بدأت خلافات فتحاوية داخلية.

في محاولة لإرضاء الفلسطينيين وفي محاولة لوقف الانتفاضة الثانية التي اندلعت في عام 2000 طرحت الرباعية الدولية خطة خارطة الطريق في أبريل 2002 وفيها تم الحديث عن إمكانية قيام دولة فلسطينية ذات حدود مؤقتة ومنزوعة السلاح في نهاية المرحلة التي حددتها الرباعية للمفاوضات 2005، إلا أن شارون وضع 14 تحفظاً على الخطة واجتاح الضفة الغربية وحاصر الرئيس أبو عمار وتم اغتيال أبو عمار 2004 وجرى الانقسام الفلسطيني 2007 الذي خطط له شارون لوأد أي إمكانية لقيام دولة فلسطينية تضم الضفة وغزة والقدس.

استمر تغييب الدولة الفلسطينية في عهد الرئيس أبو مازن حتى العام 2012. فبعد الاعتراف بفلسطين دولة غير عضو في الأمم المتحدة عام 2012 أصدر الرئيس محمود عباس في العام الموالي 2013 مرسومين رئاسيين بتغيير صفته من رئيس سلطة إلى رئيس دولة فلسطين مع الاحتفاظ برئاسة اللجنة التنفيذية للمنظمة، كما أصدر المجلس المركزي في دورته المنعقدة برام الله في أكتوبر 2018، قرارا يؤكد "الانتقال من مرحلة سلطة الحكم الذاتي إلى مرحلة تجسيد الدولة.

 

ولكن، يبدو أن هذه الخطوات من الرئاسة ومن المجلس المركزي جاءت متأخرة، حيث اليمين الصهيوني المتطرف وصل للسلطة ويعمل على تصفية الوجود الوطني الفلسطيني، كما أن سياسات القيادة لا تعبر عن موقف إجماع وطني كما أن الانقسام ما زال قائما بل ويتعزز، والسلطة مقيدة بكثير من الالتزامات التي فرضتها اتفاقية أوسلو بالرغم من قرارات المجلسي المركزي، كما أن الوضع الدولي والإقليمي وحتى العربي غير مهيئ للتعامل مع نهج جديد للسلطة الفلسطينية يضعها في مواجهة مباشرة مع دولة الاحتلال.

وأخيرا نؤكد على ما يلي:

1- أن الدولة الفلسطينية ليست منة أو منحة من واشنطن أو إسرائيل أو حتى من الأمم المتحدة بل حق للشعب الفلسطيني مبني على الوقائع التاريخية وحقائق الواقع التي تقول بوجود 14 مليون فلسطيني نصفهم ما زال يعيش على أرضه التاريخية والنصف الآخر في الشتات ينتظر ويعمل من أجل العودة.

2- التسوية السياسية وما انبثق منها من تصور لحل الدولتين هي إحدى محاولات حل الصراع التي لجأت لها القيادة الفلسطينية، وإن فشلت هذه المحاولة فهناك وسائل أخرى من حق الشعب الفلسطيني اللجوء لها، فخيارات القيادة ليست بالضرورة هي خيارات الشعب.

3- إدارة حكيمة للخلافات الداخلية بين مكونات الحالة الفلسطينية ولظاهرة الانقسام، والتوصل لإستراتيجية وطنية جامعة حتى في ظل وجود انقسام جغرافي، فالثورة الفلسطينية المعاصرة انطلقت وفرضت وجودها في ظل الشتات وعدم وجود تواصل بين التجمعات الفلسطينية وبعيدا عن متاهات السلطة والدولة.

4- إن عدم موائمة التوازنات الدولية والإقليمية لأهداف حركة التحرر الفلسطينية يجب ألا يؤدي للاستسلام لمشيئة العدو والتخلي نهائيا عن الحقوق والثوابت، بل على الشعب والنخب الوطنية الحريصة على مصلحة الوطن أن تشتغل على إستراتيجية الحفاظ على الذات الوطنية ودعم مقومات الصمود الوطني، وعلى القيادة الفلسطينية والأحزاب إعادة النظر في استراتيجيتهم وأدوات هذه الاستراتيجية.

5- إن أي (دولة) تنتج عن تسوية سياسية في ظل المعطيات الراهنة أو يتم فرضها وصناعتها بالقوة ليست هي فلسطين بل كيانا مسخا لن يؤدي إلا لضياع الحقوق التاريخية للشعب الفلسطيني ولإثارة الفتنة والحرب الأهلية حول من يحكم هذا الكيان المشبوه سواء كان دويلة غزة أو كانتونات ومعازل الضفة، وهناك فرق بين الدولة الفلسطينية وصناعة دولة للفلسطينيين.

***

د. إبراهيم ابراش

 

 

آلام الماضي ومرارة الحاضر!

مرت خلال الأيام الماضية ذكريات مأساوية مؤلمة تعرضت لها البلاد من كوردستانها وحتى وسط وجنوب سهلها العظيم، حيث واجهت شعوب العراق ومكوناته كوارثاً وفواجعاً كبيرة، كانت أكثرها مأساوية تلك التي بدأت بعمليات الإبادة الجماعية للكُرد في سبعينيات القرن الماضي، حيث استهدف النظام الكُرد الفيليين الذين فقدوا عشرات الآلاف من خيرة شبابهم وهجّر الباقين منهم إلى خارج العراق بعد سلّبهم كلّ ممتلكاتهم ومقتنياتهم لا لشيء إلا لكونهم كُرداً، ثم تلى تلك العملية بعد أقل من عشر سنوات حملة إبادة البارزانيين في عام 1983 حيث بلغت أعداد المغيبين إلى الأبد ثمانية آلاف مواطن من الذكور حصرياً، معتقدين باستهدافهم للذكور في هذه العشائر إطفاء قدحة المقاومة والثورة لدى هذا الشعب وإبادة تلك الجينات المحركة للمقاومة والكبرياء.

وما أن انتهت تلك الجرائم البشعة حتى بدأت مرحلة الأنفال الكبرى وهي إحدى أخطر عمليات الإبادة الجماعية التي نفذها النظام العراقي السابق سنة 1988م في كردستان العراق، وقد أوكلت قيادة الحملة إلى علي حسن المجيد الذي كان يشغل منصب (أمين سر مكتب الشمال لحزب البعث العربي الاشتراكي) وبمثابة الحاكم العسكري مطلق الصلاحيات في المنطقة، وقد أطلق على تلك الحملات اسم (الانفال) نسبة للسورة رقم 8 من القرآن الكريم، والأنفال تعني الغنائم أو الأسلاب، والسورة الكريمة تتحدث عن تقسيم الغنائم التي أخذت من الكفار بين المسلمين بعد معركة بدر في العام الثاني من الهجرة، وقد قام بتنفيذ تلك الحملة قوات الفيلقين الأول والخامس في كركوك وأربيل مع قوات منتخبة من الحرس الجمهوري بالإضافة إلى قوات الجيش الشعبي وأفواج ما يُسمى بالدفاع الوطني التي شكلها النظام العراقي آنذاك لمحاربة أبناء جلدتهم وقد تضمنت العملية ستة مراحل وانتهت بالمرحلة الأخيرة في منطقة بهدينان في 6 أيلول 1988م، وكانت نتائجها تدمير آلاف القرى والبساتين وتهجير نصف مليون مواطن وإسكانهم في مجمعات وقرى أشبه بالمعتقلات، واعتقال 182 ألفاً من الأطفال والنساء والرجال ونقلهم إلى جنوب ووسط العراق وإبادتهم هناك.

وفي الجانب الآخر وتحديداً بعد هزيمة الجيش العراقي في الكويت وانتكاسة انتفاضة الجنوب والوسط نفذ النظام حملة ظالمة استهدفت المنتفضين الشيعة وعوائلهم حيث قتل الآلاف من الشباب المعارضين برميهم في النهر، وآخرين ألقي بهم من مبانٍ مرتفعة وتم التمثيل بجثث القتلى بعد إعدامهم، وتعرض آخرون للحرق أو الاغتصاب أو التعذيب، وهو ما دفع آلاف المشاركين في الانتفاضة وعوائلهم إلى اللجوء للمملكة العربية السعودية، التي استقبلتهم في محافظة الرفحاء وبنت لهم مخيماً لائقاً بالقرب من الحدود العراقية، وبقي هذا المخيم موجوداً حتى عام 2006 عندما أغلقته السلطات السعودية، بعد حصول العديد منهم على إقامات في الولايات المتحدة وأستراليا وبريطانيا وكندا والدنمارك وفنلندا وهولندا وسويسرا والسويد، وهناك اختلاف في أعدادهم إذ تشير أرقام المفوضية العليا لشؤون اللاجئين إلى حدود 21 ألف شخص خلال سنوات 1991-2003، فيما تشير أرقام وزارة الخارجية السعودية إلى 35 ألف شخص، واليوم يستفيد من الامتيازات المخصصة لهم أكثر من 150 ألف شخص، حيث منح قانون خاص بهم رواتب لكل من أقام في ذلك المخيم ولو لمدة أسبوع واحد، سواء أكان رب العائلة أو فرداً من العائلة، بحيث تم تحديدها بنحو مليون ومئتي ألف دينار عراقي، إضافة إلى شمولهم بالعلاج والسفر والدراسة المجانية على نفقة مؤسسة السجناء السياسيين، مع منحهم قطع أراض ووظائف لأبنائهم.

وفي المقابل تجاوز عدد ضحايا النظام السابق من الكُرد الربع مليون شهيد من الأطفال والنساء والشيوخ الذين لم يتم تعويضهم بالمطلق سواء ضحايا الكرد الفيليين أو ضحايا عشائر البارزانيين أو ضحايا حلبجة والأنفال مع تأكيد مواد دستورية بتعويضهم إلا أن الحكومة العراقية لم تعوضهم رغم مطالبات برلمان الإقليم وحكومته ورئاسته منذ 2005 وحتى يومنا هذا. ومن هنا ندرك المأساة الكُردية والتعاطي مع قضاياها حيث الكيل بمكيالين عنصريين طائفيين حرمتهم من أبسط حقوقهم، حالهم حال أقرانهم من المواطنين العراقيين في تعويض ضحايا النظام السابق. وبمقارنة سريعة بين تكريم وتعويض ضحايا انتفاضة الجنوب والوسط مع ضحايا الكُرد في مأساة الفيليين والبارزانيين وحلبجة والأنفال، ندرك حجم الظلم والغبن وحقيقة التفرقة العنصرية المقيتة في التعامل مع الكُرد وقضاياهم، رغم أن الدستور نص على تعويض جميع ضحايا النظام السابق بالتساوي إلا أن ضحايا ومتضرري النظام السابق الذين شهدوا كل مآسي الكُرد هم الذين حرموهم هذه المرة من كل حقوقهم!؟

وبعد ذلك يأتي مَن يسأل الكُرد:

لماذا الاستقلال أو كما يفهمونه الانفصال!

***

كفاح محمود

 

تعريف لابد منه "العولمة ظاهرة عالميّة تسعى إلى تعزيز التكامل بين مجموعة من الأبعاد والمجالات. وهي البعد الاقتصادي، والسياسي، والثقافي، والبيئي. مع بعد خامس أيدلوجي، وهو الذي يخترق الأبعاد الأخرى ويعطيها الصبغة النفعية. وتساهم العولمة في الربط بين القطاعات المحليّة والعالميّة، من خلال تعزيز انتقال الخدمات، والسلع، ورؤوس الأموال، وتهدف المنظمات والشركات من خلال هذا الانتقال، توسيع عملها ونفوذها ليتحول من محلي إلى عالمي، ومن ثم تحقيق نفوذها الدولي".

مهما بدت ذرائع الإدارة الأمريكية مقنعة في توجهاتها السياسية والاقتصادية الحديثة الموجهة لمنطقة الشرق وبالذات العربي منه، فأن النماذج الناتجة عن سوء التقدير والتوقيت الخاطئ وازدواجية المعايير وأولويات المصالح الرأسمالية والعنت والإجبار، جميعها تنمو مسببة الكثير من العوائق في وجه مشروع المستقبل الذي تريد الإدارة الأمريكية أن يكون حربا مدنية وبأسلحة معرفية واقتصادية، تخرج المنطقة من تخلفها وتزج بها في شبكة العولمة والنظام الرأسمالي المستحدث.

في هذا المنحى فأن الخطر الفادح الذي يواجه المشروع هو الخلط غير المبرر أو التغاضي المتعمد عن الاختلافات الجوهرية والكبيرة بين ما يعنيه (رفض العولمة نفسها أو مقاومة آثارها) بين أوساط المجتمعات الغربية وقريناتها المجتمعات الشرقية .

ففي الوقت الذي تناضل قطاعات وشرائح واسعة من الشعوب الأوربية ضد آثار العولمة وبعض مخرجاتها المتمثلة باللبرالية الجديدة والتي بنيت وفق ديناميات ممنهجة ومتصاعدة أدت لتغيرات كبيرة في البنى الاقتصادية، وبحسب ما تستحدثه من تشريعات لإزالة القيود والضوابط على التجارة وانتقال رؤوس الأموال . وطالت بتعدياتها الحريات الشخصية والنقابية، والأجور وظروف العمل.

ولمواجهة كل هذا وبشكل متصاعد تظهر وبأساليب سلمية حقوقية حركات مقاومة للبرالية الجديدة التي تشرع أحكامها لصالح الشركات، وما ينتج عن ذلك من تداعيات تسعى لتخريب الاقتصاد الوطني. مما دفع الشغيلة للسعي بجهادية عالية للنضال والعمل لأجل الحفاظ على فرص العمل والضمان الاجتماعي والصحي، وتوفير الدعم المالي الحكومي للضرورات المعيشية، واستمرار المحافظة على إنفاق عالٍ لتأمين بيئة طبيعية نظيفة وصحية ، ومنع الطرد الكيفي من الوظائف، والوقوف بوجه السياسات التدميرية التي تقوم بها البنوك المرتبطة بالمصالح الدولية للشركات عابرة القارات.

ومازالت هذه الاحتجاجات تتصاعد بحدة في العالم الغربي وخاصة في فرنسا وألمانيا وبريطانيا من أجل الحفاظ على المكاسب التي نالتها تلك الشعوب عبر نضال تأريخي طويل ، في نفس الوقت الذي تسعى للاستفادة من العولمة باعتبارها عملية موضوعية لا مناص منها، تشمل كافة مناحي الحياة وتفرعاتها العلمية والسياسية والثقافية والبيئية والاجتماعية والاقتصادية والعسكرية، وليس هنالك من بين هؤلاء من يدعو لمقاومة العولمة ورفضها بالكامل.

أما في الشرق فالمسألة تأخذ بعدا أخر. فمع المستوى المتدني لمعيشة الشغيلة بتنوع مهنهم ووظائفهم، وشيوع الاستغلال وتفشي البطالة والجهل، والصراعات العرقية والطائفية وتخلف وسائل الإنتاج وسؤ الخدمات، والتوزيع غير العادل للثروات، والثقافة الدينية المغلقة وموروث العادات والتقاليد، وتشابك وتداخل مفاهيم الدولة بالقبيلة والطائفة والأسرة وغيرها من المتعلقات القرطوسية .كل ذلك يدفع بشرائح كبيرة في المجتمعات الشرقية نحو رفض العولمة جملة وتفصيلا، والتحصن بواقع يرفض التحديث والاندماج بالعالم الجديد ويصر على محاربتها بالعديد من الوسائل ومنها العنف . وخير دليل على ذلك ظهور الحركات السلفية وعلى رأسها حركة طالبان ومجموعة القاعدة وأبو سياف وداعش والجولاني والخرساني وأمراء المسلمين في الجزائر ومصر وغيرها من الحركات الدينية التي تصر على إرجاع المجتمع إلى عصور السلف الذي عاش الظهور الأول للإسلام، وترفع شعار (الدين هو الحل) و(الحاكمية لله) وفق شروط وضعها الدعاة والملالي، ويتم ذلك عبر الترويج لهذه المفاهيم وفرضها بالقسر والقوة الغاشمة، ورفض حياة العصر الحديث وأدواته العملية العلمية والمعرفية . وهذا البعد يعتمد نظرية متداولة تحاول تكييف حياة البشر في الشرق المعدم والمتخلف، مع نمط الوضع القائم وإشكالاته، وفي ظل انعدام الموارد وشيوع الفقر وتخلف التعليم والثقافة. ومن هذا ينشأ الاختلاف في النظرة إلى العولمة واللبرالية والمعرفة والثقافة بعمومها بين العالم الغربي والعالم الشرق أوسطي.

نظر البعض من السياسيين الغربيين، للمبادرة الأمريكية القائلة بتحديث الشرق،بعين الرضا وقدموا التأييد الفاعل لها، فقد أشاروا وأشادوا بها حين ظهورها وعدوها واجهة مهمة من الموجب الأخذ بها لتحديث منطقة الشرق الأوسط، وحينها تحدث السيد شرودر المستشار الألماني السابق بقوة عن (ضرورة وضع عمليات التحديث والدمقرطة وإرساء الاستقرار في الشرقين الأدنى والأوسط موضع التطبيق بالتعاون مع الشركاء أنفسهم في المنطقة) .ودعا إلى عدم تجاهل حل النزاع الأسرائيلي الفلسطيني خلال تطبيق عمليات التحديث معلنا (أن من غير المسموح أن يمنع أو يعيق هذا النزاع تحقيق آفاق أخرى من مثل المجال الاقتصادي) .

لو أبعدنا مؤقتا مُسَلمة ضرورة حل النزاع الأسرائيلي الفلسطيني، وهو ما يشكل عصب التشويش والقلق على مستقبل المنطقة وعمليات التغيير الموجه إليها ،فأن التعبير الوارد عن التعاون مع الشركاء يثير الكثير من التساؤل عن المعنيين (بالشركاء). ولكن في مجمل حديث السيد شرودر وقبله وزير خارجيته ومن ثم الكثير غيرهم من السياسيين، وقت ظهور المبادرة. تم التأكيد على أن الأنظمة الحاكمة الشرق أوسطية هي المعنية (بشركاء) محتملين في عمليات التحديث والدمقرطة المنوي طرحها كمشروع مستقبلي للسلطات والمجتمعات هناك . ولكن نظرة إحاطة للمشهد السياسي تؤشر وبشكل ناجز إلى كون العديد من الأنظمة الحاكمة، تشكل بالذات العقبة الكأداء في وجه الدمقرطة والتحديث، وإن مشاركتها وفق النمط اللبرالي المفترض يعد لوحده إن حدث معجزة،لا بل من المستحيلات في المنطقة.

وأن أريد فعلا تحقيق تلك المعجزات الديمقراطية، فالأولى البدء بتأشير بشاعات تلك الأنظمة الاستبدادية والحث على تغيير سلوكها اليومي، وطبيعة عمل مؤسساتها السلطوية، وكذلك قطع الدعم المعنوي المقدم لها من قبل الإدارة الأمريكية والعالم الغربي، ليتم بعد ذلك البحث الجدي عن المشاركة العامة في التغيير، ومن ثمة القناعة بحقيقة وصواب مشاريع الإصلاحات الغربية.

إذن فمشروع الشرق للديمقراطية والتحديث، إن أريد له السير في الطريق الذي (لا) تملي تعابيره (رغبة) الإدارة الأمريكية، سيواجه طريقين لا ثالث لهما، وهما خياران صعبان ومكلفان للغرب بشكل عام. الأول يتمثل بإزاحة تلك الأنظمة الحاكمة أو في الأقل إجبارها على تنفيذ برامج التحديث والتخلي عن الأساليب القسرية القمعية للسلطة، والثاني يتمثل بخيار إثارة المشاكل الداخلية عبر تصعيد التناحر أو الخصومة بين السلطات ومناهضيها، من التنظيمات والتجمعات والشرائح الاجتماعية، وحشد الحلفاء وتصعيد الضغط لتشتيت وشل قوى السلطة وقدراتها على الحركة.

ولكن الرغبة الأمريكية تختلف بعض الشيء في رؤيتها لمثل هذا لأمر عن بعض الشركاء من السياسيين الغربيين، رغم مقاربة بعض تصوراتها ونواياها من نمط تلك الخطط والمشاريع.ولحد الآن فان جميع تلك الخيارات تبدو مطروحة بحدة للنقاش والرغبة في التطبيق داخل أجنحة السياسيين الأمريكيين، ولكن أوجه الاعتراض تجعل القوى الراغبة بالتنفيذ تتوخى الحذر من انفلات الأمور نحو أجواء لا يمكن السيطرة عليها، أو تسبب الحرج والتشويش عند صناع القرار في الإدارة الأمريكية. ومازال درس احتلال العراق يعد المثال النموذجي للتخبط السياسي والتوقعات غير المرتقبة. لذا فأن رغبة البعض داخل الإدارة الأمريكية بمثل هذه السيناريوهات، يلاقي بعض الاعتراض والممانعة خوفا من التداعيات .ولحد الآن يفضل اعتماد الحكام المجودين كمنفذين للمشروع، وأن يكونوا عصب التغيير من خلال صفقة تراضي تدفعهم للاندماج والتعامل مع المشروع، ويتم خلالها التغاضي عن مساويء علاقتهم بشعوبهم. وهذا ما يجعل المشاكل تدور في ذات الحلقة المفرغة، ولن تكون نتائجها غير وبال يفاقم التردي الحاصل في جميع مفاصل العلاقة بين الشرق والغرب وأيضا داخل المجتمعات الشرقية.

***

فرات المحسن

 

 

يعتقد البعض أن من الأخطاء التي ارتكبها الطرف الشيعي عند كتابة الدستور هو الموافقة على نص يتيح لأي محافظة عراقية منفردة أو بمعية محافظات اخرى تشكيل ما سمي بالإقليم إذا ما طلب ذلك ثلث أعضاء مجلس المحافظة أو المحافظات التي تروم تشكيل إقليم أو طلب عشر الناخبين في تلك المحافظات (المادة 19). وأعتقد أن المشكلة تكمن ليس بالفكرة لوحدها بل في النسبة الضئيلة المطلوبة للشروع بتكوين الإقليم كونها لا تعبر عن إرادة الغالبية.. وأعتقد أن غالبية من كان له علاقة بالأمر، مشاركا في كتابة الدستور أو قريبا من كواليس العملية، سوف يقر أن هذه الفقرة كانت من وحي أو إملاء سلطة الإئتلاف الأمريكية بزعامة بريمر (ثبت المبدأ في قانون الفترة الانتقالية التي أقرتها سلطة بريمر) وأن إصرار الطرف الكردي (على إدراجها بالدستور) والذي كان ينظر إليه كحليف جعل منها أمرا واقعا اعتبره الطرف الشيعي، وكذلك السني لاعتبارات خاصة به، على أنه إقرار بأمر واقع لن ينشأ عنه ضرر خطير: أي حقيقة وجود سلطة كردية تتمتع بما يشبه الاستقلال عن سلطة المركز منذ أن فرض الأمريكيون والبريطانيون إثر حرب تحرير الكويت في 1991 ما سمى وقتها ب "السماء الآمنة" والتي حظر بموجبها على الطيران الحربي العراقي التحليق خارج خط العرض 36° وعلى الجيش العراقي التحرك إلى ما وراءه، أي ما اعتبروه حدود منطقة كردستان.

ويمن أن نضيف أنه من الناحية الواقعية، سواء من منظار تلك الفترة أو حتى منظار اليوم، ربما بدا تشكل إقليم كردي حلا دائما لمشكلة أو إنهاء لصراع طالما ما أقلق العراق ومنع استقراره وأنه وفق معيار العدالة كان حلا عادلا اي أنه يراعي مصالح جميع الأطراف وهو بذلك يقطع الطريق أمام مدخل لتقسيم العراق ابتداء من منطقة كردستان كهدف سعت إليه الإدارة الأمريكية منذ البداية. يضاف لذلك أن السطلة الجديدة الهشة التي حلت محل القديمة المنهارة والتي سوف يلعب فيها الطرف الشيعي دورا اساسيا كانت بحاجة إلى حالة من الاستقرار، ولو كان نسبيا، يتيح لها فرصة بناء نفسها وأن أي خلاف جدي مع الكرد حول هذه المسألة سوف يعيق إمكانية تحقيق هدف الاستقرار الذي تنشده السلطة الجديدة كهدف يحتل الأولوية على سواه. لذلك يمكن القول أن الواقعية السياسية استلزمت الإقرار بتلك الفقرة وأن التفكير المطول في نتائجها البعيدة الأثر ربما كان نوعا من الترف الذي لا يسمح به الظرف لأنه كان يعني التوقف والجمود في موقف يتسم بالحساسية الشديدة والحراك السريع حيث كان الطرف الشيعي قد نجح للتو في إقناع أطراف سنية كانت ممتنعة ومقاطعة للعملية السياسية بالمشاركة في كتابة الدستور وكانت عملية تشكل النظام الجديد تتعرض لمخاطر تحيط بها من كل صوب...

كيف تطورت العلاقة بين سلطة إقليم كردستان والحكومة المركزية منذ ذلك التاريخ؟ تبين تجربة السنوات العشرين المنصرمة أن العلاقة بينهما لم تستقر كما كان يأمل الطرف الشيعي على الأقل بل كانت معقدة وصلت إلى حد الابتزاز والذي بلغ أوجه في قضية الاستفتاء الذي أجرته القيادة الكردية (أو بشكل أدق الطرف الأقوى فيها) حول استقلال الإقليم ثم مشكلة تصدير النفط التي بقيت عالقة لحد الأمس الذي شهد توقيع اتفاق جديد بين الحكومة المركزية وسلطة الإقليم و الذي نأمل أن يترافق هذه المرة بالنية الحسنة من الطرف الذي سبق له أن خرق اتفاقات مشابهة توصل إليها مع الحكومات السابقة...هذا إلى جانب قضايا أخرى لا زالت عالقة منها قضية كركوك وأخرى تتعلق بحدود سلطة الإقليم الإدارية وعلى مجالات معينة مثل المطارات والمنافذ الحدودية و التي يمكن اعتبارها قابلة للحل عندما يتعلق الأمر بمواردها وصعبة عندما يتعلق الأمر بحركة الأشخاص الذين يدخلون من خلال تلك المطارات والمعابر والتي قد تكون مفتوحة أمام من تعتبرهم الحكومة يشكلون تهديدا أمنيا، أضف لذلك طبيعة البضائع التي تدخل العراق عبر تلك المنافذ والتي يتسم جزء كبير منها بعدم مطابقتها لمعايير الجودة والسلامة..

وقد سبق لطرف شيعي غير منتم لحزب ممثلا بالقاضي وائل عبد اللطيف أن طرح فكرة تشكيل إقليم البصرة وسار بها غير أن البصريين رفضوا الفكرة رغم أن محافظتهم تتمتع بميزة بارزة كونها تحتضن الميناء الوحيد للعراق وتنتج الجزء الأكبرمن النفط العراقي المصدر والمستهلك. ولا أعتقد أن البصريين قد نظروا إلى الميزات التي يمكن أن تتمتع بها محافظتهم إذا ما أصبحوا إقليما وعلى رأسها الحصول على ميزاينة خاصة كما يحصل إقليم كردستان، بل أكثر بحكم ما تتمتع به المحافظة من ميزات مذكورة، بل أنهم أظهروا رفضهم وربما مقتهم للفكرة والتي يمقتها الغالبية الساحقة من عامة العراقيين. وقد استمر البصريون على موقفهم هذا حتى وهم يعانون من الإهمال وقلة التخصيصات المالية لمحافظتهم مقارنة باحتياجاتها الحقيقية كثاني أكبر وأهم محافظة عراقية بعد العاصمة بغداد بل تفوقها من حيث الأهمية الاقتصادية. و أرى أنه لا يمكن تفسير ذلك الموقف من أهل البصرة إلا لأن الشعور الوطني وأحساسهم بانتمائهم للكل العراقي هو الذي غلب على كل اعتبار ينبني على فكرة "البصرة أولا" وربما وأد إلى الأبد فكرة الإقليم. وكان رقي الاستقبال وكرم الضيافة الملفت الذي خص به أهل البصرة مواطني الخليج الذي جاءوا للعراق لحضور كاس الخليج (خليجي 25) التي نظمتها مدينتهم مثار إعجاب حتى العراقيين الذين كانوا يعرفون مدى كرم أهل البصرة فذكروهم بما قد يكونوا نسوا وقدموا مثلا آخر صارخا على اصالة عراقيتهم والأهم، والأخطر من ذلك، مدى التسامح الذذي أظهروه أزاء شعوب الخليج التي كانت أنظمتهم قد أوغلت في الدم العراقي تفجيرا. ويبين فيلم فيديو مؤثر جدا (شاهدته في أحد مواقع التواصل ويؤسفني أنه لم ينتشر على نطاق واسع و مر على خاطر البعض مرورا عابرا) كيف أن رجلا سعوديا استضافته عائلة بصرية متواضعة غلبه البكاء الشديد عند خروجه من منزل تلك العائلة بعد أن عرف أن تلك العائلة قد فقدت أحد أبنائها في تفجيرانتحاري وأن أخا لهذا الرجل السعودي، كما صرح هو، كان من بين الذين فجروا أنفسهم بالعراق...

وعلى ضوء ما تقدم يمكننا أن نطرح تساؤلا له ارتباط بما يجري بالحاضر ويتعلق بطبيعة الهدف من زيارة رئيس مجلس النواب السيد محمد الحلبوسي للملكة العربية السعودية والتقاءه بولي العهد الأميرمحمد بن سلمان. فقد ذكرت وسائل إعلام عراقية عديدة أن الحلبوسي زار السعودية في محاولة منه للحصول على دعم سعودي لفكرة إنشاء إقليم سني. لم تتأكد هذه الأنباء من مصادر مقربة من السيد الحلبوسي أو أية مصادر موثوقة رسمية أو شبه رسمية لذلك سوف نبني افتراضنا على أن ما ورد في وسائل الإعلام يحتمل درجة كبيرة من الصحة.

لماذا الآن وفي هذا الظرف حيث يشهد العراق منحى قويا نحو الاستقرار منذ تولى السيد محمد شياع السوداني رئاسة الوزراء حيث تنغمس حكومتة بجدية عالية في إيجاد حلول حقيقية، ولأول مرة، لمشكلة البطالة وسوء الخدمات وتخوض معركة حقيقية ضد جميع مظاهر الفساد المالي والإداري وتعمل على إشاعة الانضباط في مؤسسات الدولة وفي سلوك المواطنين وكانت للتو قد توصلت لحل مرض للطرفين لمشكلة تصدير النفط من إقليم كردستان؟

وكمحاولة للإجابة على هذا السؤال أقول إن المعارضة التي يواجهها السيد الحلبوسي في محافظته الأم الأنبار تبدو قوية ومنظمة وتشكل تهديدا حقيقيا لهيمنته المزعومة (على حد زعم قيادات الأنبار) على مفاصل المحافظة. لست ملما كثيرا بتعقيدات الموقف بل أتسائل هل أن خطوة الحلبوسي للحصول على مباركة سعودية لإقامة إقليم سني هي من وجهة نظره حلا لمشكلته امام معارضيه الأنباريين وازاء من يفكر بإزاحته من رئاسة مجلس النواب من بعض الزعامات السنية التي تتمنى سقوطه؟ يتفق جميع من سمعتهم من المراقبين السنة على أن السيد الحلبوسي يتسم بالدهاء فأتسائل مرة أخرى هل من الدهاء، من أجل التغلب على التحدي الذي يواجهه، أن يطرح الحلبوسي قضية الإقليم كرد حاسم على مناوئيه؟لا أعتقد أن السيد الحلبوسي يطرح قضية تشكيل إقليم سني اعتمادا على ضرورة ناشئة تسلتزم ذلك لأن الفكرة بالأصل لم تعد تستهو حتى أقوى متشددي السنة لأنه لم يعد لها سند شعبي وأن أهل الأنبار لا يقلون عن غيرهم من أبناء الشعب العراقي مقتا للفكرة. لذلك يمكن القول أن جزءا من المحاولة، عدا استهدافها مناوئيه من السنة، تستهدف وضع عراقيل أمام حكومة السوداني الذي لا يبدو أنه ميال إلى إسنادها لأنه يعرف أن وجوده على راس مجلس النواب كممثل قوي للسنة لا يروق للعديد من قادة الإطار الشيعي الأقوياء فهو في نظرهم من مخرجات التفاهم القديم بين السيد مقتدى الصدر والجبهة السنية التي يتزعمها الحلبوسي والحزب الديموقراطي الكردستاني والتي كانت بنظر القادة الشيعة المذكورين أقرب ما تكون بمؤامرة لإبعاد تلك الزعامات عن المشهد السياسي. وربما كان تمنع السيد الحلبوسي عن السير بجدية نحو إقرار الموازنة ما لم يحصل عل تنازلات في مواقع أخرى تأكيدا في نظر الزعماء الشيعة الذين ذكرت على أنه يضمر نيات لا يرتاحون لها.

من الجانب الآخر هناك سؤال يتعلق بالموقف السعودي. هل يمكن للقيادة السعودية أن تستجيب لطلب من الحلبوسي بدعم فكرة إقامة إقليم سني دون أن تفكر بتأثير موقفها في علاقتها بالعراق والتي أخذت منحى إيجابيا منذ تولي السوداني رئاسة الوزراء وعلى ما يمكن أن يترتب من نتائج ضارة على استقرار العراق وتأثير عدم الاستقرار عليها إذا ما أيدت مسعى الحلبوسي؟وكيف يمكن أن نوفق بين دعم سعودي أو حتى موافقة على فكرة الإقليم السني في وقت تتبع فيه السعودية سياسة جديدة قائمة على نزع فتيل التوترات في المنطقة بدأتها بفتح صفحة جديدة مع إيران وسوريا بما فيها من مضامين في غاية الإيجابية على كامل الوضع الإقليمي ويفتح بابا على الحل في اليمن والبحرين ولبنان وسوريا وكذلك العراق وفي كل مكان وجدت فيه تقاطعات سعودية إيرانية؟ إن موافقة أو دعما سعوديا لفكرة الإقليم السني في العراق لا يمكن أن تنسجم مع هذا التوجه السعودي الجديد. لا نستطيع القول، بناء على ما ذكرت من دهاء الحلبوسي،أنه لم يأخذ هذه التطورات أو السياسة السعودية الجديدة أزاء قضايا الإقليم بنظر الاعتبار. ولكننا في نفس الوقت لا نستطيع أن نقول أن السيد الحلبوسي قد حضى باستقبال عال المستوى في السعودية دون أن يكون ما يحمله يتسم بالأهمية له و للطرف السعودي. إذا هل نحن هنا أزاء محاولة ابتزاز، أو تلطبفا للتعبير، إننا بصدد تحذير يطلقه الحلبوسي باتجاه الزعماء الشيعة الذين لا يحبذونه من أنه يحظى بدعم اقوى قوة عربية إقليمية تعتبر مفتاح الأمن والاستقرار بالمنطقة والعراق بشكل خاص، وباتجاه مناوئيه الأنباريين وغيرهم من الزعماء السنة الذين يتطلعون إلى سقوطه من أن تحديهم له لا جدوى منه والأجدر بهم أن يتفاهموا معه وسيكون كريما معهم فهم في نهاية المطاف أهله وربعه وعفى الله عما سلف؟ إن كان الأمر كذلك، وهو ما أعتقد به، فسيكون استقبال العاهل السعودي له موافقة منه أو دعما له في أن يبقى رئيسا لمجلس النواب وأن يبقى زعيما سنيا لا يجارى أكثرمن كونه دعما أو تأييدا لفكرة الإقليم السني التي لا يتوقع أن تحظى بموافقة أهل الأنبار أولا ثم المحافظات الأخرى ذات الغالبية السنية مثل الموصل وصلاح الدين وديالى. فبالنسبة للموصل واهلها وخاصة زعماءها التقليديين لا أعتقد أنهم سوف يرضون أو هم راضين بالأصل عن "اختطاف" الزعامة السنية منهم فهم يعتبرون أنفسهم افضل تاريخا وحاضرا وحضارة ودورا في تاريخ العراق من أية محافظة ذات غالبية سنية وأنهم إذا قبلوا أن يقادوا من بغداد انسجاما مع تمسكهم بعراقيتهم فلا أظنهم سوف يقبلوا أن يقادوا من زعامات سنية من خارج محافظتهم لأنهم لو أرادوا ذلك لجعلوا من محافظتهم إقليما. وبالنسبة لصلاح الدين فهي أيضا تمتلك زعماء أقوياء وأن تكريت قد لعبت دورا مهما في تاريخ العراق الحديث فمنهم كان الكثير من قادة الجيش ومن الشخصيات المثقفة ومن الزعامات السياسية وبإمكانهم أن يشكلوا إقليما لو أرادوا ولا حاجة لهم بزعامات من خارجهم. أما ديالى فلا أعلم مدى التناسب فيها بين سكانها الشيعة والسنة ولا أظن أن سنتها تبحث عن زعامات خارجية وهي على العموم محافظة مطواعة تنآى بنفسها عن الصراع.

فهل تلقى الزعماء الشيعة الذين ذكرت وكذلك الزعماء السنة الذين يناوؤون زعامة الحلبوسي الرسالة كما يجب؟ لا نعلم ونعتقد أنه بالنسبة للطرف الشيعي فإن الكثير يعتمد على ما لو كان الحلبوسي سوف يتخد من تعطيل عمل الحكومة نهجا من خلال التلكؤ في إقرار القوانين التي تقدمها لمجلس النواب. كما وأرجح أن رسالة الحلبوسي التي أرسلها من وراء الحدود تنطوي على إشارة تفيد أنه مستعد لتسوية مع الزعامة الشيعية بشرط أن تضمن له مكانته التي احتلها كرئيس لمجلس النواب وكزعيم شاب للسنة لا يزال أمامه الكثير مما يطمح إلى تحقيقه، ومن يدري، فقد يأتي يوما يكون فيه رئيسا للجمهورية إذا ما نجح بانتزاعها من الأكراد.

أما بالنسبة لمناوئيه الأنباريين وغيرهم من الزعامات السنية فلا أعتقد أنهم يتمتعون بدعم من جهة إقليمية ما وأن رهانهم ينصب على الداخل العراقي، على جماهير السنة من خلال الانتخابات (مجالس المحافظات التي اقترب موعدها) وعلى زعامات سنية أخرى شابة (تراهن على الدعم الشيعي) تمثل تحديا حقيقيا لزعامة الحلبوسي. ولكني أرى في نهاية المطاف أن الغلبة لن تكون لطرف وأن توازن القوة سوف يبلغ مرحلة تفرض على الجميع صيغة ما للتسوية (تقاسم النفوذ والامتيازات بالنسبة لمناوئيه السنة) تحفظ لكل طرف مكانته...

إن الرجال الدهاة هم ليسوا من يبرع بالتكتيكات وحسب بل، وأهم من ذلك، أن يكونوا قادرين على نحت التسويات التاريخية (تتسم بالديمومة النسبية في الوضع العراقي المتحرك) ويجيدون اختيار اللحظة المناسبة لذلك.

***

ثامر حميد 

 

 

تشير تقارير صحافية كثيرة إلى الأسباب الحقيقية الخفية في الحرب الضارية الدائرة بين الجيش السوداني بقيادة الجنرال الانقلابي التطبيعي البرهان ورديفته قوات الدعم السريع بقيادة زميله وحليفة محمد حمدان دكلو"حميدتي" المتهم بارتكاب مجزرة مقر القيادة العامة بحق المتظاهرين العزل في الثالث من حزيران 2019 والتي راح ضحيتها قرابة 120 قتيلا ألقيت جثثهم الى تماسيح النيل. فجريدة "الغارديان" البريطانية أشارت في تقرير لها إلى:

- أن قوات حميدتي تسيطر على مناجم الذهب في جبل عامر في دارفور وثلاثة مناجم أخرى في البلاد.

- أن دولة الإمارات العربية كانت قد استوردت أكثر من تسعين بالمئة من هذا الذهب وبطريقة التهريب غالبا ودون علم الحكومة السودانية المركزية. وكان البرهان وحميدتي كلاهما من حلفاء الدكتاتور عمر البشير سابقا قبل أن ينقلبوا عليه بهدف قطع مسار الانتفاضة الشعبية ضد نظامه وتفريغها من محتواها الثوري الاجتماعي، وإن البشير نفسه هو الذي أطلق يد حليفه حميدتي في تهريب وبيع الذهب عن طريق شركة خاصة تملكها عائلة هذا الأخير.

وكالة رويترز أكدت في تحقيق أجرته قبل عام إلى وجود عمليات تهريب للذهب من أفريقيا تقدر بمليارات الدولارات سنويا عن طريق الإمارات التي تعتبر بوابة لتهريب ثروات شعوب أفريقيا وخصوصا في السودان وليبيا إلى أوروبا.

معلومات أخرى مختصرة:

- في النصف الأول من عام 2018 أنتج في السودان 63 طنا من الذهب اشترى بنك السودان الحكومي منها ثمانية أطنان فقط بأقل من سعر السوق وتم تهريب ما تبقى.

- في عام 2015 استوردت الإمارات سبعين طنا من الذهب السوداني كما قال وزير الصناعة والتجارة السوداني موسى كرامة نفسه.

- عدد شركات التعدين واستخراج الذهب هو 243 شركة منها إحدى عشرة شركة امتياز، إلى جانب الآلاف من الأفراد الباحثين عن الذهب.

- بلغ الناتج السوداني السنوي من الذهب بحسب أرقام الحكومة يتراوح بين 90 و120 طنا من الذهب أما حسب أرقام الشركات المنتجة فهو يتراوح بين 230 و240 طنا.

هذا عن الذهب أما عن الصمغ العربي غالي الثمن والذي استثنته الولايات المتحدة من حصارها ضد السودان لمدة عشرين عاما نظرا لأهميته الطبية والغذائية فنعلم التالي:

- مساحة زراعة الصمغ العربي تقدر بخمسمائة ألف كيلو متر مربع ما يعادل ثلث مساحة السودان.

- ينتج السودان ما يقرب من 75 بالمئة من الإنتاج العالمي على الرغم انه لا يستغل سوى عشرة بالمئة من الغابات المنتجة لهذه المادة.

- في عام 2016 بلغ انتاج السودان من الصمغ العربي 105 آلاف طن هرب منها أربعين طنا كما يهرب الذهب، وما تبقى صدر عن طريق القنوات الرسمية بقيمة 120 مليون دولار. وهذا من عشرة بالمائة فقط من الغابات فكم سيكون المبلغ لو أنتج السودان هذه المادة من مائة بالمائة؟

إضافة الى ما تقدم يملك السودان ثالث احتياطي في مادة اليورانيوم الخام الداخلة في صناعة الأسلحة النووية ويصل الى مليون ونصف مليون طن حسب أرقام غير رسمية. ويوجد هذا المعدن في دارفور وجبال النوبة وكردفان والنيل الأزرق والبطانة وولاية البحر الأحمر.

*أما من حيث الاستثمارات التي يعتبرها البعض سماسرة اللبرالية الجديدة خشبة خلاص الاقتصاد في أية دولة تدخلها فيبدو انها زادت من إفقار السودان وشعبه، ومن الدول صاحبة هذه الاستثمارات الأجنبية نذكر الصين وتركيا وقطر والسعودية والإمارات بما قيمة 74 مليار دولار حتى عام 2017. أما النتيجة فكانت ارتفاع الدين الخارجي على السودان 56 مليار دولار، وبلغ التضخم الاقتصادي 89 بالمئة وفقدت العملة السوداني قيمتها ما اضطر الحكومة في 2021 الى تعويم عملتها الوطنية جزئيا، فأدى ذلك إلى ارتفاع سعر الدولار إلى أكثر من 568 جنيها حاليا مقابل 55 جنيها، وهو السعر الرسمي قبل التعويم!

