أقلام حرة

أقلام حرة

طالعتُ أوراق نتيجة عام 2025 فرأيت التوافق بين أيام الشهر الميلادي والهجري. ثم وقعت عيناي على مشاهد الحرائق في لوس انجلوس فتعجبت!

 منذ يومين كنت أسمع تهديدات ترامب التي توعَّد فيها غزة، فيمن توعدهم، بمصير مؤلم إذا لم يتم الإفراج عن الأسري، رغم أن الوحيد الذي يؤخر صفقة التبادل هو نتنياهو!

 هوليود كانت شعلة نشاط مليئة بمشاريع الأفلام والمسلسلات الجديدة فصارت في غمضة عين شعلة من اللهب! فكيف حدث هذا؟ وما الذي تغير في الولايات المتحدة الأمريكية بعد هذه الكارثة المهولة؟

جحيم لوس أنجلوس

 طاف طائف في ذهني عندما وجدت التوافق بين أيام العام القمري والشمسي أن عام 2025 هو عام الترتيب، أي الانتظام والاصطفاف ووضع النقاط فوق الحروف التائهة! وهو انتظام لا دخل للإنسان فيه. بل هو ترتيب قادم من أعلي..

 لا يمكن لترامب أو بايدن أو غيرهما من حكام الولايات المتحدة الأمريكية الظن بأن الكون بلا رب. لابد من آية تحدث فيتذكرا أنهما مجرد ذرات رمل في كون متسع هو مِلكٌ لله القاهر الجبار.

 تكررَت الكوارث في الولايات المتحدة الأمريكية خلال الأعوام الخمسة السابقة من حرائق وأوبئة وعواصف وأعاصير وزلازل فلم تتعظ. بل كانت في كل مرة تخرج علينا تصرخ بأنها قادرة على التحدي. وأي تحدي؟ إذا كانت مجرد نفخة ريح ممزوجة بجذوة لهب أبادت مدينة كاملة مثل لوس أنجلوس في غضون ساعات قليلة!

 والذي حدث في ولاية كاليفورنيا وفي القلب منها لوس أنجلوس شيء مهول رهيب يفوق الوصف.  بدأ الأمر ليلة الثلاثاء الماضي؛ عندما احترق أكثر من خمسة آلاف مبني في باسيفيك باليساديس كنتيجة لامتداد ألسنة حرائق الغابات المتاخمة للمنطقة، والتي أهاجتها رياح "سانتا آنا" العاتية، تلك الرياح الدفيئة الجافة القادمة بسرعة بلغت 150 كيلومتراً في الساعة، أسرع من سيارة سباق تنهب الطريق نهباً! رياح محملة باللهب وأمامها أشجار يابسة؛ فسرعان ما امتدت ألسنة النار بسرعة فاقت قدرة سيارات الإطفاء التي جن جنونها فانطلقت مسرعة من كل صوب، تحمل نحو 1400 رجل إطفاء أعيتهم الحيلة، فجاءت طائرات الهليكوبتر تلقي بحمولتها من سوائل الإطفاء بلا جدوى.

 لم يكن بوسع عمدة لوس أنجلوس كارين باس، التي صارت مدينة منكوبة، إلا أن تخرج محذرةً جموع الأمريكيين بالمنطقة قائلة: (نتوقع أن ينتشر هذا الحريق بسرعة). وعلى الفور تمت الإجراءات الاحترازية من أجل تقليل الخسائر البشرية قدر الإمكان. فتم إخلاء أكثر من 150 ألف شخص، وتم قطع الكهرباء عن نحو 300 ألف شخص آخرين خوفاً من حدوث ماس كهربائي هنا أو هناك يزيد من بشاعة الفاجعة.

 شوارع لوس انجلوس سرعان ما اكتظت بسيارات الهاربين الفارين من ألسنة الجحيم الزاحفة، والمستشفيات تم تفريغها من مرضاها على كراسي متحركة، المشهد الذي استدعي لذاكرة المراقبين مشاهد إخراج المرضي من مستشفيات غزة قسراً!

 انقطع الاتصال عن نحو مائتي ألف شخص، وتوقفت حركة القطارات. وبدأت ألسنة اللهب تلتهم كل ما في طريقها من قصور وبنوك ومعابد وكنائس ومكتبات وحانات ومطاعم ومدارس دون تمييز بين مبانٍ فارهة أو متواضعة. كان تركيز رجال الإطفاء الأكبر منصباً على المناطق الأهم وبخاصة "هوليود هيلز" وعلى قمتها برز شعار هوليود الشهير ومن خلفه ارتفعت زهرة النار من خلف التل.

