آراء

آراء

عُقدت بدُبَي الدَّورة العاشرة للقِمة العالميَّة للحكومات من 13إلى 15 فبراير 2023 حضرها رؤساء ورؤساء وزراء، وخبراء عالميون في العُمران.

ليست كالقمم السياسية، تفتتح بجدول أعمال وتُختتم ببيان، قمة أفكار وتجارب، لخصتها كلمة معالي مطر الطَّاير، وهو يُقدم خطة دُبَي في المستقبل تحت منهج «المدن للناس وجودة الحياة»، خطط للمحافظة على التَّطوير الحضريّ، والعمل على أنّ تكون مضيفة القمة الأفضل عالمياً بزيادة جودة الحياة، وأقرب ما فيها لسعادة الإنسان المحافظة على ستين بالمائة مِن مساحة الإمارة كمحميات طبيعيَّة، وعيش نصف السُّكان بالقرب مِن محطات النَّقل، ناهيك عن فورة الاستثمار، ودقة الأمن، كي تكون الأفضل عالميَّاً «محورها الإنسان». فالمدن النَّاجحة، والكلام للوزير «ليست صدفةً»، إذا لم تكن بها تنمية الإنسان أهم مِن تنمية العمران، فهي مجرد حيطان. كان قديماً أهم ما يشغل ذهن الحاكم، أو مؤسس المدينة، التّحصين مِن الغزاة، وأسباب الحياة مِن ماء وطعام، ويجمع الحُكماء أسباب اختيار المدن: «وقالوا: لا تبنى المدن إلا على الماء والمرعى والمحتطب» (الجاحظ، البيان والتَّبيين)، وأضاف آخرُ رابعاً «الحصانة»(التَّوحيديّ، الإمتاع والمؤانسة).

أمّا اليوم فما عادت هذه الأسباب موجبة، في الأرض التي تُختار لبناء المدن، لأنّها تُخلق، أمَّا نرى هذا الرَّمل اليبيس، الخالي مِن المرعى والماء والمحتطب، يقصده البشر مشتغلين وسائحين! توفرت فيه الخدمات وتكاملت للأفراد: الصحة والأمن والتَّعليم والتَّرفيه! ونزله رؤساء العالم ليضعوا خُطط مستقبل مدنهم؟!

عندما اختار أبو جعفر المنصور(ت: 158 هج) بَغْداد عاصمةً لم يفكر بتاريخها، ولا باسمها البابلي «بَغْدادو»، وكذب مَن جعلها «الصّنم وصاحبه»، أو فارسية المعنى. قَبِل المنصور بنصيحة الرَّاهب، صاحب الدَّير المقيم بها، أنها الأنقى هواءً والأفضل اتصالاً عبر دِجلتها(انظر: البَغْداديّ، تاريخ بَغْداد).

لفت وزير الدَّاخليّة الإماراتي الفريق  سمو الشّيخ سيف بن زايد آل نهيان، في كلمته عن بلاده وما يتعلق بالبيئة والإنجازات، إلى «بطارية بَغْداد»، وهو يتحدث عن الكهرباء ودورها، ماذا لو انسحبت مِن الحياة اليوم، وقد حل الظَّلام داخل القاعة، كمثال على معنى حضور الكهرباء وغيابها، ثم قال: «قبل ألفي عام ظهرت بطارية بَغْداد التي اكتشفت 1936»، وأظهر نموذجها على شاشة العرض، مع برقية تحية، مِن على المنصة، إلى العراق وأهله، شاكراً حفاوة الاحتفاء في كأس الخليج العربي 25 بالبَصْرة. كتب الآثاري العراقي بهنام أبو الصُّوف(ت: 2012) عن بطارية بَغْداد، المحتفى بها في قمة الحكومات بدُبَي، والمكتشفة شرقي بَغْداد، حيث قناة الجيش اليوم: «جرة صغيرة مِن الفخار، ارتفاعها لا يزيد على 15 سم، تحوي في داخلها مجموعة مِن مواد، تبين عند دراستها أنْها تضم أسطوانة نحاسيَّة، ثبت في وسطها قضيب مِن حديد، يبرز قليلاً عند فوهتها، وقد غُطيت بطبقة مِن مادة الأسفلت(القار)».

«كما توجد في قاعدة الأسطوانة النُّحاسيَّة طبقة مِن الأسفلت أيضاً، وقد طُلي باطن الجَرة كُلها بهذه المادة أيضاً، وفي ضوء دراسة محتويات هذا الإناء الفخاريّ ظهر أنْه يكون مواد لبطارية كهربائيَّة جافة، وهو يمثل خليةً مبسطةً... يرجع تاريخ بطارية بَغْداد المكتشفة في موقع خيوط ربُوعة إلى قبل نحو ألفي سَنة»(أبو الصّوف، التَّاريخ مِن باطن الأرض). كنت مذهولاً وأنا أسمع هذا الاحتفاء بتاريخ العِلم ببَغْداد، فمرت على ذهني عذاباتها، هذه بطاريتها وهي والكهرباء في خصومة.

أقول: إذا كان لابد مِن تخفيف الصَّدمة، فلا أجودَ مما نظمه مصطفى جمال الدّين(ت: 1996):

«بَغْداد ما اشتبكت عليكِ الأعصرُ/

إلا ذوت ووريق عُمركِ أخضرُ/

*

مرّت بك الدُّنيا وصُبحك مشمسٌ/

ودجت عليك ووجه ليلَّكِ مقمرُ/

*

وقستْ عليك الحادثات فراعها/

أنْ احتمالِك مِن أذاها أكبرُ»

(قصيدة بَغْداد: 1965).

***

رشيد الخيّون - كاتب عراقي

من هو الزعيمُ الإسبانيُّ الذي فرضَ علمَ الأنْدُلُس التاريخيِّ الأخضر فوقَ المؤسساتِ الحكومية!

لماذا أُدْرِجَ هذا الزعيم ضِمْنَ مَطِالِبِهِ اللغةً العربيةَ كلغةٍ رسميةٍ للإقليم؟

وهل فعلاً طالب بتعميم الزيِّ العربيِّ على دور الأزياء في اندلوسيا لاستلهامه!! من باب استرجاع الشخصية الأندلسية؟

وهل حقاً تضمنت أطروحاته الاستراتيجية اعتبار أندلوسيا المستقلة جزءاً من المغرب؟

ماذا كان مصير هذا الزعيم الإسباني الفذ.. وما هي آثاره الآن؟

من هو الشاعر الإسباني ابن غرناطة الذي مجد الأندلس؟

وأكثر من سؤال!!

سُئِل الشاعر الإسباني الشهر «فديريكو غرسيه لوركا» يومًا عن سقوط الحكم العربي لغرناطة في عام ١٤٩٢ ميلادية، فأجاب قائلًا والحسرة تلتهم مشاعره المرهفة، فَيُسَرِّحُ وجدانًه في غياهب ما جرى في الماضي المظلم:

«لقد كان يومًا أسودا، رغم أنهم يذكرون لنا عكس ذلك في المدرسة (مسيسة المناهج)، لقد ضاعت حضارة مدهشة، وشِعر، وفلك، ومعمار، ورِقَّة لا نظير لها في العالم، وحلَّت محلها مدينة فقيرة، خانعة، تزخر بطالبي الصدقات، وحيث توجد الآن أسوأ طبقة برجوازية في إسبانيا».

لقد تأثر هذا الشاعر الفذ بمسقط رأسه غرناطة التي توشحت السواد منذ سقوطها على يد القشتاليين حيث ترعرع في أحضانها الخصبة، بكل ما تنبض فيها من أجواءٍ عربيةٍ وأندلسيةٍ بقيت آثارها على مرِّ القرون دون أن تمس بضرر لهيبة مقامها الراسخ في الذاكرة الجمالية الإنسانية، ولقد استبانت تلك الأجواء في شِعره وفي مسرحياته التي استلهم فيها الروح الشعبية في قرى الأندلس ومدنه.. غرناطة التي شهدت ولادة لوركا الذي اعدمه الجنرال فرانكو في اتون الحرب الأهلية في عام ١٩٣٦م تحديداً في «عين الدمعة» بقرية «فرنار» الغرناطية كونه يسارياً انبرى للدفاع عن حرية الشعب المغبون .

عاشق الأندلس الذي قال:

"ليمهلني الموتُ حتى أصيرَ في قرطبة

قرطبةُ البعيدةُ الوحيدة "

نحنُ الأنَ في دولةِ الاتحادِ الإسبانيِّ ما يسمى بشبهِ الجزيرةِ اللإيبيرية وتحديداً في إقليمِ أندلوسيا جنوبِ البلاد..

بداية نحن سنتناول هذا الموضوع لثلاثة أسباب:

الأول ترسيخاً لمفهوم أنه لا يموت حقًّ وراؤه مطالب.. كرسالة موجهة إلى الشعوب المحتلة المغبونة كالشعب الفلسطيني!

والثاني مناصرة لشعب الأندلس المتجذر في المكان وقد سلبت هويته وشخصيته بكل ابعادها دون مشورة منه؛ بل تم ذلك بالترهيب منذ احتلال الأندلس على يد القشتاليين قبل مئات السنين!

الثالث: تعرض هذا الشعب لسياسة تعدد المكاييل فيما يتعلق بحق العودة للمهجرين خلافاً لليهود السفرديم.. وهذا ظلم تاريخي قاسي!

من هنا سَنَلِجُ هذه البلادَِ على متنِ عبارةٍ فحواها أنَّ ما يدورُ في إسبانيا منذُ سنوات، إنما يُثْبِتُ بأنَّ الحقَّ لا يموتُ بالتقادمِ وأنَّ الظلمَ لا يتخفّى كالحرباءِ في ظلِّ التاريخِ مهما طالَ أمَدُه.. ومن هذا البابِ يمكنُ فهمُ نضالِ الشعوبِ حتى تَنْتَزِعَ حريتَهَا واستقلالَها من براثِنِ الاحتلالِ كحالِ ما يحدثُ في فلسطينَِ المحتلة.. على اعتبار أنَّ من ورثوا تراث الأندلس هم من أصحابِ المكان الأصليين ممن تبرعموا من تحتِ ثراها متابعين خطى الشمس في كبدِ السماء، ودفعوا الثمن غالياً إزاء صبرهم على الضيم الذي أصابهم منذ سقوط الأندلس قبل 526عاماً.

حينما نتحدث عن انبعاثِ روحِ الأندلس في جنوب إسبانيا فهذا يقودنا لتسليط الضوْء على الحراكِ الأندلسيَّ في إقليم أندلوسيا بعد أن هبط ابناءُ هذه الحضارةِ الافلةِ من مهاجع الخوف والنسيان في قممِ الجبالِ النائية إلى عمقِ الإقليم ومدنه المعاصرة.

بداية تسلل غناؤهم "الفلمنجو" بواسطة الغجر الذين شكلوا رابطاً للتواصل بين منافيهم التي تسترت بظلال الهامش، حتى آن أوان استحضارهم لملامحهم التي ظن الخصوم بأنها طمست إلى الأبد وتماهت مع الهامش، ليعيدوا أمجادَ الأندلس وهيبةَ شخصيتِها في حراكٍ سياسيٍّ وتراثيٍّ فاعل وقد زرعوا الراية الأندلسية من جديد في مركز الفعل مطالبين بالاستقلال التدريجي، وها هي ترفرف عالياً فوق المباني الرسمية وعلى شرفات البيوت الخاصة.

وقبل الحديث عمَّن علّق الجرسَ أولاً، تنبغي الإشارةِ إلى أنَّ التحدّياتِ الكُبرى التي تواجهها إسبانيا في الوقت الراهن، تتجلّى برفض الأقاليمِ الإسبانية الثلاثة لفكرة الاتحاد في ظل التنافر الثقافي المتنامي والتقوقع الإقليمي المستقل مع مراعاة الخصوصية الثقافية والتاريخية لكل إقليم .. والأقاليم هي:

أولاً- إقليمُ كتلونيا الذي جرى فيه استفتاءٌ حول الانفصالِ عن الإتحادِ الإسبانيِّ عام 2016.

ثانياً- إقليمُ الباسك الشمالي، الذي يضم عاصمة الاتحاد الإسباني مدريد .

ثالثاً- إقليمُ أندلوسيا (الأندلس) صاحبُ المبادرة الريادية في الاستقلال التدريجي عن الاتحاد الإسباني، من أجلِ نيلِ الاستقلالِ التام، إذ يُعَدُّ الإقليمُ الإسباني الأخطرُ في قائمةِ التحديات، التي يواجهها الاتحاد من حيثِ تنامي مشاعر الغبن في الذاكرةِ الأندلسية التاريخية التي تُدِينُ جرائمَ القشتاليين ضد المسلمين في الأندلسِ التاريخية، الذين أُبِيدُوا عن بَكْرَةِ أبيهِمْ في إطارِ خياراتِ ثلاثة، تجلت فيما يلي:

أولاً- الإبعادُ عن إسبانيا في مجاميعَ سكانيةٍ ضخمة بناءً على الهوية الدينية التي تخالف معتقدات القشتاليين.

ثانياً- تغييرُ الهويةِ الثقافية، والدينية، بالانقلابِ إلى الدينِ المسيحيِّ بالترهيب.

ثالثاً- الإعدامُ قتلاً بالسيف، أو بالحرق لكل من قاوم هذه الخيارات علانية فنجم عن ذلك مجازر مرعبة يندى لها جبين الإنسانية، حيث استلهمها مقترفوها الإسبانيون فيما بعد إبان اكتشافهم الأمريكيتين وبسط نفوذهم فيهما، حيث مارسوا ذاتَ الجبروتِ ضدَّ الهنودِ الحُمْرِ كما تُؤَكِّدُ الوثائقُ التاريخية).

ولكن بالنسبة لليهود السفرديم ، وفي ظل ازدواجية المعايير، وبسبب الضغوطات على إسبانيا التي مارستها الحركة الصهيونية (المتسببة جوراً باحتلال فلسطين) ملوحة بمعاداة السامية من باب الابتزاز، فقد قدمت إسبانيا اعتذارها لليهود عن جرائم القشتاليين ضد الأقلية اليهودية الإسبانية وتجاهل جرائمهم بحق المسلمين الأندلسيين الذين بنوا حضارة الأندلس، لا بل وأعلنت وزارة العدل الإسبانية أن مدريد قررت منح حق الحصول على الجنسية الإسبانية لأحفاد اليهود الذين طردوا من البلاد عام 1492 بعد رفضهم لاعتناق الكاثوليكية.

وبموجب القرار، فإن كل السفارديم وعددهم 250 ألف شخص في العالم يتحدثون لهجة اليهود الإسبانيين (وأكثرهم يساهمون في احتلال فلسطين بالحديد والنار).. يعتبرون مرشحين للحصول على الجنسية الإسبانية بغض النظر عن مكان إقامتهم.. ويحرم من هذا القرار ذوو الأصول الإسلامية في ظل قانون جائر يكيل بمكيالين.

يبدو أنَّ العودةَ إلى الذاكرةِ أيقظتِ الزعيمَ الإسبانيَّ التاريخيَّ الفذ، “بلاس انفانتي بريث” الذي اعتبره الأندلسيون سنة 1983 من خلالِ برلمانَ إقليمِ الأندلس، بالإجماع،بانَّهُ أبُ الأمةِ الأندلسية، و رائدُ النضال، كونه تمكنَ من الحصولِ على قانونٍ للحكمِ الذاتيِّ بالأندلس، وبالتالي الحصول على حقِّ رفعِ العلمِ الأندلسيِّ الإسلاميِّ القديم، إلى جوارِ العلمِ الإسبانيِّ الحديث؛

ما يعني أنَّ مربعَ الحكمِ الذاتيِّ كان هو الأساسُ لدفع قضية الإقليم باتجاه نيل الاستقلال عن شبه الجزيرة الليبيرية القشتالية (إسبانيا) فمقومات ذلك كما كان يراها “إنفانتي” تتمثل; بوحدة التاريخ المتجلي بتاريخ العرب في إسبانيا الأمر الذي دعاه للمطالبة باستعادة اللغة العربية إلى جانب الإسبانية لاعتمادها في الحياة العامة وتعليمها في المدارس والجامعات.

لا بل وأكد على حرية أهل الإقليم في استعادة زي أجدادهم العربي الأصيل الذي كان سائداً في عهد الأندلس، وذلك في إطار الخصائص الاجتماعية الخاصة للإقليم ما يجعلها لا تنسجم نسبياً مع النمط السائد في عموم المقاطعات الإسبانية الأخرى.

من هنا فقد أعلن انفانتي إسلامه أسوة بأجداده من بني أمية رداً على مصادرة القشتاليين منذ 526 عاماً لهوية أجداده الدينية والثقافية!.

ولتحقيق مطالب الإقليم السياسية أسس “إنفانتي” حزباً يطالب بإعادة إقليم الأندلس للوجود، وتحققت مطالب هذا السياسي القوي في إطار ما يسمى اليوم إقليم (أندلوسيا) ويضم سبعة مدن إسبانية جنوبية رئيسية، هي غرناطة (مدينة لوركا) وهي عاصمة الإقليم، إلى جانب قرطبة، إشبيليا، ملقه , ألمريا، ألبا، وكادث.

والإقليم اليوم مستقل في القانون وإدارة الشؤون الداخلية؛ إلا في مجال الدفاع والخارجية.

ولد ابن جنوب إسبانيا الزعيم الأندلسي الاستثنائي بلاس انفانتي بيريز، الذي يعده الأندلسيون اليوم بكافة مللهم، بمن فيهم المسلمون، أب قوميتهم ومفكر انبعاثهم المعاصر، في بلدة قشريش التابعة لمقاطعة مالقة وذلك في الخامس من يوليو عام 1885م، من أبوين تعود جذورهم العميقة إلى الأندلس، تحديداً لعائلتين سليلتين للمورسكيين القدماء ممن دافعوا عن الأندلس حتى الرمق الأخير فتشرذمت حياتهم بين النفي أو تغيير ديانتهم أو القتل.

والموريسكوس بالقشتالية هم المسلمون الذين بقوا في الأندلس تحت الحكم المسيحي بعد سقوط الحكم الإسلامي للأندلس وأجبروا على اعتناق المسيحية.

أنهى انفانتي دراستَه الابتدائيةِ في بلدته. ثم انتقل عام 1896م إلى أرشذونة ضمن مقاطعة مالقة من أجل الدراسة الثانوية، ثم انتقل إلى قبرة ضمن مقاطعة قرطبة سنة 1897م، حيث حصل عام 1900م على شهادته الثانوية. ثم عمل مع أبيه في محكمة قشريش، قبل التحاقه بقسم الحقوق في جامعة غرناطة، وتخرج من كلية الفلسفة والآداب بامتياز في أكتوبر عام 1906م.

شعر هذا الزعيم الفذ بأن الحضارة الأندلسية تمثل جوهر شخصيته.. فزار انفانتي إشبيلية وقرطبة ومجريط (مدريد)، واجتمع بزعماء الحركة الأندلسية، وأصبح يعتقد أن الهوية الأندلسية ليست هوية عرق، أو دم؛ ولكنها هوية «وجود»، و«معرفة».

وفي عام1907م، زار انفانتي إشبيلية، فوجد فيها نشاطاً فكريًا كبيرًا ذكره بطليطلة إبان العصر الذهبي الأندلسي التي مثلت بوابة انتقال الحضارة الإسلامية إلى عموم أوروبا فشكلت لدى الأوروبيين بداية نهضتهم المشهودة، فماذا وجد انفانتي في أشبيلية:

وجد هناك جمعيات شبابية لدراسة تاريخ الأندلس، و«ألعاب وردية» تُلْقَى فيها الخطب الحماسية الأندلسية. وفي سنة 1909م، تحولت هذه الألعاب إلى احتفال قومي أندلسي.

وفي سنة 1910م، عين انفانتي قاضياً عدلياً في بلدة (قنطيانة) بتلمسان في الجزائر وهي بلدة الشيخ "أبو مدين الغوث" المدفون فيها، فسكن إشبيلية القريبة منها حيث يفصل بينهما مضيق جبل طارق، وأصبح يتنقل بين البلدتين عبر مضيق جبل طارق.

تأثر انفانتي في إشبيلية بمفكريها الأندلسيين، وساهم في أنشطتهم الثقافية. وفي عام 1913م، قبل انفانتي في مجلس المحامين.

وفي 1914م، ألقى خطاباً في «أتينيو» بإشبيلية عن «النظرية الأندلسية»، كان أساس كتابه التاريخي عن القومية الأندلسية. وفي نفس السنة فتح مكتب محاماة في إشبيلية. وفي سنة 1914م، ظهرت الطبعة الأولى من كتابه الشهير «النظرية الأندلسية».

وفي العام 1916م، أسس انفانتي أول «مركز أندلسي» في إشبيلية، تبعته مراكز أخرى في مدن الأندلس وقراها، وأصدر مجلة «الأندلس» كلسان حال المراكز الأندلسية، والحركة القومية الأندلسية.

ومع الأيام تحول «مركز إشبيلية الأندلسي» إلى مركز أنشطة أندلسية، تثقيفية، وتخطيطية، ومنه خرج المنشور الداعي إلى «اجتماع المقاطعات الأندلسية» الذي استعمل فيه عبارة «الأمة الأندلسية» لأول مرة.

وهكذا أصبح انفانتي بأفكاره، وحركته، رئيس تيار جديد للحركة القومية الأندلسية.

وفي 1917م، ألقى انفانتي بصفته رئيس «مركز إشبيلية الأندلسي»، محاضرةً أساسيةً أعطت لأفكاره نضوجاً ثورياً، صرح في آخرها: «نحن لسنا بصدد إنشاء حزب، نحن نريد إنشاء شعب قادر بأن يحكم نفسه بنفسه».

***

وفي الرابعة عشر من يناير عام 1918م، انعقد اجتماع «مجلس المقاطعات الأندلسية» في رندة ب"مالقة"، فعدد انفانتي معالم القومية الأندلسية في النقاط التالية:

أولاً:- الاعتراف بالأندلس كبلد، وقومية، ومنطقة ذات حكم ذاتي، ديمقراطي، على أساس دستور انقيرة (مدينة أنقيرة قرب مالقة).

ثانياُ:- اختيار العلم الأخضر والأبيض، علماً للأمة الأندلسية، ورمز قادس شعارًا لها، و(قادس إقليم أندلسي).

خاطت هذا العلم زوجة بلاس إنفاتي، بحيث يرمز اللون الأخضر والأبيض للخير والسلام.

(هناك زعم غير دقيق باعتبار الألوان ترمز للدولة الأموية والموحدين).

ودخل انفانتي اللعبة السياسية للتعريف بأفكاره القومية الأندلسية، فتقدم لانتخابات منطقة (غسان – أشتبونة) في مقاطعة مالقة، حيث يوجد مسقط رأسه بلدة قشريش لكنه لم يفز ولم يثنه ذلك عن طموحه المتجدد باتجاه تحقيق الحلم الأندلسي العظيم؛ لذلك تقدم بلاس انفانتي، ورفيقه خوزي أندرس، باسم المؤتمر، لهيأة الأمم المتحدة مطالبَيْن بالاعتراف بالقومية الأندلسية.

وتعزيزاً لذلك؛ شارك انفانتي في يناير عام 1919م، باجتماع «المجلس الإداري الأندلسي» التأسيسي، الذي انتهى بالاتفاق على «تخطيط نظري للقومية الأندلسية»، كان له تأثير هام على مجرى الفكر القومي الأندلسي، ومنه انبثقت مشاريع النهوض بالقومية الأندلسية وترسيخها كمسألة تاريخيةٍ سياسيةِ واجتماعية.

وفي نفسِ العامِ تزوج انفانتي. ثم تقدم لانتخابات إشبيلية باسم «الديمقراطية الأندلسية» المكونة من الجمهوريين الاتحاديين، والقوميين الأندلسيين، والاشتراكيين المستقلين. وقد اتَّهَمَ حينها عاصمة الاتحاد الإسباني مدريد بأنها تتحكم بنتائج الانتخابات من خلال توظيف المال السياسي؛ لكنه رسب في الانتخابات فكانت فرصة متاحة للحكومة المركزية للتخلص منه سياسياً باتهامِهِ وأتباعِهِ بالتآمرِ على أمن الدولة ووحدتها كونه ظل ثابتاً على شعاراته ساعياً لتحقيقها.

ثم أسس انفانتي في إشبيلية دار ومكتبة «أبانتي» للنشر والتوزيع( ابانتي: بمعنى التقدم بالإسبانية)، نشر فيها عددًا من كتبه.

كما أسس «مركز الدراسات الأندلسية».

وفي سنة 1920م، ظهر كتابه «المعتمد ملك إشبيلية»، وهي قصة مسرحية تاريخية عرف فيها انفانتي بجذور الهوية الأندلسية الإسلامية لترسيخ مبادئه في الوجدان لتكون نواة للتعبير الأدبي عن أفكاره من باب التاثير الثقافي .

وفي عام 1921م، ازدهرت الحياة الثقافية الأندلسية خلافاً لما أصاب مدريد من اضطرابات، فانتشرت «المراكز الأندلسية» في الأقاليم الصغيرة بمدنها وقراها، وانتشر معها الفكر الأندلسي في المجالات الثقافية والاجتماعية حتى ترسخت في الوجدان الأندلسي كبنية ثقافية.

لكن في الأول من يناير عام 1923م، تحولت أسبانيا إلى الحكم الدكتاتوري الذي قضى على الحريات، ودمر هذا الحكم أفضل «المراكز الأندلسية»، فيما اتهم القوميين الأندلسيين بمقاومة الدولة والكنيسة.

فانتقل انفانتي، تحت ضغط عائلته، إلى ايسلا كريستينا (مقاطعة ولبة) جنوب الأندلس للعمل كموثق عدلي.. فالحكم الدكتاتوري عطل مشاريعه القومية وادخل الياس في قلبه.

وانسحب انفانتي بفعل تلك الضغوط من العمل السياسي، لا بل نصح أتباعه بذلك. سوى أنه عاد من جديد ليركز على التفكير في مصير الأندلس، وجذور الهوية الأندلسية.

وفي 1923م، زار انفانتي قبر آخر ملوك بني عباد في الأندلس، الشاعر المعتمد بن عباد المدفون في أغمات بالمغرب، حيث تعرف على بعض أبناء الأندلس، فقرر إشهار إسلامه على يدهم ( كما ذكرنا آنفاً). ثم حاول بعد إسلامه ربط الحركة الأندلسية بالحركات الإسلامية والعربية لتوفير بعد استراتيجي عربي إسلامي لحركته في بداياتها التي طال مخاضها العسير.

وفي سنة 1930م، انهارت الدكتاتورية، فنقل انفانتي عمله كموثق عدلي إلى بلدة قورية بالقرب من إشبيلية.

وفي سنة 1931م، أسس «مجلس الأندلس التحرري»، عوضاً عن المراكز الأندلسية القديمة، وانضم إلى «الحزب الجمهوري الاتحادي». وأصبح انفانتي يمجد التاريخ الإسلامي كأساس الهوية الأندلسية حيث تم سلبها من قبل القشتاليين، ويطالب الأندلسيين باستعادة الهوية، والتاريخ، والأرض.

وفي أبريل عام 1930م، انعقد في العاصمة الهندية نيودلهي مؤتمر «الشعوب التي لا دول لها»، شارك فيه عن القوميين الأندلسيين الشاعر الأندلسي المسلم آبل قدرة، الذي بيّن في خطبته للحاضرين، أن نضال تحرير الأندلس هو جزء من نضال شعوب آسيا وأفريقيا المغلوبة على أمرها، وبأن جذور القومية الأندلسية هي الإسلام.

وهذا مؤشر يوضح للقوى الطاغية كيف أن قضايا الشعوب خالدة ولا يموت حق وراءه مطالب وهي رسالة للفلسطينيين أيضاً كي يثبتوا على المطالبة بحقوقهم المشروعة.

ثم التقى انفانتي بالحركات التحررية العربية عبر مجلة «الأمة العربية» في جنيف (سويسرا) التي كان ينشرها أمير البيان والسياسي اللبناني شكيب أرسلان، والسياسي السوري إبان الثورة العربية إحسان الجابري.

وتجلت أفكار انفانتي والقوميين الأندلسيين الواضحة بعد عشرينيات القرن العشرين الميلادي في أن هوية الأندلس إسلامية، وليست غربية، مما دفع أعداؤهم إلى رميهم بالاتهامات المتواصلة، فحوربت الحركة من طرف اليمين واليسار على حد سواء.

وفي يوم الأحد 2/8/1936م، بعد 14 يوماً من انفجار الحرب الأهلية الأسبانية، هجمت فرقة من الكتائب على انفانتي في بيته «دار الفرح» بقورية، وساقته إلى إشبيلية، حيث سجنته، وأعدمته رميًا بالرصاص يوم الإثنين 10/8/1936م، إبان الثورة على الدكتاتورية التي شارك فيها فرانكو فمات شهيدًا رحمه الله، وهو يصرخ مرتين: «عاشت الأندلس حرة!» وهو نفس العام الذي شهد إعدام الشاعر الغرناطيّ لوركا.

والغريب أنه بعد أربع سنوات من إعدامه عام 1940 في فترة حكم الجنرال الدكتاتور فرانكو، وفي مفارقة مبهمة أصدرت محكمة المسؤوليات السياسية، التي أنشئت بعد الحرب، حكماً بإعدامه وبغرامة مالية يدفعها ورثته، وفقاً لوثيقة مؤرخة في الرابع من مايو 1940.

ويبدو أن ذلك جرى لردع اتباعه من الاستمرار في الحراك الأندلسي التحرري. وقد خابت مساعيهم كما تبديه الشواهد التاريخية.

إذْ تمخض عن حراك انفانتي ما بات يعرف ب"يوم الأندلس" وهو العيد الوطني لمنطقة الأندلس, ويحتفل به في 28 فبراير لإحياء ذكرى استفتاء عام 1980، الذي أعطى حكماً ذاتياً كاملاً إلى منطقة الأندلس مكافأة لروح أبي القومية الأندلسية انفانتي الذي قضى بعد أن رسم لورثته معالم الطريق.

وقد تمت صياغة مشروع الاستقلال الأندلسي في أنتيكيرا سنة 1883.

وفي جمعية روندا سنة 1918 تمت الموافقة على علم وشعار الأندلس.

وخلال الانتقال الديمقراطي الإسباني أيد الأندلسيون سنة 1978 الوفاق الدستوري المتمثل اليوم في الدستور تأييداً واسعاً، وذلك فيما يتعلق بمادته رقم 2 التي تعترف بالأندلس على أنها جنسية في إطار وحدة الدولة الأسبانية التي لا تقبل التقسيم.

ومع تنامي الروح القومية الأندلسية خرجت مظاهرات حاشدة في الرابع من ديسمبر عام 1977 وعقد استفتاء في 28 فبراير 1980 عبر عن إرادة شعب الأندلس في تحقيق الحكم الذاتي على أعلى مستوى.

وبذلك كانت الأندلس الإقليم الوحيد الذي تمتع بمصدر محدد للشرعية في مسيرته نحو تحقيق الحكم الذاتي من خلال ما تم الإعراب عنه في صناديق الاقتراع من خلال الاستفتاء، وهذا ما أكسبه هويةً ذاتية.

نتجت عن هذه الجهود لائحة الحكم الذاتي للأندلس التي تمت المصادقة عليها في 20

هذه قصة فينيق آخر خرج من تحت الرماد أشد عنفواناً.. يشبه فينيقنا الكنعاني الفلسطيني المكبل باصفاد الاحتلال افسرائيلي العنصري الزائل بإذن الله إذ لا يموت حق وراءه مطالب.. مثلما امتلك الأندلسيون حق تقرير مصيرهم بايديهم.

***

بقلم بكر السباتين..

22 فبراير 2023

.....................

المراجع

(1) Miguel Asin Palacios “Empreintes de L’Islam” Al-Andalus XXIIe, 1957.

(2) A. Medina Molera “La Herencia Islamica y Arabe en la Lenguay literature Aljamiada” Primero Congreso Mundial Andalusi Castellar De la Frontera, (Cadiz), 2-5/9-1989.

(3) Blas Infante Perez “I deal Andaluz” Madrid, 1914.

(4) J.L. Ortiz de Lanzagorta “Blas Infante, Viday Muerte de un Hombre Andaluz” Sevilla, 1979.

(5) La Voz (Cordoba), 19/6/1931.

مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دارالعلوم ديوبند ، شعبان 1432هـ = يوليو 2011م ، العدد : 8 ، السنة : 35

6- المصطفى العسري” الوسط الإلكترونية” النزعة الاستقلالية والظلم التاريخي الذي ألم بأهل الأقليم الذي قربهم من العرب”.

http://www.alwasatnews.com/425/news/r...

7- الإستفادة من خبر بعنوان”إسبانيا: مساومة المسلمين لدعم استقلال كتالونيا” نقلاً عن الرابط: http://www.alukah.net/world_muslims/0...

8- هشام المغربي/ محاكم التفتيش ”Blas Infante y El Islam’’” للكاتب الأندلسي علي مونثانو باكو Ali Manzano Baco.

الرابط:http://www.churchinquisition.com/read...

9-https://www.facebook.com/ew3a.elsalaf...

10- لوركا شاعر الأندلس- ماهر البطوطي- صدر عن مؤسسة هنداوي عام 2022.

11- معلومات مفيدة عن مقاطعة (أندلوسيا)

-تقع أندلوسيا في جنوب إسبانيا، تحدها من الشمال منطقة كاستيا لا منتشا ومنطقة إكستريمادورا، ومن الجنوب المحيط الأطلسي والبحر الأبيض المتوسط وجبل طارق، ومن الشرق منطقة مرسية، ومن الغرب البرتغال.

تبلغ مساحة أندلوسيا 87.268 كم² (ثاني أكبر منطقة من حيث المساحة في إسبانيا).

ثقافة أندلوسيا هي الثقافة التي تأثرت جذورها بمختلف الشعوب التي تركت بصمتها على مر العصور. وكما ساهم أيضا التاريخ والعوامل الجغرافية بشكل كبير على تشكيل الثقافة الحالية.

اللهجة الأندلوسية

يتحدث الأندلسيون الإسبانية القشتالية بلهجة مميزة، وهي ذات اللهجة المستعملة في الأمريكتين اليوم نظراً لأن حملات الاستكشاف انطلقت من إشبيلية

 

يعود تاريخ عربستان (الأحواز) إلى عهد العيلاميين (4000 ق.م) الذين كانوا أول من استوطنها، وقد خضعت للبابليين ثم الآشوريين، كذلك اقتسمها الكلدانيون والميديون من بعدهم، ثم غزاها الأخمينيون وخضعت للساسانيين، وقبل الفتح الإسلامي كانت جزءا من دولة المناذرة، فيما كانت تحت حكم الكعبيين منذ عام 1724م لغاية تعرضها خلال عام 1925 للاحتلال الإيراني، بعد أن تحالف شاه إيران (رضا بهلوي) مع البريطانيين الذين قاموا باختطاف أميرها الشيخ خزعل الكعبي وسلموه للإيرانيين، الذين أعدموه وفرضوا سيطرتهم على إمارة عربستان، ومنذ ذلك التاريخ وحتى الآن تجري محاولات إيرانية دؤوبة وشديدة القسوة لمحو الطابع العربي عن عربستان التي أطلقت عليها تسمية خوزستان.

اسم عربستان يطلقه غير العرب على الأرض العربية المجاورة لهم فأطلق الأتراك اسم عربستان على سورية لاسيما القسم الشمالي منها، ونرى ذلك في التقويم الذي أصدرته الحكومة في الاستانة سنة ۱۸۰۹ أن اسم الفيلق المرابط في سوريا (عربستان أو ردوسي). وتقع عربستان إلى الجنوب الشرقي من العراق وهي بذلك تكون نهاية الطرف الشرقي من الهلال الخصيب، الذي يبدأ عند السهول الفلسطينية مارا ببلاد الشام والعراق، وتحتل القسم الشمالي الشرقي من الوطن العربي، وهي تشكل منطقة حاجزة بين الوطن العربي آسيا العربية والقسم الغير العربي من قارة آسیا ومعناها بلاد القلاع والحصون. إن منطقة عربستان هي النهاية الطبيعية لسهل العراق الرسوبي (السهل الفيضي) ذي التربة الغرينية الخصبة، والذي تتوافر فيه المياه الجزيرة . فسهل عربستان من حيث تكوينه وطبيعة أرضه يُعدّ امتداد للسهل المنخفض الموجود في جنوب العراق، وهو مشابه لأراضي العراق الجنوبية التي هي جزء من نطاق اليابس الحديث التكوين، ويكون بصورة عامة سهلا منبسطة شأنه شأن المناطق التي تكونها ترسبات الأنهار، وقد تكون هذا السهل الرسوبي نتيجة للترسبات التي جلبتها مياه الأنهار. ونهر الكرخة وكارون، يعدان من أعظم الأنهار القادمة من المرتفعات الشرقية تكويناً للدلتات. وقد كونا دلتاهما بسرعة تفوق سرعة امتداد دجلة والفرات، وبينما كان نهرا دجلة والفرات يرسبان الطمى كان نهر کارون يصب مياهه الغرينية في ملتقى نهري دجلة والفرات وبهذه الكيفية كان عاملا أساسيا في تكوين الأراضي المرتفعة نسبيا الممتدة من البصرة في اتجاه الشرق .

وقد كانت إحدى الوحدات السياسية الصغيرة التي تحفه بشبه الجزيرة العربية، إلا أننا لا نستطيع أن نتحدث عنها كإقليم قائم بذاته، فهي امتداد طبيعي لسهول وادي الرافدين ومتصلا اتصالا يكاد يكون تاما من النواحي الجغرافية والاقتصادية والبشرية والتاريخية. وعربستان محصورة بين خطي عرض ۳۰، ۳۳° شمالا، أما بالنسبة لخطوط الطول فتقع بين 48 و 51 شرقا وبهذا يكون امتدادها من الشرق إلى الغرب يساوي امتدادها من الشمال إلى الجنوب تقريبا - ومن ملاحظة امتدادها بالنسبة لخطوط العرض نجد أنها تقع في القسم الجنوبي من المنطقة المعتدلة الشمالية. ويحدها من الشمال سلسلة جبال كردستان (لرستان) و(بشتكوه)، ومن الشرق امتداد جبال البختيارية وهي جزء من جبال زاجروس  التي تفصل هضبة ايران العالية عن الاحواز لتكون امتداداً طبيعياً لسهل العراق الرسوبي، وتبلغ مساحة الاحواز 186,000كم .

أما موقع عربستان العسكري فلا يقل أهمية عن مكانتها الاقتصادية فقد وصفه العسكريون بأنَّه في غاية الأهمية، لأنَّه يقع ضمن الجسر الأرضي، الذي يوصل القارات الثلاث - آسيا وأفريقيا وأوربا – بعضها ببعض، كما أنه يكون خط الدفاع الطبيعي - المتمثل بجبال البختيارية وكردستان - بين العراق وإيران (الدركزلی، 2012: 304) . وتبلغ مساحة عربستان 159,600 ألف كيلو متر مربع (حيث يبلغ طول الإمارة الآن 4۲۰ كم وعرضها ۳۸۰ کم، إلا أن إيران عمدت إلى اقتطاع مساحات كبيرة من أرض هذا الإقليم وضمنها إلى ولايات مجاورة بهدف تقليص مساحتها وتحت ستار إجراء التنظيمات الإدارية الحديثة) أما عدد سكانها فيقدر ب (1,5) مليون عربي ينتمي معظمهم إلى بني كعب وتميم وبنی طرف – مما حدا بفارس - تحت حكم الصفويين - أن تطلق على هذا الإقليم اسم عربستان ومعناها بلاد العرب - وهذا اعتراف ضمني من فارس بعروبة هذه المنطقة غير أن العرب كانوا يطلقون اسم الأحواز على هذا الإقليم، فالأحواز اسم عربي وكان اسمها في أيام الفرس خوزستان .

***

الدكتور حميد ابولول جبجاب

رهاب روسيا الذي تمكن من الأوكرانيين ودفع برئيسهم زيلينسكي -ضيق الأفق- ليجرَّ البلادَ إلى الدمار سواء في البنى التحتية أو التفريغ الديمغرافي إلى جانب خسارة مناطق شاسعة شرق اوكرانيا (لوغانسك ودونيتسك وزاباروجيا وخيرسون الأوكرانية) التي ضمها بوتين إلى روسيا نهاية العام الماضي.

هذا الرهاب الذي يصيب العقول بالعمى يبدو أنه يداهم الآن جمهورية مولدوفا، التي تقع شرق أوروبا بين أوكرانيا و‌رومانيا.

وتجدر الإشارة إلى أن معظم أهالي مولدوفا من أصول غير سلافية، ما عدا شريط ترانسنيستريا الواقع شرق نهر دنيستر والذي يحكمه عسكر روس في إطار قوات حفظ السلام تحت قيادة الأمم المتحدة سوى أن وجود تلك القوات يعد بمثابة صمام الأمان للمطالبين بالانضمام إلى روسيا.

وهذا يفسر ما تبذره رئيسة مولدوفا مايا ساندو من أسباب لمواجهات تصعيدية محتملة خاسرة مع روسيا في ظل المطالبة بالانضمام إلى الناتو والطلب من الأمم المتحدة رسمياً بخروج قوات حفظ السلام الروسية من إقليم ترانسنيستريا وهو ذات السيناريو الذي ورط أوكرانيا في حرب ضروس مع روسيا لا تبقي ولا تذر.

فرأس الحكمة يكمن في أنه من لا يتعلم من الدروس والعبر، تداهمه الكوارث دون أن يستعد لمواجهتها.. فالنموذج الأوكراني خير مثال على ذلك.

لقد مضى على تداعيات الحرب الأوكرانية عاماً كاملاً حيث يصادف يوم الجمعة 24 فبراير 2023 ذكرى دخول القوات الروسية شرق أوكرانيا بذريعة أن النازيين الجدد (اليمين المتطرف) قد أمعنوا في التنكيل بذوي الأصول الروسية في إقليم الدونباس (جمهورية دونيتسك الشعبية وجمهورية لوغانسك الشعبية) التي كانت خاضعة لسيطرة المجموعات الانفصالية في سياق الحرب الروسية الأوكرانية قبل ان تتحول إلى ميدان حرب مفتوحة بين الروس والأوكرانيين.. بالإضافة إلى رفض أوروبا مناقشة الأمن الأوروبي الشامل مع روسيا، ورغبة فلادمير زلينسكي الجامحة للانضمام إلى الناتو، وبالتالي تحويل البلاد إلى قاعدة عسكرية ما كان من شانه لو تحقق وفق رغبة زيلينسكي، أن يشكل خطراً داهماً في وجه الاتحاد الروسي.

وهنا يكمن الشبه بين السيناريو الأوكراني والمالدوفي ما لم يتدارك القادة المالدوفيين الأمر فيجنحوا إلى المفاوضات دون التاثر بتحريضات زلينسكي الذي يُعَدُّ مسؤولاً عن جرِّ بلاده إلى الخراب.. بتحريض أمريكي وصل ألى حدِّ قيام بايدن بزيارة كييف مؤخراً وإطلاق وعود قطعها على نفسه، بتقديم دعم لأوكرانيا بقيمة 500 مليون من الأسلحة والذخائر التي نَفَدَتْ من مستودعات الناتو بينما عجز حلفاء أوكرانيا عن تعوضها وتصنيع الكمية التي تستهلكها أوكرانيا (60 الف قذيفة يومياً) خلافاُ لقدرة الروس المذهلة في ذلك.. ناهيك عن تأخر وصول دبابات ليوبارد الالمانية إلى جبهات القتال وتقاعس الحلفاء في إرسالها وفق تصريح وزير دفاع المانيا بوريس بيستوريوس.

الآن يمارس زلينسكي -ربما بمشورة غربية- دوراً تحريضياً على ملدوفا بالنيابة عن الناتو دون تقديم ضمانات.

بحيث لا يُعْرَفُ على ماذا يراهن هذا الرئيس الذي أدّى تعنته إلى تدمير بلاده فيما يستغله الغرب بما فيه أمريكا لاستنزاف روسيا وتفكيكها وقد باءوا جميعاً بالفشل الذريع.

ولكن رهاب روسيا بات يسيطر على قادة ملدوفا وبوجود من يصب الزيت على النار مثل "الدمية الغربية" زيلينسكي؛ فإن انبعاث صراع روسي مالدوفي وارد تماماً.

والسؤال الذي يطرح نفسه:

هل يمثل الناتو الضمان المحتمل لمالدوفا التي لم تُقْبَلْ بعد في الحلف الغربي، ما سيجعلها لقمة سائغة في فم الدب الروسي لو حصل صراع على إقليم ترانسنيستريا !

فقد عرضت رئيسة مولدوفا مايا ساندو - يوم أمس الثلاثاء- مخططات قالت إن روسيا تحاول تنفيذها في العاصمة المالدوفية كيشنيف؛ لقلب نظام الحكم الدستوري المؤيد لأوروبا الغربية واستبداله بنظام مؤيد لروسيا اعتماداً على عملاء روسيا مثل حزب "الثري إيلان سور" المؤيد لروسيا والفار من البلاد، فضلاً عن مواطنين روس وبيلاروس وصرب ومن الجبل الأسود.، وذلك من خلال خفض موسكو إمداداتها من الغاز إلى النصف، وتنفيذ هجمات عنيفة واحتجاز رهائن، بغية زعزعة استقرار مالدوفا البالغ عدد سكانها نحو 2.6 مليون نسمة والواقعة بين رومانيا وأوكرانيا.

وتواجه مولدوفا كذلك تهديدات من الجيش الروسي الذي يستحوذ على مخزون ذخائر روسي كبير في منطقة ترانسنيستريا الانفصالية الموالية للروس؛ لذلك طالب رئيس وزراء مالدوفا بداية بنزع السلاح أممياً من هذا الإقليم حتى لا يتحول إلى بؤرة صراع .

وفي إجراءات احترازية، أعلنت ساندو تعزيز الإجراءات الأمنية وهو تصعيد غير مبرر لكنه خطير جداً بالنسبة لروسيا.

من جهته الرئيس الأوكراني زيلينسكي ومن باب الصيد في المياه العكرة، تحدث عن هذه المخططات التي رصدتها المخابرات الأوكرانية الأسبوع الماضي في بروكسل إبّان جولته الأوروبية، وربما يكون هذا هو الطعم الذي يقدمه زيلينسكي إلى مالدوفا بالنيابة عن الناتو.

فهل يكتمل فخ الإيقاع بمالدوفا في مواجهة خاسرة مع روسيا! لضرب روسيا في الخاصرة وإنهاكها وتشتيت قوتها! فكل شيء وارد حينما يعربد الشيطان في التفاصل.

الكرملين من جهته صرح بأن العلاقات مع ملدوفا غير مستقرة، وأنها تفعل كل ما يتعارض ومصالح روسيا، وطالبها بتوخي الحذر فيما يتعلق بقوات حفظ السلام الروسية في إقليم ترانسنستيريا.

وهذا يذكرنا بما جرى في إقليم دومباس الأوكراني قبل عام.

ويبدو ان زلينسكي يدفع الأمور إلى التصعيد بين ملدوفا وروسيا ويا ويلُ من لا يتعظ من الدروس والعبر.

فمنذ عام والحرب الأوكرانية مشتعلة، والنتيجة أن من حرض زلينسكي على التصعيد مع روسيا وَرَفْض الجلوس إلى طاولة المفاوضات، كانت الدول المنضوية في حلف الناتو التي قدمت للأوكرانيين دعماً مفتوحاً على كافة الصعد الاقتصادية والإعلامية والعسكرية؛ ولأجل أوكرانيا حاصرت روسيا واخرجتها من نظام سويفت، ووضعت سقفاً لأسعار الطاقة، وحاولت ضرب الروبل وحشر روسيا في الزاوية لتنكفئ على نفسها، فإذ بالسحر ينقلب على الساحر؛ لتمتصَّ روسيا الصدمة فوجدت الأسواق البديلة في شرق آسيا، وتمكنت بحرفية استثنائية من دعم استقرار الروبل وبالتالي مقارعة الدولار باعتماد سلة العملات المحلية في عقود بيع الطاقة خلافاً لما هو سائد في سوق الطاقة (النفط والغاز)، لا بل أن روسيا تمكنت من تعويض النقص في السلاح والذخيرة بتشغيل مصانعها 24 ساعة وباقصى طاقاتها، واستدعت جنود الاحتياط لتحصين خطوط المواجهة.

وها هو الجيش الروسي على طول الجبهات يتقدم وقد اوشك على استعادة باخموت التي توقعت قوات فاغنر "استردادها" بعد ايام في حرب شوارع أربكت الجيش الأوكراني، حيث استنزفت خيرة المقاتلين الأوكرانيين بعد أن خسر الجيش الأوكراني المحاصر خطوط إمداداته ومخازن اسلحته بفعل القصف الروسي المكثف والدقيق.

لا بل أن روسيا انفتحت على العالم في سياق تحالف عسكري مع الصين وكوريا الشمالية وايران، فيما حافظت على موقعها ضمن مجموعة بريكس التي تضم الصين والهند والبرازيل إضافة إلى جنوب أفريقيا التي تشترك مع روسيا والصين في مناورات عسكرية بحرية قبالة دوربان التابعة لجنوب افريقيا على المحيط الهندي.

إذن ما الذي يجول في خاطر زيلينسكي من أهداف استراتيجية يبتغي تحقيقها كما يتوهم نيابة عن الناتو وفق ما تردد على لسانه في أكثر من مناسبة؟

الأول: طرد الروس من الأراضي التي "تحتلها" بما فيها جزيرة القرم.

الثاني: الدفاع عن أوروبا وقيمها الاجتماعية الحداثية

الثالث: تحريض ملدوفا على التصعيد مع روسيا، وسعيها أممياً لسحب الشرعية الدولية عن قوات حفظ السلام الروسية كما اسلفنا؛ تهيئة لطردها من إقليم ترانسنيستريا المختلف عليه، واعتبارها قوات احتلال غير شرعية. فيما وعد زيلينسكي بتقديم الدعم اللوجستي اللازم وكأن فاقد الشيء يعطيه! والناتو لن يتخلى عن مالدوفا رغم أنها خارج حلف الناتو كما هو موقفه من أوكرانيا.

وفي المحصلة يبقى السؤال الأهم منتصباً حول قدرة الغرب على تحمل اعباء جديدة فيما لو تمكن زيلينسكي من إشعال الفتنة بين روسيا ومالدوفا!

وكأن ارتدادات الحرب الأوكرانية لم تُصِبْ اقتصاد دول حلف الناتو بأضرار كارثية ربما كان أخطرها التضخم الاقتصادي ونفاد الذخيرة وعدم القدرة على تعويضها وعجز المصانع الأوروبية عن توفير ما تستهلكه أوكرانيا يومياً من قذائف المدفعية، ليتحول الدعم إلى مجرد وعود جوفاء لا تسمن ولا تغني من جوع.

فهل بتعظ قادة مالدوفا من الدروس والعبر!

***

بقلم بكر السباتين

21 فبراير 2023

 

خوفا من أن تلحق روسيا الهزيمة بنظام كييف في الجنوب والشرق، وأن تتأخر الأسلحة الغربية إلى أوكرانيا، وعشية زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى بولندا، طالبت إدارة البيت الأبيض أوكرانيا، بتكثيف الإجراءات في ساحة المعركة، وتحقيق نجاحات عاجلة، أو القيام بهجوم مضاد على القوات الروسية، وأبلغ البيت الأبيض فريق زيلينسكي، بالاستعداد للهجوم الآن حيث تتدفق الأسلحة والمساعدات من واشنطن وأوروبا بحرية، خشية أن يصبح الدعم من جيران أوكرانيا الأوروبيين محدودا قريبا .

أفادت صحيفة "فاينانشيال تايمز" بأن المستشار الألماني أولاف شولتس انتقد حلفاء برلين لعدم إمدادهم أوكرانيا بالدبابات رغم مرور عدة أشهر على حث ألمانيا على القيام بذلك، ورد شولتس على سؤال الصحفيين، حول ما إذا كان يدفع الآن الدول الأخرى لتقديم الدبابات الموعودة: "هذا سؤال يجب أن أطرحه على الآخرين، وخاصة أولئك الذين حثوا بعناد على التصرف"، وبهذه التصريحات فإن شولتس يؤكد خيبة أمل برلين المتزايدة من حلفائها، حيث تعرض رئيس الحكومة الألمانية لضغوط منذ عدة أشهر، بسبب الموقف المتعلق بتزويد القوات المسلحة الأوكرانية بالدبابات، ولكن في الأسابيع التي تلت موافقة برلين أخيرا على إرسال الدبابات، التزم عدد قليل من الدول بنقل الأسلحة الثقيلة.

وعلى ما يبدو فأن عرض زيلينسكي للدبابات سيتأخر، وحتى قبل وصول العينات الأولى، فإنه يكتسب ميزات مخزون يثير السخرية، فقبل أسبوع ونصف، صرخت دول أوروبا تضامناً مع عدد المركبات العسكرية التي قررت منحها لأوكرانيا، وعدد ساحات التدريب التي سيتدرب فيها "بانتسير - باندر" بسرعة وكفاءة، ولكن اليوم أختفى هذا الضجيج، ولم يبق سوى التعليقات والملاحظات الهادئة حول الامتناع، فقد أعلنت الدنمارك واليونان وهولندا انها لم تتمكن من نقل (ليوبارد) .

فقد تذكر النمساويون حيادهم، ورفضوا رسميًا تدريب أطقم من أوكرانيا، ولم يتضح بعد بالضبط ما هي الأسلحة التي كان يتحدث عنها وزير الدفاع الإيطالي لورنزو غيريني، لكن بدا الأمر على هذا النحو، "أشك في أننا سنكون قادرين على إرسال أسلحة، هذه واحدة من العديد من المشاكل الخطيرة "، في حين قرر وزير الدفاع الألماني بوريس بيستوريوس، "المرسل" الأكثر نشاطًا، الرد على الجميع وأعلن، واعلن "لا يبذل الحلفاء الغربيون جهودًا كافية لإعداد كتيبتين كاملتين من دبابات ليوبارد 2 لإرسالها إلى أوكرانيا، كما وعدت"، وهي حتى الآن، حسب قوله، ألمانيا والبرتغال فقط هما اللذان يوفيان بالتزاماتهما اليوم، وبالمناسبة، لم يفشل بيستوريوس في مقاومة البولنديين، قائلاً إن وارسو أيضًا أوفت جزئيًا بوعودها، بعد أن أعدت للأوكرانيين حوالي 30 وحدة من الإصدار القديم من دبابات ليوبارد 2 A4، ومعظمها في حالة سيئة و بحاجة إلى إصلاحات كبيرة.