***

علاء اللامي

 

 

لقد كان لنا شرف الحضور في المؤتمر العلمي والعملي بعنوان "أوكرانيا بين روسيا والغرب"، والذي نوقش خلاله وبحضور مميز من الشخصيات العلمية في التاريخ، ووزارة الخارجية الروسية، وكذلك جمهور من الدبلوماسيين والمهتمين بالشأن التاريخي، نوقش فيه الخلفية التاريخية للوضع الحالي للسياسة الخارجية حول أوكرانيا، وقضايا تاريخ القومية الراديكالية الأوكرانية، وأسباب أزمة إقامة الدولة على أراضي جمهورية أوكرانيا الاشتراكية السوفياتية السابقة، مع تقديم على هامش المؤتمر، للدراسات الجماعية الجديدة "تاريخ أوكرانيا" (Grigoriev MS et al. M: العلاقات الدولية، 2022) و "القومية الأوكرانية في خدمة الغرب" (Krasheninnikova V.Yu، Surzhik DS M: حقل كوتشكوفو، 2023).

وزارة الخارجية الروسية ممثلة بنائب الوزير ي ميخائيل يوريفيتش غالوزين، أولت الاهتمام الأكبر لعمل المجتمع العلمي والخبراء، وتحترم تعليقاتهم وتوصياتهم، خاصة عندما يتعلق الأمر بأوكرانيا، التي أصبحت اليوم حجر عثرة في العلاقات بين روسيا والغرب، وأكدت أن عواقب الانقلاب المسلح المناهض للدستور في أوكرانيا الذي نظمته دول منفردة في الناتو في عام 2014، تسبب في إلحاق أضرار جسيمة بالنظام الدولي، بما في ذلك الأمن الأوروبي.

ونتيجة للمكائد السياسية للولايات المتحدة وبريطانيا العظمى، ضاعت على مدى العقود التالية إمكانية التعاون البناء في أوروبا بمشاركة روسيا من أجل تشكيل مركز قوة مستقل في القارة، ووفقا لغالوزين، فبالطبع، إذا نظرنا إلى الأحداث التي تجري في العالم من منظور عالمي، فإن الأمر لا يتعلق بأوكرانيا، فقد أصبحت هذه البلاد أداة، مادة قابلة للاستهلاك لتنفيذ سياسة "الغرب الجماعي"، وفي المقام الأول الأنغلو ساكسون، والتي تهدف إلى بناء شكل من العلاقات الدولية يكون مفيدًا لهم.

ومن المعروف أن بريطانيا العظمى تخشى دائمًا وتعارض محاولات تقريب روسيا من فرنسا أو ألمانيا، وفي هذا السياق، فإن تفاقم المواجهة بين روسيا والاتحاد الأوروبي، بالطبع، يصب في مصلحة الأنغلو ساكسون، وأظهر الهجوم الإرهابي على خطوط أنابيب الغاز نورد ستريم ونورد ستريم 2 بوضوح أن أولئك الذين ليسوا مهتمين بالتعاون الاقتصادي متبادل المنفعة بين روسيا وهذه "الشركات الأوروبية"، ونتيجة لذلك، اضطر الاتحاد الأوروبي إلى التخلي عن مطالباته بالحكم الذاتي، والخضوع دون قيد أو شرط لمسار الولايات المتحدة، وكانت نتيجة هذا القرار تقليص الوزن الاقتصادي والسياسي للاتحاد الأوروبي في العالم، وتفاقم نزعات الأزمة التي لوحظت في الاتحاد الأوروبي.

وفي المقابل، تواجه روسيا الآن بمفردها تقريبًا مجموعة الناتو العسكرية والصناعية العسكرية الأوكرانية، حيث تم تكليف أوكرانيا بدور نقطة انطلاق للمواجهة مع روسيا، ويؤدي "الغرب الجماعي" وظائف المقر، الخلفية، ومورد للاستخبارات والأسلحة، وبحسب البنتاغون، فإن المساعدات العسكرية الأمريكية لأوكرانيا خلال رئاسة جون بايدن بلغت بالفعل 35.8 مليار دولار، وخصص الاتحاد الأوروبي نحو 13 مليار يورو للمساعدة العسكرية لأوكرانيا، وتجاوزت الإمدادات العسكرية التراكمية لدول الناتو (28 من 31 دولة تنفذها على المستوى الثنائي) 65 مليار يورو، وكل هذه الأموال تذهب إلى الحرب، في الوقت نفسه، لا توجد أموال في الغرب من أجل السلام، ودعم البلدان النامية، لحل مشاكل الأمن الغذائي.

إن تاريخ الأراضي الأوكرانية متنوع ومعقد للغاية، وفي الآونة الأخيرة، وفقا للدبلوماسية الروسية، قام من يكره روسيا بمحاولات نشطة لتشويه المسار التاريخي لتطورهم، لإعادة صياغة تصور روسيا وأوكرانيا في الماضي، وبعد أن التقطت هذا الخط، فإن السلطات الأوكرانية الحالية تدمر كل شيء يربط روسيا بأي شكل من الأشكال، وبمبادرة منهم، أعيد كتابة كتب التاريخ المدرسية، ودُمرت الآثار والأشياء الثقافية، وحظرت الأعمال الأدبية والموسيقية، وتم إنهاء الاتصالات بين ممثلي المجتمع الأكاديمي، مما حرم العلماء من فرصة تبادل الخبرات وإجراء البحوث العلمية المشتركة والمناقشات، بما في ذلك المناقشات التاريخية.

وفي الوعي العام العالمي، لطالما كان يُنظر إلى روسيا وأوكرانيا على أنهما مجتمع ثقافي وتاريخي واحد، يمكن أن يمر بفترات من الاضطراب، ولكن يتحد دائمًا في كل واحد، ولكن وفي عودة للتاريخ الحديث كما يراه المؤرخون، وتحديدا في ميدان 2014 وسط كييف، كانت هناك دعوات شرسة لمعاداة الروس، وهنا لابد من الإشارة الى ما تحدث به المتحدث السابق للبرلمان الأوكراني أ. تورتشينوف، والذي بدأ بضرورة الإبادة الجماعية لشعب دونباس، وقال تورتشينوف "نحن على استعداد لتدمير روسيا حيثما أمكن ذلك"، ومن الضروري التغلب على روسيا ليس فقط في أوكرانيا، ولكن أيضًا خارج حدودها - على أراضي روسيا، وبالتأكيد على ان الانتقام يبدأ بقتل الأطفال، وبالتالي" لن يكبروا أبدًا، وستختفي الأمة "، والأكثر من ذلك.

كما أستهزأ توتشينوف باتفاقيات جنيف وغيرها من الاتفاقيات، عندما شدد على أنه لن تكون هناك فرصة للتعامل مع الروس، "سألتزم بعقيدة أدولف أيخمان وسأفعل كل شيء حتى لا تعيش أنت ولا أطفالك أبدًا، وهذه الأرض... يجب أن تفهم أنها تتحدث عن انتصار الشعب الأوكراني، وليس عن العالم، نحن بحاجة إلى الفوز، فإذا كان هذا يتطلب ذبح جميع عائلاتكم، فسأكون من أوائل الذين يفعلون ذلك... وآمل ألا تبقى أمة مثل روسيا والروس مرة أخرى على هذه الأرض... إذا أتيحت الفرصة للأوكرانيين... لسحق سكان موسكو وقطعهم وقتلهم وخنقهم، آمل أن يساهم الجميع و "يقتل" واحدًا على الأقل من سكان موسكو ".

وميكنوفسكي مؤسس حزب الشعب الأوكراني (UNP)، وهو حزب أكثر تطرفاً من حزب RUP، نشر "الكود" الخاص به - "الوصايا العشر للحزب الوطني المتحد" و أصبح البعض فيما بعد أساس أيديولوجية OUN ukronazism:، "واحد، موحد، لا ينفصل عن الكاربات حتى القوقاز، أوكرانيا المستقلة والحرة والديمقراطية، كل الناس إخوتكم، لكن سكان موسكو والبولنديين والمجريين والرومانيين واليهود هم أعداء شعبنا "، وفي عام 1897، أقام اتصالات وثيقة مع الشخصيات الجاليكية المؤيدة لأوكرانيا، في غاليسيا، التي كانت جزءًا من النمسا والمجر، وتم تشكيل توجه مناهض لروسيا، معاد للروس للقومية الأوكرانية، ومن هناك، بدأ غرس عقيدة الأوكرانيين الجاليكيين العدوانيين في روسيا الصغيرة، حتى قبل ظهور الفاشية الإيطالية والنازية الألمانية، وتم التحريض على الكراهية بروحهم العنصرية الكاره للبشر.

كما كان سلف OUN هو المنظمة العسكرية (العسكرية) الأوكرانية (UVO، المنظمة العسكرية الأوكرانية الأوكرانية) التي تم إنشاؤها في عام 1920، برئاسة E.M. رد كونوفاليتس) وسرعان ما أسس كونوفاليتس تعاونًا مع المخابرات الألمانية، وبدأت UVO في تلقي الأموال من الألمان للتجسس، وبمساعدة الأموال الألمانية، أطلقت UVO الإرهاب والتخريب في المنطقة (تفجيرات، هجمات، سرقة، مصادرة، إلخ)، ووفقًا لاستنتاج أحد الباحثين، "UVO، الذي ولدت فيه OUN، كانت منظمة إجرامية، بالمعنى الجنائي، كانت هذه الجريمة عبارة عن جرائم قتل إرهابية... من الناحية السياسية، كانت UVO، وفيما بعد OUN، جريمة سياسية لاغتصاب تمثيل الشعب الأوكراني بأكمله. لم يتلقَ UVO ولا OUN مثل هذا التفويض من الشعب... لم يتلقوا أبدًا دعم الشعب الأوكراني في أنشطتهم.

اذن المؤتمر العلمي كان فرصة تساعد في العثور على إجابات لبعض الأسئلة المتعلقة بماضي أوكرانيا على الأقل، وبفضل البحوث التي أجراه المؤرخين والخبراء، كانت هناك فرصة لسماع ومناقشة الفروق الدقيقة في علاقة الأوكرانيين بجيرانهم، بما في ذلك، بالطبع، مع روسيا في فترات تاريخية مختلفة، وبالتالي كانت هناك صورة موضوعية لماضي الأراضي الأوكرانية، وليس تعديلها لتناسب مصالح أي شخص، وتسمح لنا ذلك بفهم وتقييم الأحداث التي تجري في أوكرانيا وحولها بشكل صحيح، لبناء علاقات متناغمة مع الشعوب التي تعيش في هذه الأراضي في المستقبل، والدراسة الجماعية "تاريخ أوكرانيا" وكتاب "القومية الأوكرانية في خدمة الغرب"، تعتبر وثيقة مهمة لمساهمتها في ترسيخ الحقيقة التاريخية.

ما ذكرناه من تصريحات المتحدث السابق للبرلمان الأوكراني، هو خير دليل على النية المبيتة التي اعدها الغرب ضد روسيا، وكتاب القومية الأوكرانية في خدمة الغرب -2023- (للمؤلفة فيرونيكا كراشينكوفا)، يعرض مشاركة الدوائر الحكومية الغربية ووكالات الاستخبارات في تشكيل وتعزيز القومية الأوكرانية، وتحويلها إلى سلاح ضد روسيا، وينصب التركيز على جهود الإمبراطورية النمساوية المجرية والقيصر وفايمار وألمانيا النازية والولايات المتحدة الأمريكية خلال الحرب الباردة، وفي فترة ما بعد الاتحاد السوفيتي، يُظهر المثال التاريخي لأوكرانيا، خطر الأيديولوجية القومية التي يتم تحفيزها من الخارج واستيراد ممثلي المغتربين إلى النخبة، التي لها علاقات وثيقة مع الخدمات الخاصة الأجنبية.

ويتم عرض نتائج تحليل الجوانب الموضوعية، لتاريخ منظمة القوميين الأوكرانيين OUN بالمقارنة مع سياسة نظام كييف في 2014-2022، باستخدام الأسرار التي تم الكشف عنها مع بداية نزع السلاح من أوكرانيا خلال عملية عسكرية خاصة للقوات المسلحة الروسية، فقد زادوا من الأدلة على أن تدمير روسيا هو الهدف الاستراتيجي الثابت للقومية الأوكرانية الراديكالية - الأوكرونازية طوال تاريخها واليوم، وان استمرارية الأهداف والمواقف الأيديولوجية والسياسات المعادية للشعب وجرائم بانديرا وأتباعهم المعاصرين، ولفت الانتباه إلى حقيقة أن منظمة الأمم المتحدة، شاركت بنشاط في الفظائع التي ارتكبها النازيون ضد روسيا وشعبه، حيث كان قادة أوكرانيا من أعضاء OUN عملاء ومنفذين لإرادة المخابرات النازية، بعد الانتصار على الفاشية - الخدمات الخاصة للولايات المتحدة والغرب.

ويؤكد المشاركون انه مغتصبيي الميدان، قاموا وتحت سيطرة ومشاركة الولايات المتحدة وأقمارها الصناعية في حلف شمال الأطلسي، بنهب وتدمير أوكرانيا، وحولوها إلى نقطة انطلاق مناهضة لروسيا للولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي، وتجاوزوا معهم الخط الأحمر، في خلق تهديد عسكري لروسيا الاتحادية والتحضير للعدوان عليه، لذلك، اتخذت روسيا تدابير مناسبة لهذا التهديد لحماية أمنها القومي، وإنقاذ شعب دونباس من الإبادة الجماعية، وتحرير شعب أوكرانيا الشقيق من النازية الجديدة، فقد تم تحديد أهم السمات المشتركة للقومية الأوكرانية الراديكالية في عشرينيات وأربعينيات القرن الماضي و2014-2022، وتم تلخيص العناصر الرئيسية لعملية صنع القرار من قبل القيادة الروسية بشأن الاعتراف بجمهورية لوغانسك الشعبية، وجمهورية دونيتسك الشعبية، وإجراء عملية عسكرية خاصة في أوكرانيا.

لقد أصبحت السلطات الجديدة في أوكرانيا، التي تمجد الآن الفاشيين بانديرا وشوخيفيتش وأتباعهم، غير متسامحة مع معايير الحياة الراسخة تاريخياً، فضلاً عن إرادة ودين سكان هذه المناطقفي دونباس، وأجبرت تصرفات السلطات الأوكرانية سكان مناطق معينة من منطقتي دونيتسك ولوغانسك في أوكرانيا على بدء استفتاء والتصويت في مايو 2014 لاعتماد قانون تقرير المصير لجمهورية دونيتسك الشعبية (89 ٪) والقانون تقرير المصير في جمهورية لوغانسك الشعبية 96٪، ومنذ ثماني سنوات، يعيش سكان مناطق معينة في منطقتي دونيتسك ولوغانسك في أوكرانيا تحت قصف الأسلحة الصغيرة والكبيرة، ووفقًا للأمم المتحدة، توفي أكثر من 10000 شخص، وأصيب أكثر من 50000، ونزح أكثر من 1.4 مليون شخص داخليًا داخل أوكرانيا، ووصل أكثر من 2.5 مليون شخص إلى الاتحاد الروسي في حالة طوارئ جماعية طالبين اللجوء.

***

بقلم الدكتور كريم المظفر

 

 

قبل الخوض في التفاصيل تجدر الإشارة إلى اتفاق وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن يوم أمس الثلاثاء، مع قائد قوات الدعم السريع في السودان، محمد حمدان دقلو، على هدنة لمدة 24 ساعة "لضمان فتح مسارات آمنة للمدنيين وإخلاء الجرحى" وكان بلينكين قد أشار إلى أنه اختبا في السفارة الأمريكية بالخرطوم إبان المواجهات التي نشبت بين الطرفين السودانيين يوم السبت الموافق 15 أبريل 2023 .

ورغم اتفاق الهدنة فقد اتهم دقلو القوات المسلحة السودانية، بخرق الاتفاق بقصفها مواقع مأهولة بالسكان معرضة حياة المدنيين للخطر.. مُعَوِّلاً على محادثات إضافية مع وزير الخارجية الأمريكي حول "الطريقة التي يجب التعامل بها مع هذه الخروقات".

وكان الأوْلى أن يتوغل دقلو أكثر في عمق الأزمة دون تسطيح من خلال تجاوز الصراعات القائمة على المصالح الجهوية، نحو تحقيق طموحات الشعب السوداني المغبون، بحكومة وفاق مدنية يتفق عليها الجميع؛ لإنقاذ البلاد بغية وضعها على مسارات التنمية المستدامة الآمنة، ومن ثَمَّ استغلال ثروات البلاد التي تحولت إلى نقمة على السودانيين، بدلاً من أن تسبغهم بالخيرات.

من هذا المنطلق فلا بد من وضع كل الأوراق على طاولة واحدة والاستماع إلى صوت الوطن بعيداً عن فحيح الأجندات الخارجية التي تسعى لاستنزاف ثروات السودان المهدورة؛ للخروج بتوافق يوحد بين "قوات الدعم السريع" شبه العسكرية، وقوات الجيش النظامية في ظل حكومة وفاق وطني، وتخليص الأزمة -بعد بذرها بالحلول المُسْعِفَةُ للجراح- من صراع الديكة على السلطة والنفوذ، وتقاطع الأجندات الخارجية التي شرذمت السودان من باب المحاصصة في الثروات كالذهب والطاقة؛ وكأن الخصوم السودانيين بدلاً من الحفاظ على وحدة بلادهم، سخروا كل الجهود لتحقيق ما خطّطَ له الصهيوني البريطاني برناند لويس من تقسيمٍ للسودان ضمن خرائط كان قد وافق عليها الكونغرس الأمريكي عام 1983 فتحققت على الأقل من خلال فصل الجنوب عن السودان، ومن ثمَّ إعادة الكَرَّةِ في دافور غرب السودان التي تعاني من مخاضِ الانفصال عن الوطن الأم.

فمن يقف إذاً وراء الاشتباكات التي قد تقود السودان إلى حرب أهلية طاحنة ويغذيها بأسباب التحول إلى كارثة قد تدوم طويلاً؟

ففي الوقت الحالي، تدور الاشتباكات في مواقع استراتيجية في أنحاء العاصمة، بين أفراد من "قوات الدعم السريع" شبه العسكرية، وقوات الجيش النظامية، والتي انطلقت بعد فشل الوساطات في تقريب وجهات النظر بين البرهان وحميدتي حول قضية دمج الدعم السريع بالجيش.

إنه صراع الديكة على الحكم.. وانقلاب رفاق السلاح على بعضهم بحيث يمتطي الرئيس برهان صهوة الجيش لمواجهة قوات التمدد السريع بقيادة نائبه حميدتي بسبب رفضه انضمام قواته إلى الجيش والتي يتجاوز قوامها ال ١٠٠ ألف مقاتل، بعد تصاعد التوترات بشأن المخطط المقترح لانتقال البلاد إلى الحكم المدني.

ووصل عدد القتلى منذ بداية المواجهات إلى 100قتيل ذهبت أرواحهم هدراً في سبيل أجندات تقاطعت ضد مصلحة السودان وشعبه المغبون، وكأن الرماد سيخرج من تحته المعجزات دون أن تعالج الأسباب مع أن منطق الأشياء يقضي بمركزية السلطة ومعالجة ما يخرج عن طوعها من جماعات بالحوار أو بالحديد والنار.. رغم أن الخيار الثاني يُعَدُّ مجلبة للأزمات.

وحجة حميدتي قائد قوات الدعم السريع في رفضه لخطة دمج قواته بالجيش قبل تشكيل حكومة مدنية وانتقال السلطة لها؛ بأن الخطة إنما تمثل في نظره فخاً سيضع مخرجات العملية السياسية في مصلحة البرهان لذلك فتأجيل ذلك من شأنه أن يضمن الأمان لنفسه وقواته.

مقابل ذلك يُصِرُّ البرهان على مبدأ الدمج العسكري قبل البدء بالعملية السياسية، ليكون هذا الدمج مقدمة لتوقيع الاتفاق السياسي النهائي.

وهذا لو تمَّ -في نظر خصومه- سيضمن لللبرهان القدرة على التحكم بنتائج العملية السياسية.

ومن هنا قدحت شرارة المواجهات الدامية ليعربد الشيطان في تفاصيلها دون النظر إلى معطيات الحل الآمن للجميع.

ونتيجة لهذا الخلاف، فشلت القوى السياسية والمكون العسكري (الدعم السريع والجيش) في التوصل لاتفاق سياسي نهائي يُنهي الأزمة السياسية السودانية المستفحلة منذ سقوط نظام البشير في 11 أبريل 2019، حينما أقالت القوات المسلحة السودانية الرئيس البشير من منصبه، بعد عدة أشهر من الاحتجاجات والانتفاضات المدنية.

وفي الوقت الراهن جاء من يشعل النار في الهشيم، بإطلاق النار يوم السبت الماضي على الجيش، جاء ذلك بعد عشرة أيام من انتشار العشرات من أفراد قوات التدخل السريع حول العاصمة، ما اعتبرته الحكومة تدخلاً سافراً في سلطتها المركزية الأمر الذي حَرَّكَ المواجهاتِ الدامية.

وتعود جذور هذا الصراع إلى انقلاب أكتوبر 2021، فمنذ ذلك التاريخ يُدارُ مجلسُ السيادةِ والحكمِ في السودان، بوجود قائدين متناقضين في قلب النزاع، وهما عبد الفتاح البرهان، قائد القوات المسلحة والرئيس الفعلي للبلاد، من جهة، ونائبه قائد قوات "الدعم السريع" محمد حمدان دقلو المعروف بحميدتي، من جهة أخرى.

واختلف الرجلان على الاتجاه الذي تسير فيه البلاد وعلى مقترح الانتقال إلى حكم مدني.

واتهمت قوات الدعم السريع بارتكاب انتهاكات ضد حقوق الإنسان، بما في ذلك مجزرة قتل فيها أكثر من 120 متظاهراً في يونيو 2019. عقب إقالة البشير.. ومنذ ذلك الحين ظل المواطنون متمسكين بالمطالبة المشروعة بدور في مشروع الانتقال إلى حكم ديمقراطي.

وتلبية لذلك، تشكلت حكومة مشتركة من المدنيين والعسكريين، لكنها أسقطت لاحقاً بعد انقلاب عسكري آخر في أكتوبر 2021.

ما أدّى إلى حدة التنافس بين البرهان وحميدتي.. وقد تحوَّل النزاع بينهما في نظر السودانيين إلى صراع بين الشرعية المتمثلة بالبرهان، والمناوئين لها من قبل حميديتي وقواته.. وقد طالت الطرفيْن تُهَمُ الارتباط بأجندات خارجية وخاصة حميدتي.

وللوقوف على أسباب الأزمة في السودان والتوغل أكثر في شؤونها، لا بد من التطرق إلى ماهية "قوات التدخل السريع" التي شكلها الجنرال محمد حمدان عام 2013 وتعود أصولها إلى ميليشيا الجنجويد القبلية التي قاتلت بضراوة المتمردين في دارفور واتهمت هناك بجرائم إبادة ضد الإنسانية.

واكتسبت هذه القوات خبراتها من خلال المشاركة في صراعات اليمن وليبيا، وهنا يكمن سر ارتباطها بقوات فاغنر الروسية في ليبيا، من خلال المصالح المشتركة والوعود النفعية المتبادلة بين الطرفين، فيما يتعلق باستثمار الذهب السوداني المطموع فيه، ناهيك عن تمكن هذه القوات السودانية من السيطرة على بعض مناجم الذهب السودانية خلافاً لإرادة الحكومة المركزية متمثلة بالبرهان.

ما هيأ لهذه القوات أيضاً أرضية خصبة للتلاقي مع الإماراتيين في المصالح التي بُذِرَتْ بين الطرفين وخاصة ما يتعلق بالاستثمار في الذهب السوداني من جهة، ناهيك عن تحويل قوات التدخل السريع إلى مرتزقة استثمرهم الإماراتيون ضد الحوثيين في اليمن، من جهة أخرى.

ليس هذا فحسب بل أن حميدتي زار مؤخراً أثيوبيا التي هي على خلاف مع مصر والسودان فيما يتعلق بسد النهضة بحجة معالجة التجاوزات البينية على حدود أثيوبيا والسودان؛ ليكسبَ حمودتي مزيداً من الأوراق السياسية. ويبدو أن ثمة وعود متبادلة بين حميدتي والجانب الأثيوبي، ومن المؤكد أنها ستكون على حساب البرهان وحلفائه المصريين، منها محاولة إشغال القوات المصرية المتواجدة في قاعدة مروي المصرية الناشطة في الخرطوم قريباً من المطار، حيث تم القبض على العشرات من أفراد خدمة القوات الجوية المصرية بما في ذلك العديد من الطيارين المقاتلين من قبل قوات التدخل السريع والاستيلاء على ثلاث طائرات من طراز ميغ (29 م 2) ومعدات أخرى، فاعتبر المصريون ذلك بمثابة إعلان للحرب على مصر إلا أنهم تعاملوا مع الموقف بحذر شديد حتى لا يستفحل الصراع، كما يخطط له أعداء السودان وخاصة أثيوبيا، وفق ما يرى مراقبون؛ كي يتعطل الحراك المصري السوداني نحو تدويل ملف سد النهضة الذي جاء متاخراً.

أما بالنسبة لحلفاء البرهان من غير مصر التي تساند الجيش السوداني في العموم لوجستياً وسياسياً؛ ياتي الحاضر الغائب في أزمة السودان الداخلية متمثلاً ب"إسرائيل" التي تُتْهَمْ بدعمها لحكومة البرهان، حيث تربط بينهما اتفاقيات تتعلق بأنظمة التجسس بيغاسوس إلى جانب التطبيع مع الكيان الإسرائيلي الذي يتمدد اقتصادياً في القارة الأفريقية.

وتأكيداً على ذلك فإنه في 30 نوفمبر 2022، نشرت صحيفة “هآرتس" الإسرائيلية، بالتعاون مع منظمة “لايتهاوس ريبورتس” تقريراً استقصائيّاً كَشَف عن تصدير غير مُصَرَّح عنه لتقنيّات تجسّس إسرائيلية على متن طائرة من طراز “سيسنا”، توجّهت من أحد بلدان الاتحاد الأوروبي إلى السودان بين أبريل وأغسطس 2022. ونقلت تلك الطائرة شحنة من تقنيّات التجسّس المتطوّرة إلى المجلس العسكري في السودان.

أما بالنسبة لقطر فإن مصالحها في السودان تتعلق بقطاع الزراعة من خلال مشاريعها العملاقة مثل مشروع "الهواد" الذي كلف المليارات من الدولارات؛ لذلك فمصلحتها العليا ترتبط بالمجلس العسكري في السودان دون أن تساهم في الصراع الدائر هناك خلافاً للدورين المصري والإماراتي النسبيين.

في المحصلة فإن صوت العقل في أزمة السودان بدا خافتاً لا يكاد يسمع، لأن صياح الديكة وأزيز الرصاص باتا هما الأعلى، في صراع ضروس بين الطامعين بثروات السودان المهدورة، والسلطة التي تدعي بأنها تحاول لجم التمرد لصالح الديمقراطية، من خلال صراع دمويٍّ دَبَّ بين البرهان قائد المجلس العسكري للسودان والذي يُعَدُّ بمثابة الرئيس الفعلي للسودان، وخصمه اللدود حميديتي قائد قوات التدخل السريع.

فإلى متى يظل هذا التجاهل لمصلحة السودان العليا وإعطاء الظهر لإرادة الشعب التي لا تلين نحو نظام ديمقراطي وحكومة إجماع مدني! وعلى ذلك فمستقبل السودان يكون بخير.

***

بقلم: بكر السباتين

19أبريل 2023

 

الوضع فى السودان يسير من سيئ إلى أسوأ، لا أتحدث فقط عما بدأ اليوم وأمس من أحداث مؤسفة يتابعها الناس عن كثب، لكننى أعود لأسترجع بدايات الأزمة منذ حوالى عام ونصف أو أكثر عندما صار السودان بدون حكومة بعد تغييب رئيس الوزراء عبد الله حمدوك الذى تولى رئاسة الوزراء لمدة عامين فقط بين 2019 و2021 قبل أن يتم إقصاؤه باستقالة أعلنها فى مطلع 2022. ومنذ ذلك الحين تولى حكم السودان الجيش السودانى بقيادة عبد الفتاح البرهان قائد القوات المسلحة السودانية رئيساً للمجلس السيادى الانتقالى، بالإضافة لنائبه فى رئاسة المجلس محمد حمدان دقلو المشهور بحميدتى قائد قوات التدخل السريع المعروفة بالجنجويد..ومنذ ذلك الحين تدفق السلاح إلى السودان ليصير متوافراً لدى أغلب القوى وكأن الأرض يتم تمهيدها لاحتراب قادم!

الجنجويد ودورهم فى الأزمة

تلك ميليشيات قتالية تم تشكيلها خلال الحرب فى دارفور فى أغسطس من عام 2013 بقيادة جهاز الأمن والمخابرات الوطنى لمحاربة الجماعات المتمردة في إقليم دارفور وجنوب كردفان وولاية النيل الأزرق. ورغم الفظائع التى ارتكبتها تلك القوات أثناء حربها الأولى فى إقليم دارفور من حرق وقتل وضرب ونهب واغتصاب ضد كل الأعراف والقوانين إلا أن البشير استبقاهم كقوة إضافية لمواجهة أى تمرد أو قلاقل تحدث هنا أو هناك. وفى أعقاب احتجاجات الشعب السودانى عام 2019 ضد البشير وتنحيته لصالح الجيش السودانى تدخلت ميليشيات الجنجويد لتلعب دوراً فى قمع التظاهرات وفض الاعتصامات وإنهاء حالة العصيان المدنى التى حاول الشعب السودانى القيام بها مما تسبب فيما عرف بمجزرة القيادة العامة والتى قتل خلالها ما يقرب من 100 مدنى على يد قوات الجنجويد.. هكذا لعبت قوات الدعم السريع التابعة لحميدتى أدواراً سيئة داخل وخارج السودان وعلى حدودها.. فشاركت بدوريات مستمرة لمنع تدفق الهجرة من إريتريا والسودان إلى أوروبا عبر ليبيا، كما تم الاستعانة بالجنجويد فى بدايات عمليات عاصفة الحزم ضد ميليشيات الحوثى.

ذلك التنامى الخطير فى حجم ميليشيات الدعم السريع كما وكيفاً ساهم فى إرباك المشهد السياسي فى السودان عقب تنحية البشير وتولي عبد الله حمدوك رئاسة الوزراء لعدة شهور قبل أن يتقاسم الجيش السلطة مع قوات الجنجويد. وكان من المفترض أن يتم تسليم السلطة خلال الأيام الماضية للقوى المدنية وفق بنود اتفاق إطارى أعلن الجميع موافقتهم عليه. إلا أن الساعات الأخيرة شهدت عدة تحركات من جانب قوات الجنجويد التى انتشرت فى عدة مدن ومناطق حيوية بالسودان تحت دعاوى فرض الاستقرار ومنع الجرائم والانحياز للديمقراطية، بينما فى الحقيقة هى تريد إفساد المشهد السياسي والاستيلاء على السلطة بالقوة. وهو ما دفع الجيش السودانى لاعتبار الجنجويد قوة متمردة ينبغى ردعها. وبدأت الاشتباكات بين الجانبين خلال الساعات الأخيرة بشكل متصاعد .. والسؤال: لماذا تلاعب حميدتى بالجميع وتظاهر بقبول الاتفاق الإطارى ثم قلب لهم ظهر المجن؟!

صراع الأجندات

السودان بلد متسع مكتظ بثروات وخيرات كثيرة مثلت مطمعاً لعدة دول وقوى خارجية. وفى ظل حالة السيولة وعدم الاستقرار السياسي خلال الفترة الانتقالية الحافلة بالأحداث، وخاصة فى ظل تنامى نفوذ الميليشيات واتساع نطاقه، بدأت تلك القوى الطامعة فى استغلال تلك القوى فى استقطاب القوى السياسية المتصارعة لصالحها. هناك عدة دول تلاعبت بالمشهد السياسي وعلى رأسها إثيوبيا ومن ورائها إسرائيل، والهدف هو إبقاء حالة الصراع القائم بين القوى الثلاثة متأججة وملتهبة حتى تحين ساعة الصدام التى تحددها تلك الأيادى العابثة من خلف الكواليس. وها قد حانت الساعة وحدث الصدام لا بين الجنجويد والجيش والقبائل فقط بل بين هؤلاء المحركين من خلف ستار.

المشهد الحالى فى السودان شديد التعقيد والسيولة ويصعب تحديد أبعاده ومآلاته..القوى المدنية مفككة وضعيفة لا قوة لها على أى فعل، والطبيعة القبلية العشائرية للسودان وضعت فى يد كل مجموعة وطائفة وقبيلة سلاحاً خفيفاً أو ثقيلاً. وهناك انقسام وتشرذم فى الولاءات بين حاملى السلاح. فلمن تكون الغلبة؟ وهل يمكن أن تلجأ الأطراف للتهدئة بعد انطلاق الشرارة وتأجج الصراع؟!

سيناريوهات الأحداث

سفير الولايات المتحدة الأمريكية فى السودان جاء على لسانه القول بأن الوضع فى السودان مرشح للاشتعال فى أية لحظة، وأن القوى الخارجية ومن بينها أمريكا لن تتدخل لحسم الصراع لصالح أى طرف. وأن المتوقع أن تكون الغلبة لجانب الجنجويد ربما لأن مؤشرات القوى ترجح لصالحهم بسبب خبرتهم الواسعة بالقتال الفعلى على الأرض ومعرفتهم التامة بجغرافية المكان وصلاتهم الممتدة برؤوس القبائل، هذا إلى جانب ما اكتسبته تلك القوات فى الفترة الأخيرة من عوامل قوة أهمها تنامى العلاقات الدولية وتحولهم ربما إلى ما يشبه المرتزقة الذين يعملون لا لصالح السودان وإنما لمصالحهم الخاصة ومصالح القوى الخارجية التى تستميلهم.

غير أن الأحداث ربما لا تسير بالضرورة على النحو الذى يتوقعه الأمريكان. من ناحية أن الجيش النظامى يمتلك عناصر قوة قد ترجح قدرته على حسم صراع السلطة لصالحه. ولعل أهم عنصر هنا هو الشرعية الدولية التى يفتقدها الجنجويد لاسيما وهم متهمون بارتكاب مذابح وجرائم ضد الإنسانية فى حرب دارفور وخلال فض المظاهرات. لهذا سوف تقف القوى الإقليمية بالضرورة مع عبد الفتاح البرهان ضد حميدتى الذى بدأ بأفعال الاعتداء والتمرد على الاتفاق الإطارى من أجل دعم استقرار السودان.

لايمكن القول إن الوضع كان مستقراً فاشتعل أو أنه انفجر فجأة، بل إنه كان منذراً بمثل هذا الذى حدث لدرجة أن المراقبين للوضع قالوا : نحن فى انتظار الرصاصة الأولى.. ألا وقد انطلقت الشرارة وتفاقم الصراع وبات الوضع ملتهباً لدرجة أن قنوات الاتصال فقدت إلا من بعض ما يتم تسريبه أو إعلانه من هذا الطرف أو ذاك. مثل هذا الصراع الدامى قد يتحول إلى قتال شوارع إلا إذا تدخل الطيران الحربي. أو قد يتحول إلى حرب أهلية تنتقل عدواها من مدينة لمدينة وفى تلك الحالة سيطول أمد الأزمة ويتسع نطاقها وتزداد معاناة الشعب السودانى الذى يعانى الأمرين بالفعل..

السؤال هنا حول السيناريوهات البعيدة عن التوقعات.. هل يمكن أن يحدث أحد تلك السيناريوهات؟ : أن يستطيع الشعب والقوى المدنية حسم الصراع لصالحهم من خلال انتفاضة شعبية واسعة؟ أو أن تتدخل قوة إقليمية قادرة على حسم الصراع لصالح السودان وإقصاء المخربين؟! أو أن يتم إقناع أطراف الصراع بالعودة من جديد لتغليب المصلحة العامة والجلوس على مائدة المفاوضات لتجنب مآسي الصراع الدموى؟

زمن رواج الشائعات

لاريب أن الإعلام سيكون مشاركاً فى هذه الحرب بعلم أو بجهل لصالح أطراف كل منها يروج لنفسه باعتباره المنتصر الوحيد الذى اكتسح الساحات. وقد شهدت الساعات السابقة حالة من التضارب المفهوم فى التصريحات بين طرفى نزاع يزعمان كليهما بأن الخسران من نصيب الآخر، بينما النزاع لا يزال فى بداياته ولما تنتهى المعركة التى يبدو أنها ستطول وتمتد إلى حين..

***

د. عبد السلام فاروق

 

لابد ان نشيرالى ان تركيا اليوم تعيش في حالة عامة غير مسبوقة من الواقع الفوضوي لما قبل الانتخابات ولم تشهد هذه البلاد من قبل ما هي فيه اليوم من الاوضاع السياسية الاقتصادية الاجتماعية غير المستقرة، وهي حقا تعيش في فوضى غير مسبوقة من الارضية المتاحة للانتخابات المقبلة وما هي عليه السلطة الحرجة والمضغوطة بين فنجان تهاوي الليرة التركية وسندان الافرازات السلبية للهزة الارضية التي ضربتها ولم تقم الحكومة التركية باقل مما كان من المفروض ان يتبعها او لم يتمكن من الواجب الواقع على عاتقها،و لاول مرة تصل شعبية اردوغان الى هذا الحد المنخفض حسب التوقعات وما هو المتاكد مما يمكن ان يحصل لتركيا مابعد الانتخابات وموقف السلطة الاسلامية السياسية والتغييرات المتوقعة في هذه البلاد وتاثيراتها المباشرة داخليا او خالارديا على المنطقة باسرها.

المؤكد من الامر، ان تركيا لم تبق كما هي عليه، سياسيا كما يدلي به كافة المراقبين السياسيين والمنظمات المدنية المتابعة لتركيا وما يجري فيها والتخمينات العلمية لمابعد الانتخابات ونقاط الضعف التي يمكن ان يستغلها من يريد التغيير الايجابي في الوضع التركي سياسيا كمحور رئيسي مؤثر في المنطقة.

النقاط السياسية الاقتصادية الاجتماعية الضعيفة المتاحة للكورد قبل غيرهم لاستغلالها من اجل التوجه الصحيح نحو التغيير الايجابي والوقت المناسب للعمل المأمول في الدور الكبير كم صنع الضغط على التوجهات الشعبية لتحقيق الاهداف الكفيلة لتغيير المجتمع الذي يعاني من ما هو عليه منذ عقود. ولابد ان نقول ان استغلال الكورد لهذا الموقف الضعيف للسلطة التركية في هذا الوقت العصيب والذي يعتبر جانبا مقبولا من البرغماتية المقبولة غير المستغلة لاي نقطة غير مستحقة ولن تكون هناك نتائج سلبية من الخراب الذي يدخل خانة استغلالالامور الانسانية وانما هو شان سياسي في ضمن دائرة متاحة ومقبولة سياسيا .

الجانب الاقتصادي وافرزات الهزة الارضية والواقع السياسي البائس نتيجة استغلال السلطة للبلد وظروفه غير الطبيعية منذ عقود، وعليه انه من حق الكورد قبل غيرهم استغلالها، ليكونوا عامل خير لمصلحة الكونات التركية كافة دون استثناء وقبل المكون الكوردي ايضا. النقطة الاخرى التي يمكن للجميع وخاصة الكورد استغلالها في هذه الاونة هو وجود الضغط العالية حول ما تفرزه كافة المكونات حول المهجٌرين والمشرٌدين واللاجئين السوريين وموقف الشعب التركي بشكل عام حول وجودهم. كما هو الحال، اي النقاط الكبيرة التي توفرت من هذا الجانب في هذا الوقت، انها متاحة لاستغلالها سياسيا بعيدا جدا عن الصفة الاستغلالية واللعب على التضليل، وهي امور سياسية واقتصادية ليس لاي احد ان ينتقد العمل عليها من اجل التغيير ابان الانتخابات، وهي الفبرصة الذهبية للكورد قبل غيرهم لو كانوا كما عاهدناهم اكثر عقلانية من ابناء جلدتهم في كوردستان الجنوبية، وخططوا وعملوا ونفذوا بدقة متناهية وبشكل مناسب جدا للمرحلة كما فعلوا من قبل. فان التغيير بائن ومتأكد وبداية لما يمكن ان يصاحبه تحقيق الاهداف سلميا وابعاد الشر المكبوت الذي تعتمده وتعمل عليه السلطة التركية منذ عهد كمال اتاتورك وقبله العثمانية ايضا. انها الفرصة غير المسبوقة ويجب ان يستغلها الكورد لخير امتهم وخير الشعوب التركية قبلهم ايضا، وانها ايضا الفرصة ان يرمي الشعب سلطة الاسلام السياسي غير المناسب للمرحلة في مزبلة التاريخ ويجد الحرية الديموقراطية الحقيقية والمساواة طريقها السوي.

***

عماد علي

 

 

صدر هذا التقرير تحت عنوان (العراق تقرير المناخ والتنمية) من قبل البنك الدولي ومجموعته المتمثلة بالمؤسسة الدولية للتنمية (IDA) ومؤسسة التمويل الدولية (IFC) ووكالة ضمان الاستثمار (MIGA) في شهر كانون الأول الماضي وهو عبارة عن دراسة مفصلة اعدها واشرف عليها اكثر خمسين باحثاً في تخصصات مختلفة من قبل مجموعة البنك الدولي بالتعاون مع ما يقارب العشرين شخصاً من الجانب العراقي من العاملين في مؤسسات الدولة وخارجها، وتشمل هذه الدراسة ضمن بحث شبه تفصيلي في مجال التنمية والمناخ والماء والزراعة والاستثمار والطاقة مع التطرق الى الملفات المرتبطة كملف النفط والغاز وملف التصحر والتلوث وملف التوظيف والفقر وغيرها من الملفات المرتبطة بالتنمية مع وضع سيناريوهات مختلفة للعقدين القادمين من الزمن وسياسة تنموية للنهوض بالبلد والمبالغ المطلوبة لكل سيناريو وإمكانية توفير المبالغ بأفضل سياسات اقتصادية وتنموية يمكن تبنيها لتحقيق مصلحة والبلد وتطويره وتحقيق مصلحة المواطنين العراقيين في آخر المطاف، هذه الدراسة تجاوزت عدد صفحاتها الثمانين صفحة، ولكن للأسف لم يسلط عليها الضوء الكافي لأنها نشرت في بداية تشكيل حكومة السيد محمد شياع السوداني لذلك سأحاول تسليط الضوء على بعض الفقرات المهمة والصادمة من التقرير مما جلب انتباهي والتي تمثل الواقع المر مع الإشارة الى ارقام الصفحات والتطرق بشكل مختصر للتوصيات المطروحة لأهميتها من دون الدخول في تعقيدات الكثير من الأمور التقنية التي قد لا يستوعبها القارئ الكريم .....

***

محمد توفيق علاوي

........................