 ورغم الفرار السريع بفضل الإنذار المبكر، توفي نحو 10 أشخاص بخلاف المفقودين! وفي غضون ساعات لا تزيد عن 24 ساعة كان الحريق قد امتد لمسافة تزيد عن خمسة آلاف فدان، وأجهز على نحو 1500 مبني، وتحولت هذه البقعة، وفقاً للأقمار الصناعية لكتلة من الجحيم، وكأنها ضُربت بأعتي أنواع القنابل الفتاكة! هذا التعبير جاء على لسان قائد شرطة لوس أنجلوس عندما شاهد المنظر الذي تناقلته وكالات الأنباء!

 ألغي بايدن آخر زياراته الخارجية قبيل تسليم السلطة، وكانت زيارة لإيطاليا. كما قطعت رئيسة بلدية لوس أنجلوس زيارتها لإحدى الدول الإفريقية، وعادت لأمريكا تتابع ما يحدث. وكان أغلب الذين تضرروا جراء الكارثة من مشاهير الفن والسياسة والاقتصاد، ومنهم نائبة الرئيس الأمريكي "كامالا هاريس" نفسها؛ تلك التي فقدت منزلها الفخم على شاطئ ماليبو.

 وممن أخلي مواقعه، وكالة "ناسا" الفضائية، التي ركضت نحوها النيران! وكذلك جامعة كاليفورنيا. وبات الأمر جنونياً عند كل المراقبين والمتضررين، ومنهم فنانون من نجوم هوليود، أولئك الذين كان لبعضهم تصريحات إعلامية حضَّت على قتل الفلسطينيين صغاراً وكباراً، مدنيين ومقاتلين. فإذا بهؤلاء الفنانين عندما رأوا عذاباً يمسهم مساً، إذا بهم يخرجون على الإعلام يذرفون الدموع!!

إسرائيل السبب

 لعنة نتنياهو حلت على سماء ثاني أغني مدينة أمريكية..

 آخر استفتاءات إسرائيل أكدت أن 6% فقط من الإسرائيليين عارضوا وقف إطلاق النار في غزة! أي أنه لم يبقَ حول نتنياهو إلا قلة من اليمنيين شديدي التطرف ممن يشجعون استمرار حربهم الشعواء! وبات المجتمع الإسرائيلي مقتنعاً أنه اصطدم بصخرة غزة العنيدة، وأن المجال لم يعد متاحاً لتحقيق النصر المطلق الذي بشَّرهم به نتنياهو وزمرته في الحكومة اليمينية المتعطشة للدماء، وهو نصر كاذب واهم ليست له شواهد على الأرض..

 الفترة الأخيرة شهدت انهياراً كبيراً للجيش الإسرائيلي على كل الأصعدة: تهرب الضباط والجنود الإسرائيليين من العودة للخدمة العسكرية، عمليات نوعية في مناطق عديدة أسقطت جنوداً كثيرين من صفوف الجيش الإسرائيلي، تغيراً في أسلوب المقاومة وصل إلى حد الهجوم المباشر على مواقع قيادة فرعية وإسقاط قادتها بأسلحة بيضاء بسيطة!

 الغريب في الأمر أن كراهية وبغض الجيش الإسرائيلي وأفراده ازدادت لدي شعوب العالَم بأسره؛ خصوصاً بعد الإدانة التاريخية من جانب المحكمة الجنائية الدولية لنتيناهو ووزير دفاعه، وصارت تلك الإدانة تلاحق جنود الجيش الإسرائيلي في مختلف دول العالم: هناك 160 محامي في دولة تشيلي قاموا برفع دعوي قضائية ضد أحد هؤلاء الجنود فقبضت السلطات عليه تمهيداً لمحاكمته أو تسليمه للمحاكم الدولية. وجندي آخر في دولة تايلاند وُجد مقتولاً في ظروف غامضة، وجنود آخرين استطاعوا الفرار سريعاً قبل ساعات من تهديدات وشيكة في هذه الدولة أو تلك. حوادث وأنباء تكررت في وسائل الإعلام العالمية خلال الفترة الأخيرة. لم يعد هناك مكان آمن لجنود الجيش الإسرائيلي وضباطه. ولم تعد حجة "العداء للسامية" تنطلي على أحد. هذا تغير دراماتيكي حاد في نظرة العالَم لإسرائيل. بل وفى نظرة يهود الداخل ضد اليمين المتطرف الإسرائيلي.