اما البريطانيون فقط فقد بدأوا بنشاط في تدريب Veseushnikov على تعديلات تدريبهم على دبابة Challenger 2، في وقت يعمل الألمان والبولنديون يعملون بجد في هذا الاتجاه، ولا أحد يستطيع أن يقول كم عدد الدبابات الموعودة التي يبلغ عددها 300 دبابة ستعبر حدود أوكرانيا، وكم منها ستصل إلى خط المواجهة.

والامر مع الدبابات الامريكية "أبرامز"، فهو أكثر متعة، فقبل أيام قليلة، قال المقدم بالجيش الأمريكي، المقدم دانيال ديفيس، إن نقل الدبابات إلى كييف لن يحل القضايا العسكرية، وبالتالي فهو مجرد عملية إعلامية، بالإضافة إلى ذلك، وفقًا للضابط، هناك مشكلة أخرى، تتمثل في جعل ما يصلح في ألعاب الفيديو وعلى الورق يعمل على الأرض، أي أن "أبرامز" المعقدة لن تفهمها "أبسط المخلوقات" التي أراد زيلينسكي تدريبها للقتال عليها، وكرر كلام ديفيس من قبل في مقابلة مع مجلة نيوزويك نقلت عنه قوله: "إن نقطة الضعف الرئيسية لدى أبرامز الأمريكية هي عدم تدريب طاقمها بشكل كافٍ".

وذهبت صحيفة Financial Times، إلى أبعد من ذلك، وذكرت ببساطة أن M1 Abrams أقل ملاءمة للجيش الأوكراني من الألمانية Leopard 2، وان الحجج معروفة بالفعل: Abrams أكثر تعقيدًا وأكثر قوة، فهي تحتاج إلى الكثير من قطع الغيار، و تقع شبكة الإمداد في الولايات المتحدة الأمريكية، مرة أخرى هناك حاجة لأطقم التحضير، وهذا يعني أن "أبرامزوف" لن يكون تقريبًا من الحديد.

وامام هذه السخرية، لابد من الإشارة الى التصريحات التي اطلقتها وزيرة الدفاع الهولندية كايسا أولينجرين في مقابلة مع قناة الجزيرة، قالت فيها "نحن [السلطات الهولندية] سوف ندعم توريد دبابات T77 لأوكرانيا ونزودهم [الجانب الأوكراني] بدبابات ليوبارد"، وأن كييف يمكنها أيضًا الاعتماد على هولندا من حيث تدريب (الأفراد العسكريين) و [تسليم] الذخيرة"، وبعد البحث والتمحيص في شبكات البحث، لأننا بصراحة، لم نسمع قط عن "دبابات T77 أمريكية الصنع"، اتضح أن هذه الآلة لم تخرج من مرحلة التطوير ولم تكن موجودة إلا في نسختين. "المدفع الرشاش ذاتي الحركة متعدد الأسطوانات .50 T77 (متعدد العيار الإنجليزي .50 Gun Motor Carriage T77) هو مدفع تجريبي مضاد للطائرات ذاتي الدفع تم إنشاؤه في 1943-1945 على هيكل M24. في أبريل 1944، صدر أمر ببناء نموذجين أوليين. تم الانتهاء من أولها في يوليو 1945 وتم نقلها إلى Aberdeen Proving Ground للاختبار. النموذج الأولي الثاني، المعين T77E1، تميز بنظام محسن للتحكم في الحرائق. فيما يتعلق بنهاية الحرب، لم يتم تبني أي من هذه الخيارات.

والفضول الصحفي دفعنا الى التعمق في البحث، وخلال عمليات التنقيب المتعمقة، تمكنا من الوصول إلى قاع الخزان T77 نفسه، واتضح أنه موجود بالفعل، وكانت موجودة في الخمسينيات من القرن الماضي في عدة نسخ، "كمشروع دبابة أمريكية يعتمد على المسلسل M48 باستخدام تطورات من T54، تم تطويره في منتصف الخمسينيات، وتم بناء العديد من الأبراج، ولكن في عام 1957، وبسبب التغيرات المستمرة في المتطلبات والتأخير في العمل، تم إلغاء المشروع، وفي أوائل عام 1958 تم شطب الأبراج.

ومن الجانب الاوكراني، فقد كان هناك وزير الدفاع ريزنيكوف، الذي ظل في منصبه، وفجأة أيضًا اعترف بأن الأمر سيستغرق أشهرًا للناقلات الأوكرانية لإتقان المعدات، وبالتالي فإن الوصول المتوقع لمجموعة من المركبات لن يحل مشكلات الاستعداد لاختراق القرم، وتم تأكيد كلمات ريزنيكوف من قبل المتدربين، الذين بدأوا التدريب، بإنهم ليسوا سعداء بالدبابات الغربية، ووفقًا لقائد لواء اللواء الرابع العقيد أوليغ تشيرنوف، فإن إنشاء سلاسل لوجستية لإصلاح وتوريد الوقود للمعدات الأجنبية يمثل مشكلة خطيرة، وإنه يعتقد أن مزايا Leopard 1 أقل حتى من T-64s القديمة، والعيب الخطير هو عدم كفاية كمية الذخيرة والتدريب المتسرع للغاية للطواقم والألوية.

وإذا صدقنا الانباء الغربية، وانطلقنا من حقيقة أن هناك مدربين تدريباً كافياً لا يستطيعون ببساطة تحريف بيان وزير الدفاع الهولندي دون خجل، فقد اتضح أن الغرب سيقدم الدعم، للجيش الأوكراني بالدبابات من الخمسينيات من القرن الماضي، وباستثناء بعض العينات التجريبية التي تم إرسالها منذ فترة طويلة، لم تكن موجودة على الإطلاق في الطبيعة، فقد اتضح أن إمداد القوات المسلحة الأوكرانية بدبابات T77 سيأتي الآن مباشرة من موقع لعبة World of Tanks! ثورة حقيقية في الشؤون العسكرية!.

***

بقلم: الدكتور كريم المظفر

 

"مبارك منْ المنصةِ إلى القصرِ، ومنْ القصرِ إلى السجنِ؛ ومنْ السجنِ إلى المستشفى ومنْ المستشفى إلى القبرِ؛ أوراقٍ مبعثرةٍ منْ حياةِ جنرالِ حكمِ مصرَ 30 عاما!!

ولدَ مباركٌ في إحدى قرى محافظةٍ المنوفية وسطَ دلتا مصرَ منْ أصولٍ ريفيةٍ وتلقي تعليمهِ اَلْأَسَاسِيّ في القريةِ ثُمَّ تلقي تعليمهِ اَلثَّانَوِيّ في المدينةِ. ثُمَّ التحقَ بالكليةِ الحربيةِ، وتَمَّ اختيارهُ للالتحاقِ بالكليةِ الجويةِ بعدَ عامِ منْ دراستهِ في الكليةِ الحربيةِ، عرفَ عنهُ الانضباطُ اَلْعَسْكَرِيّ وممارسةُ الرياضةِ والالتزامِ.؛ عينَ معلما بالكليةِ الجويةِ ثُمَّ قائدٍ سربَ في قاعدةِ بني سويفْ الجويةِ حتى نكسةِ يُونْيَة (حُزَيْرَان) عامُ 1967 أصدرَ الزعيمُ/ جَمَال عبدِ اَلنَّاصِر قرارُ بتعيينِ العقيدِ طيار/ مُحَمَّد حسني مُبَارَك بتعيينهِ مديرا/ للكليةِ الجويةِ وبعد وفاةِ عبدِ اَلنَّاصِر تَمَّ تعينهُ رئيسُ أركانِ سلاحِ القواتِ الجويةِ ثُمَّ مديرِ سلاحِ القواتِ الجويةِ، وخاضَ حربُ أُكْتُوبَر وَتَمَّ تكريمهُ منْ ضمنِ قادةِ حربِ أُكْتُوبَر" تشرينَ "عامَ 1973 م / برتبةِ فريقٍ ثُمَّ فريقِ أولِ وحصلَ على وسامِ نجمةِ" سيناءَ "، كانَ حلم مبارك قبلَ تقاعدهِ منْ الخدمةِ أنْ يعينهُ اَلسَّادَات سفيرا لمصر. وكانتْ المفاجئةُ غيرَ المتوقعةِ تعينهُ " نائبا لرئيسِ الجمهوريةِ" رغمَ كُلّ التوقعاتِ كانتْ تشيرُ بتعيينِ السيدِ/ مَنْصُور حسنْ أمينِ ديوانِ رئاسةِ الجمهوريةِ، والمقربِ منْ السيدةِ" جِيهَان اَلسَّادَات " عندما سئلَ اَلسَّادَات منْ المقربينَ لهُ لماذا اخترتُ مبارك نائبا لكَ قالَ إنهُ "موظفٌ جيدٌ"

مباركٌ منْ المنصةِ إلى القصرِ

كانتْ مصرُ بعدَ حربِ أُكْتُوبَر "تشرينَ" عامَ 1973 م تحتفلُ بذكرى انتصاريها في الحربِ بعرضٍ عسكريٍّ كُلّ عامِ بحضورِ رئيسِ الجمهوريةِ وقادةِ الجيشِ والأفرعِ وتشكيلاتِ عسكريةٍ. وفي يومِ/ 6 أُكْتُوبَر عامَ 1981 م وأثناءُ العرضِ قامتْ مجموعةٌ منْ الأفرادِ بإطلاقِ النارِ باتجاهِ المنصةِ وترتبَ على ذلكَ مصرعُ اَلسَّادَات وبعضَ ضيوفِ العرضِ منْ الأجانبِ وكبيرٍ الياوران اللواءِ حسنْ اَلْأَخْرَس وسكرتيرِ اَلسَّادَات شوقي عبدِ اَلْحَفِيظ. ونجا مباركٌ والقادةُ العسكريون منْ محاولةِ الاغتيالِ... بعدُ الحادثِ مباشرةً توجهَ اَلرَّئِيس مُبَارَك إلى مستشفى المعادي اَلْعَسْكَرِيّ حيثُ وصلَ جثمانُ اَلسَّادَات للمستشفى لمحاولةِ إنقاذهِ ولكنهُ فارقَ الحياةَ.؛

مبارك منْ داخلِ المستشفى اَلْعَسْكَرِيّ عقدَ اجتماعا مصغرا، لنقلِ السلطةِ بسرعةٍ... أصدرَ مباركٌ تعليماتٍ منْ داخلِ المستشفى بتحركِ قواتٍ بالسيطرةِ على مباني الوزاراتِ ومبنيٍّ اتحادِ الإذاعةِ والتلفزيونِ. وهذهِ الخطةُ السريعةُ هيَ التي أفشلتْ خطةَ الضابطِ الهاربِ/ مقدم/ عَبُّود اَلزُّمَر قائدِ الجناحِ اَلْعَسْكَرِيّ لتنظيمِ الجهادِ اَلْإِسْلَامِيّ. منْ الوصولِ لوزارةِ الدفاعِ والسيطرةِ عليها وعلي مبني التلفزيونِ... كما جاءَ في التحقيقاتِ معهُ في المحكمةِ العسكريةِ.؛

قاتل اَلسَّادَات يطلبُ منْ المحكمةِ شهادةَ مباركٍ... ؟!

طالبُ الملازمِ أول/ خَالِد شوقي الإسلامبولي المتهمِ بقتلِ اَلسَّادَات أنهُ يطلبُ منْ المحكمةِ شهادةَ مباركٍ بقتلِ اَلسَّادَات وانهَ كانَ في استطاعتهِ قتلَ كلٌّ منْ في المنصةِ وكانَ يقصدُ اَلسَّادَات فقطْ، ونفى اتهامهُ بقلبِ نظامِ الحكمِ...؟!

تَمَّ ترتيبُ مراسمِ تشييعِ جنازةِ اَلسَّادَات بحضورَ اَلرَّئِيس الأمريكي" كارترْ وَمَنَاحِم بِيجِين رئيسُ وزراءَ إسرائيلَ" وبعضِ الوفودِ الأوروبيةِ في غيابٍ تامٍّ منْ زعماءِ العربِ. وَتَمَّ الإعلانُ عنْ حالةِ الطوارئِ والأحكامِ العرفيةِ.، حاولَ المقدمُ/ عَبُّود اَلزُّمَر وابنَ عمهِ/ طَارِق اَلزُّمَر نسفِ الموكبِ اَلْجَنَائِزِيّ. ولكنهمْ لمْ يتمكنوا كما جاءَ في محاضرِ الاعترافِ في المحكمةِ... في صباحِ يومِ عيدِ إلاضحى بعدَ أيامِ منْ اغتيالِ اَلسَّادَات قامتْ مجموعةٌ منْ الجماعةِ الإسلاميةِ والجهادِوكانَ اَلْقِيَادِيّ المهندسُ عَاصِم عبدِ اَلْمَاجِد منْ ضمنِ المجموعةِ

باقتحامِ مَقَرّ مديريةِ أمنِ أسيوط جنوبَ البلاد؛ وترتبَ على ذلكَ قتلَ أعدادَ منْ الضباطِ وأفرادِ الخدمةِ...

مبارك رئيسا لمصر..!!

في مساءِ يومِ / 6 أكتوبرَ "تشرينَ" عامَ 1981 م تمَ الإعلانُ عنْ مصرعِ الساداتْ رغمَ التأخيرِ منْ الإعلامِ المصريِ عنْ مصرعِ الساداتْ وتعينَ الدكتورُ/ صوفي حسنْ أبو طالبْ؛ رئيسِ مجلسِ الشعبِ رئيسا مؤقتا للجمهوريةِ. كما ينصُ عليهِ الدستورُ المصريُ عامُ 1971 م في حالةِ فراغِ منصبِ الرئيسِ يتولى رئيسَ مجلسِ الشعبِ مؤقتا لمدةَ 60 يوما وتجري عمليةُ استفتاءٍ في البلادِ لنقلِ السلطةِ لنائبِ الرئيسِ... تولي مباركٌ الحكمِ وقدْ بلعِ منْ العمرِ 52 عاما في بدايةِ عامِ 1982 م. ففي خلالٍ العشرِ سنواتِ الأولى كانَ هناكَ شبه ارتياحٍ لحكمةٍ؛- وبدأَ مباركٌ حكمةً بالإفراجِ عنْ المعتقلينَ السياسيينَ التي تمَ التحفظُ عليهمْ السادات، في الفترةِ منْ يومٍ/ 3 إلى 6/ منْ سبتمبرَ "أيلولَ" عامَ 1981 في الاعتقالاتِ الكبرى منْ كلِ التياراتِ السياسيةِ وقدْ شملَ العفوُ الرئاسيُ كلا منْ؛- البابا شنودة الثاني بابا الإسكندريةِ والكرازةِ المرقسيةِ، والكاتبُ الصحفيُ/ محمد حسنينْ هيكلُ "ورئيسُ حزبِ الوفدِ وأساتذةِ الجامعاتِ وطلبةٍ وصحفيينَ وكتابٍ. وأعضاءٌ منْ الحركاتِ النقابيةِ وغيرهمْ وفتحَ حوار معَ الجماعاتِ الإسلاميةِ الأصوليةِ بحواراتٍ متلفزةٍ قادها علماءُ منْ الأزهرِ الشريفِ منْ مراجعاتٍ عنْ الأفكارِ التكفيريةِ والريديكالية... كما أطلقَ سجناءُ منْ رجالِ حكمِ الزعيمِ/ جمالْ عبدِ الناصرْ الذي أطلقَ عليهمْ الساداتْ/ مراكز القوى ثورةَ التصحيحِ" 15 مايو 1971 "ومنهمْ/ الفريقُ محمدْ فوزي وزيرِ الحربيةِ والسيدُ/ علي صبري نائبُ الجمهوريةِ/ والسيدُ شعراوي جمعة وزيرَ الداخليةِ والسيدُ/ سامي شرفُ مديرِ مكتبِ جمالْ عبدِ الناصرْ وأمينِ الاتحادِ الاشتراكيِ فريد عبد الكريم؛وغيرهمْ ممنْ حكمَ عليهمْ بالسجنِ في عهدِ الساداتْ وبدأَ يفتحُ خطوطا دبلوماسيةً في عودةِ مصرَ إلى الصفِ العربيِ؛ وعودةُ مقرِ" جامعةِ الدولِ العربيةِ "إلى مقرها في القاهرةِ " بعد قراراتِ جبهةِ الصمودِ والتصدي ضد الساداتْ بعد اتفاقيةِ السلامِ معَ إسرائيلَ، بنقلِ مقرِ جامعةِ الدولِ العربيةِ إلى تونسِ العاصمةِ... في منتصفِ الثمانينياتِ منْ القرنِ المنصرمِ...

الجبهة الداخليةِ ونشوبِ صراعاتٍ دمويةٍ بعدَ السنواتِ الأولى منْ حكمٍ مباركٍ...

شهدتْ البلادُ في بدايةِ عهدٍ مباركٍ شبهٌ استقرارٍ أمنيٍّ حتى حدثَ تمردٌ لقواتٍ (الأمنُ اَلْمَرْكَزِيّ) أدتْ الأحداثُ إلى نزولِ القواتِ المسلحةِ لإخمادِ التمردِ؛ وتمتْ إقالةُ وزيرِ الداخليةِ اللواءُ/ أحمدْ رشدي رغمَ أنها كانتْ عمليةٌ مدبرةٌ منْ مافيا المخدراتِ ضِدّ الوزيرِ رغمَ ذلكَ ضحى مباركٌ بالوزيرِ؛ ثُمَّ مظاهراتُ عامٍ/ 1986 م/ في مقتلِ المجندِ سَلِيمَانِ خَاطَرَ في محبسهِ واشتعلتْ المظاهراتُ في الجامعاتِ المصريةِ. وبعدٌ عودةِ العلاقاتِ المصريةِ معَ الدولِ العربيةِ وفتحِ صفحةٍ جديدةٍ. حتى اجتياحِ العراقِ للكويتِ في أواخرِ عامِ 1989 م.، وقفتْ مصرُ مباركٌ معَ مطالبَ الكويتِ ودولِ الخليجِ وأمريكا، وظهرَ ذلكَ في قراراتِ القمةِ الطارئةِ لجامعةِ الدولِ العربيةِ في القاهرةِ بالوقوفِ معَ تحريرِ الكويتِ والتحالفِ معَ الدولِ الغربيةِ وأمريكا وفي إرسالِ قواتٍ مصريةٍ لتحريرِ الكويتِ وعلى الصعيدِ اَلدَّاخِلِيّ نشطَ التيارُ اَلْجِهَادِيّ منْ جماعاتِ الجهادِ والجماعاتِ الأصوليةِ ضِدّ النظامِ. بضربِ السياحةِ وتصفيةِ بعضِ ضباطِ الشرطةِ ورجالِ الدولةِ والدخولِ في مواجهاتٍ دمويةٍ مثلٍ عملياتِ تفجيراتٍ عنْ بعدَ في سياراتِ مواكبِ الوزراءِ ومنهمْ، رئيسُ الوزراءِ عَاطِف صدقي ووزيرِ الداخليةِ السابقِ/ ذكي بدرٍ، وعمليةُ إطلاقِ النارِ وإصابةِ السيدِ اللواءِ/ حسنْ أبو باشا وزيرِ الداخليةِ السابقِ ومقتلِ رئيسِ مجلسِ الشعبِ الدكتورِ/ رفعتْ اَلْمَحْجُوب وطقمُ حراستهِ الخاصةِ، ودخلتْ البلادُ في دائرةٍ منْ العنفِ والعنفِ اَلْمُضَادّ ظلتْ الأوضاعُ بعدَ ذلكَ حتى يومٍ/ 2 منْ أُغُسْطُس عامَ 1995 م حيثُ تعرضَ موكبُ اَلرَّئِيس مُبَارَك في العاصمةِ الإثيوبيةِ أثناءَ خروجهِ منْ مطارِ أديسْ أبابا لحضورِ القمةِ الأفريقيةِ لعمليةِ اغتيالِ منْ قبلُ الجماعةِ الإسلاميةِ ونجا مباركٌ منْ العمليةِ التي أدتْ إلى توترِ العلاقاتِ المصريةِ السودانيةِ على خلفيةِ تهريبِ المتهمينَ المشاركينَ في عمليةِ الاغتيالِ الهاربينَ داخلَ الأراضي السودانيةِ بعدَ فشلِ محاولةِ الاغتيالِ. منْ قبلِ مسؤولينَ كبار في حكومةِ اَلْبَشِير حيثُ تَمَّ دفعُ مبلغِ 5 ملايينَ لعدمِ تسليمهمْ لمصر لكبارِ مسؤولينَ سودانيينَ؛- وكانتْ نتيجةُ العمليةِ إهمالَ مصرَ وإعطاءِ ظهرها لافريفيا ودولِ حوضِ النيلِ...

تنظيمُ ثورةِ مصرَ الناصريةِ... في ظِلّ الأوضاعِ المضطربةِ ظهرَ تنظيمٍ غامضٍ في تصفيةِ وضربِ أعضاءِ البعثةِ الدبلوماسيةِ الإسرائيليةِ في القاهرةِ ومقتلِ دبلوماسيٍّ إسرائيليٍّ في منطقةٍ المعادي وملاحقةُ البعثةِ في محاولةِ اغتيالٍ دبلوماسيٍّ آخرَ وعملاء الموساد في القاهرةِ حسبَ زعمِ رئيسِ التنظيمِ مَحْمُود نُور اَلدِّين رغمَ حدوثِ عمليتينِ لمْ يكشفْ التنظيمُ عنْ هويتهِ الأيدولوجيةِ. حتى العمليةِ الكبرى في اغتيالِ أربعةِ دبلوماسيينَ في زيارتهمْ لمعرضِ القاهرةِ للكتابِ. وقامَ بها التنظيمُ بعد حادثٍ إجبارِ هبوطِ طائرةٍ مصريةٍ منْ قبلُ الولاياتِ المتحدةِ بعدَ تدخلِ مصرَ بتسليمِ رهائنَ منْ عمليةٍ قامَ بها اَلْقِيَادِيّ اَلْفِلَسْطِينِيّ أبو اَلْعَبَّاس وإجبارِ قائدِ الطائرةِ بالهبوطِ في مطارِ روما في إيطاليا فاعتبرَ التنظيمُ إهانةً لمصر وقامتْ المجموعةُ بالثأرِ وبالانتقامِ منْ الولاياتِ المتحدةِ في ضربِ وتصفيةِ دبلوماسيينَ أمريكانٍ... وبعدُ الخلافِ بينَ قائدِ التنظيمِ/ مَحْمُود نُور اَلدِّين اَلدِّبْلُومَاسِيّ ورجلِ المخابراتِ السابقِ في لندن معَ شقيقهِ الذي أبلغَ وأرشدَ على التنظيمِ في اتصالٍ هاتفيٍّ معَ السفارةِ الأمريكيةِ بالقاهرةِ التي أعلنتْ عنْ مكافأةٍ عنْ أَيّ معلوماتٍ عنْ مرتكبي الحادثِ وَتَمَّ القبضُ على تنظيمِ ثورةِ مصرَ واتهامِ نجلِ الزعيمِ/ جَمَال عبدِ اَلنَّاصِر الدكتورِ/ خَالِد عبدَ اَلنَّاصِر وابنِ أَخ جَمَال عبدِ اَلنَّاصِر. منْ ضمنِ التنظيمِ. وَتَمَّ تقديمهمْ للمحاكمةِ... وترددَ أَنَّ الدكتورَ مصطفى الفقي تَمَّ إعفاؤهُ منْ منصبهِ مديرَ مكتبٍ مباركٍ للمعلوماتِ عنْ تسريبِ موعدِ زيارةِ الوفدِ اَلْأَمْرِيكِيّ لمعرضِ الكتابِ اَلدَّوْلِيّ بالقاهرةِ، بسببَ علاقتهِ بنجلِ الزعيمِ عبدَ اَلنَّاصِر المتهمِ في القضيةِ

المواجهات الدمويةِ بينَ الجماعاتِ الأصوليةِ المسلحةِ والحكومةِ المصريةِ... اغتيالُ المتحدثِ اَلْإِعْلَامِيّ للجماعةِ الإسلاميةِ اَلْقِيَادِيّ/ عَلَاء محيي اَلدِّين. في شارعِ الهرمِ بمدينةِ الجيزةَ... أصدرتْ الجماعةُ الإسلاميةُ بيانا قالتْ فيهِ إِنَّ دمَ الدكتورِ/ عَلَاء "لنْ يضيعَ هدرٌ.". فقامتْ الجماعةُ بنشاطها في عملياتٍ انتقاميةٍ في القاهرةِ وصعيدِ مصرَ. منْ ضربِ واقتحامِ فنادقَ سياحيةٍ... في نهايةِ عامٍ/ 1997 م قامَ مجموعةً منْ تنظيمِ الجماعةِ الإسلاميةِ جنوبَ البلادِ في مدينةِ الأقصرِ السياحيةِ بمقتلِ أعدادٍ كبيرةٍ منْ السياحِ الأجانبِ وَتَمَّ إقالةَ وزيرِ الداخليةِ/ اللواءُ حسنْ الألفي... ثُمَّ استقرتْ الأوضاعُ الأمنيةُ بعدَ اتفاقِ داخلَ قيادةِ الجماعةِ في السجونِ والحكومةِ المصريةِ بوقفِ العملياتِ ونزيفِ الدمِ... ظهورُ جمالٍ مُبَارَك علي مسرحِ الأحداثِ... كانَ اَلصَّحَفِيّ "رضا هِلَال" اَلصَّحَفِيّ في جريدةِ الأهرامِ المص منْ ضمنِ المقربينَ للسفارةِ الأمريكيةِ بالقاهرةِ، ومقربَ النائبِ "دِيك تشيني" وكانتْ لهُ زياراتٌ متعددةٌ إلى أمريكا. بعدُ عودتهُ منْ زيارةٍ قامَ بها إلى أمريكا عامَ 2003 كشوفٍ عنْ شخصيةِ جَمَال مُبَارَك وعلاقتهِ برجالِ أعمالٍ يهودٌ في لندن وهوَ أولُ منْ أدلى بتصريحِ عنْ عمليةِ التوريثِ، الذي سببَ في إحراجٍ لرئيسِ مجلسِ إدارةِ الأهرامِ. لدى الجهاتِ العليا وتحذيرهُ منْ هذهِ التصريحاتِ... وأثناءَ خروجهِ منْ مبنى الأهرامِ وعودتهِ إلى منزلهِ قالَ شهودُ عيانٍ إنهُ دخلَ المنزلُ... ومازالَ مختفيا حتى هذهِ اللحظةِ ولمْ يعرفْ مصيرهُ حتى كتابةِ هذهِ السطورِ... هلْ تَمَّ اغتيالهُ...؟

الحياةُ السياسيةُ والبرلمانيةُ في مصرَ...

سمحَ مباركٌ بهامشٍ منْ ممارسةِ الحياةِ السياسيةِ والحزبيةِ وسمحَ لجماعةِ الإخوانِ المسلمونَ في خوضِ العمليةِ الانتخابيةِ تحتَ عباءةِ تحالفٍ حزبيٍ فمثلاً تحالفُ حزبِ الوفدِ معَ جماعةِ الإخوانِ في الانتخاباتِ البرلمانيةِ عامَ 1985. ثمَ تحالفِ حزبِ العملِ معَ الإخوانِ. في مجلسيْ الشعبِ والشورى... وسمحَ للصحفِ الحزبيةِ بحريةِ الرأيِ والتعبيرِ في حدودٍ معينةٍ... في انتخاباتِ عامِ 2005 م. تمَ التنسيقُ العلنيُ بينَ الإخوانِ والحكومةِ في تنسيقٍ في بعضِ الدوائرِ للسماحِ لهمْ بالتمثيلِ داخلِ البرلمانِ بصفتهمْ وليسَ تحتَ حزبٍ معينٍ كما حدثَ منْ قبلٌ، وكانَ مهندسُ العمليةِ؛ السيدُ/ كمالْ الشاذلي زعيمُ الأغلبيةِ في المجلسِ وممثلاً للحكومةِ والسيدُ/ المهندسُ خيرتْ الشاطرْ ممثلاً لجماعةِ الإخوانِ وقدْ فازَ الإخوانَ بحواليْ 80/ مقعدٌ في المجلسِ التشريعيِ لمجلسِ الشعبِ... ومعَ الألفيةِ الجديدةِ وحربِ الخليجِ الأولى والثانيةِ كانتْ مصرُ لديها علاقاتٌ قويةٌ معَ الولاياتِ المتحدةِ والغربِ وتعاونٍ أمنيٍ بعدَ حادثِ برجيْ التجارةِ العالميِ... ومعَ صعودِ باراكْ أوباما لسدةِ الحكمِ. كانتْ الإدارةُ الأمريكيةُ لها حساباتٌ أخرى في تحفظها عنْ نظمِ الحكمِ في الشرقِ الأوسطِ. ومطالبةُ مصرَ بمسارٍ جديدٍ للديمقراطيةِ بديلاً عنْ "الفوضى الخلاقةِ" ما بعد مباركٍ كما جاءَ في تصريحِ الوزيرةِ "كوندليزا ريسْ" الولاياتِ المتحدةِ تبحثُ لها عنْ بديلِ لمباركْ...؟ بعدٌ انتخاباتِ 2005 تمتْ محاكمةَ مديرِ مركزِ ابنْ خلدونْ بالقاهرةِ/ الدكتورُ سعدْ الدينْ إبراهيمْ بتلقي أموالِ منْ الاتحادِ الأوروبيِ ومنظماتُ حقوقيةٌ بمراقبةِ العمليةِ الانتخابيةِ. وتمتْ محاكمتهُ وإيداعهُ في السجنِ تدخلتْ السفارةُ الأمريكيةُ للافراجْ عنهُ بصفتهِ يحمل الجنسيةَ الأمريكيةَ. وفي أثناءِ الزياراتِ للسفارةِ الأمريكيةِ لهُ وجدَ بعضُ قادةِ الإخوانِ معهُ في محبسهِ وكانَ المهندسُ/ خيرتْ الشاطرْ يقضي تنفيذَ حكمٍ عليهِ فطلبَ منْ الدكتورِ سعدْ أنْ يفتحَ خطوطا وقنواتِ معَ جماعةِ الإخوانِ معَ الأمريكا ن وبعيدا عنْ إحراجِ الأمريكانِ تمَ التنسيقُ برعايةٍ كنديةٍ. في أحدِ فنادقَ القاهرةِ تحتَ سمعِ وبصرِ الجهاتِ الأمنيةِ عنْ البديلِ لمباركْ...

في السنواتِ الأخيرةِ كانَ الحاكمُ اَلْفِعْلِيّ في كُلّ الملفاتِ جَمَال مُبَارَك وحاشيتهِ منْ رجالِ الأعمالِ حتى انتشرَ الفسادُ والمحسوبيةُ باعترافٍ تحتَ قبةِ البرلمانِ منْ/ الدكتورُ زكريا عزمي أمينِ ديوانِ رئاسةِ الجمهوريةِ وعضوِ مجلسِ الشعبِ والمقربِ منْ مباركٍ وعائلتهِ في "الفسادِ أصبحَ للركبِ" وكانتْ الجلسةُ علنيةً وتنقلَ عبرِ شاشاتِ التلفزيونِ اَلْمِصْرِيّ وكانتْ هناكَ صراعاتٌ خفيةٌ بينَ الحرسِ القديمِ منْ صقورِ الحزبِ اَلْوَطَنِيّ ومجموعةِ لجنةٍ اَلسِّيَاسَات الجديدةَ... وفي صيفِ عامِ 2010 م بدأتْ الأمورُ تأخذُ منعطفا آخرَ عنْ حديثِ التوريثِ والانتخاباتِ التشريعيةِ... كانتْ الحدودُ المصريةُ الشرقيةُ غيرَ مستقرةٍ في قطاعِ غزةَ. غابَ عنْ المشهدِ كَمَال الشاذلي ممثلاً للحكومةِ والمهندسُ/ خيرتْ اَلشَّاطِر ممثلاً للإخوانِ المسلمينَ داخلَ السجنِ لتنفيذِ حكمٍ قضائيٍّ ضدهُ... وَمِنْ صعودُ لجنةِ السياساتِ في السياسةِ العامةِ التي ليسَ لديها خبرةٌ في التنسيقِ معَ التياراتِ السياسيةِ والحزبيةِ،،- "القشةُ التي قصمتْ ظهرَ البعيرِ ومعَ صعودِ جَمَال مُبَارَك أمينِ الحزبِ اَلْوَطَنِيّ ومجموعةِ لجنةِ السياساتِ منْ المقربينَ منْ جَمَال مُبَارَك منْ رجالِ الأعمالِ وتولي رجلِ الأعمالِ المهندسُ/ أحمدْ عَزَّ أمينِ التنظيمِ دور/ الوزيرُ المخضرمُ/ كَمَال الشاذلي في اختيارِ الأعضاءِ المرشحينَ للمجلسِ ورسمِ السياساتِ للحزبِ الحاكمِ دونَ خبرةٍ كانتْ بدايةِ سقوطٍ مباركٍ والقشةِ التي قصمتْ ظهرَ البعيرِ... كانتْ الولاياتُ المتحدةُ تبحثُ عنْ البديلِ لها في مصرَ ما بعد مباركٍ... وكانتْ لجنةُ السياساتِ بالحزبِ الحاكمِ تَسْتَعِدّ لعمليةِ توريثِ الحكمِ للسيدِ/ جَمَال مُبَارَك بعدَ الانتهاءِ منْ عمليةِ الانتخاباتِ التشريعيةِ بمجلسيْ الشعبِ والشورى واستبعادِ أَيّ تياراتٍ أخرى للوصولِ إلى المجلسِ بدأتْ توزعُ منشوراتٍ سريةً في القاهرةِ وبعضِ المدنِ عنْ التوقيعِ لترشيحِ اَلسَّيِّد جَمَال مُبَارَك ووضعِ ملصقاتٍ على الحوائطِ والمباني الحكوميةِ سرا في الليلِ كذلكَ ظهرَ صورَ تأييدٍ أخرى للسيدِ/ عمرْ سَلِيمَانِ...مديرُ جهازِ المخابراتِ العامةِ كمرشحِ الآخر للرئاسةِ وكانتْ تختفي هذهِ الملصقاتِ بعدَ قليلٍ. أجريتْ الانتخاباتُ في أُكْتُوبَر "تشرينَ" عتمَ 2010 وَتَمَّ استبعادُ كُلّ المرشحينَ منْ المعارضةِ والتدخلِ اَلْعَلَنِيّ في عدمِ فوزهمْ. فكونتْ مجموعةً منهمْ مجلسا موازيا فكانَ ردا مباركا عليهمْ " خَيْلهمْ يسلو" وأتذكرُ مقالةً قرأتها في جريدةِ "الحياةِ اللندنيةِ" حوار معَ الدكتورِ/ مجمد بَدِيع "مرشدَ جماعةِ الإخوانِ" بعد عمليةِ الانتخاباتِ وعنْ التوريثِ قالَ بالحرفِ الواحدِ لنْ نسمحَ بالتوريثِ والمهزلةِ التي أجريتْ فيها الانتخاباتُ التشريعيةُ وسوفَ تشتعلُ النارُ في مصرَ في حالةِ التوريثِ "كانتْ مصرُ مقبلةً على أخطرِ ملفٍّ ولكنَ العنايةَ الإلهيةَ تدخلتْ حيثُ تَمَّ تفجيرُ كنائسَ في أعيادِ الميلادِ. ونشطَ أقباطُ المهجرِ في وقفاتٍ احتجاجيةٍ في معظمِ المدنِ الأوروبيةِ. 25 منْ يَنَايِر عامَ 2012 م ورحيلٌ مباركٌ عنْ المشهدِ اَلسِّيَاسِيّ الإعلامِ اَلْعَالَمِيّ وشاشاتُ الميديا تنقلُ الأحداثُ في مصرَ لحظةً بلحظةٍ تترقبُ. مجرياتُ الأحداثِ وارتفاعٍ في الإصاباتِ وأعدادِ القتلى وارتفاعِ سقفِ الطلباتِ." ارحلْ يا مباركٌ "حناجر المتظاهرينَ تعلو في كُلّ ميادينَ وشوارعَ المحروسةِ، جمعة الحسمُ وجمعة الرحيلِ والغضبِ بعدَ الانتهاءِ منْ صلاةِ الجمعةِ جمعة الغضبَ، أثناءَ إقامتي في مدينةِ ميلانو. في إيطاليا. خرجتْ مسرعا إلى مقهى. لمتابعةِ تطوراتِ الأحداثِ وكانتْ شبكاتُ التلفزةِ الإيطاليةِ تنقلَ الحدثِ. وظهورَ طائرةِ مروحيةٍ في سماءِ القصرِ اَلْجُمْهُورِيّ كانَ إعلانا برحيلٍ مباركٍ، حقا إِنَّ يومَ الجمعةِ (11 منْ فَبْرَايِر عامَ 2011 م) كانَ يومٌ مشهودٌ في الربعِ الأولِ منْ الألفيةِ الجديدةِ في تاريخِ مصرَ الحديثُ، ففي هذا اليومِ خرجَ السيدُ/ عمرْ سَلِيمَانِ نائب الرئيسِ اَلْمِصْرِيّ ومديرِ جهازِ الاستخباراتِ السابقِ؛ في بيانٍ مقتضبٍ تنحي الرئيسِ" حسني مُبَارَك "عنْ الحكمِ وتسليمهِ مقاليدَ السلطةِ والبلادِ" للمجلسِ الأعلى للقواتِ المسلحةِ ". بالطبعِ لمْ يأتِ هذا القرارِ منْ فراغِ أوْ بينَ عشيةٍ وضحاها، فقدْ كانَ تتويجا لسلسلةٍ طويلةٍ منْ الأحداثِ استمرتْ لثلاثةِ أسابيعَ وبدأتْ في صباحِ يومٍ/ 25 منْ يَنَايِر/ 2011 م/ وبعدَ ظهورٍ مباركٍ في خطابٍ متلفزٍ إلى الشعبِ أثناءَ الأحداثِ وقالَ إنهُ يريدُ أنْ يموتَ على أرضِ مصرَ ولا يهربُ خارجها ونفيُ عمليةِ التوريثِ وطلبَ منْ المتظاهرينَ مدةَ 6 أشهرٍ للانتهاءِ منْ فترةِ حكمهِ. وتجري انتخاباتٌ. كانَ هناكَ تعاطفٌ بعدَ الخطابِ ولكنْ حدثَ حادثُ المعروفِ بموقعةِ الجملِ فارتفعَ سقفُ الطلباتِ بالرحيلِ... كانتْ الشرطةُ وجهازُ مباحثِ أمنِ الدولةِ تتوغلُ في كلٍّ كبيرةٍ وصغيرةٍ، وانحطاطَ الأوضاعِ الاقتصاديةِ وسيطرةُ الحزبِ الواحدِ ورجالِ أعمالهِ على مقدراتِ البلادِ في السنواتِ الأخيرةِ. وبعدُ ثلاثينَ عاما منْ الحكمِ أصبحَ فيها مباركٌ الحاكمِ بأمرهِ، بدأَ في إعدادِ العدةِ والخططِ لتمريرِ الحكمِ إلى" نجلهِ جمال "، وهيَ" القشةُ التي قصمتْ ظهرَ البعيرِ....

كانتْ الشعلةُ الأولى في جسدٍ (مُحَمَّد بوعزيزي) الشرارةِ الأولى لإشعالِ الثورةِ في مصرَ تحتَ كلنا "خَالِد سَعِيد وجماعةُ كفايةِ وجماعةِ 6 إِبْرِيل وجماعةِ الإخوانِ التي انضمتْ بعدَ اشتعالِ المظاهراتِ في الأيامِ الأولى" لتأخذ منعطفا آخرا بعدَ تصعيدِ المظاهراتِ وإقالةِ حكومةِ الدكتورِ/ أحمدْ نَظِيف وتعينَ حكومةَ أحمدْ شَفِيق وزيرَ الطيرانِ رئيسا للوزراءِ وتعينَ نائبُ لِمُبَارَك اللواءِ/ عمرْ سَلِيمَانِ. وكانتْ مطالبُ المتظاهرينَ أولاً: رحيلٌ مباركٌ عنْ الحكمِ وتقديمهِ للمحاكمةِ، ومحاسبتهُ عنْ مصادرِ ثروتهِ وأسرتهِ ومجموعةَ رجالِ الأعمالِ المقربينَ منْ نجلهِ جَمَال مُبَارَك منْ رجالِ الأعمالِ وعلي رأسِ القائمةِ رجلَ الأعمالِ المهندسُ/ أحمدْ عَزَّ وزكريا عزمي ومعظمَ منْ شملهمْ التحفظُ على أموالهمْ وقياداتِ الداخليةِ وللأسفِ كُلّ الفاعلينَ في الميدانِ ساسةٌ ونخبٌ وتياراتٌ منْ الأحزابِ والمجتمعِ اَلْمَدَنِيّ ضلوا الطريقُ عنْ العدلِ والمساواةِ فرفعَ شعارِ حريةٍ- عدالةٌ اجتماعيةٌ للآنِ "منْ يحكمُ بالعدلِ على منْ همْ دونهُ، يحكمَ عليهِ أيضا بالعدلِ ممنْ همْ فوقَ لِأَنَّ العدالةَ هيَ القانونُ اَلْإِلَهِيّ، وهيَ ضميرُ البشريةِ جمعاءَ". ومنْ وجهِ نظري البسيطةَ كانَ يجبُ علي الفاعلونَ؛- أولاً؛- كانَ يجبُ محاكمةَ مُبَارَك علي 30 عاما منْ الفسادِ اَلسِّيَاسِيّ وليسَ قصرُ هنا وهناكَ. ثانيا؛- إعادةُ هيكلةِ بعضِ الوزاراتِ وعلى رأسها وزارةَ الداخليةِ... ثالثا:- العدالةُ الانتقاليةُ بديلاً عنْ مهزلةِ المحاكماتِ ومنها محاكمةُ القرنِ وهناكَ منْ سبقنا في ذلكَ مثلٌ جنوبِ افريفبا. رابعا؛- تكوينُ مجلسٍ رئاسيٍّ منْ مدنيينَ وعسكريينَ للإدارةِ شئونُ البلادِ لمدةٍ انتقاليةٍ لا تزيدُ عنْ 5 سنواتٍ. خامسا؛- تفعيلُ قانونِ العزلِ اَلسِّيَاسِيّ لرجالِ النظامِ لمدةٍ لا تتجاوزُ 10 سنواتٍ، وللأسفِ اَلْكُلّ يبحثُ عنْ اَلْكَرَاسِيّ والمناصبِ والغنائمِ وخرجوا جميعا عنْ المسارِ الصحيحِ للثورةِ ووقعوا في فَخّ الدولةِ العميقةِ التي جاءتْ لها الفرصةُ منْ الصراعِ على السلطةِ وأخيرٍ؛. سوفَ يكتبُ التاريخُ يوما عنْ مباركٍ لهُ وماعليهِ بعدَ الغيابِ المفاجئِ لرجلِ معهُ كَلَّ الملفاتِ السريةِ الصندوقَ الأسودَ وعمليةَ وأسرارِ استبعادهِ منْ الترشحِ بعد مباركٍ ومحاولةِ اغتيالهِ ووفاتهِ السريعَ أنهُ اللواءُ/ عمرْ سَلِيمَانِ. وفي ظِلّ الأزمةِ الطاحنةِ والغلاءِ الفاحشِ كثيرُ منا يرددُ ولا يومَ منْ أيامكَ يا مباركٌ!! كانتْ الشعلةُ الأولى في جسدٍ (مُحَمَّد بوعزيزي) الشرارةِ الأولى لإشعالِ الثورةِ في مصرَ تحتَ كلنا "خَالِد سَعِيد وجماعةُ كفايةِ وجماعةِ 6 إِبْرِيل وجماعةِ الإخوانِ التي انضمتْ بعدَ اشتعالِ المظاهراتِ في الأيامِ الأولى" لتأخذ منعطفا آخرا بعدَ تصعيدِ المظاهراتِ وإقالةِ حكومةِ الدكتورِ/ أحمدْ نَظِيف وتعينَ حكومةَ أحمدْ شَفِيق وزيرَ الطيرانِ رئيسا للوزراءِ وتعينَ نائبُ لِمُبَارَك اللواءِ/ عمرْ سَلِيمَانِ. وكانتْ مطالبُ المتظاهرينَ أولاً: رحيلٌ مباركٌ عنْ الحكمِ وتقديمهِ للمحاكمةِ، ومحاسبتهُ عنْ مصادرِ ثروتهِ وأسرتهِ ومجموعةَ رجالِ الأعمالِ المقربينَ منْ نجلهِ جَمَال مُبَارَك منْ رجالِ الأعمالِ وعلي رأسِ القائمةِ رجلَ الأعمالِ المهندسُ/ أحمدْ عَزَّ وزكريا عزمي ومعظمَ منْ شملهمْ التحفظُ على أموالهمْ وقياداتِ الداخليةِ وللأسفِ كُلّ الفاعلينَ في الميدانِ ساسةٌ ونخبٌ وتياراتٌ منْ الأحزابِ والمجتمعِ اَلْمَدَنِيّ ضلوا الطريقُ عنْ العدلِ والمساواةِ فرعَ شعارِ حريةٍ- عدالةٌ اجتماعيةٌ للآنِ "منْ يحكمُ بالعدلِ على منْ همْ دونهُ، يحكمَ عليهِ أيضا بالعدلِ ممنْ همْ فوقَ لِأَنَّ العدالةَ هيَ القانونُ اَلْإِلَهِيّ، وهيَ ضميرُ البشريةِ جمعاءَ". ومنْ وجهِ نظري البسيطةَ كانَ يجبُ علي الفاعلونَ؛- أولاً؛- كانَ يجبُ محاكمةَ مُبَارَك علي 30 عاما منْ الفسادِ اَلسِّيَاسِيّ وليسَ قصرُ هنا وهناكَ. ثانيا؛- إعادةُ هيكلةِ بعضِ الوزاراتِ وعلى رأسها وزارةَ الداخليةِ... ثالثا:- العدالةُ الانتقاليةُ بديلاً عنْ مهزلةِ المحاكماتِ ومنها محاكمةُ القرنِ وهناكَ منْ سبقنا في ذلكَ مثلٌ جنوبِ افريفبا. رابعا؛- تكوينُ مجلسٍ رئاسيٍّ منْ مدنيينَ وعسكريينَ للإدارةِ شئونُ البلادِ لمدةٍ انتقاليةٍ لا تزيدُ عنْ 5 سنواتٍ. خامسا؛- تفعيلُ قانونِ العزلِ اَلسِّيَاسِيّ لرجالِ النظامِ لمدةٍ لا تتجاوزُ 10 سنواتٍ، وللأسفِ اَلْكُلّ يبحثُ عنْ اَلْكَرَاسِيّ والمناصبِ والغنائمِ وخرجوا جميعا عنْ المسارِ الصحيحِ للثورةِ ووقعوا في فَخّ الدولةِ العميقةِ التي جاءتْ لها الفرصةُ منْ الصراعِ على السلطةِ وأخيرٍ؛. سوفَ يكتبُ التاريخُ يوما عنْ مباركٍ لهُ وماعليهِ بعدَ الغيابِ المفاجئِ لرجلِ معهُ كَلَّ الملفاتِ السريةِ الصندوقَ الأسودَ وعمليةَ وأسرارِ استبعادهِ منْ الترشحِ بعد مباركٍ ومحاولةِ اغتيالهِ ووفاتهِ السريعَ أنهُ اللواءُ/ عمرْ سَلِيمَانِ. وفي ظِلّ الأزمةِ الطاحنةِ والغلاءِ الفاحشِ كثيرُ منا يرددُ ولا يومَ منْ أيامكَ يا مباركٌ!!

***

مُحَمَّد سَعْد عبدِ اَللَّطِيف

 كاتبٌ مصريٌّ وباحثٌ في علمِ الجغرافيا السياسيةِ

بقلم: مرتضى حسين عن موقع الانترسبت

ترجمة: قصي الصافي

 في أعقاب الثورة الاسلامية عام 1979 لم تتوقف الأزمات التي ظل يواجهها النظام الايراني باستمرار،حروبأ طويله و طاحنة، عقوبات دولية، معارضة داخليه وصراعأ دائما مع القوة العظمى الوحيدة في العالم، ومع ذلك بقيت الحكومة صامدة ومستمرة لحد الآن.

كان النظام قد واجه أكبر التحديات حتى الآن: موجة احتجاجات شعبيه على نطاق واسع، بدأت في أيلول على أثر وفاة امرأة كردية ايرانية تدعى مهسا أميني أثناء احتجازها من قبل الشرطة. تختلف الاحتجاجات هذه المرة عن سابقاتها لاختلاف السبب المحفز لها، فقد تم القبض على أميني لارتدائها غطاء رأس (غير لائق)، مما دعا المحتجين الى تحدي قانون الحجاب الالزامي في إيران، القانون الذي يعتبر ركيزة أيديولوجية وأداةً للهيمنة الاجتماعية للجمهورية الاسلاميه. لثلاثة أشهر والمتظاهرون يبدون شجاعة في مواجهة عنف الدولة المفرط والنزول للشوارع بهتافات " المرأة الحياة، الحرية" مع اضراب عام يعكس تزايد الغضب الشعبي ضد النظام.

لقد استمر حكم رجال الدين لحد الآن بفضل القمع الوحشي المفرط، فبحسب ما تناقلته التقارير تم اعتقال 15000 مواطن، وقتل المئات منهم على ايدي قوات الامن.

في غضون ذلك تلوح في الأفق ازمة أخرى تهدد النظام، ازمة تتفاقم تحت السطح ولم تظهر بعد الى العلن، وقد تكون هي الأزمة الأخطر على الجمهورية الإسلامية على الاطلاق.

المرشد الأعلى علي خامنئي طاعن في السن و يقال انه يعاني من العديد من الامراض. إن موته الذي يلوح في الأفق، وعدم وجود خليفة متفق عليه يقوم مقامه، سيدخل الجمهورية الإسلامية في أزمة خلافة حادة - تحدي من هذا النوع هو بالضبط ما اسهم في تفكيك العديد من الأنظمة الاستبدادية في الماضي- قد تؤدي الأزمة قريبًا إلى تمكين إحدى المنظمات الأمنية القوية في إيران، الحرس الثوري الإسلامي، من القيام بدور مباشر في حكم إيران لأول مرة في تاريخها.

عندما اندلعت الاحتجاجات في أيلول الماضي ، لم يظهر خامنئي للعلن، وقد توقع أنصاره أن يبدي رداً علنياً، وذلك لاعتلال صحته بسبب جراحة الأمعاء. في السنوات الأخيرة، أصيب خامنئي، البالغ من العمر 83 عامًا، بمجموعة من الأمراض الخطيرة، بما في ذلك سرطان البروستات، لكنه أيضًا خيّب العديد من التنبؤات السابقة بوفاته الوشيكة.

على الرغم من أنه ظهر منذ ذلك الحين علنًا للتنديد بالاحتجاجات الأخيرة باعتبارها تخريبًا خارجيًا، إلا أنه يجدر النظر في الشكل الذي ستبدو عليه إيران، سواء من حيث السياسة الداخلية أو الخارجية، بعد مغادرة مرشدها الأعلى هذا العالم أخيراً. بيد أن الموجة الأخيرة من الرفض العلني لنظامه تشير الى مدى قسوة التغييرات المحتملة القادمة.

ستشكل  وفاة خامنئي تحديًا كبيرًا للجمهورية الإسلامية، فمن يخلفه سيكون من جيل لم يشارك في الثورة. قال سينا أزودي ، محاضر في الشؤون الدولية في جامعة جورج واشنطن:

 " إنه أمر لا يناقشه أحد تقريبًا علنًا داخل إيران ، لكن الدولة بأكملها تجري استعداداتها الآن لقضية الخلافة، كان خامنئي قد شارك في ثورة 1979، حتى انه قد سجن من قبل شرطة الشاه السرية، السافاك، الذين يراهم عملاءً للولايات المتحدة. وهو كثير التشكيك بالنوايا الغربية تجاه إيران، و ما أن يغادر المشهد حتى تتلاشى إحدى العوائق الرئيسية أمام تحسين علاقات إيران مع الغرب ".

 أصبح خامنئي المرشد الأعلى في عام 1989، وقد حكم إيران أربع دورات تقريبًا، وهي فترة أطول من سلفه الوحيد، روح الله الخميني، زعيم الثورة ومؤسس الجمهورية الإسلامية. ومن أكثر من منظور يمكن القول بإن النظام الحاكم اليوم هو من صنعه الشخصي، وإن إدارة مراكز القوى المتنافسة داخل إيران تعتمد بشكل أساسي على مكانته كسلطة عليا.  لقد قام خامنئي بتهميش معظم منافسيه داخل المؤسسة الدينية، وعزز نفسه كسلطة عليا لا جدال عليها تقريباً داخل النظام. هذا الاحتكار للسلطة والنفوذ- السمة السائدة للديكتاتوريات- جعل موقعه آمنًا، ومن غير المؤكد ان النظام يمتلك القدرة على استبداله بشكل مناسب بعد وفاته.

على الرغم من نفوذه المتفرد، فقد برزت داخل المؤسسة الأمنية الإيرانية فصائل قد تكون مستعدة للاستفادة من زوال خامنئي. ومن أبرز هؤلاء الحرس الثوري الإسلامي، وهو فرع من القوات المسلحة تم إنشاؤه بعد ثورة 1979 ككيان مسلح مؤدلج. قد يكون الحرس الثوري الإيراني هو القوة الوحيدة المتبقية داخل إيران والتي تتمتع بالنفوذ والحافز الذي يؤهلها للقيام بدور مباشر في السياسة الإيرانية بعد رحيل خامنئي.

في قرار مثير للجدل ادرجت ادارة ترامب عام 2019 الحرس الثوري في قائمة الارهاب. و الحرس الثوري لم يعد اليوم قوة عسكرية تحت أمرة المرشد فحسب، بل أصبحت لاعباً اقتصادياً رئيسياً داخل ايران، فهي تمتلك أعمالًا تجارية مربحة وممتلكات عقارية من المرجح أنها تسعى إلى الحفاظ عليها بغض النظر عن التغييرات التي قد تطرأ في السياسة الإيرانية. إن ادراك مستوى التحكم شبه المافيوي للحرس الثوري على المجتمع الإيراني اليوم هو المفتاح لفهم ما ستؤول اليه سياسات البلاد تحت قيادتهم.