فقرات بشأن التنمية والأداء الحكومي

- يعتبر العراق اسوء البلدان في الشرق الأوسط وشمال افريقيا وسجل مستويات قريبة من الدول الهشة مثل سوريا وليبيا واليمن (ص20)

- سجل العراق ادنى المراتب في اربع مؤشرات حوكمة (الفعالية الحكومية، الجودة التنظيمية، سيادة القانون، الحد من الفساد) (ص21)

فقرات بشأن التعليم والتوظيف

- كان النظام التعليمي في سبعينات القرن الماضي افضل نظام تعليمي في المنطقة وفي عام 2017 تم تسجيل 3.2 مليون طفل في سن الدراسة خارج المدرسة (ص19)

- الشباب ينتظرون شغور الوظائف في القطاع العام نظراً لكون الأجور اعلى بنحو 37٪ من الأجور في القطاع الخاص (ص60)

- تعتبر الزراعة على الرغم من انخفاض الدخل فيها مصدراً مهماً للتوظيف وتأمين سبل العيش في العراق لا سيما للنسبة البالغة 29٪ من السكان المقيمين في المناطق الريفية (ص60)

- يشارك نحو 16٪ من العاملين في القطاع الصناعي في الأنشطة المتعلقة بالصناعات الغذائية (ص61)

فقرات بشأن الفقر

- يندرج العراق ضمن الشريحة العليا في البلدان المتوسطة الدخل التي تسجل اعلى مستويات الفقر (ص19)

- من المتوقع ان يبقى الفقر في العراق - وفق خط الفقر الدولي البالغ 3.2 دولار – مستقراً بين عامي 2025 – 2040 في غياب الإصلاحات الهيكلية التي تدعم ديناميكية النمو الأكثر شمولاً (ص57)

فقرات بشأن النفط والغاز

- الموارد غير النفطية في الدول النفطية: العراق هو اقل دولة حيث يتراوح الدخل غير النفطي بين 13٪ الى 30٪ في الدول النفطية الأخرى اما العراق فلم تتجاوز ايراداته غير النفطية 1.4٪ (ص20)

- الغاز المصاحب : العراق يحرق سنوياً 2.5 مليار دولار من الغاز ، ويحرق يومياً 1.7 مليار متر مكعب من الغاز في حين يستورد مليار متر مكعب يومياً في ايران (ص38)

- مشاريع الغاز المصاحب: وضعت مجموعة البنك الدولي دراسة كاملة عام 2018 لانهاء حرق الغاز خلال خمس سنوات؛ ومنح البنك الدولي قرضاً للعراق بقيمة 360 مليون دولار عام 2021، يمكن بكل سهولة تحويل هذه الغازات الى بترول وبلاستك واسمدة وادوية ، ولكن العراق بالإضافة الى هدره للغاز المصاحب استورد منتجات نفطية وبلاستك واسمدة وادوية بمقدار 6 مليار دولار عام 2019 (ص37 / ص38)

فقرات بشأن سياسات تخفيض الكربون في الجو

- [هناك أربعة مسارات انتقالية يجب على العراق التحول لتبني احدها لتقليل نسبة الكربون في الجو (ص53)]، يعد هذا التحول ضرورياً للعراق لسد فجوة العرض والطلب على الكهرباء.... في عالم خالي من الانبعاثات الكربونية، ولكن سوف يؤدي انهيار عائدات النفط الى عدم تمكن العراق في الاستثمار في أي من المسارات الانتقالية (ص54)

- سياسة تخفيض الكربون سيولد طلباً جديداً على العمالة في توليد الطاقة المتجددة، كما يمكن تقديم الحوافز لمساعدة المزارعين الى التحول الى المحاصيل الذكية مناخياً والاصناف التي تتحمل الجفاف وأساليب الإنتاج الأكثر استدامة (ص63)

الآثار الاجتماعية بسبب قلة المياه وقلة استخدام الوقود الاحفوري

- سوف تهاجر المجتمعات المجهدة بالمياه في جنوب العراق بشكل متزايد الى الشمال او الى المدن الكبيرة بحثاً عن سبل عيش مستدامة [مما سيفاقم في تدهور الريف وتشكيل عبئ اكبر على المدن الكبيرة] (ص61)

- بينما يتخلى العالم عن الوقود الاحفوري سيضعف الطلب على صادرات النفط العراقية... هذا يؤدي الى تقليص القطاع العام ويؤدي الى خلق تحديات كبيرة في أي بلد، وهذه التحديات ستكون شديدة في العراق ، وهذا لن يؤدي الى تسريح عمال القطاع العام وقطع المصدر الرئيسي لدخل الاسرة فحسب بل الى الغاء وصول الاسر الى أنظمة الحماية الاجتماعية ايضاً (ص62)

خلاصة الواقع التنموي في العراق والاولويات حسب

رؤى البنك الدولي تتمثل بالحقيقة التالية

العراق دولة ذات حيز مالي ضيق وقدرات محدودة وفجوات تنموية عديدة، من المهم تحديد أولويات التدابير والتدخلات الموصى بها وتسلسلها في الاستجابة لاحتياجات التنمية والمناخ..... (ص68)

التوصيات النهائية

غطت التوصيات النهائية ثمان مجالات أساسية ومهمة بشكل شبه تفصيلي ولكننا سنتناولها بشكل مختصر وهي:

1. سياسات قطاع النفط والغاز لتحقيق عدة اهداف وهي

1) تخفيض الكربون: تقييم السياسات الحالية وتطوير خطة عمل ووضع خارطة طريق واتخاذ إجراءات ملموسة للتصدي للانبعاث

2) تطوير قطاع الغاز: ادخال اطار تنظيمي ورقابي وشفاف مستقل واعتماد آلية شفافة وتنافسية لمنح عقود الاستثمار للقطاع الخاص

3) التعامل مع حرق الغاز الطبيعي: إدخال اطار تمكيني للاستثمار الخاص في خفض حرق الغاز

4) تخفيض انبعاث الميثان: تحسين تقنيات المراقبة مع تحديد اهداف خفض التسرب

5) التقاط الكربون وتخزينه: تطوير استراتيجية وخارطة طريق لالتقاط وتخزين الكربون والتأكد ان محطات الإنتاج العاملة بالغاز التي ستبنى ستكون قادرة على التقاط الكربون وتخزينه

6) الهيدروجين المنخفض الكربون: تطوير استراتيجية وخارطة طريق للهيدروجين المنخفض الكربون

2. سياسات قطاع الكهرباء لتحقيق ما يلي:

1) بيع الطاقة اقليمياً: توسيع اتفاقيات تصدير الطاقة الشمسية في ساعات الذروة واستيراد الطاقة خلال ساعات المساء والليل

2) تطوير شبكات نقل الكهرباء: تطوير الشبكة على مستوى التوزيع مع استخدام الطاقة الكهروضوئية وطاقة الرياح واستخدام العدادات الذكية وجذب الاستثمارات الخاصة

3) التخطيط لقطاع الكهرباء: التجديد على إعطاء دور اكبر للطاقة المتجددة وإعطاء دور لمطوري المشاريع والمستثمرين

3. سياسات قطاع النقل لتحقيق ما يلي:

1) مسائل التخطيط: اعداد استراتيجيات النقل البري المستدام والنقل بالسكك الحديدية مع تطوير الشراكة بين القطاع العام والخاص

2) المسائل القانونية والمؤسسية: مراجعة تشريعات قانون النقل لتمكي المشاركة بين القطاع العام والخاص

3) المسائل المتعلقة بدور الشركات المملوكة للدولة: إصلاحها وتعزيز نهج المراقبة القائم على مؤشرات الأداء الرئيسية

4) المسائل المتعلقة بالبنى التحتية: إعادة تأهيل خطوط السكك الحديدية وبرنامج صيانة للطرق السريعة وتطوير عمليات النقل العام وتحديد المسارات ذات الأولوية للنقل العام كالمترو وقطارات الركاب واستخدام الطاقة المتجددة في السيارات ووسائط النقل الأخرى

4.التغلب على ندرة المياه وتمكين الزراعة الذكية لتحقيق مايلي:

1) البنى التحتية وتحسين فعالية النظام: بناء المرونة لتحمل مخاطر تغير المناخ ونقص المياه باستخدام مياه الصرف الصحي المعالجة وتحسين فعالية السدود والتحكم في الملوحة للمياه السطحية والمياه الجوفية وتحسين شبكات الري

2) الابتكار والتكنولوجيا: باعتماد وتوسيع الزراعة الذكية واستخدام الأصناف المحسنة التي تتحمل الجفاف والحرارة والملوحة وتحسين الأسمدة وإدارة الآفات فضلاً عن تبني سلالات محسنة من المواشي مع تحسين إدارة التربة باستخدام التدابير الكيميائية الحيوية والتحول من الحبوب المنخفضة الإنتاجية الى المحاصيل المرتفعة الربحية مع التركيز على الزراعة الالكترونية والزراعة المائية والزراعة العمودية وتعزيز التقنيات الموفرة للطاقة

3) اهداف مؤسسية: من خلال تحسين تخصيص المياه وكفاءتها وإعادة اهداف السياسات الزراعية والدعم وانشاء برامج حوافز ذكية لتحسين استخدام الأسمدة والمياه والطاقة، وزيادة مشاركة القطاع الخاص بتوفير القروض الميسرة والتمويل الأخضر وتقديم الضمانات الى شركات الصناعات الغذائية، كما انه من المهم التعاون على المستوى الإقليمي من اجل مرونة قطاع المياه وتبادل المعلومات بين البلدان من اجل الوصول الى الإدارة المثلى للبنية التحتية وأنظمة المياه، فضلاً عن ذلك المطلوب تحسين إدارة الاحتياطيات الغذائية (التخزين ، إدارة صوامع الحبوب، الخ)

5.تحول عادل واقتصاد مرن يحتاج الى ما يلي:

1) سياسات العمل: حيث المطلوب توفير حماية سوق العمل قصير الاجل كدعم مؤقت للدخل، كتعويضات نهاية الخدمة او تعويضات البطالة، اما سياسات سوق العمل قصير الاجل فتتمثل بربط العمال بأرباب العمل والتدريب على المهارات الشخصية، اما سياسات العمل طويل الاجل فتتمثل ببرامج تدريبية حول الزراعة الذكية، اما البرامج لتحفيز الطلب على العمالة في القطاع الخاص فتتمثل بالحوافز المالية للاستثمار وتقديم منح للابتكار، اما أنظمة العمل في خلق فرص عمل فتعني وجود مرونة بشأن العقود المؤقتة

2) سياسات الدعم: وتشمل سياسات التنمية طويلة المدى لرأس المال البشري ويتمثل ذلك بإصلاح المناهج الدراسية في بناء المهارات في العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات وفي جميع التخصصات الاكاديمية فضلاً عن الوعي البيئي في التعليم الابتدائي، ويشمل ايضاً تمويل تحولي خاضع للمحاسبة لتتبع تمويل المناخ وتحسين اعداد التقارير، كما يشمل برامج لتحفيز الطلب على العمالة في القطاع الخاص كحوافز مالية للاستثمار ومنح للابتكار وحوافز للشراكة والتوجيه، كما يجب وضع قواعد اكثر مرونة بشأن العقود المؤقتة

3) مبدأ الحوار: وتتمثل بقيام الحكومة بدعوة الأطراف المعنية بالطاقة الخضراء والتداعيات السلبية للتغيرات المناخية والاستفادة من تحليلات الاستدامة الاجتماعية ومنظمات المجتمع المدني والقطاع الخاص والنقابات العمالية والبرلمانيين والمجتمعات النسائية والقادة الدينيين والطلاب، وفي المناطق التي ستتأثر بالتحول سيكون من الضروري تعزيز التكيف المحلي ومرونة المجتمعات

6. الاستثمار في رأس المال الطبيعي وهذا يحتاج الى مايلي:

1)القياس والمراقبة: ويتمثل بقياس الثروة ومراقبتها بالتوازي مع الناتج المحلي الإجمالي وهو ما يسمح لوزارة المالية بفهم دور رأس المال الطبيعي في النمو الوطني

2) الاستثمار: وهو الاستثمار في الموارد الطبيعية المستدامة حيث يجب على الحكومة توفير الظروف المؤاتية للاستثمارات المستدامة للقطاع الخاص والتي تعتمد على الموارد الطبيعية كالزراعة والغابات والمياه والسياحة

3) سياسات القيمة المضافة : يجب انشاء حوافز سياسية لدعم الإدارة المستدامة للموارد الطبيعية مع تقليل الآثار السلبية الخارجية لحماية وزيادة قيمة الثروة الطبيعية

7. ضمان مدن اكثر خضرة ومرونة وهذا يتطلب ما يلي:

1) اصلاح سياسة التخطيط الوطني: ويتمثل بتطوير دليل شامل للتخطيط الوطني حول مرونة المناخ، حيث يتطلب وضع رؤية ومبادئ توجيهية للتنمية العمرانية لكل مدينة ومركز حضري،

2) تطوير بنية تحتية ذكية مناخياً: حيث يجب دعم البنى التحتية التي تعالج المخاطر المناخية والبيئية، وتبني الحلول وخارطة طريق مستندة الى الطبيعة وتعزيز تدخلات الخدمات البلدية التشاركية

3) تعزيز القدرة المؤسساتية والمحاسبة: حيث يجب ان يتوفر دعم الحكومات المحلية والمركزية لتنفيذ أولويات السياسة الوطنية ومراجعة بيئة منح التراخيص على كافة المستويات، كما يجب تعزيز مشاركة القطاع الخاص وتقديم منح للابتكار والشراكة مع القطاع الخاص وتقديم الحوافز الداعمة لتعبئة التمويل الأخضر...

4) إدارة حضرية ذكية وخضراء: وهذا يتطلب الاستخدام المستدام للأراضي الحضرية وبالتالي يتطلب تحديث أنظمة التخطيط والبناء لتعزيز كفاءة استخدام الأراضي، كما يجب تبني نموذج نقل حضري فعال مستدام وشمولي وميسور التكلفة

5) الاقتصاد الدائري والخدمات البلدية: حيث يتطلب توفير الارشادات لتقديم خدمات البنية التحتية الحضرية للتحول الى بيئة منخفضة الكربون

6) بناء قدرة مؤسسية للمحافظات والبلديات: وهذا يتطلب تنفيذ الحلول التكنولوجية لكفاءة الطاقة والموارد كما يتطلب الاستفادة من الأنظمة الرقمية لإدارة مخاطر الكوارث، ومن اهم العناصر في هذا المجال هو اشراك الشركاء المانحين الخارجيين لتعبئة التمويل الأخضر

8.تخضير التمويل وتمكين القطاع الخاص وهذا يتطلب مايلي:

1) التقييم المؤسسي: حيث يشمل قياس نقاط الضعف المنهجية على البنك المركزي وتقييم شامل للقطاعات المعرضة للمخاطر المتعلقة بالمناخ، ومن ضمنها الأصول غير القابلة للاسترداد والفجوات التكنولوجية، كما انه من المفيد للبنك المركزي ان يدعم التمويل الأخضر لبناء نظام صديق للمناخ

2) الدعم التنظيمي: ويشمل تطوير «التصنيف الأخضر» الذي يساهم بالدفع باتجاه الاستثمارات الخضراء وتعزيز المشاريع الصديقة المستدامة، كما يتطلب ادخال «التيسير الكمي الأخضر» لتقليل التمويل العام للصناعات كثيفة الكربون وبالمقابل يقوم البنك بتوفير التيسير النقدي نحو المناخ كالسندات الخضراء وسندات المناخ وغيرها، كما انه من المفيد في نفس الوقت تطوير اطار «للتمويل الأخضر» في دعم التكنولوجيا الخضراء، وانشاء حوافز مالية في مجالات دعم استثمارات الزراعة الذكية مناخياً وإدخال البذور الجديدة وغيرها من الاستثمارات الذكية مناخياً

3) تعبئة رأس المال الخاص: وذلك بخفض المخاطر امام استثمارات القطاع الخاص، عبر اصدار الشهادات الخضراء التي ستسمح للمستثمرين في المشاريع الخضراء بسداد جزء من قروضهم عبر استخدام هذه الشهادات بالتنسيق مع البنك المركزي، كما انه من الطبيعي تعبئة التمويل الدولي مثل صندوق المناخ الأخضر GCF لتسخير الموارد وبناء القدرات ودعم الاستثمار في الطاقة المتجددة ، كما انه من المفيد تطوير نظام بيئي صديق للبيئة وذلك ببناء دعم تمويلي للعرض بشكل استباقي من خلال تخضير القطاع المصرفي وجذب المستثمرين نحو المشاريع الخضراء خلال فترة 2022 – 2030 وزيادة وعي القطاع الخاص ورغبته في التحول الى المشاريع الخضراء

4) تخطيط السياسات : حيث من المفيد ان تضع الحكومة استراتيجية لتغيير المناخ تدمج جميع القطاعات المعرضة للخطر وخطة عمل متكاملة للتخفيف من آثار تغير المناخ والتكيف معها، وتوضيح أدوار مختلف الأطراف المعنية الرئيسية بما فيها القطاع الخاص، كما انه من المفيد اطلاق حوار بين القطاعين العام والخاص لتبادل المعلومات ورفع مستوى الوعي حول السياسات المرتبطة بالتغيير الحالي، وكذلك تعزيز تنسيق التدخل في مجال تغير المناخ بشكل اكثر فاعلية .....

 

ما اكتبه هنا يمكن ان يشكل منهجا يدرس ضمن مفهوم الاخلاق التطبيقية، وانا هنا اضيف فرعا جديدا لمفهوم الاخلاق التطبيقية، التي تعالج الفكر والفلسفة مع مفاهيم البواتيقيا والجانب الالكتروني والاعلام والاقتصاد والبيئة …الخ .

١- يمكن وصف اهل القضية بعفن التاريخ، ولا يختلفون عن الما… س… ونية، فكلاهما يسير كالفطريات التي تقتل كل حياة بمنهج نفعي ذاتي، يحاول السيطرة وتخريب الحقائق .

٢- الوهم الذي يعيشه هؤلاء، والذي لا يستند الى منطق او برهان هو وهم خطابي او تلفيقي، فهم هنا يتشابهون مع الخوارج في التاويل، والاستمرار في الوهم .

٣- مثل هؤلاء هم احد اهم ادوات الشيطان الذي يرافق البشرية الى نهايتها، فقد ظهر الشيطان (ابو مرة ) (وهو صديق مقرب من العديد من الجماعات والافراد الذي يطاوعونه مرغمين)ي تدخل بشكل استراتيجي في اهم الاحداث التاريخية الاجتماعية، فهو العراب لابن نوح، والحاث على موقف السالب ضد ابراهيم وابنه عند الذبح، والمنسق لاخفاقات السامري زمن الخليل ابراهيم، والمؤلب على رسول الكون والانسانية، وكل اخفاقات الجماعات حتى الذين يقتلون من اجل السلطة، بالامس واليوم، فانها باخراج مباشر من الشيطان، ولا شك لدي بان اصحاب القضية هي انتاجشيطاني، لزعزعة ايمان المجتمعات المؤمنة، والا فانه لا ينمو في مجتمع لا مبدا فيه .

٤- يمكننا عند تصورهم عند الموهومين في التاريخ، فهم مصاصي دماء الحقيقة واكلة لحوم النقاء الانساني، هويتهم ضيقة وذاتية جدا، فكانهم حين يكرسون حياتهم، لوهم خلقوه، كانهمي عبدون هذا الوهم بدلا من الله، وهذا التقنين وتضييق وحصر الحقيقة، انما هو شيء خلاف رحمة الله الذي كتب على نفسه الرحمة، والذي اراد ان نتقي النار ولو بشق تمرة .

٥- هم غير واقعيين، وثقافتهم محدودة، ومترفعين، وسفسطائين، اذا دخلوا قرية افسدوها باوهامهم، وهم عشاق لذواتهم، ومرضى نفسيين بحاجة الى مصحة فكرية وهي دعوة لدمجالطب بالفكر في تنمية لمفهوم الاخلاق الطبية، فلا بارك الله بهم ولهم وفيهم ان لم يتوبوا .

***

ا. د. رحيم الساعدي

 

سعت الولايات المتحدة الأمريكية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية للهيمنة على منطقة الشرق الأوسط ووراثة النفوذ البريطاني والفرنسي الذي تجلى في اتفاقية سايكس- بيكو1916 خلال الحرب العالمية الأولى، وخلال الحرب الباردة وما بعدها كان الشرق الأوسط وكأنه منطقة نفوذ أمريكية بالرغم من بعض الاختراقات التي حققها الاتحاد السوفيتي في بعض الدول، وما بعد انهيار الاتحاد السوفييتي جاء المشروع الأمريكي للشرق الأوسط الجديد ثم الكبير (2004-2006) في عهد أوباما ليوظف تراجع النفوذ السوفييتي و لتأكيد الهيمنة الأمريكي وبناء شرق أوسط جديد تشارك في إسرائيل، إلا أن هناك مؤشرات أن هذا للمخطط آخذ بالأفول مع حرب أوكرانيا وتداعياتها وتزايد النفوذ الروسي والصيني ثم مع توقيع الاتفاق السعودي الإيراني برعاية صينية . 

ففي مقال نشرته صحيفة واشنطن بوست الأمريكية قال الكاتب ديفيد اغناتيوس أن هنري كيسنجر وزير الخارجية الأمريكية الأسبق قال له بعد توقيع الاتفاق الإيراني السعودي برعاية صينية: "إنني أرى أنه تغيير جوهري في الوضع الاستراتيجي في الشرق الأوسط." وأن الاتفاق السعودي الإيراني مؤشر على تحولات استراتيجية في الشرق الأوسط ستحوله من منطقة نفوذ أمريكي إلى شرق أوسط متعدد الأقطاب.

كلام كيسنجر ينسجم مع ما تشهده المنطقة من تحولات وأحداث وأجواء انفراجات بين دول المنطقة لتصفية الإرث الدامي لفوضى ما يسمى الربيع العربي الذي هندسته ورعته واشنطن، بدأت بمصالحات بين دول مجلس التعاون الخليجي ثم بينها وبين سوريا، أيضا تقارب وحوارات بين سوريا وتركيا وإيران، وبين تركيا ومصر وبين مصر وسوريا مع زيارة وزير الخارجية السوري لمصر، وأخيرا بدء مفاوضات برعاية عُمانية لحل الأمة اليمنية، مع حضور يتزايد للصين وروسيا في المنطقة، فهل سيشكل هذا الاتفاق نقطة فاصلة ومنعطفا في مسار الشرق الأوسط؟

عودة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين الذي تم التوصل اليه في بكين يوم الجمعة الموافق العاشر من شهر مارس بقدر ما كان مفاجئا وخصوصا بعد توقف مفاوضات سابقة في العراق وعُمان وجد ترحيبا كبيرا من دول المنطقة ومن غالبية دول العالم المعنية بمنطقة الشرق الأوسط مع تخوفات إسرائيلية وحالة ترقب وارباك من واشنطن،

الاتفاق تضمن العديد من البنود الأمنية والسياسية والاقتصادية والتي تحتاج لوقت طويل لإنجازها، ولكن مجرد التوصل للاتفاق يرهص بتحولات ويخلق رهانات في المجالات التالية:

1- التخفيف من حدة الصراعات المذهبية في المنطقة وخصوصا بين الشيعة والسنة والتي كانت توظفها واشنطن لتفتيت الدولة الوطنية وإثارة الحروب الأهلية، وخصوصا الصراعات والحروب الأهلية في اليمن وسوريا ولبنان، فغالبية صراعات المنطقة مرتبطة بالخلافات الطائفية والسياسية بين أهم دولتين في المنطقة منذ الثورة الإيرانية عام 1979.

2- ربما يؤدي لكبح جماح التطبيع الإسرائيلي مع دول المنطقة لأن جزءا من مبررات دولة الإمارات العربية والبحرين لتطبيعها هو الخوف من الخطر الإيراني.

3- تراجع الدور المهيمن لواشنطن والغرب في المنطقة ونهاية المشروع الأمريكي للشرق الأوسط الكبير الذي كانت واشنطن من خلاله تريد إعادة تشكيل المنطقة بما يسمح بدمج إسرائيل فيها.

4- تراجع نفوذ واشنطن سيؤدي لتراجع دورها في حل نزاعات الشرق الأوسط وخصوصا التسوية السياسية للقضية الفلسطينية

5- تزايد النفوذ والتواجد الصيني والروسي يبشر بشرق أوسط متعدد الأقطاب ومتوازن في علاقاته مع الأقطاب الدولية.

6- أما بالنسبة للصراع مع الكيان الصهيوني وحيث إن إيران والسعودية معارضتان للتطبيع لذا من الممكن أن يشكل الاتفاق سدا في وجه التطبيع، كما أنه من المعروف أن إيران تدعم فصائل المقاومة الفلسطينية وتمدها بالسلاح وخصوصا حركة حماس بينما تصنف السعودية الحركة بأنها تنظيم إرهابي، فنأمل أن عودة العلاقات الدبلوماسية بين الطرفين تؤدي للتخفيف من التوتر في الساحة الفلسطينية.

ومع ذلك سيكون من السابق لأوانه الجزم بأن التقارب السعودي الإيراني بوساطة صينية قادر لوحده على إحداث تغيير استراتيجي في المنطقة لأسباب متعددة:

1- الدولتان ليسنا الفاعلين الوحيدين في سياسات المنطقة وواشنطن وتل أبيب ستعملان على وضع عقبات أمام التقارب بين إيران ودول المنطقة وبين روسيا والصين من جانب ودول الخليج من جانب آخر.

2- من السابق لأوانه المراهنة على تحول استراتيجي سريع في علاقة السعودية ودول الخليج العربي مع الغرب وتوجهها نحو الصين وروسيا حيث كل دول الخليج تحتضن قواعد أمريكية وغربية وتربطها بالغرب اتفاقيات أمنية وبعضها مرتبط باتفاقيات أمنية مع الكيان الصهيوني،

3- واشنطن لن تستسلم بسهولة لأنها تعرف أن من يتحكم في منطقة الشرق الأوسط ستتعزز قدراته في التحكم والسيطرة عالميا نظرا للموقع الاستراتيجي للمنطقة وما تختزنه من ثروات.، ولذا عززت تواجدها في المنطقة بعد توقيع الاتفاق بإرسالها في أبريل الجاري الغواصة "يو إس إس فلوريدا" التي تحمل أسلحة نووية للمنطقة كتهديد غير مباشر للدول التي تعتقد أن زمن واشنطن ولى إلى غير رجعة.

4- بعض الأطراف السنية ستشعر بالقلق وتتخوف من تراجع الدعم السعودي لها وقد تلجأ الى حلفاء آخرين غير السعودية.

5- مستقبل الشرق الأوسط وفي قلبه الدول العربية ومدى قدرته على التحرر من الهيمنة الخارجية مرتبط بقدرة الدول العربية على استعادة التضامن العربي وتفعيل النظام الإقليمي العربي واستعادة سوريا للصف العربي.

6- ما ستؤول اليه الأمور في الشرق الأوسط سيتأثر بتداعيات وبنتائج الحرب بين روسيا والغرب في أوكرانيا، واحتمال اندلاع حرب عالمية سيضع منطقة الشرق الأوسط في آتون هذه الحرب ويفرض عليها استحقاقات غير محمودة.

***

د. إبراهيم ابراش

 

(كون هذا العالم أصبح سخيفًا هو عمل الفلاسفة والإنسانيين، فماذا هم فاعلون؟ ولكن إذا كان هذا يستحيل، فهو عملنا أجمعين).. المفكر الفرنسي: جيلبرت سيسبرون Gilbert Cesbron

(أعيد تشكيل الأسطورة الإنسانية عن الإنسان الخارق في قلب الأنثروبولوجيا، واتخذت المعارضة (الطبيعة / الثقافة) شكل نموذج (أو باراديغم جديد للإنسانية)، أي نموذج مفاهيمي (جديد مشوه) يسيطر على جميع خطابات الأنثروبولوجيا المعاصرة)...  إدغار مورين/مؤسس " علم الأزمات"Crisologie

الإنسانية المزيفة اليوم، أصبحت مهزلة للناظرين، وعلى العاقلين ألا يهدروا وقتهم في محاولة التفكير مع الشياطين المتلبسين في الشكل البشري، فالبشر كلهم منغمسون منذ عقود في عوالمهم " العبثية- القرمزية "، بعد أن تم غسل أدمغتهم بالكامل، فتحولت البشرية إلى مجرد صعاليك متسيبة وأشباح مترنحة!

العالم اليوم كله في حالة فوضى -إما بالتطوح والتيه أوبالحروب.! ما تبقى من البشر الحقيقيين الذين لا تزال لديهم عقول نظيرة، وأرواح صافية، يناضلون في دواخلهم ومن حولهم، من أجل رفض الوحوش التي تتلاعب بهم!

لقد استغرق الأمرلكثير من الوقت لمعرفة ذلك، لكن الحقيقة تبرز في النهاية في أذهان كل من لديهم القليل من الحس النقدي السليم والفطرة النقية!

ومهما أجلت نظراتك فيما حولك وما خلفك، فسيخاطبك عقلك بأنه لا يوجد شيء إيجابي يبدو في الأفق القريب أو البعيد، يمكن توقعه من البشرية الحالية!

السلبية الجماعية الكونية، والهيمنة الثقافية للنخبة المصطفاة للأوليغارشية العولمية القهارة، تتلاعب بمجتمعات مستهبلة ومتعادية، في سط عالم رمادي لا أمل فيه!

بالنسبة لأولئك الذين لديهم شعلة مثالية بداخلهم وما يزالون يقدسون" المثال الغربي"الذي إنهار، من السهل أن ينظروا إلى الوضع الحالي للمجتمع الغربي والعالمي ليتشبعوا بالإحباط ويفقدون الأمل.

فبات الإعتقاد بأن كل شيء أصبح متعفنًا وفاسدًا بشكل لا رجعة فيه! وتلك هي القاعدة! لأن كل شيء قد ضاع، وأن الأمر لا يستحق حتى توهم أن الوضع يمكن أن يتغير. الجماهير ضد الجماهير! والجماهير ضد النخب! والنخب تستهين وتحتقر الجماهير!الكل ضد الكل..!

الغرب الذي ضل فنار البشرية لقرون، قد أعلنها حربا على الإنسانية منذ الزمن السرمدي قبل ظهور الديانات الثلاثة، عندما فرض على البشرية أن تتبني "قيمه العليا" الوليدة لأثينا العظيمة وروما التليدة، وأرشاليم الخالدة، لخصها الغرب لنا منذ نهاية القرن التاسع عشر، حين بدأت منقباته الكولونيالية في "مسيرتها الحضارية "، في تدمير البشرية باسم " عبء الرجل الأبيض" -لجول فيري الفرنسي- من أجل تحضير الهمج!.لخصها لنا الغرب" الغروبي"-حسب تعبير مارتن هايدغر: في قواميسه المعرفية بأنها: " التقاليد (الإغريقية -الرومانية)، والقيم (الروحية المسيحية-اليهودية) "وما على كافة الثقافات والحضارات إلا أن تنزوي مذمومة ومندحرة عن الأنظار، أوأن تندثرفي الرمال وأن تبتلعها مياه المحيطات والبحار!!

الغرب المخادع والمتجبر- في أنظومته المتطورة الحالية المتمثلة في الصيغة الأطلسية -، تركت العديد من الحيارى في هذا الغرب العبثي، يعيشون في حالات الصدمة والتقزز والإشمئزاز، في بلاد"الأنوار والتنوير والرفاه والديموقراطية وحقوق الإنسان "- كقيم مهدارة، وإصطخابية كاذبة –

ولكي نبقى في اللحظات الراهنة -حتى لا نغوص في تاريخ هذا الغرب الإدعائي المهدار والمتقلب الغدار-!تتجلى لنا على الميدان، حروب تحدث اليوم، ما تزال مستمرة في سوريا، وإشتعلت منذ زمن قصيرفي أوكرانيا، وجرائم تتكرر لحاقا في الأراضي المحتلة، تمارس على فترات متقطعة، يطبق فيها العدو الغدارفي الأراضي المحتلة، لعبة" التنقيط في الري الفلاحي": "قطرة ـقطرة "، أو خطة"الجرعات التلقيحية " المقننة والمحسوبة، لكي لا يطمئن الفلسطينيون إطلاقا على حياتهم أو يركنون إلى يقينياتهم!ولكي ينبه الساسة العرب المستعصين عن التدجين، بان الصهيونية ما تزال هاهنا قائمة إلى يوم القيامة! فإما أن تُطِّبعوا بالكامل! أو نسحق في المرة تلو المرة، بضع مئات من المصلين في حرم القدس الشريف!، أو ندمر بيوتا في الضفة والخليل، ونقتل آلافا من الأبرياء في غزة!لأن البشرية جمعاء تحت قيادتهم، والمثقفون في الغرب تحت توجيهاتهم، والشعوب العربية خنوعة ومستكبشة، ومعظم حكامهم لا ينفعون لا في العيرولا في النفير!والعالم بأسره مثل الخاتم في أصبعهم يحركونه كيف ومتى يشاؤون! وسحقا للإنسانية!

وهكذا يتبين لنا داخل الأراضي المحتلة بفلسطين، الوجه الحقيقي للوحوش التي نتعامل معها في العالمين: العربي والغربي، حيث أصبح الفسطينيون هم رمز الإنسانية الحقة التي تفضح كل الأطروحات الفكرانية والفلسفات المزيفة لما يسمى ب: " الإنسانوية"Huamnisme كنظريات" إنسانوية" لعصر" النهضة الغربية" كبديل للدين ومن أجل " قيم جديدة" تطورت تطورا (سويولوجيا-دارورينيا) لتوصل البشرية إلى ما عليه الآن من خلط وخبط وتتطوح ومهاوي (وهذا جانب تفصيلي)

فأنصح الفسلطيننين بالاستعداد عقلياً وجسدياً وروحياً للحر وب الصهيونية المستمرة والمتنوعة التي لن تنتهي، وليفهم العرب اللاهون والمستغفلون، أن الحروب الغربية لن تتوقف إلى آخر إنسان واقف على الجغرافية العربية، تثبيتا لقيمه، وحفاظا وحماية لأمن ابنته الشرعية المدللة " إسرائيل! ومن سيصطلي بلظى لهيب هذه الحروب؟ الفلسطينيون!! فهل وعى المطبعون هذه المسلمة ؟ لاأظن!! .ولأن المغفلين لن يستعبوا هذه المسلمة، بل هم مولعون فقط بمتابعة أفلام "سياسة الخيال العلمي" المبثوثة على " نيتفليكس " المشبوهة!

ناتانياهو يخطط لإبادة كل الفلسطينيين، وبايدن يحلم بإبادة كل أوكراني وكل أوروبي أجل النخبة النازية-الصهيونية الحاكمة في كييف! وماكرون صبي أبناك روتشيلد يدمر بلده من الداخل ويمارس العهر السياسي لمن يدفع أكثر ويدافع عنه للحفاظ على كرسيه

والغرب لن يستسلم، بل يخطط لأشكال جديدة من الحروب المتشكلة، والتي ستكون كلها قاسية ورهيبة ووحشية، وستكون على منطقتنا. فكيف ذلك؟

-العدو الصهيوني -صنيعة الغرب) الماسوني – التلمودي – القبالي): يسيطر على معظم القرارات السيادية العربية إن في السر أو في الجهر. وأي عربي لم يكتشف هذا الأمر، فهو إما غبي مأفون؟ أومحتال أفاق أو مُطبٍّع زنيم!

-تحت ترشيد الغرب للبشرية منذ نهضته وحداثته وما بعد حداثته وما بعد كل أطروحاته لما ما قبل، ولما كل" الما بعد " الحالية والقادمة "، فإنا نعيش في عالم تغيرت فيه كل المعايير السليمة وانعكست فيه كل القيم الفطرية وانقلبت فيه كل المبادئ السامية الإنسانية ليجبرنا هذا الغرب المدلس، على قبول كل ما يعطي الوهم بالسعادة. حيث البحث عن الحقيقة صعب، والتعبير عنها ينطوي على خطر التحقيرو الاستبعا، بل وللإبادة.

فليتدكتر المتدكترون عندنا في التفلسف، وفي سائر علوم الأناسة، ما شاء لهم التدكترفي الدندنة والترطين والإقتباس!

لكن الوقائع على الأرض هي التي تشكل الحقائق، والباقي مجرد دردشة!

الحقائق المقروءة أو المكتوبة أو المسموعة هي اكاذيب اعلامية لتبرير البلطجية الغربية والترويج للتدمير بالحروب!

الكيان الصهيوني لن يتغير بالحوار، والحوار في نظر الغرب والكيان هو شِرعة الجبناء واللقطاء!

الغرب ووليده الصهيوني لا يفهمان سوى لغة القوة -وهذا ما فهمه باليقين الروس والصينيون والإيرانيون.

المطبعون العرب لن يفهموا، لأنهم لا سيادة لهم على قرارتهم، وحتى وإن تراجع بعضهم -تاكتيا وبراغماتيا- فلا يوثق بهم!- لقول عنترة العبسي:

وَمَن يِكُن عَبدَ قَومٍ لا يُخالِفُهُم*إِذا جَفوهُ وَيَستَرضي إِذا عَتَبوا!

والكلب لا يغير طريقة جلوسه أو نباحه! والكلاب لاتلد القطط! ولا القطط تلد الكلاب! والكلب كلب ولو بين الأشبال رُبٍّي! ولو أنني لست ضد الكلاب، فهم أكثر وفاء من بني البشر!

الغرب لن يُولٍّد قط السلام! ولا الصهيونية ستفهم لغة الحوار المتمدين؟

ونفس الأسباب تؤدي إلى نفس التأثيرات..

***

د. الطيب بيتي - من باريس

 

اعتاد الإعلام بكل صوره أن يتحدث عن العلاقات المصرية السودانية بشئ من الرومانسية الحالمة التى تعطى أبعاداً وردية وطموحات عظيمة نتمناها على أرض الواقع.. غير أن تلك الصورة غير مكتملة وتكمن خلفها معوقات تحول دون تحقيق هذه الصورة بشكلها المكتمل المأمول.

لا أحب الخوض فى تفاصيل تلك المشكلات لأننى أفضل التركيز على نقاط التلاقى وزوايا التفاوض وتحقيق الفرص المتاحة للطرفين من أجل الوصول لحالة لطالما عبرنا عنها بمصطلح "التكامل" بين البلدين، وهى نغمة نحب أن نعزف عليها دون أن يكون لها صدى حقيقي على الأرض بسبب المعوقات التى يعلمها الطرفان ويدركانها جيداً .. والمفترض قبل تحقيق مثل هذا التكامل المرجو أن يتم تصفير أية خلافات أو حساسيات من شأنها أن تعرقل خطوات التكامل الاقتصادى والسياسي على مختلف المستويات. 

التكامل.. تمهيد دون تنفيذ!

لا يختلف أحد سواء من الجانب السودانى أو المصري أن العلاقات بين البلدين تاريخية وعميقة ولها جذور أشد رسوخاً من الجبال. لكن على الرغم من متانة تلك العلاقات ما زلنا لم نصل لحالة التكامل المطلوبة حتى بعد أن مهدنا الأرض تماماً لها .. وهذا غريب..

منذ العام 2004 تم الاتفاق بين البلدين الشقيقين على مبدأ الحريات الأربعة : حرية التنقل والإقامة والامتلاك والتجارة. هذا المبدأ رغم أنه أثمر تدفقاً للأخوة السودانيين إلى مصر. هؤلاء الذين وجدوا فيها وطناً ثانياً لهم واستقروا بها حتى وصل عددهم اليوم إلى أكثر من 8 ملايين سودانى مقيمين إقامة دائمة فى مصر يعملون ويتاجرون ويمتلكون ويستثمرون .. بينما الهجرة العكسية من مصر إلى السودان والاستثمار التبادلى أقل كثيراً من المتوقع لأسباب كثيرة..

مصر والسودان كلتاهما عضو فى الاتفاقيات التجارية الإفريقية الكبري كاتفاقية التجارة الحرة العربية والإفريقية وتجمع الكوميسا. وخلال الفترة الأخيرة نشطت الزيارات الدبلوماسية على كل المستويات بين البلدين. فلماذا لم يتم بعد الإسراع بوتيرة المسير نحو تحقيق التكامل الاقتصادى بين البلدين حتى اليوم؟ لا يزال جدار الرواسب التاريخية يحول دون التنفيذ .. ولهذا تظل الاتفاقيات وتظل النوايا الحسنة حبيسة الأدراج تنتظر التفعيل .. وهو ما يطلبه الجانبان ويسعون إليه معاً..ولو تساءلت مستهجنا ومتعجباً من السبب الحقيقي وراء هذا اللغز سوف أجيبك: فتش عن أعداء البلدين..

الحريات الأربعة حققت مليار دولار

منذ نحو عشرين عاماً ومنذ تم الاتفاق على مبدأ الحريات الأربعة وجدت الاتفاقية نفسها أمام عراقيل بيروقراطية ودبلوماسية مما أفقدها كثيراً من فاعليتها .. وفي يونيو 2014م بعد تولي الرئيس عبد الفتاح السيسي رئاسة الجمهورية ناقش البلدان سبل تفعيل اتفاق الحريات الأربع بين البلدين وتم رفع تمثيل اللجنة المشتركة بين البلدين إلي المستوي الرئاسي لتجتمع مرة في القاهرة ومرة في الخرطوم ، وفي عام 2015م تم افتتاح أحدث المشروعات المشتركة التي تم تدشينها بين البلدين ألا وهو مشروع ميناء قسطل – أشكيت البري، ويعد الميناء بمثابة أهم بوابة مصرية تطل على إفريقيا حيث أسهم في إحداث نقلة كبيرة في حركة التجارة والاستثمار بين مصر من جانب والسودان والقارة الأفريقية من جانب آخر وذلك من خلال تنمية حركة الصادرات والواردات للبضائع والثروة الحيوانية وتنشيط حركة المسافرين .

هكذا أخيراً تم إنشاء ممر أو منفذ بري تجارى دائم تدفقت من خلاله دماء الحياة التجارية بين الشقيقتين واتسع الممر ليتحول إلى شريان يغذى البلدين وتضاعف حجم التجارة ليزيد اليوم بشقيه الرسمى والشعبي إلى ما يناهز مليار ونصف مليار دولار.. ناهيك عن الاستثمارات والأصول والشركات المصرية التى تم إنشاؤها فى قلب السودان بما يزيد عن ثلاثة مليارات دولار!

لك أن تتخيل أن مثل هذه الإنجازات الهائلة تحققت من مجرد تفعيل جزئى لمبدأ الحريات الأربعة الذى تم إهماله وإغفاله نحو عشر سنوات قبل أن يعاد تفعيله! فماذا لو تم توسيع نطاق الاتفاقيات إلى آفاق أكبر وأعمق بعد تصفية الأجواء ومنع فرص التصادم والاختلاف أو تحجيمها؟ لاشك أن الفوائد ستكون أكبر كثيراً مما نتخيل..لاسيما وأننا الآن بصدد قضية تمثل لمصر والسودان هدفاً وجودياً وهى قضية سد النهضة..

أين السودان من قضية السد؟

الخلافات التاريخية النائمة بين مصر والسودان استطاعت بعض القوى المعادية التى لا تخفى على أحد أن توقظها ثم تهيجها لتوسيع دوائر الخلاف بين أشقاء الجوار. وقد ازداد هذا الخلاف بعد أن أفصح الجانب السودانى عن موقف مخالف للموقف المصري تجاه السد..

لقد تم تضليل الجانب السودانى من البداية بإقناعه أن سد النهضة مفيد للسودان ويحقق له مصالح عدة. ولأن الدراسات الفنية المتعمقة كانت غائبة عن ذهن صانع القرار فى السودان فإن اتجاهه الأولى كان يصب فى صالح تشجيع بناء السد بلا أية تحفظات. مثل هذا الموقف المنافى لموقفنا أضعف نتائج المفاوضات مع الجانب الإثيوبى .. وحتى بعد تفاهمات واشنطن التى قربت وجهة النظر المصرية من صناع القرار فى السودان، ظل الموقف السودانى مذبذباً لا يتسم بالاستقرار. وكان واضحاً أن ثمة أطراف خارجية مؤثرة تريد فصل مصر عن السودان سياسياً وبالتالى اقتصادياً ، وهو ما يعنى انهيار كافة المجهودات التى تمت وما زالت تتم لمحاولة إحداث علاقة تكامل بين البلدين.

الانطلاق من نقطة المنتهى

ما زالت الفرصة متاحة للطرفين أن يصلا معاً إلى ما يصبوان إليه من تحقيق مصلحة مشتركة تؤدى بهما لمستوى يجعل منهما معاً قوة كبري. بدلاً من تلك التفرقة المصطنعة التى تضعفهما معاً بفعل فاعل..