 هذا هو السر الذي يدفع نتنياهو للاستمرار في الهروب للأمام باستمرار؛ إذ لو توقفت الحرب فسرعان ما سيصبح هو وحزبه في مواجهة هدير الشعب الإسرائيلي، والقضايا التي تلاحقه شخصياً في الداخل والخارج.

 وكما تسبب نتنياهو في إلحاق الضرر العظيم بإسرائيل، فإنه تسبب في إلحاق ضرر مماثل للولايات المتحدة الأمريكية  ولرئيسها الحالي بايدن، واللاحق ترامب. فالأول حدثت في نهاية ولايته أعظم وأعتى كارثة طبيعية في تاريخ أمريكا، والثاني ستبدأ ولايته وهو يعاني ضرراً اقتصادياً كارثياً؛ إذ بلغت قيمة الخسائر المباشرة لحريق لوس أنجلوس ما وصل في أكثر التقديرات إلى نحو 57 مليار دولار. والأكثر من هذا أن عائدات لوس أنجلوس من السياحة والإنتاج الفني وموائد القمار، الذي يبلغ نحو 3.2 تريليون دولار سنوياً سوف يتأجل لأجل غير مسمي. كارثة اقتصادية مهولة تواجه البيت الأبيض.

 كل هذا حدث في أيام قلائل. فكأني بتلك الكارثة أتمثل قول الحق في آياته: (فأكثروا فيها الفساد. فصبَّ عليهم ربك سوط عذاب. إن ربك لبالمرصاد).

***

د. عبد السلام فاروق

كثيرا ما تتداول النخب والأقلام، القول بأن ما بين العراق وسوريا، صراع متواصل منذ زمن المناذرة والغساسنة، والأمر ليس بجديد، ويربطونها بما حصل بين دمشق والكوفة، وبين نظامي الحكم في البلدين منذ سبعينيات القرن العشرين.

والعجيب أنهم يريدون القول بأنها تحصيل حاصل، فلا غرابة ولا تفاعلات تدعو لغير ذلك!!

هذه نمطية تفكير عاصفة في أرجاء عقولنا، ويشترك بها معظم المفكرين والباحثين والنخب والكتّاب، وفي جوهرها إنحراف في التفكير ومجانبة للواقع وطمس للحقائق.

فهل يصح ما ندّعيه على الدول الأوربية، التي أمضت قرونا متواصلة في حروب دامية شرسة، وبعد الحرب العالمية الثانية، وجدت نفسها أمام خيار التفاعل الإيجابي والإتحاد، فعاشت عقودها بأمن وسلام ورفاهية وتقدم وإبداع.

لماذا غيرنا يتجاوزون ونحن نتخندق أو نتأسن في مواضعنا؟

ما يدور في واقعنا إجترار لما سبق، وإندساس فيما غبر، ولا قدرة لدينا لمواجهة تحديات الحاضر والنظر البعيد للمستقبل، فمفردات تفكيرنا وتصوراتنا محشوة بالماضيات.

ولهذا نلغي المسافة الزمنية بين الماضي والحاضر، ونقفز بإنتحارية مروعة إلى ما حصل في سالف الأزمان، ونريد إحياؤه والعمل بموجب منطلقاته ورؤاه.

وبسبب ذلك لن يحصل تقدم أصيل، ولن يكون للمفكرين والمثقفين القدرة على صناعة تيار معرفي حضاري متوثب إلى حيث التطلعات المعاصرة.

المطلوب تغيير آليات ومفردات التفكير، لكي نعاصر ونطلق جوهرنا الحضاري البهيج!!

***

د. صادق السامرائي

 

يُقال أن (200000) رسالة دكتورا من (170) جامعة عربية، لم تنتج شيئا نافعا، سوى زيادة الألقاب والمُرتبات.

لا يُعرف مدى صحة القول، لكن الملاحظ أن الرسائل السائدة ذات طابع إستنقاعي، بمعنى أنها تبحث في موضوعات لا تساهم في البناء والتغيير، وتجنح إلى الإستنتاجات النظرية المستندة على مصادر بائدة ومكررة.

الرسائل تبحث في الشعر والأدب واللغة، وتندر الرسائل المهتمة بموضوعات معاصرة ذات قيمة معرفية تؤهل الأجيال للإنطلاق في مسيرة بناء ورقاء.