 لو أمعنا النظر لسلوكهم، ببدو أن قادة الحرس الثوري الإيراني يضعون منافعهم المادية في المقام الأول، فهم ليسوا مجرد أيديولوجيين. إنهم منهمكون في مجال جني الأموال، على عكس خامنئي، الذي حاول، ظاهريًا على الأقل، إظهار درجة من التواضع . انهم مهتمون بحماية مزاياهم الاقتصادية، وكانت العقوبات الدولية نافعة لهم في هذا المجال. إنهم لا يهيمنون على الاقتصاد الرسمي فحسب، بل يسيطرون على جزء كبير من السوق السوداء. جميع السلع الكمالية الواردة إلى إيران اليوم تصل عبر القنوات التي يسيطر عليها الحرس الثوري الإيراني .

 يرى بعض الخبراء إنه من الممكن، بل و المرجّح، أن تقرر قيادة ذات نفوذ اقتصادي قوي جيدة التسليح في الحرس الثوري الإيراني، القيام بانقلاب عسكري للسيطرة المباشرة على إيران بعد وفاة خامنئي.

 ليس من الضروري أن يكون مثل هذا الانقلاب علنيًا.  فالعديد من البلدان الأخرى في المنطقة ، وأشهرها مصر وباكستان ، تدار من وراء الكواليس من قبل مؤسسات عسكرية قوية، على الرغم من حفاظها على مظهر الحكومة المدنية شكلياً. مثل هذه الترتيبات لم تخدم مواطني هذه الدول، لكنها تخدم بشكل جيد النخب العسكرية نفسها.  لا يوجد سبب للاعتقاد بأن الشخصيات القوية في الحرس الثوري الإيراني ستعارض مثل هذه الفرصة، أو ستمنع نفسها من اغتنامها إن سنحت بعد وفاة خامنئي.

 كيفية حكم نظام محتمل بقيادة الحرس الثوري الإيراني لإيران (لا سيما في مجال تقييد الحريات الشخصية، وهي في صميم مظالم أغلب الإيرانيين اليوم) ستعتمد على تقييم قادة النظام الى مدى ديمومة الانتفاع من المؤسسة الدينية الإيرانية.

تأسست الجمهورية الإسلامية كَدولة ثيوقراطية، وذلك بفضل قدسية سلطة رجال الدين عند الشيعة وهي الطائفة السائدة في إيران. رغم ذلك يبدو ان غلياناً شعبياً عاماً يتزايد ضد رجال الدين انفسهم بسبب سوء الحكم، وقد تعرض خامنئي لهجمات شخصيه، كما ان الايرانيين قد بدأوا يصورون انفسهم في مقاطع فيديو وهم يوجهون صفعات للعمائم على رؤوس رجال الدين، الأمر الذي يشير بوضوح إلى تراجع مصداقية المؤسسة الدينية بأعين الجمهور. الصورة القاتمة

لرجال الدين في عيون عامة الايرانيين ستلعب دوراً في كيفية تصرف حكومة الحرس الثوري المحتملة.

 قال علي ألفونة، الزميل الأول في معهد الخليج العربي ومؤلف كتاب " الخلافة السياسية في الجمهورية الإسلامية" : " اذا ما تسنى لقادة الحرس الثوري إدارة ايران فعلياً، فان سياساتهم الداخلية سيحددها تقييمهم لمدى شرعية و مكانة رجال الدين الشيعة، فإذا كان رجال الدين الشيعة لا يزالون محتفظين بمكانتهم كمصدر للشرعية، فإن الحرس الثوري الإيراني سيواصل تقييد الحريات الشخصية على أسس دينية".

 " أما في حالة فقد رجال الدين الشيعة لمنزلتهم بحيث لم يعودوا مصدراً للشرعية، فإن قادة الحرس الثوري سيتخلون عنهم ومن المحتمل انهم سيطلقون الحريات الشخصية، وليست السياسية، للمواطنين الإيرانيين، الإيرانيات اللائي يرتدين التنانير القصيرة، والشباب الإيراني الذين يقضون أوقات فراغهم في ممارسة الجنس والمخدرات وموسيقى الروك أند رول يمكنهم التعايش مع دكتاتورية عسكرية للحرس الثوري الإيراني لمدة عشر سنوات على الأقل في السلطة".

 ليس هناك ما يشير إلى أن الحرس الثوري الإيراني مستعد لتسلّم السلطة في أي وقت قريب، خاصة وأن خامنئي قد يتعافى ويبقى على قيد الحياة لبضع سنوات قادمة. ومع ذلك، فإن رحيله الحتمي عن المشهد، في ظل غياب خليفة  محدد اختاره أو سمح له بالارتقاء من داخل المؤسسة الدينية، يعني أن استشراف الصيغة المستقبلية للسياسة الإيرانية باتت فعلاً واضحة في الأفق.

 إن الحكومة الإيرانية التي يقودها الحرس الثوري الإيراني - إما كدكتاتورية عسكرية مباشرة أو،على الأرجح، برأس  أعلى كدمية تحت سيطرتهم- لا تحدث فقط تغييرات في بعض سياسات إيران الداخلية، بل وأيضًا في نهجها تجاه المجتمع الدولي.

من البديهي أن إيران التي تقودها نخب عسكرية لن تكون دولة ديمقراطية، ولكن من المرجح أن تعود الى تبني  مواقف نفعية فيما يتعلق بعلاقتها مع إسرائيل والغرب، إن لم يكن مع دول العالم العربي. رغم ان النظام قد لايرتقي إلى مستوى تحقيق مطالب المحتجين في الشوارع بالتغيير الديمقراطي، إلا أن مثل هذا النظام قد يحول إيران إلى ما يشبه المملكة العربية السعودية مع انفتاح اجتماعي مما يجعله متناعماً مع المصالح الغربية، بالطبع بفضل ثروتها من الوقود الأحفوري،  ومع ذلك يظل النظام سلطويا في جوهره.

وقال ألفونة "من المرجح أن يولد نظام عملي كهذا، بغض النظر عن أي تغييرات أيديولوجية مستقبلية على النظام الذي سيقوده الحرس الثوري الإيراني بعد وفاة خامنئي.

 من عام1979 حتى عام1988 كان للحرس الثوري الإيراني علاقات مع إسرائيل والولايات المتحدة في الماضي وكانت إسرائيل المصدر الرئيسي لمشتريات الحرس الثوري الإيراني من الأسلحة التي تنتجها الولايات المتحدة، وقد عقد الحرس الثوري الإيراني في مناسبات متعددة تحالفات تكتيكية مع الولايات المتحدة ضد طالبان وضد الدولة الإسلامية.  لذا لا أرى أي سبب يمنع مثل هذه السياسات في ظل إيران التي يحكمها الحرس الثوري الإيراني.

على الرغم من ترجيحه إمكانية حدوث تغييرات في العلاقات الخارجية، إلا أن ألفونه حذر من أن بعض الأشياء سوف لن تتغير.  وقال: " فيما يتعلق بالقضايا الأكثر جوهرية، كطموحات إيران النووية، والبرنامج الصاروخي، ودعم الوكلاء، ومعارضة وجود القوة العظمى في الخليج العربي، فلن يكون هناك تغيير طالما أن إيران مستمرة ككيان سياسي موحد".  .  "حتى إذا انهارت الجمهورية الإسلامية، فإن الإيرانيين يميلون بشكل جماعي إلى الزرادشتية واعادة إحياء الإمبراطورية الساسانية، هذه السياسات ستستمر كما كانت من قبل."

https://theintercept.com/2022/12/09/iran-regime-khamenei-death/

مع افتتاح مؤتمر ميونيخ الأمني، نشهد تصريحات أمريكية وغربية " متخبطة "، تعكس الواقع الذي يعيشه الغرب، على خلفية الانتصارات التي تحققها القوات العسكرية الروسية، في عمليته الخاصة في أوكرانيا، والوضع الصعب الذي تعيشه القوات الأوكرانية، وباعتراف قادتها العسكريين، ومنهم قائد القوات الأوكرانية الملقب بـ "ماديار"، الذي أعلن أن الوضع على الجبهة، حول مدينة أرتيوموفسك صعب للغاية، حيث تتكبد القوات الأوكرانية خسائر بشرية وآلية في كل دقيقة، وكذلك المطالب العجيبة والغريبة التي يقدمها الجانب الاوكراني، وآخرها، مطالبته للدول المشاركة في مؤتمر ميونخ الأمني، بتوريد ذخائر عنقودية محرمة دوليا، وهو الامر الذي رفضه حلف شمال الاطلسي (الناتو)، وقال امينه العام ينس ستولتنبرغ، " نحن نوفر المدفعية وأنواعا أخرى من الأسلحة، لكننا لا نوّرد القنابل العنقودية".

وفي الوقت الذي أعلن فيه رئيس الحكومة البريطانية، ريشي سوناك، بأن بلاده ستمد أوكرانيا بمعدات عسكرية تتجاوز قيمتها إمدادات العام الماضي وتقدر بـ 2.3 مليار جنيه إسترليني خلال العام الجاري، ودعوته الساسة الغربيين، إلى مضاعفة دعمهم لأوكرانيا، عاد ليؤكد حاجة كييف الماسة إلى الدبابات، والمدفعيات، والمدرعات، وأنظمة الدفاع الجوي، وغيرها من الأسلحة الثقيلة، منوها بوصول الأزمة الأوكرانية إلى نقطة مفصلية هامة.

وفي مقابل ذلك، جاء تصريح وزير الدفاع البريطاني بن والاس، أن الدبابات الغربية ليست "جرعة سحرية" من شأنها أن تغير الوضع في ساحة المعركة بين عشية وضحاها، لتكون بمثابة " صفعة قوية "، بوجه رئيس وزرائه، وزاد الوزير في تقييماته، ليكشف بأن العديد من الدول الغربية، بعد اتخاذ القرار السياسي بنقل الدبابات إلى كييف، وجدت أنها لا تمتلك دبابات صالحة للخدمة في أوكرانيا، وقال "أرسل " السياسيون جيشهم إلى المستودعات، وكان عليهم أن يذكروا أن دباباتهم إما معطلة أو لم يتم إصلاحها لتسليمها إلى أوكرانيا "، و الإشارة إلى أن هناك بيانات عن عدد الدبابات التي تمتلكها كل دولة، لكن الواقع يخبرنا أن القليل منها يعمل، ووفقا له، هذا هو الوضع فيما يتعلق بمخزونات الذخائر، والتي لا تكفي لنقلها إلى كييف.

ومن السخريات، فقد أعطى البريطانيون زيلينسكي وقادة القوات المسلحة الأوكرانية، نصيحة قييمة، لا سيما على خلفية الشكاوى المقدمة من كييف، بأن الذخيرة على وشك النفاد، فقد نصح وزير الدفاع البريطاني بن والاس يجب أن يكون الجيش الأوكراني أكثر دقة من أجل إنفاق قذائف أقل، وكذلك وبناء على طلب من رئيس أوكرانيا فلاديمير زيلينسكي لزيادة إمدادات ذخيرة المدفعية، رد الشركاء الغربيون، بعبارة ملطفة، ببرود، أو بعبارة بسيطة، "تجمدوا"، وتوصلت قناة Legitimny تلغرام الأوكرانية إلى هذا الاستنتاج، وقال مصدر في القناة إن "زيلينسكي نُصِح بالتركيز على تدريب المشاة (حشد المزيد) للحرب في المدن، أي تحويل كل مدينة إلى أنقاض على طريق القوات المسلحة.

أما الجانب الأمريكي فلا يقل " تخبطا " من نظيره البريطاني، ففي الوقت الذي صرح وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، متحدثا في مؤتمر ميونخ للأمن، بأن الولايات المتحدة وحلفاؤها يناقشون الخطوات الممكنة لضمان أمن أوكرانيا على المدى الطويل، وافراطه في التفاؤل، والحفاظ على أمن أوكرانيا، و ان الكثير مما قدموه الآن سيقطع شوطا طويلا في ضمان القدرات الدفاعية لأوكرانيا على المدى الطويل، لكن الرد جاء على لسان نائبة الرئيس الأمريكي، كامالا هاريس، والتي حذرت فيه من أن أوكرانيا "ستشهد المزيد من الأيام المظلمة".

اما في المانيا، فقد انقسم شعبها الى قسمين، وباعتراف المستشار أولاف شولتس، الذي شدد على أنه لا توجد في ألمانيا وحدة في الموقف، حول توريد الأسلحة إلى كييف والعقوبات ضد روسيا، وانتقد في ذات الوقت دول حلفاء برلين، لعدم إمدادهم أوكرانيا بالدبابات رغم مرور عدة أشهر على حث ألمانيا على القيام بذلك، وقال "ضغطوا علينا ولما وافقنا اختفوا"، لتؤكد هذه التصريحات خيبة أمل برلين المتزايدة من حلفائها، حيث تعرض رئيس الحكومة الألمانية لضغوط منذ عدة أشهر بسبب الموقف المتعلق بتزويد القوات المسلحة الأوكرانية بالدبابات

والضعف الغربي، جسده الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي اكد أهمية إيجاد الدول الغربية، للقوة والشجاعة لبناء حوار مع روسيا، والذي بدونه لن يكون السلام في أوروبا ممكنا، خصوصا وان لا أحد منهم يستطيع تغيير جغرافية روسيا، ستظل دائما جزءا من أوروبا، ومعضلتهم أنه لن يكون هناك سلام موثوق وكامل في القارة الاوربية حتى يتعلموا كيفية حل «المسألة الروسية»، ولكن بكل عقلانية، ودون أي تهاون، لذلك تحتاج اوروبا إلى القوة والشجاعة لإعادة فتح الحوار (مع روسيا) من أجل إيجاد حل مستدام.

التخبط الكبير في المواقف والتصريحات، يؤكد بما لا يقبل الشك، ان سياسة الكذب الكلي في أوكرانيا، قد أستنفذت إلى حد كبير، وإن ملامح الخروج التدريجي من الصراع في أوكرانيا تظهر الآن ليس فقط من خلال المنشورات البغيضة التي تعارض الديمقراطيين الأمريكيين والاتحاد الأوروبي، ولكن أيضًا من خلال وسائل الإعلام الليبرالية تمامًا، بالنظر إلى أن الهدف الرئيسي للغرب على المحك - ترتيب هزيمة روسيا في الصراع الأوكراني قبل صيف عام 2023، لكن طرق الهروب، على ما يبدو، يتم العمل عليها بالفعل.

وتاريخيا، يمكن مقارنة الوضع في أوكرانيا بفيتنام، ثم زادت الولايات المتحدة من تدخلها تدريجياً، وضللت الحكومة الشعب الأمريكي، فأوكرانيا هي فيتنام متسارعة، ولكن هذه المرة مع خطر نشوب صراع عسكري مباشر مع قوة عظمى وحرب نووية، ولخص حزب المحافظين الأمريكي، متسائلاً لماذا يحتاج الأمريكيون إلى حرب نووية لأوكرانيا.

ويؤكد الخبراء والمراقبون إن الولايات المتحدة، تغير تكتيكاتها تدريجياً وتستعد لنزاعات الشرق الأوسط، وتحويل تمويل وتسليح الميدان إلى الأوروبيين، وقال رئيس لجنة الدفاع البرلمانية البريطانية، توبياس إلوود، على قناة سكاي نيوز، " إننا بحاجة إلى لقاء روسيا وجهاً لوجه، وعدم ترك العمل لأوكرانيا وحدها "، ولكن السؤال المهم، هو من سيمول دخول دولة مدمرة ومهجورة من السكان إلى الاتحاد الأوروبي بعد الهزيمة؟ وعلى حساب من تكون المأدبة؟" خصوصا وإن مشروع "أوكرانيا" ليس له مستقبل خارج الحرب مع روسيا، ولكن وكما قال رئيس اللجنة العسكرية لحلف الناتو، روب باور، تعليقًا على سؤال صحفي عما إذا كانوا مستعدين لمواجهة مباشرة مع روسيا، أعرب عن أسفه لأن الجيش البريطاني يمر بأوقات عصيبة، وعرباته المدرعة عفا عليها الزمن، وانخفض عدد القوات إلى 10 آلاف فرد.

لعب الجميع ضد الجميع، استفز عمل عسكري، وقدم المساعدة للجميع، وقم ببيع الأسلحة، وقم بتوحيد المبادئ الجديدة للتفاعل في مجال الطاقة، ومنع إنشاء ممرات نقل جديدة من جنوب شرق آسيا إلى أوروبا، والتي ستبقى خارج سيطرة الولايات المتحدة، وتحافظ على التأثير على التجارة العالمية، وذلك لضمان بقاء الولايات المتحدة على حساب الاقتصاد الرقمي للمستقبل، وإنقاذ نظام التسوية بالدولار، سيتطلب هذا الكثير من الجهد والنفقات، أكثر من الحفاظ على القوات المسلحة لأوكرانيا، لذلك تم نقل المهمة بالفعل إلى أوروبا.

***

بقلم: الدكتور كريم المظفر

بقلم: شاندرا مظفر

ترجمة: نجوى فوزي السودة

 ***

شددت حركة العدل الدولية على حكومات أمريكا، وبريطانيا، وأستراليا، وكندا، وسويسرا، وبعض دول الإتحاد الأوروبي، وبعض الدول العربية الموالية أن العقوبات اللاأخلاقية وغير العادلة على سوريا لكي تقلل من المعاناة الشديدة التي يكابدها السوريون من جراء زلزال ال6 من فبراير 2023.

ناشدتها كذلك عدد من الجمعيات من بينها جمعية الصليب الاحمر السورية. شارك في ذلك على المستوى الدولي أيضا أفراد وجماعات ومعهد هيلجا زيب لاروش، مطالبين أن ترفع العقوبات عن سوريا. وفي تقرير نقلا عن الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي أنهم قد أوقفوا عقوباتهم مؤقتا. إلا أن هؤلاء المناشدين يرون أن هذا ليس كافيا لأن هذا يعني أنهم في مقدورهم أن يعيدوا فرض العقوبات في أي وقت.

إذا ما ألغوا العقوبة فعليه أن تكون فورية وإلغائها على كل شئ لأنه ليس هناك مبررات لهم في المقام الأول.

إن الولايات المتحدة بدأت في إستهداف سوريا عام 1979 بوضعها في قائمة الدول التي تمول الإرهاب. كان السبب الرئيسي وراء ذلك أن الرئيس السوري حينئذ حافظ الأسد منح المجاهدين حرية السعي إلى تحرير فلسطين، ومرتفعات الجولان والمناطق العربية الأخري التي تحتلها إسرائيل. إن هذا دليل دامغ على مدى النفوذ الذي تمارسه إسرائيل والصهيونية على السياسة الخارجية للولايات المتحدة في غرب آسيا وشمال أفريقيا.

زادت حدة العقوبات في الفترة ما بين مارس إلى أغسطس2004 وأرجعوا ذلك إلى إدعاءات جديدة كاذبة تزعم تدخل سوريا في العراق ولبنان اللتين تتصادمان مع إسرائيل. ومن ذلك الحين، وعلاقة الحكومة السورية مع حماس بفلسطين وحزب الله بلبنان وعلاقتها الأخوية مع إيران هو لب السبب في الكراهية التي تكنها الولايات المتحدة الأمريكية لدولة تأخذ قرارها بعقل حازم.

ليس هناك ما يدعو إلى أن نُذكر، أن مصالح إسرائيل كانت جلية في كل المواقف التي إتخذتها الولايات المتحدة الأمريكية.

أيا كان، وفقط وبعد ما أُطلق عليه تمويها الربيع العربي2011 قامت الولايات المتحدة العدوانية بالتخطيط للإطاحة بالحكومة السورية برئاسة بشار الأسد، وساندها في مخططها بعض الدول الأوربية الحليفة لهاوبعض أصدقائها في دول غرب آسيا وشمال أفريقيا، ولَدَ سلسلة متكاملة من العقوبات الجديدة من موانع السفر وتجميد الأصول وموانع التصدير وفرض القيود على قطاع البترول. إنضم الإتحاد الأوروبي للولايات المتحدةفي مقاطعة قطاع البترول. يدر قطاع البترول 20% من دخلها القومي. وطبقا للإحصائيات فإن سوريا ومن عام 2011 قد خسرت 107 بليون دولار من عائداتها من البترول والغاز.

كما أن بعض الدول العربية جمدت أصولها كما فعلت تركيا في عام 2011. بيد أن ما من قرار من هذه القرارات كان له تأثيره القاسي على الإقتصاد السوري أو الدولة لأن إعتقال الجماعات الإرهابية الموالية لحكومات، وجماعات عرقية أو إرهابيين يمدونهم بالعتاد في المنطقة، يتضمن ذلك منتجات البترول والقمح والقطن. تُعرَف كل هذه الجماعات باسم بالجبهة السورية الديمقراطية التي يتزعمها الأكراد الذين يعيشون في حالة نزاع طويل المدى مع الحكومة السورية والتركية بدعم من الولايات المتحدة الأمريكية. كان للزلزال وقعا بالغ الأثر على الأكراد الذين يحتلون أجزاءا من شمال غرب سوريا. يترأس الرئيس بشار الأسد هذه الدولة المنشقة والمُفتتة. إنها دولة يصل تعدادها 3مليون و15 نسمة من بين تعداد سكان يصل إلى 21مليون و3 نسمة هم في أمس الحاجة إلى المساعدات الإنسانية. لقد سعت الولايات المتحدة وحليفاتها إلى إضعاف قوة وسلطة بشار كما قد رأينا عن طريق عدم قدرته على السيطرة على الموارد الحيوية لسوريا وإعجاز سوريا بفرض العقوبات عليها.

يتضح لنا الآن أن حكومته صارت غير قادرة على أن تستجيب سريعا وبصورة فعالة لكارثة الزلزال التي وقعت في 11 من فبراير قُتِل فيها على الأقل 3 مليونا و500 من السوريين. هذا العدد أقل بكثير جدا من وفيات الأطفال والنساء والرجال الذين هلكوا وتجاوزا عددهم 22مليونا و300ألفا، في دولة تركيا جارة سوريا. إن المأساة السورية تتطلب إستجابة سريعة تتعدى عمليات الإنقاذ أو العمليات الجراحية وإلا كان كل هذا عبثا. إن حجم المأساة جسيم وصار أكثر تعقيدا بعد فروض العقوبة عليها والذي لا يعرقل فقط إجراء عمليات جراحية في مثل هذه العمليات لعدم وجود الأساسيات الضرورية مع وصول عدد لاحد له ممن في أمس الحاجة لكنه كذلك يحول إعادة التأهيل للعمل لا على المدى القريب ولا البعيد. لهذه الأسباب فإن فرض العقوبة ينبغي على الفور أن يُرفع عن سوريا. ولهذا السبب فإن على الشعوب والحكومات أن يناشدوا ذلك.

إن الصراع الدائر بين الجماعات المتناحرة التي تتمتع بالأغلبية المُسلحة ينبغي أن يوضع لها حدا على وجه السرعة إن كان ذلك ممكنا. إن الأمر ليس جدا يسيرا. نأمل ُ أن يدفع هذا الوبال العظيم البعض من الممثلين الرئيسيين في هذه الصراعات أن يكون لها رد فعل يعكس مدى شدة البلاء الذي قد أحل بسوريا –وألم لُجي لملايين من البشر على كلا الجانبين من الحدود السورية التركية. عليهم أن يبادروا بإنهاء الصراعات والقتل الدائر على طول الحدود وفي الأجزاء الأخرى من سوريا إذا كان هناك أي معنى للمعاناة التي يكابدونها. وفي هذا الصدد، نحث الأمم المتحدة أن تناشد وأن يكون لها تأثير فعليا على كل الأطراف المتحاربة أن تلتزم بوقف إطلاق النار حتى تصل المساعدات الإنسانية ويتلقاها ضحايا الزلزال.

لدينا بريق من الأمل. لقد صرح الرئيس التركي، أردوغان، أنه على إستعداد أن يلتقي مع الرئيس السوري، بشار الأسد، ليناقشا أوجه الخلاف في وجهات النظر وأن يضعا حلولا لها. دعونا نتحلى بالأمل وأن نبتهل إلى الله أن يسعى كلا منهما للقاء –لقاء ينجم عنه حلولا تتقبلها الأطراف وتحل النزاعات. لو أن الزعيمين اللذين كانا بينهما صداقة حميمة في وقت من الأوقات، قام بينهما سلام، فإن فرصة الوصول إلى خطى ثابتة ممكنة.

***

14/2/2023

 

من الأمور التي يعرفها المختصون ان من بين ابرز اسباب سقوط الاتحاد السوفيتي وكامل المنظومة السوفيتية، هو ازدراء آراء الاقتصاديين الحقيقيين ومعاقبتهم مما ادى الى هجرة افضلهم الى الغرب (ليونيتف ولانگة، كأمثلة). والذين استفاد منهم الغرب كثيراً ..

لكن بلدانهم سخرت من افكارهم واعتبرتهم منظرين للرأسمالية ويريدون اشاعة القيم الرأسمالية في البلدان الاشتراكية التي تحارب الرأسمالية!!!

هكذا ولاسباب ايديولوجية تافهة تم حرمان البلدان الاشتراكية من قواعد الحساب الاقتصادي العقلاني ومن اعتماد الاسس الاقتصادية المنطقية في توزيع الاستثمارات، وصارت القرارات الاقتصادية اداة بيد السياسيين الجهلة ومن هم ينتمون الى اختصاصات اخرى (كالمهندسين والمحاسبين وغيرهم ممن كان هدفهم الاسمى ارضاء الحاكم المستبد)..

النتيجة انهم اقاموا صناعات عملاقة بدون جدوى اقتصادية وصارت عبئاً على الموازنة لانها كانت تتطلب دعماً كبيراً لكي تستمر.

خلقوا وظائف لاداعي لها للجميع وبأجور زهيدة لكي يقال انهم قضوا على البطالة.. (كان نصيب الفرد السوفيتي من الناتج المحلي الاجمالي عند سقوط الاتحاد السوفيتي بحدود ٦٦٠ دولار مقابل ٤٤٠٠٠ دولار للفرد الامريكي).

موّلوا تلك السياسات الشعبوية عن طريق استخدام الموارد الطبيعية الهائلة التي كانوا يبيعونها للعالم كمواد خام واستخدام ايراداتها لتمويل برامجهم البائسة (مثل وضع العراق الحالي)..

احد السادة الكتاب نشر موضوعاً يوم امس كان بالنسبة لي كخيبة أمل كبيرة وصدمة لاسيما وانه حظي بتقدير واعجاب عدد من القراء!!

كان الرجل يسخر من استخدام الادوات الاقتصادية للسيطرة على حركة الاقتصاد كالضريبة وسعر الصرف ويسخر من الاقتصاديين الذين يدعون الى استخدامها ويدعوهم الى ترك الامور "لليد الخفية" التي تستطيع وحدها تعديل وضع الاقتصاد وارجاعه الى حالة التوازن!!

يبدو انه لايعلم ان فكرة اليد الخفية سقطت في الثلاثينيات على أثر الكساد العظيم الذي اوشك ان يُسقط النظام الرأسمالي ويحقق نبؤة كارل ماركس بأن النظام الرأسمالي يسقط بفعل تناقضاته. لولا نظرية كينز الداعية الى تدخل الدولة عن طريق الانفاق، لسَقط النظام بالفعل.

 كان الجميع ينتظر اليد الخفية، التي دعى اليها الكاتب ودعمه مجموعة من غير الاقتصاديين، ولكن بدون جدوى الى ان تدخلت الدولة وعالجت المشكلة..

بعض الناس، سواء أكان اقتصادي او مثقف غير اقتصادي، لديهم معلومات وافكار اقتصادية قديمة تعود الى بدايات تأسيس علم الاقتصاد عندما كان منظروا الاقتصاد يحرّمون تدخل الدولة...

أنا أسأل المؤمنين بعدم تدخل الاقتصاديين وادواتهم في الحياة الاقتصادية:

 هل هنالك بلد واحد ناجح ومتقدم اقتصادياً يترك اموره لليد الخفية؟

امريكا زعيمة العالم الحر عالجت التضخم وبحزم من خلال رفع سعر الفائدة الذي أصر عليه وبثبات رئيس الاحتياطي الفدرالي (الذي هو اقتصادي) ولم يستطع حتى الرئيس الامريكي ايقافه

او التدخل في قراراته.

ألم يسمع هؤلاء السادة بالاداة الضريبية (رفعاً او خفضاً) ودورها في دفع النمو؟

ألم يسمعوا بقرارات الرئيس ترامب وتدخله في فرض ضرائب كمركية وقيود استيراد لغرض تحفيز الاقتصاد الامريكي؟

ألم يسمعوا بمفهوم حزمة التحفيز الاقتصادي التي استخدمها الرئيس اوباما لمعالجة آثار ازمة العام ٢٠٠٨؟

وبعدها استخدمها بايدن لمعالجة آثار مرض كورونا؟

الا يعلمون ان لكل رئيس امريكي مجلس استشاري اقتصادي؟

الاقتصاد وإشاعة الثقافة الاقتصادية الجادة بين الجمهور وبين السياسيين، ليست لعبة للهواة وغير المختصين.

انه فوضى اضافية تضاف لماهو موجود بالفعل من كم هائل من الفوضى على كل صعيد.

اعتراضي الاساسي على صيغة التعميم بدل التخصيص وتحديد من هو المقصود التخصيص.

لو قال بعض الاقتصاديين

او قال في العراق

لكان الأمر مفهوماً، اما التعميم وكأنه يتحدث عن العالم، فذلك غير مقبول.

وحتى لو كان يتحدث عن العراق، فأن الدعوة للاعتماد على اليد الخفية التي جاء بها آدم سمث، غير صحيحة وغير مقبولة.

***

د. صلاح حزام

ورد في الأخبار أن الحكومة ستفتح سبعة أبواب جديدة في اتفاقية "الإطار الاستراتيجي" مع واشنطن وستنفذ مشروع أنبوب البصرة العقبة النفطي العبثي: حين قلنا قبل سنوات إن اتفاقية "الإطار الاستراتيجي" هي اتفاقية وصاية وارتهان استعماري يفرِّغ عملية انسحاب غالبية قوات الاحتلال الأميركية والغربية سنة 2011 من أي مضمون، ويهدر دماء مئات الآلاف من ضحايا الاحتلال الأميركي من العراقيين، حين قلنا ذلك سخر من كلامنا بعض المتذاكين - دع عنك الحلفاء الصرحاء للاحتلال- وقالوا إنكم تشككون بانسحاب قوات الاحتلال! واليوم، وبعد بدء واشنطن بتنفيذ أول ضغوطها ومضايقاتها لحكومة السوداني باستخدام الدولار التي أدت إلى فقدان جزء مهم من قيمة الدينار العراقي وخضوع الحكومة الإطار التنسيقي لإملاءات الجانب الأميركي بعد زيارة وزير الخارجية فؤاد حسين يتأكد بما لا يقبل الشك خطر اتفاقية "الإطار الاستراتيجي" على العراق وشعبه واستقلاله المنقوص أصلا وثرواته، وإليكم هذه الفقرات من تقرير إخباري حول زيارة وفد عراقي لواشنطن برئاسة فؤاد حسين تؤكد ما تقدم:

* ان "الوفد العراقي بقيادة فؤاد حسين الى واشنطن تمكن من الحصول على مهلة ثلاثة أشهر قابلة للتمديد قبل الدخول في نظام سويفت (وهو نظام تحويلات عالمي)، مقابل عدة شروط.

* المصادر المقربة من الإطار التنسيقي الذي يقود الحكومة قالت إن "العراق قدم مواقف مرنة بخصوص انبوب النفط الى العقبة كما جرت تفاهمات سابقة بشأن وقف قصف قوات التحالف". وهناك "تفاهمات حول مصير القوات الاميركية وزيادة الشراكة النفطية وفتح مجالات جديدة ضمن ما يعرف بـ الاتفاق الاستراتيجي" مع واشنطن.

*المستشار المالي للحكومة مظهر محمد صالح نفى "وجود تمديد للإجراءات الاميركية بخصوص تداول الدولار لمدة ثلاثة أشهر". وقال ان "العراق ملتزم 100% بتلك الشروط وليس أمامنا حل آخر غير الالتزام وتكثيف الحوارات". وأكد صالح أن "بغداد ستبقى مستمرة في التفاهمات وفتح جوانب أخرى من اتفاقية الإطار الاستراتيجي مع واشنطن".

*وأمس، قال محمد النجار مستشار الحكومة لشؤون الاستثمار بان العراق سيقوم بتفعيل "سبعة بنود غير مفعلة في الاتفاقية الستراتيجية" مع الولايات المتحدة. قوال النجار في تصريح للتلفزيون الرسمي ان زيارة الوفد الاخيرة الى واشنطن "تهدف لوضع أسس جديدة للتعاون مع الولايات المتحدة".

خلاصة القول هو أن الحكومة العراقية الحالية أو أية حكومة عراقية أخرى غيرها تطبق اتفاقية الإطار الاستراتيجي ولا تجرؤ على إلغائها أو على الأقل عرضها على التصويت الشعبي ليقول الشعب كلمته فيها، ستكون مرتهنة بالكامل للإرادة الأميركية "مع مراعاة نفوذ وتدخلات دول الجوار"، ومجبرة على خدمة مصالح تلك الدول وخاصة إيران وتركيا والأردن على حساب المصالح والثروات العراقية، وبهذا سيبقى العراق فاقدا للاستقلال منهوب الثروات محكوما بالفاسدين يراوح في موضعه باسم الوسطية الزائفة التي هي في جوهرها خضوع كامل لأمريكا والتدخلات الأجنبية، ولن يكون قادرا على حسم خياراته الاستراتيجية واتخاذ موقف في عصر الصراع العالمي الشديد بين الشرق الأوراسي بزعامة روسيا والصين والغرب الأميركي الأوروبي، في وقت تسعى دول كثيرة حتى تلك التابعة تقليديا لأميركا إلى فك ارتباطها معها والاقتراب من التحالف الدولي الأوراسي الشرقي، أو في الأقل تمانع وترفض الإملاءات الأميركية والغربية وتتخذ مواقف وإجراءات تقربها من المحور الشرقي وتحمي مصالحها من الضغوطات والابتزاز الغربي الأميركي! أما الحكومات العراقية المتوالية منذ 2005 فهي تتشبث بالمحور الغربي وتراوح في منطقة ملغومة بالكوارث باسم الوسطية الزائفة لإدامة بقاء الحماية والهيمنة الأميركية على العراق.

* لا سيادة ولا استقلال للعراق ولا مكافحة للفساد بوجود وتنفيذ اتفاقية الإطار الاستراتيجي مع دولة الاحتلال باسم حكومات التوافق والمشاركة في النهب باسم الطوائف!.

***

علاء اللامي

اللقاء الذي عقده وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، مع عدد من ممثلي وسائل الاعلام الغربية والعربية، بما فيهم كاتب هذه السطور، كان مهما للجميع، وعنوان هذا المقال أستمد أسمه من مقولة للوزير الروسي وهو يكاشف الاعلام الغربي بحقيقة مهمة للتعامل الغربي وازدواجيته " الصلفة " تجاه العديد من القضايا الدولية، وفي المقدمة منها التعامل مع روسيا، والتطرق لقضايا الساعة والمفهوم الجديد للسياسة الخارجية الروسية ومفهوم حرية التعبير في الدول الغربية

تجربتنا الإعلامية في روسيا والي تمتد لأكثر من 25 سنة، كشفت لنا وبشكل كبير، أن موسكو ومؤسساتها الحكومية المختلفة، ووزارة الخارجية على وجه الخصوص، ومنذ بداية العملية العسكرية الخاصة، هي أكثر إنفتاحا، على وسائل الإعلام، لعرض الحقائق كما هي، وفي المقدمة منها، العقوبات، والتي قال عنها الوزير الروسي، بأنها جزء من الحرب الهجينة الاقتصادية والثقافية والسياسية والعسكرية ضد بلاده، " و أنا على ثقة أن الصحفيين شأنهم شأن الدبلوماسيين يهتمون بالحقيقة والموضوعية ".

الحقائق والأدلة يجب أن تصل في نهاية المطاف إلى القارئ الذي يقع ضحية للتحليلات والتكهنات والاستنتاجات، ويجب علينا جميعا البحث عن الحقيقة، لذلك قامت وزارة الخارجية الروسية بتنظيم 60 رحلة خلال السنوات الثلاث الأخيرة، بواقع 20 رحلة في السنة، لنقل وجهة نظر البلاد، ورغبة روسية في التمييز عن الغربيين الذين يزعمون أنهم دعاة الديمقراطية، في الوقت الذي يحجبون فيه وسائل الإعلام الروسية، ويضعون الشارات على وسائل الإعلام التي يسمونها "مرتبطة بالكرملين" .

وقد بات هذا واضحا من خلال الهجوم على RT و"سبوتنيك" من قبل الغرب قبل 5 سنوات من بدء العملية العسكرية الخاص، وبدأ مجلس الاتحاد الأوروبي في وقت سابق عملية تعليق تراخيص البث للقنوات التلفزيونية الروسية NTV و REN TV و Rossiya 1 والقناة الأولى، بالإضافة إلى ذلك، فرض الاتحاد الأوروبي، كجزء من الحزمة التاسعة من القيود، عقوبات على منظمة غير ربحية مستقلة TV-Novosti، وهذا من وجهة النظر القانونية، فإن مثل هذا الخط بشأن إلغاء وسائل الإعلام الناطقة بالروسية، ينتهك بشكل صارخ الالتزامات التي تعهدت بها جميع الدول الغربية داخل منظمة الأمن والتعاون في أوروبا لضمان حرية وسائل الإعلام والوصول المتكافئ إلى المعلومات لجميع سكان منظمة الأمن والتعاون في أوروبا.

وترك الوزير الروسي في لقاءه الحكم للحاضرين في اللقاء، فالمفوض الأعلى للسياسة الخارجية والأمن جوزيب بوريل يؤكد إن حجب وسائل الإعلام الروسية بمثابة "الدفاع عن حرية التعبير "، ولكن وفق المبادئ التي ينادي فيها الغرب، فإن عملية حجب وسائل الإعلام الروسية تنتهك كافة القوانين التي تقرها منظمة الأمن والتعاون في أوروبا، كذلك فبعد أن أقدمت روسيا على أنشاء وسائل إعلام موضوعية وشفافة، كان ذلك بالنسبة لفرنسا وللأوروبيين أمرا غير مناسب، لأن خداع الجمهور أصبح العادة السائدة بالنسبة للمجتمع الأوروبي، لذلك وبحسب تعبير لافروف، " اليوم نرى نفس ما كان يحدث في الاتحاد السوفيتي، وما تنبأ به جورج أورويل، في حجب الرأي الآخر، يحدث في أوروبا " .

ما يفعله الغرب هو استهزاء بحرية الكلمة والتعبير، فبعد تصريح Highly Likely" " الشهير لتيريزا ماي، قام الغرب بطرد 150 دبلوماسيا روسيا من العواصم الغربية، ولا يريدون إجراء تحقيقات بشأن تفجير خط الأنابيب "السيل الشمالي"، ولنرى كيف ستتمكن سكرتارية الأمم المتحدة من إجراء التحقيقات استنادا إلى طلب إحدى الدول الأعضاء (روسيا)، خصوصا وان تقرير سيمور هيرش حول تفجير "السيل الشمالي" مبني على الحقائق، وهو "ما كنا نتوقعه منذ زمن طويل ولا نرى أي رد فعل من الغرب" بحسب قول الوزير لافروف . .

إن تفجير "السيل الشمالي"، بتأكيد روسيا، كان حل الغرب النهائي لقضية الغاز الألمانية، حتى لا تحاول برلين لعب دور مستقل، ولعب دور مستقل في المنظور التاريخي، وتنمو كقوة أوروبية رائدة، أولا وقبل كل شيء، بفضل مصادر الطاقة الروسية الموثوقة الرخيصة وبأسعار تنافسية تضمن نمو الاقتصاد الألماني، مثلما يحاولون الآن حل المسألة الروسية بشكل نهائي .

واستغرب الوزير الروسي من رفض السويد والدانمارك الكشف عن نتائج التحقيق في اعتداء "السيل الجنوبي"، وصمتهم منذ نصف عام، ومنذ سبتمبر، لم يرد السويديون ولا الدنماركيون على الرسائل الرسمية لرئيس الوزراء الروسي، الذي عرض بلباقة شديدة تعيين شخص ما، للتواصل معه لبحث ذلك، لأن الحادث وقع في مياه السويد والدنمارك الحصرية، وخطوط الأنابيب ملك لشركة روسية، وقال "أنا أعتبر أن هذه وقاحة، ولكن هذه الوقاحة تخفي الفشل الكامل لمحاولات التعتيم على مسؤولية الغرب المتكاتف بقيادة الولايات المتحدة عن التخريب وتنفيذ هذا العمل الإرهابي"، والاشارة إلى أنه إذا نُسب شيء مشابه إلى روسيا في ما يتعلق، على سبيل المثال، بخط أنابيب النفط "الكندي الأمريكي"، فلن يكون للصحفيين "وظيفة أخرى" وسيجبرونهم على الكتابة عن هذا فقط.

في الغرب أشاروا إلى الجمهورية العربية السورية، بعد مشاهد مصطنعة لـ"الخوذ البيضاء"، واعتبروها أساسا ليس فقط لإجراء تحقيقات وإنما لاستصدار قرارات من مجلس الأمن، والآن وبعد تحقيق سيمور هيرش، الذي تتوافق فيه كل الحقائق، يقول موظفو الأمم المتحدة إنه ليس لديهم أساسا يمكن الاستناد إليه لإجراء تحقيق، وذلك لان سيمور هيرش، ذكر السبب وهو عدم منح ألمانيا الفرصة للحصول على الغاز بشكل آمن ومستقر من هذه الأنابيب التي توفرها شركات روسيا للنمسا وألمانيا وإيطاليا، و إن ما يحدث الآن من وجهة نظر الوزير لافروف، هو أحد الأمثلة على "القواعد" بدلا من القوانين، والتي لا يهتم من يضعونها بالتداعيات التي تقع أضرارها حتى على حلفاء الولايات المتحدة الأمريكية، وإذا كان نيد برايس المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية يتحدث عن تقرير السيد سيمور هيرش بوصفه "هراء"، فهذا يعد مؤشرا عن العلاقة بحرية الإعلام والصحافة.

والغريب في الامر هو ذلك التناقض في التصرفات والفكر الغربي، فجميعنا قرأنا ما يقوله المستشار الألماني ووزيرة الخارجية الألمانية، دائما إن الغرب تمكن من تجاوز العقوبات الروسية، والسؤال هو عن أي عقوبات روسية يدور الحديث ؟ فروسيا كما اكد لافروف لم تفرض عقوبات، ولكن العكس هو ما حدث، فهناك فقط تقارير استعراضية حول "كيف تمكننا من الحصول على الغاز" دون ذكر الفرق (في الأسعار).

أن ما يحدث اليوم يحدث بمساعدة الاعلام الغربي، والذي كشف هو الاخر عن " ازدواجيته " في التعامل مع القضايا الدولية " والترويج لكذب سادته، فالولايات المتحدة وأقمارها الصناعية تشن حربًا هجينة شاملة ضد روسيا، والتي تم إعدادها لسنوات عديدة، باستخدام الراديكاليين الوطنيين الأوكرانيين ككبش فداء، والغرض من هذه الحرب ليس مخفيًا، ليس فقط هزيمة روسيا في ساحة المعركة، وتدمير اقتصادها، ولكن أيضًا لإحاطة بها بطوق صحي، و"تحويلنا إلى نوع من البلد المنبوذ "، بحسب تعبير الوزير الروسي.

***

بقلم الدكتور كريم المظفر

كتبت أستاذة التاريخ في جامعة يشيفا الأمريكية كتاباً حول هذا الموضوع المهم "العراق بين الحربين العالميتين / الأصول العسكرية للطغيان" بترجمة مهند طالب الحمدي، جمهورية العراق / وزارة الثقافة والسياحة والآثار ـ دار المأمون للترجمة والنشر بغداد ط1 2022

سيتصور القارىء للوهلة الأولى ـ  كما حدث مع كاتب هذه السطور ـ أن البحث مُختصٌ بحركة رشيد عالي الكيلاني 1941، أي أن الباحثة ستُسَلّط الضوء عليها لتخرج بنتيجة تُدينها وتكتشف "الأصول العسكرية للطغيان في العراق". لكن ما إن يبدأ القارىء بالكتاب حتى يتبين أن هذه النظرة كانت قاصرة وبشدة! فعمل سيمون إمتد بعيداً جداً، الى الربع الأخير من القرن التاسع عشر، أي العهد الحميدي "السلطان عبد الحميد"، فكان عملها "أركيولوجياً" بإمتياز. حفرٌ عميق في التعاون العثماني الألماني في المجال العسكري، وما أدى إليه هذا التعاون من زرعٍ للروح القومية الألمانية في نفوس الضُباط العراقيين عندما كانوا ضُباطاُ عثمانيين، وبعد أن أصبحوا ضمن المملكة العراقية الحديثة التي أسّسها البريطانيون في  عام 1921.

يُقال دائماً بأن 14 تموز 1958 هي من أسّست لتدخل العسكر في السياسة وفتحت المجال واسعاً أمام الضُباط لولوج حقل السياسة، وما نتج عنها من تسلطٍ عسكري وطغيان لم يشهده العراق سابقاً. ونحن بدورنا قد أثبتنا تهافت هذا الرأي في الكثير من كتاباتنا السابقة (1)، لكن سيمون اليوم قد جاءتنا بإكتشاف جديد ومُذهلٍ فعلاً. فتدخل العسكر ـ كما هو معلوم ـ في العمل السياسي قد خرج من رحم الملكية العراقية، إنقلاب الجنرال بكر صدقي في عام 1936 ضد حكومة ياسين الهاشمي، هو أول إنقلاب عسكري في العراق والمنطقة. لكن سيمون قد أضافت تفسيراً جديداً من خلال طرح سؤال مركزي في البحث:

لماذا بدأت مجموعة من ضباط الجيش الذين سيطروا على الحكومة العراقية في عام 1941 بشنّ حرب كارثية عقيمة ضد بريطانيا العظمى؟ ولماذا رفض هؤلاء الضُباط القيم الديمقراطية والليبرالية البريطانية وإتجهوا بدلاً من ذلك نحو ألمانيا العسكرية؟ ص9

وتُرَكّز سيمون كثيراً على التعليم (هو المفتاح لتحليل أسباب الإرتباط الألماني ـ العراقي في عام 1941، والذي يُعدّ في جوهره تتويجاً لعملية بدأت قبل الحرب العالمية الأولى) ص10

وهذا ما دفع ناشر الكتاب الى القول: (يتميز هذا الكتاب الذي تضعه دار المأمون للترجمة والنشر بين أيدي قُرّائها بأنه من الكتب النادرة التي تُخَصّص حيزاً مُهماً لدور التعليم في بناء الدولة العراقية وتأثيره في غرس الأفكار القومية وبالنتيجة التحكم بتوجهات الجيل الجديد وببوصلة توجهاته السياسية) ص6، وقد ركّزت سيمون بإسهاب على تجربة المربي الكبير الأستاذ ساطع الحصري في العراق وما نتج عنها لاحقاً.

تمتدّ جذور "الطغيان العسكري" بعيداً الى ما قبل تأسيس الدولة العراقية كما أسلفنا، بل إن هذا الطغيان سيمتدّ في المستقبل بعيداً أيضاً - وهذا ما يُحسب للتحليلات السيمونية بكل تأكيد -، الى توتاليتارية حزب البعث ودكتاتورية صدام حسين!

تحليلٌ عميق ونظرات بعيدة فعلاً، فالطغيان العسكري لم يُولَد في تموز 1958، بل كان موجوداً في الدولة العراقية الملكية، ويسير بصوتٍ عالٍ في ثلاثينيات القرن الماضي، وبصمتٍ وخنوعٍ في ما بعد 1941، الى أن كشف عن وجهه في 1958. وقد نقلت سيمون حادثة لها مغزىً كبير هنا:

أصبح الضُبّاط مع إقتراب نهاية الثلاثينيات بؤرة للإقتتال السياسي الداخلي، إذ كان رشيد عالي الكيلاني ونوري السعيد يُغدقان عليهم النبيذ والأكل والويسكي، ويتنافسان على الحصول على دعمهم السياسي ص133.

(ساسة الملكية الكِبار يُغازلون ضباط الجيش للحصول على دعمهم! فهل فعلاً كان الجيش بعيداً عن السياسة كما يُشاعُ غالباً من قِبَلِ الملكيين؟!)

غنيٌ عن القول بأننا لا نؤيد جميع ما أثبتته سيمون، وإلاّ فهي تنقل عن الإستخبارات البريطانية أن 95% من العراقيين مؤيدون لألمانيا في عام 1942 ص50، أي أن المشروع "الديمقراطي الليبرالي" البريطاني قد فشل في العراق! ولعمري فهذه إجابة على ما جاء في سؤالها المركزي المذكور أعلاه! وهو سبب مهم في الإتجاه لألمانيا، فعدو عدوي صديقي كما يقول المثل الذي ذكرته سيمون نفسها في ص9

***

بقلم: معاذ محمد رمضان

.....................

1- مثلاً مقالنا الموسوم: 14 تموز 1958 يوم خالدٌ في تاريخ العراق المعاصر، المنشور في هذه الصحيفة الموقرة بتاريخ 10 شباط 2023

 

المهووسون في السلطة في الجزائر من هم؟ وإلى أيّ تيّار ينتمون؟.. قراءة في كتاب

كثير من الثورات نالت اهتماما كبيرا لدى الباحثين الذين قاموا بتحليل نفسي اجتماعي للعملية الثورية ومدى استعداد الشعوب للموت من اجل قضيتهم العادلة التي كانت ولا تزال على المحك، تداولت فيها شعارات: " ارفع رأسك أنت مصري، ارفع راسك أنت عراقي، ارفع راسك أنت جزائري، تونسي، مغربي"، وقد اختصر هذا الشعار في "ارفع رأسك أنت عربي"، كانت التعبئة جماهيرية ضد الأنظمة القمعية ومواجهة آلتها الدكتاتورية كانت نقطة تحول جذري نحو التغيير الحقيقي.

كتاب مهووسون في السلطة لموريال ميراك وفايسباخ سلط الضوء على الأنظمة الاستبدادية العربية وكسف واجهت الشعوب العربية لهذه الأنظمة وكيف غيرت الأحداث والأفكار، هو كتاب يؤرخ للزعامات العربية التي كرست كل ما تستطيع تكريسه من أجل البقاء في الحكم وتسلطها لو بممارسة القمع والاستبداد، الكتاب صدرت طبعته الأولى سنة 2012 عن شركة المطبوعات للتوزيع والنشر لبنان وقام بالتدقيق اللغوي محمد زينو شومان وهو يحتوي على 137 صفحة دون حساب المراجع والفهرسة، ومقدمة في 13 صفحة كانت كافية للوقوف على الحقائق والأحداث دون الإطلاع على المضمون، الذي هو تحليل سايكولوجي لزعماء عاشوا ثوريات 2011، بيد أنه عبارة عن تحصيل حاصل للأحداث التي وقعت في الساحة العربية ونضال الشعوب من أجل تحقيق التغيير كذلك دور الزعماء ومواجهتهم للمعارضة المخالفة لسياسة النظام.

 وقد خص صاحب الكتاب أسماء اربعة زعماء عربية وهم: العقيد معمر القذافي، حسني مبارك، زين العابدين بن علي و علي عبد الله صالح، وخصص في كتابه فضلا حول الحاكن الصالح، وكما هو معلوم فمنظري الفكر السياسي عادة ما يستخدمون مفاهيم ومصطلحات محددة تخدم الفكرة المراد معالجتها كمفهوم (الزعيم والحاكم والقائد والرئيس) بعدما زالت مفاهيم كانت أكثر استعمالا في وقت مضى كاستعمال مفهوم (الإمبراطور)، ماعدا عبارة الملك والأمير لا تزال مستعملة في البلدان التي تتبع النظام الملكي كما نجده في المغرب والأردن مثلا، ولو أن مفهوم "الأمير" أعطيت له أبعادًا سياسية مخالفة، حيث يطلق هذا اللقب على الزعماء الذين يقودون الحركات الإسلامية المسلحة (داعش والقاعدة) ومن سار على نهجهما.

  الملاحظ أن صاحب الكتاب استثنى بعض الدول التي عاشت عربية وحروب أهلي قد تكون في عمقها أكثر من البلدان التي ذكرها الكاتب، لاسيما الجزائر التي عاشت أحداثا دموية وصل صداها إلى كل العالم منذ الربيع الأسود إلى غاية العشرية السوداء في 1990 وخلفت مآسي لم يندمل جرحها إلى اليوم، أراد المؤلف القول أن الحروب الأهلية التي استعمل فيها السلاح بين النظام والمعارضة اسبابها اقتصادية أكثر منها سياسية، وهذا يعني أنه يحاول إغفال جانب مهم جدا مما كان يدور في الساحة العربية وسبب وقوع هذه الحروب وهو الدعوة إلى بناء المشروع الإسلامي وتأسيس الدولة الإسلامية ومحاربة الفساد وإصلاح الشباب والعودة إلى الإسلام في ظل الصراع بين الحداثة والأصالة، أي أن الصراع ليس ديني ولا هو سياسي من اجل الحكم بل هو اقتصادي دفع بالشعوب إلى الانتفاضة تحت اسم ثورة الخبز، الأهم في هذه الحروب هو أن هناك من كانوا المستفيدين من هذه الحروب ومن فساد الأنظمة المستبدة واقتصاداتها التي تدار بأسلوب "المافيا" .

فمنذ قرون لم تكن هناك معارضة شرسة مثل التي شهدها القرن الواحد والعشرين بين المعارضة وما أطلق عليها بـ: "الدولة البوليسية". ومهما تنوعت هذه الثورات والحروب الأهلية وتلونت وتعدد اسماؤها (حركة كفاية، حركة البوعزيزي ثورة الياسمين، الثورة الخضراء,, وغيرها من الأسماء دون أن ننسى حركة بن غازي)، بما فيها الأحداث الدموية التي وقعت في الجزائر، كل هذه الحركات كانت ضد نظم مستبد، ففي الجزائر مثلا لم تقبل السلطة بفوز الجبهة الإسلامية للإنقاذ FIS في انتخابات 1990 وحدث الإنقلاب على الشرعية، ووقع الحصار على الجزب المحظور وتعرض قائده أو زعيمه الشيخ عباسي مدني إلى النفي ظلما وقهرا، فما حدث للفيس يؤهله لأن يدخل التاريخ كما دخل من قبله زعماء آخرون، ولعل لقاء روما الذي اشتهر بلقاء سانت إيجيديو لعقد الصلح وإصلاح ذات البين بين الفيس والنظام، شارك فيه قادة أحزاب سياسية معارضة وابرزهم المجاهد الوطني حسين آيت أحمد وأحزاب موالية للسلطة ومنهم حزب جبهة التحرير الوطني بقيادة المجاهد عبد الحميد مهري يعتبر التأشيرة (الفيزا) لدخول الفيس التاريخ من ابوابه الواسعة، باعتباره الحزب الوحيد الذي وتجه النظام المستبد وما يمتلكه من أجهزة الدولة البوليسية، إذ لا يزال اكثر من 160 سجينا سياسيا داخل القضبان الحديدة ولمدة تزيد عن 30 سنة.