القضايا المثارة كنقاط خلاف كلها قابلة للنقاش والحل. ولابد ألا يتم تجاهلها وتسويف حلها ؛ لأن فى هذا ضرر للبلدين وتأخير لقطف ثمار اتفاقيات ومجهودات تمت على مدار سنوات سابقة. خاصة و أن الجانبين يدركان حجم التحديات التى تمر بها المنطقة بأسرها والتحولات العالمية والإقليمية والتى تفرض تقارباً حتمياً لمواجهتها بشكل حاسم وقوى بدلاً من المماطلة فى حل القضايا وإغفال ما يحاك لنا من مكائد يرسمها أعداؤنا لتوسيع مدى الخلافات وتعميقها ضد مصلحة البلدين.

نستطيع أن نبدأ مما انتهينا إليه ونبنى عليه.. نحن حققنا طفرة فى التعاملات الاقتصادية والتجارية بين البلدين خلال السنوات الأخيرة. وعلينا توسعة مجال تلك المعاملات. لقد أعدنا تفعيل مبدأ الحريات الأربعة بشكل جزئى فلماذا لا نفعله بشكل كامل حتى يشمل النفع جميع فئات المجتمعين والشعبين؟ هناك فرص ما زالت متاحة وواسعة لتقوية أواصر العلاقات بين البلدين، لكننا فى حاجة ماسة لتسريع وتيرة عمليات مكافحة الضغائن وإزالة الألغام النفسية التى تركتها قوى خارجية لا تريد الخير للبلدين.

نحن نريد..هم يريدون

مصر لديها خبرات عظيمة وأيدى عاملة ماهرة متعطشة للعمل .. والسودان لديها ملايين الهكتارات من المراعى والغابات البكر بالإضافة لثروة حيوانية هائلة.. مصر تستطيع تفعيل وتوسيع مجالات التعاون والمشاركة الاقتصادية فى مجالات استثمارية عديدة مع السودان بمبادرة منها وتحت مبدأ "الربح للجميع" وأن يتم تحقيق مصلحة الجانبين. وتحت مبدأ أهم وأسبق هو تجاوز الخلافات والترفع عن جعلها عائقاً دون الوصول إلى ما نطمح إليه من أهداف مشتركة..

لم تعد العلاقات المصرية السودانية ترفاً إعلامياً نتناوله فى صحافتنا أياماً ثم ننساه ، بل صارت علاقة مصيرية استراتيجية لكلا البلدين، وعلينا تكثيف مجهوداتنا لتقوية تلك العلاقات إلى أبعد حد ممكن.

***

عبد السلام فاروق

 

وجدتها مناسبة، والعِراق يدخل عشرينه (2003-2023)، وقد أنسته الحروب والحصارات وانتهاك العابثين طعم الشَّباب، لأتصفح ما احتفظتُ به مِن صحافة لأكثر مِن أربعين عاماً، مِن صحف النِّظام ومعارضته. خرجتُ واهماً شاكاً بالقدرة على استيعاب ما جرى ويجري. كان فيها العراقي الحائر «فتارة ينزل تحت الثَّرى/ وتارة وسط السَّما يرتقي/ وتارة يبصر في مغرب/ وتارة يبصرُ في مشرق» (النُّويري، نهاية الأرب).

ليس لدينا تصور أنَّ النِّظام القادم، قبل عشرين عاماً، لا تكون له صحيفة، لكنَّ عندما أعيد صدور «المؤتمر»، قال لي نائب رئيس التَّحرير: «إنّها صحيفة النِّظام الجديد»، وما هي أيام وإذا يختفي نائب التّحرير نفسه، باختطاف واغتيال، ولا أتذكر أنّ الصَّحيفة التي بشر بها صحيفة النَّظام القادم قد رثته، وقد تحولت الصّحيفة المذكورة إلى منبر لجماعة ارتكبت الفظائع في الشّهور الأولى.

نشرت «المؤتمر»، الصَّادرة بلندن في عددها الأول بعد السُّقوط مانشيتاً: «اغتيال السَّيد الخوئي داخل ضريح الإمام علي بالنَّجف»(10/4/2003)، وفي العدد نفسه كتبتُ مقالاً: «لا تسمعوا نصيحة سُديف بن ميمون الشَّاعر». كان هذا الشَّاعر يمثل ماكينة الإعلام العباسي والعلويّ الثَّوري الجديد، سبب إبادة كلّ ما اتصل بالأمويين، حتى مَن كان ذا فضل على آل عباس، حيث بيته الانتقامي: «جّرِّد السَّيف وارفع السَّوطَ حتَّى/لا ترى فوق ظهرها أُموِيَّا»(المبرد، الكامل في اللُّغة والأدب)، لكنه قُتل بعدها بالسّيف الثَّوريّ نفسه.

كنتُ واهماً، أنَّ الانتقام ممارسة حكوميّة، ومعارضتها بريئة منها، لأنها في ذهني ستقيم الديمقراطية، الحقيقة لا الوهم، لكن مَن عدّ نفسه مظلوماً صار ظالماً. بات الانتقام وفق قوائمَ معدة قبل دخول بغداد، كلّ فصيل مختص بفئةٍ، بعد تبادل السلطة والمعارضة المواقع، على الحدود، أولئك خرجوا وهؤلاء دخلوا، ملوحين ببيت سُديف.

ردت «المؤتمر» على المعارضين للغزو، وتوقعوا ما حصل: «نحن الملاك الحقيقيون للعراق، نحن أهل العراق مِن الشَّط إلى شقلاوة، نحن أهله وأنتم الغرباء، فعن أي داخل تتحدثون» (8 يناير2001). كان هذا ردّ المعارضة، وهي لا تعرف ماذا جرى للدَّاخل، حتى دخلَ عراقيو الخارج الغرباء، ولم يبقوا مفسدةً لم يمارسوها، إلا النَّدرة النَّادرة.

ورد خبر في «المؤتمر»: التقى ثلاثة عراقيين ببوش الابن، بحضور ديك تشيني، وسألهم عن مخاوف الصِّراع؟ فأجاب مدعو المعرفة بالدَّاخل: «لا وجود لها»(17 يناير 2003). بينما بلندن كانت جماعة محتقنة طائفياً توزع «الإعلان الشّيعيّ»!

في 6 ديسمبر 2002 كتب رئيس تحرير«المؤتمر» في الأفغاني خليل زاد، عراب الفواجع: «هل يدخل خليل زاد بطون العراقيين كما دخل الغزاليّ بطون الفلاسفة»؟ فصدور المعارضة كلٌ يريد حصته مِن جثة العِراق. لا رئيس التَّحرير الفقيه ابن عربيّ(ت: 543هج) قائلها، ولا صدور المعارضة الفلاسفة، ولا خليل زاد أبو حامد. سوى أنَّ العنوان انطوى على تلميع الذَّوات.

أما صحف النِّظام، «الثَّورة» صحيفة الحزب والدّولة، فكانت في عالمٍ آخر، مانشيتها: «الرَّئيس القائد: نمارس الديمقراطيَّة في ظروف الحرب»، وعنوان دعائي «مَن يريد أن يقرأ مخطوطاً أصيلاً لتاريخ العراق المعاصر، يبتدئ بعهد اسمه صدام حسين»! العهد الذي هيأ بحملته الإيمانيَّة وصولاته، وقسوته لخراب عامٍ قادمٍ.

كان أفظع مانشيتات جريدة النِّظام الجديد، لرامسفيلد(ت: 2021): «جئنا لتحرير العراق لا احتلاله»(2/5/2003)، عبارة انتحلها مِن الجنرال مود، يوم احتلال بغداد(1917)، أيام ويعلن «الأبيض» الاحتلال رسميَّاً! والأفظع منه مانشيت: «انتهت الحرب وبدأ إعمار العراق»، وها هي العشرون، وما حملت مِن الأوزارِ، والقول لمَن لا تُطال قامته: «ضِقنا بها ضيقَ السِّجينِ بقيدهِ/ مِن فَرْطِ ما حَمَلَتْ من الأوزار/ وتَجهَّمت فيها السَّماءُ فلم تَجُدْ/ للخابطين بكوكبٍ سيَّارِ»(ذكرى أبو التِّمن 1946).

***

شيد الخيّون - كاتب عراقي

 

جريمة في قطار الأمم المتحدة السريع

المنظمات الأممية التي تُعنى بانتهاكات حقوق الإنسان في بُلدان العالم، تمتلِكُ عيون امرأة، خاصَّةً، في تقييم ما يتعرِّضُ له ابنُ آدم في العالم الثالث. رموش هذهِ الأُمميات، تعتمِدُ في درجة تسبيلِها – تقييم خطورة الانتهاكات - على شبكية عين المصالح (الجيو- استراتيجية) للخمس الكِبار في مجلس الأمن.

اللطيف، إنَّ البريطانيين اكتشفوا إنَّ عدسة عين المرأة.. ولحُسنِ حظِّ الرِجال، تحتوي مادة "مالكينيا"؛ التي تجعلهم أحلى وأكثر وسامة بخمسِ مرَّات، من حقيقتهم. تحتلُ هذه العيون، الرموش، وآلية التسبيل، أهمَّية كبيرة في دُنيا أنظمة العالم الثالث، خاصَّةً تلك التي أُجبِرت على "التَمَقْرُط"، مع بدايات القرن الحادي والعشرين، بواسطة تلقين حامِلات الطائرات، وبجنودٍ معولمين، يحمِلون جنسيات البُلدان الهدف لمشروع "التَمَقْرُط".

المنظمات الأممية، هذه، أعطتنا عيونها؛ كي نرى – والمثال هنا العراق– الفواعل اللاتاريخيين الذي سيطروا على العملية السياسية، بعد 2003م، كأنظمة سمينة محليَّاً (لديها شرعيَّة)، ورشيقة القد (تعوُّلِم اقتصاد بلادِها وتربِطُ سياساتِه بجنازير المحاور).

لجنة الاختفاء القسري، التابعة للأمم المتحدة، وفي تقريرها الأخير عن العراق، والذي صدر بعد أربعة أشهر تقريباً (صدر في 4 أبريل 2023) من زيارتها للعراق في نوفمبر 2022، قد يُشبه للوهلة الأولى، تبني سيناريو رواية (جريمة في قطار الشرق السريع)، للكاتبة أجاثا كريستي، لقتل مسؤولية الطائفيين والعرقيين الذين يقودون البلاد، بخصوص جريمة الاختفاء القسري؛ التي تُعاني منها البلاد منذُ عقود، لكن رغم ذلك، فإنَّ تقاريرها ومتابعتِها الحقيقية – تقييمي الشخصي - فضحت تفوَّق النِظام العراقي، المولود أمريكياً بعد 2003، على ما سبقه، وفضحت الشروط اللاإنسانية التي تعيشُها البلاد.

حبكة السيناريو

اللجنة الأممية أقرَّت في عدَّةِ تقاريرٍ لها – ملاحظات ختامية وتوصيات – بأنَّ جريمة الاختفاء القسري، والتي تُمارس منذُ عقودٍ في العراق، بلغ العدد التقديري لضحاياها ما بين (250.000- 1.000.000)، تحديداً، من 1968-2023م، حيثُ شهدت خمسة موجات من الاختفاء القسري.

هذا التقدير ذو الفرق الشاسع، مُثير للجدل – ألطف تعبير – ويشبهُ مونولوج شخصية (المحقق بوارو)، الشهيرة، في رواية (جريمة في قطار الشرق السريع)، قبل اكتشافِه أن جميع الراكبين (اثنا عشر شخصاً)، اقدموا على قتل الرجل الثالث عشر قتلة واحدة!

لن نثمل بالحيرة طويلاً، إذا ما علمنا إنَّ الأحزاب الإسلامية (الشيعية متمثلة بحزب الدعوة) والأحزاب العرقية (الكردية متمثلة بحزب الاتحاد والديموقراطي الكردستانيين)، استخدمت الضحايا السياسيين.. مثلاً المنتمين للحزب الشيوعي العراقي – لم تُذكر أعدادهم في تقارير اللجنة الأممية - كي تحصل على حصَّة (290 ألف) ضحيَّة من عدد (المليون).

المفارقة – العراقيون الأكراد كمثال – رضوا بحصَّة عشرة في المائة، من موازنة ضحايا جريمة الاختفاء القسري في العراق (المليون)! رغم إنَّ الجميع يعرف بأن النُخبة العراقية الكردية – السياسية تحديداً – كانت في قتالٍ مستمر مع الدولة العراقية، منذُ ستينيات القرن الماضي! وبالتالي فنحنُ أمام أرقام تُنقل من يمين الماضي إلى شِمال الحاضر السياسي.

الهدف الأساس للعراق الأطلسي، هو تعويم جريمة الاختفاء القسري، والتي هي جريمة ضد الإنسانية، في بلادٍ، يُجرى تزوير تاريخها وفبركة حقائقها بكثافة بعد 2003م. أمّا حزب الدعوة والذي ربط نفسه بالحزب الشيوعي، فقد حصل على ( 190 ألفاً) من الضحايا(المليون)، وهذا لا يتناسب مُطلقاً مع طبيعة الحزب الانتقائية، ولا مع عدد كوادره العاملة لا الحالِمة في تلك الفترة الزمنية!

ذكر هذه الأحزاب الثلاث؛ التي تقع ضمن النِطاق (الشيعي – الكردي) ليس اعتباطياً، فهذا الثلاثي، يمتلِكُ جماعات ضغط في عاصمة القرار العراقي (واشنطن)، ومن أهم ركائز العراق الأمريكي ذو القرنين الإيرانيين، بعد 2003.

العراق الأطلسي رغم كُلِّ ما تقدَّم، ما زالت في رقبته (750 ألفاً)، مطروحاً منها ضحايا "داعش" الإرهابي.. اقصد تحديداً أولئك الذين وقعوا تحت مقصلة جريمة الاختفاء القسري، أغلبُهُم عراقيون من الديانة: الإيزيدية، المسيحية، لكن النسبة الأكبر كانت لأتباع الديانة الإسلامية ومذاهبها، خاصَّةً العرب.

الأمريكان والبريطانيون كانت حصَّتهم من جرائم الاختفاء القسري (96 ألفاً)، رغم إنَّ تقرير اللجنة بيَّن بأنَّ هذه الجرائم كانت مؤقتة! إذ حوِّلت ملفات المعتقلين في النهاية، من قوَّات الاحتلال إلى الجهات العراقية.

بقيةُ ضحايا الـ (750 ألفاً)، تعرضوا لجريمة الاختفاء القسري، على يدِ الميليشيات العراقية (المؤمنة بعقيدة ولاية الفقيه الإيرانية)، والتي هرَّبت نفسها إلى مؤسسات الجيش، الأمن، والشرطة، تحت يافطة "الحشد الشعبي". اللجنة اعترفت بأن سيطرة القائد العام للقوات المُسلَّحة على هذه اليافِطة شكلية، وهي تتبع رؤساء، رجال دين، وشخصيات أُخرى، صعب جدّاً حصرُ انتماءاتِها، العابِرة للفضاء العراقي.

اللجنة الأُممية، أشَّرت بشاعة استمرار عمل النظام السياسي، بعد 2003م، بالمادة (40) من قانون العقوبات العراقي. لا تُحمِّلُ هذه المادة، مسؤولية جنائية على الرؤساء؛ الذين قد يكونوا هم من أعطوا الأوامر لمرؤوسيهم، بارتكاب جريمة الاختفاء القسري، رغم إنَّ ذلك طُبِّق عند محاكمة رئيس النظام العراقي السابق ومسؤوليه الكِبار!

اللطيف المبكي، إنَّ الأُممية أفصحت، وفي معظم ملاحظاتها وتوصياتها، إنَّ المسؤولين الحكوميين والميليشيات، كانت لهم حصَّة الأسد، من جرائم الاختفاء القسري في عراق ما بعد 2003! وهذا الأسد وجد في العراقيين العرب "السنة" منهم وجبةً شهية!

عقدة السيناريو: ليلى والذئب

الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري، دخلت حيَّز التنفيذ الأممي بتاريخ 23 ديسمبر 2010 – أرجو التفكير ملياً بما قبل هذا التاريخ وما بعده بفترة قصيرة من أحداث – تألَّفت من (45) خمسة وأربعين فقرة. النظام العراقي، صادق على الاتفاقية بتاريخ 12 ديسمبر 2010.

مصادقة النظام العراقي وفي عهد حكومة السيد المالكي، لم يكُن اعتباطياً. في سنة 2011 وبعد انسحاب القوات الأمريكية، بدأت تصفية القيادات العراقية "السنية"، ذات الرنين العالي. طارق الهاشمي، نائب رئيس الجمهورية الأسبق، كان أبرزهم. أيضاً لم يبدأ النظام العراقي بتقديم تقاريره، للجنة الأممية المعنية بالاختفاء القسري، إلَّا سنة 2014م، وكان من المفترض أن يُقدِّم تقريره الأول سنة 2012م.

كُل التقارير التي صدرت من اللجنة الأُممية( ملاحظات ختامية، توصيات، مراجعات) بعد ذلك، بُنيت على تقرير 2014 و2019 اللذين قدَّمها الجانب العراقي. لم يقبل النظام، طلب زيارة اللجنة (طالبت بالزيارة في نوفمبر 2015) للبلاد، إلَّا في 15 نوفمبر 2021، وقامت اللجنة بالزيارة بين 12-25 نوفمبر 2022.

قبول طلب اللجنة بزيارة البلاد، جاء بعد مرور سنتين من التنكيل بثورة تشرين؛ التي بدأت في أكتوبر 2019، وقامت اللجنة بالزيارة، بعد استلام محمد شياع السوداني، رئاسة الحكومة العراقية، المدعوم من "الإطار التنسيقي"؛ الذي تجيد أغلب مكوِّناته التغريد الإيراني. اللجنة بيَّنت بأنها لم تستطع الوصول، إلَّا إلى المناطق التي وفِّر لها الأمن عراقياً.

لم يكُن مفاجئاً أن تحتل الانتهاكات؛ التي قامت بها الحكومات العراقية السابقة، والميلشيات التي دعمت حكومة السيد السوداني، فيما يخص ثورة تشرين 2019، سوى جزء صغير، يبدو مكتوباً على عُجالة؛ فالمنظمات العراقية التي تصِل إلى الأمم المتحدة، والتي تُعنى بشأن حقوق الإنسان في العراق، كثيرٌ منها مستقطب طائفياً، وثورة تشرين لم تكُن نقيَّة طائفياً بما فيه الكفاية، بل عراقيَّة جدّاً!

اللجنة اعترفت بأنَّ العراق يحتل المرتبة الأولى في الإجراءات العاجلة؛ التي تطلبها اللجنة، من أي بلدٍ منضم إلى الاتفاقية الدولية بخصوص الاختفاء القسري. العراق لم يُجِب إلَّا على 275 طلباً عاجلاً من مجموع 492.

الأُممية، مرَّت مرور الكرام أيضاً، على الانتهاكات التي تقوم بها حكومة كردستان العراق. لم تتطرق لا من بعيد ولا من قريب مثلاً إلى: اعتقالات الصحافيين، قتل الصحافيين، وتهجير العرب من المناطق المحيطة بكركوك، ومحاولتها "تكريد" المناطق المختلف عليها إدارياً، والتي تُسميها الأدبيات العراقية الكردية، ذات الطابع السياسي بـ "المناطق المُتنازع عليها".

حل السيناريو: أنت الخصمُ والحكمُ

اعترف أعضاء اللجنة الأُممية، بأنهم لا يمتلِكون أي قوَّة لفرض أيَّة إجراءات على الحكومة العراقية، وأن كُل ما يستطيعون القيام به هو تقديم التوصيات، وتقديم التقارير إلى الأمم المتحدة. أمّا بالنسبة إلى نشر الثقافة حول كيفية مكافحة الاختفاء القسري؛ فقد رأى بعض أعضاء اللجنة، إنَّ هذه المسؤولية تقع على الجانب العراقي.. المثقفون، الصحافيون، منظمات المجتمع المدني المُختصَّة وغيرهم، بشكلٍ خاص.

ما لا تعلمهُ تلك اللجنة، إنَّ بعضاً ليس بالقليل من تلك الكيانات – لا توجد إحصاءات دقيقة – التي تُعنى بهكذا مسائل، هم أقارب من الدرجة الأولى، لأفراد الطبقة السياسية التي تحكم البلاد.. أي أودع القطة شحما! كما إن بعضاً غيرهم – شخصيات وكيانات - يستخدمون الحديث عن جريمة الاختفاء القسري، لأغراض الوجاهة، ولتسمين أنفسهم قبل بيعها، إلى السُلطات الرسمية للفواعل اللاتاريخيين؛ الذين يحكمون البلاد الآن، ولبعض الدول الإقليمية والعالمية، والحمد لله لا توجد دولة في العالم لا تمتلك بيادق عراقية!

اللجنة أقرَّت في تقريرها 2023م، بأن العراق ما زال يُماطل لحدِّ هذه اللحظة، في إدخال تعريف صريح لجريمة الاختفاء القسري، في تشريعاته. الأُممية، وكشفت في 2023، وحتّى في تقاريرها السابقة، فضيحة مدوَّية: إنَّ الكثير من بنود الاتفاقية الدولية بخصوص الاختفاء القسري، مُعطَّل تطبيقها في العراق، وأن الكثير من قوانينه لا تتماشى مع الاتفاقية.

باختصار، اللجنة الأممية، أرضت الجميع في تقاريرها: النظام السياسي، النظام الدولي، الطوائف لا الشعب العراقي. كُل هؤلاء سيجدون تبريراً لتبادل الكره بينهم، ونسيان النظام!

اللجنة الأُممية، انجزت الكثير رغم ما تقدم. مثلاً، أجبرت الحكومة العراقية على الاعتراف، بوجود أماكن احتجاز سرية في مناطق مثل مدينة "جرف الصخر"، والتي بيَّنت الحكومة العراقية إنّها لم تعُد كذلك! والمساهمة بتحفيز العراق، لتخصيص تعويضات لعوائل ضحايا الاختفاء القسري، بدءً من ميزانية 2021. مخصصات التعويض في ميزانية (2023، 2024، 2025)، يُجرى التقاتُل السياسي عليها الآن.

الأهم مما تقدم إنَّ اللجنة الأممية، نزعت ورقة التين عن القوانين العراقية: "خلقت نظاماً شديد التجزئة والتشتت مع تفويضات وإجراءات متداخلة ولا ينص أي من هذه القوانين أو التعليمات على تعريف للاختفاء القسري. وهنا نتحدث عن ثلاثين تشريعاً عراقياً من الدستور إلى القوانين والتعليمات، تعاطى مع مسألة الخطف والتعذيب والاحتجاز".

أدانت أيضاً ما وصفته بـ "الصمت المعياري" للقوانين العراقية الذي: "يغذي الخلط بين المفاهيم وبالتالي يمنع التحديد الواضح لنطاق الجريمة ومسؤولية الدولة. وبذلك فإن العمل على مكافحة جريمة غير موجودة في الإطار القانوني الوطني هو في الواقع وهم".

***

مسار عبد المحسن راضي

كاتب، صحافي، وباحث عراقي

 

بعد عشرين عامًا العنوان يتكرّر

عشرون عامًا مرّت على غزو الولايات المتّحدة الأمريكيّة وحلفائها الغربيّين والمتخادمين العرب معها، للعراق، (آذار/ مارس- نيسان/ ابريل 2003) واحتلاله وتدمير دولته تحت حجج وذرائع ثبت خداعها وتضليلها للرأي العام العالمي والمحلّي منذ بدايتها، وفضح جوهر السياسات الإمبرياليّة ومشاريع التخريب والهيمنة والاستغلال وكي الوعي، و"كسب القلوب والعقول" وخطط "الصدمة والرعب". وهذه متناقضاتٌ فضحتها الوقائع والكوارث التي مارستها إدارة الاحتلال في العراق.

كان من بين الكتب المهمّة التي تناولت الحربُ على العراق كتاب "الحرب الخفيّة" الذي كتبته الأستاذة جوي غوردن، أستاذة الأخلاق الاجتماعيّة في قسم الفلسفة وكلية القانون في جامعة لويولا - شيكاغو في الولايات المتّحدة الأمريكيّة. والعنوان الفرعي له: أمريكا والعقوبات على العراق، وتضمنت محتوياته ما يكشف خطط تدمير العراق، من خلال العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة الأمريكية والمتخادمين معها، غربيًّا وعربيًّا، وما تولّد منها وعنها من تداعياتٍ وآثارٍ كارثيّة.

صدر الكتابُ باثني عشر فصلًا، وبثلاثمائة وواحد وخمسين صفحةً من القطع الكبير، وبحروف صغيرة. وكتب الناشر على غلافه الأخير: “هذا الكتاب، كانت العقوبات الاقتصاديّة المفروضة على العراق منذ عام 1990 إلى عام 2003 هي الأكثر شمولًا وتدميرًا من أيّة عقوباتٍ أخرى، وضعت باسم الحوكمة الدوليّة، فقد أدّت تلك العقوبات، التي ترافقتْ مع حملةٍ عسكريّةٍ ضدّ العراق عام 1991 انتهت بغزوه عام 2003 إلى انهيار البنية التحتيّة للعراق، ومختلف المقوّمات الأساسيّة اللازمة لاستدامة الحياة فيه.

بحث الكتاب في إدانةٍ واضحةٍ للسياسة الأمريكيّة في الدور الرئيسيّ الذي أدّته الولايات المتّحدة في صوغ تلك العقوبات على العراق، التي أسفرت عن وضع قيودٍ صارمةٍ على الواردات العراقيّة حتّى لأبسط السلع الحيويّة، من أنابيب المياه إلى منظفات الغسيل إلى لقاحات الاطفال، بذريعة "الاستخدام المزدوج" لهذه السلع وإمكان إفادة العراق منها لتصنيع "أسلحة الدمار الشامل". وقد شرح الكتاب بالتفصيل، استنادًا إلى الآلاف من وثائق الأمم المتحدة الداخلية، ومحاضر الاجتماعات المغلقة فيها (التي أتاحت المؤلفة النفاذ إليها عبر الرابط www.invisiblewar.net) فضلًا عن مقابلاتٍ مع دبلوماسيين أمريكيين وأجانب، كيف أن الولايات المتّحدة لم تكتفِ بمنع وصول السلع الإنسانيّة الحيويّة إلى العراق فحسب، بل قوّضت من جانبٍ واحدٍ أيّ محاولاتٍ للإصلاح، عبرَ تجاوزِ مفتّشي الأسلحة التابعين للأمم المتّحدة، والتلاعب بالأصوات في مجلس الأمن؛ بهدف الاستمرار في العدوان على العراق الذي انتهى بتدمير كلّ مقوّماته المؤسسيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة، العسكريّة والمدنيّة على السواء". (من مقالٍ للكاتب في قراءته للكتاب نشر في العديد من المواقع الالكترونية، يراجع عبر محرك بحث).

واجه الشعب العراقي، خلال العقدين من سنوات الاحتلال المريرة، أنواع سياسات الاحتلال القمعيّة والاستغلاليّة والإرهابيّة والتعسفيّة، وعانى من صنوف انتهاكات الحقوق والالتزامات القانونيّة والأخلاقيّة، ولم تنته الأزماتُ التي ولّدها في العراق، كما يتبيّن من الوقائع اليوميّة الجارية على الأرض. فالعراق البلد الثري بكلّ الخيرات البشريّة والماديّة يعاني من شحٍّ وانحسارٍ بكل ما لديه، بل وازدادت مشاكله وإشكاليات الإصلاح والتغيير فيه إلى درجاتٍ وضعته التقارير الدولية في مستويات لا يحسد عليها على جميع الأصعدة، ما يعكس طبيعة سياسات الاحتلال وصعوبات سنواته العجاف. وحتى الآن وبعد التنفيذ الرسمي لاتفاقية انسحاب قوات الاحتلال الأمريكي العسكرية، نهاية عام 2011، ومثلها القوات التي شاركتها الجريمة في انسحابها الكامل من أرض العراق والتقاسم مع الإدارة الأمريكيّة بالفتات التي تتكرم بها من خيرات العراق الطبيعيّة، تحوّل الهمّ الأمريكي، خاصّةً من خلال زيارات مسؤولين أمريكان، علنية أو سرية، وإجراء لقاءاتٍ بالمسؤولين العراقيين، تتلخّص بالعمل على البحث عن وسائل خداعٍ أخرى، تستر الفضائح السابقة، وتجدّد مشاريع الإدارة الأولى وخططها التي على ضوئها أقدمت بحماقات وجرائم الاحتلال العسكري المباشر وتدمير الدولة العراقية، وإعادة انتشار لوحدات عسكرية وقواعد عسكرية وتدخلات مباشرة، من خلال أكبر سفارة في المنطقة، مساحة وبناء وعديدًا من العاملين فيها، أجهزةً وأدوارًا، بكلّ الشؤون السياسيّة والأمنيّة والاقتصاديّة في العراق والمنطقة عمومًا.

والأبرز الذي أظهرته سياسات الاحتلال في العراق خلال سنواته هو تكريس نهج المحاصصة الطائفية الدينية والإثنية، وصناعة الأزمات المحلية بين القيادات السياسية وتجمعاتها الحزبيّة، وإشاعة التقاسم الإثني والطائفي في المجتمع وتفشّي الفساد والإفساد في الإدارة والحكم وزرع ألغام مؤقتة في العملية السياسية التي أدارتها وأشرفت عليها وما زالت تواصل سيرها في إطار بنائها السياسي وصناعة قاعدتها الاجتماعية التي تدير شؤون البلاد والعباد.

بعد عشرين عامًا من الاحتلال رفعت الإدارتين، الأمريكية والبريطانية، السرية عن وثائق لهما، أكدتا اعترافات للعديد من مسؤوليهما بجرائمهما التي ارتكبتاها في قراراتهما وخداعهما ومشاريعهما وأعمالهما المباشرة.

نشر الجيش الأمريكي دراسةً من ألف صفحةٍ تناقش تاريخه العسكريّ في العراق، متضمّنةً مئات الوثائق التي رُفعت السرية عنها، محمّلة القوات التي غزت العراق ارتكاب "أخطاء فادحة"، كما أطلق عليها وليس جرائم حرب ضد الإنسانية، كما هي في الواقع والقانون والاعراف.

استخلصت الدراسة التي تم نشرها عام 2019 الدروس من العثرات العسكرية العديدة خلال غزو العراق، الذي استمر 8 سنوات؛ بين عامي 2003 و2011، كما بررت، ووسعت الاتهام إلى الحكومة العراقية والمتخادمين معها لارتكابها أخطاء (!) أدّت إلى تفاقم الانقسامات الطائفية، وتسبّبت بعودة العنف للبلاد، مؤكدة أن الحرب التي بدأت عام 2003 لم تنتهِ بعد، متهربةً من دورها وخططها في تكريس أو إنتاج هذه الظواهر والحالات والأزمات.

أشارت الدراسةُ إلى أنّ "الخطط العسكرية لم تكن تتوقع اتخاذ قرار سحب جميع القوات الأمريكيّة في خريف 2011، بل استندت إلى افتراضاتٍ خاطئةٍ مفادها أنّ وزارة الخارجية ستدعم جهود التدريب، في حين أن الجهود المبذولة لتدريب الجيش العراقي لم تكن كافية". وجاء في الدراسة أنّها لا تُلقي باللوم الكامل على الأخطاء العسكرية أو السياسية، بل كذلك على ما عدّته "قلّة وعي لدى قادة الجيش الأمريكي حول الديناميكيات الطائفية والاجتماعية والسياسية في البلاد، التي غذّت الكثير من أعمال العنف". وحمّلت الدراسة واشنطن تبنّيها تفسيراتٍ خاطئةً عن مستويات العنف وعدم الوعي في تأمين الاستقرار مع تراجع أعداد قواتها؛ الأمرُ الذي أدّى إلى فشل قادة جيشها في تحقيق الأهداف الاستراتيجيّة مع مرور الوقت؛ بسبب القرارات التي اتُّخذت بالتوافق.

فضحت هذه الدراسة خطط إدارة الاحتلال واعترفت بالجرائم التي ارتكبت وستبقى وثيقة إدانة للاحتلال وبرهانًا عليه، بالمعنى القانوني والاخلاقي، رغم محاولات التهرب من الإدانة المباشرة وإقرار الارتكاب، ومثل هذه الجرائم لا تنتهي بالتقادم، ولا بدّ من يومٍ للمحاكمة والعدالة الإنسانية.

أما الإدارة البريطانية، الحليف الشريك، فقد كشفت وثائق رفعت السرية عنها، (شباط/ فبراير (2023) تأكيد معرفتها بعدم صحة مزاعم امتلاك العراق أسلحة دمار شامل أو صواريخ بعيدة المدى قبل الغزو بعامين على الأقل. إذ فضحت الوثائق كذبة رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير، وأشارت إلى علمه بخلو العراق من أي قدرات لامتلاك أسلحة محظورة، وفقًا لقرارات الأمم المتحدة، وبطلان ذريعته بالمشاركة في الغزو والاحتلال، وفضح ادعاءاته بالأسلحة والخداع بها.

ذكرت قناة "بي بي سي" البريطانية أنه "بعد انتهاء الحرب، التي أدت إلى تدمير العراق ونزوح ملايين العراقيين وإسقاط نظام صدام حسين، تبين أن ادعاءات وجود أسلحة دمار شامل لدى النظام بلا أساس".

من جهتها أدانت لجنة تشيلكوت، في تموز/ يوليو 2016، التي شكلتها الحكومة البريطانية، الدور الذي لعبته بريطانيا في الحرب (!)، و(العدوان السافر والارتكابات الإجرامية!)، وكتبت بالتفصيل، في تقرير مطول، عن المعلومات الاستخبارية الخاطئة والأسس القانونية المشكوك فيها التي استندت بريطانيا إليها في غزو العراق، ورفعت إلى الرفوف أو أخفيت رغم كل محاولات التستر أو الدوران على الوقائع الكارثية.

بينما استمر توني بلير رئيس الوزراء البريطاني – آنذاك - في الدفاع بقوّةٍ عن المشاركة في غزو العراق، لكنّه أمام اللجنة والإعلام عبر عن "شعوره بقدر من الأسى والندم والاعتذار أكثر مما يمكن تصوره عن الأخطاء التي ارتكبت في الإعداد لحرب تسببت في حدوث شرخ عميق في المجتمع البريطاني". محاولًا التملص من مسؤولياته القانونية والأخلاقية ومهماته وتحمله نتائجها وتداعياتها، ليس عن المجتمع البريطاني وحده، وإنما عن الشعب العراقي، وما سببه له وما حصل جراء مشاركته واندفاعه في الغزو والاحتلال.

كما أظهرت الوثائق اعتراف الحكومة البريطانية عام 2001، بفعالية العقوبات العسكرية والتسليحية والتكنولوجية في سياق مراجعة أجرتها إدارة بلير للسياسة الأمريكية البريطانية بشأن العراق، وارادت بريطانيا عرض سياسة جديدة أسمتها "عقد مع الشعب العراقي" على أركان إدارة بوش، تستهدف استعادة المساندة، خاصة من دول وشعوب المنطقة العربية، للسياسة الأمريكية البريطانية في التعامل مع العراق. وحتى هذا الذي ورد في الوثائق لم تنفذه إدارة الاحتلال البريطانية وظلت ذيلا تابعا لسياسات البنتاغون وداعميه من اللوبيات المعروفة.

وكنت قد تتبعت كل ذلك في أربعة كتب صدرت لي. وورد في الغلاف الأخير للكتاب الرابع الذي كان بعنوان: العراق.. صراع الإرادات، عن دار التكوين، دمشق عام 2009، هذا هو الكتاب الرابع في تسلسله، فقد سبقته ثلاثة كتب، هي: لا للحرب، خطط الغزو من أجل النفط والإمبراطورية، صدر عن دار نينوى، دمشق 2004، ولا للاحتلال، إسقاط التمثال وسقوط المثال، عن دار التكوين، دمشق 2005، واشنطن - لندن: احتلال بغداد، عن دار التكوين، دمشق 2007، ضم كل كتاب ما نشره الكاتب من مقالات في صحف ومواقع عربية، في فترةٍ زمنيّةٍ مؤرّخة، وعبر في كل ما كتب كما سجل في مقدمة الكتاب الأول عن مواقف من خطط الغزو والاحتلال، وعن آراء فيما تعرض له الشعب العراقي الكريم والوطن الحبيب من عدوان سافر وجريمة حرب مستمرة وهذه المجموعة من المقالات استمرار لسابقاتها، زمنًّيا، مواصلًا فيها ما عدّه موقفًا واضحًا من العدوان والغزو والاحتلال ودعوة متواصلة لتأسيس مرصد مراقب ومحذر من الكوارث التي حلت في العراق وأفغانستان وفلسطين ولبنان و السودان والصومال وتتجه بأخطبوطها لغيرها على امتداد منابع النفط والثروات الأخرى، وقراءة لما جرى وما يمكن الاستفادة منه من عبر ودروس التجارب والأحداث ومطالبة دائمًا بحقوق الشعب ومثله وثرواته البشرية والمادية.

ما زالت انشغالات الوضع العراقي الداخلي ومظاهر الأزمات فيه وتمددها على مختلف الأصعدة، راهنة أو متموجة، بعد عشرين عامًا من الاحتلال، من جهة، وتعكس كل يوم أزمة الاحتلال وسياساته وتطبيقاتها على الأرض من جهة أخرى. وهو الأمر الذي يوضح الفوضى الخلاقة التي أرادها المحافظون الجدد في العراق والمنطقة وتبناها من خلفهم وأدار بعدهم ما يحصل في العراق اليوم. التحديات التي عبرت عنها إدارة الاحتلال ولم تضع لها حلولًا تناسبها ويخفف عن الشعب العراقي ما وضعته سياساتها الدموية، تنشرها تقارير المنظمات الدولية وتكشف فيها صورًا أخرى، أكثر واقعية وأوسع أثرًا، وتفضح ما تحاول الإدارة الأمريكيّة والمتخادمين معها، التستّر عليه والتخطيط لاستثماره للعناوين الجديدة التي تطرح للعراق الجديد!

بعد عشرين عامًا من الاحتلال الأمريكي للعراق، العنوان يتكرّر، بصيغ أخرى أو أساليب تصب في خدمته، رغم كلّ التوتّرات والارتباطات الإقليميّة والدوليّة، ورغم تصاعد الأزمات وتنوّعها، ما زالت المطامع الإمبرياليّة موجودة في موقع العراق الاستراتيجي وثرواته المنوّعة وأمن المنطقة واستقرارها، والصراع عليها وحولها، وهو ما يجب إدراكه بوعي للسنوات القادمة.

***

د. كاظم الموسوي

 

على مدى السنوات الثماني الماضية، كانت قضية اتفاقية مينسك 1و 2، موضوع نقاش حاد، وتساؤلات عديدة، من وقعها ولماذا؟ ومن التزم ببنودها ومن خالفها؟ في ظل التطورات الحالية على الأرض الأوكرانية، هل ستكون هناك اتفاقية جديدة تحمل اسم " مينسك 3"؟ وقبل الاجابة على هذه التساؤلات، يجب ان نعرف أهم البنود التي تضمنتها اتفاقية مينسك، التي عبر عنها الرئيس الاوكراني السابق بيترو بوروشينكو بانها كانت فرصة منحت أوكرانيا لنفسها ثماني سنوات، استعادت فيها النمو الاقتصادي وبناء قوة لقواتها المسلحة لكي تصبح أقوى، وان تطورات القتال الدائر حول دبالتسيف في عام 2015، كان بإمكان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن ينتصر بسهولة في ذلك الوقت، وكان الوقت لايسمح لدول الناتو فعل كل ما يفعلونه الآن لمساعدة أوكرانيا، وبالتالي فقد حصلت أوكرانيا عبر هذه الاتفاقية على وقتًا ثمينًا.

التوقيع على اتفاقيات مينسك من قبل مجموعة الاتصال الثلاثية بشأن تسوية الوضع في دونباس، كانت تضم ممثلين عن أوكرانيا وروسيا ومنظمة الأمن والتعاون في أوروبا، ونيابة عن منظمة الأمن والتعاون في أوروبا، تم التوقيع على الاتفاقية من قبل الممثلة الخاصة لرئيس المنظمة لأوكرانيا، هايدي تاغليافيني، من جانب أوكرانيا، ومن قبل الرئيس الثاني للبلاد، ليونيد كوتشما، ومن جانب روسيا، بقلم السفير ميخائيل زورابوف، وتم التوقيع على الوثائق أيضًا من قبل رئيس جمهورية دونيتسك الديمقراطية، ألكسندر زاخارتشينكو، ورئيس LPR، إيغور بلوتنيتسكي، وفي 5 و 19 سبتمبر 2014، تم التوقيع على بروتوكول ومذكرة، وكانت هذه أولى الوثائق،في حين تم التوقيع في 12 فبراير 2015، على مجموعة إجراءات من 13 نقطة لتنفيذ اتفاقيات مينسك ("مينسك -2") ؛ بشكل عام، تزامنت مع اتفاقيات سبتمبر.

وتم تبني "مينسك -2" بعد القتال بين مليشيات جمهورية دونيتسك الديمقراطية الشعبية و LPR مع الجيش الأوكراني، والتي انتهت باحتلال الميليشيات لمنطقة دبالتسيف، ثم استضافت مينسك اجتماعا في شكل نورماندي (بمشاركة قادة روسيا وأوكرانيا وفرنسا وألمانيا، فلاديمير بوتين، وبترو بوروشينكو، وفرانسوا هولاند وأنجيلا ميركل)، وتم التوقيع على الوثيقة من قبل مجموعة الاتصال نفسها، وأيدها قادة الدول الأربع بإعلانهم، وتعهد الطرفان بوقف إطلاق النار وسحب مفارزهما من خط التماس، وحظر وجود أسلحة ثقيلة في منطقة المنطقة العازلة بشكل صارم، وكان من المفترض أن تستغرق أنظمة "إعصار" و "سميرش" و "بوينت" 70 كم، وكان من المفترض أن يقوم مراقبو منظمة الأمن والتعاون في أوروبا بمراقبة تنفيذ هذه القواعد، بالإضافة إلى تبادل الأسرى على أساس مبدأ "الكل للجميع"، وكان الأمر يتعلق أيضًا بالعفو عن المشاركين في الاشتباكات، وإعادة العلاقات الاقتصادية.

كما كان من المفترض أن يتبنى الجانب الأوكراني، قانون الوضع الخاص لمناطق معينة في منطقتي دونيتسك ولوغانسك وإجراء انتخابات محلية هناك، مع مراعاة موقف ممثلي جمهورية دونيتسك الديمقراطية و LPR، وفي اليوم التالي للانتخابات، كان من المفترض أن تسيطر أوكرانيا بشكل كامل على حدود الدولة، وكان الشرط الآخر هو تنفيذ الإصلاح في أوكرانيا، والذي تضمن إدخال مفهوم اللامركزية في دستور البلاد، مع مراعاة خصائص "مناطق معينة في منطقتي دونيتسك ولوغانسك").

وفي الواقع، ولمدة سبع سنوات، وبعد مفاوضات طويلة، نجح الطرفان فقط في تحقيق تبادل الأشخاص المحتجزين قسراً (في الواقع، سجناء)، واتهمت دونيتسك و LPR، وكذلك وزارة الخارجية الروسية، مرارًا وتكرارًا، كييف بالاحتلال غير القانوني للمستوطنات في المنطقة العازلة وظهور معدات ثقيلة هناك، ولم يتم العفو عن المشاركين في أحداث 2014-2015، وعلى الرغم من أن البرلمان الأوكراني اعتمد قانونًا بشأن الوضع الخاص لدونباس في عام 2015، فقد ربط دخوله حيز التنفيذ بإجراء الانتخابات المحلية، في الوقت نفسه، أصرت كييف على أنه يجب عليهم أولاً، استعادة السيطرة على الحدود، وبعد ذلك فقط إجراء الانتخابات، وهو ما اختلفت عليه موسكو بشكل قاطع .