يزداد عدد الجامعات ومعها يتكاثر الخريجون، وتتنامى الأمية ويسود الجهل، وتهيمن على الوعي الجمعي الخرافات والأضاليل، ويتحوّلون إلى أرقام تابعة خانعة وقابلة للمحو والفعل بها كما يشاء الفاعلون.

وهذه ظاهرة عجيبة، لأن الجامعات من المفروض أن ترتقي بالمجتمع الذي تكون فيه، وتساهم بتحولات معرفية وحضارية ذات قيمة إجتماعية وتطلعات إنسانية واعدة بالأفضل والأرقى.

لماذا المدن التي فيها جامعات تتوطنها مجتمعات خاوية، مهضومة مظلومة، تطارد لقمة عيشها وتبحث عن أمنها وسلامتها من الشرور المدلهمة في ربوعها؟

هل أن الجامعات مستقلة وذات حرمة أكادمية؟

من المرجح أن الجامعات التي لا تستنهض مجتمعاتها ذات أجندات متصلة بأنظمة الحكم، وتسعى لتأكيد السلوك المنحرف لأصحاب الكراسي والذين يريدون الخداع والتدجيل، لكي تمضي سفن فسادهم متهادية في مياه القهر والحرمان والإذلال المشين.

فالجامعات ربما طرف في تثبيط الوعي وتدمير الرؤى الصالحة للحياة، وتنأى بنفسها عن المجابهة والتحدي والإعتصام بالحقيقة الساطعة، والتعبير الأكاديمي المستقل.

فالجامعات – على ما يبدو – مطية للكراسي المتنفذة، وتترجم إرادات ذوي السلطان.

فهل تستطيع الجامعات أن ترعى رسائل ذات قيمة علمية وتأثير واضح في المجتمع؟!!

***

د. صادق السامرائي

بداية كل عام نرسم أهدفاً، ونحدد أطراً لتحقيقها، لكن الأيام تمضي، حتى ينصرم العام دون أن ننجز تلكم الأهداف، بل بعضنا قد يتراجع بدل أن يتقدم، عدم الالتزام بالأهداف السنوية مشكلة شائعة، وتتكرر دوماً لأسباب عديدة، للأسف يقع أغلب اللوم فيها علينا نحن، وليس على ما حولنا.

يبدأ التخطيط الفشل بغياب التخطيط الواضح! ذلك أن الأهداف تحتاج إلى خطة تنفيذية، تكون ذات تفاصيل ومواقيت، وأتذكر كثيراً من الأهداف "السهلة" التي وضعتها لم أحقق منها شيئاً، كوني لم أخطط لمراحل التنفيذ، وبالطبع هذا يقود إلى ضرورة أن تكون الأهداف واقعية، وليست حالمة وغير قابلة للتحقيق، بالطبع لا بد من الطموح والأمل، ولكن الواقعية تساعد على تحقيق الأهداف وتجنب الإحباط، لكن تذكّر أن تكون أهدافك مرتبطة بقيمك الشخصية، حتى تؤمن وتتلزم بها،، لعل أهم أسباب الفشل هو التسويف، هذا التأجيل المتواصل يؤدي إلى ضياع الوقت دون أن تشعر، وبالذات إذا كانت أهدافاً غير مرتبطة بموعد نهائي لإنجازها أو لا أحد يلح عليك بها،، كما أن التركيز فقط على النتائج، دون الاهتمام بالمراحل أو العملية نفسها، قد يولد شعوراً بالضغط النفسي أو عدم الرضا عن الإنجاز، وقد يدفع البعض للتوقف قبل الوصول إلى خط النهاية، لذا من المهم أن نقوم دوماً بمراجعة لأهدافنا، وقياس تقدمنا، ولعلي لا أذيع سراً أنني احتفل بالإنجازات الصغيرة أو خطوات التقدم إلى الأمام، حتى تستمر جذوة الحماس، ولا أشعر بالضياع

نحن نتعثر بسهولة بسبب العوائق اليومية، فالحياة مليئة بالتحديات والتغيرات، بل والأحداث القاهرة والملهيات الطارئة، التي قد تبعدنا عن المسار، لكن المؤمن بأهمية أهدافه يعود إلى مساره بأسرع وقت، كما ان الخوف غير المبرر من الفشل، وتجنب شرف المحاولة، لأننا نعتقد أننا لن نستطيع تحقيق ما نأمل، فنحرم أنفسنا من مما نستطيع دون أن ندرك ذلك، علينا ان نحدد اهداف واقعية، مثل الحصول على شهادة جامعية أو مهنية، أو البحث عن العمل وفق مؤهلاتي.