والسؤال الذي يستوجب طرحه لماذا استثنيت الجزائر أو زعماؤها الذين كان بعضهم مهووسون بالسلطة؟ نعم لقد عرفت الدولة الجزائرية في مرحلة ما زعماء مهووسون بالسلطة، وأبرزهم الرئيس أحمد بن بلة والرئيس المخلوع عبد العزيز بوتفليقة، ودون الدخول في التفاصيل وكيف حاول بن بلة الإنقلاب على بومدين قبل وقوع التصحيح الثوري، وكيف حاول بوتفليقة أيضا أن يحوّل الجمهورية الجزائرية إلى ملكية خاصة هو وحاشيته، ويعتبر الرئيس المخلوع عبد العزيز بوتفليقة أول رئيس جزائري يبقى في الحكم أربع عهدات أي 20 سنة كاملة، وقد دفعته نرجسيته إلى الاعتقاد بأنه الزعيم الذي لا يأتي بعده زعيم، لولا الحراك الشعبي الذي خرج إلى الشوارع في مسيرات سلمية مطالبا برفض العهدة الخامسة ومحاربة الفساد، لاشك أن ما حدث من ثورات كان كافيا لإعطاء الدروس للأنظمة المستبدة، خاصة وأن هذه الثورات نالت اهتماما كبيرا لدى الباحثين الذين قاموا بتحليل نفسي اجتماعي للعملية الثورية ومدى استعداد الشعوب للموت من اجل قضيتهم العادلة التي كانت ولا تزال على المحك، تداولت فيها شعارات: " ارفع رأسك أنت مصري، ارفع راسك أنت عراقي، ارفع راسك أنت جزائري، تونسي، مغربي"، وقد اختصر هذا الشعار في "ارفع رأسك أنت عربي"، كانت التعبئة جماهيرية ضد الأنظمة القمعية ومواجهة آلتها الدكتاتورية كانت نقطة تحول جذري نحو التغيير الحقيقي.

حسبما جاء في الكتاب فقد وقف المؤلف أمام شخصيات نرجسية، حيث قام تحليله على النمط الفرويدي، وقال أن الشخصية النرجسية يتكرر وجودها لدى الشخصية السياسية والعسكرية وخصوصا أولئك الذين يرتقون إلى مراتب السلطة، والشخصية النرجسية حسبه تسعى إلى السلطة لإشباع حاجاتها المرضية، وجوهر النرجسية هو حب الذات والنرجسي يفرط عادة في المبالغة في تقدير نفسه وقدراته، ولطالما تحدث التاريخ عن صراع الزعامات، نذكر جزءًا مما جاء في مقدمة الكتاب وهي عبارات تولد الروح الثورية في قلب كال مواطن عربي لمجابهة الظلم والاستبداد، إذ يقول: " في الوقت الذي اخد محاربو الحرية في العالم أجمع يصفقون للثورة العرببة أخذت الأنظمة المستبدة تقاتل من أجل مجرد بقائها".

 ففي الوقت الذي كانت المعارضة وانظام في صدام عنيف كان الانتهازيون يستثمرون في هذا الصراع لنهب ثروات البلاد وفي ظرف وجيز استطاعوا أن يكونوا الثروة قدرت بالمليارات وضعوها في حسابات خارجية بدلا من أن يقوموا بالثورة إلى جانب إخوانهم، هي الخيانة العظمى، وهو ما جدث في الجزائر مثلا خلال انطلاق الحراك الشعبي حين أدرك الجيش الجزائري أنّ أيّ ثورة قد تجر خلفها حالات فوضى وهذا لا يخدم الوحدة الوطنية، فالجزائر مرت بتجربة قاسية خلال العشرية السوداء ولا ينبغي ان يتكرر السيناريو، فكان من الضروري النظر إلى الآفاق في إطار الامتثال للواقع ومعالجة الأمور بعقلانية ودون تهور، والسؤال الذي يفرض نفسه هل كان الفيس يرغب في السلطة إلى درجة الهوس؟ وماذا عن الرئيس الحالي؟ عل يفكر هو الآخر في البقاء في الحكم لعهدة ثانية وثالثة كما فعل من سبقوه، والسؤال الذي يلح على الطرح هو كالتالي: لماذا يرفض تبون الإفراج عن سجناء التسعينات؟ ولما لم يفصل في قانون لم الشمل الجزائري ولم يكشف عن بنوده وتفاصيله؟ تلك اسئلة الأيام وحدها كفيلة بالرد عليها.

***

علجية عيش بتصرف

عادة ما تُفسر ظاهرة الزلازل وغيرها من الكوارث الطبيعية كالفيضانات والبراكين والأعاصير تفسيران أساسيان. أحدهما ذو طبيعة دينية كما نجد على سبيل المثال لا الحصر في العقائد التوحيدية الثلاث: اليهودية، النصرانية والإسلام. فيما يتعلق بنظرة الدين الإسلامي إلى الكوارث الطبيعية، فيُفسر بعضها بكونها عقوبة إلهية، وهذا ما يسري على مجموعة من الأمم الغابرة التي ارتكبت الفواحش والمعاصي والآثام، وانحرفت عن جادة الحق متحدية رسالة التوحيد التي جاء بها مختلف الرسل والأنبياء، مثل أقوام نوح وعاد وثمود ولوط وغيرهم. وهناك شواهد متنوعة في القرآن الكريم تثبت هذا النمط من التفسير الديني. نقتصر هنا على الآية 13 من سورة يونس: {وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ وَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ}. وقد تشكل بعض الكوارث ابتلاء من الله سبحانه وتعالى للناس. كما يستفاد من الآية 35 من سورة الأنبياء: {وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ}. وتأتي كوارث أخرى لهدف تحذيري للإنسان، لعله يؤوب إلى طريق الرشد والحق؛{وَبَلَوْنَاهُمْ بِالحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} الأعراف، 168.

أما التفسير الثاني فهو علمي محض، كما تثبت علوم طبقات الأرض والزلازل، حيث الزلزال يعتبر ظاهرة طبيعية تحدث جراء اهتزازات أرضية ارتجاجية متتالية، وذلك نتيجة حركة الصفائح الصخرية في القشرة الأرضية. ويطلق على الزلزال الرئيس أو مركز الزلزال الصدمة الرئيسة أو البؤرة، وتتبع الصدمات الرئيسة دائما توابع الزلزال أو الهزات الارتدادية التي قد تستمر لأسابيع وشهور وحتى سنوات بعد الصدمة الرئيسة!

وإذا كان العلمانيون واللادينيون يركزون على التفسير العلمي فقط في استيعاب أسباب الكوارث الطبيعية عامة، والزلازل خاصة، فإننا نحن المسلمين نوفق بين هذين التفسيرين، حيث الزلازل ظاهرة طبيعية يمكن تفسيرها بشكل علمي وموضوعي في بعدها المادي الظاهري، غير أنها في الوقت نفسه تحتمل تفسيرا دينيا يربط أسباب وقوعها بالله سبحانه وتعالي بكونه خالق ومدبر كل شيء في الحياة والوجود؛ {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} القمر:49، وهو تفسير ما ورائي تعجز ملكات الإنسان وحواسه المادية عن إدراك حقيقته.

وقد يتساءل البعض عن سبب تناولي لموضوع الزلازل الذي لا يمت بصلة إلى تخصصي الفكري والأكاديمي، وقد يربط البعض الآخر ذلك بالزلزال الأخير المدمر والقاتل الذي شهدته تركيا وسوريا، وأودى بحياة أكثر من 36 ألف شخص؛ رحمهم الله تعالى وأحسن مثواهم وأدخلهم فسيج جناته.   

في الحقيقة، يمكن اعتبار الزلزال الأخير في تركيا وسوريا السبب الأولي الذي دعاني لكتابة هذه المقالة، لكن هناك في الوقت نفسه سبب أعمق منه جعلني أنظر في التفسيرات المتعلقة بالكوارث الطبيعية ودوافعها الطبيعية واللاهوتية، وأحيانا الخرافية التي كانت متداولة لدى الشعوب البدائية، وما زالت تحضر في عصرنا الحالي لدى البعض رغم التطور العلمي والتكنولوجي الذي حققه الإنسان.

بينما كنت أتصفح بعض أخبار ومشاهد الزلزال المرعبة الذي ضرب مناطق ومدن مهمة من تركيا وسوريا، وإذا بي أصادف أشرطة يقدم أصحابها هذا الزلزال على أنه مؤامرة غربية ضد تركيا، ويحاولون تبرير هذا الزعم الغريب بكل الطرق والحجج. ويدعى هؤلاء أن الغرب يستطيع التحكم في الموجات الكهروميغناطيسية، لكن هذا غير ممكن على مستوى عمق الأرض حيث تنشأ الحركات الزلزالية التكتونية، بل فقط على مستوى سطح الأرض، كما يؤكد خبراء الفيزياء والجيولوجيا.

وهناك من يزعم أن أوروبا كانت على علم بحدوث هذا الزلزال في تركيا، لذلك حذرت مواطينيها من السفر إلى هناك، لا أعرف من أين يأتي هؤلاء بهذه الأخبار، بينما غابت عمن يعيش في أوروبا!

وأكثر من ذلك، هناك من اعتبر أن تركيا تشكل خطرا على أوروبا والغرب، لأنها ضد الشذوذ الجنسي، وضد دمج الحشرات في المواد الغذائية، وأنها أصبحت قوة اقتصادية كبيرة في المنطقة، وتصنع الأسلحة، وغير ذلك من المبررات الواهية. لذلك فإن الغرب خطط لتدميرها، فما حدث في تركيا ليس زلزالا، بل إنه مؤامرة ضمن مخطط haarp، وهي نوع من الأسلحة الجيو- فيزيائية التكتونية، إنها أسلحة الدمار الشامل التي تستطيع أن تصنع أمطارا وعواصف وأعاصير وزلازل. وهكذا، فإن زلزال تركيا مفبرك ومخطط. لكن ماذا عن زلزال سوريا؟ ثم لماذا لم ترسل أوروبا وأمريكا هذا زلازلها إلى روسيا أو الصين أو كوريا الشمالية؟ أليس هذا التفسير قمة في الخرافة؟ أليس شر البلية ما يضحك؟

***

بقلم/ التجاني بولعوالي

ليس وحدنا من كان شاهد عيان على اكبر جريمة وحشية، شهدها العالم "الديمقراطي المتحضر"، الذي تقوده الولايات المتحدة الامريكية، بسياسة دموية، تفتقد الى ابسط شروط الإنسانية الحقة، والتي تضمن للإنسان العيش بأمن وسلام، بعيد عن الشعارات "الزائفة"، التي يرفعها العم سام، هنا وهناك، ولأغراض تتكشف كل يوم، تهدف الى السيطرة على مقدرات الشعوب وثرواتهم، حيث أستباحت أمريكا  الأرض، وعبثت بقدسية الوجود الإنساني، وشوهت خلقه، وتمردت على قانون دولي، وتتبجح بالدفاع عنه، وتضع نفسها كقوة نفاذ في تطبيقه، باعتبارها قوة عظمى في مجلس الأمن الدولي.

ففي فجر مثل هذا اليوم وقبل 32 عاما، ارتكبت الولايات المتحدة مجزرة مروعة ضد شعب العراقي  في سلسلة طويلة من جرائمها، في بلد الرافدين العريق بتاريخه وحضارته التي تسبق الولايات المتحدة بالألاف السنين، لتحول ملجأ العامرية في بغداد، وكان بداخله 408 شخصا، بينهم 52 طفلا ما دون سن الخامسة، و12 رضيعا، و261 من النسوة وآخرون من كبار السن، وحولة ملجأ العامرية  الى مسرح جريمة مخيف، حيث اختلطت أجساد الضحايا بركام " الملجأ "، وغطى جدرانه الدوم المخلوط بالدخان الأسود والأبيض، ولازالت اثاره حتى اليوم شاخصة للعيان .

لقد  وضعت الولايات المتحدة حدا لحياة هؤلاء الأبرياء،  تهمتهم أنهم لجأوا  الى هذا المكان  الذي يفترض أن يكون آمنا، إلا أن الولايات المتحدة قلبت كل المفاهيم وداست كل القوانين والأعراف الدولية، ولتبعث للعراقيين برسالة مفادها، أن واشنطن لن ترضى أن يكون في العراق في ذلك الوقت، أي مكان آمن يحتمي به الناس،  وهديتها للضحايا كانت قد حملتها  طائرة أمريكية من طراز "إف – 117"،  وهي عبارة عن  قنبلتين "ذكيتين" زنة الواحدة 2000 رطل، لتسجل الولايات المتحدة تحت انظار العالم الغربي " الحقير "،  الذي سكت " وطمطم"،  أبشع جريمة أخرى ضد البشرية .

وهنا اسمحوا لنا ان لا نتذكر جريمة " لجأ العامرية " وحدها، فهناك المئات من الجرائم التي ارتكبتها الدول أمريكا وحلفائها الغربيين في العراق، والتي أفقدت المواطن العراقي أي مكان آمنا في العراق، وجعلت بلده مسرحا لتجربة أسلحتهم الفتاكة، فالقنبلة الأولى التي اخترقت سقف " ملجأ العامرية "،  تعتبر الاحدث في ترسانة الجيش الأمريكي، واحدثت  فجوة، ونشرت الموت والدمار بداخله، أما القنبلة الثانية سقطت بعد أربعة دقائق، واخترقت الملجأ المحصن وأكملت المهمة بقتل ما تبقى من أحياء، وحولت القنبلتان النساء والأطفال والرجال إلى أشلاء مقطعة وجثث مهشمة ومتقطعة الاوصال في كل مكان في الملجأ.

وعندما يكون العذر اقبح من الفعل، فإنك كمن ينفخ في قربة " مزروفة "، فالحجة الامريكية  الغربية لهذه الجريمة، والتي دافعت بها الولايات المتحدة عن تلك ""المذبحة"، بانها اعتقدت أن الملجأ كان مركزا سريا للقيادة والسيطرة، واتهمت الرئيس العراقي حينها صدام حسين، بأنه يستخدم شعبه كدروع بشرية، في حين أن البنتاغون أقر بأن ملجا العامرية كان قد استخدم أثناء الحرب العراقية الإيرانية للدفاع المدني، ولم توجه الولايات المتحدة في ذلك الوقت أي تحذير بأنها تعتبر وضع الملجأ المدني المحمي، منتهيا!، وتصريح  أحد مسؤولي البيت الأبيض رد على الصحفي جيريمي بوين الذي تحدث عن هذه الجريمة قائلا في تلاعب مفضوح: "هل أنت متأكد تماما من أنه لم يكن مخبأً عسكريا؟، او تصريح المتحدث باسم البيت الأبيض في ذلك الوقت مارتن فيتزواتر، وأسلوبه  المثير للسخرية والخالي من أي منطق في الرد على المذبحة بقوله إن "صدام حسين لا يشاركنا قدسية الحياة البشرية"، والسؤال هو أي قدسية تجيز  لليانكي الأمريكي ذبح وقتل الشعوب لأرضاء " شهواته " الدموية "؟  قتل ما يقارب 250 ألف عراقي بدم بارد .

ويجمع الكثيرون في وصف على ما جرى  ويجري في العراق  ومنهم  رامزي كلارك، وزير العدل الأمريكي الأسبق الذي زار العراق، وما خلفته الحرب بعد 42 يوما من بدئها، بأنها "إبادة جماعية مخططة ومنهجية لسكان عزل"، فقد أستهدف الجيش الأمريكي، كل شيء أخضر ويابس، ثابت ومتحرك، في البر والجو والبحر، وحتى في الهواء، فقد استهدف محطات تحلية المياه، ومحطات الكهرباء، وأنظمة الصرف الصحي، والمستشفيات والمدارس والسكك الحديدية ومصافي النفط، والجسور والبنايات الحكومية، ومحطات الاتصالات الهاتفية والبدالات، وكل شيء يرتبط بخدمة الإنسان العراقي، وتحول العراق  الى هدف مشروع لضربات الجيش الأمريكي وقواته الجوية، بأستخدام الأسلحة المحرمة، والمشبعة باليورانيوم المنظب، والتي لازالت اثاره قائمة على الحياة في العراق حتى اليوم.

ومنذ اليوم الأول للحرب على العراق، استهدفت الولايات المتحدة إمدادات الكهرباء، وحرمت بذلك المستشفيات والمراكز الصحية من الكهرباء، وقطع المياه عنها، بعد ضرب مراكز التحلية للمياه، لتزيد من معاناة المراكز الصحية اكثر، وبالتالي اضطر الأطباء فيها الى إجراء العمليات الجراحية على ضوء الشموع فقط، في حين دمرت اللقاحات والدم بسبب الحر، بعد أن قصفوا المستشفيات والعيادات الصحية والملاجئ".

مخطئ من يقول، ان  صفحة مذبحة "ملجأ العامرية" قد طويت، و من دون أن يحاسب أي عسكري أمريكي على هذه الجريمة الحربية البشعة، فاليوم على العراق ان يجبر " أمريكا وحلفائها "،  بالاعتراف  بما ارتكبه قادة وجيش الاحتلال الأمريكي والغربي  من جرائم لا تغتفر، ضد العراق وشعبه، ولا يجوز  لأي أحد، وصف الجرائم البشعة بـ "الأخطاء"،  ووضع هذه  "المذبحة" في خانة "الخسائر الجانبية"، فهل يُعقل اعتبار قصف ملجأ العامرية، وحصار 13 عام، وتدمير البنى التحتية، واحتلال العراق، والقتل العشوائي للمواطنين الأبرياء أخطاءً؟

إن جريمة غزو العراق وملجأ العامرية، لن تسقط بالتقادم، فمازالت وقائعها حية، وآثارها التدميرية لم تمح بعد، وضحاياها شاهد حي، يحملون وثائق ودلائل الجرم المشهود، ومعاهدات القوانين الدولية تفرض العقاب المشرع على مرتكبيها، بعيدا عن الكيل بمكيال الدول الكبرى،  وجرائم  أمريكا  المتكررة في العراق وليبيا وسوريا، وغيرها من البلدان،  تخضع لصيغها العقابية، بانتظار الحكم النهائي غير القابل للاستئناف أو التمييز.

***

بقلم : الدكتور كريم المظفر

بمناسبة النقاش الدائر حول سعر الصرف

منذ بداية عملية التدهور المتسلسل في سعر صرف الدينار العراقي، ونحن نلاحظ ظهور العديد من المقالات والتحليلات من قبل عدد من المختصين المحترمين وهم يحاولون تفسير اسباب الظاهرة وتقديم اقتراحات ومعالجات.

الذي لفت نظري ان هذه الكتابات تتحدث عن مفهوم السوق الحرة في العراق وضرورة اتباع السياسات التي تتلائم مع طبيعة تلك السوق المفترضة.

البعض دعى الى احترام قانون العرض والطلب فيما يتعلق بالعملات الاجنبية، والبعض دعى الى اتباع سياسات نقدية اكثر ملائمة، وآخرين قالوا ان السوق يمكن ان يعدّل اوضاعه ذاتياً الخ....

آخرين قاربوا الموضوع بشكل اكثر واقعية عندما قالوا ان السماح بتدفق الاستيرادات من دولة مجاورة وهي ايران وبشكل شرعي وقانوني ولكن مع عدم السماح بتدفق قيمة تلك الاستيرادات بالعملة الصعبة الى ايران، هو سبب المشكلة.

وضع الاقتصاد العراقي خاص واستثنائي، وهو حالة غير محسومة بين رأسمالية الدولة وهيمنة الحكومة وبين سوق ناشئة غير مكتملة الاركان ولاتستطيع قوانين السوق الحرة النظرية ان تعمل فيها ...

 القوانين الاقتصادية لاتستطيع ان تعمل بحرية لانها يجب ان " تُرضي" اكثر من جهة واكثر من فكر واكثر من اجندة واكثر من ضغط واكثر من توجه، الخ ....

النتيجة، انه يتعذر الحديث عن سوق حرة وقوانينها..

والدليل على صحة ماتقدم، ان الحكومة عندما رفعت سعر صرف الدينار مقابل الدولار بقرار حكومي، اضطرت أيضاً الى استخدام الاجهزة الامنية للحد من التلاعب والمضاربات بالدولار .

يعني ان الادوات الاقتصادية الصرفة لاتكفي ويجب استخدام ادوات أخرى!! وهذا غير موجود في اقتصادات الاسواق الحرة مما ينفي صفة الاقتصاد الحر عن الاقتصاد العراقي..

لا اتوقع ان يساعد ذلك الاجراء الحكومي على تخفيض سعر الصرف بشكل دائمي او ان يساعد على سيادة سعر صرف واحد واختفاء السعر الموازي.

السبب هو ان الطلب على الدولار نقداً لايمكن التكهن به او تقدير حجمه لان وراءه قوى شبحية (كما اسماها الدكتور مهدي البناي في مقالته حول الموضوع قبل ايام).

من الذي يطلب الدولار؟ وكم يطلب؟ ومن هي الجهات المستفيدة؟ وكم تبلغ كمية الدنانير العراقية الجاهزة للاستبدال؟؟

انها ليست قوى اقتصادية بالضرورة، بل هنالك حكايات عن مؤامرات دولية واقليمية وغيرها، ولانعرف مدى صحتها او حجمها..

الحل المرحلي هو تجميد عمل مكاتب الصرافة وحصر تمويل الاستيرادات بالمصارف الحكومية او الاهلية المعتمدة، بدلاً عن مطاردتهم وملاحقتهم امنياً.

والاعتماد على قوائم الاستيرادات الاصولية المدققة لغرض تحويل مبالغ الاستيرادات. وبالتالي لاداعي لشكوى التجار من ارتفاع سعر الصرف لانهم يستطيعون الحصول على مايحتاجونه بالسعر الرسمي.

بعض التجار يفضلون التعامل مع مكاتب الصيرفة لتمويل استيراداتهم لكي لايضطروا للتعامل مع الجهاز الضريبي لتسوية ذممهم المالية كشرط للحصول على حق التحويل لغرض الاستيراد، والذي يقولون انه يعرضهم للابتزاز وتأخير المعاملات.

وهذا يعتبر سبباً وجيهاً لتركيز الحكومة على تطهير وتنظيم الجهاز الضريبي (إن استطاعت)..

الطلب الشخصي على الدولار لاغراض السفر او العلاج يمكن ان يتم تلبيته من خلال البنوك بعد ابراز مايثبت ذلك.

مايتسرب من مبالغ بسيطة متبقية لدى العائدين من السفر لن تشكل مبالغ اجمالية ذات اهمية ويمكن اهمالها.

(ولكن ذلك الحل المرحلي يستحيل تطبيقه من قبل الحكومة لاسباب عديدة).

لايمكن للحكومة الاستمرار في طرح الدولارات نقداً لاشباع الطلب النقدي على الدولار لانها لاتعرف كم هو حجم ذلك الطلب !!

كذلك فأن الولايات المتحدة تراقب الوضع وسوف توقف او تحد من المبالغ المسموح بارسالها الى العراق بالدولار..

المسألة ليست عراقية صرفة والحكومة والبنك المركزي ليست لها السيطرة الكاملة على المتغيرات.

***

د. صلاح حزام

هل سترمم البرجوازية السورية ما دمره الزلزال؟

تشير دراسات أنه طالما عبرت سوريا عن ضمير الوجود العربي كله ولخصت عصارة تجربة الأمة العربية منذ قرون بعيدة وتمكنت من أن تتجاوز كل المحن، فالدعوة العربية أيام الدولة العثمانية تزعمها ابناء الشّام ونخبته وعلى راسهم المفكر الحلبي عبد الرحمان الكواكبي ودعوته إلى الفكرة العربية، لا شك أن زلزال سوريا سيجعل حكامها والقادة السياسيين النظر في كثير من المواقف التي تبنتها الشعوب من اجل تحقيق الوحدة العربية بل القومية العربية، فسوريا اليوم في حاجة إلى كل السواعد العربية لنجدتها وإخراجها من أزمتها

لا تزال آثار الدمار الذي لحق بالشعب السوري إثر كارثة الزلزال التي حلت به ومقتل آلاف الأبرياء من النساء والأطفال والشيوخ، يحاول السوريون أن يتجاوزوا المحنة التي ألمت بهم ولعل لا يشعر بحجم الجرح إلا من عاش هذه الأحداث ولا شك أن الجزائر غير بعيدة عن الألم والوجع لكونها واجهت عدة زلازل وخسرت المئات من مواطنيها، ولذلك يشعر الجزائريون بالوجع السوري، فما حل بالشعب السوري ألم فوقه ألمٌ فهي لم تكن ذات يوم في منأى عن الخطر، كان نضالها موضوعا على الرفّ منذ فجر استقلالها، لكن التسميات فقط تتغير، تارة باسم القومية العربية وتارة أخرى باسم الثورة الديمقراطية والبرجوازية، هي في الواقع نوع من أنواع الانتهازية وأخطر انواعها هو المُقَنَّعُ منها، لم تستكمل سوريا تحررها الوطني المعنوي بعد فمن ثورة إلى ثورة وفي كل ثورة تجد بداخلها ثورة، ومن كارثة إلى أخرى أيضا، إذ نجدها تواجه العواصف تارة بشكل فردي وتارة بدعم جماعي، م تخرج سوريا من الحرب الأهلية حتى يستيقظ شعبها على دمار من نوع خاص، وهو اشد خطرا هكذا يقول منظري الثورات العربية.

الزلزال كارثة طبيعية وليس استعمارا، كارثة يستوجب الاستسلام لها بقلوب راضية بقضاء الله وقدره لأنه حتمية ولعل هذه الكارثة فيها خير، قد تستيقظ فيها الضمائر العربية وتتراجع فيها الأنظمة المستبدة عن مخططها التطبيعي لضرب القومية العربية، قد تعيد اللحمة بين الشعب السوري ونظامه، فيه ينقلب ميزان القوى لمصلحة الشعب، حسب المنظرين في الثورات العربية فقد عاشت سوريا على غرار بلدان عربية اخرى ثورات وصراعات غذتها الانتهازية فيما يسمى بالبرجوازية الوطنية التي كانت في مواجهة مع البرجوازية الكبيرة وكبار الملاكين ورجال الأعمال، لقد كانت الانقسامية في أبشع صورها، انقسمت فيها الجماعة إلى جماعات اختصر اسمها في عبارة "الطائفية"، كانت الأقلية تسعى إلى تجاوز حالة الاستبداد ليس في سوريا فقط، بل في كل ربوع الوطن العربي، وعلى غرار بعض الأنظمة العربية عرفت سوريا فئات سلطوية شهدت صراعات مع المستضعفين وهم الأقلية.

 في هذا الزلزال لا يوجد رابح وخاسر، كنا لا يوجد مستكبر ومستضعف فالكل في دهليز واحد بعد سقوط المباني وتراكم الردم، تحولت المباني إلى شبه مغارات تحتها مواطنون عالقون، منهم من مات ومنهم من يبحث عن منفذ للتنفس أو للنجاة، الذي يميز الشأن السوري عن بقية الشعوب هو أن مثقفيها لا زلوا يحملون لواء الثقافة البرجوازية ويريدون إدماجها في ثقافة الإقطاع، وهم بذلك يعتبرون حلفاء لأي استعمار,.

الواضح أن كل شيئ مبني على الاقتصاد والثروة، وبدون الثروة لا يمكن تحقيق السيادة الكاملة، ولا شك أن هذ الزلزال خيب آمال البرجوازية السورية، التي هي مطالبة اليوم باستعادة ما خسرته في هذه الكارثة، في هذا الجانب يقول محللون أن الحكومة السورية في ظل هذه الكارثة تحتاج إلى معجزة كمعجزة إرهارد،الذي يعتبر أب المعجزة الاقتصادية في المانيا، والذي مكن ألمانيا من الخروج من أزمتها بعد الحرب، ما يجعلها تفتح الباب على مصراعيه للبرجوازية كما فتحته في مشروع اللاذقية، رغم أنها لم تكن يوما مثل بعض الدول (بقرة حلوب)، فإذا كانت سوريا تعاني منذ الطرابلسي وخالد العظم من العجز في القطاع الإقطاعي وحتى في عهد حافظ الأسد في ظل الحرب الطائفية القائمة بين السُنّة والشيعة،، فهي تعاني اكثر بعد الكارثة الطبيعية التي حلت بها، وكما يقال، لكل حُكْمٍ اسراره ولكل رجلٍ دوره، ولكل زعيم عقدته السياسية.

 فالطائفية جعلت من سوريا لغما اثر سلبا على ولادة الوحدة السورية بل اثر سلبا على تطور القومية العربية التي لم يعد لها حديث في زمن الحراك والثورات، وإيمانها المشترك بضرورة النضال المشترك ضد الاستعمار وإسرائيل ايام الحشود التركية، إن التجربة الحزبية في سوريا عرفت نجاحا كبيرا على كل المستويات بالمقارنة مع التجربة الحزبية في البلدان العربية الأخرى كالجزائر، فقد تميزت التعددية الحزبية في سوريا بالوعي النضالي والنضج السياسي، فكانت تجربة غنية ومتقدمة، فالأحزاب في سوريا كانت لها سمات الحياة الحزبية ومقامها من مثل حزب العث العربي الاشتراكي، الحزب الشيوعي والحزب القومي الاجتماعي، إلى جانب أحزاب تقليدية كالحزب الوطني وحزب الشعب ونجحت هذه الأحزاب في تحرير سوريا من الاستعمار وفي بنائها بعد الاستقلال، لأنها كانت تستند في نشاطها إلى إيديولوجية واضحة، لولا الحرب الطائفية التي زعزعت كيانها وجعلت الطليعة السورية غير قادرة على مواجهة الواقع وشهدت الساحة نوعا من التوتر السياسي خاصة مع ظهور كتاب عبد الحليم خدام وكشفه عن من وراء اغتيار رفيق الحريري.

ما يمكن قوله هو أن سوريا عاشت عدّة زلازل سياسية دون أن تتأثر بها تأثرا عميقا، إلا أن زلزال 2023 كلفها النفس والنفيس، وجعلها على باب الإفلاس الاجتماعي والاقتصادي، ولا شك أن هذا الزلزال سيعيد اللحمة بين الشعب السوري ويجعله اكثر تضامنا ووحدة، من خلاله يضع حدا لكل الصراعات والخلافات السياسية والمذهبية، والسؤال هنا موجه للبرجوازية السورية بدرجة أولى: هل تستطيع البرجوازية السورية ترميم ما دمّره الزلزال؟ أم أنها ستُبْقِي تحالفها مع الأجنبي لاسيما وهذا التحالف سيجعل لا محالة الإصلاح مستحيلا، وبالتالي فهي في حاجة إلى إعادة نظر في المواقف السياسية، هي تساؤلات طرحها منظرون سياسيون وهم يقفون على مواقف الساسة السوريين والعودة إلى الماضي العربي العريق.

***

قراءة علجية عيش

رغم التكتم الغربي الكبير على التحقيقات، التي من المفترض أن تكون قد توصلت لجان التحقيق المشكلة في ألمانيا والسويد و الدنمارك، إلى المتهم الرئيس في عملية تفجير خطوط نقل الغاز الروسي   (نورد ستريم 1 و 2) من روسيا الى المانيا، والتي وقعت في سبتمبر من العام 2022 ، والذي وصفته صحيفة نيويورك تايمز "باللغز"، إلا أن صحفيا أمريكيا وحده من وجه أصابع الاتهام المباشرة في عملية التفجير الى الولايات المتحدة الأمريكية، ليهتز عرش بيتها الابيض .

وتحدث الصحفي الأمريكي سيمور هيرش، الحائز جائزة بوليتزر، المعروف بمنشوراته عن الجرائم الأمريكية في فيتنام وفي حروب الشرق الأوسط، وخاصة فضيحة التعذيب في سجن أبو غريب العراقي، والذي تمكن من الحصول على معلومات حول العملية، من مصدر لم يذكر اسمه كان متورطا بشكل مباشر في الإعداد لها على حد تعبيره، عن قيام الولايات المتحدة بعملية بحرية ظلت طي الكتمان، ووجه الاتهام نحو واشنطن بالوقوف وراء تنظيم هجمات على خطوط أنابيب "السيل الشمالي1 و2".

وقال الصحفي الأمريكي " قام غواصون في البحرية يعملون تحت غطاء مناورات الناتو BALTOPS 22 التي حظيت بتغطية إعلامية كبيرة في منتصف الصيف بزرع عبوات ناسفة يتم تفعيلها عن بعد، والتي دمرت ثلاثة من أربعة خطوط أنابيب الغاز الطبيعي نورد ستريم "، فيما قام النرويجيون بتفعيلها"، موضحا في الوقت نفسه، أن "طائرة تابعة للبحرية النرويجية أسقطت عوامة "سونار" في 26 سبتمبر الماضي لتفعيل المتفجرات"، وخلص هيرش، في تقرير مفصل نشره حول العملية السرية، ان قرار بايدن بالتخلص من خطوط الأنابيب، جاء بعد أكثر من تسعة أشهر من المناقشات بالغة السرية داخل مجتمع الأمن القومي في واشنطن، حول أفضل السبل لتحقيق هذا الهدف، وفي معظم هذا الوقت، لم يكن الأمر يتعلق بتنفيذ المهمة، ولكن السؤال حول من يجب أن يعهد إليها، وأشار إلى أن الموضوع الرئيسي الساخن للمناقشات كان ضرورة عدم ترك أدلة تشير إلى منفذي التفجيرات.

ورغم مطالبات عدد من البرلمانيين الأوربيين ومنهم ساندرا بيريرا البرتغالية، عضو البرلمان الأوروبي، من المفوضية الأوروبية، تقديم معلومات عن ما وصل إليه التحقيق في حادث التفجير الذي طال أنابيب الغاز "السيل الشمالي 1 و2، ولم تستبعد ألمانيا و الدنمارك والسويد أن تكون عملية التخريب "مستهدفة" وبفعل فاعل، إلا أن المستشار الألماني أولاف شولتس، كان مضطرا للتبرؤ من إخفاء برلين لبيانات تتعلق بإنفجارات خط أنابيب "التيار الشمالي"، وهو الأمر الذي شخصته وزارة الخارجية الروسية بوضوح، وأشارت فيه إلى أن المرء يخرج بانطباع مفاده بأن السلطات الألمانية، لديها ما تخفيه فيما يتعلق بتلك الإنفجارات، إلا أن ممثلة مجلس الوزراء الألماني كريستيان هوفمان، تؤكد إن ألمانيا ليس لديها معطيات، أو تأكيد إستنتاجات الصحفي الأمريكي سيمور هيرش بشأن تفجيرات خطوط أنابيب "السيل الشمالي".

البيت الأبيض أهتز للمعلومات التي قدمها الصحفي الأمريكي هيرش، ورفض وبصورة قاطعة، المعلومات التي قالت إن عبوات ناسفة تحت خطوط "السيل الشمالي 2" تم زرعها في يونيو الماضي بغطاء تدريبات "بلوبس 22" الّتي نفّذها غواصو البحرية الأمريكية.، وشدد على ان "هذه كذبة مفبركة وخرافة كاملة"، في وقت كان المتحدث باسم الخارجية الأمريكية، قد أكد أن واشنطن تعتبر أي افتراضات بتورط الجانب الأمريكي في تفجيرات "السيل الشمالي"، لا أساس لها من الصحة، وستدعم تحقيق الدول الأوروبية في الحادث "وإن أي تلميح بتورط الولايات المتحدة في الأمر، لا أساس له على الاطلاق"، كما زعم أن روسيا "لديها تاريخ طويل في نشر المعلومات المضللة وتقوم بذلك مرة أخرى هنا".

روسيا التي لم تفاجأ بتقرير الصحفي الأمريكي، حذر نائب وزير الخارجية سيرغي ريابكوف فيها، من العواقب التي ستلحق بواشنطن بعد نتيجة تحقيق سيمور هيرش بشأن تفجير خط أنابيب "السيل الشمالي"، وقال إن تحقيق الصحفي سيمور هيرش، أكد " ما نعرفه وليس لدينا أي شك مطلقا به من أن الولايات المتحدة وربما دول (الناتو) الأخرى، متورطة في هذا العمل التخريبي البشع"، فيما دعا الكرملين إلى تحقيق دولي مفتوح ومعاقبة المسؤولين" مشيرا إلى أن تحقيق الصحفي المعروف لم يلق تداولا واسعا في الغرب، وهذا أمر "مفاجئ" على حد تعبيره.

روسيا التي درست بعمق ما نشره الصحفي الأمريكي، لم تفاجأ باستنتاجات الصحفي سيمور هيرش بشأن تورط النرويج في تفجيرات خط أنابيب الغاز "السيل الشمالي، وأشارت المتحدثة بأسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا إلى أن أوسلو، في سياساتها الخارجية، بما في ذلك في العلاقات مع روسيا، تتبع بلا شك خط الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي، وإن سلطات دول الشمال ليست مهتمة بتحديد الجناة الحقيقيين للهجمات الإرهابية على "السيل الشمالي"، وشددت على أن روسيا عرضت أكثر من مرة على سلطات الدنمارك والسويد، بما في ذلك من خلال رسائل من رئيس الوزراء ميخائيل ميشوستين، المساعدة في التحقيق في هذه الهجمات الإرهابية، وقالت "إلا أن تلك الطلبات من المدعي العام لاقت الرفض من الإدارات المعنية في تلك البلدان"، ومن الواضح أن سلطاتها غير مهتمة بإثبات الجناة الحقيقيين لما حدث، بل إنهم مهتمون، فيما يبدو، بالعكس، بإخفاء البيانات والحقائق والأدلة.

ومن الواضح أن جميع الحقائق المذكورة أعلاه يجب أن تخضع لتحقيق دولي، وفي الوقت نفسه، لا يمكن للمرء أن يعتمد على الموقف غير المتحيز للسلطات النرويجية أو استعدادها للتعاون البناء في هذا الشأن، وتنطلق روسيا من حقيقة أن تحقيقا شاملا ومفتوحا فقط بمشاركة إلزامية من الوكالات الروسية المختصة وشركة (غازبروم) هو القادر على تزويد الجمهور ببيانات موثوقة وموضوعية عن أسباب ومرتكبي وعملاء التخريب".

وأمام الصمت الغربي، الذي لم يعلق سواء بالتأكيد أو النفي حول المعلومات التي وردت في تقرير الصحفي هيرش، إلا الصين، التي طالبت المتحدثة الرسمية باسم وزارة الخارجية الصينية ماو نينغ، بأنه يجب محاسبة الولايات المتحدة الأمريكية إذا ما ثبت تورطها في تفجيرات خط أنابيب "السيل الشمالي"، و "يجب محاسبة مثل هذه الأفعال"، والإشارة في الوقت نفسه إلى أنه إذا ما تم تأكيد ضلوع الولايات المتحدة الأمريكية بذلك، فإن واشنطن ملزمة "بتقديم تفسيرات مسؤولة للعالم"، مشددة على أن الانفجارات في "السيل الشمالي" كان لها "تأثير سلبي للغاية على البيئة العالمية وعلى السوق العالمية للطاقة".

لقد كان نورد ستريم 1 خطيرًا بما فيه الكفاية، وفقًا لحلف شمال الأطلسي وواشنطن، وان نورد ستريم 2، إذا تمت الموافقة عليه من قبل المنظمين الألمان، سيضاعف كمية الغاز الرخيص المتاحة لألمانيا وأوروبا الغربية، وكانت واشنطن تخشى أن تكون دولًا مثل ألمانيا غير مستعدة لتزويد أوكرانيا بالمال والأسلحة اللازمة لهزيمة روسيا، وفوض بايدن جيك سوليفان (مستشار الأمن القومي) لتجميع مجموعة مشتركة بين الوكالات لوضع خطة، ووفقًا لمصدر على دراية مباشرة بالعملية، أصبح من الواضح للمشاركين أن سوليفان، من بين أمور أخرى، أراد من المجموعة تطوير خطة لتدمير خطي أنابيب الغاز نورد ستريم، وأن هذا كان رغبة بايدن، وكانت النرويج المكان المثالي لاستضافة البعثة، فالقائد الأعلى لحلف الناتو هو ينس ستولتنبيرغ، وهو مناهض قوي للشيوعية خدم ثماني سنوات كرئيس لوزراء النرويج، لقد كان متشددًا في كل ما يتعلق ببوتين وروسيا، وقال المصدر "إنه القفاز الذي يناسب اليد الأمريكية"، بالإضافة إلى إن النرويجيين يكرهون الروس، والبحرية النرويجية مليئة بالبحارة والغواصين الممتازين، يمكن للمرء أن يأمل في إبقاء المهمة سرية، لأن لديهم دافعًا إضافيًا: في حالة تدمير نورد ستريم، يمكن للنرويج بيع غازها بسعر أعلى بكثير.

وفي 26 سبتمبر 2022، قامت طائرة استطلاع تابعة للبحرية النرويجية P8 برحلة روتينية على ما يبدو وأسقطت عوامة سونار، وانتشرت الإشارة تحت الماء، أولاً إلى Nord Stream 2 ثم إلى Nord Stream 1، وبعد ساعات قليلة، تم تفجير عبوة ناسفة قوية من طراز C4، وتم تعطيل ثلاثة من خطوط الأنابيب الأربعة ..

تورط الولايات المتحدة في تقويض نورد ستريم، بأنه سر أدركه أي شخص عاقل في البداية، ولاحظ الألمان أن الغرب لم يتمكن من إلقاء اللوم على روسيا في أعمال التخريب، وبدأت الحقيقة تتكشف تدريجياً، ويتساءل الروس كيف سيكون رد فعل برلين على التحقيق؟، وهل تستمر حكومة أولاف شولتز في "الجلوس والصمت" والتضحية بالمصالح الوطنية لإرضاء واشنطن؟، التي كذبت مرات، وآخرها في العراق، لم يعد من الممكن الوثوق به.

***

بقلم : الدكتور كريم المظفر

ثورة مصدق 1953م وعملية اجاكس الامريكية

جاءت ثورة (محمد مصدق) نتيجة لتدهور الأوضاع الاقتصادية والسياسية في إيران الراضخة تحت عرش (الشاه محمد رضا بهلوي) ومحاولاته الفاشلة لإعادة استقرار البلاد ورفع القيود الخارجية عنها، التي لم تكن وليدة اللحظة؛ بل نتيجة تراكم الأخطاء في السياسة الداخلية والخارجية وتعامله مع الأقليات والأحزاب، إلى جانب سياسته الخارجية مع الحلفاء، كل ذلك سرَّع في قيام ثورة مصدق بعد تولي (محمد رضا) العرش. بعد أن خُلع والده (رضا شاه)، من قبل الاحتلال السوفيتي والبريطاني مما رسَّخ لديه كراهية عميقة تجاههما وجعلته يبحث عن سند قوى يساعده في تحقيق إنجازاته وطموحاته وسيطرته الكاملة على شؤون دولته خارجياًّ وداخلياًّ. بالإضافة إلى أن وجود أقليات داخلية بإيران مثل الفرس الذين يعدون أنفسهم الحماة الحقيقيين لإيران ويشكلون نصف سكانها بالإضافة إلى إثنى عشر مليون كردي يقطنون أذربيجان، أغلبهم من المسلمين (السنة) وإحساسهم بأن الحكومة تهدد بقاءهم كعرق ولغة ثانية مختلفة، مما جعلهم يتمردون على السلطة المركزية في طهران، بجانب أربعمائة عشيرة من البدو الرُحَّل المقيمين في المناطق النائية في إيران وغالبيتهم مسلمون، ومليون من البلوش القاطنين شمال إيران وسبعمائة ألف من قبائل اللور، ومليون من البختياريين وهم يعيشون شمال ووسط جبال زاجروس وهم من المسلمين الشيعة.

بالإضافة إلى التركمان الذين يسكنون الشاطئ الشرقي لبحر قزوين وهم سُنَّة ويتكلمون اللغة التركية، بجانب وصول نصف مليون عربي يتمركزون في شمال شرق خوزستان، ويشكل المازنانيون والكيلانيون نصف مليون مواطن يسكنون ساحل بحر قزوين، بالإضافة إلى الأقليات من اليهود والبهائيين والزرادشت والسريانيين والمسيحيين والأرمن، جميعهم عانوا من تجاهل الحكومة لمطالبهم وإهمال المجتمع الإيراني لثقافتهم، فالأقليات والأعراق ظلت تعاني متاعب عديدة منشأها الحكومة البهلوية بسبب فرضها اللغة والثقافة الفارسية عليهم.

لهذه الأسباب عمل (محمد رضا) على بناء جيش قوي يساعده على فرض تماسك الدولة ووحدة، الأمة بالإضافة إلى أهمية المؤسسة العسكرية التقليدية في حماية العرش ومنع استغلال البلاد من الطامعين.

كما عمل الشاه (محمد رضا) فترة مهادنة ظاهرية بين قوى الاحتلال وبينه وبين عناصر الحركة الوطنية الموجهة ضد الاحتلال من ناحية أخرى، محاولاً بذلك احتواء المد الشعبي والظهور بمظهر المؤازرة للحركة النضالية ضد الاستعمار. ولتأكيد مؤازرته الحركة الوطنية أصدر (محمد رضا) عفواً عامّاً عن المسجونين السياسيين الذين ساعدوا على تكوين حزب (توده) الشيوعي بعد ذلك، والذي أسسه اثنان وخمسون من المفرج عنهم، حيث أصبح من أكبر الأحزاب السياسية في إيران بفترة الأربعينات وما بعدها.

إذ يُعد حزب (توده) استمراراً للحزب الشيوعي الإيراني الذي انبثق هو الآخر عن حزب العدالة (عدالت) الذي تأسس في1917م في باكو، وقد عقد الحزب الشيوعي أولى اجتماعاته في (22 /يونيو/1920م)، ونتيجة لاضطهاد (رضا شاه) لهم اضطر الحزب إلى العمل السري. في 1937م وجه (رضا شاه) ضربة قوية إلى الحزب عندما ألقت الشرطة السرية الإيرانية القبض على (تقي آراني) أحد أبرز الزعماء الشيوعيين مع (53) من أتباعه، وصدرت ضدهم أحكام بالسجن تتراوح بين (3-10) سنوات. وقد توفي (آراني) في السجن سنة 1940م، ثم أطلق سراح كل المجموعة بعد الغزو البريطاني- السوفيتي لإيران في أغسطس/1941م، وسرعان ما قامت هذه المجموعة بجمع مؤيدين للأفكار الشيوعية وأعلنت في (29/سبتمبر/1941م)، أي بعد مرور13 يوماً على تنازل (رضا شاه)، عن تشكيل حزب سُمي (حزب توده إيران- حزب الجماهير الإيرانية) بقيادة (سليمان ميرزا اسكندري) وقد عقد الحزب أولى مؤتمراته في 9 أكتوبر1941م.

كما عمل على كسب الشارع والعمال والمناهضين للمبادئ الشيوعية المتناقضة مع الإسلام؛ لهذا حرصت زعامات الحزب على إخفاء توجهها الشيوعي لفترة واكتسبوا رضا صغار موظفي الدولة والطلاب ورجال الفكر والنخبة المثقفة، وكان برنامجهم مناسب لمطالب شرائح عريضة من فقراء الشعب الإيراني.

وبقى الحزب على هذا المنوال حتى تم انفصال أذربيجان سياسياًّ عن إيران لمدة أربع سنوات، وبعد أن نجحت الدولة في استعادة الإقليم عام 1946م اكتشف الشعب حقيقة أعضاء الحزب الموالين للشيوعية، حينها عادت عناصر الحزب للعمل السري إلى أن فجرت محاولة اغتيال الشاه (محمد رضا)عام1949م ( ) بجامعة طهران، عندها وجهت الحكومة الاتهام لحزب (توده) ومن ثمَّ كان إغلاق الحزب والتنكيل بأعضائه وإحالتهم إلى المحاكمة العسكرية ( ). فأصبحت فرصة (محمد رضا) مناسبة لإنشاء دولة ينفرد فيها بالحكم المباشر، ولا تقوم على حق المعارضة بكل أنواعها، بحيث تصبح الدولة جميعها تخضع لإدارته المباشرة. خصوصاً بعد خيانته وكراهيته للبرلمان الذي كان يملك صلاحيات تفوق صلاحيات (محمد رضا) مثل اختيار الوزراء وحق الموافقة على إنشاء الأحزاب والاتحادات والجمعيات الفئوية والنقابية، في حين كان يشرف (محمد رضا) على شؤون الدولة العامة والجيش و (السافاك) فقط.

وقد لعبت الولايات المتحدة دوراً أساسياً في تشجيع (الشاه) على الانفراد بالسلطة حيث اقتنص فرصة محاولة اغتياله الفاشلة في (4/فبراير/1949م) للاحتفال بذكرى تأسيس جامعة طهران والتي أصيب فيها بيده وكتفه فقط، بعد أن قام الحرس الخاص به، بقتل الصحفي الذي نفذ عملية الاغتيال، مما أغضب (الشاه) على مقتله نظراً لرغبته في معرفة الدوافع الحقيقية من وراء المحاولة ومن ثم اتهم (الشاه) ورجال البلاط حزب توده الشيوعي بتدبير محاولة الاغتيال وصمموا على اقتلاع جذوره.

وبناء على ما سبق عمل الشاه (محمد رضا بهلوي) على تأسيس جمعية جديدة، منح بموجبها الحق في حل البرلمان بإجماع الأصوات، ونجح الشاه في تأسيس مجلس للنواب جديد يعين نصفه من أعوانه المقربين، وأصبح بموجبه له حق استرداد جميع الإقطاعيات والأراضي التي سبق أن صادرها والده من الشعب، كما أصدر قراراً باعتبار محاولة القتل محاولة انقلاب ضد العرش تستوجب الشنق، للرد على المعارضة الإيرانية.

فكان الرد من المعارضة وخصوصا مجموعة (مصدق) أن رفضت كل القرارات الملكية، وانضم إلى المعارضة التجار والأعيان وعلماء الدين ومجموعات من الليبراليين والأحزاب الاشتراكية الديمقراطية الذين كونوا (الجبهة الوطنية) التي بدأت أعمالها بالمطالبة بإجراء انتخابات حرة ونادت بحرية الصحافة، وإنهاء الأحكام العرفية وتنفيذ القانون طبقاً للدستور، وكانت من أهم مطالبهم تأميم شركة البترول الإنجليزية الإيرانية بهدف الاستفادة من ثروات إيران النفطية، بحيث يستفيد منها جموع الشعب الإيراني دون بريطانيا وشركاتها.

ومع مطلع عام 1950م لقيت (الجبهة الوطنية) تأييداً كبيراً من مختلف طبقات الشعب وطلائعه وشرائحه المختلفة وضمت بصفوفها الشرائح المختلفة المتنوعة من المجتمع الإيراني وعلى رأسها (آية الله الكاشاني) وآخرين من الحوزة العلمية في قم، وأصبحت (الجبهة الوطنية) المنبر الأساس المعبِّر عن أهدافهم.

وقد نظمت مظاهرات شعبية ضخمة وخصوصاً إضرابات عمال الزيت بتحريض من حزب (توده) كل ذلك أقلق الشاه مما اضطره لتعيين (مصدق) رئيساً للوزراء في مايو1951م، وكان يسعى إلى استغلاله في تحقيق أهدافه بامتصاص غضب الجماهير الملتفة حوله بعد أن عمت الفوضى جميع أرجاء الدولة وأصبحت تهدد المجتمع ككل.

فأراد (مصدق) الاستعانة بالحزب الشيوعي لاستمالة جماهير (حزب توده) إلى جانبه ولم يكن هدفه إحلال السوفييت محل البريطانيين في احتكار البترول الإيراني كما توهم أعضاء توده أو كما تصور الأمريكان، ولقد ازدادت مخاوفهم من نفوذ مصدق الذي اتسع بعد تأميم البترول الإيراني، كما أكد مخاوف المخابرات الأمريكية، وقد أنذرت (مصدق) بتجميد معوناتها لإيران إذا لم يقدم التسويات البترولية المعقولة، وحماية مصالحهم أمام النفوذ الشيوعي المتزايد بفعل تعاونه مع الحزب الشيوعي الإيراني، ولم يستجب (مصدق) لذلك بل كشف عن تعاونه مع حزب (توده) ليضمن تأييد السوفييت له، وأفرج عن المعتقلين السياسيين، وحاول التأثير على مجريات المحاكمات ضد الشيوعيين لتبرئة ساحتهم، ورفض التصرف كأمان للشاه، ثم بدأ في توجيه اتهاماته لرجال البلاط بأنهم يتدخلون في شؤون الدولة السياسية.

وبدأت كلُّ من أمريكا وبريطانيا باتخاذ موقف سلبي من (مصدق)، فهما المتضرر من تأميم النفط الإيراني، كما بدأت الحملات الإعلامية تصوب أسهمها لمصدق حيث قالت جـــــريدة التايمز: "إن التوتر الداخلي لإيران لا يمكن مواجهته إلا بتوجيه الاتهام لبريطانيا ككبش الفداء" (). وتطورت الأمور بسرعة حيث نجح (مصدق) بوضع القوات المسلحة الإيرانية تحت سيطرة الوزارة الإيرانية التي كان يرأسها في يوليو 1952م، ويعد ذلك هزيمة فعلية لسلطة (محمد رضا بهلوي) على الجيش الذي يعد القوة الرادعة لمعارضيه، وقد أراد (مصدق) استخدام الجيش سلاحاً مشهراً في وجه (الشاه)، لا يستطيع هو ورجال البلاط الوقوف في وجهه أو التصدي له.

وعليه بدأ (مصدق) في توجيه الدولة الوجهة التي يرتئيها، بعد أن ضمن ولاء الجيش له، فأعاد جميع الأراضي المصادرة لأملاك الدولة، واستقطع نسبة كبيرة من ميزانية البلاط الشاهنشاهي وضمها إلى ميزانية وزارة الصحة، ومنع اتصال (الشاه) برجال السلك الدبلوماسي في طهران، وزاد من عدد حرس الشاه ليراقبوا تصرفاته، كما استقطع 15% من ميزانية الجيش لزيادة خزانة الدولة، وزاد من عدد طرق المشاة وقام بتطهير القوات المسلحة من العناصر الموالية للشاه، وأسس لجانًا للتحقيق في الفساد المنتشر بين رجال المؤسسة العسكرية، وانتهى به المطاف إلى إجبار الشاه والأسرة الحاكمة على مغادرة إيران إلى إيطاليا أوائل 1953م.