وفي عام 2019، تبنى أعضاء مجموعة الاتصال ما يسمى بصيغة شتاينماير (التي سميت على اسم مؤلفها، وزير الخارجية الألماني فرانك شتاينماير)، والتي بموجبها دخل قانون الوضع الخاص حيز التنفيذ، بعد الاعتراف بالانتخابات المحلية في منطقتي دونيتسك ولوغانسك، وفقًا لمعايير OSCE ذات الصلة، إضافة إلى ذلك، كان من المفترض أن تنسحب من جديد التشكيلات المسلحة إلى مواقعها السابقة، وتسبب اعتماد هذا التعديل في عدم الرضا عن المعارضة في كييف، وفشل الطرفان في الاتفاق على إجراءات إجراء الانتخابات، وفي نهاية فبراير 2022، اعترفت موسكو باستقلال جمهورية دونيتسك و LNR، ثم صرح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن اتفاقيات مينسك لم تعد قائمة، وأشار إلى أن الاتفاقات "قُتلت" حتى قبل الاعتراف بالجمهوريات الشعبية - بسبب عدم رغبة سلطات كييف في تنفيذها، وفي 24 فبراير، شنت روسيا عملية عسكرية خاصة في أوكرانيا "لنزع السلاح "، وفي نهاية سبتمبر، أجريت استفتاءات في جمهورية دونيتسك و LPR، وأصبحت جزءًا من روسيا.

وفي 7 كانون الأول (ديسمبر)، نشرت صحيفة " تسايت " مقابلة مع المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل، وصفت اتفاقيات مينسك بأنها محاولة لمنح أوكرانيا الوقت، وأوكرانيا أيضًا استغلت هذا الوقت لتصبح أقوى، كما ترون اليوم، وقالت ميركل "أوكرانيا 2014-2015 ليست أوكرانيا اليوم"، واتفق مع المستشارة الألمانية السابقة، الرئيس الفرنسي السابق فرانسوا هولاند، الذي قال بدوره، إنه منذ 2014، عززت أوكرانيا موقعها العسكري بفضل اتفاقيات مينسك، وعبر رئيس أوكرانيا السابق بيترو بوروشنكو عن رأي مماثل في وقت لاحق.

روسيا والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بالتأكيد شعروا " بخيبة أمل " كبيرة، من التصريحات الغربية، عن أساب اتفاقات مينسك و 1 و 2، والتي غابت عنها " صدق النوايا " في إيجاد حلول جذرية للازمة، فقد اعتمدت موسكو على صدق المشاركين الغربيين، لكن وفقا للرئيس بوتين "اتضح أن أحداً لم يكن ينوي الوفاء بجميع اتفاقيات مينسك هذه"، وإن كلمات المستشارة السابقة، أظهرت أن روسيا كانت محقة في شن عملية خاصة في فبراير 2022، في حين اكد المتحدث باسم الكريملين، ان ما اعلنه الغربيون " دفع نظام كييف في نواح كثيرة، وتحرير يديه لتنظيم مذبحة ضد الروس في بلادهم "، وهو ما أدى فقط إلى تفاقم الموقف وجعل العملية العسكرية أقرب، وأعربت رئيسة مجلس الاتحاد فالنتينا ماتفينكو، عن رأي مفاده "أنهم" خدعوا روسيا على الدوام، وقد واجهت موسكو مرارًا موقفًا "يقولون فيه شيئًا - يفعلون شيئًا آخر، ويقصدون ثالثًا"، وعند سؤالها "لماذا صدقتموهم ؟" بعد وقفة، أوضحت السيناتورة، "الطريقة التي نقوم بها، نعتقد أن الآخرين يفعلونها".

أن ما يسمون " بالشركاء الغربيين" وكييف لا يمكن الوثوق بهم، وكما يروهم الروس الان، لأنهم سيخدعون بالتأكيد، ولماذا كل هذه الدعوات المستمرة للتفاوض مع نظام زيلينسكي باتجاه ما يسمة (بمينسك 3)، فهل مينسك -1 ومينسك -2 ليسا كافيتين بالنسبة لهم؟ أليس من الواضح حقًا أن أوكرانيا وكتلة الناتو التي تقف وراءها تستخدمان تعليقًا آخر للعمليات العسكرية لمزيد من الاستعدادات للحرب؟، ولكن لن تحمي أي ورقة موقعة من زيلينسكي، روسيا من استئناف العملية العسكرية من قبل القوات المسلحة الأوكرانية، وحتى لو وقع هذا "المهرج " الآن على شيء هناك، فسيتم الإطاحة به لاحقًا من خلال انقلاب عسكري، وسيصل بعض زلوجني إلى السلطة، والذي سيعلن أن أوكرانيا لا تعترف بأي اتفاقيات مع "المحتلين"، وبعد ذلك سيبدأ كل شيء من جديد، وسيعمل زيلينسكي في مكان ما في " إسرائيل " أو المملكة المتحدة، في خلق "حكومة أوكرانية في المنفى" وهلم ما جرى .

الواقع الروسي اليوم يؤكد ان الضمان الحقيقي الوحيد لأمن البلاد من الاتجاه الأوكراني، هو القواعد العسكرية الروسية بالقرب من كييف وأوديسا ولفوف، وظهورها اصبح ملحا هناك بعد الانتصار العسكري للقوات المسلحة للاتحاد الروسي على القوات المسلحة لأوكرانيا، والذي أصبح ممكنًا بعد التعبئة الجزئية، لأنه الآن، عندما بدأت روسيا أخيرًا في تسريع آليتها العسكرية في الاتجاه الصحيح، بدأت تظهر علامات "مينسك -3"، والتي يجب أن تكبل أيديها مرة أخرى.

في الواقع، حاول وزير الخارجية الأوكرانية دميتري كوليبا، في مقابلة مع بوليتيكو، أن ينقل كل اللوم عن الحرب في دونباس إلى روسيا، وهذا، حسب قوله، طوال السنوات الثماني الماضية، كانت روسيا، التي يُزعم أنها تختبئ وراء "اتفاقيات مينسك"، هي التي شنت حربًا دموية ضد أوكرانيا "المسالمة"، التي تحاول بناء "الديمقراطية" في جميع أنحاء البلاد، لا تنوي كييف إبرام أي اتفاقيات لتسوية النزاع، مثل تلك التي تم توقيعها في 2014 و 2015 بوساطة ألمانيا وفرنسا، وبحسبه، فإن "مينسك -3" الجديدة لن تؤدي إلى تسوية للنزاع، بل على العكس، ستؤدي إلى نتائج دموية أكثر، كما حدث مع اتفاقيات مينسك.

ومع ذلك، وكما اعترفت ميركل وهولاند بالفعل، فإن الاتفاقات الموقعة في مينسك في عامي 2014 و 2015 لم تكن معاهدة سلام، ولكنها محاولة لمنح أوكرانيا الوقت للاستعداد للحرب ضد روسيا، ونجح الغرب، في غضون ثماني سنوات، من تحويل أوكرانيا إلى كبش مدمر، وانه من السابق لأوانه الحديث عن نهاية الصراع، الذي ستقاتل فيه الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي، روسيا حتى آخر أوكرانيا، بينما الدمية الغربية " زيلينسكي "وأعضاء حكومته يصطفون " كهبل واعوانه" .

***

بقلم الدكتور كريم المظفر

قدم الدكتور أليكسي فيديف - رئيس مختبر البحوث المالية في معهد غيدار للدراسات السياسية الاقتصادية في موسكو إلى الأكاديمية الروسية للعلوم في العاشر من شهر آذار/مارس الماضي توقعات للتنمية الاجتماعية والاقتصادية في روسيا في 2023-2025. ووفقا لذلك، فإن العاصفة الاقتصادية التي اجتاحت الاقتصاد الوطني المحلي بعد فرض العقوبات في ربيع العام 2022 هي بالفعل في طريقها للخروج.

في العام 2023، قد ينكمش الاقتصاد الروسي بنسبة 3.5٪، في العام المقبل سينمو بأكثر من 2٪ وينمو بنسبة 2٪ تقريبا في العام 2025، كما يتوقع الخبير. وفقا لتوقعات أليكسي فيديف، فإن انكماش الاقتصاد بنسبة 3.5٪ هو أسوأ سيناريو ولا يمكن تحقيقه إلا بسعر النفط الروسي عند 40 دولارا للبرميل، إذا فشلت السلطات المالية المحلية في موازنة عجز الميزانية، وكذلك إذا كان هناك تشوه في التجارة الخارجية. في ظل السيناريو المتفائل، سينخفض الاقتصاد الروسي بنسبة 1٪ فقط (إذا تم حل المشكلات المذكورة أعلاه).

أما بالنسبة للتضخم، إذا كان في العام 2022 كان 11.94٪، يمكن كبحه هذا العام في الممر من 5 إلى 7٪. وفي العام 2024، سيصل نمو الأسعار إلى 4٪، ويمكن تحقيق معدل تضخم منخفض بسبب انخفاض الطلب الاستهلاكي واستقرار سعر الصرف.

أما بالنسبة لسعر صرف الدولار في العام 2023، فمن المتوقع أن يكون السعر في المتوسط من 75.8 إلى 80.4 روبل. في العام 2024، يمكن أن يرتفع من 73.5 إلى 77.9 روبل. وفي العام 2025 - في المتوسط من 72.6 إلى 74.2 روبل. يقول أليكسي فيديف إ ن قيمة الروبل في غضون ثلاث سنوات ستزداد بسبب ارتفاع أسعار النفط الروسي وانخفاض الخصم عليه.

كما أن تكلفة استخراج نفط الأورال في المتوسط في العام 2022 حوالي 76 دولارا وفي هذا العام الجاري 2023، من المتوقع أن تتراوح تكلفته بين 40 و 70 دولارا للبرميل، وفي العام 2024 - في المتوسط من 50 دولارا إلى 60 دولارا، وفي العام 2025 سيكلف برميل الذهب الأسود 60 دولارا.

أما بالنسبة للصادرات ونسبة النفط والغاز فيها، ففي العام 2022، أرسلت روسيا بضائع إلى الخارج بقيمة 585 مليار دولار، بينما تم بيع النفط والغاز والمنتجات البترولية في الخارج بمبلغ 338 مليار دولار، أي أن حصة صادرات النفط والغاز كانت 57.7٪. أوضح أليكسي فيديف أنه سيكون هناك إعادة توجيه للصادرات الروسية في اتجاه غير أساسي. سيتم تعزيز قطاع تكنولوجيا المعلومات وقطاع التصنيع في الاقتصاد. وأكد الخبير الاقتصادي أن التدابير الحكومية ستعطي نتائج من حيث الضرائب ودعم الصادرات غير الأولية. في العام 2025، سينخفض إجمالي الصادرات إلى 455 مليار دولار، وسيشكل النفط والغاز 212 مليار دولار، أي 46.5٪ من الصادرات.

***

ترجمة: أ.د. سناء عبد القادر مصطفى

 

بين إدارة التوحش وإدارة الفوضى الخلاقة شعرة لا تختلف عن شعرة معاوية التي رفض قطعها بينه وبين من يختلف معه، وفي كلتا الادارتين نتائج لا تختلف عن بعضهما الا بالوسائل المستخدمة والعناوين وبعض الشعارات، ففي إدارة التوحش تكون النتيجة هيمنة تلك الإدارة على السلطة وإقامة نموذجها الحياتي، كما يعتقد مؤلف كتاب إدارة التوحش أبو بكر ناجي حيث يقول:

"أن هذه الحالة من الفوضى ستكون "متوحشة" وسيعاني منها السكان المحليون، لذلك وجب على القاعدة -التي ستحل محل السلطات الحاكمة تمهيدا لإقامة الدولة الإسلامية- أن تحسن "إدارة التوحش" إلى أن تستقر الأمور".

وهي ذاتها الأهداف في إدارة الفوضى الخلاقة حيث يسميها (مايكل ليدين Michael Ledeen) الفوضى البنَّاءة أو التدمير البناء وذلك بعد أحداث سبتمبر بعامين في 2003، وهذا يعني الهدم، ومن ثم البناء، ويعني إشاعة الفوضى، وتدمير كل ما هو قائم، ومن ثم إعادة البناء حسب، المخطط الذي يخدم مصالح القوى المتنفذة.

وبالعودة قليلا الى الوراء ومنذ عشرينيات القرن الماضي وحتى يومنا هذا انتشرت منظمات شبه عسكرية وعصابات منظمة وميليشيات بمختلف التسميات والايديولوجيات، وبمشتركات سلوكية واحدة تقترب من التوحش وتتجاوزه في أحيان كثيرة، ولكي لا نغوص كثيراً في تاريخ هذه المنظمات التي كانت باكورتها في عشرينيات القرن الماضي والخوض في تفاصيل النتائج والافعال التي قامت بها وما تزال تمارسها سرا وعلانية، فقد تم تأسيسها خارج المؤسسات العسكرية بغياب الدولة تارة وبتوجيهها تارة أخرى وعلى خلفيات أيديولوجية او عنصرية او سياسية متطرفة، إما كأذرع سلطوية رديفة للمؤسسات العسكرية والأمنية وإما مستقلة تعمل بتوجيه سياسي او ديني او قومي متطرف، وتخضع في مجملها لحكم مطلق من شخصية متفردة مع مجموعة مغلقة، تتحكم فيها منظومة فكرية وسلوكية غاية في التشدد والقسوة مختزنة موروثات تاريخية وتأويلات مقولبة في إطار امتلاك كلي للحقيقة المطلقة بما يجعل الآخرين المختلفين في موقع الاتهام والاعدام، ولا يقتصر وجود ونمو هذه التنظيمات على مجتمع بذاته فهي تنتشر في مشارق الأرض ومغاربها أينما وجدت بيئة صالحة لنموها وتطورها.

إن منظومة أفكار هذه التنظيمات ومن يوجهها ويقودها هي من أخطر مفاتيح الكوارث التي تعرضت لها العديد من مجتمعاتنا، خاصة ما كان منها مرتبط بالعقائد الدينية والمذهبية، ناهيك عن تلك التي تعتمد العنصرية القومية الفاشية او الحركات الثورية المتطرفة التي شهدنا كوارثها في كمبوديا وفيتنام ولاوس ورواندا والعديد من الدول الأخرى، ومن الضروري جداً أن نتعرف جغرافياً على ينابيع تلك العقائد، فهي الأخرى ذات تأثير بالغ على تطبيقاتها وتفسيرات نظرياتها، والبيئة هنا تتحكم بشكل كبير في نوعية السلوك، وهي بالتالي ترسم خريطة الانتماء لتلك البقعة الجغرافية أو المكانية، وما بين البداوة والمدنية مساحات واسعة امتلأت بصراعات من كل الأنماط، بما فيها التي أنتجت بحوراً من الدماء، حتى استطاعت البشرية تجاوز تلك المرحلة للوصول إلى أشكال أكثر تطورا.

وفي البداوة لا نقصد بعض قيمها الخلاقة في الكرم والشجاعة، بل نستهدف مرحلة من مراحل تطور البشرية في السلوك البدائي الذي يؤشر لمرحل اولية من حياة البشر في تقسيمات حقب التطور الإنساني ابتداءً بالبداوة إلى المدنية المعاصرة، مرورا ببقية المراحل التي مرت بها البشرية حتى وصلت إلى ما هي عليه الآن من حضارة وقيم مدنية خلاقة، رغم إصرار هذه التنظيمات على التقهقر والانجرار دوماً إلى الوراء وما كان يكتنزه من بعض التوحش والانغلاق. وليس ببعيد عنا في تاريخنا المعاصر ما يُظهر بقايا تلك الأفكار وأنماط السلوك البدائي وممارساته، على خلفية مشبعة بهمجية لا مثيل لها حتى في مراحل البدائية الأولى وبداوتها، وهذه الأنماط من السلوكيات ليس لها هوية قومية أو دينية معينة، بل تعكس الجوانب المظلمة في معظم المجتمعات، فقد رأيناها في رواندا وصراعاتها القبلية البربرية التي ذهب ضحيتها أكثر من ثلاثة ملايين إنسان، وقبلها في ألمانيا ومحرقة اليهود، وفي فيتنام وحربها مع الولايات المتحدة ومذابح الخمير الحمر في كمبوديا، ومثلها في لبنان ومخيمات اللاجئين فيها، وفي أنفال وكيمياويات الموت بكوردستان والمقابر الجماعية في جنوب العراق ووسطه، وقبل ذلك في أوربا وحروبها الداخلية أو العالمية، وما حصل للهنود الحمر في أمريكا وفي كثير من بلدان العالم المتمدن الآن، إنها حقاً حقبة سوداء في تاريخ البشرية، والأكثر منها سواداً وكارثية هو استنساخها، دينياً أو مذهبياً أو قومياً، كما فعلت منظمة داعش التي جمعت ولملمت في هياكلها كل العنصريين القوميين والمتطرفين الدينيين والمذهبيين، بل وحتى المناطقيين بخلفيات تتحكم فيها الكراهية والحقد الأعمى لكل من يخالفها الرأي لتنتج لنا جريمة القرن الواحد والعشرين التي وقعت في سنجار غرب العراق ابان غزوة داعش في أغسطس 2014م.

وبنظرة فاحصة للبيئة التي ينتمي لها عناصر هذا التنظيم، كونه الاحدث في البدائيات الدموية المعاصرة، يظهر خروج غالبية عناصره من مجتمعات قبلية مدقعة الفقر، تعاني من أمية ابجدية وحضارية وثقافية حادة، حيث يتم غسل ادمغتها بسهولة وتعبئتها بكم هائل من الحقد والكراهية المؤدلجة من قبل كوادر فاشية تتربع على رأس التنظيم، وتعاني هي الأخرى من تعقيدات نفسية واجتماعية وفكرية، أقرب ما تكون في توصيفها إلى السادية والسايكوباثية، كما ظهر ذلك في عمليات التقتيل التي تفننت في تنفيذه ذبحاً أو خنقاً أو حرقاً أو إغراقاً أو تقطيعا، بل إنها حتى في هذه الطرق تنحو إلى تفاصيل مقززة في القتل كما في عمليات الذبح بسكاكين مثلومة لمضاعفة آلام الضحايا والتمتع بصيحاتهم وآهاتهم، أو الشوي بالنار حتى الموت، أو الإغراق التدريجي للضحايا، أو تقطيع الأوصال، أو السلق بالماء او الزيت المغلي، ناهيك عن عمليات الاغتصاب الوحشية التي تعرضت لها الاف النساء الايزيديات والتي أدت الى موت المئات منهن.

هذا النمط من السلوك المتوحش لم يلد بين ليلة وضحاها، بل جاء نتيجة تراكم هائل لأفكار وسلوكيات أنتجته صحراء الفكر وحضارة الغزو والقتل والسبي والاغتصاب، وإباحة الآخر المختلف تحت أي مسمى كان، سواء كان دينياً أو عرقياً أو فكرياً أو سياسياً، وإن كان قد استبدلت عناوينه ومسمياته، لكنه ما يزال يحمل تلك العقيدة البدائية التي ترجمت تفاصيلها مذابح ومحارق حلبجة والأنفال وبعد ذلك في نسختها المعدلة في سوريا وما حصل ويحصل في عفرين وقبلها في سبايكر وسنجار وسهل نينوى، ناهيك عن كارثة لم تظهر تفاصيلها بعد لعشرات الآلاف من المغيبين السنة بتهمة التعامل مع داعش.

إن مجرد تحطيم هياكل تلك المنظمة العسكرية لا يعني الانتهاء منها، فما تزال البيئة التي أنتجتها كما هي، بل إن ردود الأفعال على جرائمها أنتج مجاميع أخرى من المنظمات والميليشيات الانتقامية التي تسلك ذات النهج والوسائل وبشعارات مخدرة لضحايا تلك الجرائم مما يعطيها الى حد ما نوع من الشرعية في غياب مؤسسات قوية للدولة سواء في الجانبين الأمني والعسكري أو في الجانب الثقافي والتربوي والتوعوي، وهذا يعني ان سلسلة انتاج هذه الكائنات البدائية ما تزال فعالة بوجود ذات البيئة والأفكار التي انتجت داعش وأخواتها.

***

كفاح محمود

في نص تعريفي تقدمه دوائر السياسة الأمريكية عن طبيعة الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية USAID وهي وكالة تابعة لحكومة الولايات المتحدة الفيدرالية ومسؤولة في المقام الأول عن إدارة المساعدات الخارجية المقدمة (للمدنيين). حيث تصف الوكالة عملها بالسعي لمساعدة الشعوب التي تعاني من عديد المشاكل وفي المقدمة منها الاقتصادية، لتحسين ظروف معيشتها وللتعافي من الكوارث، وتكافح للعيش في أوضاع حرة وديمقراطية. وحددت الوكالة أهدافها والتي تتضمن توفير المساعدة الاقتصادية والتنموية والإنسانية حول العالم "لدعم تنفيذ السياسات الخارجية للولايات المتحدة".

الجملة الأخيرة من التعريف بوكالة التنمية، تبدو في نهاية المطاف دالة كاشفة لعمق الأهداف وأبعادها الإستراتيجية، وظهرت في الكثير من المنعطفات التاريخية كونها الغاية والدافع لمجمل تلك المساعدات السخية المقدمة بحجة دفع الشعوب المكافحة لنيل حرياتها ودمقرطة حياتها السياسية والاجتماعية. أي دون مواربة وفذلكة،وعلى المدى القريب والبعيد، تنفيذ أهداف الولايات المتحدة السياسية والاقتصادية .

لم تبخل الولايات المتحدة ومنذ آماد بعيدة بتقديم تلك المساعدات التي تسبقها دائما سياقات عمل وبرامج معدة لترتيب الخطط ووضعها في سياقات ممنهجة للتعامل مع أوضاع مناطق وبلدان ذات طبيعة محددة، تدخل ضمن اهتمامات الإدارة الأمريكية وتعطي بعدا حيويا للمشاركة و دعم وتنفيذ سياساتها

ففي عام 2004 أشيع بأن الإدارة الأمريكية سوف تعلن في حزيران منه، عن برنامج واسع حول الديمقراطية في منطقة الشرق الأوسط، وهي المنطقة التي تشمل العالم العربي وتمتد لتحتوي محيطه الواسع أيضا. البرنامج أو المشروع الذي عرض، يحدد توجهات الإدارة الأمريكية للتعامل مع المنطقة وفق أسس ورؤية سبق أن أعلن عنها في مناسبات عديدة. وتتركز جلها في ثلاثة محاور. الأول دمقرطة المنطقة !! والثاني ربطها بالاقتصاد الدولي وبالذات الشراكة الاقتصادية مع الولايات المتحدة، والمحور الثالث يتمثل بتخليصها من مفاهيم العداء المتوارث للسياسة الأمريكية، وإشراكها في الجهود المبذولة لمحاربة الإرهاب.

تضمن مشروع الإدارة الأمريكية للتنمية، طيفا واسعا من المفاهيم المعرفية ومبادرات للشراكة المصممة خصيصا لتقديم المساعدة، لقيام البلدان المعنية، بالإصلاحات السياسية والاجتماعية والاقتصادية. ويشمل المسعى هذا تقديم العون المادي والمعنوي الدبلوماسي وغير الدبلوماسي للنشاطات المهنية والاجتماعية، للذين يرغبون في المشاركة بقيادة المجتمع والدولة، من خلال خلق مبادرات ايجابية لإنجاح مهام منظمات المجتمع المدني وحركات التنوير، وتعزيز البرامج الحيوية لمعالجة مشاكل حقوق الإنسان.على أن تدرس المبادرة وتعالج مشاكل وتشوهات تعاني منها مجتمعات الشرق أوسط في محاولة لإماطة اللثام عن طبيعة ونوع العوائق ومن ثم وضع الحلول لها ليتم معالجتها.

صبت المبادرة أعلاه وموضوعاتها على جهد المشاركة في التغيير، من خلال التأثير بأسلوب الصدمة، وأيضا تغذية المبادرات الداخلية المرنة والممنهجة والمنتقاة بعناية التي ستشارك فيها النخب السياسية. ومع كل تلك الاستعدادات لزج القدرات في عمليات الشراكة نجد أن المبادرة خلت من توضيح أو بيان أو دراسة التأثير السلبي في فرض الخيارات القسرية من الخارج، و إقصاء التحولات أو التغييرات التي تقدم وفق المبادرات الوطنية، مما جعل المشروع يظهر ناقصا وهشا تجاه رغبات الطرف الأخر، الموجب تفعيل مشاركته والسماح لخياراته بالتفاعل والنجاح.

من خلال جميع الوثائق الصادرة عن الإدارة الأمريكية وأيضا الدراسات التي قدمها الباحثون المقربون منها وكذلك المقالات التي كتبها محررو الصحف من المؤازرين لتوجهاتها،يشار إلى أن الشرق الأوسط والعالم الإسلامي دائما ما كان يشكل تهديدا متزايدا لاستقرار العالم ومصالح الدول الصناعية الكبرى، لأسباب تتعلق أكثرها باحتواء ذلك العالم على خزين هائل من منظومات التفكير الطارد، وأنماط من مجتمعات تضمر العداء الديني والقومي (غير المبرر!!) للولايات المتحدة وحلفائها.

أغلب هذه الدراسات والبحوث دائما ما تغاضت عن أخطاء وخطايا الإدارة الأمريكية، ولم تصنفها ضمن العوامل الطاردة أو المسببة لذلك العداء والنفرة، و تهمل الطريقة البرغماتية في تعامل الغرب مع تلك الشعوب، والتعديات والقسر والجرائم التي يرتكبها الرأسمال العالمي في مواجهة طموح وتطلعات تلك الشعوب نحو الحرية وامتلاك خيراتها الاقتصادية والحفاظ على استقلالها وخصوصياتها الوطنية.

ليس غريبا أن تثير سياسات الوكالة الدولية للتنمية أعجابا شديدا لدى صانعيها، ولكنها في نهاية المطاف وبسبب محتواها العام وأساليبها القسرية، تقوي من عزيمة المضادين والرافضين لنظريات الإملاء وفرض الحلول، بعد أن يشعروا بكمية الإقصاء الذي تحويه تلك المشاريع والبرامج الموجهة لهم بالذات، مما يعني بقاءهم مهمشين وغير مرغوب فيهم، ويعاملون كفئران تجارب.رغم تأكيد البرنامج على الشراكة ووجود الآخرين كأدوات منفذة وواجب مشاركتهم الفعلية في تنفيذ جزئياته .

ففي الوقت الذي تعلن الإدارة الأمريكية سعيها لنشر مفاهيم المجتمع المدني وحقوق الإنسان والديمقراطية، نشاهدها تقدم العون للكثير من حكومات البلدان المعنية بالمبادرة، وبالذات من الذين يمثلون النوع الأكثر قدرة على انتهاك تلك الحقوق وخنقها. وتبدو مشاركة الإدارة الأمريكية فاعلة وذات تأثير صادم في إسناد ودعم هؤلاء الحكام في مواجهة شعوبهم.تلك الازدواجية في المعايير والتفاضل، جعلت بعض مجتمعات مشرقية تتبنى خيار العداء لكل ما يصدر عن الولايات المتحدة حتى في الحالات الإيجابية. وهي محقة في هذا. فمسألة حقوق الإنسان والعدل الدولي والسلام والحريات والديمقراطية، لا يمكن أن تخضع للانتقائية أو خيار المصالح، إن أريد لها أن تنمو بشكل طبيعي ومقنع.

عند هذه الإشكالية الحقيقية تواجهنا الكثير من الإجابات المقنعة عن ازدواجية المعايير لدى الإدارة الأمريكية، وخير دليل على ذلك الدعم المطلق الذي تقدمه لأصدقائها في منطقتنا وشرق وغرب آسيا وبالذات لحليفتها إسرائيل بالضد من حقوق وتطلعات الشعب الفلسطيني. وتلاقي التعديات اليومية الوحشية للسلطات الإسرائيلية الكثير من الدعم والتعتيم من قبل السياسيين في الإدارة الأمريكية، وهناك الكثير من الأمثلة العيانية التي تبدو حقيقية ومقنعة، لتأشير ذلك الخلل الأخلاقي السياسي، الذي يدفع لطرح التحفظات الكثيرة تجاه المشروع الأمريكي حتى بين أصدقائها في المنطقة .

فالاعتقاد الغالب بان ثقافة الغرب وأمريكا ليست بقيم عالمية لكي تفرض، فهناك ثقافات أخرى يجب الاعتراف بها واحترامها، وبدلا من إعطاء محاضرات إرشادية في الأخلاق والثقافة، على الغرب وأمريكا احترام عادات وتقاليد تلك الشعوب الشرقية، التي ترفع الصوت دائما بالقول، لماذا تنظرون لنا كحقول تجارب وشعوب طارئة على التاريخ، رغم أن التاريخ بدأ من وجودنا على هذه الأرض قبل أن تتكون حضاراتكم. ودائما ما فسرت نوايا الغرب، بالعملية القسرية لفرض مفاهيم غربية وغريبة على المجتمعات الشرقية، التي بدورها تشير لامتلاكها خصوصياتها الثقافية، وأيضا لديها مفهومها الاجتماعي والسياسي والديني عن نوعية (محلية) للديمقراطية وحقوق الإنسان. وتحاجج هذه السلطات ومعها المنظمات والجماعات الاجتماعية والسياسية والدينية، بأنها لم تعط الوقت أو الفرصة لتطبيق معاييرها الخاصة بالديمقراطية والحريات المدنية، والإجابة على تلك الأسئلة والانشغالات الكبيرة. وتتبادل تلك الأطراف مع الغرب وكذلك مع خصومها المحليين الاتهامات بتعطيل وتفكيك أسس العمل لإظهار تلك المعايير بخصوصيتها الوطنية.

فالتنظيمات والقوى السياسية والاجتماعية المحلية تتحصن بحجج تعتقد أنها تمتلك ثقافة وتقاليد تغنيها عن المفاهيم الغربية حول الحريات والديمقراطية والمجتمع المدني، وإنها ترتكن إلى خاصياتها الثقافية وموروثها الاجتماعي.ولكن في البحث والاستقصاء عن تلك الخصوصيات، نشاهدها تقدم مشاريعها بقصور بائن،وبالمجمل تكون في الغالب أفعال ورؤى مهلهلة تحد من تطور المجتمعات، وتنحو لخلق بؤر تشيع فكرة الوصاية والقسر. ومع اقتناعها بامتلاكها اليقين (البعيد عن الحكمة) بامتلاك الحقيقة المطلقة، فإنها تغذي خروقات تعدم بسببها حرية الرأي والعدالة الاجتماعية والتطلعات نحو الديمقراطية. وأيضا فأن تلك المؤسسات تتحرك في ظل فقدان قواعد ونصوص متكاملة يحتكم إليها كمرجعيات تمتلك حلولا منطقية لمشاكل عديدة تتراوح بين البسيط وصولا للمركب والمعقد منها.

في نفس الوقت فالسلطات الحاكمة وعبر مؤسساتها تحاول إدامة أو إشاعة المعايير القاصرة عن المفاهيم الحقوقية للحريات، باذلة جهودا وأموالا طائلة لكبح جماح القوى والأشخاص الساعين والمناشدين لتعميم معايير الحريات والديمقراطية في مجتمعاتهم.وتأتي تلك الإجراءات رغبة في وضع القيود ومنع أي تغيير يمكن له خلق أوضاع يتاح من خلالها إجراء تعديلات في هياكل السلطة والتشريعات القائمة .ويهيمن هذا الأداء على مسيرة الأنظمة الحاكمة التي باتت اليوم تستشعر القلق وتتوجس خيفة من المشاريع الوافدة وبالذات الأمريكية والغربية الخاصة بمنطقتها، وتعيش تحت هاجس ووطأة مشاعر الخوف من المثل العراقي والمآل الذي ذهب إليه العراق جراء الاحتلال الأمريكي.

وإذا كان لتلك السلطات عذر في مشاعر الخوف التي تتلبسها، فأمر رفض المشاريع الأمريكية لا يقتصر على السلطات المحلية والتجمعات والتنظيمات الدينية والطائفية، وإنما يشمل أيضا تنظيمات لبرالية يسارية، وتأتي اعتراضات هؤلاء على أسس خصام تأريخي غذته نفرة وشحن أيدلوجي، والقناعة التامة بان جميع ما يأتي من الإدارة الأمريكية ما هو إلا مسعى لتفضيل مصالح الرأسمالية على مصالح الشعوب. ويدفع هذا الاعتقاد بالكثير من دعاة الديمقراطية وحقوق الإنسان وحركات التنوير، وفي أغلب بلدان الشرق للإحجام عن التعاون مع مساعي الولايات المتحدة لتعميم مفاهيمها في هذا الشأن، لأسباب وطنية ومشاعر متصاعدة من الشكوك، وتطرح في هذا الشأن الكثير من الأمثلة عن سؤ نية الإدارة الأمريكية وما تبييته مشاريعها من مخاطر للمنطقة. حيث توضع الخيارات الوطنية للشعوب وبالمجمل، لصالح السير في ركب مصالحها الأمنية والاقتصادية ذات الطبيعة الامبريالية،وقد اختصر بول برايمر رئيس سلطة الائتلاف المؤقت عند احتلال العراق كل ذلك في مقابلة إعلامية بالقول، إن مصالح الولايات المتحدة تتقدم على واجباتها في القانون الدولي.

***

فرات المحسن

الصواريخ التي انطلقت من جنوب لبنان يوم الخميس تجاه شمال فلسطين المحتلة وأدت لتوتر الوضع على جبهتي غزة ولبنان تثير كثيرا من التساؤلات حول توقيت إطلاقها والجهة المسؤولة عنها وتداعياتها.

فقد جاء التوقيت في وقت تحتدم فيه الخلافات داخل المعسكر الصهيوني، ونتنياهو وحكومته في مأزق شديد لدرجة أن مسؤولين صهاينة يحذرون من حرب أهلية، وكان نتنياهو يبحث عن منفذ للخروج من المأزق، كما جاءت متزامنة مع اقتحامات المسجد الأقصى بما صاحبها من همجية لجيش الاحتلال في قمع المصلين مما أثار ردود فعل عربية ودولية منددة بهذا القمع، كما بدت إسرائيل في حالة شبه معزولة بسبب التصريحات العنصرية الاستفزازية للوزير سموترتش والأحداث الداخلية المتعلقة بالتعديلات القضائية أيضا بسبب العنف الممارَس في مواجهة الفلسطينيين، أيضا جاءت في وقت بدأت فيه بوادر تذمر من الدول العربية المطبعِة من السلوك الصهيوني.

أما بالنسبة للجهة المسؤولة عنها، فحزب الله نفى مسؤوليته عن إطلاق الصواريخ كما لم تُعلن أية جهة فلسطينية أو غير فلسطينية مسؤوليتها، إسرائيل هي التي اتهمت حركة حماس بإطلاقها مع أنها انطلقت من لبنان وليس من غزة وهي التي باشرت بالرد بقصف قطاع غزة مما أدى لرد الفصائل الفلسطينية وكانت المواجهات محدودة جدا بحيث لم يسقط ضحايا من الطرفين وكأن الأمر كان منسقا ومدروسا ويعكس عدم رغبة في التصعيد.

أما بالنسبة للتداعيات الداخلية فقد استطاع نتنياهو استغلال الأمر بإبعاد الأنظار عن أزمته الداخلية وحشد قوى المعارضة من خلفه في الدفاع عن دولة الكيان في مواجهة التهديد الخارجي المزعوم، والأخطر من ذلك أنه استطاع إبعاد الأنظار ولو مؤقتا عما يجري في القدس والمسجد الأقصى من خلال التصعيد المزعوم على جبهة غزة والذي قد يستمر لأيام حتى ينفذ بن غفير وسموترتش مخططاتهم في المسجد الأقصى.

وبالنسبة للتوظيف الخارجي لعملية إطلاق الصواريخ فبالإضافة إلى أنها كشفت غياب السيادة في لبنان وما يسوده من حالة فوضى فقد تؤدي إلى مزيد من التوتر بين المكونات السياسية في لبنان وقد يحمّل لبنانيون الجانب الفلسطيني في لبنان المسؤولية مما ينذر بمزيد من التضييق على الفلسطينيين هناك.

صواريخ لبنان مجهولة الهوية ومحدودة التأثير ما دام لم يتم تبنيها من جهة مقاومة محددة ولم يضع من أطلقها هدفا محددا وخصوصا أنها لم تلحق ضررا بالعدو، بل حتى حزب الله وكل مكونات الدولة اللبنانية لم يباركوا العملية أو يعتبرونها حقا مشروعا وطنيا أو قوميا أو إسلاميا، ومجرد إطلاق صواريخ عبر الحدود دون هدف ورؤية أو توظيف سياسي يطرح كثيرا من التساؤلات حول جدوى العملية وما إن كانت تصب في صالح القضية الفلسطينية أم في مصلحة أجندة خارجية.

أيضا هذه العملية قد تخلق عند الفلسطينيين وهما أو مراهنة ليست في محلها بأن المعركة في فلسطين معركة العرب والمسلمين جميعا وعلى الفلسطينيين المراهنة على الأطراف الخارجية، وهي مراهنة ومزاعم غير صحيحة حيث كل الأنظمة والجماعات الحزبية العربية والإسلامية ليست الآن في وارد القتال دفاعا عن الفلسطينيين ولم يحدث عبر التاريخ أن حاربت هذه الأطراف من أجل تحرير فلسطين حتى حزب الله كانت حروبه مع إسرائيل من أجل تحرير الأراضي اللبنانية المحتلة، وهذا لا يعني تجاهل التأييد الشعبي وأشكال الدعم المادي الشعبية والرسمية.

هذه الصواريخ تستحضر صواريخ حركة حماس وفصائل المقاومة في غزة وحروبها التي بالرغم من تأثيرها المعنوي إلا أنها لم تؤدي إلا لمزيد من معاناة أهالي غزة وإفقارهم وتدمير بنيتها التحتية وتكريس للانقسام، لأن عملية إطلاق الصواريخ لم تندرج في سياق استراتيجية وطنية لتحرير الأرض، والصواريخ لوحدها لا تُحرر أرضا.

وخلاصة القول، على الفلسطينيين الاستفادة من تجارب الماضي وعدم المراهنة كثيرا على الأطراف الخارجية حتى العربية والإسلامية فحال هذه الأطراف غير مهيئة لمساندة الفلسطينيين عسكريا، ولهم في تجربة جبهة الصمود والتصدي وجبهة الممانعة عبرة، ونأمل أن يكون حالهم مختلفا مع محور المقاومة.

***

د. ابراهيم ابراش

المحكمة الجنائية الدولية هى هيئة دولية مستقلة تقوم بمحاكمة المتهمين الذين يقومون بارتكاب الجرائم الواردة فى نظامها الاساسى وهي على كل الجرائم التى تعتبر اشد خطورة فى العالم وتتمثل تلك الجرائم فى اربع مجموعات هى الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب وجرائم الإبادة الجماعية وجريمة العدوان وقد حدد نظامها الاساسى على سبيل الحصر حدد النظام الاساسي للمحكمة فى المادة 13 منه طرق الإحالة اليها وتتمثل فى ثلاث طرق هى

أ \ اذا أحالت دولة طرف إلى المدعى العام وفقا للمادة 14 حالة تبدو فيها ان جريمة او اكثر من هذه الجرائم قد ارتكبت

ب\ اذا أحال مجلس الامن متصرفا بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة حالة الى المدعى العام يبدة فيها ان جريمة او اكثر من هذه الجرائم قد ارتكبت

ج\ اذا كان المدعى العام قد بدأ بمباشرة تحقيق فيها بموجب المادة 51

اذا تمت الإحالة بواسطة دولة غير طرف حسب شروط المادة 21\3 التي تنص على (اذا كان قبول دولة غير طرف لازما بموجب الفقرة 2 جاز لتلك الدولة بموجب اعلان يودع لدى مسجل المحكمة ان تقبل ممارسة المحكمة اختصاصها فيما يتعلق بالجريمة قيد البحث)

دارت الحرب الروسية على اوكرانيا على خلفية صراع الكبار للفوز والى الابد بتثبيت حالة المجتمع الدولي اما بنظام قطبى واحد كما تريدة الولايات المتحدة وحلفائها وإما بنظام متعدد الأقطاب كما تسعى له روسيا وحلفاءها أيضا ولهذا فان الحرب اوكرانية وان بدت فى ظاهرها غزو غير مشروع من روسيا للاراضى الأوكرانية إلا أنها فى حقيقتها صراع من اجل البقاء او العدم ومن احل ذلك فإننا نرى سلسال الدعم المنهمر بغير حساب الى اوكرانيا واستعمال حلفاءها كافة الأسلحة وتسخيرها كافة الإمكانيات وممارستها لكافة الضغوط كى تخسر روسيا الحرب ومن بين تلك الأسلحة المؤسسات الدولية والتي من اهمها المحكمة الجنائية الدولية.

اذن فما هو دور المحكمة الجنائية الدولية تجاه الحرب الروسية الاوكرانية ؟ وكيف تستطيع ممارسته من خلال النصوص القانونية المعلومة وفى ظل متطلبات العدالة الدولية وسياقات الظلم الكبير الذى يحدث فى العالم تحت سمعها وبصرها؟

من الواجب على المحكمة الجنائية التصدي الفوري وإجراء التحقيقات اللازمة فى حالة حدوث حرب او نزاع مسلح مما يدخل ضمن اختصاصها وفق ما نص عليه النظام الاساسى ولا يجوز فى حقها العمل وفق ما تتطلبه المصالح السياسية لاية دولة او اية مجموعة من الدول وذلك ان المحكمة وكما جاء فى تعريفها انها هيئة دولية مستقلة ، هذا من الواقع الافترالضى ولكن الواقع العملى له شأن اخر وهو شأن تواضعت عليه المحكمة منذ لحظة نشأتها الاولى ـ لان المحكمة نفسها ما كان لها ان ترى النور الا بالتقاء اراء الدول الموقعة على نظامها الاساسى فى منطقة وسطى بين العدالة المطلقة و الاعدالة وهى عدالة عرجاء لا تسير الا بمباركة الدول الكبرى ونحن نظن ان كل المحاكمات التى تم إجراءها والتحقيقات التى تم فتحها لم تكن الا ترجمة لذلك التواضع .

لم يكن من المستطاع ان تكون المحكمة الجنائية الدولية مكتوفة الايدى فى ظل نشوب حرب كالتى قامت فى اوكرانيا ... فالحروب هى ميدان عمل المحكمة الجنائية الدولية وكل الجرائم المنصوص عليها فى النظام الاساسى للمحكمة الجنائية الدولية سترتكب لا محالة على ارض المعركة ولهذا فان تفعيل النصوص التى تحرك آليات المحكمة من تحقيق وتوقيف ومحاكمة كان أمرا مقبولا ولكن المعضلة الاساسية – فيما يبدو – هى انعقاد الاختصاص وفق قواعد المقبولية المنصوص عليها فى المادة 13 من النظام الاساسى وذلك ان كل من روسيا واكرانيا غير موقعتين على النظام الاساسى وان مجلس الامن الدولى لا يستطيع احالة الوضع فى اكرانيا الى المحكمة الجنائية الدولية لان روسيا ستستعمل حق النقض لاسقاطه فلم يتبق غير اعلان اوكرانيا قبول ممارسة المحكمة الجنائية لاختصاصاتها فى الاراضى الواقعة فى إقليمها وبذلك يكون للمحكمة سلطات التحقيق والايقاف والمحاكمة عن كل الجرائم المنصوص عليها فى نظامها الاساسى وهو ما تم بالفعل حيث قامت اوكرانيا بالسماح للمحكمة بممارسة اختصاصها على اراضيها وبذلك ينعقد الاختصاص للمحكمة الجنائية الدولية للتحقيق فى الجرائم المحتملة فى تلك الحرب

على غير عادتها قامت المحكمة – سريعا جدا – بانشاء بعثتها فى اوكرانية وبدأ المحققون عملهم فورا وقاموا فى فترة قصيرة جدا بتوثيق كم هائل من انتهاكات للقانون الدولى الانسانى بجرائم تدخل ضمن اختصاصات المحكمة وكان من المؤمل ان تحال تلك الجرائم الى الدوائر التمهيدية بالمحكمة لإصدار مذكرات توقيف ومباشرة إجراءات القبض والترحيل والمحاكمة ولكن شيئا من كل هذا لم يحدث والسبب فى ذلك –كما نرى- ان فرق التحقيق توصلت أيضا الى أن تلك الانتهاكات لم تكن من الجانب الروسى فقط وامنا تورط الجنود الاوكرانيون أيضا فى انتهاكات تشكل جرائم داخلة فى اختصاص المحكمة ولم يكن من الممكن بالنسبة للولايات المتحدة والاتحاد الاروبى ان يسمح فى هذه الفترة بتقديم جنود او قادة أوكرانيون الى المحكمة كما انه لم يكن من الممكن – من الناحية الاخلاقية- تقديم الجنود الروس الى المحكمة وترك نظرائهم من الجنود الاوكرنيين .