ولعل من أهم أسباب فشل حكومة (مصدق)، أنها واجهت قضية (الحزام الشمالي وهي مشكلة أساسية، حيث إن إيران التي كانت حلقة مهمة لإنجاح المشروع، كانت في صراع مع بريطانيا حول تأميم النفط، وإقدام (محمد مصدق) منذ توليه رئاسة الحكومة الإيرانية عام 1951م، على تبنِّي سياسة الحياد في العلاقات الخارجية؛ لذلك لم يكن متحمسا للمشروع بسبب عدم رغبته في خلق التوترات مع جاره الشمالي المتمثل بالاتحاد السوفيتي السابق.

لذلك وبهدف إقامة مشروع الحزام الشمالي، أسرعت الولايات المتحدة الأمريكية وبالتعاون مع بريطانيا بالإطاحة بحكومة (مصدق) في أغسطس عام 1953م. من خلال انقلاب عسكري، وقد عبر (الشاه) بعد عودته مباشرة إلى إيران عن رغبة بلاده في الانضمام إلى مشاريع الدفاع الغربية وقال : "إن إيران ستتمكن من أن تُصبح حلقة أساسية في دفاع العالم الحر". ورغم إشارة الشاه هذه فإن الحكومة الإيرانية لم تعلن رسميا رغبتها في الانضمام إلى مشروع التحالف الغربي حتى عام 1954م، وقال الجنرال (فضل الله زاهدي) رئيس الحكومة الإيرانية آنذاك، بأن حكومته ترغب في التوجه نحو الغرب بمعنى الابتعاد عن المد السوفيتي.

وللأخطار التي أحاطت بالضباط المفصولين من الجيش والذين اعتقدوا أن الجيش والشاه لا يفترقان، كونوا لجنة سرية لحماية الأمة من الثوار المنادين بالجمهورية وبدأت جماعة من الضباط المفصولين الاتصال بالزعماء الدينيين وبالمخابرات الأمريكية والبريطانية لتمويل انقلاب عسكري للإطاحة بنظام مصدق، فقد كانت لكلا المخابرات البريطانية والأمريكية أسبابها الخاصة، ومن أهم هذه الأسباب الحفاظ على مصالحها البترولية والأمنية في الخليج وإيران، ومن ثم كانت دعوة الضباط الإيرانيين المفصولين بمنزلة إشارة شرعية لها من أجل التحرك لاسترجاع سلطة الشاه باعتبارها المدخل الطبيعي لحماية مصالحهم.

تلاقت الأهداف فانشغل رجال الجيش الإيراني والعملاء الأجانب في تدبير محاولتهم للإطاحة (بمصدق)، وبدأت الخلافات الأيديولوجية تنفجر داخل (الجبهة الوطنية)، حيث تركزت على تأميم الشركات الكبرى خصوصاً شركات النقل والتليفون، ومنح المرأة حق الانتخاب، وكذلك وضع خطة للإصلاح الزراعي، ومصادرة المشروبات الكحولية أو منع بيعها.

ونتيجة لهذه الخلافات التي ظهرت تم اتهام (مصدق) بأنه معاد للإسلام والشريعة وأنه يسعى لإقامة ديكتاتورية اشتراكية، ومن ثم انسحب من الجبهة الوطنية أهم شخصية دينية فاعلة فيها (آية الله أبو قاسم الكاشاني) وبصحبته مؤيدوه الدينيون. نتيجة للخلافات المتفجرة داخل (الجبهة الوطنية) وفقدانها أهم عناصرها الدينية النشطة، بالإضافة إلى تمويل المخابرات الأمريكية للمحرضين؛ لهذا استطاع الجيش بضباطه الساخطين توجيه ضربتهم في أوائل (أغسطس/1953م)، حيث نجحوا في احتلال مقار الوزارات وإلقاء القبض على الوزراء والاستعانة بقوة مكونة من (37) دبابة كان يقودها أحد رجال المخابرات الأمريكية، ونسفت مسكن رئيس الوزراء، كما قام المأجورين من العامة بالدخول لقلب العاصمة طهران، وقامت الصحف العالمية الغربية بالتقاط الصور المعبرة عن تظاهرات شعبية لكي تظهر للشاه أنها أنقذته من (مصدق) عن طريق ثورة شعبية جماهيرية.

وعاد الشاه منتصراً إلى العاصمة ولديه رغبة كبيرة في إقامة ديكتاتورية معتمدة على جهاز مخابرات إيراني جيد، ومدعَّم بقوة بوليسية متفوقة ونجح في تشييد جهاز (السافاك) والمخابرات الإيرانية بالاستعانة بالمخابرات الأمريكية وخبرة (الموساد) الإسرائيلي. وبفضل القوات المسلحة الإيرانية والشرطة السرية أصبح (محمد رضا) قادراً على كبح المعارضة وتمزيق المنظمات المناوئة لسلطانه منذ عودته للحكم عام 1953م وبدأ بحل (الجبهة الوطنية) وألقى القبض على معظم أعضائها وعلى رأسهم (مصدق)، وأعدم وزير الخارجية (حسين فاطمي) وحكم بالسجن على (مصدق) لمدة ثلاث سنوات ثم أفرج عنه عام 1956م ووضعه تحت المراقبة حتى وفاته عام1965م. وعليه فقد تحمل حزب (توده) وزر المرحلة المصدقية كلها.

لقد وقفت الحكومة التركية مع الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا في ضرورة إزاحة حكومة (مصدق) عن السلطة؛ لأنها كانت ترى أن مصالح الغرب في منطقة الشرق الأوسط لا يمكن ضمانها مع وجود حكومة أممت النفط الإيراني، وتسعى للمجابهة مع بريطانيا، الأمر الذي يستغله السوفيت لمد نفوذهم الشيوعي إلى إيران كخطوة أولى باتجاه توسيعه نحو الدول المجاورة؛ لذلك كانت وجهة نظر الحزب الديمقراطي (Democratic Party) () الحاكم في تركيا تتفق تماما مع الاتجاه الغربي لإزاحة (مصدق) والمجيء بحكومة تتراجع عن التأميم وتسعى لدعم المخططات الغربية الرامية لتحويل المنطقة إلى منطقة مغلقة بوجه المد الشيوعي .

***

د. حميد ابو لول جبجاب

 

مهما تعددت اسباب الزلزال لكن يبقى السبب الرئيس في هذه الظاهرة الطبيعية عائدا إلى حركة الصفائح التكتونية للارض فهي في حركة دائمة وبطيئة جدا قد تصل بضع سنتيمترات في السنة فإذا ما تقاربت صفيحتان وتلامستا حتى نتج عنهما زلزال يترك آثارا واضحة على وجه الأرض في منطقة حدوثه، تتحرك هذه الصفائح تقاربا فتحتك احداهما بالاخرى وتتباعد من جهة أخرى لتحدث اخاديد في قشرة الأرض مخلفة دمارا هائلا خلال دقائق، هذا في الحوادث الطبيعية المعروفة لدى علماء الجيولوجيا ومع ذلك يذهب اليوم بعض المحللين من العسكرين والعلماء ان الدول الكبرى تمتلك سلاحا جديدا يسمى (السلاح التكتوني) له تأثير كبير في تحريك الطاقة الكامنة في الصفائح التكتونية وتحريكها في مناطق محددة والتحكم بخارطة وقوعه أيضا كما وقع في الزلزال الاخير على الحدود التركية السورية أي بين صفيحة الأناضول وصفيحة الدرع العربي...

كما يوعز البعض ان احد اسباب الزلزال الاخير في جنوب شرق تركيا الي الإفراط الكبير من قبل الحكومة التركية في إقامة السدود على مجاري الأنهار وإنشاء بحيرات اصطناعية كبيرة لتخزين المياه واستخدامها لتوليد الطاقة الكهربائية مما يعتبره البعض عمل عبثي متعمد في الطبيعة دون مراعاة التركيبة الجيولوجية للمنطقة، لان كميات المياه الهائلة هذه إضافة إلى الكتل الخرسانية المستخدمة في بناء السدود تشكل خطرا او سببا في حدوث الزلازل...

وعلى أية حال فالزلزال وقع مهما تعددت الأسباب فالنتيجة واحدة...

تعتبر منطقة وقوع الزلزال منطقة حيوية جدا لما تحويه من المصانع الكبيرة للاسلحة والمصانع الأخرى والمساحات الزراعية الشاسعة ومحطات توليد الطاقة المعتمدة على السدود وبحيرات تخزين المياه إضافة إلى الموانئ وخطوط تصدير النفط القادم من العراق تحديدا..

كما أن هذه المنطقة تتواجد فيها قوميات مهمة مثل العرب والكرد والأرمن والشركس لذلك فتركيا اليوم مهددة بالتقسيم اذا ما تركت هذه المنطقة دون عناية واعادة بناء بشكل سريع كما أن عدم الاسراع في بناءها يترك فراغا أمنيا يسمح للامريكان التدخل في تنفيذ مشروع بايدن لتقسيم دول المنطقة وإقامة دولة كردية في جنوب تركيا متصلا باقليم كردستان العراق..

اذن الخطر يحيق بتركيا من جهات عدة فهي يتوجب عليها ان تعيد بناء المناطق المنكوبة إضافة إلى خطر تدخل القوات الأجنبية تحت ذرائع شتى على غرار تدخلها في العراق وسوريا إضافة إلى رصد حركة القوميات في هذه المنطقة التي تريد الانفصال عن تركيا خصوصا الكرد التي ترعى مصالحهم أمريكا وإسرائيل.

ولا يغيب عنا وهذا مهم جدا أن نتطرق الى سياسة اوردغان إذ لم تكن واضحة فتركيا عضوا في حلف الناتو لكنها تتعامل مع روسيا كشريك ستراتيجي من خلال إقامة مشاريع عملاقة كمشروع تخزين الغاز الروسي في الأراضي التركية بعد تفجير أنبوب الغاز نوردستريم في البلطيق وعمدت تركيا إلى غلق مضيقي البسفور والدردنيل بوجه السفن الحربية الأمريكية لتحول دون تمكنها من الوصول إلى البحر الاسود وهذه سياسة تغضب الولايات المتحدة  ولهذا كسرت إحدى السفن الأمريكية هذا الحظر ودخلت للبحر الاسود فور وقوع الزلزال.

ولا ننسى سياسة تركيا مع جيرانها العراق وسوريا فهي تمددت في شمال العراق واسست قواعد هناك تحت ادعاء ضرب حزب العمال الكردستاني وقدمت الدعم للجماعات الإرهابية التي استولت على الموصل وفتحت لها الحدود... 

كما انها انهكت الاقتصاد العراقي من خلال تهريب النفط بالتعاون مع حكومة إقليم كردستان العراق

 وخربت سوريا ودعمت الجماعات الإرهابية من تنظيم داعش طيلة هذه الفترة ومنعت القوات الحكومية الرسمية السورية من الدخول إلى مدينة إدلب وعين العرب ومدن أخرى في شمال سوريا وتطالب بإقامة منطقة آمنة بعمق 30 كيلومتر شمال سوريا... هذا كله جعل جيرانها في العراق وسوريا لا ينظرون إليها بارتياح وشعروا ان تركيا تريد الاستيلاء على أراضيهم والتحكم بمصير ثرواتهم وتأسيس أنظمة حكم سياسية موالية لها واستعملت ورقة المياه وإقامة السدود ومنع تدفق المياه إلى سوريا والعراق كورقة ضغط لتحقيق ما ترمي إليه من أهداف....

اذن تركيا اليوم تعاني من معضلة كبرى وليس مشكلة بسيطة، فقد دمر الزلزال منطقة اقتصادية حيوية كبيرة ولهذا له آثار اقتصادية سيئة على الاقتصاد التركي الذي هو اساسا يعاني من انهيار العملة التركية وديون اثقلت كاهلها وسدود مياه أصبحت تشكل خطرا على الأرض مما يضطرها إلى فتح بوابات المياه لتتدفق داخل الأراضي السورية والعراقية مما يؤدي إلى خفض توليد الطاقة الكهربائية والذي يؤدي بدوره إلى توقف الكثير من المصانع وأدنى مستوى الحياة الاقتصادية ولا ننسى ان تدفق المياه إلى سوريا والعراق يعيد النشاط الزراعي واستصلاح الأراضي التي تحولت إلى صحاري وتعيد الحياة إلى الاهوار التي غابت عنها منذ زمن بسبب سدود اوردغان.. كما أن تهريب النفط العراقي سيتوقف خلال هذه الفترة بسبب الدمار الهائل في منطقة مرور أنبوب النفط... انتعش سعر الدينار العراقي بعد الزلزال وكان قبله عمليات ضغط مستمرة على العراق لتمرير أنبوب الغاز عبر الأراضي التركية.

فتركيا اليوم تعاني من معضلة اقتصادية قد تستمر لسنوات طويلة قادمة ناهيك عن الوضع السياسي المتهرئ وتمرد القوميات في جنوبها وعلاقاتها المتذبذبة مع دول أوربا والناتو وعلاقاتها السلبية مع جيرانها الذين تتعامل معهم بتعالي واعتبارهم بقايا رعايا الدولة العثمانية.

ولهذا فالدولة التركية مهددة بالانهيار والتفكك مالم تذعن تركيا تماما إلى أوامر الإدارة الأمريكية وتنساق وراء سياسة الناتو لتكون اول سد للناتو بوجه روسيا.

***

جواد الســعيد العبـــادي

2023-02-09

كنّا في حاجة، ومازلنا، إلى زلزال فكريّ وثقافيّ، يوقظنا من سباتنا الحضاري، المستمر منذ سقوط بغداد في أيدي المغول والتتار الهمجيين، وسقوط غرناطة لسيوف القشتاليين المتعصّبين. لكن، يبدو أن حالة السبات، التي أصابت أمّتنا العربيّة، ستستمرّ سنينا عددا.

لكنّ، قدّر الله، أن تتزلزل الأرض تحت أقدام إخواننا في سوريا وتركيّا، وتبتلع آلاف النساء والأطفال والشيوخ والرجال، وهم نيام. وقبل بزوغ الفجر، فقضى من قضى نحبه، وأصيب من أصيب في بدنه، ونجا من نجا من هول الدمار.

و هكذا، توالت المصائب على إخواننا وأحبائنا في سوريا وتركيا، وحصد الموت – فجأة - آلاف الأرواح، نحسبهم عند الله شهداء.

كم، هي مناظر الدمار مهولة وقاسيّة. تحرق الأكباد، وتكوي القلوب، إنّها مأساة بكل مقاييس الألم والحزن.

و إذا كان الموت أجل مسمّى " وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ ۖ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً ۖ وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ "

[ الأعراف: 34]

و إذا كان الزلزال قضاء وقدر" قل لَّن يُصِيبَنَآ إِلَّا مَا كَتَبَ ٱللَّهُ لنا " (التوبة / 51). لم، يستطع العلم إلى يومنا الناس هذا، أن يتوقّعه أو يتنبّأ موعد حدوثه، كي يجنّب الناس مصائبه وعواقبه، ولا مسؤوليّة للإنسان في معرفة زمن حدوثه، وإدراك لحظات وقوعه، فهل للإنسان مسؤوليّة في حجم الخسائر البشريّة التي يحدثها ؟

لقد رأينا، ورأى العالم، القاصي والداني، عبر الشاشات العادية والرقميّة وفيديوهات مواقع التواصل الاجتماعي، كيف انهارت عمارات وبناءات على رؤوس ساكنيها، وكأنّها كان مبنيّة أو واقفة على تربة رمليّة، أو كأنّ أساستها من الملح، أو كأنّها بدون أساسات. لقد تحوّلت إلى ركام في بضع ثوان أو دقائق، وكأنّ الأرض تقيّأتها.

إن الزلازل ظاهرة طبيعيّة منذ خلق الله الكوكب الأرضي، وتحدث في أغلب مناطق الكرة الأرضيّة ؛ شرقا وغربا وجنوبا وشمالا. وهي كثيرة الضرر المادي والبشري بالمناطق الفقيرة والمجتمعات المتخلّفة، نظرا لعوامل اقتصاديّة وجغرافيّة. لكن، وألف لكن، ألا تكمن المسؤوليّة في طرق البناء، ونوعيّة مواده الأوليّة، وتقصير الإنسان المقاول أو غشّه في البناء، سعيا للربح السريع؟ لماذا انهارت هذه البناءات بهذه الصورة، وكأنّها كانت مرفوعة على أعواد من القصب؟. لا بد من إعادة النظر – وهذا شأن العلماء وليس السياسيين – في طريقة البناء في المناطق الواقعة على الصفائح التكتونيّة، والمهدّدة بالزلازل ..لا بد من تطوير هندسة المباني المقاومة للزلازل، وتفعيل أنظمة الإنذار المبكّر.. إنّ العلم والتكنولوجيا لا يستطيعان منع حدوث الزلازل، مهما بلغا من تطوّر، لكنّ العقل النيّر والعلم النافع يستطيعان حماية الإنسان من أخطار الزلازل، والكوارث الطبيعيّة الأخرى..

ولو أخذنا نموذج اليابان، الواقعة على أرض زلزاليّة نشيطة على مدار السنة. لأدركنا قدرة العلم على مسايرة الظاهرة البركانيّة، وهذا ما ينقص الدول الناميّة أو دونها.

إن هول ما وقع في تركيا وسوريا، بسبب الزلزال المدمّر (8، 7 على سلّم ريشتر، وما أعقبه من مئات الهزات الارتداديّة، لمصاب جلل، يدمي القلوب ويحرق الأكباد.

لقد وقع الذي وقع، لكن ليس من شيّم الإنسانيّة أن تترك أولئك الضحايا والناجين المشرّدين لأقدارهم، غرقى في دمائهم ودموعهم ومآسيهم وقساوة قرّ الشتاء.

تبّا للسياسة، إذا أعاقت نجدة الملهوف. تبّا للغرب الديمقراطي، الليبيرالي، إذا غضّ الطرف عن مآسي سوريا وتركيّا. تبّا للأنظمة المتواكلة، المتكاسلة، المتردّدة عن تقديم المساعدات اللازمة لضحايا الزلزال المدمّر. إنّ أمّة الإسلام، قد فاق عدد أفرادها المليار نسمة، فلماذا لا يقدّم كل فرد منّا دولارا واحدا، ومن لا يمله يدفع عنه جاره أو قريبه، لنجمع مليار دولار لإخواننا المنكوبين في سوريا وتركيا؟ يا أيها المسلمون، في مشارق الأرض ومغاربها، امتنعوا، يوما واحدا، عن شرب كأسا من الشاي أو زجاجة من الكوكاكولا وفنجان قهوة، وادفعوا أثمانهم لإخواننا في سوريا وتركيا.

من سيغيث هؤلاء الضحايا والمنكوبين والمشرّدين في العراء، وقد تحالفت عليهم الطبيعة القاسية، والسياسة الظالمة، إذا لم تغيثوهم، يا أبناء جلدهم وملّتهم، ويا أصحاب القلوب الرحيمة، والأيدي النظيفة وخدّام الإنسانيّة في مشارق الأرض ومغاربها؟ إنّي أسمع أنين الجرحى وعويل الثكالى قد بلغ الجوزاء، وأسمع أنين الأطفال والصبيان من قسوة الجوع ولسعات القرّ والصقيع. فلا تتركوهم يموتون فوق الركام بعدما نجوا من تحت الركام. فهل من مجيب... فهل من مجيب...

***

بقلم الناقد والروائي: علي فضيل العربي – الجزائر

هو اليوم الذي حصلت فيه الثورة التي أطاحت بالنظام الملكي وأقامت الجمهورية. وقد بدأ ـ خصوصاً في الآونة الأخيرة ـ تيار يحاول التقليل من أهمية هذه الثورة، بل يُحَمّلها ما جرى من مآسٍ قادت العراق الى وضع ما بعد 2003. ونحن بدورنا نختلف مع هؤلاء في نظرتهم، ونعتبرها "قراءة قاصرة" لا تُدرك معنى "الثورة". (وفي النهاية فأن الثورة عبارة عن شأنٍ فظٍ وقاسٍ وعنيف، في جزء منها على الأقل) (1) ولهذا السبب أقدمنا على كتابة هذا المقال، للمساهمة في رفع الغشاوة عن هذا الحدث الكبير.

لا يُكلّف البعض أنفسهم لقراءة "الأسباب الموضوعية" التي قادت الى الثورة، فهُم يُرَكّزون على الأحداث بعيداً عن إدراك عِلَلِها! بينما (القراءة الأمثل للتاريخ هي ليست "ماذا حدث" وإنما "لماذا حدث") (2) فقبل أن ينتقد هؤلاء الثورة ورجالها، كان عليهم قراءة الأسباب التي أدت إليها! فهي لم تحدث في الفضاء! إذ لم يضغط الزعيم عبد الكريم قاسم على الزناد وحدثت الثورة! وهي لم تكن عملاً عسكرياً فقط كما يُشاع! فلها جناح سياسي معارض، والسبب الذي دفع العسكر للتحرك قد ذكره زعيم الثورة عبد الكريم قاسم صراحة في 9 آب 1958 (لو إعتقدنا أن بإستطاعة الشعب أن يزيل كابوس الظلم "الجاثم على صدره" لما تَدَخَلنا بالقوة المسلحة، ولكننا كنا نعرف أن الناس يائسين ولا من يدافع عنهم) (3)

أما عن الجناح السياسي المعارض، فقد كان جناحاً عريضاً تمثّل في "جبهة الإتحاد الوطني" التي تكونت في أوائل شباط سنة 1957 من: حزب الإستقلال ـ الحزب الوطني الديمقراطي ـ حزب البعث العربي الإشتراكي ـ الحزب الشيوعي العراقي (4) وعليه فعلى المرء أن ينظر نظرة أوسع أفقاً الى الأشياء كما ذكر حنّا بطاطو (وعلى المرء كذلك، وعلى الأقل، أن يضع أحداث 14 تموز "يوليو" في إطارها التاريخي الطبيعي. وبهذا المنظور، تبدو هذه الأحداث وكأنها ذروة نضال جيل كامل من الطبقات الوسطى والوسطى الدنيا والعاملة، وأوج ميل ثوري كامل ومتشرب في الأعماق كانت له تعبيراته التي تمثلت بإنقلاب 1936 والحركة العسكرية 1941 والوثبة 1948 والإنتفاضة 1952 ثم إنتفاضات 1956) (5)

ويقول الأستاذ ليث الزبيدي:

(إن ثورة 14 تموز 1958 ليست وليدة الصدفة المحضة، ولا حركة إعتباطية دفعت بها ظروف عارضة، وإنما هي تاريخياً حصيلة نضال طويل ومرير خاضه الشعب العراقي منذ أن قام ما يسمى بالحكم الأهلي في أعقاب ثورة العشرين المجيدة) (6) وعلينا أن لا نغفل عن حقيقة في غاية الأهمية، ألا وهي أن ثورة تموز قد جعلت العراق يُحكَم ولأول مرة من قِبَلِ بنيه دون سلطان خارجي (7)

قبل أن ننتقل للحديث عن أسباب الثورة، لا بُدّ من المرور السريع على "النظام الملكي العراقي"، هذا النظام الذي "يتباكى" عليه الكثير من العراقيين الآن! وكأنه كان عهداً ذهبياً!

عندما نتحدث عن "الملكية العراقية"، فلا بُدّ من تقسيها. فهناك "الفترة التأسيسية" وهي فترة حكم الملك فيصل الأول 1921 الى 1933. وجاءت بعدها  فترة ولده الملك غازي "الملك الشعبي" 1933 الى 1939. ثم فترة الملك الصغير فيصل الثاني "الشاذة" 1939 الى 1958، وجاء شذوذها من أن الملك كان صغيراً، فصار خاله عبد الإله وصياً عليه، وفترة الوصاية هي الفترة التي قادت الملكية العراقية الى الإنهيار.

ولكي لا يُزايد علينا أحدٌ هنا، ويتهمنا ب"الجمهورية" والتقليل من أهمية إنجازات الملكية، نقول:

إن شخصية الملك فيصل الأول كانت شخصية فَذّة، وأن دورها القيادي في العراق وسيرها بالمملكة التي أقامها من عالم مجهول الى آخرٍ دولي مرموق، تكاد تكون أقرب الى الخيال منها الى الحقيقة (8)

ولكننا أيضاً مع من يقول:

(وما كان لذلك النظام من الحكم أن ينهار في العراق بمثل تلك السرعة، لولا الحوادث المؤسفة التي أدت الى مقتل الملك غازي في ليلة الرابع من شهر نيسان 1939، وما أعقبها من تدابير شاذة في إسناد منصب الوصاية على الملك الجديد الى خاله الأمير عبد  الإله، الذي كرهه الشعب العراقي، وكره ديكتاتوريته السافرة، وحكمه للبلاد حكماً تعسفياً لفت إليه نظر البعيد قبل القريب، وجعل الناس يتمنون زواله بأقرب فرصة ممكنة) (9)

أسباب الثورة:

كثيرةٌ هي الأسباب التي قادت الى ثورة تموز، وقد كُتِبَ الكثير عنها، ونحن بدورنا سنحاول ضغطها للخروج بها مُجمَلَةً مُكَثّفَة، وسنُرَكّزُ على السببين الآتيين:

1ـ السبب السياسي:

أُنشئت الدولة العراقية على أساسٍ هزيلٍ واهٍ، فقد جاءت في أعقاب إقتسام الدول الإستعمارية الكبرى لممتلكات الدولة العثمانية "الرجل المريض". وقد قام النظام الملكي على أركان ثلاثة هي: السيطرة البريطانية والبورجوازية الكبيرة  والإقطاع (10)

أما عن "النظام البرلماني" الذي يتبجح به الكثير الآن، بحجة أن "التعددية" كانت موجودة في العراق الملكي، بخلاف العراق الجمهوري. فهل كانت فعلاً نظاماً برلمانياً ناجحاً؟

(ونتيجة لهيمنة الملك الهاشمي في العراق، فقد كان النظام البرلماني العراقي "برلمانية منحرفة لمصلحة رئيس الدولة" (11) كالبرلمانية الأورليانية والدكولية والفايمارية والناصرية. ولهذا يمكن أن نطلق على النظام البرلماني العراقي إسم "البرلمانية الهاشمية"، أسوة بالتسميات التي أُطلقت على الأنظمة البرلمانية التي هيمن فيها رئيس الدولة في كل من فرنسا وألمانيا ومصر) (12) وكانت الإنتخابات مزيفة، وهي أقرب الى التعيين، وفي خطاب صريح جداً للباشا نوري السعيد داخل مجلس النواب في جلسة 15 كانون الثاني 1944، توجّه للنواب مُتحدياً:

(إن نظام الحكم يقضي بإجراء إنتخابات في المملكة، وللشعب أن ينتخب من يعتمد عليه ليراقب، ويسيطر على أمور الدولة. هذا هو أساس الحكم. ولكن بالنظر الى قانون الإنتخابات الموجود بأيدينا هل في الإمكان، أناشدكم بالله، أن يخرج أحد نائباً مهما كانت منزلته في البلاد، ومهما كانت خدماته في الدولة ما لم تأتِ الحكومة وتُرشحه. فأنا أُراهن كل شخص يَدّعي بمركزه ووطنيته، فليستقل الآن، ويخرج ونعيد الإنتخابات ولا نُدخله في قائمة الحكومة، ونرى هل هذا النائب الرفيع المنزلة الذي وراءه ما وراءه من المؤيدين، يستطيع أن يخرج نائباً؟) (13)

وبِغَض النظر عن حُسن نية الملك فيصل الأول، فهناك من يرى ـ جماعة الأهالي ـ أن فيصل، وبالإتفاق مع الحكومة البريطانية، كان السبب الرئيس وراء إنحراف سير الدولة العراقية الحديثة عن الديموقراطية الصحيحة، بسبب تدخله في إنتخابات المجالس النيابية منذ قيام المجلس التأسيسي، حتى أخر مجلس نيابي في حياته، وبعدها. وعليه فقد مُسخت الحياة الدستورية (14)

وبشأن التكوين الإجتماعي لمجلس النواب، فمنذ تأسيسه حتى 14 تموز 1958 لم يدخله أي نائب من طبقتي العمال والفلاحين بالرغم من أن أكثرية سكان العراق هي من هاتين الطبقتين (15)

أما عن القمع السعيدي فحدّث ولا حرج. فقد قامت حكومة أرشد العمري في 1954 بإجراء إنتخابات نيابية حصلت فيها الجبهة الوطنية على 10 مقاعد، وكان من الممكن أن تحصل على الأكثر لولا التدخلات الحكومية الفاضحة. بينما حصل حزب الإتحاد الدستوري ـ حزب نوري السعيد ـ على 51 مقعداً، وحزب الأمة الإشتراكي ـ حزب صالح جبر ـ على 21 مقعداً (16)

كان الفائزون من الجبهة الوطنية من المعارضين المرموقين منهم: كامل الجادرجي ـ حسين جميل ـ محمد مهدي كبه ـ فائق السامرائي ـ صديق شنشل (17)

لم يُطق نوري السعيد وجود هؤلاء الضئيل في المجلس النيابي، وإشترط حَلّ المجلس لكي يُشَكّل الحكومة، فقبل الملك بشروطه، وقام السعيد بحَلّ المجلس النيابي، وشكّل حكومته "حكومة المراسيم الإرهابية" سيئة الصيت 1954.

فقد نص المرسوم الأول على تجريم كل من جَنّد أو رَوّجَ أيّاً من المذاهب الإشتراكية البلشفية والإلحادية (18)، أما المرسوم الثاني فقد نص على إسقاط الجنسية العراقية عن الشخص المحكوم بالمرسوم الأول (19) إضافة لمراسيم أخرى.

وقد كانت الخمسينات فترة حرجة جداً على النظام الملكي العراقي، فقد قامت ثورة 1952 في مصر، وبرز الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر كقوة يُحسَب لها ألف حساب في الوطن العربي. ولم يكن نوري السعيد قادراً على السيطرة على هذا السلاح الجديد، أي إذاعة صوت العرب في القاهرة، فقد تغلغل في القرية والحقل وتجمعات البدو والثكنات والأقسام الداخلية للطلبة. وقد زاد عدد المعارضين للنظام وتقوضت شرعيته المتبقية (20)

لكن، هل أخذ هذا النظام بحدث كبير كالثورة المصرية على محمل الجد؟ هل حاولوا إصلاح الأوضاع تلافياً لحصول وضع مشابه في العراق؟

عقد البلاط الملكي العراقي مؤتمراً في مساء يوم 3 / 11 / 1952 برئاسة الوصي عبد الإله سبب تأزم الوضع الخارجي الذي أقلق الحكومة العراقية قلقاً شديداً بعد حدوث ثورة يوليو في مصر. وقد حضر للمؤتمر: طه الهاشمي وكامل الجادرجي وصالح جبر ومحمد مهدي كبة ونوري السعيد ومحمد الصدر وجميل المدفعي وتوفيق السويدي وعلي جودة الأيوبي وأرشد العمري وأحمد مختار بابان.

ما يهمنا الآن هو كلام الجنرال طه الهاشمي "رئيس الجبهة الشعبية المتحدة"، وهو رئيس وزراء سابق، وأخ لرئيس الوزراء الراحل ياسين الهاشمي، قال:

إن الأسباب التي أدت الى الإنقلاب في مصر موجودة في العراق، وإذا كانت العوامل متشابهة فلا بُدّ أن تكون النتائج واحدة، وأن القضية قضية زمن إذا لم تجرِ الإصلاحات بصورة جدية في العراق.

إنفعل الوصي عبد الإله وقال: أنت تقول إنه سيقع في العراق مثل ما وقع في مصر، أنا لا أخاف ذلك. ثم إحتد الكلام ودخل الوصي في مشاجرة مع الهاشمي (21)

وعليه فإن الجيل الجديد قد فقد كل أملٍ في التعاون مع الجيل القديم، وراح يُحَرّض الجماهير التي كانت الأجيال القديمة قد إستغلتها زمناً. فقد عجز الجيل القديم عن تهيئة الجيل الجديد ليتحمل معهم أعباء المسؤوليات في شؤون الحكم، وهذا ما دفع بزعماء الجيل الجديد الى إثارة الرأي العام وتأليبه على العهد القائم، وهو ما حرّض الشعب على الثورة (22)

وقد حاول السفير البريطاني ميشيل رايت الضغط على الطبقة الحاكمة للقيام بإصلاحات تتدارك الوضع، لكنه لم يلقَ إذناً صاغية، وهذا ما دفعه الى القول مُنذراً: إذا لم تُنَفّذ الإصلاحات فسلام على الملكية ومشايخ القبائل أيضاً (23)

2ـ السبب الإقتصادي:

من العوامل التي ساعدت على تدهور الإقتصاد العراقي: تبعيته الى الإقتصاد الغربي، وتخلف القطاع الزراعي، والإحتكارات النفطية (24) وعندما نلقي النظر بصورة سريعة على أوضاع أكبر شريحة عراقية، أي الفلاحين، سندرك حجم البؤس والمعاناة التي عاشها هؤلاء المساكين.

كانت مساكنهم حقيرة لا تصلح حتى للحيوانات، وكانت علاقة الفلاح بالأرض ما هي إلا علاقة رجل يعمل في أرض غيره بأجور عينية ويعتمد في حياته على مشيئة صاحب الأرض الذي بإستطاعته أن يطرده من أرضه متى شاء (25) وهذا ما أدى الى الهجرة الواسعة من الريف الى المدينة، فإستقر هؤلاء المساكين حول بغداد في وضع يُرثى له. فهل ستكون التربة مُنتجة في وضعٍ كهذا؟! يقول مونتسيكيو: تكون التربة منتجة إذا كان من يفلحها حُراً أكثر مما إذا كانت تحمل خصوبة طبيعية (26) وعليه فلم يُعطِ البلد للفلاح شيئاً كما ذكر بطاطو (27)

أما عن وضع هؤلاء وأكواخهم البائسة، ففي عام 1956 كانت هناك 16413 صريفة مُجمعة في تسع مناطق، وكانت هذه الصرائف عبارة عن أكواخ يتألف كلٌ منها من غرفة واحدة بُنيت بالقصب والحصير، وكانت تُغطى بالطين خلال الشتاء، وكانت كل صريفة تؤوي ما متوسطه 6، 5 أشخاص، أي أن الصرائف كانت تؤوي ما مجموعه 92173 نسمة (28) وقد وصف الدكتور كريتشلي من كلية طب بغداد في مسحٍ أجراه في عام 1952، وصف حياتهم:

فقد أُقيمت صرائف هؤلاء في موقع كانت تستخدمه بلدية بغداد كمدفن للفضلات البشرية والحيوانية وللنفايات، وكانت الأكواخ سيئة التهوية، مزدحمة، خالية من الترتيبات الصحية، يتغوّط سكانها أينما كان، ويُعتقد أن كل لقمة يتناولها هؤلاء كانت ملوثة، ومعدل وفيات الأطفال فيها لكل 1000 حالة حمل 341 وفاة (29)

فهل تجاوبت الحكومات العراقية مع هؤلاء البؤساء؟ هل قامت بتشريع القوانين التي من شأنها إصلاح الريف وأهله؟ وجد الأستاذ عبد الرزاق الهلالي ـ وهو الخبير في هذا المجال ـ أن الحكومات العراقية الملكية كانت بارعة في التشريع فقط، أما التنفيذ فلا! وعليه فقد زهد الناس بالقوانين (30) ومن الأمور الملفتة للنظر أن العراق الملكي لم يقم بأية محاولة لدراسة موضوع "سوء التغذية"! أما الإهتمام بمياه الشرب فقد كان ضئيلاً تافهاً جداً! (31)

بعد هذا العرض الموجز، هل سيكون قيام الثورة مفاجئاً؟!

ثورة تموز في قفص الإتهام:

يكثر الحديث في أوساط الرافضين لهذه الثورة عن إرتباط هذه الثورة الخارج، مرة تكون مرتبطة ببريطانيا! وأخرى تكون مرتبطة بالولايات المتحدة الأمريكية! ونحن بدورنا نُطالب بدليل دامغ! فقد أصبحت هذه المقولة معزوفة نستمع إليها دائماً! والمؤرخ لا يشتغل إلا على الوثائق، على ما في هذا الإتهام من إستهانة بجهد الجماهير العراقية فضلاً عن التخوين.

1ـ بريطانيا:

نحن لا نتكلم ولا نُطلق الأحكام إلا بعد القراءة والسَبر الدقيقين، وبشأن "إرتباط" الثورة ببريطانيا، فما علينا إلا الرجوع لباحث مختصٍ في هذا المجال، ألا وهو الدكتور مؤيد الونداوي.

في تقريره السنوي الذي قدّمه السفير البريطاني في العراق مايكل رايت لحكومته في عام 1958، وهو ـ برأي الونداوي ـ من أفضل التقارير التي كتبها رايت طوال عمله في بغداد. أساء رايت تقدير الموقف الداخلي، وطمأن حكومته بأنه بالإمكان أن يحافظ النظام الملكي على وضعه من الإنهيار جراء الضغوط الداخلية والخارجية، وقد إعتقد رايت بأن النظام العشائري لا يزال حيّاً وبإمكانه المحافظة على النظام.

أما الجيش فقد إعتقد رايت بأنه قد ترك تماماً ممارساته السابقة بالتدخل في السياسة، وأنه أصبح في عام 1958 لا يُبدي علائم على ذلك (32)

2ـ الولايات المتحدة الأمريكية:

سنرجع هنا الى الدكتور براندون روبرت كينغ، فقد تَعَرض لهذا الموضوع في أطروحته للدكتوراه، والتي قَدّمها الى جامعة تورنتو. يقول كينغ:

(عانى المجتمع الإستخباري الأمريكي من "إخفاق إستخباري"، فقد فشلت عيون وآذان مكتب المخابرات الأمريكية في العراق فشلاً واضحاً في توقّع أحداث الرابع عشر من تموز أو التحذير من وقوعها. وقد كَلّف هذا السهو الأمريكيين حليفاً حيوياً في صراع الحرب الباردة في الشرق الأوسط ضد الإتحاد السوفيتي، وفي الحرب العربية الباردة على الأنظمة العربية المناوئة للغرب)

ويقول:

(يظهر أن النزعة السياسية للجيش العراقي كانت بمثابة المنطقة العمياء لكلٍ من الأجهزة الإستخبارية الأمريكية والعراقية)

أما عن إيمان الأمريكان بقدرة نوري السعيد، فيقول:

(وقد برز تاريخ نوري الطويل في إدارة القمع بروزاً قوياً أيضاً في الحسابات الأمريكية. وكان المراقبون الأمريكيون يؤمنون على نحو متماثل تقريباً بأسطورة سلطة نوري السعيد المطلقة وحكمته وقوة بأسه كزعيم) (33)

وعليه فقد كان العالم الخارجي مطمئناً الى سلامة الحكم في العراق وإستقراره، ولهذا كانت ثورة 14 تموز مفاجأة كاملة للعالم بأسره (34)

فهل من مجال للحديث الآن عن "إرتباط" خارجي!

ثورة تموز وفتحُ الباب أمام الإنقلابات العسكرية:

ديباجةٌ نسمعها دائماً! ثورة تموز فتحت باباً بشعاً على العراق، ألا وهو باب الإنقلابات العسكرية. وبدورنا سنتحقق الآن من هذا الزعم.

يؤسفني أن أُصارح هؤلاء ب"الخطأ التاريخي الفادح" الذي وقعوا فيه! فلم يكن يوم تموز أول إنقلاب عسكري في العراق، بل حدث أول إنقلاب عسكري في العراق والمنطقة في عام 1936، عندما أعلن  الجنرال بكر صدقي زحفه على بغداد في صباح يوم 29 تشرين الأول من السنة المذكورة (35) فسقطت حكومة ياسين الهاشمي، وأقام الجيش حكومة حكمت سليمان.

ثم توالت بعدها التدخلات العسكرية في السياسة الى أن وصلت ذروتها في حركة 1941.

وجدير بنا ونحن نتحدث عن تدخلات العسكر في السياسة، أن نُلقي الضوء على دور الباشا نوري السعيد في هذا المجال. فالمعروف أن الباشا لا يؤيد تدخل الجيش في السياسة، فهل إلتزم بذلك؟

إجتمع العقداء الخمسة في 24 كانون الأول 1938 وهُم: صلاح الدين الصباغ ـ فهمي سعيد ـ محمود سلمان ـ كامل شبيب ـ سعيد يحيى الخياط، إضافة للعقيد عزيز يا ملكي، وقَرّروا إسقاط وزارة جميل المدفعي، وأرسلوا فصيلاً من الجُند لحراسة دار العميد طه الهاشمي، وفصيلاً آخر لحماية دار نوري السعيد.

إستنكر الملك غازي هذه الحركة، وطلب من حكومة المدفعي مرافقته الى كركوك ليلاً لمقاتلة المتمردين في بغداد، لكن المدفعي رفض هذا الطلب (36) والنتيجة نجحت "الحركة الإنقلابية الجريئة" وسقط المدفعي، وجاء نوري السعيد الى سَدّة الوزارة كما طلب الجيش.

يقول السفير البريطاني في العراق موريس بترسون:

(ولكن هناك وجوه كثيرة في عودة نوري باشا السعيد الى الحكم تستدعي القلق، وأولها أن عودته الى السلطة قد أعادت الجيش العراقي مرة أخرى الى التدخل في الشؤون السياسية، التي كان ينبغي أن يكون بعيداً عنها) (37)

ويقول العقيد جرالد دي غوري:

(وهكذا وصل نوري السعيد، الذي كان يتَشَكّى بمرارة من تدخّل الجيش في السياسة، الى الحكم نتيجة عملٍ قام به الجيش ذاته) (38)

أما سندرسن باشا فيقول:

(لم يكن نوري السعيد يوافق على تدخّل الجيش في الأمور السياسية، ومع ذلك فقد إلتجأ الى هذا التدخل عشية عيد الميلاد سنة 1938، للتخلص من الوزارة المقيتة التي كان يرأسها جميل المدفعي. وقد نجح هذا الإنقلاب، فأصبح نوري السعيد رئيساً للوزارة، لكنه قد إختار في هذا سابقة خطرة، هي ذات السابقة التي إستُعمِلَت بعد عشرين سنة لقتل أفراد العائلة المالكة، وقُتِل نوري نفسه بصفة لا إنسانية!) (39)

فهل بقي لهذا القول ـ ثورة تموز فتحت باب الإنقلابات ـ من وزنٍ بعد هذا؟!

بقي أمرٌ مهمٌ لا بُدّ من المرور السريع عليه، ألا وهو "قتل العائلة المالكة".

هذا العمل مرفوضٌ بكل تأكيد، وقد كُتِبَ عنه الكثير. لكن ما يهمنا الآن مقتل الثلاثة الكِبار، أي الملك فيصل الثاني رحمه الله، والوصي عبد الإله، والباشا نوري السعيد.

هل كان بالإمكان ـ نتحدث بعيداً عن الإعتبارات الإنسانية بكل تأكيد - الإبقاء على هؤلاء الثلاثة؟ فقد حاولت بريطانيا بعد قيام الثورة مباشرة التفاهم مع الولايات المتحدة الأمريكية بصدد ما يمكن عمله لإنقاذ النظام الملكي. ولم تقف الخارجية البريطانية موقفاً سلبياً من رغبة ملك الأردن للتدخل في بغداد لإعادة الأمن والنظام فيه بإعتباره رئيساً للإتحاد العربي (40)

فلو أُبقي عليهم لتكررت تجربة 1941! ولعاد هؤلاء تحت حراسة الحِراب البريطانية! ليقوموا بتصفية خصومهم ببشاعة!!

أما عن الطريقة التي تعرضت لها جُثتي نوري السعيد وعبد الإله، فليس أمامنا إلا ما يلي:

(هل كان هذا عملاً وحشياً أو لا إنسانياً؟ ربما لا يكون إصدار مثل هذا الحكم ملائماً، ولكن علينا أن نُضيف ـ لا تبريراً بل توضيحاً ـ أن نوري وولي العهد لم يكونا أبداً رحيمين بحياة الناس. ثم: أيُستَغرَب أن تنبع الاإنسانية من الأوضاع الاإنسانية التي كان يعيشها "شرقاوية" ـ سكان الأكواخ الطينية ـ بغداد؟) (41)

وختاماً أقول:

أما الحديث عن ما آل إليه الوضع في العراق بعد الثورة، من أجل الطعن بمشروعيتها، فهو حديث مردود. ويمكن أن أصفه بالحديث "البعيد عن التاريخ"، فهذا موضوع آخر يتطَلّبُ معالجات مُطَوّلة، لن تؤثر على مشروعية هذه الثورة الخالدة.

***

بقلم: معاذ محمد رمضان

......................

الحواشي:

1- حنّا بطاطو: العراق / الكتاب الثالث - الشيوعيون والبعثيون والضباط الأحرار، بترجمة: عفيف الرزاز، مؤسسة الأبحاث العربية، الطبعة العربية الثالثة 2003، دار القبس الكويت ص116

2- زياد صبري زيدان: الإنعطافات في مجرى الأحداث التاريخية في العراق في ضوء نظريات فلسفة التاريخ 132 للهجرة - 750 للميلاد / 447 للهجرة - 1055 للميلاد، أطروحة غير منشورة مُقدمة الى مجلس كلية التربية جامعة واسط لنيل الدكتوراه في فلسفة التاريخ الإسلامي، 1442 للهجرة 2021 للميلاد ص2

3- بطاطو: المصدر السابق ك3 ص116 الحاشية

4- محمد حسين الزبيدي: ثورة 14 تموز في العراق / أسبابها ومقدماتها ومسيرتها وتنظيمات الضباط الأحرار، الجمهورية العراقية، منشورات وزارة الثقافة والإعلام، دار الشؤون الثقافية والنشر 1983، دار الحرية بغداد ص280 و 281

5- بطاطو: المصدر السابق ك3 ص116

6- ليث عبد الحسن الزبيدي: ثورة 14 تموز 1958 في العراق، منشورات مكتبة اليقظة العربية بغداد ط2 1981 ص13

7- المصدر السابق ص6

8- محمد مظفر الأدهمي: الملك فيصل الأول / حياته السياسية وظروف مماته الغامضة - دراسة وثائقية، الذاكرة للنشر والتوزيع بغداد ط1 2019 ص11 مقدمة المؤرخ عبد الرزاق الحسني. ولكن هذا لا يعني أن فيصل لم يكن مُقصراً، وهذا ما سنتناوله لاحقاً.

9- عبد الرزاق الحسني: تاريخ الوزارات العراقية ج10 وزارة الثقافة والإعلام، دار الشؤون الثقافية العامة ط7 1988 ص4

10- ليث الزبيدي: المصدر السابق ص19

11- التشديد منا

12- فائز عزيز أسعد: إنحراف النظام البرلماني في العراق، تقديم د. منذر الشاوي، مطبعة السندباد بغداد ط2 ص250

13- سعاد رؤوف شير محمد: نوري السعيد ودوره في السياسة العراقية 1932 - 1945، مراجعة د. كمال مظهر أحمد، مكتبة اليقظة العربية بغداد ط1 1988 ص177

14- محمد حديد: مذكراتي / الصراع من أجل الديموقراطية في العراق، تحقيق: نجدة فتحي صفوة، دار الساقي بيروت ط1 2006 ص131

15- ليث الزبيدي: المصدر السابق ص20

16- جعفر عباس حميدي: التطورات والإتجاهات الداخلية في العراق 1953 - 1958 ساعدت جامعة بغداد على نشره ط1 1980 ص93

17- حميدي: المصدر السابق ص93 حاشية 5

18- لينظر القارىء اللبيب الى هذا الخلط الواضح والمقصود بين "الإشتراكية والإلحادية"

19- حميدي: المصدر السابق ص103 و 107

20- فيبي مار: تاريخ العراق المعاصر 1921 - 2003، ترجمة: مصطفى نعمان أحمد، دار ومكتبة أوراق ودار ومكتبة المجلة ط1 2020 ص128

21- محمد حسين الزبيدي: المصدر السابق ص110 و 111 و 112

22- مجيد خدوري: العراق الجمهوري، إنتشارات الشريف الرضي قُم إيران ط1 1418 ص10 و 14

23- المصدر السابق ص58 حاشية رقم 59

24- محمد حسين الزبيدي: المصدر السابق ص190 وما بعدها

25- عبد الرزاق الهلالي: نظرات في إصلاح الريف، منشورات دار الكشاف بيروت ط3 1954 ص23 و 57

26- حنا بطاطو: المصدر السابق ك1 / الطبقات الإجتماعية والحركات الثورية من العهد العثماني حتى قيام الجمهورية ص177

27- المصدر السابق ك1 ص175

28- المصدر السابق ك1 ص162 و 163

29- المصدر السابق ك1 ص163

30- الهلالي: المصدر السابق ص24 و 25 الحاشية و 52 و 55 و 57

31- المصدر السابق ص30 و 38

32- مؤيد إبراهيم الونداوي: العراق في التقارير السنوية للسفارة البريطانية 1944 - 1958 دار الشؤون الثقافية العامة في بغداد 1992 ص246 و 248

33- براندون روبرت كينغ: المخابرات الأمريكية وثورة تموز 1958 في العراق، بترجمة: مصطفى نعمان أحمد، دار ومكتبة المجلة 2021 ص5 و 15 و 59 و 86 و 87

34- خدوري: المصدر السابق ص52

35- حازم المفتي: العراق بين عهدين / ياسين الهاشمي وبكر صدقي، قَدّم له: د. عماد عبد السلام رؤوف، مطبعة سومر، توزيع مكتبة اليقظة العربية ص90

36- الحسني: المصدر السابق ج5 ص46 و 47 و 48

37- المصدر السابق ج5 ص55

38- العقيد جرالد دي غوري: ثلاثة ملوك في بغداد، بترجمة وتعليق: سليم طه التكريتي، الأهلية للنشر والتوزيع عَمّان الأردن ط5 2012 ص147

39- مذكرات سندرسن باشا "طبيب العائلة الملكية في العراق" 1918 - 1946، بترجمة وتعليق: سليم طه التكريتي، منشورات مكتبة المتنبي بغداد ط1 1980 ص210 و 211

40- مؤيد إبراهيم الونداوي: وثائق ثورة تموز 1958 في ملفات الحكومة البريطانية، المكتبة العالمية بغداد ط1 1990 ص20

41- بطاطو: المصدر السابق ك3 ص111 و 112

فزمجرة الطبيعة لا تعترف بالحدود ولا تدق الأبواب حين تباغتنا.. فانعكاساتها المدمرة على المكان والإنسان تتجاوز كل الحسابات.. وأكبر شاهد على ذلك، زلزال سوريا وتركيا العابر للحدود البينية.

فلا بد من الولوج إلى الحدث المخيف من خلال تلك المشاهد المروعة والقصص المأساوية التي خلفها الزلزال الذي ضرب تركيا وسوريا فجر الاثنين 6 فبراير 2023، وأودى بحياة الآلاف في وقت لا تزال مئات العائلات مفقودة تحت الأنقاض.

كانت جهود رجال الإنقاذ متضافرة رغم الصعوبات التي تعترض طريقهم.. وفي قلب المشهد المخيف رصدت عدسات التصوير أحد المنقذين وهو يتابع بأذنيه المشنفتين، أنينَ طفل واهن كان يلتقط رسائل المنقذين وهو بين الحياة والموت تحت الحطام، ومن خلال ردة فعله والصوت الصادر من جهته تحت الركام حُدّدَ مكانه وبدأت عملية إنقاذه الحذرة.. وقلوب المتابعين للمشهد في محيط المكان وعبر الفضاء الرقمي، تلهج بالدعاء متضرعة إلى الله كي يخفف المصاب على المنكوبين.

ومن رحم هذا المشهد المرعب أخرج الطفل السوري من تحت الأنقاض وقد وجد حياً في حضن والده الذي قضى جراء الزلزال.

هذا غيض من فيض.. ومشهد تكرر بفعل هذا الزلزال المدمر الذي ضرب تركيا حيث تحرك العالم لنجدتها بوتيرة أعلى مما حدث مع الشمال السوري المحاصر بالنكبات ورغم ذلك تم التنسيق مع تركيا لتنظيم دخول المساعدات عبر معابرها نحو معالم ما تبقى من أثر في المناطق المنكوبة بإدلب وغيرها.

وفي مقطع مصور على إنستغرام، ظهر سوري من مدينة جنديرس في ريف حلب الشمالي، يبكي بحرقة بعد أن فقد اثني عشر فرداً من عائلته جراء الزلزال قائلا يائساً:

"الحمد لله على كل حال"

وفي حسابها نشرت صحيفة "تركيا اليوم" على إنستغرام صورة لطفلة تدعى رغد إسماعيل خرجت من تحت الأنقاض لتجد عائلتها فارقت الحياة.. فأي مستقبل ينتظر أمثال هذه الطفلة ممن فقدوا أهاليهم، وتركوا في مهب الريح!.

فقد تآمرت عليهم الطبيعة المزمجرة ببردها القارس وثلوجها المتساقطة بغزارة، وسدت نسبياً طرق الإمدادات اللوجستية في ظل ظروف سياسية شهدت مناكفة بين الحكومة التركية والمعارضة خلافاً عمّن يتحمل مسؤولية الكارثة، والتقاذف بتهم الفساد في أتون صراع على السلطة، بينما لا يخفى على أحد ما يجري في المنطقة السورية المنكوبة من صراع للأجندات الخارجية التي ضيقت الخناق على المنكوبين وقللت من فرص إنقاذهم فتحولت المخيمات إلى ملاجئ آمنة بعد انهيار المباني المتهالكة والبنية التحتية السيئة.

ففي فجر يوم الاثنين ورغم المسافة الطويلة التي تُبْعِدُ الأردنَّ عن الحدث، إلا أننا شعرنا بهزة أرضية خفيفة تبين لنا فيما بعد بأنها ارتدادات لزلزال مدمر بقياس 7،8 ريختر ضرب قلب الأناضول "عنتاب" وشمال سوريا "إدلب" ووصلت ارتداداته إلى لبنان والاردن وشمال تركيا وقبرص.

إنها أكبر كارثة تعرضت لها تركيا وفق ما قاله الرئيس أردوغان في سياق وصفه للكارثة واستعراضه قائمة الدول التي سارعت لتقديم دعمها المادي لجهود الإنقاذ التركية.

حيث تتضاءل الآمال في العثور على مزيد من الناجين تحت الأنقاض بعد خمسة أيام من كارثة زلزال تركيا وسوريا،

ووفقا لأحدث البيانات الرسمية، فإن عدد قتلى الزلزال في تركيا ارتفع إلى 12 ألفا و873، والمصابين إلى 62 ألفا و937.

أما في سوريا، فقد ارتفع عدد القتلى إلى 3162 في عموم البلاد، وبلغ عدد المصابين 5685.

وخلفت عشرات آلاف المصابين، وامتدت آثارها في المجمل إلى ملايين السكان في البلدين.

وكان التوقيت عاملاً مساعداً في تفاقم الكارثة حيث باغت الزلزال الناس وهم نيام في ظروف جوية سيئة، حيث شهدت المنطقة المنكوبة تساقطاً للثلوج، وأودى الصقيع بحياة المئات من المدنيين تحت الركام، ناهيك عن بنية تحتية وأبنية لا تستوفي شروط مقاومة الزلازل في منطقة تقع على الحزام الناري الكثير الزلازل الذي يبدأ باليابان واندونيسا والباكستان وإيران فتركيا وجزء من بلاد الشام لينتهي في تشيلي غرب القارة الأمريكية الجنوبية.. وهي مناطق تتحرك تحتها الصفائح التكتونية كثيراً كما حدث من تصادم الصفائح التكتونية العربية الأفريقية والتركية تحت المنطقة التي شهدت زلزال تركيا وسوريا.

ورغم أن العدد الأكبر من الضحايا سُجل في تركيا، فإن التحذيرات تتوالى من ارتفاع مضطرد في عدد القتلى بشمالي سوريا، وسط ضعف الإمكانات وقلة الموارد وتأخر وصول المساعدات الدولية اللازمة لعمليات البحث والإنقاذ.

ويواجه سكان الشمال السوري مخاطر أخرى؛ إذ قالت مصادر بالدفاع المدني "الجزيرة" إن الزلزال تسبب في تصدعات في سد التلول على نهر العاصي بريف إدلب، وإن المياه تدفقت إلى منطقة المخيمات شمال سلقين جراء هذه التصدعات.. وقياساً إلى ذلك فعلى تركيا فحص بنية سدودها من باب الاستشراف والتأكد من سلامتها فالكارثة لها ارتدادات خطيرة على البيئة بأشكالها.

وتجدر الإشارة إلى أنه قبل ثلاثة أيام من وقوع الزلزال، تنبأ الجيولوجي والباحث في شؤون الزلازل فرانك هونغربيتس قائلاً:

“عاجلًا أو آجلًا سيقع زلزال بقوة 7.5 على مقياس ريختر في هذه المنطقة (جنوب أو وسط تركيا، الأردن، سوريا، لبنان)”. فحدث بالفعل ولكن بقوة 7.8 ريختر فكانت الكارثة المشهودة في عنتاب وإدلب.

ولكن أحداً لم يكترث بنتائج مثل هذه البحوث الجيولوجية؛ ما يضع أوراق جميع المعنيين على طاولة المساءلة فيما يتعلق بالإجراءات الوقائية اللازمة.. ولنقل أن الكارثة مضت فهل تستعد الدول التي تعرضت للزلزال مباشرة أو استشعرت بارتداداتها لما هو أسوا؟

فقد ذكر الدكتور عصام حجي الباحث في علوم الأرض والكواكب إن تغيير لبّ الأرض الداخلي لمحور دورانه -الذي ذكرته دراسة نشرتها مجلة “نيتشر جيوساينس” العلمية- يمكن أن يؤثر في بعض التغييرات التي تقع في باطن الأرض.

مشيراً إلى توقّف اللب الداخلي للأرض وانعكاس محور دورانه، وهو ما قال عنه إنه يؤثر في تغيّر حركة الزلازل.

وعمّا إذا كان هناك زلزال آخر كبير متوقع، قال حجي إن الضغط الكبير بين الطبقات قد انفك بالفعل وبالتالي فتوابعه تكون أقل حدة، وبالتالي يكون حدوث زلزال ثانٍ قوي احتمالًا ضعيفًا.

وفي المحصلة هذا ينبه إلى ضرورة تفعيل مراكز رصد الزلازل في الدول المعنية والتنبؤ بوقوعها لتفادي آثارها السيئة، من حيث مراقبة المباني والمنشآت وفرض شروط مقاومة الزلازل وشروط السلامة على معاملات المباني ووثائقها الهندسية من حيث عرض الشارع وارتفاع المباني وتطوير بنية الأساسات حتى تمتص اهتزازات الأرض المتحركة وطبيعة المواد اللازمة وأية شروط معتمدة وفق المعايير المناسبة التي تعتمدها الدول المتقدمة كاليابان.. ولا بد من تضافر الجهود حتى نصنع مستقبلنا الآمن بأيدينا فزمجرة الطبيعة لا تعترف بالحدود ولا تدق الأبواب حين تباغتنا.

***

بقلم بكر السباتين

10 فبراير 2023

 

1 – مفهوم "ما بعد الحقيقة" من النشأة إلى التداول

يعود ظهور مصطلح "ما بعد الحقيقة" إلى عام 2016 بعيد إنتخاب الحزب الجمهوري في الولايات المتحدة الأمريكية لدونالد ترامب ليكون مرشحه للإنتخابات الرئاسية لمواجهة مرشح الحزب الديمقراطي وأيضا بعد قرار بريطانيا المفاجىء الإنفصال عن الإتحاد الأوروبي. إنبنى المصطلح في مضمونه على الإشارة إلى الظروف التي تتكون فيها الحقائق "الموضوعية" وإلى دورها في تشكيل الرأي العام. لقد أصبحنا بعد تينك الحدثين نعيش حالة من أهم سماتها سيادة خطاب سياسي وإجتماعي مشحون ومتشنج. لقد شهدنا توسعا في إستخدام المصطلح وفي تداوله، مما مكنه من إنتزاع موقع له في اللغة  بعد فترة من إزدياد وتيرة إستعماله في شبكات التواصل الاجتماعي، تزامن ذلك مع إنعدام الثقة في الحقائق التي تقدمها مؤسسات الحكم التقليدية/ الرسمية. لذلك صار لزاما على معجم أوكسفورد Oxford  أن يدرجه في مصنفه بعد أن ضبط دلالته وحدد معناه، يعرف المعجم مصطلح " ما بعد الحقيقة  post- truth " بأنه: " الظروف التي تكتسب فيها الحقائق الموضوعية تأثيرا أقل في تشكيل الرأي العام مقارنة بتأثير ما تفضله العواطف والقناعات الفردية التي يتم إيثارها على الحقائق العلمية " (1) لقد تزامن ذلك، في إتفاق لا يخلو من دلالة واضحة،  مع إختيار مجمع اللغة الألمانية في نفس السنة لكلمة postfaksch  التي يمكن ترجمتها إلى " ما بعد الحقيقة " للدلالة على الظروف التي تفقد فيها الحقيقة مرجعيتها وتصبح بلا جدوى وبلا فاعلية. (2) لقد إكتسب المصطلح أحقية حضوره بعد إزدياد ميل الناس إلى تشكيل آرائهم وقناعاتهم بناء على المشاعر أكثر منها على الحقائق ولاسيما في ما يتعلق بالشؤون السياسية والإجتماعية  لذلك كثر نزوعهم إلى رفض تقبل الحقائق وإلى قبول الكذب حتى المفضوح منه، وقد إرتبط ذلك بشكل واسع بما تروج له وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي التي تغلب عليها الشائعات أكثر من الحقائق، مع قبول لهذه الشائعات بشكل مثير للدهشة. (3) إن إغراق الإجتماع السياسي في عوالم إفتراضية منبنية على معلومات مضللة وصور زائفة لا تكتفي بأن تكون تغطية لواقع حقيقي ماثل أمام أعيننا، بل تقوم مقامه فيضيع المعنى وتفقد الإحالة التي تضبط العلاقة بين الدال والمدلول مرجعيتها ونجاعتها، يقول جان بوديار Jean Baudrillard  منظر فرنسي وفيلسوف ( ت 2007): " يموت الواقع الحقيقي تحت وطأة تمثلاته غير الأصيلة وتحت النماذج المتخيلة التي من أبرزها اليوم الفضاء الإفتراضي لمواقع التواصل الاجتماعي، صرنا نعيش في عالم تزداد فيه المعلومات أكثر فأكثر  بينما يصبح المعنى فيه أقل فأقل. " وفي كتابه " المصطنع والإصطناع " "Simulacres et Simulation , Éditions Galilée   "Paris ,1981يرى أن المصطنع الذي نعيش فيه سواء كان صورة أو لغة لا يحجب الواقع بل حل نفسه مكان الواقع وذلك بتدميره لثنائية الدال والمدلول، ما يعني أن سلطة الرمز - أي السلطة التي تقف وراء الصور واللغة التي تبثها الوسائل المعلوماتية الجديدة – إفترست المرجعية التي يشكلها أو كان يشكلها الواقع. (4) مصطلح " ما بعد الحقيقة " يقوم على تجاهل الواقع الموضوعي وما يتبدى منه من حقائق فيتم تعويمها أو إعادة تشكيلها أو إجتزاؤها أو التقليل من شأنها، هذه المواقف جميعها نابعة من العاطفة والغرائز التي يغيب فيها العقل والمنطق السليم وهما أعدل الأشياء قسمة بين البشرو عليهما تبنى التحليلات والتصورات،  ما وراء الحقيقة يقع فيما وراء تينك القيمتين، تثقل الحقائق على أصحابها فيصعب عليهم  وجوديا تحملها  والتعامل معها، تركن النفس إلى حقيقتها الخاصة وإلى قناعاتها وليدة نرجسية مفرطة تبحث دوما عما يشبع تمثلاتها. ضمن هذا المناخ العام الذي تغذيه التحولات الإجتماعية والسياسية المتسارعة تجد الشعبوية أرضية خصبة لتمرير مشاريعها.

2 –  الشعبوية والتلاعب بالعقول أو في صناعة إجماع متوهم

إن المشهد السياسي الذي أفرزته الإنتخابات التشريعية الأخيرة (إنتخابات 2019) مشهد مفتت، عمق عجز الطبقة السياسية على إجتراح حلول للمشاكل الإقتصادية والإجتماعية المتفاقمة في ظل غياب برنامج وطني متفق عليه لإنقاذ البلاد، كما أن غياب المحكمة الدستورية فاقم الأزمة لأن وجودها كان سيساعدنا على فض الإشكاليات القانونية وتنازع الصلوحيات بين السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية في جزئها المتعلق برئاسة الجمهورية، مما جعلنا نعيش حالة من صراع التأويلات un conflit d'interprétation  حول مسائل حارقة تتعلق بأمننا القومي وبمصالح البلاد العليا .لقد ساهم هذا الوضع في تنامي المخاوف لدى المواطنين حول إستقرار النظام السياسي وتحولت هذه المخاوف إلى فوبيا تنزع عن الطبقة السياسية قدرتها على إدارة الشأن العام، مما يعطي لدعاة الشعبوية الذريعة لإلغاء الحياة الحزبية برمتها والسعي لتغيير النظام السياسي القائم وتعويضه بنظام مجالسي يفضي إلى مركزة السلطة في يدي رئيس الجمهورية .قد يكون تشخيص الوضع الذي نعيشه سليما،إلا أن الحلول المقترحة لعلاجه تخفي وراءها نزوعا إلى نسف المكتسب وإجهاض المنشود، ضمن هذا المزاج العام الذي خلفته المناكفات السياسية والإستقطابات الحادة وليدة الصراع الإيديولوجي، لا يستنكف البعض عن الإستثمار في الموجة الكبيرة من عدم الرضا والإستياء بسبب ما آلت إليه الأوضاع. تطل علينا الشعبوية والفاشية برأسيهما لتطرحا نفسيهما بديلا ناجعا لمآزق البلاد وتوهمان الناس بقدرتهما على الخروج بالبلاد من عنق الزجاجة وذلك إما بآعتماد النوستالجيا المريضة التي تريد إسترجاع زمن القمع والإقصاء والفساد وهذا حال الفاشية ممثلة في الحزب الحر الدستوري، وإما بالإستناد إلى خيالات سقيمة وآستيهامات أخطأت في قراءة الواقع قراءة صحيحة حيث تريد القفز على منجز الثورة وتحويل وجهتها لترمي بنا في غياهب المجهول، حيث شعارات " من تحزب خان " و" البيت لساكنه " و" اللجان في كل مكان " وهي التي دمرت الشعب الليبي وخلفت وراءها دمارا نفسيا وماديا مازال إخوتنا في ليبيا يتجرعون مرارته ذاك حال الشعبوية. سينصب إهتمامنا على الشعبوية لخطورتها على إستقرار الوضع السياسي بالبلاد، لاسيما وأنها تشغل ركنا هاما في أجهزة الدولة ومؤسساتها، إنها رئاسة الجمهورية الرأس الثانية في السلطة التنفيذية وذلك إستنادا إلى " برنامج " قيس سعيد من ناحية وإلى جملة المواقف التي يعبر عنها بين الفينة والأخرى. تعتقد الشعبوية في أن الديمقراطية بشكلها الحالي في حالة ترهل وأن النظام التمثيلي إنتهت صلوحيته، مما يعني أن التخلص من الأحزاب أصبح ضرورة تقتضيها المرحلة فالأحزاب صارت عبءا على الحياة السياسية وسيكون البديل منظومة حكم جديدة ستغير من واقع الناس، لكن تبين أن ما تعد به الشعبوية لا يعدو أن يكون مشاريع وهمية تدغدغ مشاعر المواطنين ولا تمتلك مقومات التحقق العيني، هي خيالات مريضة تتعامى على حقائق الأمور وتتجاهل الواقع الموضوعي. تطالب الشعبوية بديمقراطية مباشرة كالتي كانت في العصور القديمة والتي تتحول إلى ديماغوجيا سلطوية، فالشعب في أثينا كان قليل العدد ولم يكن منشغلا بأعمال متعددة كالتي تشغلنا اليوم، كان لهم متسع من الوقت يسمح لهم بالإجتماع في الساحة العامة وبآختيار قوانينهم وبآنتخاب من يحكمهم مباشرة،هذه الصورة الأسطورية والمثالية يستند إليها الشعبويون (5) لذلك عندما يقول قيس سعيد: " إن الدستور هو ما يخطه الشباب على الحيطان من شعارات " وأما دستور الجمهورية الثانية فقد " أكله الحمار "  إنه يخاطب جموعا غير واضحة الهوية بعضها إنتخبه طوعا وأكثرهم إنتخبوه كرها، بغرض إسترجاع تلك اللحظة الأسطورية القديمة ليستثمر في عواطف الجماهير الجياشة ومشاعرها الفياضة ورغبتها الصادقة في التغيير، إلا أن ذلك سيؤدي إلى طريق مسدود، لأنه يضاد حركة التاريخ. يقول الفيلسوف فلوران قيران Florent Guenard: " المفكرون الليبراليون يستبدلون النموذج القديم للديمقراطية المباشرة بالحكم التمثيلي: المواطنون يهتمون بشؤونهم الخاصة ويقبلون يتفويض سلطتهم إلى ممثلين عنهم ينتخبونهم " (6)  هذا التصور للديمقراطية هو الذي ساد لفترة تاريخية طويلة وقد شهد مراجعات بغرض تحسينه، إقتضتها ممارسة الحكم وهو أمر معقول، أما العمل على تقويضه فذاك عبث لا طائل من ورائه،  علينا أن نسعى لشد أزر إنتقالنا الديمقراطي الذي يقتضي منا الترفق بتجربتنا والعمل على أن يشتد عودها.

3 - الشعبوية وإستثارة المخيال الديني

يستثير الشعبويون بآستمرار العواطف أكثر من العقل ومفاهيمه، فالكائن في نظرهم كتلة من الرغبات والمشاعرو الغرائز التي ينبغي إستغلالها بطريقة ناجعة للوصول للحكم والبقاء فيه. المواطنون مدعوون للتصويت بحدسهم كرجل واحد، فالفرد يصهر في المجموعة / القطيع، تحت وطأة إنفعال ما أو عاطفة ما مثل كراهية الأحزاب أو الإشمئزاز مما يحدث في البرلمان من تهارج أو إنبهارا بزعيم ما وبشعارات خلابة. يكف الفرد في خضم ذلك عن إستعمال ملكة العقل وينقاد لذلك التيار الجارف فيجد نفسه منخرطا في تطبيق تعليمات القيادة الشعبوية. تعمل هذه القيادة على تمتين اللحمة بين أتباعها بآصطناع أعداء يتعمدون التعمية عنهم فإذا نحن إزاء شخوص وجماعات غير واضحة الملامح تتكفل آلتهم الإعلامية بآستهدافهم والتحذير منهم عبر صفحاتها على شبكات التواصل الاجتماعي. تتواتر في الخطاب الشعبوي مفردات: المتآمرون، الخونة، العملاء، خيانة عظمى،  المندسون،  الغرف المظلمة، المتحالفون مع الصهيونية، ثم تغلق القائمة ب"نعرفهم وسنحاسبهم " يهدف هذا الشكل من الخطاب إلى التحشيد والتعبئة ورص الصفوف خوفا من تآكل صورة رئيس عديم الخبرة، بفعل كثرة أخطائه التواصلية. تختزل الذات الإنسانية في الرؤية الشعبوية في دور الخروف داخل القطيع حيث توجد بعض الأطراف المدانة من قبل الراعي/ الرئيس الذي يعمل على إشعال كراهية بقية القطيع ضدها ليتخلص منها،أين نحن من الدور التجميعي للرئيس الذي هو ملزم به دستوريا !؟.

لطالما كان الدين عرضة للتوظيف والإستثمار منذ قرون، فهو مجال يملؤه المقدس وتجيش به العواطف وتهتز القلوب المؤمنة لتعاليمه وشعائره ولكن يضمر فيه الجانب العقلي فيغيب النقد والإعتراض على كل ما له علاقة به، فذاك يكاد يكون من المحرمات. إن الدين لا يزال يحتل موقعا مهما في البلدان التي يكون له فيها حضور قوي. وهو ما جعل الشعبوية تستثمر في حضور الدين وذلك بالعمل على مغازلة شريحة واسعة من المجتمع والعمل على إسترضائها وكسب أصواتها. ألم يعمد دونالد ترامب في الولايات المتحدة الأمريكية على توسيع قاعدة اليمين الديني المتصهين المتحالف معه وذلك بالعمل على تحقيق مطالبه،إيتداء بنقل سفارة الولايات المتحدة من تل أبيب إلى القدس والسماح لإسرائيل بضم الجولان المحتل في تحد صارخ للقانون الدولي، ثم ها هو قبيل إنتخابات نوفمبر القادمة نجح في إنجاز إتفاقتي تطبيع لدولتين خليجيتين الإمارات العربية المتحدة والبحرين مع إسرائيل ثم تأكيده أن هناك دول عربية أخرى في طريقها للتطبيع مع الكيان الصهيوني في المنظور القريب.إنه يفعل كل ذلك بخلفية عقائدية ترى أن هذا الكيان الغاصب هو تجسيد للإرادة الإلهية وهو مكلف بتهيئة الظروف الملائمة لعودة المسيح المخلص، وعلى ترمب تسريع عجلة التاريخ لترضى عنه قلوب المؤمنين المتلهفة لتحقق النبوءات المسيحانية les prophéties messianiques  التوراتية في أقرب وقت ممكن. لم يكن الدين الإسلامي بمنأى عن التوظيف فمنذ نهاية الخلافة الراشدة  القائمة على الشورى ومع بداية الملك العضوض القائم على التوريث والعسف والظلم، تعرض الدين إلى عملية توظيف من قبل السلطات الحاكمة لفرض شرعيتها المشكوك فيها، مثلما وظفه المعارضون لتلك السلط بغاية نزع الشرعية عنها. في تونس عملت الشعبوية على تزييف وعي المواطن  fausser la conscience du citoyen  وذلك بالإيهام بالقدرة على حل مشاكله هذه القدرة تحتاج إلى صلاحيات لا يمتلكها رئيس الجمهورية، هنا يحتاج الوهم بالقدرة والإستطاعة إلى مصداقية راح يبحث عنها في الموروث الديني فتتواتر على لسانه آيات من القرآن الكريم والأحاديث النبوية والأقوال المأثورة عن الصحابة ولا سيما محاولته التشبه بالخليفة الثاني عمر بن الخطاب رضي الله عنه الذي رسم له المخيال الجمعي السني صورة الحاكم العادل، القائم على شؤون رعيته في كل صغيرة وكبيرة، الساهر على أحوالها والذي أثرت عنه أقوال أصبحت مضرب الأمثال من قبيل: " لو عثرت بغلة بالعراق لسألني الله عنها لم لم تصلح لها الطريق يا عمر " أو " متى إستعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرار" أو "  إضرب إبن الأكرمين " في الحادثة المعروفة بآستغلال النفوذ من قبل إبن والي مصر عمرو بن العاص بتعلة شرف النسب. أن تكون للرئيس زيارات ليلية، في خرق فاضح للحجر الصحي، بدعوى تقديم مساعدات لعائلات محتاجة أمر لا يخلو من شعبوية مقيتة لا سيما حين يتم تصوير ذلك بغرض الترويج لصورة الرئيس من قبل رئاسة الجمهورية من ناحية ومن قبل صفحات في فضاء التواصل الاجتماعي مختصة في تمجيد الرئيس، ثم تبين أن الأمر ليس سياسة معتمدة وإنما هي ممارسات قائمة على إنتقائية في التعاطي مع بعض الملفات، ألن يسألك الله عما يحدث في الكامور، ألن يسألك الله عما يحدث في مناجم الفسفاط حيث ترتكب جرائم بحق الوطن، ثم لماذا هذا التعاطي مع رئيس حكومة تعلقت به شبهات فساد!!! أليس المقام هنا هو"  إضرب إبن الأكرمين " رئيس الجمهورية هذا الذي قامت حملته الانتخابية على الطهورية وعلى نظافة اليد وعلى رفعة الأخلاق لم يهنىء شعبه بعيد الأضحى، لم يلبي دعوة مجلس النواب للحضور في عيد الجمهورية ومجلس النواب هو الذي شهد ميلاد النظام الجمهوري لأول مرة في تاريخ البلاد، ثم إن مسألة تردده  إلى بعض المساجد في الأحياء الشعبية ليتم تصويره وهو يؤدي الصلاة ثم يتم الترويج لتلك الصورة، شعبوية مفضوحة ومقيتة،  لو تأملنا حقيقة ما يحدث بين باردو وقرطاج، سندرك أن الصراع بينهما في أحد وجوهه صراع حول إمتلاك الرأسمال الرمزي  للدين في بلادنا،لذلك يزداد منسوب التشنج عند ما يتعلق الأمر بهذا المجال، فرئاسة الجمهورية وضعت نفسها في تنافس هدفه إفتكاك الحقل الديني le champ religieux  بالمعنى السوسيولوجي من حركة سياسية ذات مرجعية دينية لم تدعي يوما أنها الناطق الرسمي بآسم الإسلام أو هي وصية عليه،إلا أن الشعبوية تتلذذ بخلع الأبواب المفتوحة، فمسألة الهوية وطبيعة المجتمع التونسي قد حسمها الدستور ولم يعد للجدل حولها من معنى، فموقف الرئيس من مسألة " المساواة في الميراث " ورفضه لها والذي أعلنه في عيد المرأة الأخير، جعلته يتموقع على يمين حركة النهضة المحافظة مما أثار حفيظة القوى " التقدمية " وآعتبرته موقفا رجعيا وتعجبت أن يصدرذلك عن رجل قانون. تتعاضد في الشعبوية الصورة والخطاب، ليس لتغييب الحقيقة، بل لينسجا واقعا جديدا يغيب فيه المعنى ليحل محله شيء مصطنع، تعمل الدعاية الإعلامية على تثبيته وآستبطانه في وجدان المواطنين من ناحية، وعلى طمر المرجعية التي كان يستند إليها من ناحية أخرى،  مما يقتضي حفرا أركيولوجيا بحثا عن حقيقة تم آغتيالها وردمها.

الخاتمة:

الشعبوية هي الإسم اللاتيني الذي يحيل على الديماغوجيا أكثر من إحالته على الديمقراطية، هي نداء لشعب مثالي/ متخيل وهي ثقافة الزعيم، وهي إستجداء للعواطف الرخيصة، كل ذلك يبعدنا عن الديمقراطية أشواطا فإذا هي تشويه وإنحراف عن جوهرها وعن مفهوم الذات الإنسانية وهنا يكمن خطرها ومع ذلك لا زلنا في تونس نراهن على قدرة الديمقراطية على ترويض جموح الخطاب الشعبوي بمجرد مروره على قسوة إمتحان الضرورة السياسية وإكراهاتها المرة.( آنظر نور الدين الختروشي، إئتلاف الكرامة في رحلة العبور الصعب، جريدة الرأي العام، العدد 172، 4 سبتمبر 2020، ص 4).

***

بقلم رمضان بن رمضان

باحث في الحضارة العربية الإسلامية

..................

الهوامش والتعليقات:

1 – معتز ممدوح، " عصر ما بعد الحقيقة، كيف تتلاعب السلطة بعقول الجماهير " موقع إضاءات، 30 جوان 2018

2  - نفس المرجع

3 – " ما بعد الحقيقة معيار قلب قيم الإعلام  رأسا على عقب " موقع العرب، 11 جانفي 2017 .

4 – آنظر جان بودريار،...حين يضيع المعنى، جريدة الخليج- الملحق الثقافي، 19 ديسمبر 2016 .

5 – بيار بستولوتي " هل الشعبوية ديمقراطية "، ترجمة رمضان بن رمضان،  مجلة الحياة الثقافية العدد 303، سبتمبر 2019 .

6 - L' obs , hors- série, " Démocratie et populisme "  N 95 , Mai- Juin, 2017,p 46.

تُعدُّ كلُّ من تركيا وإيران ذات أهمية جغرافية نظراً لإشرافهما على طرق المواصلات البرية والبحرية التي تربط بين أوروبا وآسيا، فقد أكسبهما الموقع المتميز فرصة التحكم والسيطرة والإشراف على منافذ بحرية وطرق برية قديماً وحديثاً، فضلاً عن ذلك قربهما واحتضانهما لمنابع النفط والمياه، كل ذلك إضافة إلى موقعهما الجيد الذي أكسبهما أهمية استراتيجية في المصالح الإقليمية والدولية، وهذا ما سنوضحه في الأسطر القادمة.

تقع تركيا في موقع مهم بين قارتي آسيا وأوروبا في وسط مثلث البلقان، والقوقاز والشرق الأوسط بمساحة(786 ألف كم2)، فعبر تركيا تمر الخطوط البرية والبحرية من أوروبا إلى آسيا إضافة إلى إيران، وتوصل روسيا مع منطقة الشرق الأوسط من خلال البحر الأسود، فضلاً عن ذلك فإن تركيا هي الأغنى بالمياه في الشرق الأوسط فالنهران (دجلة والفرات)، ذوا الأهمية الكبرى في سوريا والعراق ينبعان من تركيا، وتُعد تركيا من البلدان الزراعية إضافة إلى غناها بالموارد الطبيعية مثل، الحديد، والفحم، والكروم، والنحاس، كما يغطي إنتاجها من النفط ثلث حاجتها منه.

 أما إيران فتمتد بين خطي عرض (25-40) شمالاً وتشكل موقعاً متوسطاً مهماًّ في الشرق الأوسط، وتُعد المعبر الرئيس للمواصلات بين منطقة الشرق الأقصى في آسيا والبحر المتوسط وأوروبا، وهي تتمتع بموقع جغرافي تطل من خلاله على ثلاثة بحار هي: (بحر قزوين والخليج العربي وخليج عمان) الذي يتصل بالمحيط الهندي، وإيران تقع في الجزء الجنوبي الغربي من قارة آسيا، وهي تشغل مساحة قدرها (1,648,000) مليون كيلومتر مربع، وهي أكبر من مساحة بريطانيا وفرنسا وسويسرا وبلجيكا وهولندا وألمانيا مجتمعة، وتعادل خُمس مساحة الولايات المتحدة الأمريكية.

أما عن موقع إيران الجغرافي فيُعد من أهم العوامل المؤثرة في سياستها الخارجية، وقد منحها موقعها الممتاز أهمية دولية، ولا يخفى أن هذه الأهمية قد استفادت منها إيران في أيام الأزمات الدولية.

حيث إنّ هناك تنافسًا دوليًّا للاستفادة منه؛ لذلك كانت الدول الكبرى تسعى لكسب رضا إيران مما منحها حرية الحركة السياسية في النظام الدولي، وحافظ على استقلاليتها ووحدة أراضيها لفترة طويلة، فالاتحاد السوفيتي كان يعدُّ إيران الممر الآمن له نحو المحيط الهندي، أما الولايات المتحدة الأمريكية فكانت تسعى لوضعها في الفلك الاستراتيجي العربي- الأمريكي كما حصل في عهد الشاه في اتفاقية الدفاع المشترك عام 1959م.

 تزامن ظهور الدولة الصفوية (1501-1736م)- كأول دولة إسلامية فارسية ظهرت في بلاد فارس بعد سلسلة من الدويلات المغولية والتركمانية التي قامت في أعقاب حكم(هولاكو)- مع نمو قوة الدولة العثمانية وتحولها نحو المشرق الإسلامي في عهد السلطان(سليم الأول) (1512-1520م)، مما أدى إلى دخول الدولتين الصفوية والعثمانية في صراع طويل ومستمر، حاول كل منهما التذرع بشتى الذرائع ليجعل لنفسه حقًّا في حكم العالم الإسلامي بما في ذلك الادعاء بانتسابهم إلى البيت العلوي، كما هو الحال بالنسبة للصفويين وادعائهم بأنهم أحق من العثمانيين في فرض هيمنتهم على المشرق الإسلامي.

 ثم بدأ حكم العائلة القاجارية في إيران, رسميا في عام 1796م, عندما استولى (أغا محمد خان قاجار) على الحكم, وأسس دولته بـعد القضاء على التسيب والانحلال الذي شهدته إيران فـي أواخر العهد (ألزندي), وامتد حكمه حتى عام 1797م , واستخدم أقصى أساليب القمع والبطش والإرهاب ضد خصومه.

أصبح النظام القاجاري ثقلاً على عاتق الإيرانيين الذين تطلعوا إلى قيادة تُعيد لهم هيبتهم وسيادتهم وتحسين وضعهم الاقتصادي، في ظل هذه الظروف استطاع (رضا خان) بدعم وتأييد من البريطانيين من القيام بانقلاب عسكري في (21فبراير1921) سمي (انقلاب الحوت) وكان من نتائجه صعود (رضا بهلوي) على المسرح السياسي الإيراني ووصوله إلى رئاسة الوزراء.

وبتاريخ التاسع والعشرين من أكتوبر عام 1923م ظهرت على المسرح السياسي التركي شخصية (مصطفى كمال أتاتورك) الذي أسس الجمهورية التركية الحديثة بتاريخ يوليو 1923م، وعلى إثرها فاتحت إيران تركيا لبناء علاقات إيرانية تركية  قائمة على الاحترام المتبادل لمصلحة الدولتين وعدم التدخل في الشؤون الداخلية.

 وكان(رضا خان) قد تأثر بالسياسة الحديثة التي أعلنت في تركيا ومحاولته السير على خطى (مصطفى كمال أتاتورك) فقد روَّج لفكرة إقامة النظام الجمهوري في إيران منذ العام 1924م، غير أن محاولته باءت بالفشل بسبب موقف المؤسسة الدينية المعارضة لمشروع إنهاء الحكم في البلاد وإعلان الجمهورية.

 كانت العلاقات العثمانية – الكردية متوترة وكثيرًا ما كان الأكراد يقومون بانتفاضات ضد الحكم العثماني، لكن بعد إعلان الجمهورية التركية والترويج لسياسة الديمقراطية وحرية التعبير والمشاركة السياسية الحرة استقرت إلى حد ما العلاقة مع الأكراد.

لذا فإن قيام مجموعة من الأكراد بالإغارة على الجنود الأتراك عام 1927م، في المنطقة الحدودية المشتركة بين البلدين؛ أدى إلى قيام الصحف التركية بتوجيه أصابع الاتهام وتوجيه اللوم إلى الحكومة الإيرانية بدعم المتمردين الأكراد.

 في المقابل لم تستجب حكومة طهران للمطالب التركية، احتجاجا على الحملة العسكرية التي تجاوزت فيها القوات التركية على أراضي إيران، وشهدت العلاقات بين الطرفين منذ شهر أكتوبر عام 1929م توترا، حيث سحبت إيران سفيرها من (أنقرة) وأخطرت السفير التركي في(طهران) بالعواقب الوخيمة لما أحدثته الحملة التركية الأخيرة وإغارتها على القرى الحدودية، وفي نوفمبر عام 1929م، وعند حضور اجتماع عصبة الأمم حاول وزير الخارجية الإيراني(محمد علي فروغي) بيان موقف إيران مما جرى على حدود بلاده مع تركيا، بعدها وجه القائم بالأعمال التركية في طهران برقية إلى الحكومة الإيرانية أوضح فيها أن حكومته بصدد وضع خطط جديدة في سبيل إنهاء التمرد الكردي. 

كما طلب من الحكومة الإيرانية المساعدة العسكرية تجنباً للانسياق وراء أزمات السنوات السابقة. كانت القضية الكردية قد أدت إلى بلورة العلاقات الإيرانية التركية، حيث توافقت مصالح البلدين لإنهاء تلك القضية، وعدم السماح بإقامة دولة كردية منفصلة، لما له نتائج سلبية في كلتا الدولتين لوجود الأكراد فيهما، لهذا شكلت المدة (1927-1930م) حلقة فاصلة في تاريخ العلاقات الإيرانية التركية وعلى إثر تلك التطورات عادت العلاقات الإيرانية التركية إلى طبيعتها.

وما إن جاء عام1930م حتى ظهرت مسألة فض الخلافات الحدودية بين البلدين، حيث أمر (أتاتورك) وزير خارجيته (توفيق بك) بالتوجه إلى طهران وإجراء محادثات بهدف إنهاء الأزمة الحدودية مع إيران، بحيث تتمكن تركيا بعد موافقة إيران السماح لقواتها النظامية باجتياز الحدود الإيرانية المشتركة معها لمطاردة المسلحين الأكراد والقضاء على تحركاتهم في المنطقة الحدودية، فكان من نتائج ذلك القضاء على الحركة الكردية قضاءً مؤقتاً فانعكس ذلك إيجاباً على العلاقات الإيرانية التركية.

ففي يناير من عام 1932م قام وزير الخارجية التركي(توفيق رشدي) بزيارة إلى طهران لبحث مشكلة الحدود مرة أخرى وتمخضت الزيارة عن التوصل إلى اتفاق بين البلدين وضع أسس الاتفاق التجاري والاقتصادي الذي نص على إعطاء تسهيلات كبيرة للأتراك في إيران، والموافقة على مد خط حديدي من تبريز إلى طرابزون مروراً بمنطقة أرضروم، والموافقة على مرور البضائع الإيرانية عبر الخط الحديدي بطريق الترانزيت، وإعادة النظر في معاهدة الصداقة الإيرانية – التركية وإبرامها وفق مقتضيات تتفق مع علاقتهما الجديدة.

جاءت زيارة (رضا بهلوي) إلى أنقرة في الثاني من يونيو عام1934م لتدفع مسار العلاقات بين تركيا وإيران إلى مدارات أكثر تطوراً بسبب ما تمخض عنها من نتائج مهمة وما رافقها من اتفاقات توصل إليها مع نظيره (مصطفى كمال أتاتورك)، وقد شهدت السنوات اللاحقة سعياً محموماً لعقد ميثاق مع بعض دول الشرق الأوسط يقف حائلاً أمام المد الشيوعي من جهة وخُتم بتوقيع ميثاق (سعد آباد) في عام 1937م ليصب في هذا الاتجاه وليوثق العلاقات الإيرانية– التركية أكثر فأكثر، حيث تم الاتفاق على ميثاق (سعد آباد) بتاريخ الثامن من يوليو عام 1937م، الذي جمع علاوة على إيران وتركيا كلاًّ من العراق وأفغانستان، وقد وقِّعَ الاتفاق في (قصر سعد آباد) في إيران.

تضمن الميثاق بنود عدة وقَّعها كل من (ناجي الأصيل) وزير الخارجية العراقي و(فايز خان) وزير خارجية أفغانستان و(عناية الله سامي) وزير خارجية إيران و(توفيق رشدي آرز) وزير خارجية تركيا، وتضمنت بنوده تبنِّي سياسة عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، واحترام الحدود المشتركة للدول الموجودة فيه، وأن يستشير بعضهم بعضا في الأمور المتعلقة بالصراعات الدولية التي تتعلق بمصالحهم المشتركة، وعدم الاشتراك في أي اعتداء على دول الميثاق، وضرورة الاستعانة بمجلس عصبة الأمم لحل المشاكل المستعصية، فيما دعت المادة الأخرى إلى التعاون المشترك لضرب كل الحركات المعادية التي قد تحدث في المناطق الحدودية وكان يقصد من وراء ذلك الأكراد.

وألحق بالميثاق بروتوكول نص على تأليف مجلس مشترك يتكون من وزراء خارجية الدول الموقعة عليه، وأن يجتمع مرة واحدة في السنة على الأقل، وتكون له سكرتارية خاصة وما إن قامت الحرب العالمية الثانية واشتد أوارها حتى تحددت مواقف العديد من الدول منها، وكان موقف كل من إيران وتركيا في بداية الحرب هو الوقوف على الحياد.

وبالنسبة لتركيا لم يكن وقوفها على الحياد عملا سهلا بل كلَّف البلاد غاليا، فقد كان لهيب الحرب يكاد يطال الحدود التركية من كافة الجهات، كما أن التهديد الخارجي كان يهدد الأتراك؛ ولهذا حافظت تركيا على وجود قوة عسكرية ضخمة للدفاع عن البلاد في حالة اقتراب الخطر منها، وكان حيادها حيادا مسلحا باهظ الثمن وقد حافظت تركيا على اتصالها الوثيق بالبريطانيين الذين لعبوا دورا رئيساً في تجهيزها بالمعدات العسكرية وكان الإنكليز يعملون على محاولة إدخال تركيا الحرب إلى جانبهم، حيث قامت بالعديد من الاجتماعات والزيارات من أجل ذلك، لكن تركيا استمرت في حيادها من الحرب إلى أن وضعت الحرب أوزارها في عام 1945م، بذلك جنبت تركيا نفسها الدمار وبقيت على علاقة جيدة مع الأطراف المتحاربة.

أما إيران فقد تمسكت بحيادها مؤقتاً، حيث كان الشك يراود الشاه من احتمال مهاجمة الجيوش السوفيتية للأراضي التركية مما يضع إيران في خيار صعب، لا سيما وأن تركيا تسعى إلى كسب ودّها حتى لا تكون نقطة انطلاق لمهاجمة الأراضي التركية، كما دعت إيران إلى عقد اجتماع طارئ داعمة لتركيا، إذا أقدمت الجيوش السوفيتية على اجتياح الأراضي التركية، لكن الموقف الإيراني تغير، ففي مايو عام1941م اجتاحت قوات الحلفاء (بريطانيا والاتحاد السوفيتي) الأراضي الإيرانية، وانهار جيش (رضا شاه) ولم تكن هناك مقاومة تُذكر للاحتلال سوى مقاومة بسيطة, رغم دعوة الحكومة للجهاد ضد القوات المحتلة. وترتب على الغزو (الانكلو- سوفيتي)لإيران جملة نتائج، فقد قسمت البلاد إلى ثلاثة أقسام؛ إذ سيطر السوفيت على الولايات الشمالية الخمس (أذربيجان، وكيلان، ومازندان، وخراسان، وجرجان) في حين سيطر البريطانيون على الأجزاء الجنوبية والغربية، وهي إقليم الأحواز وجزء من كرمنشاه، أما المنطقة الثالثة فكانت منطقة حياد وتشمل (طهران، وأصفهان، ومشهد).

وعلى ضوء ما جرى في إيران وبضغط من السوفيت والبريطانيين تنازل (الشاه) الذي تولى الحكم لمدة ستة عشر عاماً (1925-1941م) عن العرش لولده (محمد رضا) البالغ من العمر22سنة، ثم ترك إيران ليموت في المنفى بجنوب إفريقيا عام 1944م.

وعندما انتهت الحرب العالمية الثانية طمع كل من الروس والإنكليز بالبقاء في إيران وتقسيمها بينهما، لكن الحكومة الإيرانية تغلبت على المصاعب بمساعدة مجلس الأمن، وفي (2 /مارس/ 1946م) رحل الإنكليز عن إيران، في حين اضطرت القوات الروسية إلى الرحيل بعد ذلك في مارس 1946م.

أدى وصول(محمد رضا بهلوي) إلى الحكم إلى تحقيق نوع من التنسيق السياسي في الاتجاهات الخارجية للطرفين، لاسيّما وأن الدولتين بدأتا تسيران في فلك الدول الغربية والمعسكر الغربي لحاجتهما إلى المساعدات الاقتصادية التي نجمت عن تدهور اقتصادهما بسبب قيام الحرب وما رافقها من كساد تجاري كبير، انعكس بشكل سلبي على أوضاعهما بشكل عام، وشهدت السنوات التي أعقبت الحرب العالمية الثانية تنسيقاً سياسيا في مواقف تركيا وإيران حيال الاتحاد السوفيتي، وضرورة الوقوف بوجه امتداد نفوذه إلى بلادهما، وكان ذلك متزامنا مع الرغبة الغربية في تقديم المساعدات الاقتصادية للأتراك والإيرانيين بشرط مكافحة الشيوعية.

جاء ذلك منسجما مع سياسة الحكومتين الإيرانية والتركية حتى عام1950، الذي شهد وصول حزب جديد للحكم في تركيا هو (الحزب الديمقراطي)، وانعكس ذلك على علاقات الأخيرة مع إيران.

وفي الخامس عشر من مارس عام 1951م أصدر مجلس النواب الإيراني قرار تأميم عمليات شركة النفط الإنكلو- إيرانية(Anglo-Iranian Oil Co)، وبعد خمسة أيام صادق مجلس الشيوخ عليه وصار قانوناً وتحقق حلم الجماهير الإيرانية؛ ولذلك عهد الشاه إلى (محمد مصدق)، بتشكيل الوزارة فشكلها يوم 6 مايو عام 1951م، وقرر مجلس الوزراء رفع يد بريطانيا عن النفط، وكان من الطبيعي أن تدخل حكومة(مصدق) في صراع مع الحكومة البريطانية، لتأميمها للنفط لأن شركة الإنكلو- إيرانية، لم تكن شركة تجارية فحسب وإنما كانت تمثل مصالح الحكومة البريطانية داخل إيران، وشكلت هذه الشركة بمرور الزمن دولة داخل الدولة؛ لذلك لم يكن بأي حال من الأحوال أن تقف الحكومة البريطانية حيال عملية تأميم شركتها موقفا متفرجا؛ لذا خاضت عبر سنوات امتدت من عام 1951-1953م صراعاً مريراً نجم عنه أخيراً إسقاط حكومة (مصدق) وفشل تأميمها للنفط الإيراني.

لكن موقف الحكومة التركية من أحداث تأميم النفط الإيراني كان قد تميز بالانحياز إلى الحكومة البريطانية وإن تظاهر بالحياد، فعلى الرغم من وجود فئة قليلة من السياسيين الأتراك من أعضاء وقياديي الحزب الديمقراطي الذين ساندوا إيران  في موقفها مدعين أن الإيرانيين في تحملهم هذا (إنما يحاولون إن يحققون لأنفسهم ما حققه (مصطفى كمال أتاتورك) في تركيا)، إلا أن معظم قادة (الحزب الديمقراطي) وأغلبية أعضائه كانوا قد ساندوا بريطانيا في موقفها من الصراع النفطي مع إيران، منطلقين من أن (قضية النفط الإيراني تمس بشكل أساس سِلم العالم الذي يهم الدول الديمقراطية ومن ضمنها تركيا التي اهتمت بهذه المسألة كثيراً؛ لذلك فإن إسناد الحكومة التركية لبريطانيا في هذه القضية أمر يهم العالم بأسره لأنه يبغى المحافظة على السِّلم والأهم من ذلك أن النفط الإيراني الذي يبلغ إنتاجه السنوي حوالي(31) مليون طن، قد تستولي عليه روسيا السوفيتية سواء كان ذلك عن طريق الاتفاق مع إيران أو عن طريق التدخل في شؤونها الداخلية) ؛ وذلك يتعارض مع مصالح تركيا المعادية للسوفيت. 

ومما تقدم نستخلص، أنَّ مع بروز الدول القومية في الشرق الأوسط لم يشكل الاختلاف الديني أو المذهبي عائقاً في تنامي العلاقة بين الدول، بقدر ما يكون للمصالح السياسية والاقتصادية الدور الأساس في بنائها، كما أسهمت مجموعة من المتغيرات الداخلية والخارجية بالتأثير في تلك العلاقات بين البلدين وكانت نتاج عوامل مشتركة ومعطيات متبادلة دفعت العلاقات نحو التوتر أحياناً ودفعتها باتجاه التنسيق المشترك أحياناً أخرى، تحقيقاً لمصالحهما العليا درءاً لمخاطر يمكن أن تتعرض لها الدولتان بسبب الأهمية لموقعهما الجغرافي المتميز لكلا البلدين، وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية ومجيء الاحتلال الروسي البريطاني للأراضي الإيرانية, لكن حنكة السياسة الإيرانية أدت إلى رحيل الإنكليز عن إيران وتلتها القوات الروسية، حيث كان الموقف التركي من تأميم النفط الإيراني انحياز تركيا التام للحكومة البريطانية رغم تظاهرها بالحياد؛ وذلك من أجل مصالحها مع الدول الغربية والاستفادة أكثر من المساعدات الاقتصادية.

***

د. حميد ابولول جبجاب

من يتعرض لدراسة اسباب فساد الجماعة الاسلامية بعد انتقال الرسول محمد(ص) الى الرفيق الاعلى، لابد ان يوطن نفسه على مواجهة حشد كبير من المشاكل والصعوبات قبل ان ينتهي الى رأي معين يمكن الأعتماد عليه.. شأنه في ذلك شأن كل الموضوعات الخاصة بالجماعة الاسلامية على مدى تاريخها الطويل.. ان هذه الجماعة ودولتها الجديدة وكل ما يتصل بها وما وقع للمسلمين خلال مدة حكمها يتعذر على الدراس ان يقول قولا ثابتا فيها، الا بعد الجهد البالغ لأن الأصول التي تبنى عليها الدراسة السليمة واسعة ومختلفة ومتضاربة، فالأصول والمراجع كثيرة جداً، لكن الدراسات التي تمت بشأنها يفتقر بعضها الى الاصالة والمنهجية التاريخية، فبعض الاصول يمكن ان توصف بالزيف، والموضوعات التي كتبت بخصوصها يدخلها الهوى من كل جانب دون تحقيق.

هذا التوجه الناقص في تلك الدراسات البعيدة والقريبة المتأئرة بالنص المقدس وتحريم الاقتراب منه وتفسيره بما يتلائم والصيرورة التاريخية يحتم علينا اليوم التدقيق واعادة النظر فيها بعيدا عن التـأثيرات او الاهواء الشخصية، لان الاخبار التي تناقلتها كتب التاريخ وتصرفات رجال الدولة الاسلامية بعد محمد(ص) التي نشأت بلا مؤسسات قانونية كان بعضها مبالغا فيه ولربما مخترعاً.

ورغم الاقرار الحقيقي بان بواد الضعف والتغيير قد بدات منذ وفاة صاحب الدعوة.. وقد حاول بعض رجال المسلمين احتواءها فلم يتمكنوا، وخاصة بعد الخلاف بين المهاجين والانصار على الخلافة.. لذا ظلت الدعوة ترافقها أحداث جسام كضرب الشورى وحروب الردة والتأسيس القرآني للمجتمع، وأكتشاف القانون الذي يحكم الظاهرة الجديدة لنشر الاسلام الذي طالبهم بالرأي والرأي الأخر... فقد انتهت العصبية القبلية وحل محلها قانون السماءالمحدد بأعتباره التطبيق الامثل للنظرية الجديدة وأنتهاء عصر القبيلة لكنهم كانوا بعيدين.

ان الذي لم تفهمه القيادة الاسلامية الجديدة هي الظاهرة الجديدة بعد الرسول التي كانت محكومة بظروفها وتطورها.. من هنا كانت اهمية التجديد على مستوى الرؤية التاريخية لتكون قابلة للفعل في ظروف العصر الجديد.. لتتحول الى مشروع بنمطلقات وتوجهات في مستوى النظر والعمل معا في التطبيق.. وعلى مستوى المعيار الزمني المتحرك في التغيير.. بأعتباران أنتهاء نظام النبوة والرسالة وهو الأيذان بأن الأنسانية قد بلغت سن الرشد وبدأت مرحلة تحمل الأعباء.. فلم تعد السلطة والمال يحركان الدعوة كما فهموها أنذاك.. بل نظرية التطبيق في الأعتقاد بعد ان صار العقل حراً مختارا يتوجه بهدى القرآن.

وبأكمال الرسالة "اليوم أكملت لكم دينكم..." وهذه الاشارة القرآنية اوحت للجميع الى بدء مسار جديد للانسانية بأكمال الدين واتمام النعمة وقد كان الرسول شاهدا، فعلى المسلمين ان يكونوا شهداء وهم حاضرون الحدث.. فكيف انقلبت الامور ؟ علينا هنا ان نبحث في التفاصبيل التي غيبها المؤرخون.

ولربما يتسائل البعض عن هذه الاحداث التي انهت عصر الرسول(ص) واستبدلته بعصر السلطة والمال والعصبية القبلية التي أماتت الدعوة الاسلامية منذ البداية.. ولا زلنا نقدس عصر الراشدين دون تحقيق.ففي عهد الخلافة الراشدة التي دامت 29 سنة "11-40 للهجرة " وحكم فيها اربعة من الخلفاء تحولت الخلافة الى مؤسسة نزاع وقثل وتصفيات متخذة من الردة وابعاد الشورى واحلال المحاصصية وابعاد الرأي الأخر دون رقيب اوحسيب.. فأصبح الاموي هو البديل.. والمعارض سموه بالخارج عن الدين.فتوقفت الدعوة منذ عهد بعيد.. فكان السيف في الانتظار للمطالبين بالشورى والحقوق فأختلف الامر على المسلمين حتى ندم الخليفة الرابع على قتل المعارضين.. يقول الخليفة الرابع :"اللهم أجعل بيني وبين الذين قاتلتهم مودة" فلا ندم ينفع ولا تراجع يصلح.. وهكذا كان.. سيف وقتال وخصام على مدى عمر دولة الاسلام.. وأختفاء القانون.. من هذا الواقع المر تريد منهم ان يصنعوا دولة.. ؟

كل هذه الحقائق عتم عليها المؤرخ ليصبح الخليفة راشدي والاموي عضوض والعباسي يستمد السلطة من الله:حسبما يقوله الخليفة ابو جعفر المنصور "انما انا سلطان الله في ارضه...اطيعوني ما أطعت الله" حتى احيط باسوار العصمة والقداسة وليبقى الخطأ دون تعديل.. وحتى اصبح الكفر السلوكي اي الاعتداء والظلم واقعا دون تغيير.. من هنا يجب ان تكتب حقائق التاريخ.. حتى لايصبح التاريخ ملاذاً آمناً في ظل واقعٍ غير جدير بالأحتفاء.وما دروا ان كتابة التاريخ الاسلامي هو رحلة هذه الامة وقصة ظهورها.. فكراً وفقهاً وفلسفةً وعقيدةً وليس روايات وأساطير الآولين.

من هنا اصبح تاريخ الاسلام لا يمثل تاريخ محمد(ص) الامين ودعوة المخلصين والعلماء المجاهدين.. بل يمثل عقيدة تخمة الانتهازيين المزيفين الزاعقين بالشعارات التي لا يفهم منها الا العنف والظلم وعنصرية الطائفيين.. كما ارادته البويهية والسلجوقية ومن جاء من بعدهم من المزيفين من رافعي شعارات المذاهب الموضوعة التي لا اساس لها في الدين والى اليوم.. حتى أصبح تاريخنا يكتب بلقة المنتصرين.. في غزو الشعوب وأخذا السبايا، وجز الرقاب، وما ملكت ايمانهم لتباع النساء في سوق الاربعاء بلا حقوق (كداعش والقاعدة وطالبان اليوم) لنسميها حضارة المسلمين.. لاندري عن اية حضارة يتكلمون.. وعن اية مؤسسات قانونية يتفاخرون سوى السيف وجز الرقاب للمعارضين.. فلم يعد لدينا ما نفتخر به.. بل نفتخر ونتشرف بما يُخزينا في العالمين.

نحن نكتب للقارىء العربي والمسلم النبيه لا للمتعصب العنيد، لكي يصحى على ما يقرأ ويسمع.. ليبتعد عن المبالغات واقاويل مؤسسة الدين ومن يواليها من الحاكمين ومرجعيات الدين.. وبعد ان اصبح التسامح بعيدا عنا.. والتعصب عقيدة لنا.. فهل سنقرأ النص قراءة رأسية ليكون فكرنا رافضا للتزوير.. بعد ان كتبت سيرة الرسول (ص) بخمسة اقلام هي سيرة ابن اسحاق، وابن هشام، وابن سعد، وموسى بن عقبة، وعبدالله الانصاري وغيرهم كثير بعد مائة سنة من الدعوة، كل منها يعادي الاخر ويصف السيرة بما يخالف الواقع في التحقيق.. فأين تاريخنا المعتمد الصحيح.. ؟ سنوالي التحقيق.. مهما يقولون فينا من الناقضين.. على الواعين ان يحترموا قول الحقيقة او بعضها وان كانوا لها من الكارهين....