لم يكن فى الإمكان ترك امر المحكمة الجنائية الدولية الى ما بعد انتهاء الحرب فسارع المحققون الى تلقف ما قامت به روسيا من خطف وترحيل قسرى لآلاف الأطفال الاوكرنيين الى روسيا مما يشكل جريم تندرج ضمن الجرائم المنصوص عليها فى النظام الاساسى للمحكمة الجنائية الدولية وسارعت المحكمة متمثلة فى الدائرة التمهيدية الثانية باصدار امر توقيف بحق الرئيس الروسى شخصيا باعتبار انه القائد الأعلى للقوات المسلحة الروسية وعلى هذا أصبح الرئيس الروسى متهما مطلوبا امام المحكمة الجنائية الدولية وهو امر سعت اليه الولايات المتخدة سعيا واعدت له اعدادا ليكون واحدة من وسائل الضغط التى ستفاوض بها روسيا فى المستقبل وعليه يثور سؤالا كبير عما اذا السعى لذلك التوقيف كان لاغراض العدالة الدولية لضحايا تلك الحرب ام ان الامر يبدو ذو صبغة سياسية سعى لتحقيقها طرف على حساب القانون؟

تاريخ المحكمة الجنائية فى تعاملها مع ضحايا الحروب والنزاعات المسلحة يخبرنا ان التأنى المفرط فى مباشرة التحقيقات واصدار اوامر التوقيف كان ديدن المحكمة فى كل الحروب والنزاعات المسلحة التى باشرت التحقيق فيها وتاريخ المحكمة حافل بهذا النمط من حرب البلقان فى يوغسلافيا السابقة استمر منذ عام 1995م تقريبا ولم ينته حتى الان الى التحقيق فى النزاع المسلح فى درفور استمر منذ 2005م وما يزال مستمرا حتى الان ولم يحدث فى تاريخ المحكمة الجنائية الدولية ان تم التحقيق واصدار وامر التوقيف بالسرعة التى تم بها توقيف الرئيس بوتن

كيفية تعامل المحكمة الجنائية فى كثير من أنحاء العالم كان مغاير جدا لتعامل المحكمة مع حرب اوكرانيا والمثال الابرز على هذا هو تعامل المحكمة مع الوضع فى الاراضى الفلسطينية المحتلة والتلكوء والمماطلة فى القيام باجراءات التحقيق والتوقيف منذ ان أعلنت فلسطين قبولها لاختصاص المحكمة ورضائها بان يحاكم كل من ارتكب جريمة تدخل فى اختصاص المحكمة سواء فلسطينيا ام اسرائليا فلماذا لم تقم المحكمة باصدار مذكرات توقيف ضد القادة الاسرائيليين والفلسطينيين؟

كيفية التعامل المحكمة الجنائية الدولية مع جرائم الحرب التى تم ارتكابها فى ليبيا بعد رحيل الرئيس السابق معمر القذافى توضح لنا وبجلاء ان اجراءت المحكمة مرهونة بتوافقات سياسية وان الدول الكبرى هى التى تحدد متى واين تقوم المحكمة الجنائية الدولية بدورها فى محكمة منتهكي القانون الدولى الانسانى

كثيرة هى الامثلة التى توضح ان المحكمة الجنائية الدولية قد أضحت أداة سياسية لتصفية حسابات بين الدول ولهذا حذر القادة الروس على ان مستقبل العدالة الدولية فى خطر وذلك ان روسيا نقسها باعتبار انها تمتلك حق الفيتو فى مجلس الامن تستطيع ان تمارس نفس الدور فى مكان اخر وبهذا ستكون المحكمة الجنائية الدولية التى أنشأتها الشعوب لضمان محاكمة المىتهمين فى الجرائم الاشد خطورة اداة فى ايدى الساسين يديرونها لتصفية حساباتهم او لتقوية مواقفهم وبهذا ستزداد كل يوم بعدا من القانون وقربا من السياسة.

***

د. ناجى احمد الصديق الهادى - المحامى / السودان

 

تحاول الولايات المتحدة الأمريكية التمويه على مساعيها للهيمنة على العالم، ومنها منطقة الشرق الأوسط، عبر مجموعة من الذرائع والحجج، كصعوبة القضاء على الأنظمة الاستبدادية بدون الاستعانة بالقوى الخارجية، وبإن النموذج الأمريكي للديمقراطية هو الاختيار الوحيد للتطور السياسي والتنمية الاقتصادية والاجتماعية بعد سقوط النموذج الاشتراكي، ولكونها القوة الوحيدة القادرة على مكافحة الإرهاب في العالم، وأن عليها مسؤولية أخلاقية، لإسقاط الانظمة الدكتاتورية، ونشر القيم الديمقراطية.

ومن النظريات الجديدة التي ابتدعها الفكر السياسي الأمريكي المحافظ، في بداية القرن الواحد والعشرين، نظرية الفوضى الخلاقة، التي تهدف لإحكام الهيمنة الأمريكية على منطقة الشرق الاوسط الغنية بمصادر الطاقة، عن طريق نشر الفوضى الشاملة للقضاء على الأنظمة الاستبدادية وإقامة أنظمة ديمقراطية بديلاً عنها. وقد مرت الاستراتيجية الأمريكية للهيمنة على العراق بثلاث مراحل:

المرحلة الاولى: سياسة التدمير” الاحتواء” المزدوج للعراق وإيران، التي انتهجته خلال الحرب العراقية ـ الإيرانية، والتي استمرت لثمان سنوات وألحقت بالبلدين نتائج كارثية. وما يتعلق بالعراق، أدت الحرب إلى حالة من عدم الاستقرار الاجتماعي والسياسي، وإلى غزو الكويت كمسعى من الدكتاتورية لترحيل الأزمات التي نتجت عن حروبها وسياساتها الاستبدادية، الداخلية والخارجية، والتي لقيت تشجيعاً من الولايات المتحدة.

المرحلة الثانية: تطبيق سياسة الهيمنة غير المباشرة من قبل الولايات المتحدة، فبعد حرب الخليج الأولى، جرت الهيمنة الأمريكية بالاعتماد على ثلاثة أساليب رئيسية:

1. اعتماد القوة العسكرية، بشكل متكرر لإضعاف العراق حتى بعد خروجه من الكويت.

2. تطبيق نظام الحصار الدولي الشامل على العراق الذي استمر لغاية احتلاله في 2003.

3. تشكيل تحالفات من الأحزاب العراقية، تعمل بالانسجام مع سياسة الولايات المتحدة وعلى أساس قانون “ تحرير العراق” الذي صدر عام 1998.

المرحلة الثالثة: تطبيق نظرية الفوضى الخلاقة، مباشرة بعد الاحتلال الأمريكي، حيث عملت الولايات المتحدة على إسقاط/ وتهديم الدولة العراقية، وإعادة بنائها بطريقة تتلاءم مع أهداف الغزو.

أهداف الغزو

تم تمويه الأهداف المعلنة للغزو من قبل الولايات المتحدة، لخلق حالة من التعاطف أو على الأقل الحياد، مع الغزو، شعبياً ودولياً، فجرى الحديث عن تدمير أسلحة الدمار الشامل وتحقيق الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان. وعلى ضوء النتائج السياسية والاقتصادية والقانونية، والتي أفرزتها عشرون سنة من الغزو، يتبين لنا أن كل الشعارات السابقة كانت مجرد أكاذيب.

اولاً. النتائج السياسية:

سعت قوى الاحتلال، إلى نشر الفوضى الشاملة في العراق، فتُركت كافة مؤسسات الدولة معرضة للنهب والتدمير، باستثناء وزارة النفط والبنك المركزي، اللذين وقعا تحت سيطرة القوات الأمريكية، وتسريح كبار الموظفين وحل الجيش وكافة الأجهزة الأمنية، بحيث بقيت الدولة بدون حكومة لمدة ستة أشهر، مما عمّق حالة الفوضى والاضطراب في المجتمع.

وبديهي أن لا يكون الهدف من سياسة الفوضى، إسقاط السلطة الاستبدادية وإقامة سلطة ديمقراطية حقيقية، بل كان لتدمير الدولة ثم لإعادة بنائها، حيث تشكلت حكومات غير مستقرة، تدير الأزمات ولا تحلها، وعاجزة عن القيام بواجباتها في توفير الأمن والخدمات والحد من مظاهر العنف والفساد الإداري والمالي. وأخذت سياسة نشر الفوضى الأشكال التالية:

1. إنهاء سيادة العراق واستقلاله من خلال إضفاء شرعية على سلطة الاحتلال من قبل مجلس الأمن الدولي.

2. تشكيل مؤسسات لقيادة الدولة خاضعة لسلطة الاحتلال.

3. تأسيس نظام يقوم على المحاصصة الطائفية ـ القومية، وتطبيقه على كافة مؤسسات الدولة، وذلك لتفتيت التشكيلة الاجتماعية الوطنية، لاسيما وقد أثبتت التجربة العراقية، أن وحدة السلطة السياسية أساس التلاحم الوطني لهذه التشكيلة.

4. إعادة بناء المؤسسة العسكرية والأمنية، بما ينسجم مع المصلحة الأمنية والسياسية للولايات المتحدة.

5. الإسراع في إجراء انتخابات برلمانية من أجل اضفاء شرعية شكلية على مؤسسات الدولة التي بنتها سلطة الاحتلال.

6. ربط العراق بمعاهدة غير متكافئة كشرط لسحب القوات الأمريكية من العراق (اتفاقية الإطار الاستراتيجي 2011).

ثانياً. النتائج الاقتصادية:

لم يظهر المحتلون أي اهتمام بإعادة الحياة للبنية التحتية للاقتصاد الوطني، التي دمرتها الحروب والحصار الاقتصادي، بل اهتموا بإنهاء دور الدولة في الحياة الاقتصادية، والذي كان قد ساهم بشكل بالغ الأهمية في تطوير القوى المنتجة والحد من اتساع الفروق الاجتماعية بين المواطنين بشكل عام. وقد تحقق ذلك من خلال السعي لتكريس الاقتصاد الريعي وإعاقة قيام اقتصاد إنتاجي، على الرغم من توفر موارد مالية كبيرة للسلطة ـ تقدر بحوالي تريليون دولار. وكان من مظاهر الاقتصاد الريعي في العراق في المرحلة الراهنة:

1. إعادة توزيع الدخل القومي، على شكل نقدي، بحيث يرصد أكثر من ثلثي ميزانية الدولة للتشغيل ولتغطية تضخم عدد العاملين في مؤسسات الدولة.

2. ترك المؤسسات الصناعية الإنتاجية لتتقادم، مما يوفر الذرائع للسلطة الحاكمة لبيع هذه المؤسسات للمستثمرين بأسعار زهيدة جداً.

3. فتح السوق العراقية أمام السلع الأجنبية، وبدون رقابة أو تعرفة كمركية. وقد ساهم هذا النهج بتعميق الجانب الاستهلاكي في الاقتصاد العراقي، وتدمير المنتوج الوطني، الصناعي والزراعي.

4. عدم اعطاء أهمية للعمل، بحيث أصبحت مؤسسات الدولة تعمل لمدة ستة أشهر في السنة في أحسن الأحوال، نتيجة تعطيلها في كثرة من المناسبات الدينية والوطنية، او بسبب عدم الاستقرار الأمني والعمليات الإرهابية والعنف.

5. تركيز الاهتمام على زيادة انتاج النفط لتعزيز الموارد المالية للدولة، للإيفاء بمستلزمات الاقتصاد الريعي، يقابله إهمال إعادة بناء المؤسسات الاقتصادية الانتاجية.

6. نهب المال العام، من قبل النخب المتنفذة في السلطة وأعوانها، وانتشار مظاهر الفساد المالي بحيث أصبح العراق على رأس قائمة دول العالم التي تعاني من الفساد المالي والرشوة.

ثالثاً. النتائج القانونية:

تزداد أهمية البناء القانوني للدولة في العراق بالارتباط مع بقاء التركة الثقيلة للدكتاتورية، التي كّيفت البنية القانونية للدولة لتخدم طبيعة نظامها الاستبدادي. ولذلك أصبحت الحاجة ماسة للقيام بإصلاح قانوني بعد سقوط الدكتاتورية. الا أن ذلك لم يتحقق فما زالت قرارات سلطة الاحتلال وقوانين مجلس قيادة الثورة المنحل هي التي تسير أغلب مؤسسات الدولة، فيما نرى الفشل في تأسيس بنية قانونية تتناسب وقيام نظام ديمقراطي وهذا يتضح من خلال:

* عدم انجاز مهام العدالة الانتقالية، حيث تم تعطيل إصدار قانون متوازن للعفو العام ينصف ضحايا الاستبداد ويوفر محاكمة عادلة للمسؤولين عنه، مما أدى لتنامي نزعة الثأر في المجتمع.

* إعداد دستور، مليء بالثغرات والتناقضات، وبنصوص سهلة التأويل ولا تناسب دولة ديمقراطية حديثة، مما جعله أداة بيد القوى السياسية المتنفذة، تفسره حسب مصالحها الخاصة، مما أبعده من أن يكون مرجعاً قانونياً ملزما لجميع مؤسسات الدولة، وأن يكفل حقوق المواطنين المختلفة.

* فشل في خلق بيئة قانونية مستقرة للانتخابات، عبر اعتماد قانون لا ديمقراطي لها، مما مكّن النخب المتسلطة من استغلاله وتعديله كل مرة، بما يخدم استمرار نظامها ومنع معارضيها من الوصول إلى السلطة التشريعية.

* تحول الأعراف العشائرية إلى ناظم رئيسي للعلاقات بين الأفراد وفي أحيان كثيرة بين مؤسسات الدولة والمواطنين، بسبب التمييز في تطبيق القوانين النافذة وعدم اصدار قوانين مدنية تنظم علاقة مؤسسات الدولة بالمواطنين وعلاقات المواطنين مع بعضهم البعض.

الخلاصة

1. لم تدرك النخب الحاكمة منذ عقدين، مخاطر استمرار تمسكها بنهج المحاصصة الطائفية ـ القومية، المرفوض شعبياً، والذي فشل في بناء دولة حديثة قادرة على المحافظة على السيادة الوطنية وتوفير الأمن والخدمات والحماية الاجتماعية للمواطنين، وصار سبباً في الكثير من الأزمات العصية على الحل.

2. أدى تطبيق “ديمقراطية” الفوضى الخلاقة في العراق إلى نتائج خطيرة تهدد مستقبل العراق كدولة ومجتمع موحد، كعدم الاستقرار السياسي والاجتماعي، واتساع مظاهر العنف في المجتمع، ونشوء نخب سياسية فاسدة تتصدر الحياة السياسية وتقود سلطة الدولة وتقلص شعور الانتماء الوطني والمصير المشترك للمواطنين العراقيين، مما أدى إلى تهميش مفهوم المواطنة الواحدة، وعزز الانتماء إلى الهويات الفرعية “ طائفيةـ مذهبية ـ قومية ـ عرقية ـ إقليمية”.

3. أدت الفوضى الخلاقة على الصعيد الاقتصادي إلى عرقلة التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وبالتالي تردي مستوى الخدمات بكافة أنواعها، الامر الذي ادى لارتفاع نسبة الفقر (25 في المائة حسب آخر أحصاء لوزارة التخطيط) وانتشار البطالة بين المواطنين ونشوء فئات غنية من الطفيليين ولصوص المال العام والمرتشين.

4. إن على النخب السياسية الحاكمة إدراك المخاطر التي تنشأ من تمسكها بسياسة التحالف مع قوى الهيمنة الٌإقليمية والدولية، وضرورة سعيها لانتهاج سياسة وطنية، بعيدة عن الانفراد والاقصاء، تقوم على التعاون مع القوى الوطنية بمختلف تياراتها لتحقيق تطلعات المواطنين بقدر معقول من العدالة الاجتماعية، فبدون هذا النهج لا يمكن تحقيق الاستقرار السياسي والاجتماعي ومقاومة التدخل الخارجي.

***

 د. فاخر جاسم

يدور الحديث هذه الأيام، عن إمكانية أتحاد أوكرانيا مع بولندا بعد الانتهاء من العملية العسكرية الروسية الخاصة، وقد لمّح بذلك مؤخرا الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي خلال زيارته الى وارسو، وأشار إلى أنه لن تكون هناك حدود بين البلدين في المستقبل، ففي القرن السادس عشر، كانت هناك "شراكة" مماثلة في إطار الكومنولث، ما يبرز تساؤلا عن فرص نجاح هذه الفكرة؟ وما المخاطر التي قد تنشأ في هذه الحالة؟

زيلينسكي شدد على إنه لن تكون هناك قريباً حدود بين الدولتين - لا اقتصادية ولا سياسية ولا تاريخية، في حين تشير صحيفة Strana، نقلاً عن مصادرها الخاصة، إلى أن مكتب زيلينسكي يناقش إمكانية إنشاء اتحاد كونفدرالي لأوكرانيا وبولندا، وهو نوع من "الكومنولث الجديد"، ولكن كما يبدو ان هذه الفكرة لا تزال تبدو غريبة نوعا ما، ومع ذلك، فقد ظهر كإحدى الإجابات على سؤال استراتيجي مهم، كما يمكن للمرء أن يقول، - كيف يضمن أمن أوكرانيا إذا تم رفض قبولها في حلف الناتو بعد الحرب؟ .

ومن الغريب أن بولندا أعلنت مرارًا وتكرارًا طموحاتها تجاه أوكرانيا ن ففي كانون الثاني (يناير)، قال وزير الخارجية البولندي السابق رادوسلاف سيكورسكي، إن وارسو تدرس خيار ضم الجزء الغربي من أوكرانيا في بداية إنشاء الاتحاد الروسي الجديد، وأطلق المسؤولون في وارسو على هذه الكلمات بانها "دعاية روسية"، لكن الخبراء يعتقدون أن سيكورسكي قال ببساطة ما كانت السلطات البولندية تخطط له لفترة طويلة.

في الوقت نفسه، وفي منتصف مارس، وقعت الدبلوماسية البولندية في فضيحة أخرى، فقد اعترف سفير وارسو في باريس، أن على الجيش البولندي مواجهة القوات المسلحة الروسية في حالة هزيمة القوات المسلحة الأوكرانية، بعدها تم التنصل من تصريح الدبلوماسي، لكنهم فعلوه بشكل أخرق، ووفقًا للخبراء، في الواقع، حددت وارسو مرة أخرى خططها للأزمة الأوكرانية - وفي هذه القضية لا تتفق مع شركاء الناتو الآخرين الذين لا يريدون توسيع بولندا، وإذا توحدت أوكرانيا وبولندا مع ذلك، وهو أمر لا يشك فيه الخبراء عمليًا، فقد يصبح هذا نسخة مصغرة من الكومنولث، الذي كان موجودًا في الفترة 1569-1795، حيث تم توحيد مملكة بولندا ، ودوقية ليتوانيا الكبرى على أراضي بولندا وأوكرانيا وبيلاروسيا وليتوانيا الحديثة.

وتقد وارسو الآن المساعدة العسكرية للقوات المسلحة لأوكرانيا لسبب ما، ورداً على ذلك، بدأ البولنديون في الجري بقوة في أوكرانيا، والتخطيط لإمدادات الطاقة من محطات الطاقة النووية الأوكرانية، والعمل في مشاريع أخرى للطاقة والنقل، واستقبال قوة عاملة عملاقة في شكل ملايين اللاجئين، وقال سيرغي تسيكوف، عضو لجنة مجلس الاتحاد للشؤون الدولية الروسي ، "إن وارسو تستفيد من الصراع في أوكرانيا"، وإن هزيمة القوات المسلحة لأوكرانيا في ساحة المعركة مفيدة أيضًا لوارسو، وإن كان بدرجة أقل، ففي هذه الحالة، سترغب أوكرانيا الغربية نفسها في الانضمام إلى بولندا، تحسباً لمستوى المعيشة الأوروبي المفترض، صحيح، خلال العامين الأولين، سرعان ما سيصاب السكان المحليون بخيبة أمل من موقف البولنديين تجاههم، لكن هذا سؤال آخر "، لذلك، بغض النظر عن كيفية تطور الوضع في أوكرانيا، فإن بولندا تتلقى وستتلقى مزاياها على أي حال. قال تسيكوف "السؤال الوحيد هو حجمها ونطاقها".

ويشير المحللون السياسيون والمراقبون إلى أن دودا (الرئيس البولندي)، تحدث بالفعل بروح زيلينسكي وتحدث قبل عام عن غياب الحدود بين البلدين، وان فكرة إنشاء دولة بولندية أوكرانية واحدة لا تحظى بشعبية في المجتمع البولندي، لأنها تخشى وراثة المشاكل التي ظهرت أثناء إنشاء الكومنولث، وفي حالة وجود اتحاد كونفدرالي مع أوكرانيا، ستواجه بولندا تحديات صعبة إضافية، ووفقا للخبير البولوني ستانيسلاف ستريميدلوفسكي، فإن البولنديين، حتى بدون الاتحاد مع أوكرانيا، "يمتصون الموارد اللازمة منها"، بما في ذلك العمالة، ولكن الآن وارسو، أولاً وقبل كل شيء، تريد جني الأموال من استعادة البلاد، والمطالبة بالحصول على أموال حزمة من الغرب بقيمة 10٪ من إجمالي التكاليف والتي تقدر بمئات المليارات من الدولارات.

كما وتود بولندا مزيدًا من السيطرة على الحكم الذاتي المحلي، على أمل أن تواصل كييف الرسمية السيطرة على جزء من أراضي أوكرانيا، وإذا كان الغرب مهتمًا حقًا بترميمها، فإن الأموال ستخصص لبناء الطرق والإسكان وترميم الصناعة والطاقة، وإذا أتيحت الفرصة لبولندا للسيطرة على الحكومة ليس فقط على المستوى الوطني، ولكن أيضًا من خلال الحكم الذاتي المحلي، فستحصل وارسو على معظم العقود، ومع ذلك، فهناك شكوك في أن بولندا ستكون قادرة على استخدام "المنطقة الحرام" في حالة هزيمة القوات المسلحة لأوكرانيا، وأشار ستريميدلوفسكي إلى أن الجيش البولندي في بداية إعادة هيكلته، وليس لديه أسطول عمليًا، والقوة الجوية "في حالة يرثى لها"، لذلك، فقط في حالة وجود مبادرة من المناطق الغربية لأوكرانيا، "ستتولى بولندا المسؤولية عن هذه الأراضي".

وترتبط حكومتي أوكرانيا السوفيتية والبولندية، ارتباط قسريًا بميثاق وارسو لعام 1920 بين الرئيس البولندي جوزيف بيلسودسكي والأوكراني سيمون بيتليورا، والتي تم توقيع عليها خلال الحرب البولندية السوفيتية قبل وقت قصير من هجوم القوات البولندية على كييف، حيث رأى بيتليورا التحالف، باعتباره الفرصة الأخيرة لإنشاء أوكرانيا المستقلة ، ووعد بيتليورا البولنديون بمساعدة روسيا السوفيتية، و كل هذا تحول إلى بداية الحرب البولندية السوفيتية، هجوم القوات البولندية حتى كييف، وانتهى بتوقيع معاهدة ريغا في عام 1921 وتقسيم الأراضي، ولا يستبعد تكرار هذا الموقف .

إن ما يفعله زيلينسكي هو ، أقرب إلى أحداث القرن الماضي، عندما ضحى بيتليورا بأوكرانيا الغربية في محاولة للحفاظ على كييف لنفسه، لكنه في النهاية لم ينجح في ذلك، وأنه من وجهة نظر عسكرية، فإن أي تقارب بين أوكرانيا وبولندا يهدد بتقريب الناتو أكثر من حدود روسي، بالإضافة إلى ذلك، إذا أصبحت بولندا اتحادًا فدراليًا، فلن تكون أحادية العرق، ويجب أن تُمنح اللغة الأوكرانية مكانة لغة دولة ثانية، عندها ستحصل على موقف يظهر فيه المشروع البولندي الأوكراني مرة أخرى ، وكما فيودور لوكيانوف، رئيس تحرير مجلة روسيا في الشؤون العالمية، إلى أن تكوين العلاقات الدولية في الوقت الحالي يتغير كثيرًا، بحيث يصبح تحول التحالفات والحدود ممكنًا، وتم التأكيد على أن العمليات الحالية ستكتسب زخمًا، مما يجعل التفكير في أوجه التشابه التاريخية مع الكومنولث واتحاد لوبلين جادًا للغاية.

أن مسألة الاندماج ما هي الآن ، مولدوفا ورومانيا في الهواء لم تعد مثل دخان الشيشة، ولكن كواحد من السيناريوهات العملية، وبشكل عام، من الواضح أن التكامل الأوروبي، كما كان في النصف الثاني من القرن العشرين وأوائل القرن الحادي والعشرين، لن ينجو من الاضطرابات الحالية، و "بعد الحرب، سيصطف كل شيء بشكل مختلف إلى حد ما"، كمايقول لوكيانوف، وإذا بقيت أوكرانيا داخل حدود المناطق الغربية، فقد يتم تضمينها في الدولة البولندية، ومع ذلك، من المهم الإدلاء بملاحظة، لن يحدث هذا إلا إذا اعتبرت الولايات المتحدة أن مثل هذه النتيجة هي الأكثر فائدة.

ومما تقم ، فانه من حيث المبدأ، ستكون واشنطن راضية عن أي دمج للأراضي التي لا مالك لها في الكتلة الغربية، وووارسو وحدها لن تسحب استعادة أوكرانيا ودخولها إلى بولندا، ويؤكد وقال ألكسندر نوسوفيتش، رئيس تحرير بوابة RuBaltic.Ru، انه سيتعين علي اللجوء إلى العاصمة الغربية، والتي سيتم بالتأكيد تنسيقها مع الدول، وسيكون ظهور كونفدرالية جديدة بالقرب من الحدود الروسية تحديًا أكيدًا لموسكو .

أولاً، في هذه الحالة، ستكون الأراضي التي اعتاد تسميتها" بالمعادية لروسيا "، ستكون تحت الحماية المباشرة لحلف شمال الأطلسي، وهذا سيسمح، مع الإفلات النسبي من العقاب، بالمحافظة في أوكرانيا السابقة على كل الكثافة الأيديولوجية، التي أدت إلى الأحداث المأساوية وعمليات العمليات الخاصة التي تلتها، وبالتالي، فإن وارسو ستتلقى أداة ضغط جيدة على روسيا، وثانياً، سنحصل على دولة جديدة "سيثير" موضوع الخلافات الإقليمية معها، وستتحول بولندا بالتأكيد إلى الخطاب، الذي يجب أن تذهب إليه معظم المناطق الجديدة في روسيا، ويعتقد أنه سيتم إيلاء اهتمام خاص لمنطقة خيرسون، لأنه لا أحد يعارض زيادة الحدود البحرية، ومع ذلك، فإن هذا الوضع سيعطي روسيا أيضًا بعض المزايا التكتيكية في مجال الدبلوماسية، ففي كل مرة يتم اتهامها بعدم شرعية ضم ماريوبول أو ميليتوبول، وبالتالي ستكون روسيا قادرة على الإشارة بشكل معقول إلى الحدود الجديدة لبولندا، وأن وارسو ليس لها الحق الأخلاقي في الإدلاء بمثل هذه الملاحظات .

***

بقلم الدكتور كريم المظفر

قيل الكثير عن عدم معرفة وإتقان غازي بالسياسة وأساليبها وفنونها وطيشه ونزقه بل وجنونه:

(ولنا أن نقول، إن الملك غازي قد غُلب على أمره وإستسلم لضغوط وقيود الحكومات، شاء أم أبى حتى النزع الأخير من حياته، لأنه لم يكن سياسياً مُحنكَاً، ولم تصقله التجارب أو تدركه الحيل في مواجهة أضداده من الساسة المخضرمين آنذاك) (1).

(درست تاريخ العرب والإسلام وآل عثمان، وتاريخ أوربا وملوكها، كنت أقرأ مثلاً أن ملكاً عظيماً خدم بلاده بكل ما أوتي به من حُبٍ وإخلاص حتى أوصل شعبه الى مراقي الفلاح، فإن مات وخلّف صبياً طائشاً نزقاً شبه مجنون، أنزل ولي عهده ذلك الشعب من قمة مجده الى حضيض الشقاء والتدهور، لأنه حلّ محل أبيه بالوراثة) (2). والصبي المقصود هو غازي.

والمصادر مملوءة بالمعلومات التي تشير لقلة فهم غازي وتطوره التعليمي البطيء لدرجة أن أباه فيصل قد أخذه الخوف على مستقبله ومستقبل البلاد عندما تكون بعهدته. أما المصادر البريطانية فقد أشارت بأن غازي قد أبدى قليلاً من التقدم عند دراسته في هارو بسبب قابلياته المحدودة وعدم إعداده بالمستوى المطلوب في صغره (3).

لكن هل كان غازي راغباً فعلاً في الدراسة في إنكلترا؟ وهل يرجع هذا التقدم القليل لخلل فيه؟ يقول د. لطفي جعفر فرج:

(والحق يُقال بأن عدم رغبة غازي بالدراسة في إنكلترة أو المكوث فيها لم يكن مرده الى نقص في الذكاء أو مجرد الحنين الى أهله وإنما هناك عامل آخر ألا وهو نقمته الشديدة على الإنكليز، حيث لم يستطع أن ينسى خذلانهم لجده الحسين بن علي وتخليهم عن وعودهم للعرب) (4).

هنا سنُمسك برأس الخيط في مقالنا الحالي، ونحاول أن نتأكد من هذا الزعم:

"لم يكن غازي سياسياً"، فهل فعلاً كان كذلك؟ لكن قبل ذلك لا بُد من المرور السريع على ولادة غازي ونشأته.

وُلِدَ غازي في مكة يوم 21 آذار 1912 (5). وهناك من يرى ميلاده في عام 1911 (6). وقد وصل لبغداد مع والدته وشقيقاته في 5 تشرين الأول 1924 (7). وتثقف على يدي إحدى المربيات الإنكليزيات، وسافر الى لندن ودرس في هارو ثم رجع الى العراق ودرس في الكلية العسكرية وتعلم ركوب الخيل بمهارة.

برأينا أن غازي لم يكن يفتقر الى الحنكة السياسية والمناورة مع البريطانيين والسياسيين العراقيين أيضاً، وسنُثبِتُ هذا من خلال شواهدَ تُفصِحُ عن هذه الحقيقة وبجلاء. لكن لا بُدّ من التأكيد الصارم على ما يلي:

عندما يريد الباحث الخوض في هذا الموضوع، لا بُد له من الإبتعاد عن مقارنة غازي بوالده، فنجم فيصل المُحَنّك سيُغطي ويحجب الضوء عن ولده غازي بكل تأكيد، إذ لا مجال للمقارنة بينهما من ناحية العُمر ـ تولّى غازي الحكم في 1933 وعمره 21 عاماً ـ والخبرة الميدانية. ثم إن الظروف التي جابهت غازي مختلفة جداً عن ظروف والده، فقد برز التوجه القومي والتدخل العشائري في السياسة، ثم تدخل العسكر وحدوث الإنقلاب العسكري الأول في العراق والمنطقة. وموقف الساسة العراقيين المُجَرّبين السلبي منه الى حد أن أصبح "سجيناً مُحتَرَمَاً"!

الشواهد:

أولاً: تصرف غازي أثناء نيابته عن والده بموجب الصلاحيات الدستورية المقترنة بنصائح والده، لكنه وقف موقفاً دستورياً صرفاً مُخالفاً لرغبات والده خلال أحداث الآثوريين، إذ كان موقفه مطابقاً لموقف الوزارة العراقية في تلك المشكلة (8).

ثانياً: تميزت الأيام الأول لعهد غازي بمجاراته للإنكليز، فقد أخذ يجتمع بالسفير البريطاني بصورة مستمرة ويؤكد له بأنه حريص على الأخذ بنصائحه وبأن العلاقة ستبقى كما كانت في أيام والده (9). وكُرهه للإنكليز معلوم جداً!

ثالثاً: وفي أشارة صريحة جداً على ما نجتهد في إثباته يقول د. فرج:

(إن عدم موافقة الملك غازي على إقتراح وزارة الكيلاني في حَلّ مجلس النواب فيها مؤشرات مبكرة توضّح شخصية غازي السياسية في السنة الأولى من توليه العرش، إذ لم يسمح للسلطة التنفيذية المتمثلة في الوزارة أن تطغى على صلاحياته الدستورية، كما خيّب آمال بعض الزعماء السياسيين الذين رأوا في حداثة سنه وقلة خبراته ما يجعله أداة بأيديهم. هذا بالإضافة الى أن رفضه شروط ياسين الهاشمي في تشكيل الوزارة وإختياره للمدفعي يدل أيضاً على أن الملك غازي حاول أن يكون فوق التكتلات الحزبية والرغبات الإنكليزية في هذا الشأن) (10).

رابعاً: أسند الملك غازي رئاسة الديوان الملكي لرشيد عالي الكيلاني، والأخير كما ترى بعض المصادر يحب دائماً أن يكون في الصف الأول. يقول د. عبد الله كاظم:

(وفي إعتقادي أن السبب الرئيس لتعيين الكيلاني، كان بهدف إيجاد موازنة يكون طرفيها نوري السعيد والكيلاني نفسه، لا سيما وأن الفكرة هذه قد تبلورت بشكل واضح لدى الملك غازي الذي رأى في الكيلاني نداً قوياً لنوري السعيد، وأن الإجراء قد تم بناءً على موافقته دون أن يُفرَض عليه ـ بحسب إعتقاده ـ، وبدت محاولة ناجحة للملك في مواجهة كبار السياسيين كما يرى خدوري. إذ لم يكن مرتاحاً من وزارة فُرِضَت عليه خلافاً لإرادته، خاصة وأن نوري السعيد بدأ العمل لإزاحة الملك عن الواجهة السياسية. والواقع أن تعيين الكيلاني مرة ثانية رئيساً للديوان الملكي، أثار لغطاً كبيراً، ولم يُقابَل بإرتياح البريطانيين ونوري السعيد) (11).

وهذه لعمري سياسة ما بعدها سياسة! رغم قول د. عبد "بحسب إعتقاده"، لكنها كانت محاولة ناجحة برأي خدوري.

خامساً: تمكّن رئيس الوزراء ياسين الهاشمي من شَلّ تصرفات الملك غازي وحوّله لمجرد رمز، خصوصاً بعد قضية هروب الأميرة عزة، هذه القضية التي إستغلها الساسة وجعلوها كقميص عثمان (12). لكن هل يعني هذا إستسلام الملك غازي؟ يقول د. فرج:

(إن خضوع الملك لضوابط ياسين لم تستمر طويلاً، ففي أوائل تموز 1936 ظهرت بوادر محاولاته لإستعادة سلطته، فقد أخذ الملك يُظهِر بعض المقاومة لخطط الحكومة المتعلقة بالإشراف على القصر، وبدأ يحاول إرجاع بعض الأشخاص الذين أُبعدوا عنه، بحيث شعر ياسين بأنها علامات خطيرة لإستعادة الملك لسلطته) (13). ولم تقف محاولات غازي عند هذا الحد، بل فَكّر في الإعتماد على الجيش من أجل التخلّص من وزارة ياسين الهاشمي وتهيئة أفكار الضباط لهذه المسألة (14).

سادساً: وفي خطوة تدل على التحدي والشجاعة في مواجهة ممثل عتيد للطبقة السياسية آنذاك، ترك غازي نوري السعيد الذي عاد الى العراق في 22 تشرين الأول 1938 وجاء لمقابلة الملك، تركه ينتظر طويلاً قبل أن يسمح له بمقابلة قصيرة لم يتحدث غازي خلالها إلا عن الأحوال الجوية! وهذا ما أزعج السعيد الذي أخذ يذم الملك (15).

سابعاً: إهتم الملك غازي إهتماماً خاصاً برجال الدين، فقد إستقبل في أثناء زيارته للنجف كُلاً من: أبو الحسن الأصفهاني، محمد حسين كاشف الغطاء، عبد الكريم الجزائري، جواد الجواهري. وحظي بالمثول بين يديه في بغداد روبين ميانسيان مطران الأرمن وإستقبل يوسف عمانوئيل بطريرك الكلدان (16). بماذا يُعَلّل د. عبد هذا الإهتمام من جانب غازي؟ يقول:

(وربما أراد الملك من ذلك كسب ود علماء الدين، والتأثير بواسطتهم للحصول على تأييد الرأي العام في صراعه الخفي مع البريطانيين وبعض الساسة الموالين لهم) (17).

وقد إهتم البلاط الملكي أيام ثورات العشائر في وزارة ياسين الهاشمي إهتماماً خاصاً ينم عن ذكاء ومرونة في صراعه مع الوزارة، يقول د. عبد:

(ومن المهم أن نشير إلا أن البلاط الملكي كان قد تعامل مع هذه الأحداث السياسية بأسلوب دبلوماسي مرن حاول فيه تفادي إراقة دماء أبناء الشعب ودفع شبح الخراب عن البلاد، فأصاب جهده مرة وجانب النجاح في الأخرى) (18). وقد حاول البلاط الملكي أن يتحول لمركز إستقطاب للشخصيات السياسية ونقطة إلتقاء الأطراف المتصارعة بعد إسقاط وزارة الهاشمي، مع ميل واضح الى إستغلال الأوضاع الى جانبه (19).

ثامناً: إنضمت اليمن "لمعاهدة الأخوة والتحالف" بين العراق والسعودية في 23 حزيران 1937 وقد عرف الملك غازي ـ يقول د. فرج ـ كيف يستغل مخاوف الإنكليز بإتجاه كسب تأييدهم لإنضمام اليمن الى هذه المعاهدة، فقد أخذ يُحذر الإنكليز من مشاريع الإيطاليين الطموحة مع اليمن، وأنهم سيحصلون على منافع كثيرة هناك (20). وقد حرص غازي في قضية سوريا على أن لا يُظهر من جانبه ما يمكن إعتباره مقاومة للمساعي السعودية تجاه سوريا بقدر ما يُظهر بأن السوريين أنفسهم يُنادون بالإنضمام الى العراق بزعامة غازي، فقد تجنب الأخير الإصطدام بالملك عبد العزيز حفاظاً على علاقاته الجيدة معه، وركز على كسب السوريين بتشجيعهم على الوحدة الوطنية والكفاح من أجل الإستقلال (21).

نتيجة المقال:

إتضح الآن بعد هذه النماذج أن القول بأن "غازي لم يكن سياسياً مُحَنّكَاً" يجب أن يوضَع بين مزدوجين، ويتم التحفظ عليه، فمن ذهب إليه فسيكون طريقه:

من خلال مقارنة غازي بأبيه، وهذا خطأ كبير كما أثبتنا في أعلاه. ومن خلال التغاضي عن سياق المرحلة شديدة الحراجة، فالظروف التي واجهها غازي مختلفة عن ظروف فيصل، هذا إذا علمنا بأن الطبقة السياسية المحيطة بغازي تتحمل جزءاً كبيراً من هذا الخراب الذي حَلّ بالمملكة، يقول د. الزبيدي في نص بالغ الأهمية:

(وهكذا يتبين لنا من سير الأحداث أن المسؤولية تقع على عاتق: رشيد عالي الكيلاني ونوري السعيد وياسين الهاشمي وجعفر العسكري وناجي شوكت بصورة مباشرة. فلو تعاون هؤلاء الساسة مع الملك غازي ووضعوا خبرتهم وتجاربهم في خدمة البلاد بعيداً كل البعد عن الأطماع والشهوات والمصالح الذاتية الضيقة لما حَلّ بالبلاد ما حل ولما وصلت الى ما وصلت إليه. ومع كل هذا فقد أسقطوا كل المشاكل التي خلقوها على الملك غازي متذرعين ب"جهله" تارة و"بقلة تجربته في الحياة" تارة أخرى أو بصغر سنه "زعطوط" وعدم نضجه. الى غير ذلك من الصفات التي كانوا يصفون بها الملك) (22).

ومن الأهمية الإستشهاد بما أثبته باحث آخر يُعَزّز ما ذهبنا إليه:

(لكننا لا يمكن أن نركن الى أن الملك الشاب يعاني من الضعف الذي تصوروه، بعد إن إستقطب إعجاب شعبه بكل فئاته حينما عبّر بشجاعة عن إنتمائه لشعبه وأمته في مواجهة 1933 التي وقف الإنكليز بقوتهم العسكرية ودهائهم السياسي في الطرف المضاد. لذلك لا نفترض مجرد إفتراض بأنه أفلح في تحشيد ما يمكن تحشيده لمواجهة خصومه وبالأسلوب ذاته الذي إنتهجه الخصوم، المناورة السياسية والدهاء والسرية التي تقتضيها الحالة. وحتى حينما فاجأوه بفضيحة شقيقته التي إستدرجها خادم إيطالي لقصة عشق لا تخلو من فعل مقصود

لخصومه بقصد تصعيد الحرب التي شُنت عليه، عسى أن تنال منه. لكن موقفه الحكيم فوّت على خصومه ما نصبوه له من شرك قاتل رغم الإجراءات أن التي إتخذوها لتحجيم دور الملك تجاوزوا فيها كل المقاييس) (23).

***

بقلم: معاذ محمد رمضان

..................

الحواشي:

1ـ عبد الله كاظم عبد: تطور البلاط الملكي العراقي 1933 ـ 1939، مكتبة الرائد العلمية عمّان الأردن ط1 2007 ص332

2ـ ناجي شوكت "رئيس الوزراء الأسبق": سيرة وذكريات ثمانين عاماً 1894 ـ 1974، دار الكتب بيروت لبنان ط2 1975 ص104 حديث للمؤلف مع الملك فيصل

3ـ رجاء حسين حسني الخطاب: المسؤولية التاريخية في مقتل الملك غازي، منشورات مكتبة دار آفاق عربية بغداد ط1 1985 ص9 وكذلك:

محمد حسين الزبيدي: الملك غازي ومرافقوه، دار الحرية بغداد 1989 ص21

4ـ لطفي جعفر فرج: الملك غازي ودوره في سياسة العراق في المجالين الداخلي والخارجي 1933 ـ 1939، منشورات مكتبة اليقظة العربية بغداد 1987 ص33

5ـ المصدر السابق ص17 وكذلك/ الزبيدي: المصدر السابق ص7

6ـ الخطاب: المصدر السابق ص9

7ـ لطفي جعفر: المصدر السابق ص20 أما د. الخطاب فتجعل تاريخ الوصول في 1923 ص9

8ـ لطفي جعفر: المصدر السابق ص45

9ـ المصدر السابق ص66

10ـ المصدر السابق ص69

11ـ عبد الله كاظم: المصدر السابق ص50 و 51

12ـ الزبيدي: المصدر السابق ص132

13ـ لطفي جعفر: المصدر السابق ص112

14ـ المصدر السابق ص123 و 131 وقد ذكر د. القيسي دليلاً حَيّاً على ضلوع غازي بالإنقلاب، يقول: (أخبرني محمود صبحي الدفتري في مقابلة معه بتاريخ 11 آذار 1973 أن ناجي الأصيل تعيّن مديراً للتشريفات في البلاط الملكي قبل الإنقلاب بعدة أشهر، وهو الذي جَسّ نبض غازي ووجده مستعداً لتأييد الإنقلاب أو أية حركة تُطيح بالوزارة، فقام بنقل رغبة الملك الى حكمت وغير حكمت. كما أيّد ناجي شوكت في مقابلة معه بتاريخ 16 تشرين الأول 1972 أن الملك كان عالماً بالإنقلاب وقال بالحرف الواحد: إن الملك كان يعلم بالإنقلاب 100%) يُراجَع:

سامي عبد الحافظ القيسي: ياسين الهاشمي وأثره في تاريخ العراق المعاصر 1922 ـ 1936، منشورات دجلة المملكة الأردنية الهاشمية 2013 ص523

15ـ لطفي جعفر: المصدر السابق ص177 و 178

16ـ عبد الله كاظم: المصدر السابق ص261

17ـ المصدر السابق ص262

18ـ المصدر السابق ص271

19ـ المصدر السابق ص277

20ـ لطفي جعفر: المصدر السابق ص198 و 199

21ـ المصدر السابق ص202

22ـ الزبيدي: المصدر السابق ص132

23ـ حسام الساموك: الملك غازي ودوره في إنقلاب بكر صدقي عام 1936 وقضية هروب الأميرة عزة أخت الملك غازي وزواجها من خادم يوناني وأثرها على الإنقلاب، الدار العربية للموسوعات بيروت ط1 2005 ص61 و 62

المظاهرات في (إسرائيل) المتواصلة للأسبوع العاشر ضد التعديلات القضائية الذي تسعى حكومة نتنياهو لتمريرها تُشغل وسائل الإعلام العالمية واهتمام عديد الدول، مع صمت رسمي فلسطيني وحالة من اللامبالاة تجاه ما يجري في إسرائيل بل وصل الأمر بالبعض للمراهنة على حرب أهلية داخل دولة الكيان، وحتى بالنسبة لفلسطينيي الداخل لا يوجد موقف موحد وتسود حالة ارتباك وتردد ما بين المشاركة في الاحتجاجات أو عدمها مبررين الاستنكاف عن المشاركة أنهم لا يلمسون اهتماما من المتظاهرين اليهود بحال الفلسطينيين في الداخل وأن الصراع هو بين قوى يهودية صهيونية. في نفس الوقت يُلاحظ حالة غياب لأي نقاش أو حراك سياسي فلسطيني يتعلق بالشأن العام الفلسطيني سواء فيما يتعلق بالمصالحة والوحدة الوطنية أو باستراتيجية لمواجهة تداعيات التحولات في الكيان الصهيوني.

هذا الغياب لا يتعلق بالأحزاب فقط بل حتى غالبية المثقفين والكُتاب انشغلوا بما يجري في الكيان الصهيوني أكثر من انشغالهم بما يجري في النظام السياسي الفلسطيني من حالة انهيار وتفكُك بل استطاع العنصري المتطرف وزير المالية الصهيوني سموترتش بتصريحاته المتطرفة جر الجميع لجدل عقيم حول الصراع الديني في وعلى فلسطين وخزعبلات الرواية الدينية اليهودية والحديث عن دولة إسرائيل من النيل للفرات الخ، في تجاهل أن الرواية الدينية اليهودية المزعومة والتوراة المحرفة ليسا من أسَّسَ دولة إسرائيل وليسا مصدر قوتها راهنا، بل إن قوتها مستمدة من ذاتها كدولة متفوقة عسكريا وتكنولوجيا و صناعيا وعلميا وقادرة على كسب الحلفاء من حولها بما في ذلك أنظمة عربية، كما أن هذا اليمين العنصري الفاشي نمى وترعرع في ظل حكومات صهيونية علمانية وديمقراطية.

قد يقول قائل إن ما يجري شأن إسرائيلي داخلي وصراع على السلطة وهوية وطبيعة النظام بين قوى صهيونية ومن الحكمة عدم التدخل فيه سواء من خلال مشاركة فلسطينيي الداخل بالمظاهرات أو من خلال تصريحات ومواقف من السلطة والأحزاب الفلسطينية لدعم فريق على حساب فريق آخر، وهذا كلام صحيح ولكن المطلوب خلق جدل داخلي ووضع استراتيجيات عمل لمواجهة قادم الأيام لأن الواقع يقول بأن الفلسطينيين سيتأثرون سلبا من التعديلات في النظام القضائي و سيكونون ضحية لما ستؤول إليه الأمور، سواء باستمرار حكومة نتنياهو ونجاحها في تمرير التعديلات القضائية أو بتأجيلها أو التراجع عنها، أو في حالة انهيار حكومة نتنياهو واللجوء الى انتخابات مبكرة.

إن كنا نتمنى انزلاق الأمور لحرب أهلية ونهاية الدولة العبرية كما تنبأ بعض اليهود مستشهدين بأساطير (دولة اليهود) التي لم تعمر تاريخيا أكثر من ثمان عقود، إلا أن السياسة لا تحكمها التمنيات بل الوقائع على الأرض، والواقع يقول بأن المظاهرات وردود الفعل الدولية وخصوصا الأمريكية الغاضبة أتت أكلها وهناك مؤشرات على تراجع نتنياهو عن تعنته مثل تراجعه عن إقالة وزير الحرب غالانت وتأجيل التصويت على التعديلات في الكنيست كما أن حزب الليكود نفسه يشهد حالة تمرد وعدم رضا عما يجري، وفي اعتقادنا أن الأمور لن تصل لحد الحرب الأهلية في إسرائيل ، خصوصا أن نتنياهو حصن نفسه من أي متابعات بتهم الفساد بعد تمرير تشريعات في الكنيست تؤمن له ذلك.

نعم، على الفلسطينيين التخوف مما يجري في دولة الكيان وعلى الأحزاب والسلطتين الخروج من موقع المتفرج، صحيح أن شرخا كبيرا أصاب المجتمع الصهيوني وهناك نفور وحالة صراع داخلي غير مسبوق بين المتدينين والعلمانيين حول نظام الدولة وهويتها الدينية، ولكن في نفس الوقت هناك شبه إجماع فيما يتعلق بإنكار الحقوق السياسية للشعب الفلسطيني وحقه في دولة مستقلة، وأي مصالحات أو توافقات إسرائيلية داخلية سيدفع ثمنها الشعب الفلسطيني.

بعض النظر عما ستؤول إليه الأمور في دولة الكيان مطلوب من الفلسطينيين وخصوصا الطبقة السياسية تجاوز مواقفها وسياساتها البئيسة الحالية المتمثلة بخطابات الاستنكار والإدانة ومناشدة العالم بالتدخل أيضا تجاوز مهزلة التهديد بالرد بالصواريخ من قطاع غزة ومهزلة الارباك الليلي، تجاوز كل هذه السياسات والمواقف التي أصبحت تثير سخرية العالم واحتقار السعب إلى موقف وطني موحد في مستوى المخاطر والتهديدات الوجودية، موقف واستراتيجية عمل تنطلق من الإحساس بالمسؤولية الوطنية وأن ما تتعرض له القضية اليوم لا يقل عن نكبة 1948 وهزيمة 1967.

تتجلى المخاطر التهديدات القادمة للشعب والقضية في الأمور التالية:

1- بالرغم من كثرة عدد المتظاهرين وتعدد انتمائهم إلا أن حكومة نتنياهو تمثل الأغلبية وهي أغلبية دينية عنصرية فاشية.

2- قد يلجأ نتنياهو وتحالفه المتطرف للتهرب من الأزمة الداخلية وللتغطية على تراجعه في تمرير التعديلات القضائية لتفجير الأوضاع في الضفة والقدس بإجراءات متهورة غير مسبوقة قد تحدث خلال شهر رمضان أو قبل الدورة التشريعية القادمة، وما جرى يوم الأربعاء في المسجد الأقصى مجرد بروفة لما هو أكثر خطورة.

3- بالرغم من أن المحكمة العليا جزء من المنظومة الصهيونية إلا أنها كانت تحد بعض الشيء من تغول المستوطنين على الأراضي الفلسطينية.

4- نجاح خطة إصلاح القضاء سيعزز موقف حكومة نتنياهو ومخططات بن غقير وسموترتش بالسيطرة على كل أراضي الضفة.

5- تمرير الإصلاح القضائي ونجاح التحالف الحكومي في فرض إرادته سيضع

حدا لكل المراهنات على التسوية السياسية العادلة وحل الدولتين.

6- التخوف الأكبر أن يتم تسوية الخلافات من خلال حلول وسط تعزز هيمنة اليمين المتطرف مع الحفاظ على استقلالية مؤسسة القضاء وفي هذه الحالة ستخرج دولة الكيان الصهيوني أكثر قوة.

7- تشكيل ما يسمى "الحرس الوطني" تحت قيادة المتطرف بن غفير يعني توحيد وشرعنة الجماعات الإرهابية الصهيونية وإضفاء طابع رسمي عليها وستكون مهمة هذه القوات قمع فلسطينيي الخط الأخضر وحماية قطعان المستوطنين في الضفة الغربية.

8- تؤكد هزالة ردود الفعل العربية والإسلامية والدولية على ما تقوم به حكومة نتنياهو في القدس والضفة أن الصراع بات محصورا بين الفلسطينيين والإسرائيليين ولن يكون العالم الخارجي أكثر فلسطينية وحرصا على الفلسطينيين من الفلسطينيين أنفسهم.

وأخيرا، وإن كان سؤال أين الفلسطينيون؟ موجه للكل الفلسطيني إلى أن الرد مطلوب من منظمة التحرير الممثل الشرعي والوحيد للشعب وللقيادة الفلسطينية برئاسة الرئيس أبو مازن، فهل لدى هذه القيادة أية رؤية أو استراتيجية للتعامل مع ما يجري من تحولات في المجتمع الصهيوني وفي المحيط العربي والدولي؟ أم أنها ستستمر في نفس سياسة المراهنة على حل الدولتين وعلى الأمم المتحدة ومحكمة الجنايات الدولية؟

***

د. ابراهيم أبراش

أكتب في الذكرى العشرين لغزو العِراق واحتلاله. سيُفهم المقال اتهاماً للوزير سلطان هاشم (ت: 2020)، ضمن التَّلفيق الذي طال الوزير مؤيد الدِّين بن العلقميّ (ت: 656هـ)، وطرف سيفهمه تقليلاً مِن العلقميّ، ذلك وفق الأهواء المذهبية. لكنني أكتب حافظاً للاثنين محاولتهما لإنقاذ بغداد، وإخلاصهما لها، ولستُ معنياً بما سيُقال.

أعبر عن قناعتي أنّ للوزيرين العِراقيين تجاربَ في الحروب، وإخلاصاً قل نظيره. فالعلقميّ صد غزو جد هولاكو جنكيزخان (ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة)، وهاشم ابن المؤسسة الوطنيَّة المخلص لبلاده في حرب الثماني سنوات وما بعدها. ليس مِن شأني إقناع الآخرين، وقد فصلتُ براءة الوزير العباسيّ في أكثر مِن كتابٍ ومقال: «لا إسلام بلا مذاهب وطروس أُخر»، و«ضد الطَّائفية»، وفي «الشّرق الأوسط»: «أيُّ مفاتيح سلمها ابن العلقمي» (4-4-2007). أما ردود الطَّائفيين المتحزبين فليست لها اعتبار.

ترك هاشم وصيةً بخط يده، تلاها محاميه سليمان الجبوري، مؤرخة في يوليو 2007، أرسلها لشقيقه عبدالله هاشم، عرض أمر تردي أوضاع الجيش، طالباً زيادة الرَّواتب، وتحسين الإمكانية القتالية، بعد الانهيار(1991). قال: «وصل الحال أنَّ الجنود يستجدون في أبواب الجوامع والمساجد». لكنَّ «الدَّوائر المعنية في القضايا المالية، في مجلس الوزراء، كانوا دائماً يضعون أمام القيادة: إنَ الوضعَ المالي للبلد لا يُساعد». حاول سد ما يحتاج من تجهيزات ومعدات، لكنه فشل.

رُفضت، قُبيل (2003) خطته لحماية بغداد، ولما اُحتلتْ «أم قصر»، وافق القائد العام عليها، ثم سرعان ما ألغيت. تحدث عن توزيع العراق إلى أربع مناطق يقودها مدنيون، لا يعلم وزير الدِّفاع ما سيفعله هؤلاء، وليس له علم بالحرس الجمهوري، ولا الخاص.

غلب على صدام حسين (أُعدم: 2006) الاعتقاد أنّ الأميركان لا يدخولون بغداد، أما الوزير فقال: «إذا لم تُعالج الأمور سيصل الأميركان خلال أيام». كتب: «هذا التقدير الخاطئ، وهذه القناعة، التي أجهل مِن أين أتت، وكيف تم التّوصل إليها، كانت هي سبب الكارثة»، بأنّ الأميركان لا يدخلون بغداد!

بالمقابل كان المستعصم بالله (قُتل: 656هـ) لا يسمعِ مشورة وزيره، فظل مطمئناً أنَّ هولاكو لا يدخل بغداد، لأنّ «بناء هذا البيت مُحكم للغاية، وسيبقى إلى يوم القيامة» (الهمدانيّ، تاريخ هولاكوخان).

أشار الوزير لدفع هولاكو: «ينبغي دفعه ببذل المال، لأن الخزائن والدَّفائن تجمع لوقاية عزِّة العرض» (المصدر نفسه، والحوادث الجامعة)، بإرسال وفد مع هدية نفيسة، اعتذاراً لما حصل لوفد هولاكو مِن إهانة على حدود بغداد. وافق الخلفية، لكنَّ الحواشي أشاروا بغير ذلك، وهم أجداد الذين حالوا دون تطبيق خطة الوزير هاشم.

عاد العلقميّ طالباً أموالاً لإعادة بناء الجيش المتضعضع، جاء في الرّواية بما يتطابق ومعاناة هاشم، مع القادة المدنيين وأحوال ضباطه وجنوده: فـ «كان الخليفة قد أهمل حال الجند، ومنعهم أرزاقهم، وأسقط أكثرهم من دساتير ديوان العرض، فآلت أحوالهم سؤال النَّاس، وبذل وجوههم في الطَّلب في الأسواق والجوامع» (الحوادث الجامعة).

إذا كانت قناعة المستعصم أنَّ الخلافة لا تسقط، فمات هاشم وهو لا يدري أيّ مُنجمِ أدخل في رأس صدام أنَّ بغداد لا تسقط؟! فسقطت الخرافة واجتيحت بغداد في أربعاء مِن صفر (1258م)، وأربعاء مِن صفر 2003.

كان هاشم حريصاً نزيهاً بما نراه نادراً، فأوصى بتسليم 13 ألف دولار، الباقية لديه مِن وزارته، والخمسة ملايين دينار إلى الفريق عبود كمبر، هدية مِن الرَّئاسة، وأخرى لشخص اسمه راضي. لكنَّ واقعة (1258م) تكررت بعد سبعة قرون (2003)، وكأن مجد الدِّين النَّشابيّ (ت: 657هـ)، لم يبرح المكان، محذراً مما سيقع: «يا ضيعةَ المُلكِ والدِّينِ الحنيفِ وما/ تَلقاه مِن حادثاتِ الدَّهرِ بَغْدادُ»(الحوادث الجامعة).

***

د. رشيد الخيّون - كاتب عراقي

5 ابريل 2023

تمر بعد ايام في التاسع من نيسان الذكرى العشرين للاحتلال الامريكي لبغداد بعد الغزو الوحشي الذي دمر العراق كدولة كان يعتد بها عسكريا في الشرق الاوسط بالرغم من الحكم الدكتاتوري الفاشي القائم انذاك ولاينبغي ان ننسى بان تلك الحرب المدمرة كانت حربا عدوانية وقامت على اسس كاذبة ومفبركة في مقدمتها مزاعم امتلاك العراق لاسلحة الدمار الشامل وهذا ما اكده سكوت ريتر منذ سنين واعترف به زلماي خليل زاده في مذكراته المنشورة مؤخرا حيث اكد ان قرار الحرب العراق كان قد اتخذ منذ سنوات بانتظار الحجة المناسبة لتحقيقه. لقد نصب الامريكان بعد الاحتلال المدمر عناصر امريكية ذات ماضي اجرامي في امريكا اللاتينية وطبقوا الكثير من اساليبهم القذرة المجربة من التخريب والتعذيب والفساد واغتيال المئات من الكفائات المدنية والعسكرية وماحصل في سجن ابو غريب من الجرائم وامتهان كرامة الانسان العراقي لاينبغي تناسيه ولن تسقط تلك الجرائم بالتقادم ولابد ان ياتي يوم يدار العراق بحكومة وطنية تطالب بمحاكمة الامريكان والبريطانيين وقوات التحالف على جرائمهم ومسئوليتهم عن استشهاد مئات الالاف من ابناء شعبنا وليس هذا فحسب بل ومطالبة تلك القوات الغاشمة باعادة بناء العراق الذي دمروا مؤسساته وبناه التحتية وصناعاته ليس في الحرب فحسب بل ايضا في الحصار الجائر الذي سبق الحرب وفي تنصيب مجموعة فاسدة وفاشلة استمرت في تدمير العراق طيلة العشرين سنة الماضية .

جاءت الحرب على اساس كاذب بادعاء امتلاك العراق لاسلحة الدمار الشامل وعندما عجزوا في ايجاد اي دليل على ذلك تحول المبرر الى مهمة نشر "الديمقراطية" وها نحن نتمتع بنتائج تلك الديمقراطية المزعومة المتمثلة في قمع وحشي للاحتجاجات وسرقة مهولة لمليارات الدولارات وتزوير الانتخابات ونشر الفساد الذي ينخر كافة الوزارات والمؤسسات والفشل الكامل في توفير الخدمات الصحية وايصال التعليم الى الحضيض والفشل في توفير الكهرباء والمضحك المبكي وباعتراف احدهم انهم عجزوا حتى عن انشاء مجاري في المنطقة الغبراء التي عزلوا انفسهم فيها عن الشعب واستولوا على قصور ومباني تعود ملكيتها للشعب العراقي الذي لا يرى حكامه الا وهم محاطين بحمايات مدججة بالسلاح ولايمكن الخلاص من هذه العصابات الحاكمة الا بانتفاضة شعبية قادمة مستفيدة من انتفاضة تشرين 2019 التي لازالت تشكل كابوسا مرعبا للقتلة والفاسدين الحاكمين بالكذب والتزوير .

لقد تمكن الثلاثي الامريكي القذر المتمثل في بترايوس ونيكروبونتي وجيمس ستيل بالقيام بنفس جرائم القتل والاغتيال التي سبق وان طبقت في العديد من دول امريكا اللاتينية وقاموا باثارة النعرات الطائفية وكان لايمر يوم في بغداد الا وتكتشف العديد من الجثث وتتعرض المدينة اسبوعيا لعشرات التفجيرات الارهابية والاغتيالات فى محاولات اشعال حرب اهلية ومن العناصر التي اعتمدوها المجرم الشرطي الامريكي بيرنارد كيرك الذي كان الامر الناهي في المجال الامني والعديد من المجرمين الأخرين ولا ننسى المجرمين الرئيسين كجرج بوش الابن وتوني بلير وكوندليزا رايس ورمسفيلد وشيني وولفيتس وبيرل ولو كانت هناك عدالة دولية لكانوا جميعا امام محكمة دولية تضعهم في السجن كمجرمي حرب كما اسخدموا ايضا جنود مرتزقة من شركة بلاك وتر وامثالها تحت واجهات "شركات امنية".

ان التقليعه الجديدة لبعض مراكز الدراسات الامريكية هي انهم ارتكبوا خطأ ستراتجيا في شن الحرب واحتلال العراق وفشلوا لسوء تقديرهم ولم يتمكنوا من تحقيق اية ديمقراطية في العراق الا ان الواقع هوعكس ذلك لان الذي تحقق من ماساة متواصلة لمدة عشرين عاما يعاني الشعب العراقي فيها الامرين هي ستراتيجيتهم الحقيقية عبر ما سموه بالفوضى الخلاقة التي كانت فوضى مدرة للعراق والشرق الاوسط وهي التي لعبت اسرائيل والصهاينة الامريكان دورا اساسيا في تخطيطها وتنفيذها وخاصة عبر تدمير وحل الجيش العراقي الذي كان قوة يحسب لها الحساب في المنطقة اما الهدف الآخر فهو السيطرة والتحكم بقطاع النفط وفي واقع الحال فان امريكا نجحت عبر حربها الاجرامية المخالفة لكل القوانين الدولين في تحقيق اهدافها بالهيمنة والسيطرة على مقدرات العراق وحكوماته المتوالية التي تخدم المصالح الاقليمية والدولية وبعيدة كل البعد عن تحقيق مصالح ومطامح الشعب العراقي .

ان الحروب الاستعمارية هي وسيلة فعالة في تحقيق الارباح الخيالية للدول الاستعمارية وخاصة شركات السلاح والمئوسسات المالية واحدى وسائلها في معالجة ازماتها الاقتصادية في حين تعاني مجتمعاتها من الغلاء الفاحش ومشاكل حقيقية في كافة القطاعات اي ان الدول الرأسمالية تحاول حل مشاكلها على حساب المستعمرات السابقة حتى وان كان ذلك عبر شن حروب وحشية غير عادلة وتنصيب مجاميع طفيلية تخدم المصالح الاستعمارية كما يجري حاليا في العراق حيث قام الامريكان بتجميع العصابات الارهابية في العراق منذ الزرقاوي حي البغدادي ومحاربتهم بدماء وتضحيات شعبنا العراقي ونجح الامريكان في تفتيت بنية المجتمع العراقي وتفريقه مذهبيا وعرقيا وتثبيت اسس المحاصصة البغيضة وهناك معاناة ماساوية اخرى وهي التلوث الاشعاعي لمئات المواقع والذي يسبب ارتفاع هائل في الاصابات السرطانية ووولادات بتشوهات خلقية ويلوث التربية والهواء لمئات السنين القادمة .

ان اوضاع المجتمع العراقي وخاصة الشبيبة منهم يتعرضون لافات اجتماعية خطرة تاتي في مقدمتها آفة انتشار المخدرات كما ان مئات الالاف منهم يعانون من البطالة والفقر ولاتتوفر اية ثقة باجهزة السلطة الحاكمة سواء التشريعية او التنفيذية اوالقضائية وكل ذلك هو من النتائج المباشر لتلك الحرب العدوانية الاجرامية بالرغم من انه كان بامكان الامريكان تجنب كل ذلك واستخدام اساليب اخرى للخلاص من صدام دون تدمير العراق ولكن ذلك لم يكن ليخدم نواياهم الحقيقية التي تستهدف تنفيذ مخططات صهيونية وهلوسات دينية .

ان الطبقة الفاسدة الحاكمة قد تجاوزت في فسادها وفشلها كل المقاييس ولا يمكن الخلاص منها الا عبر انتفاضة جماهيرية عارمة تحقق امال وتطلعات شعبنا العراقي التي طرحها بشعارات معبرة في انتفاضة تشرين 2019 الباسلة وخير شعار فيها هو "نريد وطن" وقدم من اجل ذلك اكثر من 800 شهيد والاف المعوقين ولم تقم الحكومات المتعاقبة بتقديم اي من المجرمين للمحاكمة بل بالعكس يحاولون مستميتين ارجاع عقارب الساعة للوراء من خلال العودة الى طريقة سانت ليغو لمصادرة ارادة الناخبين واصدار قانون جديد للانتخابات هو القانون المستخدم في الانتخابات قبل الاخيرة وكذلك تفصيل مفوضية انتخابات غير مستقلة وعاسس المحاصصة والطائفية .

ان امال الشعب معقودة على انهيار هذا النظام الكريه والذي لن يتم الا على ايدي السواعد العراقية الباسلة والقرار هو لشعبنا العراقي اولا واخيرا .

***

د. محمد الموسوي

ابريل 2023

 

ان المتابع للأوضاع بعد الحرب الروسية الأوكرانية سيجد ان الاخطار اخذت منعطفات سريعة نحو تحديات يصعب المرور بها مر الكرام وعندما يوجه سيرجي لافروف تحذيرا بقوله أن روسيا قد تتعامل مع الاتحاد الأوروبي بقسوة إذا لزم الأمر، فإنه يعيد قراءة حقيقة من حقائق التاريخ على مسامع العالم،وبعد ان اعتبرت رسمياً فنلندا العضو الحادي والثلاثين في حلف الناتو، اكبر واقوي واقدم تحالف عسكري دولي في التاريخ، سوف يلقي انضمامها الي الناتو بأعباء دفاعية ثقيلة ومكلفة على روسيا نظرا لطول الحدود المشتركة بينهما، وذلك من اعادة نشر اسلحة وقوات وتعديل خطط واستراتيجيات دفاعية أصبحت تقتضيها هذه المتغيرات مع انضمام فنلندا للناتو سوف يتزايد الاحتمال بأن ينصب الحلف بعض قواعد أسلحته النووية داخل الأراضي الفنلندية بالقرب من الحدود الروسية لتعزيز قدراته علي الهجوم والردع وبصورة لم يسبق لها مثيل بعد ان تخلت فنلندا عن حيادها وأصبحت حلقة مهمة من حلقات استراتيجية الناتو الدفاعية في أوروبا، وكان ما تخوفت منه روسيا في أوكرانيا وذهبت الى الحرب عليها بسببه، وكان ما يزال مجرد احتمال لا أكثر، أصبح واقعا مؤكدا في فنلندا، بدرجة أشد تهديدا لامنها القومي من أوكرانيا.. ولان ما فعلته في اوكرانيا لن تستطيع ان تفعله في فنلندا بعد انضمامها للناتو لمخاطره وتبعاته الانتحارية الهائلة، وقريبا سوف تلحق بها السويد لتكتمل حلقات الحصار الغربي المضروب حولها وتصبح حينئذ في موقف امني واستراتيجي اسوأ بكثير مما كانت فيه قبل حربها في أوكرانيا...وهو ما لم تحسب حسابا له لتوقعها أن حربها في اوكرانيا سوف تكون حربا خاطفة لن تطول ولن يكلفها الكثير، وأنها قادرة بإمكانياتها العسكرية المتفوقة على حسمها لصالحها ولتضع الناتو والجميع بعدها امام الامر الواقع الجديد كما سبق لها وان فعلت في شبه جزيرة القرم التي انتزعتها من أوكرانيا عنوة بعملية عسكرية خاطفة.. لكن كل هذه التوقعات المبدئية التي بنت عليها تقديراتها وقراراتها، خابت تماما ولا يتغير سيناريو الحرب الاوكرانية برمته في اتجاه آخر، أما بماذا خرجت روسيا من حربها في اَوكرانيا التي كلفتها كل هذه الاعباء الرهيبة َ، وزادت من همومها الامنية بدرجة لم تتوقعها في بداية هذه الحرب والا لما بادرت اليها من الاساس، فهذا هو السؤال الذي يجب ان تطرحه القيادة الروسية على نفسها لتعرف السبب في كل ما جرى وانتهى بها الي ما هي فيه الآن من تورط في حرب استنزاف طويلة ودامية لم تعد تعرف مخرجا لها منها، بعد ان اصبحت تقف في مواجهة اكبر قوة عسكرية ضاربة في العالم، القوة التي تحاصرها وتضغط عليها من كل اتجاه. وتضعها بين المطرقة والسندان.. كما ان عليها ان تسأل نفسها ما إذا كانت دائرة الخيارات التي يمكنها أن تتصرف بها للخروج من مأزقها قد ضاقت امامها الي الحد الذي أصبحت معه اما ان تتوقف وتسلم بعدم قدرتها على الاستمرار وتخسر؟ او ان تستمر وتواصل حربها في اوكرانيا وتخسر اكثر؟ وهل ستقبل بالنتيجة في الحالتين؟ أم أن الحرب النووية هي الطريق الوحيد المفتوح أمامها للرد بها على ما تواجهه من أخطار وتحديات؟ وهل يساوي هذا كله هدفها الذي خططت له من دخولها في هذه الحرب؟

***

عبد الخالق الفلاح –باحث واعلامي

 

 

في معظم دول العالم تحتاج الحكومات والسلطات التنفيذية لموافقة المجالس النيابية في حال قررت المشاركة وإرسال جنودها الى الخارج للمشاركة في أي من الحروب والنزاعات العسكرية الخارجية وإن كانت هذه الموافقة تأتي بصورة آلية في بعض الدول.

لكن في أستراليا وعلى العكس من تلك الدول فإن الحكومة لا تحتاج لهكذا موافقة، وحتى أنها ليست ملزمة في إبلاغ او إستشارة البرلمان في حال قررت المشاركة في أي حرب.

مؤخراً بدا نقاش وطني على مستوى البرلمان حول الموضوع وباتفاق الحزبين الكبيرين (عمال وأحرار) وقد تم تشكيل لجنة برلمانية لبحث هذه المسألة.

أفرجت اللجنة عن تقريرها الأسبوع الماضي، ومن أهم توصياتها بأنه في حال وقوع أزمات دولية مسلحة دعت اللجنة الى أن يلعب البرلمان دوراً رقابياً أكبر حول دور الجيش ألأسترالي، وأوصت أللجنة أيضاً بتشكيل لجنة خاصة لفحص ألأستراتيجية الدفاعية وكيفية تزود الجيش بألأسلحة والعمليات العسكرية.

رفضت أللجنة مطالبة حزب الخضر والمجموعات التي تطالب بإصلاح وتعديل قوانين المشاركة في الحروب، حيث يجادل هؤلاء بأنه كان يمكن لأستراليا عدم المشاركة في الحروب المشؤومة في العراق وفي فيتنام لو كان هناك دوراً تقريرياً لمجلسي البرلمان النواب والشيوخ في الموافقة للذهاب الى الحرب.

دعت اللجنة الى المزيد من الشفافية بما يتعلق بالعمليات العسكرية، رئيسة اللجنة الفرعية للدفاع النائبة عن حزب العمال جوليان هيل والتي ترأست أعمال لجنة التحقيق قالت: أن اللجنة خرجت باستنتاجات عن الحاجة لتعزيز الشفافية ومحاسبة الحكومة التي تتخذ القرارات المتعلقة بالحروب وأضافت هيل أن أعضاء اللحنة من حزبي العمال والأحرار كانوا مقتنعين بوجوب لعب البرلمان دوراً أكبر في إتخاذ قرارات الحرب وشددوا على أهمية تنفيذا هذا ألأمر.

وأكدت اللجنة على الدور المنوط بالحكومة المنتخبة باتخاذ قرارات الحرب لكن هناك حاجة لتعديل تلك الإجراءات ودعوة البرلمان في اقرب وقت لمناقشة الموضوع في حال قررت أستراليا المشاركة في النزاعات الدولية المسلحة، وطالبت اللجنة الحكومة بتسهيل النقاش في البرلمان بمجلسيه قبل إرسال الجنود إلى الخارج بثلاثين يوماً.

وزير الدفاع الأسترالي ريتشرد مالرز من جهته دعى إلى عدم المس بطريقة إتخاذ قرارات المشاركة في الحرب المعمول بها حالياً، لكنه ايد فكرة مناقشة البرلمان لتلك القرارات واضاف أن الحكومة ستأخذ توصيات اللجنة بعين الأعتبار ولكن ستدرسها بحذر.

حزب الخضر من جهته يرى ان توصيات اللجنة ما هي إلا الحد الأدنى وانه من المفروض أن يتم إبلاغ ألبرلمان قبل ذهاب أستراليا إلى الحرب، ورأى الخضر أن أستراليا هي الدولة الوحيدة من الدول الديمقراطية التي لا يوجد لبرلمانها دوراً في تقرير ومراقبة نشر القوات المسلحة الأسترالية في الخارج.

إذن، فتح باب النقاش حول كيفية إتخاذ أستراليا قرار المشاركة في في الحروب، لكن إلى اي مدى سوف تلتزم الحكومات الأسترالية بنفيذ تلك التوصيات، وهل ستتخلى الجكومة عن صلاحياتها المطلقة بهذا الخصوص؟

من جهتنا نرى أنه يجب توسيع النقاش حول الموضوع ليشمل كل قطاعات المجتمع، مع العلم أنه يبقى للحاكم العام صلاحيات تأجيل هذه التوصيات أو المتطلبات إذا كان الأمن الوطني يواجه مخاطر عالية أو تهديد وشيك لحياة ألأستراليين.

***

عباس علي مراد

 

أقرار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الاستراتيجية الجديدة للسياسة الخارجية الروسية، فتح الباب لروسيا التركيز على مهام تنميتها ومنع مجموعة كاملة من التهديدات المحتملة، وهذا بالطبع يعطي الانسجام لنظام أولويات السياسة الخارجية للاتحاد الروسي، مع الأخذ في الاعتبار النمو الواضح للتهديدات الخارجية ذات الطبيعة الأكثر تنوعًا، فإن هذا الطلب مطلوب للغاية اليوم.

فالدبلوماسية الروسية اعتبرت أسس السياسة الخارجية الجديدة، التي ستعتمدها روسيا في المرحلة المقبلة، بأنها تعكس التطورات الثورية التي يعيشها العالم اليوم، وتعكس واقعا سياسيا جديدا، ومتغيرات جيوسياسية، وتطورات ثورية في العالم، والتي تسارعت بشكل ملحوظ مع بدء العملية العسكرية الخاصة، والوزير سيرغي لافروف، أشار الى إن المفهوم الجديد للسياسة الروسية، يطلق على الولايات المتحدة تسمية المبادر الرئيسي والمحرض الرئيسي على انتهاج الخط المناهض لروسيا، وإلى أن الغرب بصفة عامة ينتهج سياسة تهدف إلى إضعاف روسيا من جميع النواحي، ما يمكن اعتباره حربا هجينة من نوع جديد، وأن المفهوم الجديد، وكما أكد الوزير لافروف، ينص على إمكانية اتخاذ إجراءات مماثلة أو غير مماثلة ردا على الإجراءات غير الودية ضد روسيا، وأنه في ظل ظروف التهديدات الخارجية، تؤكد الاستراتيجية الجديدة على أن مبدأ الارتباط الأمني متاح استنادا للندية، كما يتحدث المفهوم الجديد عن إعادة هيكلة جادة للاقتصاد العالمي.

ويحتوي المفهوم على قسم حول الاتجاهات والآفاق الرئيسية لتنمية العالم، فهي تنص على أن "الإنسانية تمر بعصر تغيير ثوري"، وبالتوازي مع ذلك، ويستمر تشكيل عالم أكثر عدلاً ومتعدد الأقطاب، وهذا يعني أن القوى الاستعمارية استولت في وقت سابق على موارد المناطق التابعة وبالتالي زودت نفسها بنمو فائق، لكن هذا النموذج أصبح الآن شيئًا من الماضي، وهذه "التغييرات الإيجابية بشكل عام" لا ترضي البلدان "المعتادة على التفكير وفقًا لمنطق الهيمنة العالمية والاستعمار الجديد"، والتي تستخدم أساليب مختلفة للضغط (بما في ذلك تجاوز الأمم المتحدة)، وتثير الانقلاب، والصراعات المسلحة، والتلاعب بوعي بعض الجماعات والشعوب، وتفرض "مواقف أيديولوجية نيوليبرالية مدمرة"، في الوقت نفسه، الضغط على الأمم المتحدة والمؤسسات الأخرى، مما يقلل من قيمتها كمنصات للعمل المشترك.

وقررت الوثيقة تسمية أحداث العام الماضي "بالإجراءات التي اتخذها الاتحاد الروسي لحماية مصالحه الحيوية في الاتجاه الأوكراني"، والتي أصبحت ذريعة لإطلاق "نوع جديد من الحرب المختلطة" من قبل الولايات المتحدة، ولم يكن اختيار روسيا الاتحادية، حيث لا تعتبر روسيا نفسها عدوًا للغرب، ولا تنعزل عنه، وليس لديها نوايا معادية تجاهه، وتتوقع أن تدرك الدول المنتمية للمجتمع الغربي في المستقبل عبث سياستها المواجهة وطموحاتها في الهيمنة، وتأخذ في الاعتبار الحقائق المعقدة لعالم متعدد الأقطاب وسنعود إلى التفاعل البراغماتي مع روسيا

وتنطلق القيادة الروسية من خصوصيات الوضع العسكري السياسي الراهن في العالم، والذي يتسم باستمرار هيمنة الاتحاد الروسي في مجال أسلحة الصواريخ النووية، ويحد هذا الظرف من إمكانيات " النظراء " الغربيين في القمع العسكري المباشر للاتحاد الروسي، وان أحد أكثر البدائل الواعدة بالنسبة للغرب للصراع العسكري المباشر مع الاتحاد الروسي هو إمكاناته السيبرانية القوية، فاستنادًا إلى الهيمنة الغربية شبه الكاملة (في الوقت الحالي) في شبكات المعلومات والاتصالات، يتحكم الغرب تقريبًا في البنية الأساسية الكاملة للإنترنت العالمي، المشبع بأنواع مختلفة من المنصات الافتراضية التي تخدم اهتماماته، بما في ذلك المصالح ذات الطبيعة العسكرية الاستراتيجية، فمنذ عام 2010، تعمل قيادة سايبر منفصلة للقوات المسلحة الأمريكية، وتشمل مهامها، في الواقع، شن حرب إلكترونية عالمية:

كما وتخطط USCYBERCOM وتنسيقها ودمجها ومزامنتها وتنفيذها لتوجيه العمليات وحماية شبكات الكمبيوتر التابعة لوزارة الدفاع، ويعد وينفذ مجموعة كاملة من العمليات العسكرية في الفضاء الإلكتروني، ويضمن حرية عمل الولايات المتحدة وحلفائها في الفضاء الإلكتروني، ويمنع الإجراءات المماثلة من قبل العدو، ووفقًا لصحيفة نيويورك تايمز، تلقت الوكالات الحكومية الأمريكية المسؤولة عن الأمن عبر الإنترنت تعليمات مباشرة لزيادة الضغط على روسيا، من خلال نشر واستخدام الأدوات الإلكترونية، ورفض ممثلو الإدارة الرئاسية الأمريكية تحديد الآليات التي سيتم تطبيقها على روسيا .

ووفقًا للخبراء، ستتعامل الأجهزة الأمنية مع وضع برامج ضارة وفيروسات كمبيوتر يحتمل أن تكون خطرة داخل الجزء الروسي من الإنترنت، وهي جاهزة لتنفيذ هجمات إلكترونية إذا دعت الحاجة، كواحد من الخيارات الممكنة، ويتم النظر في خيار استخدام نظائر دودة الكمبيوتر Stuxnet، القادرة على إحداث أضرار مادية للبنى التحتية للعدو، ومن الناحية القانونية، اتخذت حكومة الولايات المتحدة استعدادات جادة لزيادة الضغط على روسيا على الإنترنت، فلدى الولايات المتحدة مذكرة سرية 13 سارية تسمح للقيادة الإلكترونية الأمريكية بتنفيذ أي نشاط دون موافقة رئيس الولايات المتحدة .

وفي عام 2014، بدأ الاتحاد الروسي في إنشاء هيكل مماثل كجزء من قواته المسلحة، ردًا على العدوان الإلكتروني الأمريكي، وتم تشكيل قوات عمليات المعلومات في القوات المسلحة الروسية، ووفقا لمصدر في وزارة الدفاع الروسية، فقد اكد لوكالة ايتار تاس، إن الغرض الرئيسي منها هو حماية أنظمة التحكم والاتصالات العسكرية الروسية من الإرهاب السيبراني، ومنع المعلومات التي تمر عبرها بشكل آمن من عدو محتمل، و"اقتراح إنشاء مثل هذا الهيكل، المصمم للمواجهة الإلكترونية والمعلوماتية مع خصم محتمل، كان قيد التطوير لأكثر من عام .

وفي العام الماضي، تسارعت اكتشافات ضابط وكالة المخابرات المركزية السابق إدوارد سنودن عن المراقبة الإلكترونية العالمية من قبل وكالة الأمن القومي الأمريكية، وبحسبه، ستشمل قوات العمليات المعلوماتية وحدات ووحدات فرعية في المناطق والأساطيل العسكرية، ويعمل بها متخصصون مؤهلون تأهيلاً عالياً، علماء رياضيات، ومبرمجون، ومهندسون، ومصممو تشفير، ورجال إشارات، وضباط حرب إلكترونية، ومترجمون وغيرهم. وأضاف المحاور "تم تعيين قائد عسكري برتبة جنرال على رأس الهيكل الجديد".

ان المواجهة في الفضاء الافتراضي مستمرة منذ سنوات، وحتى وقت قريب، أظهروا قدرًا من ضبط النفس في هذا المجال، يتوافق مع المستوى العام لعلاقاتهم، ومع ذلك، في الوقت الحالي، وصل تدهور هذه العلاقات بالفعل إلى حد أن التهديد بالإبادة النووية المتبادلة الكاملة، وهو الذي يردع خصوم روسيا الغربيين عن استخدام أكثر أنواع المواجهات العسكرية تدميراً، ونقل العدوان الغربي إلى المجال السيبراني، وإعطاء مثل هذه الأفعال نطاقًا مختلفًا تمامًا، له أهمية خاصة بالنسبة للغرب، ووفقا لبعض المحللين عن مثل هذا التصعيد باعتباره أمرًا واقعًا، تتوقع دول الناتو أن موسكو، التي تركز على العمليات العسكرية في أوكرانيا، لن ترد بشكل متماثل على الهجمات الإلكترونية، وتم تشكيل جيش من المتسللين الأوكرانيين (الموالين) لشن حرب إلكترونية، والذين تم منحهم أسلحة قتالية إلكترونية قوية قادرة على تعطيل مرافق البنية التحتية الحيوية، وتم حشد قدرات تكنولوجيا المعلومات المتقدمة، بشكل أساسي في أوروبا الشرقية ودول البلطيق وفنلندا.

ويشارك مركز الإنترنت في تالين، ومركز الاتصالات الإستراتيجية في ريغا، ومركز الحرب الهجين في هلسنكي بشكل مباشر في الأعمال العدائية، وإن الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي تستخدمهما عمدًا، مما يعرضهما لضربة انتقامية، وفي هذه الحالة، سيتم توجيه الهجمات الإلكترونية الانتقامية من موسكو إلى أوروبا الوسطى والشرقية ولن تتسبب في أضرار كبيرة للولايات المتحدة والعمالقة الأوروبيين، وقد تتضرر البنية التحتية الحساسة للأوروبيين الشباب، بما في ذلك مرافق الطاقة، بشكل كبير، مما سيؤدي إلى إثارة التوتر الاجتماعي، وسيحمي الاتحاد الروسي بنيته التحتية الحيوية، وفي المقام الأول قطاع الطاقة، ومن أجل قمع مصادر الهجمات، سيكون قادرًا على شن هجمات إلكترونية انتقامية قوية من أجل تهدئة المتهورين في دول الناتو.

واعتبارا من 31 مارس، أزالت روسيا عن نفسها القيود التشريعية المرتبطة بقمع، من بين أمور أخرى، العدوان الإلكتروني للغرب، علاوة على ذلك، في مفهوم السياسة الخارجية الجديد للاتحاد الروسي، يتم تحديد ذلك مباشرة لدوائر وهيئات الدولة ذات الصلة:" إذا ارتكبت الدول الأجنبية أو جمعياتها إجراءات غير ودية تشكل تهديدًا لسيادة الاتحاد الروسي وسلامته الإقليمية، بما في ذلك تلك المتعلقة بتطبيق إجراءات تقييدية (عقوبات) ذات طبيعة سياسية أو اقتصادية أو باستخدام معلومات حديثة و تكنولوجيات الاتصال، يعتبر الاتحاد الروسي أنه من القانوني اعتماد تدابير متناظرة وغير متكافئة ضرورية لكبح مثل هذه الأعمال غير الودية، وكذلك لمنع تكرارها في المستقبل ."