املاً في البحث والتدقيق في اصول التاريخ الاسلامي لنصحح ما يحتاج الى تصحيح وتصفية ما يحتاج الى تصفية مما شابه من عدم الدقة ومن سوق الاخبار على عواهنها مما اساء الى امة الاسلام والمسلمين.. ولا زلنا الى اليوم في دور التخلف متراجعين.. بعد ان غلفت السلطة كل باطل بغلاف الدين حتى اصبح رأيهم الناقص الذي لا يمكن منعه.. هو المباح.. فاصبحنا لغزُ محيرُ ملفوف بالغموض.. فمتى نصحى على حقيقة التصحيح...؟

***

د.عبد الجبار العبيدي

لعل سبب هذه الظلال الكثيفة لتلك الزيارة الخاطفة التي أجراها وزير خارجية الكيان المغتصب إيلي كوهين لعاصمة السودان قبل عدة أيام مردها هو خصوصية تلك العاصمة التي ترفض التطبيع أشد الرفض وأعنفه، فقد عرفت الخرطوم بتعصبها وجمودها على آراء الدول الغربية التي كانت تستهجن موقفها الثابت من التطبيع، كما عرفت تلك العاصمة التي احتضنت مؤتمر اللاءات الثلاثة  في 29 أغسطس 1967م عقب الهزيمة النكراء التي تجرعها  نظام الرئيس المصري جمال عبد الناصر، والتي نادى فيها هذا المؤتمر  بالمضي قدما في محاربة العدو الصهيوني حتى يعود الحق لأصحابه وتتحرر كل الأراضي العربية التي شمخ فيها البغيض بأنفه، فلا صلح زلا اعتراف ولا تفاوض، وبعد ما يدنو من الستة عقود على انعقاد هذا المؤتمر ما زالت الكثرة من الشعب السوداني تقف نفس موقفها السابق ولم تحيد عنه، ترقب رئيس مجلسها السيادي الذي لم توفضه أو تختاره وهو يسعى أن يضطرها إلى توطيد علاقات لم تكن مألوفة لها من قبل في غير نظام ولا اطراد،  فالفريق أول البرهان يريد أن يدفع مناصرة شعبه للقضية الفلسطنية نحو الجمود والتحجر، يريد هذا الرجل أن يفحمنا بحصافته وعبقريته، وجبروت ذهنه، الذي فاق كل تقدير واعتبار، فالرجل يسعى أن ينال السودان الذكر الجميل المأثور، والثواب الجزيل الموفور، من قاطن البيت الأبيض وأشياعه في القارة العجوز، ونسي أن عترته خلقت لتقود لا لتقاد، وأن المصائب قد سلطت على شعبه من كل ناحية، وأخذت عليه كل سبيل من قبل، فلم يفكر لحظة في مصانعة عدوه ومواددته، ولم يشرئب قط لأننحيازه إليه، أو يهفو لمقدمه عليه، بل كان يقيم أوضح الأدلة وأقواها على مظاهر الصبر والاحتمال حتى هدأ واستقر، حينما كان يتحلى بايمانه لمجابهة كل عدو، ويتذرع بصبره لمقارعة كل نازلة.

إن حلم التطبيع الذي يراود أحفاد القردة والخنازير في تل أبيب، و الذين ورطوا ارئيس المجلس السيادي السوداني في إثارته، لن يكون يسيراً ولا ممكناً إلاعندما تتحد آمال الشعب ومشاعره مع وجهة نظر القائد، وهذا أمراً دونه خرط القتاد، فنحن تعلمنا معنى الكرامة من أسلافنا، وسنعلمها حتماً للأجيال التي تعقبنا لأنها ضرورة من ضرورات العيش الكريم، وقضية فلسطين ومعاناة شعبه حاضرة يقرؤها التلاميذ في كتب المطالعة، ويدرسونها فصولاً من الأدب، ويتعصبون لها كل اشتد الوغى أو ارتقى شهيد، إن مناصرة أحفاد المهدي ونمر والتعايشي ودينار، ودقنة وترهاقا وعرانين سنار، للقضية الفلسطنية عهدا لا تهتدي الأيام إلى فسخه، ولا ترتقي الليالي إلى نسخه، بل هو مؤثل ثابت يتجدد كلما تجدد الزمان، فحنانيك أيها الفريق، ولا تكلف نفسك الجهد العنيف، والإلحاح في السعي لمتصل في تحقيق الغايات التي يصعب الوصول إليها، إن قضية فلسطين العادلة أيها الزعيم ما زالت جموع الأسود لها محبة، وبها واثقة، وحولها ملتفة، والشعب برمته يدرك أنك تبتغي الحكم وتذوب حشاشة نفسك فيه، وأن الوسيلة التي تجعلك لا تنزل عن  مناصب الحكم، هو التزلف للصهاينة حتى تشتد عنايتهم بك ويجعلونك تعطل القانون، وتئد الدستور، وتخيب رجاء الأمة فتعمل لكبوتها لا نهضتها كما يعمل حكامنا الأشاويس من الخليج إلى المحيط، وفي الحق إن عهدك أيها الزعيم المتهافت للتطبيع، انتهكت فيه الحرمات، واشتدت فيه الخطوب، وسفكت فيه الدماء، وعظم فيه البلاء، وانتشرت فيه الأخبار بقبيح ما أرتكب، وعظيم ما احتقب، وتعرض فيها وطنك لأِشنع الأخطار، وأنت هادئ مطمئن فلا ضمير يؤنبك حينما تخلو إليه، ولا برلمان عاصف يدفعك لأن تستقيل، ألست ترى أن الأمر قد بلغ من الهزل أقصاه؟ وإنتهى من السخف إلى غايته كما يقول الأديب الضرير، وأنت مستنداً إلى صولجان حكمك لا تتكلف مشقة، ولا تحمل ضراما، فلا عهداً وثقته، ولا بيان أحكمته، ولا تحالفاً وكدته سوى تحالفك مع أوغاد البشرية وطغمامها وأراذلها، وهو التحالف الذي دلفت إليه دلوف الجاهل بربه، الذاهل عن رشده، المركوس في غيه، المسوق إلى حتفه كما قال صاحب كتاب المختار هلال بن زهرون الصابي، إن حكومتك المتداعية أيها الحاكم الجائر مقيدة بأسخف القيود وأثقلها وهي قيود التبعية التي تقتضي مصادرة القرار، ومقارفة الدنايا وهو الأمر الذي لا يجد فيه كل الساسة الآن مشقة ولا غرم، خلا التيار الإسلامي العريض الذي يجد لذته في مناوشة الباطل، والتغلب على الأباطيل، وفضيلة الجهاد التي باتت خليقة راسخة فيه حتما ستدفعه لأن يبلغ بغيته في جهد متصل وسعي عسير، فهذا التيار كما يعلم الجميع لا يحرص إلا على إرضاء الدين والنهوض بحقه، وأن يحقق لشعبه أسباب الكرامة التي لا تحتاج إلى تعمق أو استقصاء وكفى.

***

د. الطيب النقر

 

تمر الأحداث في العراق دون أن يعيرها الشارع العراقي اهتماماً خاصاً رغم أهميتها وتأثيرها على حياته ومستوى معيشته، ومن بينها زيارة رئيس الوزراء العراقي الحالي محمد شياع السوداني لألمانيا وبعدها لفرنسا، وحديثه عن الصفقات الكبرى مع سيمنس الألمانية وتوتال الفرنسية، وتوسله لزيارة واشنطن، وطلب مساعدة الأردن وتدخل العاهل الأردني شخصياً لدى الرئيس الأمريكي بايدن لتلقي دعوة لزيارة الولايات المتحدة الأمريكية ومقابلة بايدن كما أشيع في الأوساط الإعلامية. وأزمة الدولار وارتفاعه المدوي الذي بات يمس على نحو مباشر حياة المواطن والقدرة الشرائية للعراقيين وتفاقم الغلاء وارتفاع أسعار السلع الضرورية خاصة الفقراء ومتوسطي الدخل. وخبر اختطاف الناشط البيئي والخبير بالموارد المائية والأهوار جاسم الأسدي الذي اختطفته عناصر مسلحة مدنية في وضح النهار على الطريق بين الحلة وبغداد وهذا ما يؤشر على هشاشة الحكومة وضعفها وعدم سيطرتها على العناصر المسلحة المنفلتة وعدم توفر الأمن المجتمعي.

ما الّذي يجري في العراق ومن يحكم هذا البلد حقاً؟ هنالك ما نراه ونلمسه مما يدور فوق سطح المشهد السياسي العراقي ظاهرياً ويعطي الانطباع عن استقرار نسبي وهدوء يسبق العاصفة في سير العملية السياسية بعد أن نجح الإطار التنسيقي الهجيني، المتماسك ظاهرياً، في أخذ السلطة وتشكيل الحكومة من خلال مناوراته التي لا تتسم بالفروسية، في عزل وتحييد التيار الصدري الفائز في الانتخابات التشريعية الأخيرة، وجر حليفيه السابقين في التحالف الثلاثي، وهما الحزب الديموقراطي الكوردستاني بزعامة مسعود برزاني، وتحالف تقدم السني بزعامة محمد الحلبوس لتشكيل ما سمي بتحالف إدارة الدولة الذي بات يمتلك الأغلبية البرلمانية  اللازمة لتمرير صفقة اختيار رئيس الجمهورية الكوردي والذي بدوره يقوم بتكليف مرشح الإطار التنسيقي لرئاسة الحكومة وهو محمد شياع السوداني وهذا ما تم تحقيقه بالفعل. ولكن هل نعرف ما يدور في الكواليس وتحت سطح العملية السياسية والذي انكشف جزء منه من خلال تسريبات المالكي وتسريبات الجلبي وغيرها؟

يبدو التيار الصدري منعكفاً ومنعزلاً عن الحراك السياسي لكنه في واقع الأمر يتبع سياسة الصقر المحلق الذي يراقب تحركات فريسته لينقَضّ عليها في اللحظة المناسبة. وهناك الغضب الشعبي الكامن من فساد وسرقات الطبقة السياسية الحاكمة وإهمالها للشعب وتجاهلها لأبسط متطلبات عيشه الكريم في الخدمات والتعيينات ومواجهة أعباء المعيشة الأمر الذي تسبب في تفجير ثورة شعبية في تشرين 2019 التي قمعت بالحديد والنار والاغتيالات والتصفيات الدموية في عهد عادل عبد المهدي وركوب موجتها من قبل خليفته الجاهل والساذج مصطفى الكاظمي الذي وعد ولم ينفذ أي من وعوده وحقق كغيره من رؤساء الحكومة السابقين ثروته الشخصية  مع من كان يحيط به من شخصيات فاسدة كرائد جوحي وأمثاله وذلك عبر السرقة والاختلاس واستغلال النفوذ والمناصب .

محمد شياع السوداني ليس سوى مرشح تسوية وهو ليس أكثر من مدير عام في نظر سيده وراعيه السياسي قيس الخزعلي رئيس ميليشيات عصائب أهل الحق. فهو إسلامي الرؤية والمنهج وعضو حزب الدعوة تنظيم الداخل الذي يتزعمه خضير الخزاعي المنشق عن حزب الدعوة الأم الذي كان في المنفى بأجنحته الثلاثة، البريطاني بقيادة الجعفري والإيراني بقيادة علي الأديب والسوري بقيادة نوري المالكي، حيث أسس السوداني حزباً صغيراً فاز بمقعدين في الانتخابات الأخيرة وتدرج في المناصب من قائم مقام إلى وزير في عدة حكومات وأخيراً إلى منصب رئيس مجلس الوزراء بعد أن رشحه الإطار التنسيقي مرغماً لتغطية الصراعات الدائرة داخله، والتي تفجرت بعد استحواذه على السلطة بالمناورات الدنيئة وتواطؤ المحكمة الاتحادية لصالحه ضد التيار الصدري وإحداث الإنقسام داخل التحالف الكوردي بشق الاتحاد الوطني الكوردستاني بزعامة بافل طالباني الذي كان يريد الحصول على رئاسة الجمهورية وإبقاء برهم صالح في منصبه لكنه اضطر لقبول تسوية والتنازل عن برهم واختيار بديل له هو عديل مؤسس الاتحاد جلال الطالباني عبد اللطيف رشيد ، وشق التحالف السني وسحب مجموعة عزم منه ، وأخيراً خلق الثلث المعطل الذي عرقل عملية اختيار مرشح الحزب الديموقراطي الكوردستاني البارتي لمنصب رئاسة الجمهورية الذي كان يفترض أنه سيكلف مرشح التيار الصدري جعفر الصدر بتشكيل الحكومة. واليوم برز الصراع والتنافس مرة أخرى داخل  الإطار التنسيقي في موضوع  تقاسم الوزارات والدرجات الخاصة والمناصب والنفوذ وتمحور حول ثلاث أقطاب رئيسية هي، قطب دولة القانون برئاسة نوري المالكي ومحور الفتح الذي صار يتحكم به قيس الخزعلي بعد تحييد العجوز هادي العامري رئيس منظمة بدر المنشقة عن المجلس الإسلامي الأعلى الذي سبق أن أنشق عنه وسلب كل ممتلكاته عمار الحكيم إبن عبد العزيز الحكيم شقيق مؤسسه محمد باقر الحكيم ، حيث قام عمار الحكيم بتأسيس ما يعرف اليوم بتيار الحكمة الذي لم يفز بأكثر من مقعدين في الانتخابات التشريعية الأخيرة ، كما تم عزل حيد العبادي رئيس الوزراء الأسبق المنشق من حزب الدعوة ، وأخيراً قطب من يسمي نفسه محور المقاومة  الموالي لإيران قلباً وقالباً وهو عبارة عن ميليشيات مسلحة خارجة عن الدولة وأقوى منها مدعومة ومدربة ومسلحة من قبل إيران مباشرة والتي حشرت نفسها داخل تنظيمات ما عُف بقوات الحشد الشعبي التي تأسست إثر فتوى السيد السيستاني المرجع الشيعي الأعلى لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام، داعش الإرهابي الذي احتل ثلث أراضي العراق وصار يهدد العاصمة بغداد والمدن الشيعية المقدسة النجف وكربلاء. فالمالكي يمتلك العدد الأكبر من النواب الشيعية في البرلمان وبالتالي الهيمنة على القرار البرلماني بينما يسيطر تنظيم عصائب أهل الحق على الحكومة وهو بدور منشق من جيش المهدي التابع لمقتدى الصدر وجناح التيار الصدري المسلح الذي صار يسمى اليوم سرايا السلام. فيما نرى القوى المدنية والعلمانية واليسارية والليبرالية المستقلة شبه عاجزة عن إداء أي دوري داخل المجتمع العراقي خاصة بعد انتكاس ثورة تشرين الشبابية. انقلب جزء من الإطار التنسيقي على التزامات وتعهدات تحالف إدارة الدولة ونجح في الضغط على المحكمة الاتحادية لإصدار قرار بعدم دستورية تحويل الأموال إلى إقليم كوردستان ما أثار امتعاض نوري المالكي الذي تهد لمسعود برزاني بطمطمة قرارات المحكمة الاتحادي وفرح وغبطة قيس الخزعلي لهذا القرار الذي أثار غضب مسعود وتهديده بالإطاحة بالعملية السياسية برمتها والخروج منها.

أمريكا وإيران يشكلان الإطار الدولي والإقليمي الذي يحيط بالمشهد السياسي العراقي ويتحكم به.  فالعراق كان بالنسبة لإيران ليس أكثر من إقليم أو محافظة، ومنبع للثروة والنقد الأجنبي، وسوق لتصريف البضائع المتدنية والسيئة التي تنتجها إيران خاصة في زمن هيمنة قاسم سليماني وممثله العراقي أبو مهدي المهندس فعمليات تهريب العملة قائمة على قدم وساق باتجاه إيران منذ التغيير وإلى يومنا هذا ووفق حجج وذرائع متعددة من بينها تسديد ديون إيران من مبيعات الغاز الإيراني الذي يشتريه العراق من إيران بضعف سعره العالمي ويقال إن العراق أُرغم قبل أشهر على تسديد ما يعادل الخمسة مليار دولار عراقي بالدينار العراقي وقامت إيران بدورها عبر أتباعها وشبكاتها المصرفية  بشراء الدولارات من السوق العراقية الرسمية وغير الرسمية مما خلق  خلالاً بمعادلة العرض والطلب على الدولار وأدى إلى ارتفاعه وتحميل تداعياته السلبية على المواطن العراقي. أما أمريكيا، فبعد تخريبها المباشر لكل مرافق العراق الحيوية بعد الاحتلال وقبله، قامت أخيراً بمناورة دنيئة لمنع تدفق الدولار للأسواق المالية العراقية بحجة منع تهريبه لإيران ولقد قامت مؤخراً بضخ كمية من الدولارات المرقمة ترقيماً خاصاً وفيها شرائح تتبع نانو تكنولوجي رصدت تهريبها إلى إيران وإلى بنوك إماراتية وخليجية ودولية   أو إلى تبييضها داخل السوق العراقي من خلال شراء العقارات والأراضي والمولات التجارية بأسعار تفوق قيمتها الحقيقية، وها هي تخوض حرباً اقتصادية مع إيران عبر العراق واقتصاده وحياة شعبه الذي يدفع الثمن غالياً. أمريكا تتحكم بقيمة الدولار وغيران تسرقه والعراق محروم منه وفاقد لسيادته وتقرير مصيره وتطبيع علاقاته مع محيطه العربي من خلال التكامل الاقتصادي والربط الكهربائي بمنظومة الخليج وتوفير البديل العربي للغاز الإيراني الذي تبتز به إيران العراق

إذا لم يجد العراق جلاً سريعاً لأزمة الدولار وأزمة الكهرباء التي تشل البلاد في جميع مرافقها الإنتاجية والماء الصالح للشرب وللاستخدام البشري وأزمة شحة المياه وتأثيرها السلبي المدمر للنشاط الزراعي وأزمة النقل الطاحنة وتردي الطرق والشوارع الداخلية والخارجية وأزمة الدواء وتردي الخدمات الصحية الخ. فإنه يسير نحو الهاوية والانفجار الكبير الذي سيطيح بكل شيء وقبل كل شيء بالطبقة السياسية الفاشلة والفاسدة وغير الكفؤة التي تقود البلاد نحو التهلكة.

***

د. جواد بشارة

 

زيارة العمل القصيرة - يوم ونصف فقط -  التي قام بها وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، وهي الثالثة في طبيعتها للوزير الروسي بعد زياراته في 2014 و 2019 ، تكتسب أهميتها، حتى لو كانت بغداد تحت اهتمام واشنطن الوثيق، تكمن في رأي موسكو، الذي يرى في التفاعل مع القيادة العراقية يفتح الطريق لحل عدد من مشاكل الشرق الأوسط .

والأمر انعكس في حقيقة استقبال الوزير الروسي "على جميع المستويات"، من رئيس جمهورية العراق عبد اللطيف رشيد ورئيس الوزراء محمد السوداني ورئيس مجلس النواب (البرلمان) محمد الحلبوسي، إلى إجراءه محادثات مع نائب رئيس الوزراء وزير خارجية العراق فؤاد حسين، والتي أظهرت  مدى أهمية العلاقات الثنائية بين العراق وموسكو، والتي  بالمناسبة، قد قاربت على الثمانين عام، وحملت في مضامينها الاهتمام الخاص الذي توليه روسيا للعلاقة مع بغداد، والتوجهات الرئيسية للتطور التدريجي للعلاقات الروسية العراقية متعددة الأوجه، بما في ذلك توسيع الحوار السياسي، وتكثيف التعاون التجاري والاقتصادي والعسكري والتقني والثقافي والإنساني.

وعلى الرغم من أن أرقام التبادل التجاري الثنائي، لا تسر الطرفين، ولم تشهد تقدما كبيرا  خلال السنوات الماضية، ولا تتوافق مع حجم العلاقات السياسية بينهما، تلك العلاقات التي تشهد تطورا بشكل كبير، بناءا على رغبتهما المشتركة وتوافقهما في معالجة القضايا الإقليمية  والدولية  بالسبل السلمية،  إلا إن لقاءات بغداد أكدت عزمهما  على تعزيز سبل الديناميات الإيجابية للتجارة الثنائية،  بما في ذلك من خلال تنفيذ القرارات ذات الصلة الصادرة عن اللجنة الروسية العراقية للتعاون التجاري والاقتصادي والعلمي والتقني، والتي عُقد اجتماعها التاسع في أغسطس 2022 في موسكو، وتحليل الوضع الحالي وآفاق بناء شراكات تجارية في قطاع الوقود والطاقة .

وكما هو معروف  فانه يتم تنفيذ عدد من المشاريع الكبرى في العراق من خلال PJSC LUKOIL، PJSC Gazprom Neft، PJSC ANK Bashneft، PJSC NK Rosneft، بالإضافة إلى إيلاء أهتمام من جدول الأعمال الثنائي سيكون مناقشة خطط تعزيز التعاون متبادل المنفعة في قطاعات مثل الصناعة والزراعة، وقال الوزير لافروف أن بغداد تدرس الآن فرص سداد ديونها لشركات النفط والغاز الروسية العاملة في العراق، وأشار لافروف إلى أهمية إعفاء العلاقات الثنائية من العقوبات المفروضة من قبل الغرب.

كما أولت زيارة الوزير الروسي إلى بغداد،  الاهتمام الواجب للنظر في آفاق تطور الوضع في العراق نفسه، في المقام  عبر الجانب الروسي عن دعمه لجهود مجلس الوزراء برئاسة السيد السوداني لضمان الاستقرار والأمن في البلاد، وفي حديثه عن القضية الكردية، أكد لافروف على أن الولايات المتحدة الأمريكية تلعب بالنار مع سكان المناطق التي يقطنها الأكراد، بينما تزكي نزعاتهم الانفصالية.

وترتبط روسيا والعراق بعلاقات صداقة طويلة الأمد وتعاون متبادل المنفعة، على أساس التقارب أو التطابق في التعامل مع القضايا الرئيسية على جدول الأعمال الدولي والإقليمي، وتعد  الشراكة بين العراق وروسيا  عاملاً هامًا له تأثير إيجابي على العمليات الجارية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وفي هذا الصدد، حيث قال بيان وزارة الخارجية الروسية "  نحن مهتمون بإجراء مصالحة مراقبة مفصلة حول المشاكل الإقليمية الراهنة" .

ومع ازدياد دور العراق بشكل كبير من الناحية الجيوسياسية، وباعتبارهما طرفا مهما في تسوية الأزمات في منطقة الشرق الأوسط، فقد تبادل الوزير لافروف، والمسئولين العراقيين، تقييمات الحالة وآفاق تطور الوضع في سوريا، مع التركيز على مهام تعزيز تسوية سياسية شاملة وفقًا لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254، وتعزيز إعادة أعمار البلاد بعد انتهاء الصراع،  وحشد المساعدات الإنسانية الدولية لدمشق، وتمت مناقشة الوضع في منطقة الخليج العربي بالتفصيل، بما في ذلك في ضوء المفهوم الروسي المقترح لضمان الأمن الجماعي هناك، وترى موسكو، إن لديها وبغداد  مواقف مشتركة حول كيفية تحقيق انفراج في منطقة الخليج، وانه بحكم علاقة الصداقة بينهما، فإنهما يعتبران أنه من الضروري القيام بذلك بطريقة تتوحد جهود جميع اللاعبين، وليس على حساب مخططات تسبب الانقسام.

وفي ظل ظروف الضغط غير المسبوق من الدول الغربية، ترى روسيا إن الجانب العراقي يتخذ موقفا متوازنا، ومتوازنا من العملية العسكرية الخاصة التي تنفذها القوات المسلحة لروسيا الاتحادية في أوكرانيا،  ويؤكد رفض بغداد الانضمام إلى العقوبات غير القانونية المناهضة لروسيا، وأن علاقات بغداد وموسكو الثنائية التي تم اختبارها منذ زمن طويل لا تخضع لتقلبات السوق على خلفية الظروف الجيوسياسية المتغيرة.

وتنأى روسيا بنفسها عن الوضع في العراق، معتبرة أنه شأن داخلي من شؤون البلاد، وتؤكد موسكو أن العلاقات بين العراق وروسيا تظل ودية، وفي المقابل  يتفهم العراق دور موسكو المهم في المنطقة، خاصة بعد العملية في سوريا المجاورة، والعملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا، وقال لافروف، متحدثا عن الهستيريا الغربية، وما يسمى بـ "المجتمع الدولي" بشأن الوضع في أوكرانيا: "نحن نتذكر جيدا كيفية تسوية الموصل والرقة وغيرها من المدن بالأرض، وغيرها من جرائم الحرب التي لم تشغل بال أو قلق المجتمع الدولي لمحاسبة المتسببين في هذه الأحداث".

ومن وجهة النظر  الروسية، فإن زيارة  سيرغي لافروف  للعراق، تعتبر جزءًا مهمًا من الجهود المستمرة لتعزيز التعاون متعدد الأوجه مع شركائها التقليديين في الشرق الأوسط، والذي من المفترض أن هذا يصب في المصالح المشتركة طويلة الأجل لضمان السلام والازدهار والاستقرار في هذه المنطقة ذات الأهمية الإستراتيجية، وشدد الوزير الروسي في ختام زيارته لبغداد على  إن "القضية الفلسطينية هي قضية محورية وبالغة الأهمية، وجامعة الدول العربية تقف إلى جانب تضافر المجهودات لحل كافة المهام التي وضعتها الجمعية العامة للأمم المتحدة"، وأشار إلى "مماطلة" الغرب بشأن القضية الفلسطينية.

***

بقلم الدكتور كريم المظفر

 

لقد كان وما يزال الشرق الأوسط نقطة ارتكاز عالمية قلقة تتنافس وتتصارع وتتوازن فيها وعليها القوى الدولية الكبيرة اقتصادياُ وعسكرياُ، ليس اليوم بل عبر حقب التاريخ تعرضت هذه المنطقة من العالم الى صراعات بين الاقوام والكيانات حتى احتضن ترابها ملايين المتصارعين في حروب قاسية، سادت فيها اقوام ثم بادت، واختلطت الأعراق فيها والانساب حتى تشابهت السحن والعادات، ورغم ذلك لم تنجح معظم تلك الكيانات من أن تضع خارطة طريق لتنظيم تلك الهويات على أساس التفاعل وملاقحة الحضارات بديلا للتصادم والاقصاء الذي انتج عشرات الحروب وأضاع مئات الفرص الذهبية للتطور والتقدم.

إن اتفاقية سايكس بيكو السرية بين بريطانيا وفرنسا عام 1916م وموافقة إيطاليا وروسيا على تقسيم قلب الشرق الأوسط وتوزيع غنائمه بينهم عقدت أوضاع المكونات الأصغر لولا أن اتفاقية سيفر في عام 1920م منحتهم بارقة أمل لتحقيق مطالبهم في إنشاء دولة كردية، الا أن معاهدة الصلح في لوزان بعد ثلاث سنوات أي في عام 1923م  ألغت اتفاقية سيفر ونسفت تلك الاحلام التي وعدت الكرد بتحقيق حلمهم في إقامة دولتهم كبقية الشعوب التي نالت استحقاقاتها كجزء من مخرجات تلك الاتفاقيات، وأعطت إشارة بدء حقبة محن الصراعات الدموية التي وصفها احد الدبلوماسيين الامريكان في حفل توقيع معاهدة الصلح بان الموقعين عليها انما وقعوا على حقبة من الحروب والمآسي!.

فعلا تحققت نبوءة الدبلوماسي الأمريكي حيث مزقت تلك الاتفاقية في لوزان العيش المشترك بين المكونات المختلفة عرقياً وثقافياً، دينياً ومذهبياً، وكانت بداية لاشتعال الحروب وحقبة التصادم بعد سنوات ليست طويلة وبالذات بعد قيام دولة تركيا الحديثة التي وضع أسسها كمال أتاتورك وما تلاها من أنظمة الانقلابات في كل من العراق وسوريا وإيران بمختلف توجهاتها من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، لكنها كانت تشترك تماما في معالجاتها لقضية المكونات وبالذات المكون الأكبر في الشرق الأوسط الذي أهمل في اتفاقيات سايكس بيكو ولوزان واقصد هنا الكرد في أجزاء وطنهم المجزء الى أربعة اقسام في كل من تركيا وإيران والعراق وسوريا، حيث فشلت تلك الأنظمة في إيقاف عجلة التصادم وإقامة دولة المواطنة التي يرتقي فيها الانتماء على كل الهويات والثقافات، لأنها اختزلت المواطنة في الانتماء إلى القومية الأكبر والانصهار فيها، واستخدمت عمليات التتريك والتفريس والتعريب سيئة الصيت مع الكرد وغيرهم.

إن المنطقة اليوم تدفع ثمن تلك السياسات الفاشلة والشمولية في إقصاء المكونات القومية والعرقية، وما يحصل الآن في كل من العراق وسوريا ولبنان واليمن، ومتوقع أن يحصل في المغرب والجزائر وليبيا والسودان، إنما يؤكد فشل وانهيار الأنظمة الشمولية القومية والمذهبية المتشددة، التي ما تزال على نهج إلغاء الآخر المختلف قوميا أو دينيا أو مذهبيا، وفرض إرادة المكون الأكبر دون الأخذ بحقوق الآخرين الشركاء في الأرض والمال، مما يرفع وتيرة التصادم بين الهويات القومية والعرقية والمذهبية، وخير دليل على استمرار هذا النهج هو النزف الدائم في فلسطين وتركيا وايران وسوريا واليمن ولبنان، التي خسرت فرصا ذهبية للتطور والتقدم لما حباها الله بثروات وامكانيات تتفرد بها في المنطقة.

إن ما يجري اليوم من دوامة العنف والعنف المضاد وما يتعرض له إقليم كردستان العراق من هجمات صاروخية ومدفعية تركية وايرانية لملاحقة معارضيهما الهاربين الى العراق منذ سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي يؤكد وبعد قرن من الزمان على فشل تلك الاتفاقيات القديمة، وفشل الأنظمة والكيانات التي تستمد قوتها وتطيل بقائها في السلطة على هذا التصادم الدموي بين الهويات القومية والثقافية، وقد آن الأوان لوضع حلول جذرية لأخطاء فظيعة وقعت فيها الدول العظمى وتسببت في انتاج مآسي وكوارث بين الشعوب، وحريٌ بها اليوم وتحديدا الولايات المتحدة وروسيا وبريطانيا وفرنسا التي كانت تتقاسم العالم، وما تزال تهيمن على مقدراته ومستقبله، أن تعمل مع ممثلي المكونات المتضررة في هذه الدول، لوضع أسس خارطة طريق جديدة لاتفاقية دولية ضامنة، ترسم حدودا للتعايش السلمي والحضاري بين المكونات، بما يضمن حقوقها السياسية والثقافية من خلال تشريع قوانين لحمايتها وإتاحة فرصة لإنشاء نظام جديد في المنطقة بعيدا عن ذلك الإرث الفاشل من سياسة الشراكة القسرية والاحتواء، وتطوير نظم الإدارة السياسية والثقافية والاقتصادية بما يمنح تلك المكونات حقوقها إما بنظام فيدرالي كالنموذج العراقي في حل القضية الكردية او باستفتاء على حق تقرير المصير كما حصل في كل من جيكوسلوفاكيا وتيمور الشرقية وجنوب السودان والعديد من الأقاليم والدول الفيدرالية المتعددة الهويات كما في بلجيكا وسويسرا والولايات المتحدة وروسيا الاتحادية.

***

كفاح محمود

اليهم ان كانوا به يقتدون

علي، هو ابن ابي طالب بن عبد المطلب تاج هامات بني هاشم وأعيانهم، وابن فاطمة بنت اسد بن هاشم بن عبد مناف القرشي اشجع الشجعان، وابن عم النبي محمد، ورابع الخلفاء الراشدين.. ما يعني انه ما كان شيعيا، لأن الشيعي كما افهمتنا الأحداث السياسية والطائفية يكون متعصبا لمعتقداته المذهبية، فيما كان عليّا محبا للانسانية ونصيرا للحق حتى لو كان صاحبه من غير دين.

وعلي، كان كما وصفوه " أول القوم اسلاما، واخلصهم ايمانا، واشدهم يقينا، واخوفهم لله عز وجل، واعظمهم عناءا، واحوطهم على رسول الله ". وكان "احلم الناس عن ذنب واصفحهم عن مسيء".. دليل ذلك، أن عبد الله بن الزبير كان يشتمه ويصفه بـ"الوغد اللئيم"، فلما ظفر به يوم الجمل اخذه اسيرا فصفح عنه وقال له "اذهب فلا ارينك". وظفر بسعيد بن العاص بعد وقعة الجمل بمكة، وكان له عدوا، فاعرض عنه ولم يقل شيئا.

ولن نتحدث عن شجاعته.. فتلك صفة يتفرد بها مذ نام وهو فتى في فراش النبي محمد حين اجتمع القوم على قتل محمد في تلك الليلة.ويكفي ان نشير الى واقعة (بدر) ولكم ان تتذكروا الموقف في فلم الرسالة كيف برز الشاب علي وقتل محاربا محترفا مشحونا بدافع الحقد والانتقام. ولا عن بلاغة اقوال هذا الرجل المعجزة من قبيل: ان صوتا واحداً شجاعاً أكثرية في العباد، ولا تطلب الحياة لتأكل.. بل أطلب الأكل لتحيا، وجالسوا العقلاء.. أعداءا كانوا ام أصدقاء.. فأن العقل لايقع الا على العقل، ولا تزيدني كثرة الناس من حولي عزة ولا تفرقهم عني وحشة وما اكره الموت على الحق. ولا عن فلسفته في التربية التي سبق بها كبار علماء التربية الغربيين الذين نتباهى بالاستشهاد بهم كقوله تعلموا العلم صغارا تسودوا كبارا، والتنبيه الى ان تربية الاطفال ينبغي ان تكون لزمانهم لا لزماننا.. ولا عن كونه أمير الكلام في نهج بلاغته التي شرحها كبار فقهاء السنة من بينهم الامام الشافعي، وكتّاب مسيحيون واجانب بينهم جورج جورداق وغارودي.

ما يعنينا هنا.. قضية واحدة.. التذكير بأهم صفاته في كيفية تعامله مع السلطة حين صار خليفة على المسلمين.فقد كان امينا على مال المسلمين.. لا منصب جعله يتعالى على الناس ويستأثر بنعمه، ولا مال افسد رأيه، ولا سلطة ولا مغريات.. وما سكن القصور ولا خزن الذهب

وكان في مال المسلمين.. صاحب ذمّة، يعلن المكشوف ويكشف المستور، فيما كان من يدّعون اخلص شيعته قد اخفوا ما يجعل 13 مليون عراقيا افقروهم.. سعداء في وطن يمتلك كل المقومات لن يعيش اهله برفاهية وكرامة.

أين هم من قيم امام سلطة الحق؟

لا أظن ان عراقيا.. من الشعب، لا يرى ان القيم التي شاعت في عهد حكم احزاب الأسلام السياسي وما بعدها هي الضــد النــوعـي للقيم التي دعى لها امام سلطة الحق!.ومع ان السيكولوجيا ترى ان الحاكم الذي يستفرد بالسلطة والثروة ويعيش مرفها لا يمكن ان يتخلى عنها، وانه يعطي لنفسه تبريرا انه ليس (الأمام عليا)، فاننا نهديه قوله (ياولاة أمور الناس، لا يكن حظكم في ولاياتكم مالا تستفيدونه، ولا غيظا تشفونه، ولكن اماتة باطل واحياء حق).. وسيأخذ بها، فقط، من يتقي الله ويبتغيي اليه الوسيلة!

***

أ. د. قاسم حسين صالح

على مرآى من العالم أقدم زعيم حركة الخط المتشدد اليمينية المتطرفة، راسموس بالودان على حرق المصحف الكريم أمام مقر السفارة التركية بالعاصمة السويدية ستوكهولم، وذلك يوم السبت 21 يناير 2023، وليست هذه المرة الأولى التي يُحرق فيها راسموس القرآن، بل صار هذا الفعل الشنيع تقليدا يقدم عليه كل مرة لاستفزاز مشاعر المسلمين، والتعبير عن إيديولوجيته الشعبوية التي ترفض وجود الإسلام على الأراضي السويدية، وتدعو إلى إجلاء كل ما هو إسلامي من أوروبا والغرب. وكما العادة استنكرت مختلف الدول العربية والإسلامية هذه الإهانة الدنيئة لأعظم مقدس إسلامي على الإطلاق، والذي هو القرآن الكريم، دون اتخاذ خطوات قانونية ودبلوماسية واقتصادية حاسمة وفعالة. 

وقد تداعى بنا هذا الحدث إلى سنة 2008 التي شهدت واقعة غريبة، تتحدد في رسم كاريكاتيري أساء إلى شخصية المسيح عليه السلام، فسبب موجة غضب لدى بعض المسيحيين الهولنديين. وقد نُشر هذا الكاريكاتير الساخر في جريدة هولندية محلية، وهي Wereldregio التي تصدر في إحدى الجزر الهولندية الواقعة في منطقة بحر الجنوب، وتحديدا في الشق الغربي من جنوب هولندا، وتدعى جزيرة Schouwen-Duivenland، وقد رسم هذا الكاريكاتير الفنان الهولندي أري رون دون أن ينوي الإساءة من خلاله إلى المسيحية أو إلى أي رمز من رموزها المقدسة، لذلك تفاجأ باستنكار ثلة من المواطنين المسيحيين لهذا الرسم الكاريكاتيري، الذي تم التقدم به لمنحة مادية تقدر بـ 750 يورو، خصصتها بلدية Schouwen-Duivenland لإحياء ذكرى مرور 400 عام على سياسة الإصلاح الكنسي. ويمكن الاطلاع على مقالة رأي كتبناها آنذاك على الرابط: https://bit.ly/3HVoS8h

إن نازلة، أو بالأحرى جريمة حرق القرآن الكريم الأخيرة أساءت إلى حوالي مليارين من المسلمين في خرق سافر، لاسيما للمادة 20 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية التي تنص على أن القانون يحظر "أي دعوة إلى الكراهية القومية أو العنصرية أو الدينية التي تشكل تحريضاً على التمييز أو العداء أو العنف". وعلى إثر ذلك، سجلنا الملاحظات الثلاث الآتية:

أولا: إن أحزاب اليمين المتطرف والحركات الشعبوية تعتمد مختلف الآليات للإساءة إلى الإسلام والمسلمين، كالتضييق على المحجبات، وإلقاء القاذورات أمام أبواب المساجد، والهجومات القاتلة على المسلمين، وحرق القرآن الكريم. وفيما يتعلق بعملية الحرق التي طالت المصحف الشريف، فقد سبق لهذا اليميني المتطرف أن أقدم على ذلك مرارا وتكرارا. كما أننا نستحضر في هذا الصدد حدث حرق القرآن الكريم في مارس 2011 من قبل أتباع القسيس تيري جونز في موابيري بفلوريدا، وقد حاول إعادة التجربة نفسها سنة 2013 في الذكرى الثانية عشر لهجمات 11 سبتمبر، لكن تم القبض عليه وفي حوزته 2998 مصحفا كان قد قرر إحراقها. لذلك فإن هذه الإساءة ليست الأولى من نوعها، ونعتقد أنها سوف لن تكون الأخيرة في ظل السكوت القانوني الغربي على مثل هذه الممارسات التي تتعارض وقيم الحداثة والتعددية والديمقراطية الغربية. 

ثانيا: تكتفي بعض البلدان والمؤسسات الغربية بشجب أعمال الإساءة التي يتعرض إليها المسلمون، تماما كما صنع رئيس وزراء السويد الذي اكتفى بالإدانة الشكلية، معتبرا "حرق كتب تمثل قدسية للكثيرين عمل مشين للغاية"، كما عبر عن تعاطفه مع المسلمين. لكن هذا لا يكفي أمام تكرار مثل هذه الممارسات التي تهدد استقرار الشرائح المسلمة في أوروبا والغرب وطمأنينتها النفسية. هناك قوانين دولية صارمة تنتظر التنزيل الواقعي عبر تجريم مثل هذه الإساءات بغض النظر عن الطرف الذي تصدر عنه، غير أنه للأسف الشديد عادة ما يتم إخلاء ساحة الجاني إذا كان غربيا بدعوى حرية التعبير أو أنه يعاني من مرض سيكولوجي أجبره على ارتكاب ما ارتكب. أما إذا كان الفاعل مسلما فعادة ما يؤول الفعل بأنه إرهاب أو تهديد لأمن المجتمع. وما يؤكد هذا، هو أن راسموس لم ينفذ فعلته إلا بعد أن تلقى تصريحا رسميا من السلطات الرسمية يسمح له بالقيام بذلك، وبحضور رجال الشرطة.

ثالثا: يكشف إقدام بعض اليمينيين المتطرفين على حرق القرآن عن أزمة عارمة يتخبط فيها هذا التيار السياسي أمام الامتداد الإسلامي سواء عبر العالم أو في أوروبا. ورغم المحاولات اليائسة التي يقومون بها، لم يتمكنوا من الحد من حضور الإسلام ومن تمتعه بالقبول الحسن في شتى الأوساط الأوروبية والغربية، حيث يهتدي الآلاف من الغربيين إلى الإسلام، ومن بينهم المئات من الذين كانوا محسوبين على اليمين المتطرف نفسه. لذلك، فإن هؤلاء يجب أن يُشفق عليهم لعجزهم العارم في الرد على حقائق القرآن الكريم بالأدلة الدامغة بدل الحرق والتمزيق والإساءة. وقد رأينا كيف انقلب يورام فان كلافرن، رفيق درب اليميني المتطرف خيرت فيلدرز من عدو لدود للإسلام والمسلمين، كان يرافع من أجل إجلاء القرآن الكريم من هولندا، إلى مدافع شرس عن الإسلام والقرآن الكريم والنبي محمد صلى الله عليه وسلم. {وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ۚ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ}، فصلت، 34.

***

بقلم: التجاني بولعوالي

أصدقاءُ الأمسِ أعداءَ اليومِ وأعداء الأمسُ أصدقاءُ اليومِ؛ منذُ حواليْ نصفِ قرنٍ كانتْ إيران الشاهَ أهمَ شريانٍ للطاقةِ لإسرائيل والصديقِ الاستراتيجيِ والأمنيِ  وكان الشاه رضا بهلوي رجلِ أمريكا الأولِ (شرطيُ الخليجِ) في منطقةٍ مهمةٍ في العالمِ؛ ومعَ رحيلِ حكمِ الشاهِ وسقوطِ عرشهِ، ظهرَ صراعٍ جديدٍ معَ حلفاءَ وأصدقاءْ الأمسَ القريبَ (تبني ولايةِ الفقيهِ العداءِ . برفعِ شعارِ الموتِ لأمريكا وإسرائيلَ وبدأتْ لعبةُ الشطرنجِ في الشرقِ الأوسطِ!! في حواليْ الساعةِ الثامنةِ مساءَ يومِ السبتِ الماضي بتوقيتِ غرينتش / الموافقَ / 27 / 1 / 2023 / هجومٌ بطائراتِ مسيرةٍ في مدينةِ أصفهان الواقعةِ وسطَ إيران في قصفِ موقعٍ عسكريٍ مركزِ تصنيعٍ حربيٍ وسطَ المدينةِ؛ وقالَ شهودُ عيانٍ إنهمْ سمعوا دويُ انفجاراتٍ كانتْ شديدةً ومنْ " المعروفِ عنها أنها مركزُ تصنيعِ الصواريخِ والطائراتِ المسيرةِ!! وقالَ البيانُ الصادرُ عنْ وزارةِ الدفاعِ الإيرانيةِ بأنَ الهجومَ فشل في تحقيقِ أهدافهِ جاءتْ الضربةُ في وقتٍ تجري الولاياتُ المتحدةُ وإسرائيلُ محادثاتٍ لبحثِ سبلٍ جديدةٍ وكيفيةِ مواجهةِ برنامجِ إيران النوويِ وطموحاتها بدورها، نقلتْ صحيفةً " وولْ ستريتْ جورنالُ " يومَ الأحدِ الماضي عنْ مسؤولينَ أميركيينَ وأشخاصٍ أنَ الذي نفذَ الهجومُ على أصفهان هيَ إسرائيلُ . وقالتْ إنَ الهدفَ منْ المنشأةِ لمْ يكنْ واضحا، ولا الضررُ الذي أحدثتهُ الضربةُ . وهذا ما اكدتهْ صحيفةَ " نيويورك تايمزْ " أنَ إسرائيلَ هيَ التي نفذتْ الهجومَ عبرِ طائراتِ مسيرةٍ، مما أسفرَ عنْ انفجارٍ كبيرٍ في وسطِ مدينةِ أصفهان السبتَ الماضيَ . وقدْ أفادتْ " القناةُ 12 " الإسرائيليةِ يومَ الأحدِ الماضي بأنَ الهجومَ استهدفَ منشأةً لصناعةِ الطائرةِ المسيرةِ " شاهدَ 136 "، وقالتْ: إنَ الطائراتِ المسيرةَ المهاجمةَ انطلقتْ منْ موقعٍ قريبٍ عبرَ مشغلينِ " على درجةٍ عاليةٍ منْ الاحترافِ " ويعرفونَ هدفهمْ جيدا . جمعُ الهجومِ بينَ معلوماتِ غايةٍ في الدقةِ وقدراتِ تكنولوجيةٍ متطورةٍ للغايةِ . وجاءَ الهجومُ معَ بدءِ زيارةِ وزيرِ الخارجيةِ الأميركيِ، " أنتوني بليكنْ "، زيارةٌ إلى المنطقةِ، هيَ الأولى لهُ منذُ عودةِ " بنيامينْ نتنياهو " إلى منصبِ رئيسِ الوزراءِ، فضلاً عنْ الضربةِ حدثتْ في نفسِ اليومِ الذي كانَ فيهِ مديرُ المخابراتِ المركزيةِ الأميركيةِ، " وليامْ بيرنزْ "، في تلِ أبيبَ؛ منْ قبلِ طائراتِ مسيرةٍ إسرائيليةٍ؛ - كما أكدتها صحفٌ أمريكيةٌ هلْ واشنطن وأدواتها في المنطقةِ أعطتْ الضوءَ الأخضرَ لقصفِ أصفهان، للانتقامِ منْ المساعداتِ الإيرانيةِ لروسيا في حربها في أوكرانيا ؟! كانت التقاريرِ التي ربطتْ المنشأةُ المستهدفةُ بصناعةِ الطائرات المسيرةِ الإيرانيةِ " شاهدَ 136 " . التي أصبحتْ جزءا منْ المعداتِ العسكريةِ الروسيةِ في الحربِ الأوكرانيةِ؛ - وكانتْ تغريدةُ مستشارِ الرئيس الأوكرانيِ " ميخايلوْ وبدولياكْ " قالَ فيها إنَ الضربةَ في أصفهان مرتبطةً بالحربِ في أوكرانيا وفتحِ هذا الأمرِ البابِ أمامَ احتمالاتٍ أخرى بشأنَ الفاعلينَ غيرِ إسرائيلَ، لكنَ مسؤولينَ أميركيينَ قالوا، دونُ أنْ يكشفوا أسمائهمْ، أنَ إسرائيلَ هيَ التي نفذتْ الهجومَ وبدافعِ منْ مخاوفها الأمنيةِ وليسَ للأمرِ علاقةً بما يجري في أوكرانيا . وقبلَ أسابيع، أعلنَ مسؤولونَ أميركيونَ علنا بأنَ طهرانَ منْ أبرزَ مزودي روسيا بالطائراتِ المسيرةِ التي تستخدمها في حربِ أوكرانيا . وأعربوا عنْ اعتقادهمْ أنَ روسيا كانتْ تحاولُ أيضا الحصولَ على صواريخَ إيرانيةٍ لاستخدامها في الصراعِ .، حروبٌ بالوكالةِ ومعادلةِ استفزازِ منْ واشنطن جديدةً ضدَ طهرانَ، سواءً في الداخلِ أوْ الخارجِ الإيرانيِ، أوْ معَ حدودِ إيران في العراقِ وأذربيجان التي أصبحتْ مسرحَ قلقٍ لإيران لتواجدِ الإسرائيليينَ بها وامتدادِ حدودها الشاسعةِ معَ إيران حواليْ 900 كمٍ،، الأمرُ الذي يؤكدُ، بأنَ هناكَ تصعيدٌ ممنهجٌ ومدروسٌ تجاهَ إيران منْ " واشنطن "، رغبةٌ منْ واشنطن لإجبارِ إيران على تغييرِ سياستها في منطقةِ الشرقِ الأوسطِ، ودفعها لتقديمِ تنازلاتٍ في ملفاتٍ أهمها " الملفُ النوويُ؛ وفي سوريا ولبنانَ، واليمنُ، " كذلكَ وجودها في الحربِ الدائرةِ شرقَ أوروبا وجميعِ ملفاتِ الشرقِ الأوسطِ، ماذا تريدُ أمريكا في ظلِ هذا الوضعِ العالميِ باتجاهِ التصعيدِ بينَ إيران وإسرائيلَ، ولكنَ إيران أصبحتْ خبيرةٌ في استثمارِ الأزماتِ والتصعيدِ ضدها . وأصبحَ الصراعُ الإيرانيُ الإسرائيليُ يتسعُ جغرافيا . . . منْ تهديداتٍ جيوسياسيةٍ بعدَ قيامِ الثورةِ الإيرانيةِ عامَ 1979 م واتفاقيةِ " كامبْ ديفيدْ " في نفسِ العامِ، ظهرَ صراعٍ جديدٍ منْ " جغرافيةِ الصراعاتِ الجيواستراتيجيةِ " . بينَ أصدقاءِ الأمسِ وأعداء اليومُ . وقدْ بدأَ معَ الحربِ الأهليةِ في لبنانَ في ظهورِ حزبِ اللهِ، وقدْ تطورَ هذا الصراعِ في حروبٍ بالوكالةِ وتصفيةِ حساباتِ خارجِ الحدودِ الجغرافيةِ منْ عملياتِ اغتيالاتٍ متبادلةٍ بينَ " طهرانَ وتلِ أبيبَ " منْ الاتهاماتِ الإسرائيليةِ بتنظيمِ شنِ هجماتٍ على إسرائيليينَ في كلا . منْ؛ - " جورجيا والهندِ وكينيا وتايلاند وبلغاريا - وقبرص، وكانَ ردا على الاغتيالاتِ التي تعرضَ لها علماءَ نوويينَ في إيران وخارجها، منْ قبلِ عناصرَ منْ الموساد وتصفيةِ القائدِ في حزبِ اللهِ " عمادْ مغنية وآخرينَ " . وبدأتْ إسرائيلُ منْ مراقبةِ إيران وتحركاتها وسياساتها في جميعِ المستوياتِ كافةً، موضعُ مراقبةٍ حثيثةٍ منْ قبلِ الإسرائيليينَ؛ هذهِ المقاربةِ تنطوي على جملةٍ منْ التحدياتِ والتعقيداتِ، والتي لا تبتعدُ عنْ عمقِ التحولاتِ في عمومِ المنطقةِ معَ الأحداثِ في سوريا ووصولِ إيران على الحدودِ الإسرائيليةِ معَ الجولان وتبادلِ العملياتِ العسكريةِ بعدَ الهجماتِ منْ الطيرانِ الإسرائيليِ على مواقعَ إيرانيةٍ داخلَ سوريا، فضلاً عنْ ذلكَ، فإنَ التطوراتِ قربِ الحدودِ الإيرانيةِ في دولِ القوقازِ وخاصتا معَ أذربيجان الحليفُ الأمريكيُ والإسرائيليُ، كانتْ ولا تزالُ، تحتَ المجهرِ الإسرائيليِ، إذْ تراقبُ المحافلُ الأمنيةُ والعسكريةُ الإسرائيليةُ، التوتراتُ المتصاعدةُ بينَ إيران وأذربيجان، خاصةً أنَ لتلكَ التطوراتِ، لها تأثيرا مباشرا على إسرائيلَ، ليسَ منْ بابِ التدريباتِ العسكريةِ التي تجربها إيران كلَ فترةٍ، على حدودها الطويلةِ معَ أذربيجان، والتي تزيدُ مخاوف الأذرييجانْ، بلْ يضافُ إلى ذلكَ، حجمُ الهواجسِ الإسرائيليةِ والذي ترجمَ منْ خلالِ تزايدِ التواجدِ الإسرائيليِ، في عمومِ مناطقَ القوقازِ، وتحديدا أذربيجان حليفةَ إسرائيل الإستراتيجيةَ . وهيَ الهواجسُ الإيرانيةُ التي صرحَ بها كبارُ الدبلوماسيينَ في اللقاءاتِ الصحفيةِ إنَ إيران لنْ تتسامحَ بكلِ تأكيدٍ معَ أيِ تغييرٍ، " جيوسياسي " وفي خارطةِ القوقازِ، ولدينا مخاوفُ جديةٌ حيالَ تواجدِ الإسرائيليينَ في هذهِ المنطقةِ "، ولعلَ ما لفتَ انتباهُ الإسرائيليينَ بصورةِ لافتةٍ، التسميةُ التي أطلقتها طهرانُ على مناوراتها العسكريةِ على حدودِ باكو باسمِ " فتحِ "خيبرُ "، باعتبارَ أنها " لنْ تسمحَ لإسرائيل بالوصولِ إلى حدودها "، مما يعني أنَ المخابراتِ الإيرانيةَ وعملياتها الميدانيةَ تأخذُ السياقَ الإسرائيليَ بعينِ الاعتبارِ، لا سيما بعدَ اغتيالِ رئيسِ البرنامجِ النوويِ " محسنٍ فخري زادهْ " وإحضارِ الأرشيفِ النوويِ الإيرانيِ لإسرائيل منْ قلبِ طهرانَ، وسلسلةَ التفجيراتِ في مراكزِ تطويرِ المشروعِ النوويِ . هلْ تشهدُ المنطقةُ مواجهةً عسكريةً مباشرةً ولكنَ ملعبَ المواجهةِ لمْ يتحددْ بعدٌ ؟!.

***

محمدْ سعدْ عبدِ اللطيفْ

 كاتبٌ مصريٌ وباحثٌ في علمِ الجغرافيا السياسيةِ

 

لم تحظى زيارة وزير الخارجية الامريكية انتوني بلبكين لمصر وإسرائيل ورام الله خلال اليومين الأخيرين من يناير الماضي والتي أعقبت تصاعد التوتر في الأراضي المحتلة بكثير من الاهتمام لا محليا ولا دوليا، ليس لانشغال دول العالم بالحرب الأوكرانية وتداعياتها الاقتصادية بل لمعرفة الجميع وخصوصا الطرف الفلسطيني أن وزير خارجية أمريكا لا يحمل في جعبته أي أفكار أو مبادرات ذات مضامين سياسية يمكنها تحريك عملية السلام أو ردع الممارسات العدوانية الإسرائيلية، بالإضافة إلى معرفة الجميع أن الملف الأمني هو الذي يشغل الإدارة الامريكية، ولا نقصد هنا الملف الأمني في فلسطين المحتلة بل في المنطقة وتحديدا بالنسبة لإيران والخوف من تغيير الملفات والاولويات الأمنية للدول العربية وتمدُد النفوذ الروسي اليها.