ومن أجل ضمان أمن المعلومات على الصعيد الدولي، والتصدي للتهديدات الموجهة ضدها، وتعزيز السيادة الروسية في مجال المعلومات العالمي، يعتزم الاتحاد الروسي، ووفقا للمفهوم الجديد، إيلاء الاهتمام على سبيل الأولوية لما يلي:، تعزيز وتحسين النظام القانوني الدولي لمنع وحل النزاعات بين الدول وتنظيم الأنشطة في فضاء المعلومات العالمي، و تشكيل وتحسين الإطار القانوني الدولي لمواجهة استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات للأغراض الإجرامية، و ضمان التشغيل الآمن والمستقر وتطوير شبكة المعلومات والاتصالات "الإنترنت" على أساس المشاركة المتساوية للدول في إدارة هذه الشبكة ومنع فرض رقابة أجنبية على قطاعاتها الوطنية، واعتماد تدابير سياسية ودبلوماسية وغيرها تهدف إلى مواجهة سياسة الدول غير الصديقة لعسكرة فضاء المعلومات العالمي، واستخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات للتدخل في الشؤون الداخلية للدول ولأغراض عسكرية، وكذلك للحد من وصول الدول الأخرى إلى تكنولوجيا المعلومات والاتصالات المتقدمة وتقنيات الاتصالات واعتمادها المتزايد على التكنولوجيا.

لقد استخلصت روسيا استنتاجات مناسبة من تاريخها الصعب، ومن الآن فصاعدًا، لا تنوي الانتظار حتى يأتي العدو بسيفه إلى أرضها، وتتيح التقنيات الإلكترونية الحديثة، مد السيف الروسي إلى أراضي الولايات المتحدة نفسها، حيث يمتلك الاتحاد الروسي في الوقت الحاضر، قدرات تنظيمية وهيكلية (قوات العمليات الإعلامية) وأسس قانونية ليس فقط للرد الفعال على العدوان الإلكتروني الغربي، بما في ذلك على أراضي الغرب نفسه، ولكن أيضًا للتدابير الوقائية لمنع مثل هذا العدوان .

***

بقلم الدكتور كريم المظفر

نشرت صحيفة المثقف الغراء في ركن آراء وأفكار مقالا للدكتور عادل رضا، بتاريخ 27 آذار / مارس 2023 م، تحت عنوان "الطورانية الأردوغانية والزلزال" وهذا نص تعقيبي عليه.

باديء دي بدء، لست بصدد الدفاع عن نظام سياسيّ معيّن، ولن أنصّب نفسي محاميا ومدافعا عن الظاهرة السياسيّة (الطورانيّة الأردوغانيّة) كما نعتها د. عادل رضا - لأنني لست تحت جناح شلة أو سلطة، ولا ممن يفكرون بعقلية القطيع صونا لحريتي الثقافية - فهناك العديد من النقاد والمحلّلين السياسيين والأكاديميين، من هم أقدر منّي على ذلك، ويمتلك من الأدوات المقنعة أكثر منّي. بحكم التخصّص أو القرب من سلطة القرار السياسي. لكن، ما جاء في مقال د. عادل رضا من أحكام وأوصاف – وله مطلق الحريّة في ذلك -، يدعوني إلى الوقوف على بعض ما ورد من أطروحات (تهافتيّة) فلسفيّة وفكريّة، حملت جملة من المغالطات، قد تقنع البعض وقد تصدم البعض الآخر، وقد تدفع رهط ثالث إلى الصمت، من باب (إذا كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب). وليس هدفي تغيير قناعات الغير - ولو كانت ترقي إلى مستوى (الترّهات) - مهما كان نوعها، فلكلّ كاتب أو مفكّر أو باحث أو مجتهد قناعاته، إن أصاب فيها فله أجران، وإن جانبه الصواب فله أجر واحد. ولكل كاتب زمام حريّته، وكشكول ثقافته وأفكاره وآرائه ورؤاه الفلسفيّة في الحياة.

وأنا أقرأ مقال د. عادل رضا، تساءلت: لماذا أقحم الكاتب موضوع الزلزال الذي ألّم بإخواننا في تركيا وبلاد الشام – وهو ظاهرة جيولوجيّة – في موضوعه، وهو بصدد مناقشة وتحليل ظواهر سياسية وفلسفات فكريّة، لا علاقة لها بالزلازل ولا البراكين ولا الكوارث الطبيعيّة الأخرى؟ بل أكثر من ذلك زكمت أنوفنا رائحة التشفّي، وكأنّ الكاتب لا يعلم (ومن المؤكّد أنّه يعلم) أنّ ضحايا زلزال السادس من فبراير للعام 2023 م هم مسلمون ومؤمنون أتراك وشآم، سنيّون وشيعة، تركمان وأكراد وعرب وعلويّون، ومقيمون، ومن مذاهب وإثنيات شتى، ويشهدون أن لا إله إلاّ الله وأنّ محمدا رسول الله، ويصلّون ويصومون ويحجّون ويزكّون، وبالتالي فهم من ملّة الكاتب، إن كان الكاتب على ملّتهم. فلم يفرّق الزلزال المدمّر بين الساكنة، ولم ينتق ضحاياه، ولم يجامل أحدا من الناس، ولم يمت تحت أنقاضه، ولم ينج من دماره إلاّ من طال أجله. جاء على لسان الكاتب قوله: " نحن نقول أنّ هذا الزلزال المدمّر قد حطّم قشرة حقيقة ما كان موجود (والصواب موجودا) منذ ما قبل سقوط الدولة العثمانية " " إننا نقول أن هذا الزلزال قد كسر قشرة ما كان مخفيا وما كان يحدث منذ أكثر من مائة سنة من كراهية طورانية تركية عنصرية ضد مواطنين يعيشون في نفس الدولة العثمانية التي تضم أرض أناضوليا المليئة في التنوعات العرقية والدينية والطوائف المتنوعة كما هو الحال في مجمل هذا الشرق القديم ".

هل أراد الكاتب التلميح، بعدما أحجم عن التصريح، أنّ الزلزال انتقام ربانيّ، وعقوبة إلهيّة نافذة لتركيا الطورانيّة ونظامها الأردوغاني؟ أما كان الأولى أن يقلب الله الأرض ويخرج أثقالها على رؤوس الصهاينة، الذين يقتلون الكبير والصغير في فلسطين بدم بارد؟ أما كان الأولى أن يخسف الله الأرض من تحت أقدام الصليبيين، الذين عاثوا فسادا في العراق وأفغانستان والشام، وقبلهم في الحربين العالميتين، وفي هيروشيما ونكازاكي وإفريقيا وآسيا والقارة الأمريكيّة وأستراليا؟

ونص المقال مليء بالمغالطات الكيديّة. ومعنى هذا أنّ الكاتب قد انطلق من خلفيات إيديولوجيّة وسياسيّة وعقائديّة وقوميّة وتاريخيّة من اجل تحقيق غايات عدّة، مثل: مغالطة الرأي العام العربي والإسلامي. وتشويه النظام السياسي التركي بقادة أردوغان وحزبه.... وتحميل المجتمع التركي أوزار العالم العربي، ونفي كل صفة إيجابيّة، وإلصاق تهمة ضياع فلسطين بالدولة العثمانيّة.

ثم يتعرض الكاتب إلى الجذور التاريخية للزعماء الأتراك (طلعت وأنور وجمال باشا، وأتاتورك) ولمجمل العنصر التركي. في قوله:

" يُشار هنا إلى أنَّ الطورانية نفسها مزعومة إلى حدّ كبير، سواء في عناوينها أم في جذورها، فأبطالها السياسيون منذ نهاية القرن التاسع عشر، مروراً بالثُلاثي "طلعت " و" أنور" و"جمال باشا"، وانتهاء بـ " أتاتورك "، ليسوا أتراكاً، بل تعود أصولهم جميعاً إلى منابِت شتَّى، تؤكِّد أنَّ الطورانية من جذورها إلى أردوغان هي صناعة قوَّة إقليمية، فهم من أصولٍ يهوديةٍ أو كرديةٍ أو غجريةٍ أو مجريةٍ أو ألبانية. ".

إنّ ظاهرة امتزاج الثقافات واختلاط الأجناس البشريّة قديمة، منذ فجر الخليقة، والإنسان يمارس حياة الترحال والانتقال من بيئة إلى أخرى. وشهدت البشريّة رحلات فرديّة وجماعيّة من الشرق إلى الغرب، ومن الغرب إلى الشرق، وفي اتجاهات الأرض كلّها، بحثا عن الماء والكلإ والأمن، قطع الناس الصحاري واجتازوا أغمار البحار والمحيطات والنهار. وقد خلق الله الناس، وجعلهم شعوبا وقبائل ليتعارفوا. ولم يفضل الله تعالى الناس بعضهم على بعض لألوانهم أو ألسنتهم أو أنسابهم أو أحسابهم، وإنّما فضّل الصالح منهم والأتقى والنافع لبني جنسه. لقد تجاوز العقل المعاصر هذه النظرة القبليّة الضيّقة، بل لقد انخرط العالم في نظام العولمة الثقافيّة والسياسية والاقتصادية، وانفتحت أبواب الحوار بين الأديان والحضارات في جوّ من الحريّة والديمقراطيّة، بعيدا عن الروح القوميّة العنصريّة. إنّ المتأمل للمجتمع التركي، ولنأخذ مدينة إسطنبول مثالا، يدرك مقدار التعايش السلمي وقيمته بين طوائفه الدينيّة وأحزابه السياسيّة وبين إثنياته المتنوعة، في مناخ ديمقراطي ليبرالي، وفي مزيج من الأصالة والمعاصرة، والتقاليد والعصرنة والتسامح في ظلّ السلم الاجتماعي.

و من المغالطات التاريخيّة التي ساقها الكاتب في مقاله قوله: " أما الجذور التاريخية لمُجْمَلِ العنصر التركي (السلجوقي ثم العُثماني)، فهي لا تقلّ تزويراً عن تزوير التاريخ اليهودي، فالأتراك في أصولهم قبائل بدوية رَعوية لم تعرف تركيا أبداً قبل القرن الثاني عشر، ويشبهون اليهود في ظروف استيطانهم الكولونيالي بتوظيفٍ من قوَّةٍ خارجيةٍ استدعتهم لأغراضٍ عسكريةٍ. فإذا كانت الدولة العباسية قد استدعت الموجة التركية البدوية المُقاتِلة الأولى، وهي الموجة السلجوقية، لمواجهة البويهيين الشيعة، فإن ملك بيزنطة الأرثوذكسي استدعى الموجة العُثمانية (عُثمان بن أرطغرل من قبيلة القايي) لمواجهة فُرسان الصليب المُقدَّس الكاثوليك بعد السقوط الأول لبيزنطة (القسطنطينية) على يد هؤلاء الفُرسان، وتحريرها على يد المسلمين وإعادة الأرثوذكس ".

إنّ تشبيه استيطان العنصر التركي لجغرافيّة الأناضول باليهود في استيطانهم فلسطين ضرب من تزييف التاريخ، ونأي فاضح عن الحقيقة. فشتان بينهما. ثم إنّ امتزاج الاتراك (العجم) بالعنصر العربي في العصر العباسي، لم يكن لأغراض عسكريّة البتّة. وإنّما كانت أسبابه دينيّة، عندما اتّسعت الفتوح الإسلاميّة خارج جزيرة العرب، ودخل الناس في دين الله أفواجا. وكانت النتيجة ظهور مجتمع إسلاميّ عباسي ذهبيّ. انصهرت في بوتقته الأجناس والثقافات المختلفة، وأشرقت على أوربا والعالم شمس حضارة لا مثيل لها، بينا كانت أوربا وغيرها من الشعوب في قارات العالم الأخرى تعيش في ظلمات الجهل والتخلّف. ولو أفول الحضارة الإسلاميّة في القرن السابع الهجري، الثالث عشر الميلادي، لكانت حالة البشريّة على غير هذا التردّي الأخلاقي والصراع السياسي والاقتصادي. ألم يخرج العرب إلى العالم من بيئة بدويّة قاسيّة، تحكمها العصبيّة القبليّة، وتديرها قوانين أخلاقيّة واجتماعيّة جائرة؟ فما الذي ينقص من المجتمع التركي، إذا كانت قبائله بدويّة، رعويّة، سكنت بلاد الأناضول قبل القرن الثاني عشر، قبل القرن العشرين؟ اليست المجتمعات العربيّة في المشرق والمغرب، (في مصر والشام والعراق وشمال إفريقيا) وليدة هجرات لقبائل عربيّة، يمنيّة، كهجرة قبيلة بني هلال العربية الهوازنية القيسية المضرية العدنانية، من الجزيرة العربية إلى الشام ثم صعيد مصر ومنه انتقلت إلى باقي شمال إفريقيا، في القرن الخامس الهجري ن الحادي عشر الميلادي. ومازالت الهجرة البشريّة مستمرة من البوادي والأرياف إلى المدن والحواضر، ومن قارة إلى أخرى، ومن الجنوب إلى الشمال إلى يوم الدين. .

وقوله أيضا: " إن العقلية التركية الطورانية العنصرية الكارهة للأرمن واليونانيين والعلويين والعرب والأكراد والتي حكمت وأدت بالدولة العثمانية الى الزوال والنهاية والتفكيك، ان هذه العقلية لا زالت موجودة ومستمرة في الوجود والتواجد والاستمرارية مع الحالة الأردوغانية للإسلام " الأمريكي" التابع لحلف الناتو وهو نفس الإسلام "الأمريكي" للأخوان المسلمين الذي كان أيضا ضد الحالة النهضوية العربية المضادة للاستعباد الغربي ".

لا أدري من أين استخلص الكاتب هذه " البديهيات " و" المسلّمات "؟ وكيف توصّل إلى هذه الكشوفات "العقليّة "، ومن الذي أوحى له بها؟ فالمجتمع التركي المعاصر، بكل طوائفه الدينيّة والسياسيّة والإيديولوجية مثال للتعايش السلمي، والاندماج الديمغرافي، والنشاط السياسي الديمقراطي، منذ أن تخلّص من حكم الطغمة العسكريّة، التي استمرّت عقودا من الاستبداد والعسكرة. وقد شهد المجتمع التركي، بعد عودته إلى الحكم المدني طفرة اقتصاديّة عظيمة، جعلت الغرب الأوروبي (الاتحاد الأووربي) يتوجس خيفة من تركيا الناهضة في شتى الميادين الاقتصاديّة والعلميّة.

أما فيما يخص الإسلام، فهو دين واحد، لا يتجزأ، مهما حاول دعاة الفتن والتشرذم تقسيمه إلى أنواع، ولا وجود لإسلام عربي وآخر تركي وآخر أمريكي وآخر أروبي وآخر إخواني، إلاّ في أذهان ذوي القلوب المريضة. ولم يكن الإخوان المسلمون ولا الإخوان النصارى أبدا حجر عثرة في طريق النهضة العربيّة في المشرق والمغرب. لقد أجهضتها العقليّة العربيّة العميلة للغرب والعقليّة العربيّة العسكريّة، المسلمة والنصرانيّة، الحريصة على عرش السلطة. وبالعودة إلى التاريخ العربي منذ قرنين، يدرك كيف أنشأ الغرب بعض الدول، سعيا منه إلى تقسيم البلاد العربيّة وتقزيمها وإضعاف وحدتها، وبالتواطؤ العلني مع العملاء المتعطّشين إلى السلطة والتسلّط على الرعيّة. ألم تكن الشام والعراق أمّة واحدة؟ فمن الذي فرّقها؟ ألم تكن جزيرة العرب (نجد والحجاز) أمّة واحدة وموحدة؟ فمن الذي فرّقها؟ ألم تكن دول المغرب العربي، مغربا واحدا كبيرا؟ فمن الذي فرّقها؟ ألم تكن مصر والسو دان والصومال أمّة واحدة.؟ فمن الذي فرّقها؟

" وهذه العقلية أساسا مضادة للحالة الإسلامية الجامعة للقوميات والأديان والتي قدمت حالة حضارية رائعة في التعايش منذ بداية حركة الإسلام المقدس الرسالة الجامعة والخاتمة لكل الرسالات السماوية حيث انتجت هذه الحالة الإسلامية تجميع وحالة من التعايش الرائع بين كل القوميات ضمن دول وامبراطوريات إسلامية لديها سلبياتها وعيوبها وايجابياتها وتفاصيلها الكثيرة ولكل بالخط العام هذه الحالة الإسلامية قد صنعت وخلقت نموذج جامع وشامل يحترم كل من يعيش على ارض الإسلام على العكس مما تريده وتسعى اليه الحالة الطورانية التركية العنصرية ".

ولو كان كاتب المقال منصفا ومحلّلا عادلا وملتزما بقواعد الموضوعيّة التي يتطلّبها البحث الأكاديمي، لما أنكر الإنجازات التاريخيّة والحضارية العثمانيّة في شمال إفريقيا وأوربا الشرقية والجنوبيّة وآسيا. في وقت كانت فيه البلاد العربيّة عرضة للأطماع الصليبيّة في بلاد الشام ومصر والمغرب العربي.

و لو كان الكاتب صادقا في ادّعاءاته، لصدقناه. فقد اتّهم العقليّة التركيّة، بأنّها عنصريّة واستعلائية شوفينية ومضادة للحالة الإسلاميّة والتعايش السلمي بين القوميات. ولا أدري هل كاتب المقال د. عادل رضا يعايش العصر الحاضر أم لا؟ وهل غابت عن بصره وبصيرته ما يجري في تركيا المعاصرة، بقيادة أحزابها الوطنيّة، ورجالاتها المخلصين لتاريخها المجيد، من تقدّم وازدهار وانعتاق من دائرة التخلّف؟ ولكنّ قد تُغيّب الحقائق في خضّم الكيديّة والتعصّب الإيديولوجي.

كما حكم الكاتب د. عادل رضا (وليته كان عادلا) على الأمّة التركيّة بأنّها من سلالة واحدة، أي أنها أقلّ من مرتبة (شعب)، وبعبارة أخرى هي قبيلة أو عشيرة ونسب واحد. أي أنّها لا ينطبق عليها صفة (أمّة)، وهنا وقع الكاتب في تناقض صارخ، عندما وصفها الكاتب بـ (الأمّة)، وهو حكم جائر ينافي الواقع تماما، ولا أساس له من الصحة. إنّ أقّل الشعوب نسمة لا تحوي نسبا واحدا فقط. فما بالنا بالأمة التركيّة، سليلة الدولة العثمانيّة، التي نفوذها شرقا وغربا وشمالا، وحكمت شعوبا وقبائل من العرب والعجم. ولو تمعّن الكاتب في حكمه الذي أصدره بايعاز أيديولوجي حقود، لوجده حكما مبنيّا على أوهام كيديّة.

جاء في المقال قول الكاتب:

" " الأمة التركية لا تتشكل بخلط الأجناس المختلفة. كما هو الحال في بعض الدول اليوم، الأمة التركية هي من سلالة واحدة. وهذا النسب هو النسب التركي... القومية التركية فكرة عظيمة واضحة الأفكار والحدود كمثل وطني للنسب التركي العظيم. الطورانية والقومية التركية هما مبدأين أساسيان لهذه الفكرة العظيمة "

" كما دافع رهاء أغوز توركان عن التفوق العرقي واستخدم شعار "العرق التركي فوق كل عرق ".

ثم عرّج الكاتب على علاقة تركيا بالغرب، وبالتحديد أمريكا والكيان الصهيوني قائلا:

" اذن خدم الاستعباد الغربي لا زالوا في الصورة وتحت الضوء وفي خط الممارسة والتطبيق على ارض الواقع ك " عقلية" وك "ذهنية" وك "قناعة" وك "ممارسة على أرض الواقع "

" إن الحالة الإسلامية الأميركية للطورانية التركية العنصرية الاردوغانية إذا صح التعبير، ليست فقط تتحالف مع الصهاينة عسكريا وامنيا وتجاريا وتنسق مع الصهاينة امنيا ومخابراتيا وهي أساسا لسواد وجهها هم اول من اعترف بهذا الكيان العنصري السرطاني الذي أقامه كل ما هو شر في العالم على ارض دولة فلسطين العربية المحتلة."

لقد نسي د. عادل رضا أو تناسى، أنّ علاقات أمريكا بالعرب (خاصة عرب الشرق الأوسط والخليج) أقوى من علاقاتها بتركيا. وأنّ الجامعة العربيّة قد اعترفت بالكيان الصهيوني، على مبدإ الأرض مقابل السلام، ولم تحقق مؤتمرات مدريد (1991 م و2011 م) واتفاقيات كامب ديفيد (17 سبتمبر 1977 م) واتفاقيات أوسلو (13 سبتمبر 1993 م) واتفاقيات إبراهيم (15 سبتمبر 2020 م)، شيئا للقضيّة الفلسطينيّة ما عدا ترسيخ الانقسام بين الإخوة في رام الله وغزّة. وهرولت دول عربيّة إلى التطبيع مع الكيان الصهيوني، وتبادلت القناصلة والسفراء والزيارات والأنشطة الاقتصاديّة والسياحية والفنيّة بينها، لتجسيد الفكرة الصهيونيّة، " المزاوجة بين العقل الصهيوني والمال العربي." فلماذا غفل أو تغافل الكاتب عن هذه الحقائق المرّة؟ أيهما أخطر على الأمّة العربية، العلاقات التركية الصهيونيّة أم العلاقات العربيّة الصهيونيّة والتعاون الأمني بين الصهاينة والسلطة الفلسطينيّة في رام الله؟ إنّ السلطة الفلسطينيّة وبعض الدول العربيّة قد اعترفت سرّا أو علنا بالكيان الصهيوني كشريك سياسي واقتصادي في الشرق الأوسط الجديد. هل حرام على تركيا، التي اتهمها الكاتب بأنّها عنصريّة وكارهة للعرب، حيث قال: " إن العقلية التركية الطورانية العنصرية الكارهة للأرمن واليونانيين والعلويين والعرب والأكراد." وحلال على العرب، أصحاب البيت والقضيّة؟

و قد حاول الكاتب، د. عادل رضا أن ينفي التصادم القائم، منذ ظهور الفكر القومي بعد (سايكس بيكو)، بين القوميّة العربيّة والفكر الإسلامي. وتصادم منطقيّ بين تيار ضيّق الأفق مبنيّ على الفلسفة الإثنيّة وفكر إسلامي إنسانيّ رحب قائم على دعائم الحريّة الدينيّة والأخوّة الإنسانيّة، دون النظر إلى العناصر الإثنيّة. يقول الكاتب في معرض حديثه عن القوميّة وعلاقتها بالفكر الإسلامي:

" إنّ القوميّة قد تلتقي بالفكر الإسلامي في بعض مواقعه وحركته وقضاياه وأهدافه المرحليّة ووسائله. لذلك، لا نعتقد أنّ هناك حتميّة للتّصادم بينهما، ولكن، من حيث طبيعة حركيّة الفكر الإسلامي وحركيّة الفكر القومي، من الممكن أن يكون هناك تصادم بينهما، عندما يريد الفكر القوميّ أن يؤكّد ذاته في الموقع نفسه الذي يريد الفكر الإسلاميّ أن يؤكّد ذاته."

و يضيف قائلا:

" القوميّة العربية عندما نخرجها من الخصوصية الإيديولوجية التي يفرضها الفكر القومي، فهي حالة إنسانية تمثّل أمّة من الناس، يُطلق عليهم اسم العرب، يلتقون في اللغة والأرض وبعض الخصائص الاجتماعية والتاريخية التي تجعل منهم مجموعة من البشر ذات خصائص مشتركة، مع وجود تمايز في تفاصيل هذه الخصائص بين موقع في الأمّة وموقع آخر، وبذلك ستكون القوميّة العربيّة هي خصوصيّة إنسانيّة تلتقي مع خصوصيات إنسانية أخرى، كالقومية الفارسية والتركية أو أيّ قومية أخرى، وهي لا تتنافى مع الإسلام، بل تمثل أحد الأطر الذي يتحرك فيها لتنفتح على نظامه ونهجه وتفكيره "

" ونتصوّر أن الإسلام استطاع أن يوسّع أفق العروبة، باعتبار أنه استطاع أن يعرّب مساحات كبيرة من الناس ومن العالم، عندما انفتحت على الإسلام، فانفتحت على لغته وعلى تاريخه وعلى رموزه وشخصيّاته وما إلى ذلك، بحيث أصبح الإنسان المسلم في كلّ بلد في العالم، يرى في التاريخ العربي تاريخه، ويرى في الشخصيات العربية شخصيّته بشكل أو بآخر، مما لا تملكه أيّ قومية أخرى، إلا بمقدار ما أعطت الإسلام من علمها وثقافتها وخصوصياتها في مرحلة ثانية أو ثالثة أو رابعة من التاريخ الإسلامي "

أمعن الكاتب في مغالطة القاريء، وهو يسوّق لفكرة " القوميّة العربيّة "، كما أرادها الغرب، وأرادتها بريطانيا، من خلال الترويج لفكرة " الجامعة العربيّة "، القائمة على القوميّة العربيّة (اللغة والعرق والثقافة والجغرافيا والهويّة)، كي لا يتحقّق مشروع " الجامعة الإسلاميّة " المؤسسة على الهويّة الدينيّة فقط. والحقيقة، التي لا يمكن أن ينكرها عاقل، أنّ فكرة الجامعة العربيّة، هي فكرة صنعت في المخابر الغربيّة الإستعماريّة، بغرض تقسيم الأمة الإسلاميّة، وتجزيء الإسلام الواحد إلى أنماط إسلاميّة ومذاهب متعدّدة ؛ إسلام سنّي، إسلام شيعي، إسلام إباضي، إسلام عربي، إسلام أعجمي وآخر غربي وآخر شرقي بعد اشتداد نضال الحركات التحرّرية العربيّة، وتحقيقها للاستقلال بقوة الحديد والنار. كل ذلك للحيلولة دون تحقيق الوحدة الإسلاميّة على الواقع. وبقاء تلك الوحدة المنشودة كشعار، لا يغني من فقر ولا يسمن من جوع.

إنّ فلسفة القوميّة العربيّة قائمة على الإقصاء والعنصريّة والتناقض الصارخ. لأنّها – ببساطة – لم تراع التنوّع الإثني (السلف، اللغة، المجتمع، الثقافة) في المجتمعات العربيّة. وعملت على إقصاء ما يسمّى (الأقليّات الإثنيّة) من الحياة السياسية على وجه الخصوص، ومحاصرتها ثقافيّا. بل إن بعض البلدان العربيّة لم تطبّق مبدأ المساواة الاجتماعيّة بين مواطنيها، الأصليين والمجنّسين، وبين الأغلبيّة الغالبة والأقليّة المغلوبة. وبنت فكرة المواطنة على التمييز العرقي والمذهبي الديني. بل هناك من المواطنين في بعض البلاد العربيّة من يعيش على هامش المجتمع، دون وثائق إداريّة، كالجنسيّة والهويّة الشخصيّة، ودون حقوق سياسيّة واجتماعيّة. وأنا على يقين بأنّ الكاتب على علم بذلك.

" لقد ذكرنا أنّ هناك أكثر من رابط، باعتبار أنّ لغة العرب هي لغة الإسلام في كتابه المقدَّس وفي سنّته الشريفة، وكذلك تاريخ العرب هو تاريخ الإسلام، كما أنّ تاريخ الإسلام هو تاريخ العرب، وهكذا نجد أنّ حركيّة العرب في فترة طويلة من التّاريخ وحتى يومنا هذا، ترتبط سلباً أو إيجاباً بحركة الإسلام، باعتبار أنّ أغلب العرب مسلمون.

ولذلك، فإننا لا نستطيع أن نفصل بين العروبة والإسلام في ماضيهما وحاضرهما ومستقبلهما كخطين يلتقيان في أكثر من موقع."

و يقول كاتب المقال، د. رضا عادل أيضا، وهو يكيل التهم الباطلة لحزب العدالة المعتدل والحديث:

" يدعون: بأن حزب العدالة قدم نموذجا لإسلام حداثوية معتدل، وفي موضع آخر يستشهدون بمقولة الرجل الثاني في الـحزب عبد الله غول (نحن لسنا إسلاميين وحركتنا ليست دينية نحن حزب أوروبي محافظ وحديث) فأين هو الربط المنطقي بين أفكارهم في هذه الادعاءات، فحين يستحسنون الإسلام المعتدل بديلا عن الإسلام المتشدد يصنفون حزب العدالة كحزب ديني معتدل، وحين يفضلون العلمانية على الايديولوجيا الدينية، فإنهم يرفعون الصبغة الإسلامية عن حزب العدالة، وهذا فقاعة ديماغوجية انتقائية مقيتة تشوش رأي المتلقي، في محاولة للتسويق لهذا الحزب بأي شكل كان، فلم يستقروا على رأي حوله، إن كان حزب مشرقي إسلامي، أم حزب أوروبي حديث، هذا لأنهم لا يملكون الإجابة، أو لأنهم لا يريدون التصريح بحقيقة هذا الحزب، فمن المعروف أن نظام الجمهورية التركية قائم من أساسه على الايديولوجيا الطورانية – الاتاتوركية، التي لا تسمح بقيام أي تنظيم سياسي، ما لم تتضمن وثائقه وأديباته التزاما بأطروحات هذه الإيديولوجية، وفي هذا المجال فان تركيا بهويتها الأسيوية الشرقية الإسلامية، أو بهويتها الأوروبية، حطمت الرقم القياسي بين الدول في حظر وإلغاء الأحزاب ". ولو سألنا د. عادل رضا عن حال الأحزاب في البلاد العربيّة جمعاء، وعن موقعها في الحياة السياسيّة والاجتماعية والاقتصاديّة، لما استطاع أن يخرج لنا حزبا واحدا من بين مئات الأحزاب الوطنيّة والإسلاميّة والشيوعيّة والثوريّة، قدّم خدمة جليلة للمواطن العربي. فكلّها – دون استثناء – تخوض حرب المصالح والمنافع والريّع. بل إنّ تلك الأحزاب التي تستيقظ من سباتها في المواعيد الانتخابيّة فقط، صارت عبئا على الاوطان والمواطنين، وأصبحت تهدّد روح المواطنة. فإذا كانت أمريكا الإمبرياليّة بعدد سكانها الضخم (قرابة 335 مليون نسمة حسب إحصائيات 2022 م) يتنافس فيها حزبان سياسيان ؛ جمهوري وديمقراطي)، فإن بلدا مثل لبنان (عدد سكانه 6. 747. 787 نسمة حسب إحصائيات 2023 م) يضم عشرات الأحزاب، وقد عجزت عن تحقيق الإجماع في اختيار رئيس للبلد. وليس لبنان فقط، فإنّ معظم البلدان العربية – ما عدا بلدان الخليج العربي – تنسحب عليها ظاهرة الحزبيّة الريعيّة.

ويقول الكاتب في معرض حديثه عن التجربة التركيّة:

"إن الموضوعية تقتضي كثيرا من التحفظ أثناء الحديث عن نجاح التجربة التركية، وإذا كان البعض يدعي أن حزب العدالة حكومة ديمقراطيين مسلمين بعيدة عن نوستالجيا وأحلام الشوفينية، فليقدموا لنا المعايير الصحيحة التي يقيسون بها علمانية وديمقراطية نظام الجمهورية التركية، هل هي نموذج الدولة العرقية العنصرية التي تمارس التمييز بين مواطنيها على الهوية القومية، هل هي دولة العرق الأوحد، أم هي دولة المواطنة والعدل والمساواة واحترام التنوع القومي والديني والثقافي."

"هذه هي تركيا التي نعرفها النموذج المشبع بالأطماع التوسعية والنزعة العسكريتارية والايدولوجيا السوفيتية، النموذج المعاصر للدولة العنصرية الاستعمارية، التي تحتل الأراضي الكردية نصف جزيرة قبرص، ولواء الاسكندرون، وتتحين الفرص للانقضاض على ولاية الموصل، وتعتمد على تحالفاتها الاستراتيجية مع الناتو وإسرائيل، لتمارس الغطرسة على دول وشعوب المنطقة، فإذا كانت بعض دولها قد وقعت في مطب الراديكالية الإسلامية، فان تركيا غارقة في مطب الراديكالية القومية، كجسم طفيلي، يعيش على صراع المتناقضات بين الشرق والغرب"

ان هذه الحالة عدوة للأسلام المحمدي الأصيل وهي أيضا عدوة لمواطنيها العرب والأرمن والاكراد والعلويون الذين يعيشون على أرض الاناضول في ظل حكم الجمهورية التركية.

وكأنّي بالكاتب د. رضا عادل، قد شهر سيف الحجاج في وجه كل ما هو تركيّ، نجح أم فشل، أكان إيجابيا أم سلبيا. والمنطق يقتضي أن نعترف بأنّ التجارب السياسية أو الاقتصاديّة أو الاجتماعيّة في أيّ بلد تحتمل الصواب والخطأ، والنجاح والفشل. فإذا كانت التجربة التركيّة – حسب رأي د. عادل رضا – فاشلة ومشبعة بالأطماع التوسّعيّة والنزعة العنصرية والعسكريّة والإيديولوجيّة السوفيتية و(عدوّة للإسلام المحمدي الأصيل) وللعرب والأرمن والأكراد والعلويين. فما هو النموذج العربي الناجح؟ ليدلنا الكاتب على تجربة عربيّة ناجحة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. ولو قارنا بين حالة العرب (الغرقى في الفوضى الخلاقة لرباعهم)، وحالة تركيا المعاصرة، في مجال التنميّة ونسبة النمو لأذهلنا الفرق الشاسع بينهما. ولولا ثروة النفط والغاز وعائداتهما المالية الضخمة، لما كان للعرب ذكر في المحافل الدوليّة.

ويضيف الكاتب، حسب مصادره الخاصة، كما زعم:

" تقول مصادري الخاصة من داخل تركيا وأيضا من خلال شبكة علاقاتي مع الاتراك المقيمين في أوروبا ان هناك تقسيم ديني في التعامل مع الهيئات الاغاثية العاملة في قرى العلويون والاكراد الذين تم تدمير قراهم وبلدانهم وكان هناك تأخير متعمد بما يختص بالمساعدات، وأيضا كان هناك تأخير متعمد وأوامر بالجيش للتأخر بمساعدة الضحايا والمحتاجين في المناطق العلوية والكردية من الجمهورية التركية.

"أصبحت AFAD وهي المنظمة التركية لطوارئ الكوارث وهي المنظمة المختصة بالتحضير لمنع والتحضير للكوارث وتقليل الاضرار في حال حدوثها وهي أيضا المسئولية عن تقليل الاضرار الناجمة لما بعد حدوث الكوارث وترتيب الاستجابات المطلوبة من الدولة ومؤسساتها بجميع المؤسسات الحكومية المعنية، ان هذه المنظمة المهمة اصبحت مزرعة أقارب الأشخاص المنتمين لحزب العدالة والتنمية الاردوغاني ومن غير حملة الاختصاص المطلوب بل ان هناك اعداد كبيرة من أئمة المساجد فيها؟!

"بعد الزلازل التي ضربت كهرمان مرعش، لم تساعد جهود البحث والإنقاذ في المنطقة.

واتضح أن أقارب المقربين من الحكومة كانوا مديري إدارة الكوارث والطوارئ التي تعرضت لانتقادات بسبب وصولها إلى حطام الطائرة متأخرًا وعدم التنسيق أثناء كارثة

كما تم الكشف عن أن الأشخاص الذين ليس لديهم تدريب وخبرة، والبحث والإنقاذ في إدارة الكوارث والطوارئ، عملوا كمدير إقليمي. يوجد العديد من الأئمة بين مديري المحافظات في إدارة الكوارث والطوارئ."

"ان هؤلاء متخصصين في الدين وأساسا هم ضمن تعليم ديني متوسط وليسوا أصحاب اختصاص في الإغاثة او الجيولوجيا او إدارة الكوارث وهذه كلها تخصصات علمية اكاديمية تطبيقية، وهذه أحد اهم المشاكل التي تعيشها المنظومة الحاكمة الطورانية الاردوغانية والتي تتحرك لضمان الولاء على حساب أصحاب الاختصاص والتكنوقراط أصحاب الشهادات وهذا ما تم كشفه وأدى الى مضاعفة الكارثة للزلال أكثر وأكثر على الناس الأبرياء"

هكذا بنى كاتب المقال معلوماته (الخاصة) حول الجهود الإغاثيّة بعد الزلزال على القيل والقال، وعلى ما رواه له بعض أصدقائه الأتراك المقيمين في أوربا. ولم يخبرنا الكاتب عن إيديولوجيات وتوجّهات أولئك الأصدقاء. هل هم من الموالاة أم من المعارضة؟ هل هم أتراك أم أكراد أم علويين أم شيعة أم سنّة أم علمانيين أم إخوانيين أم شيوعيين أم مسلمين أتراك أم يهود أتراك أم نصارى أتراك؟ وهل وقفوا بأنفسهم على عمليات الإغاثة أم قيل لهم ذلك؟ أم استقوا معلوماتهم تلك من مواقع التواصل الاجتماعي؟

والحقيقة، إنّ ما نقلته وكالات الأنباء العالميّة، وخاصة قناة الجزيرة القطريّة، عكس حجم الكارثة الإنسانيّة، التي تعجز عن الإحاطة بها أعتى الدول في العالم. وهذا ما جعل عمليات الإغاثة والإنقاذ شابها نقائص شتّى في تركيا وشمال سوريا. أمّا مسألة التمييز بين ضحايا الكارثة، ففيها نظر، ولم ترها سوى المعارضة الحاقدة والعملاء القاعدين في شرفات الفنادق الفخمة، يرتشفون قهوة الصباح وشاي المساء..

" العلمانية التركية المزعومة، فهي إيديولوجية عنصرية تم استزراعها عنوة بقرار سلطوي فردي في بيئة حضارية متخلفة، ومخالفة لمنشئها الأوروبي، ثقافة وفكرا ودينا، فلم تكن وليدة الرغبة في دولة مدنية – ديمقراطية، ولم تكن من بنات أفكار الفلاسفة، بل اتخذها الجنرال أتاتورك، ذريعة للتملص من استحقاقات معاهدة سيڤر 1920، بخصوص منح شعوب السلطنة حق تقرير المصير، تماشيا مع مبادئ ولسون الأربعة عشر، فالرجل بنزعته السوفيتية العنصرية كان من غلاة القوميين الأتراك الطورانيين، ممن يمجدون العرق التركي ويضعونه فوق بقية الأعراق "

و يختم د. رضا عادل مقاله بقوله:

" وما حدث في زلزال تركيا المنكوبة ليكن هزة للعقل العربي والضمير لكي نعود للتحرك في خط صناعة السعادة للفرد والنهضة للمجتمع كما كنا، اما الواقع العنصري الاتاتوركي الطوراني السائر في خط خدمة الصهاينة والحلف الطاغوتي الربوي العالمي فماذا سيكون مصيره لاحقا، فأن هذا أيضا سيكون ضمن ماذا سيترتب على صراع الأقطاب الدوليين؟ وهذا هو جواب المستقبل القريب "

و خلاصة القول، إنّ الكتابة في الشؤون العربيّة والإسلاميّة، كانت تقتضي من الكاتب د. رضا عادل أن بتّسم بالعدالة ويلتزم بالموضوعيّة، ويبتعد عن الفلسفة الكيديّة، التلفيقيّة. إنّ معارضة د. عادل رضا للنظام السياسي والإيديولوجي التركي الحالي، أو كما سمّاه " النظام الأردوغاني " - الذي أعاد مسجد أيا صوفيا بعد أن حوّله كمال أتاتورك 1934 م إلى متحف عالمي باقتراح من الأمريكي توماس ويتيمور- أمر يخصه، وهو حرّ كل الحريّة في إبداء آرائه، والإفصاح عن قناعاته السياسية وفلسفته الإيديولوجيّة، لكن لا يبيح له تشويه الحقائق التاريخيّة والحقائق المعيشة. وخداع القاريء. لأنّ مخاطبة عقل القاريء تخضع لمعايير الصدق والحق والموضوعيّة والمسؤوليّة.

لقد يئس (الاستعمار الجديد) من العودة – من جديد – إلى غزو البلاد العربية والإسلاميّة واحتلالها، والسيطرة على خيراتها وثرواتها والحيلولة دون تقدّمها وبعث نهضتها وبناء اقتصادياتها، فلجأ – بأساليب خبيثة – إلى إثارة الفتن الإثنيّة، والنبش في التاريخ القديم، وتحريك النوايا الخبيثة لما أطلق عليه بـ (الأقليّات) العرقيّة (الأكراد في الشام وتركيا والعراق، البربر في المغرب العربي، الأقباط في مصر، التوارق في دول الساحل..)، تحت مظلّة الدفاع عن حقوق الإنسان، بأيادي منظمات حقوق الإنسان المشبوهة - التي عَمِيت عن الدفاع عن حقوق الفلسطينيين والبوسنيين والروهينغا والإيغور – متبّعة سياسة (فرّق تسد). وهاهو نظام العولمة السياسية والاقتصاديّة والثقافيّة، الذي بشّرت بها الليبراليّة الأمريكيّة والأوروبيّة، يسعى إلى تفتيت مجتمعات الجنوب – في الوقت الذي يسعى إلى الوحدة في الشمال – وذلك بإيقاظ موجات من (الفوضى الخلاّقة). لتحطيم الدولة الوطنيّة، وتنصيب أنظمة عميلة للغرب. وانطلاقا من المعطيات السالفة الذكر، وغيرها، وجب على المفكّرين الباحثين العرب والمسلمين التزام الحذر الشديد من الدعوات المسمومة، والمدسوسة في أكواب العسل، والتي غايتها الآجلة والعاجلة، بث روح الكراهيّة والبغضاء والتنازع بين مكوّنات المجتمعات العربيّة والإسلاميّة، وتشجيع النظريّة العرقيّة، وإضعاف الوازع الديني (إنّما المؤمنون إخوة) { 10/ الحجرات }. وتفتيت الأمة الواحدة إلى شعوب وقبائل متناحرة. لتيسير غزوها من جديد. إنّ الفلسفة (الطورانيّة) التركيّة، لا تتعارض مع الإسلام، مثلها كمثل القوميّة العربيّة التي لا تتعارض أيضا مع الإسلام. لأنّها – حسب رأي الكاتب – تلتقي بالفكر الإسلامي في أكثر من موقع. فإذا كان العرب يفتخرون بقوميتهم، فلماذا لا يفتخر الأتراك بقوميتهم؟ أحلال على وحرام على الأتراك؟ إنّ الدعوة إلى الفلسفة الطورانيّة كالدعوة إلى الفلسفة العروبيّة، لا اختلاف بينهما. ولكلّ أمّة الحق في بناء نفسها كيفما شاءت، ما دامت لا تهدّد السلم العالمي وآليات التعاون الإنساني.

ومهما تكن خلافاتنا البينيّة وتعدّد مشارب أفكارنا واختلاف رؤانا، فإنّ هدفنا قول الحق ولا شيء غير الحق. والابتعاد عن بث روح الكراهيّة بين الأمم والشعوب والجماعات البشريّة، وبالمقابل، الدعوة إلى الحوار والمحبة والسلام والتكافل الإنساني، وعن اختلفت الملل الدينيّة والمذاهب السياسية والقناعات الإيديولوجيات.

***

بقلم: الأستاذ علي فضيل العربي – روائي وناقد جزائري

..........................

للاطلاع

الطورانية الأردوغانية والزلزال / بقلم: د. علي رضا

https://www.almothaqaf.com/opinions/968181

في المثقف اليوم