كان الملف الأمني له الأولوية في الحوارات التي جرت بين بلينكن وقادة مصر وإسرائيل وفلسطين حتى وإن تحدثت البيانات الصحفية الرسمية التي أعقبت اللقاءات المغلقة عن تناول موضوعات سياسية كالسلام وحل الدولتين، وما يؤكد الأولوية الأمنية أن بلينكن زار مصر قبل إسرائيل والتقى بالرئيس الفلسطيني محمود عباس مباشرة بعد اجتماع الأخير بمدراء مخابرات مصر والأردن، وأن الزيارة تزامنت مع تعرض عدة مواقع حيوية إيرانية للقصف بطائرات مسيرة يُعتقد أنها إسرائيلية وردود الفعل الروسية الغاضبة غير المسبوقة، كما أن بلينكن بعد انتهاء زيارته ترك وفدا أمنيا في المنطقة وليس ممثلا سياسيا.

لقد أكدت زيارة بلينكن وما تمخض عنها من نتائج هزيلة، كالحديث عن السماح بتشغيل الجيل الرابع من الاتصالات وتقديم خمسين مليون دولار للأونروا ومطالبة الطرفين بوقف التصعيد والحفاظ على الوضع القائم في الأماكن المقدسة ومعارضة واشنطن توسيع الاستيطان الخ، كل هذا يؤكد أن القضية الفلسطينية ليست على سلم اهتمامات الإدارة الأمريكية ولا حتى اهتمامات دول المنطقة وخصوصا المطبِعة مع إسرائيل التي لم تفكر أي منها حتى باستدعاء سفيرها من دولة الكيان بعد مجزرة جنين ولا قبل ذلك  عندما اقتحم الوزير المتطرف بن غفير المسجد الأقصى، وهذا يضع القيادة الفلسطينية والقصية الوطنية أمام تحديات كبيرة لا ينفع معها الإعلان عن وقف التنسيق الأمني الذي سبق وأن تم الإعلان عن وقفه مرات سابقة قبل ذلك.

  ما يجعل القيادة الفلسطينية تشعر ببعض الارتياح أو تقول بأن مراهنتها على تسوية سياسية لم تفشل وما زال في الإمكان التعامل مع الاجارة الامريكية هو تكرار الإدارة الامريكية الحديث الملتبس عن حل الدولتين، بالرغم من أن الإدارة الامريكية تتحدث عن حل الدولتين منذ طرح خطة خارطة الطريق من طرف الرباعية الدولية عام 2002 كما أن الإدارة الامريكية ساعدت على قتل فرصة حل الدولتين من خلال دعمها ومساندتها للسياسة الإسرائيلية ووقوفها في مواجهة أي تحرك دولي في الأمم المتحدة لردع إسرائيل ومعاقبتها، كما أنها لم تطرح أية آلية أو تصور لكيفية تطبيق حل الدولتين.

خلال السنوات الماضية التي كان فيها اعتراف أمريكي وأوروبي، وحتى إسرائيلي في بعض المراحل، بحل الدولتين تضاعف الاستيطان بشكل غير مسبوق وتم بناء جدار الفصل العنصري بل وقفت واشنطن ضد الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية الصادر عام 2004 والمندد ببناء الجدار والمطالب بإزالته وكررت ذلك في الثلاثين من ديسمبر من عام 2022  عندما وقف موقفا معارِضا للتصويت في الجمعية العامة للأمم المتحدة على مشروع قرار لإحالة موضوع الاحتلال الإسرائيلي لمحكمة العدل الدولية، كما تزايد تهويد القدس وتم فصل غزة عن الضفة ومحاصرة القطاع والتضييق على السلطة في الضفة .

في ظل القول بحل الدولتين ووجود عملية تسوية ومفاوضات تم بطريقة ممنهجة تدمير البنية التحتية التي تؤسس لدولة على الأراضي المحتلة عام 1967، الأمر الذي يجعل فكرة حل الدولتين والدولة الفلسطينية كاللغز أو الأحجية التي تبحث عن منجم ليقول لنا ما هي جغرافية ومواصفات الدولة التي تتحدث عنها الإدارة الأمريكية؟

الالتباس والغموض الذي ينتاب فكرة الدولة الفلسطينية ليس وليد اليوم ولا يقتصر على الرؤية الإسرائيلية والأمريكية بل يمتد للحظة ولادة الفكرة والرؤية الفلسطينية التي تربط الدولة بالتسوية السلمية.

كان أول طرح لفكرة الدولة المؤسسة على التسوية هو قرار التقسيم لعام 1947 ويمكن القول إن هذه الدولة هي وحدها القابلة للحياة والممكنة لأنها متواصلة جغرافيا وتؤسس على نفس القرار الدولي الذي منح الشرعية لإسرائيل كدولة لليهود، ولكن تسوية أوسلو واقتصارها على قراري مجلس الأمن 242 و338 دون غيرها من قرارات الشرعية الدولية جعل هذه الدولة متجاوَزَة.، مع أن الرئيس أبو مازن عاد مؤخرا للتلويح بالعودة لقرار التقسيم.

بالرغم من انطلاق التسوية مع أوسلو وقبله مؤتمر مدريد وتأسيس التسوية على مبدأ الأرض مقابل السلام، فلا مؤتمر مدريد ولا اتفاقات أوسلو تحدثت عن دولة فلسطينية على الأراضي المحتلة عام 1967.

الفلسطينيون وحدهم فسروا أن اتفاقات أوسلو ستؤدي عند نهاية المرحلة الانتقالية في مايو 1999 إلى قيام الدولة، أما إسرائيل فلم تُلزم نفسها بدولة فلسطينية ولم تتحدث عن إمكانية قيام دولة للفلسطينيين إلا بعد أن طرح الرئيس بوش فكرة الدولة عام 202 ثم تمت الإشارة إليها في خطة خارطة الطريق ثم في قرار مجلس الأمن  1515 الصادر عام 2003 المؤيد لخطة خارطة الطريق، وفي عام 2012 صوت غالبية أعضاء الجمعية العامة للأمم المتحدة على قرار/ توصية بالاعتراف بدولة فلسطينية وذلك بأغلبية 138 صوتا، وهو قرار غير ملزم ولا يتوفر على آليات لتنفيذه.

هذا الغموض المقصود هو ما شجع ويشجع إسرائيل على التلاعب بفكرة حل الدولتين، فبما انه لا يوجد مرجعية دولية تلزم إسرائيل بحدود الدولة وسيادتها، فهذه الدولة للفلسطينيين يمكن أن تكون في الأردن، وقد تعمل إسرائيل أن تكون هذه الدولة في قطاع غزة فقط. وشارون لم يخرج من غزة عام 2005 عبثا، أليس قطاع غزة مجاورا لإسرائيل ولا يوجد به استيطان ومتواصل الأجزاء وقابل للحياة كما تقول خطة خارطة الطريق، ما دام له بحره وحدوده مع مصر؟ وقد تكون الدولة مجرد كانتونات فيما سيتبقى من الضفة يديرها فلسطينيون وليسمونها دولة أو ما يشاءون ما دامت السيادة والأمن لإسرائيل.

الانقسام السياسي الفلسطيني والانقسام الجغرافي بين غزة والضفة وعجز السلطة والنخب السياسية الفلسطينية على الارتقاء لمستوى التحدي هو ما يجعل لإسرائيل وواشنطن الخيار في رسم ملامح وحدود هذه الدولة إن اضطرت منح الفلسطينيين دولة،

لم تعد المسألة اليوم الاعتراف أو عدم الاعتراف بحل الدولتين بل مكان ومضمون الدولة الفلسطينية وأيضا حدود ومضمون دولة إسرائيل، ومن الواضح أن رسم حدود إحدى الدولتين سيحدد حدود الدولة الأخرى وإسرائيل إلى اليوم لم ترسم حدود دولتها، وبات واضحا أن حل الدولتين لن يكون إلا من خلال تسوية وإذا ما استمر الوضع الفلسطيني والعربي على حاله فإن الدولة الفلسطينية الموعودة لن تكون إلا بما ترضى عنه إسرائيل.

وأخيرا فإن تلويح الإدارة الامريكية بحل الدولتين من خلال المفاوضات هدفه أن يستمر الفلسطينيون وخصوصا القيادة الرسمية في التمسك بالوهم وعدم البحث عن حلول أو أدوات نضالية أخرى.

***

إبراهيم ابراش

سُحقاً يا نفط.. يا لعنة التأريخ

يا نظرة حسد بعيون مكحولة

من يوم الطلعت بكاعنه الهليوم

جنابك مشتعل والناس مشعوله

أنت الغيرنه نعمه أو رفاه أو خير

وعلى شعب العراق سيوف مسلوله

يالعمرك سبعتالاف شنهوشبيك؟!

شورديت تزحف هاي مقبوله!؟

وضعك ما يسرني وحالك أصعب حال

لنته الشادهه ولا هي محلوله

البدو شيدوا دنيا وعمروا أوطان

وأنته بهالوطن هذا ألعبت جوله

ليش أبهالوطن هذا ألعبت جوله؟

***

 الشاعر العراقي عطا السعيدي

 ولعنة النفط 2006

يوصف النفط العراقي بأنهُ يأتي بالمرتبة الأولى في أسواق النفط العالمية من حيث التكلفة الواطئة لقرب الترسبات النفطية من السطح وخلو التضاريس الأرضية من التعقيدات الجيولوجية.

أهم حقول النفط في العراق

الشمال / كركوك، الموصل، صلاح الدين

الوسط والغرب / ديالى وبغداد والأنبار

الجنوب / البصرة وميسان والناصرية

الموضوع /

بوصلة ذاكرة العراق النفطية ومؤشرها المضطرب في بلاد ما بين القهرين !؟

- غياب الرقابة المتلكئة على المشاريع الأنتاجية للنفط، سوء الأدارة والتخطيط لجميع الحكومات التي أستلمت القرار بعد 2003 وهي معادلة حسابية خاسرة الرهان بين الحاكم الفعلي (بريمر) وحكومات النهب والفساد، وإن الموقف السيادي للعراق مخترق ومسيطر عليه عن بُعدْ تحت القبعة الأمريكية المتمثلة بحيتان المافيات الطفيلية الجشعة كما هو اليوم سيطرتها الشبه تامة على مصادر الطاقة وتوجيهها حسب منافعها الشخصية، وكما هو منظورعلناً في أحتلالها عسكريا للمنطقة الشمالية الغربية من سوريا وسرقة نفطها .

- عدم أهتمام جميع حكومات بلاد ما بين القهرين منذ التأسيس في 1921لحد اليوم في أستثمار (الغاز) المحترق المصاحب لأستخراج النفط !!!؟؟؟ .

- أشكالات أستخراجية للنفط العراقي

1- يعاني بأستخراج النفوط على النمط القديم بحقن الآبار بالماء بالوقت الذي يحتاج إلى التحديث بأتباع الطريقة العلمية ثلاثية الأبعاد في أستخراج النفط بأقل وقت وأقل عمالة وأقل كلفة .

2- أن أستخراج النفط يحتاج إلى مبالغ ضخمة فهذه تكون ثقلا على الموازنة، فلو أتبع العراق النموذج النرويجي الذي أسس (صندوق الأستدامة المالية) لدعم الأستخراج، للعلم إن دول النفط الخليجية تتبع هذا النموذج منذُ عقود.

3- تشهد العملية الأستخراجية في العراق اليوم منازعات ومنافسات شديدة بين الشركات المنتجة للنفط، وهنا تأتي مسؤولية الحكومة العراقية في تشكيل خلية أزمة خاصة لمراقبة الشركات للحفاظ على ريع الخزينة العراقية .

4- المشكلة الأزلية في أحتراق الغاز المصاحب للنفط، أن أحتراق الغاز المصاحب لآنتاج النفط في العراق تبدو (أزلية) لذا سميت بالنار الأزلية، وللأسف الشديد لم تلقى رعايتة وأستثمارهِ لغياب الحس الوطني عند جميع الحكومات العراقية، علما في أستثماره نحصل على أنتعاش أقتصادي وتغنينا من أستيراده بمليارات الدولارات من أيران، أضافة إلى التخلص من تلوث البيئة جراء الأنبعاثات الكاربونية .

وتمرُ تسعة عقود اليوم لأستخراج النفط في العراق والذي كان القدر الموعود في ذاكرة التأريخ العراقي عام 1938سنة أكتشاف النفط في أراضي كركوك وبتوالي السنين الأكتشافات تتوالى في نينوى وجنوب العراق وبأحتياطي قدره التخميني حوالي 360 مليار برميل وللواقع المريرحيث يبلغ النفط اليوم شيخوخته سعراً وربما أفول ترجي منافع أقتصادية وثقافية منهُ، بينما يظل النفط معزولاً في آبارهِ عن مجتمعات قطعت تجارب غنية وواضحة في بنيتها التحتية والفوقية وبتحدي ماراثوني فائق السرعة متحديتاً الزمن كالتجربة النرويجية التي أسست صناديق سيادية للأستثمارفي تحقيق عوائد مالية ضخمة، أو النظر ألى تجربة سنغافورا على الرغم من أنّها لا تمتلك النفط في أستثمارالموارد الطبيعية والأعتماد عليها بالتصدير والنظر ألى أسبانيا التي طورت مزارع الخيار بالأستثمار وتحصل على 2 ملياردولار سنويا من تصدير الخيار فقط، ألا يعادل بئراً نفطياً منتجاً؟، وبثت تلك البلدان الروح في الأقتصاد الصناعي والزراعي والثقافي والذي يعتبر العامل الديناميكي لتنمية وتطوير كافة القطاعات، بينما في عراقنا الحبيب تحوّل النفط إلى فجواتٍ غير مجسّرةٍ في ذاكرة الأجيال الحاضرة والمستقبلية بل لعنة وكوابيس أحلام، وللحسرة يكاد النفط العراقي أن يعلن تقاعدهُ وسط تأرجح أسعاره وأكتشاف بدائل للطاقة كل يوم، بيد أن العراق يراوح على الأقتصاد الريعي منذ تأسيس الدولة العراقية، ونضوب البترول يلوحُ في الأفق العراقي سنة 2040، وخبر عاجل اليوم " أن عام 2030 ستوقف السويد بيع السيارات التي تعتمد البنزين والديزل وهي أشارة للجمهورية السادسة العراقية أن تتدارك أمورها بعلاج أحادية الأقتصاد، وتبرز على سطح الواقع المرير والمحزن الحقيقة التالية (ظهور قطاع عام كبير متضخّم وقطاع صغير وطفيلي، وتتحوّل الحكومة من حكومة يعتمد عليها المجتمع إلى حكومة تعتمد على المجتمع)، وأصبحت الكتابة عن النفط اليوم مثل العملة المزيفة لكون الورقة الرابحة بـآيدي حيتان الكارتلات الغربية والأمريكية والتي أحتكرت الخبرة والسوق معاً .

النفط والصراع السياسي في العراق

إن تقسيم موروثات غنائم الدولة العثمانية المريضة والخاسرة للحرب العالمية الأولى بما في ذلك حقوق أمتياز (شركة النفط التركية) كان النفط محوراً أساسياً في رسم خارطة الشرق الأوسط، وتوزيع سلطة الأنتداب بين فرنسا وبريطانيا بنموذج متفق عليه بين الدولتين، بحيث أصبحت ولاية الموصل تحت سيطرة الأنتداب البريطاني، وتسلمت فرنسا السلطة على سوريا في أواخر عام 1918 وذلك بعد تأكد بريطاني تواجد النفط في مناطق متعددة من ولاية الموصل من ضمنها كركوك، وأشتغلت الشيطنة البريطانية في تأجيج فوبيا المطالبة التركية بولاية الموصل محورأ في تخويف الحكومة التأسيسية في العراق 1921، وكان ذلك عقب تنصيب الملك فيصل الأول ملكا على العراق .

وكانت من تداعيات لعنة النفط في العراق: أن توظف بريطانيا شرطاً مجحفاً وظالماً ومحرجاً في نفس الوقت أن توافق على منح حقوق الأمتياز لمجموعة (شركات النفط الغربية البريطانية، الفرنسية، الهولندية، والأمريكية) مقابل دعمها للعراق بأحقيتهِ في الأحتفاظ بولاية الموصل، وتمّ التوقيع على هذا الأتفاق الأولي بأتفاقية (1925) والذي أطلق عليه لاحقاً (اتفاقية شركة نفط العراق) ووزعت الحصص على أساس 75 /23 %لكل من تلك الشركات الأربعة والباقي 5% تعطى للسيد (كولبنكيان)، أضافة إلى ذلك الشرط التعسفي والأبتزازي على العراق تنازله عن حصته البالغة 20% الممنوحة لهُ بموجب معاهدة (سان ريمو) زائداً التأطير السياسي لنتائج الحرب العالمية الأولى وتقسيم المنطقة العربية بما فيها الجزيرة العربية وأصبحت الكمائن النفطية ومصادر الطاقة وتقسيمها إلى دويلات بحدود مصطنعة .

وتحطُ بنا بوصلة ذاكرة العراق النفطية بمؤشرها المضطرب لمحطة خواطر تراجيدية في بلاد ما بين القهرين إلى ثورة 14 تموز 1958 التحررية التي أعلنت سنة 1961 حركة نضالية ثورية في السيطرة الوطنية على الثروات الوطنية المستلبة من قبل الغرب وشركاتها الرأسمالية الجشعة في فرض القانون الوطني رقم 80 وهي أولى ثمار ثورة 14 تموز 1958 الذي سيطر فيه العراق على ما يقارب 5- 99% من أراضيه رسمياً، ولكن لم تجد الأوضاع السياسية أستقراراً وتوجه الحكومة نحو الأقتصاد الريعي مما أدت إلى بروز تغيرات ديموغرافية في المجتمع العراقي كالهجرة من الريف إلى المدن والنزاعات المسلحة وأهمال القطاع الزراعي ونفوذ الكولونيالية البريطانية على الخط بأثارة النعرات الثأرية للأقطاع وملاك الأرض أنتقاماً من حكومة الشهيد الراحل عبدالكريم قاسم، فحدث ما حدث في أنقلاب عسكري بقيادة حزب البعث الذي زج الشعب العراقي بأتون حروبٍ عبثية مع الأكراد والحرب العراقية الأيرانية وغزو أحتلال الكويت والذي دفع الشعب العراقي فاتورة ثقيلة لتلك الحقبة الظلامية، وكان عامل البحث عن مصادر الطاقة من قبل الأمبريالية الأمريكية أحتلت العراق في 2003 وأسقطت النظام، والسيطرة على آبار النفط العراقي وسحبه من سيطرة القطاع العام ولعودة الشركات الأجنبية وهذه المرّة بشراسة وأندفاعٍ أقوى، وتكفي شهادة قول المخطط للغزو الأمريكي (بول ووليفيتز):"أن العراق يطفو على بحيرة من النفط " .

وكان للص بريمردوراً محورياً في تبديد ونهب ثروات النفط والذي حكم بين أيار 2003 وحزيران 2004 ألف كتاباً موسوماً ب(عام قضيتهُ في العراق والنضال نحو غدٍ أفضل) بذر خلالها الطائفية المقيتة والمحاصصة الكارثية ونشر ثقافة الفوضى وساعد على أيجاد رجال حكم لا رجال دولة، وعدم أحترام مواثيق الأمم المتحدة والمحافظة على كيانات الدولة المحتلة وثرواتها، وكان من أفدح قراراته التعسفية القرار 39 الذي يسمح لخصخصة 200 شركة حكومية بتمويل أجنبي ومعفاة من الضرائب والقيود 100% وجعل التراخيص النفطية تخضع لمدة 40 سنة قادمة، والقرار 17 منح المقاولين الأجانب أدارة شركات الأمن الخاصة التي أوغلت في الوجع العراقي وأستمرت سرقات النفط وبأساليب مختلفة من الشركات الحالية وعواصم الدول الغربية والبعض من الموجودين داخل العملية السياسية وجمهورياتها الستة المتلاحقة وتلك السرقات أصبحت أقرب إلى الخيال وتهريبه والتي ساهمت فيها أحزاب وميليشيات ورؤساء عشائر هم متهمون بضياع ثروات النفط الهائلة منذ (عقدين) من الزمن الغادر حيث صفروا الخزينة وألحاق العجز بالميزانية العراقية والأتجاه نحو الأستدانة لتحميل الأجيال المستقبلية الرثاثة والفقر والمرض والبطالة والأمية، فهي الأستبداد والقهر الأجتماعي وكلها من تداعيات أكرامية الطبيعة للنفط في العراق وحتى على عموم العالم العربي

أخيرا وليس آخراً/لم يخف على أحد من أن هدف بوش في أحتلال العراق كان من أجل نقطتين أستراتيجيتين مهمتين:

الأولى هو حماية أمن أسرائيل، والثانية: هو السيطرة على منابع النفط حتى لا تقع في أيدي المتطرفين الأسلاميين، أو بأيدي بعض الدول الأقليمية الطامعة بخيراته وموقعه الجغرافي وهنا يمكن أن نقول: بأن النفط جاء نقمة ولعنة على العراق سياسياً وأجتماعياً وأقتصادياً وهو الذي فرض تأجيج الصراعات القائمة المرتكزة على أقذر مستلبات نخرت المجتمع العراقي التي هي الأثنية والطائفية والمناطقية التي أوصلتهُ لحافات الحرب الأهلية في 2006 و2014، والتي كانت من تداعياتها الكارثية حرب الأستزاف البشري والمادي للحرب الشرسة مع تنظيم الدولة الأسلامية، والذي يؤلمني كمواطن عراقي هو الآتي: قانون النفط والغاز الذي سوف يشرعن بقانون قادم لا محالة حيث يسمح لشركات النفط الأمريكية والبريطانية الحق في السيطرة على نسبٍ كبيرة من عائدات النفط العراقي فيما يبقى الفتات الضئيلة من هذا العائد للعراق المنهوب، لأن شعار حكومات ما بعد الأحتلال (الولاء قبل الأداء) حين نعكس هذه المعادلة الأداء أولا ثم يكون الولاء للوطن والأمة .

***

كاتب وباحث عراقي /ستوكهولم

شباط / فبراير 2023

....................

الهوامش

- عام قضيته في العراق- بول بريمر- المترجم عمر الأيوبي - بيروت/

- وحدة الدراسات الأقتصادية – شذى خليل /

- تقاريرأمريكية – الغارديان البريطانية – ترجمة كاتب المقالة.

- صراع المصالح النفطية- عصام سخينسي- عمان

 

تعليقا على عودة صفحة (حذار من اليأس) لتواصل سنتها التاسعة في جريدة (الصباح) كتب الصديق الأديب عاصم جهاد بالنص ما يأتي:

(الاخ الدكتور العزيز.. أقول:

انشغل بهموم المجتمع وايجاد الحلول لها.. واترك السياسة وهمومها التي لا تنتهي!. ولا تضيع وقتك وتحرم الناس من ايجاد الحلول والعلاجات النفسية للكثير من مشاكلهم وهمومهم. لم تجن من السياسية غير تعب القلب وتقلب وتعكير المزاج واضاعة الوقت، في مقابل ذلك لم تحصد من حذار من اليأس غير محبة وتعاطف وتفاعل المجتمع الأنساني. دمتم ألقا).

ولأن مثل هكذا موضوع يعتبر عاما وليس خاصا، فقد استطلعت الرأي، فكانت المواقف كالآتي:

مؤيد للنصيحة

* سمير العبيدي: هدف نظيف.

* كرار كاين، تقي حميد، سرحان الزيدي: أتفق

* هادي علي: نصيحة جيدة وتحتاج إلى قرار حازم من قبلكم للإلتزام بها، بعد ألأقتناع طبعا.

* عباس موسى: اجمل وأنقى نصيحة.

* جليل رهيف: نعم لقد قال حقا، السياسة مع هؤلاء الفارغين خسارة وقت ودوخة راس.

غير مؤيد للنصيحة

* ريسان الركابي: يقول (ابو گاطع) رحمه الله.. السياسة مثل النعاس تجيك غصبا، لأنه لا يمكن لأي انسان يحب وطنه أن يرى الخطأ.. ويبقى صامتا.

* د. نصيف جاسم الدليمي: لا أتفق معه مع كبير احترامي وتقديري لرأيه، فالعلماء هم ضمير الأمة وهموم الناس تقع ضمن أولويات بحثهم ومشاكل الحكم هم أول من يشخصها ويقترحوا حلولا لها.

* حسب الله يحيى: السياسة تدخل في صلب كل شئ في حياتنا. الحديث عن الخبز والمدرسة والمشفى والسوق والشارع كل هذا سياسة. وهي ليست بالضرورة انتماء لحزب وانما هي وعينا بكل شئ يجري حولنا.

* ناصر عزيز، عبد العزيز ججو، عباس خفاجي: أحنه العراقيين بشكل خاص لا نستطيع الأبتعاد عن مواضيع و هموم عالم السياسة/. وهل هناك عمل دون أن يكون له صلة بالسياسة؟!/. حياتنا في العراق أصبحت كلها سياسة في سياسه !.

* عشتار فينيسا: لا اتفق. النصيحة السياسية للساسة واظهار الخطأ والصح في المسار السياسي وعيوب الساسة، واظهار امراض المجتمع النفسية والعادات بسبب التخبط السياسي وعدم تحقيق الالتزامات الواجب تحقيقها من قبل الساسة للوطن والشعب هي نفسها دراسة نفسية اجتماعية عميقة للمجتمع في ظل سياسة فاشلة، فنفس الانسان وتفاعله الاجتماعي عناصر متداخلة السياسة العامة اهم جزء فيها.

* طارق الكناني: كلمة حق يراد بها باطل.. هو وكل من يمثل الطبقة السياسية ومن المتعلقين بالسياسة ان تنفذ كلماتك الى قلوب متابعيك، علما انك ترصد ظواهر اجتماعية وتطرحها بشكل علمي وهم يعتبرونها سياسة. يحسبون كل صيحة عليهم.. . لا تنشغل بهكذا ناصحين.

* دكتور فراس. اخصائي نفسي: أرى ان جنابكم اعطى ما بذخيرته العلمية للناس سواء من الناحية النفسية والاجتماعية والسياسية ومؤلفاتك تشهد بذلك، ولم تبخل باي شيء من علمك للناس خاصة وان المتخصص بعلم نفس الشخصية يجب ان يكون ملما بكل جوانب الحياة النفسية والاجتماعية والسياسية.

* جليل الجشعمي: بتناولك علم النفس السياسي في طروحاتك فان حجمك العلمي يكون بحجم مساحة العراق والوطن العربي. واذا جرد علمك عن السياسة فيكون حجمك عيادة دكتور في علم النفس ليس الا. بكتاباتك اصبحت تزعج الفاسدين والسراق والقتله، وبصمتك سجلت في ذاكرة العراقيين.. ويشهد لك التاريخ بذلك.

يحق.. أم لا يحق؟

السؤال هنا: هل يحق لعلماء النفس الأنشغال بالسياسة أم عليهم ان ينصرفوا لعلمهم الأكاديمي؟

هنالك ثلاثة مواقف: الأول يتبناه سلفيون يرون (أن الكلام في السياسة في عامة الناس خطأ، لأن السياسة لها رجال وأقوام، رجالها ذوو السلطة والحكم، اما أن تكون السياسة منثورة بين أيدي العوام وفي المجالس فهذا خلاف هدي السلف الصالح). والثاني يرى ان السياسة تخص جميع ابناء الشعب وحق للجميع، ولا احد له الحق في منع آخر. والثالث يتبناه أكاديميون من مختلف الأختصاصات يرون أن لهم الحق في الأنشغال بها.

متى انشغل علماء النفس بالسياسة؟

تعدّ الحرب الفرنسية البروسية، والثورة الاشتراكية التي جسدتها كومونة باريس 1871، هي السبب الذي دفع ادولف باستيان المتخصص بعلم الاجناس الى استخدام مصطلح علم النفس السياسي (Political Psychology) بكتابه رجل في التاريخ (Man in History)، ثم تطور ليصبح علما اكاديميا وتطبيقيا متعدد الاختصاصات يهدف الى فهم السياسة والسياسيين والسلوك السياسي من منظور علم النفس، وفهم العمليات العقلية للسياسيين من منظور اجتماعي سياسي.

وتعدّ العلاقة بين السياسة وعلم النفس.. ثنائية الأتجاه، فعلم النفس يستخدم عدسته لفهم السياسة والسياسيين، والسياسة تستخدم عدستها لفهم سلوك الجماهير ومواقف الخصوم من منظور علم النفس. غير ان علم النفس السياسي يركز على فهم العلاقات المتبادلة بين الأفراد والسياقات التي تؤثر في: المعتقدات، الدوافع، تغيير الاتجاهات، دور القائد في صنع السياسة الداخلية والخارجية، السلوك في العدوان الأثني، الحرب والأبادة الجماعية، دينامية وصراع الجماعات، التطرف السياسي.. ويدرس أسس وديناميات ونتائج السلوك السياسي مستخدما نظريته في السياسة ومستعينا بنظريات علم نفس الشخصية تحديدا.

ومن هذا الفهم، ادرك رؤساء دول كبار في العالم حاجتهم لعلماء النفس، واستعانوا بهم كمستشارين يصطحبونهم معهم في لقاءاتهم بقادة سياسيين كبار لاسيما في اوقات الأزمات والصراعات.. قدموا لهم المشورة العلمية، ليس فقط بتحليلهم ما وراء كلام الخصوم، بل وحتى لغة الجسد التي تكشف ما خفي.. ما يعني أن لعلماء النفس الحق بالأنشغال في السياسة بما يخدم شعوبهم.

توثيق شخصي للتاريخ

عذرا أنني ساتحدث عن نفسي لأن الموقف يتطلب ذلك.. أوجزه بالآتي:

في( 2003)انتخبت رئيسا لرابطة اساتذة جامعة بغداد عملت بنشاط ادى الى استشهاد استاذين من هيأتها الأدارية. وقد ترأست وفودا قابلت اعضاء مجلس الحكم باستثناء المعممين للمطالبة بمساواة اساتذة الجامعات في العراق بأقرانهم في دول الخليج، لأن بريمر وقتها حدد راتب الأستاذ الجامعي بين مئة الى ثلاثمئة دولار، ما اضطر كثيرين الى ان يبيعوا مكتباتهم. وكان بين الذين قابلناهم الراحل الدكتور احمد الجلبي.. ولما انتهى اللقاء انفرد بي وعرض علي الأنضمام لكتلته السياسية.. واعتذرت.

ولأنني كنت الأعلامي والأكاديمي الأبرز الذي يظهر عبر(الجزيرة) الفضائية العربية الوحيدة في 2003، ووجهت كلاما حادّا الى بريمر طالبته باطلاق سراح ستة دكاترة اختطفتهم القوات الامريكية، فان مدير مكتبه بعث في اليوم الثاني بعضوة مجلس الحكم (السيدة جل) وابلغتني بدعوته لمقابلته. وحين انتهى الحوار معه بوعد باطلاق سراحهم، لمّح لي بأنه يسره التعاون معه.. ولو ان احدا غيري استثمرها، لكان الآن في اميركا.

وبسبب نشاطي الأعلامي والجماهيري ومقالاتي بجريدة المدى( التقدمية الوحيدة حينها) تعرضت لمحاولة اغتيال في شارع ابي نؤاس صباح احد ايام توجهي لرئاسة جامعة بغداد.. ما اضطرني الى ان اغادر الى اربيل في (2005)

وكنت اسست في (2017) منظمة (تجّمع عقول) تضم نخبة من الأكاديميين والمثقفيين والفنانيين والأعلاميين من داخل العراق وخارجه، عقدنا مؤتمرات واقمنا ندوات في بغداد والمحافظات، فالتقى بي قيادي بارز يعرض عليّ الأنضمام لحزبه (الأسلامي)! فاعتذرت. وقبل كذا سنة.. زارني وفد من الحزب الشيوعي العراقي في بيتي بشارع حيفا.. وعرض عليّ العودة للحزب فشكرتهم واعتذرت.

اقول هذا لأثبت انني ما كنت طامعا بمنصب سياسي، وان ما قمت به من عقد مؤتمرات وندوات في بغداد ومراكز المحافظات، كانت تستهدف تقديم النصيحة العلمية للسياسيين واشاعة الوعي الأنتخابي بين العراقيين من منطلقي علم النفس السياسي وعلم نفس الشخصية.. وسنبقى، وعشرات من علماء النفس العراقيين، نواصل هذه المهمة من اجل شعب استثنائي في وطن استثنائي يمتلك كل المقومات لأن يعيش بحرية وكرامة.

***

أ. د. قاسم حسين صالح

مؤسس ورئيس الجمعية النفسية العراقية

إنَّ تعدد الجيوش والحشود بالوطن الواحد يسفر عن تهشيمه، فمَن لديه عقيدةٌ وسِلاحٌ لا يخضع لغيره، وكيف إذا كان له ذراعٌ اقتصاديّة وبإشعارٍ رسميّ؟! ولنّا بسوَّار بن المُضرِّب الخارجيّ، في ولاية الحَجَّاح بن يوسف الثَّقفي على العراق(75-95هج)، فائدةٌ: «أيرجو بنو مروان سمعي وطاعتي/ وقومي تميمٌ والفَلاَة ورائِيا»(المُبرد، الكامل في اللُّغة والأدب). أقول: مَن لديه سِلاح بمستوى ما عند الدَّولة، وعقيدة خارجيَّة وقوة اقتصاديَّة، لا ترجو الدَّولة وطنيته. لا سَمع ولا طاعة لأحدٍ عليه، إلا لمَن يقرُّ له بالولاية.

إنَّ ولاء «الولائي» للعِراق وهمٌ مِن الأوهامِ، فمَن دخل بنية الدِّفاع ضد الإرهاب، وهو ما يليق به عنوان «الشَّعبي»، قد عاد مقاتلوه، بعد القيام بإسناد القوات المسلحة والتَّحالف الدُّوليّ، أمَّا مَن استمر فعنوانه الصَّحيح «الولائي»، وفق عقيدة ميليشياته، وتدبير أمرها ليس عراقياً. سيكون حال العِراق مع «الولائي» حال اليمن مع الحشد الحوثي، ولبنان مع حشد حزب الله، وأفغانستان مع حشد طالبان، خذوا عبث هذه الحشود تجاربَ أمامكم.

حصل في اجتماع مجلس الوزراء العِراقي (28/11/2022): «الموافقة على تأسيس شركة عامة باسم (المهندس)، برأسمال مئة مليار دينار، ترتبط بهيئة الحشد الشَّعبي». يُعد ما يُقترح باسم قادة الميليشيات قراراً، فالامتناع يعني التَّهديد المستمر، معلوم أنَّ «معزول الولائي لا يُستخدم، ومنصوبه لا يُعزل»، جاء ذلك استعارة بتصرف لصلاحيات علي الكَركي(1534)، نائب الإمام في عهد طهماسب الأول(ت: 1576)، الشَّاه الصَّفوي الثَّاني (مروّة، التَّشيع بين جبل عامل وإيران. التنكابني، قُصص العُلماء). صدر قرار شراكة الحشد في الاقتصاد، مع أنَّ وزراء يعلنون أنفسهم ضد الازدواجيَّة، وفي مقدمتهم رئيس الوزراء، لكنّ مَن يعترض ينام على خطرٍ.

إذا كان الولائي يتذرع بفتوى «الجهاد الكفائي»، الأساس الذي تشكل عليه، فهذه لا عند إطلاقها، ولا بعد انتهاء المعارك، نطقت صاحبتها المرجعيَّة الدّينية باسم الحشد، أو شكرت جماعة بهذا الاسم، في كلِّ خطب الجمعة، التي ألقيت بين (2014-2017). لأنَّ تأسيس «الولائي» انطلق منذ 2003 بتفريخ الميليشيات، أما فتوى المرجعيَّة فقد اُستغلت لتأسيس الجيش الموازي. يُسافر قادته وينوب عنهم أبناؤهم لاستيراد السَّلاح، ولا اعتبار لقائد عام ولا وزير دفاع.

يقول نص فتوى «الكفائيّ»: «على المواطنين الذين يتمكنون من حمل السِّلاح، ومقاتلة الإرهابيين، دفاعاً عن بلدهم وشعبهم ومقدساتهم، عليهم التَّطوع للانخراط في القوات الأمنية»(13/6/2014). وجاء في «خطبة النَّصر» تحذير مِن مأرب تشكيل الحرس الموازيّ: «كانت نواياهم خالصة من أيَّ مكاسب دنيوية... ومِن الضَّروري المحافظة على هذه المكانة الرَّفيعة، والسُّمعة الحَسِنة، وعدم محاولة استغلالها لتحقيق مآرب سياسية، يؤدي في النِّهاية إلى أنْ يحلّ بهذا العنوان المقدس ما حلّ بغيره من العناوين المحترمة، نتيجة للأخطاء والخطايا التي ارتكبها مَن ادّعوها»(15/13/2017)، وخطايا الميليشيات بالاغتيالات تأتي في المقدمة.

بعد عبث الميليشيات، في الخطف والاغتيال، وجه سادة القادة الولائيين حشدهم إلى الجهاد النَّاعم، فأصبحوا يطلبون الإعمار، بعد أنْ أمسى وجوده العسكري فجاً. سيُذل العراقيّ تحت هذا الغطاء، فمَن تورط بدم الكفاءات والشَّباب، ودرب وأشرف على دخول الإرهابيين مِن الشَّام إلى العِراق، كي يعطي شرعية لتأسيس حشده، ليس له في الزّراعة والصّناعة.

لأجل هيمنة يريدها الولائيون لغير العِراق بعقيدة لا يخفونها، ولم يبق سوى الاقتصاد، وقد تحقق بهذه الشَّركة. لا أراها إلا بداية لمهالك جديدة. عندها ستُحكم كماشة الولائي على العِراق، باعتقاد وسلاح واقتصاد! غير أنَّ هذا الثّلاثي القاتل، تدبره نية سامة، والكلمة لمحمد صالح بحر العلوم(ت:1992): «بعض العقائد وهي غازٌ قاتلٌ/ مِن نَشرها تتسممُ الأَجواءُ»(بعض العقائد: 1934).

***

رشيد الخيّون - كاتب عراقي

 

كنت راجعت احدى الدوائر الحكومية بخصوص معاملة معينة، فأعطيت الملف لشخص كان يقف في الشباك ورجوته ان يستعجل فيها ان امكن فقال لي (اذا مستعجل خلي بالفايل 25 الف).

وتساءلت مع نفسي ما اذا كانت هذه (الرشوة) شائعة ام حالة استثنائية. ولأن من عادتي ان استطلع الرأي بخصوص ظواهر اجتماعية فأنني توجهت عبر وسائل التواصل الاجتماعي بهذا الأستفسار:

(هل صحيح ان المراجع لأية دائرة حكومية في بغداد..

ما تمشي معاملته إذا لم يضع بالفايل ٢٥ الف دينار؟

الجواب.. بالذمة).

شارك في الأجابة أكاديميون ومثقفون ومتابعون فكانت النتائج ان الذين نفوا وقالوا (ماكو هيج شي) لا تتعدى نسبتهم 3%،  وقال احدهم بالنص:

- لا ماكو هيج ابدا خاصة بدوائر البلديات و دوائر العقارات والضريبة، فردت عليه احداهن:

- اكو.. دفعت 300 الف.. خلونا ساكتين،

- وردّ آخر: للاسف اكو، بس منكدر نحجي خوفا من الدعاوي الكيدية. نسكت ونقول لا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم.

وقال أديب: أرى في الأمر مبالغة.. هذا حسب علمي.

وأقسم آخر: الشهادة لله، لم ندفع شخصيا هكذا مبلغ عند المراجعة، وانما رسوم ووصل واستمارات نكون بشكل معلن من دون اللجوء الى وضع مبلغ في الفايل.

وهناك من حددها بدوائر معينة:

- مو كل الدوائر، بس دوائر المرور شفتها بعيني،

- صارت عندي بدائرة المرور،، مو 25 الف.. أكثر،

- والله انا عن نفسي، راجعت الضريبة في حي العدل عبارة عن دائرة ابتزاز، يمكن صرفنا مليون دينار رشاوي في معاملة اصولية.

وهناك من سخر قائلا:

- خمسة وعشرين هاذي مال السلام عليكم!.. الموضوع اكبر من ذلك بكثير.

- هذا اذا تساهلوا مع المراجع وشافوه بلا ملابس!

وكان رأي الأغلبية المطلقة ان (الرشوة) موجودة، بينهم من خصها بدوائر معينة وآخرون عمموها.. اليكم نماذج منها دون ذكر الأسماء:

* بما ان الجواب سيكون بالذمة، فهذه الحاله لا تعمم على الجميع ولكنها موجوده في معظم الدوائر وخاصة في المعاملات المتعلقه بالاموال او العقارات، وهذه الحالات تحصل مع المحامين اثناء مراجعتهم، وهنالك حالات تنسيق خارج الدائرة. اما المعقبين فعملهم قائم على اساس مبلغ (٢٥) الف. نعم هذه الظاهرة منتشرة على نطاق واسع تحت مسمى (وين المالات).

* أكاديمي: صعدت اكثر من درج قاصداً غرفة المسؤول المعني، فوجدت عند الباب طابور من المراجعيين.أخذت موقعي في آخر الطابور وانا انتظر دوري.كان الدخول والخروج واغلب المراجعيين كانوا فرحيين بسرعة انجاز معاملاتهم لااعرف لماذا مما اثار استغرابي!!

جاء دوري فزعق بوجهي بعد ان بحث في وسط الفايل (شنو هاي).. قال لشخص يقف منتصباً بجانبه (اخذه خلي ايكمل اوراقه).

خرج معي الشخص المعني وعند غرفة الباب (باللوفه) قال (جيب خمسه وعشرين خليهه بنص الفايل). عملت المطلوب ثم دخلت.. فخرجت بعدها فرحاً جداً جداً اسوة بالاخرين.

ملاحظه :هذه في دوائر العقارات تحديداً.. طلع الواكفين كلهم معقبين بس اني الغشيم !.

* كنت مارا في احد شوارع مجمع سكني فسمعت احدهم يحدّث الآخرين وقوفا (ياجماعة هذا الموظف خلص معاملتي وما اخذ مني فلس)، فدفعني الفضول وقلت له بعد ان توقفت بالقرب منهم (حبيبي اكيد هذا شيوعي) فقال: (يمعود لا مو شيوعي بس هوه انسان نظيف) وبعد عدة ايام رآني ذلك المتحدث وصرخ باعلى صوته قائلا: (ابشرفي هذا الموظف طلع شيوعي!).

* كاتب: هناك أزمة أخلاق تعصف بالبلد وطبعا الموظف الصغير عندما يسمع بحجم الأموال المنهوبة والمسروقة وضعف الرقابة يصبح هذا دافعا له لممارسة الابتزاز والضغط على المواطن ليستجيب لرغباته.الرشوى والابتزاز أمر شائع ووباء استشرى كالنار في الهشيم. ولكن هل هو جديد ويرتبط بهذه المرحلة فقط.. طبعا لا. خذ مثلا في الحرب العراقية الايرانية نوع وحجم تجهيزات وارزاق الجندي الإيراني والعراقي، ستجد البون شاسعا، حتى ان رأس النظام قال مرة لو أنني ارسلت للجنود جملا لوصلته فقط الاذان.. وقس على ذلك.

* شاعر: عندما يسمع ويرى المواطن ان الرشوة وسرقة المال متفشية الى هذا المستوى يصبح لا اراديا ميالا الى التحصيل واكتناز المال بطريقة غير شرعية خوفا على نفسه.. وهذا يعني ان الحكومة هي الدافع الرئيسي لفساد المجتمع وفقدان الاخلاق.

* شنو الي تغير دكتور عن السابق.. الفساد باق ويتمدد.. الضريبة والطابو نماذج حية للفساد دون حسيب او رقيب تحت مرأى ومسمع المسؤول. ما تمشي شغلتك اذا ما تدهن زردومه كما يقولون.

* اكتب اليك سيدي الفاضل وانا استاذ وبدرجة بروف منذ عشرين سنة. راجعت وزارة التعليم العالي قبل ايام مرتين وفيهما تمت اهانتي بشكل حقير رغم انني كنت مكلفا بعمل لصالح الوزارة.. والله المستعان فألى اين المهرب؟

التحليل

تعني (الظاهرة) بمفهومها الأجتماعي.. شيوع فعل او سلوك بين افراد المجتمع، وغالبا ما تطلق على افعال ما كانت موجودة بمثل ما صارت عليه، مثل المخدرات في العراق التي كانت نسبتها قليلة في سبعينيات القرن الماضي، وشيوعها بعد 2010 لتصبح ظاهرة اتعبت حتى الدولة في مكافحتها.

ونرى، أن شيوع الرشوة في دوائر الدولة العراقية يعزى لثلاثة اسباب:

الأول، شيوع الفساد

يعترف الجميع بشيوع الفساد في العراق، بمن فيهم (المرجعية الموقرة) التي وصفت كبار الحكام بأنهم (حيتان الفساد)، فيما اعترف السيد نوري المالكي بان (لديه ملفات للفساد لو كشفها لنقلب عاليها سافلها).. وما كشفها مع انه كان في حينها الرجل الأول في الدولة. وان الفساد تسبب بصرف أكثر من ترليون دولار أميركي، بين عامي 2003 و 2018 بحسب الخبير الاقتصادي لؤي الخطيب، ليصبح العراق ثاني افسد دولة في العالم واولها في حجم الأموال المسروقة باعتراف خبراء عالميين، وأن ما يسرق يقاس بالمليارات بحسب نائب رئيس لجنة النزاهة الأسبق موسى فرج.

ومن متابعتنا للعملية السياسية في العراق بعد تشكيل اول حكومة عام 2006، توصلنا الى نظرية نفسية كانت بالنص:

(اذا تساهل القانون في محاسبة فعل كان يعدّ خزيا، وغض الآخرون الطرف عنه او وجدوا له تبريرا.. شاع في المجتمع ولم يعدّ خزيا كما كان.. الفساد في العراق مثالا).

ما يعني أن الفساد في العراق يشكل السبب الرئيس في وصول (الرشوة) الى ظاهرة بدوائر الدولة العراقية.

الثاني، غياب القائد القدوة

قل عن الرئيس العراقي الأسبق عبد الكريم قاسم ما شئت، لكن الجميع يعترف، بمن فيهم اعداؤه، بأنه كان نزيها. فالرجل كان ينام بغرفة في وزارة الدفاع، ولم يتقاضى امتيازات، فاقتدى به وزراء حكومته والموظفون في دوائر الدولة، فيما الذين تولوا الحكم بعد 2003 استفردوا بالسلطة والثروة وسكنوا القصور، مع أنهم رجال دين وان رسالة النبي محمد كانت اخلاقية بالدرجة الاساسية (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق)، وكان عليهم ان يقتدوا بمن خصه الله سبحانه بقوله(وانك لعلى خلق عظيم).

وكان عبد الكريم قاسم يعتمد معايير الكفاءة والخبرة والنزاهة، ومبدأ وضع الرجل المناسب في المكان المناسب في اغلب اختياراته.. مثال ذلك:ابراهيم كبة (اقتصاد)، محمد حديد (مالية) فيصل السامر(ارشاد)هديب الحاج حمود (زراعة) ناجي طالب (شؤون اجتماعية)…نزيهة الدليمي(بلديات).. وهي اول وزيرة في تاريخ العراق. واختياره عقلا اكاديميا عبقريا درس على يد آينشتاين لرئاسة جامعة بغداد التي تاسست في زمنه.. الصابئي المندائي الدكتور عبد الجبار عبد الله، برغم معارضة كثيرين، قالوا له كيف تعين هذا الصابئي.. فأجابهم: (عينته رئيس جامعة وليس خطيب جامع)، فيما قادة الحكم الجدد اعتمدوا مبدأ المحاصصة والقرابة للتعيين في دوائر الدولة التي تقاسموها (عائليا) وكثير منهم لا يملك شهادة ولا مؤهل ما اثار الشعور بالحيف لدى موظفين مستقلين شكل عاملا لتعاطي الرشوة.

واذا كان الموظف قد فقد القدوة السياسية فانه فقد القدوة الدينية ايضا، اقبحها ان يرى في التلفزيون اثنين من المعممين يتهم احدهما الآخر بالفساد فيصل الى حوار مع نفسه (اذا صاحب العمامة صار فاسد.. ظلت عليّ)!.

الثالث.. الفقر

يعدّ العراق البلد الأغنى في المنطقة.. وأحد اغنى عشرة بلدان في العالم، ومع ذلك بلغ عدد من هم دون خط الفقر فيه اكثر من 13 مليون في سابقة ما حدثت بتاريخ العراق السياسي. وزادها مؤخرا ارتفاع سعر الدولار وغلاء المواد الاساسية وبالذات الغذائية منها.. ليذكرنا الحال بمقولة ابي ذر الغفاري (عجبت لمن لا يجد قوت يومه ولم يخرج شاهرا سيفه).. وقد فعلوها من شباط 2011 الى كانون اول 2023، خرجوا في جميعها شاهرين علم الوطن، وما استجابوا لصرختهم.. لتشكل مبررا للرشوة عند من اماتوا فيهم الضمير الأخلاقي والديني.

والحل؟!

واضح ان الحل يكون بمعالجة هذه الأسباب الثلاثة.. وواضح ايضا ان الحكومة الحالية ليس بأمكانها حلها، وان السيد محمد شياع السوداني لو فكر في ذلك، فان عليه ان يتذكر سلفه السيد حيدر العبادي يوم كان رئيس وزراء ووعد بأنه سيضرب (الفساد بيد من حديد)، وأكد قائلا (يقتلوني.. خل يقتلوني) وفي أقل من شهر تخلى عن وعده واعترف علنا.. ان الفاسدين يمتلكون المال والسلاح والفضائيات.. انهم مافيا.

وتلك هي الحقيقة.. انهم مافيا و.. دولة عميقة.. بيدها الأمور، الآن و.. لغد بعيد!.. ما لم يتوحد ملايين الجياع في ثورة سلمية.

***

أ.د. قاسم حسين صالح

مؤسس ورئيس الجمعية النفسية العراقية

منذ عدة عقود تعرضت مجموعة مجتمعات في شرقنا الاوسطي الى تغييرات فوقية اما بسبب الصراعات السياسية البينية او نتيجة حروب قاسية أحدثت تشويهات غائرة فيها، ناهيك عن فقدان قود الدولة وهيبتها امام تكوينات أخرى بديلة لها او مدسوسة في جسدها كما يحصل في لبنان واليمن وسوريا والعراق حيث يفقد المجتمع عذريته في الامن والسلم الأهلي، وتنهار أواصر النسيج الرابط بين مكوناته فينحدر الفرد تحت طائلة الخوف والبحث عن السلام الى بدائل لوطنه بحثا عن الحماية والشعور بالأمان، ويبدو ذلك جليا في هذه المجتمعات ومثيلاتها منذ تكوين أنظمتها السياسية، خاصة تلك التي خاضت صراعات سياسية واجتماعية حادة بسبب الانقلابات العسكرية والتناحر السياسي الدموي على السلطة، حيث فقدت عذريتها السياسية والأمنية والاجتماعية وتحولت الدولة الى اللا دولة بغياب قانون متفق عليه لتفاصيل الحياة، فتقزّم المجتمع وانكمش إلى مجموعة اوطان تحتضن افراده وتوفر لهم الأمان الذي افتقدوه بغياب الجامع الوطني، تلك الملجئيات الجزئية أو الأوطان البديلة التي التجأ اليها الفرد تكمن في القبيلة والدين والمال.

وفي هذه الطوابق الثلاث من الأوطان البديلة: القبيلة والدين والمال، ينكفئ فيها الفرد متحصنا بها في غياب مفهوم المواطنة والانتماء الجامع لوطن ولدولة تنظم حركة الحياة وحدودها وترسم خارطة القوانين ومؤسساتها، هذا الهروب يضطر فيه الفرد الخوض في دهاليز التاريخ والموروثات الاجتماعية في العادات والتقاليد وتركيباتها في محاولة للبحث عن السلام وتهدئة روعه وارتباكه النفسي إزاء فقدان الدولة للقانون الأساس وتطبيقاته في حياة تلك المجتمعات القلقة، وفي خضم هذا الارتباك النفسي والاجتماعي يفقد المجتمع ذلك النسيج الوطني المنتج للمواطنة ويتحول الى مجموعة تكوينات غير متناسقة لا يجمعها مشترك لا تشعر بحاضرها البائس ولا ترى بصيص امل في القادم من الأيام وسرعان ما تنحدر الى دهاليز التاريخ في محاولة للبحث عن البدائل او حقائق الأحداث لاستنباط ما يخرجها من ازمتها.

وفي صفحات التاريخ سرعان ما تصطدم بأوجه المدونات التاريخية للأحداث، تلك المدونات التي أكدت الأيام انها كتبت برؤى مختلفة وأمزجة متناقضة، بل ومواقف معادية أو متحالفة مع الحدث وعناصره وأسبابه ومسبباته، وهي بالتالي تحتاج إلى أدوات ووسائل غاية في الدقة والمهنية والتحقيق، لأن الحفر في التاريخ بمعاول مثلومة، ربما تقودنا إلى دهاليز معتمة، أو تفاجئنا بأحداث تعيد ذاكرتنا إلى ما لا يشتهيه البشر، وعلينا أن نتذكر دائمًا أن التاريخ ليس صفحات مقدسة أنزلتها الملائكة من السماء، إنما هي أحداث وثّقها بشر مثلنا، تتحكم فيه الغرائز والعواطف والحب والكره والانفعالات، وهو في الآخر يكتب من خلال زاويته التي ينظر منها إلى الأحداث، على خلفية معلوماته أو مشاعره تجاهها، وكيف يراها حسب تلك الميول، ومن هنا ندرك أن التاريخ ليس كتاباً مقدساً لا يخضع لتلك العوامل، وهو بالتالي مجموعة احداث يراها كاتبها في تلك اللحظة التي وثّقها، ولذلك علينا أن نتوخى الدقة في قراءتها، والاهم قراءة صاحبها الذي دونها؛ لذلك أرى أن الطريق الأقصر في بناء مجتمع معاصر بعيداً عن دهاليز أولئك الذين سجلوا تلك الوقائع تحت ضغط أمزجتهم، سواء أكانت تلك الصفحات معتمة أم مضيئة، أن نؤسس بنياننا على العلم الحديث والاستنتاجات بثقافة نقدية استنتاجية لكل ما سطره الأولين في توثيق الأحداث التي ورثت تداعياتها هذه المجتمعات، لكي نصل إلى مجموعة معطيات نبني على أساسها مجتمعاتنا الحديثة، وكلما تعلمنا أكثر، تعلم أبناؤنا وبناتنا أكثر، دونما العودة الببغائية والصنمية إلى التاريخ وصفحاته، فمن يبني حاضراً جميلاً لن يحتاج العودة إلى الماضي لكي ينظر إلى المستقبل.

***

كفاح محمود

 

 

في المثقف اليوم