النجاح عبر التاريخ في مجالات كثيرة ليس دائما نتيجة مباشرة للمؤهل العلمي، الثقافة أيضا ليست محصورة في المسار الأكاديمي، حامل الشهادة الابتدائية قد يصل إلى قمة الإبداع الأدبي، المثقف بالمفهوم الشامل للثقافة قد يتفوق على أصحاب الشهادات في أمور الحياة المختلفة.

لا نقيم الناجح بمنجزاته أم بتأهيله العلمي أم بشهرته، ولا نقيمه بحاضره أم ماضيه، المنجزات هي معيار التقييم وليس الشهرة أو الشهادات، المنجزات في مجالات مختلفة هي محصلة عوامل كثيرة من ضمنها المسار التعليمي لكنه ليس المؤثر الوحيد في تحقيق النجاح والإنجازات، ليس من المنطق الحكم على إنسان بأنه فاشل لأنه قرر ألا يلتحق بالجامعة واختار مسارا مهنيا في الحياة يتفق مع رغبته وقدراته وطموحه، هنا تذكير للآباء والأمهات بعدم إجبار أبنائهم وبناتهم على تحديد مستقبلهم الأكاديمي أو المهني، يقول المثل: يمكنك قيادة الحصان إلى النهر لكنك لا تستطيع إجباره على الشرب، ولكننا في عراقنا اليوم نرى اشخاصا ارتقوا اعلى المناصب بدون تعليم او شهادة اكاديمية او مهنية او عسكرية، بفضل التزلف والاحزاب والطائفية ولله في خلقه شؤون.

***

نهاد الحديثي

 

لقد سئمت من النفاق علي شبكات التواصل الاجتماعي، وكأنة اصبح من الأمراض المتوطنة في التربة، وكذلك في  هذه الدنيا بطولها وعرضها، وإنها لا تساوي شيء، بعدما وجدت أنها لا تتغطى إلا بالأقنعة المزيفة الكاذبه والخادعه والمغشوشه  وبرغم قباحتها وبشاعتها أحاول أن اقطف من أشجار الكذب المنتشره بها،، وأقنع نفسي بأنها جميلة وساحره، على امل الانتقال الى عالم جديد مجهول المعالم، لقد سئمنا من هذه الوجوه الكلحة، وأتذكر المقابر وظلمة الليل، ولكن في اسوأ الظروف لن نصل. إلى سر الحياه وغموضها، لهذا العالم الجديد  الظالم المظلم الذي نعيش داخل هذا السياج من تكنولوجيا الاتصالات  الذي أصبح قرية صغيرة  من الوهم وعالم افتراضي.

يفرح الناس. جميعهم باستقبال المولود الجديد حديثًا وأحيانًا أتساءل عن السر من وراء ابقاء هذه الحياة حاضره على هذه الأرض والتي بدأت تكشر عن أنيابها من التغيرات المناخية من تلوث البشر،  وما هي الفائده المرجوه منها ولماذا لا تنتهي وترحل مع كل ما فيها ومن عليها وقد استنفذت كل عذابَاتٌ والأمراض والاوجاع والمصائب والحروب، والشرور والسيئات من المعاملة والأخلاق التي هي أقدم من الحضارة، ولو كان فيها بصيص امل من خير ونور لظهر وكشف  ولكن يبدو ان الجمال محجوب او غير موجود وهو فقط حروف ابجدية مركبة في عالم أفلاطون، دائمًا أتساءل عن سر من وراء الصراع علي هذه الأرض، دون أن يحسبوا الحسابات بأنها ستزداد اعداد المعذبون في   الأرض، ابشع واجرم ما في هذه الحياة هو الخوف من الخوف، الذي يستبيح حرمات الرحمات  ويذبح الطمأنينة اذا ما حضرت لتستريح وتريح النفوس، ومع ذلك تبدأ الحياة بالاعوجاج منذ البدايه وتستمر في هذه التركيبة المركبة المعقدة  حتى النهايه ومن دون أن نعلم الأسباب وكيف ولماذا نعيش الخطيئة خطيئة/ هابيل وقابيل/ الصراع والاستحواذ علي كل شيء .ندخل  الى الحياة ومعالمها غَصبًا عنا وبدون ان يستشيروننا ونعيش مع الفزع بكل اشكاله حتى اننا نصل لآن نخاف من الخروج من المنزل ...ولكن ننتظر النهاية الحتمية الموت لعالم مجهول .وتنتهي الأيام ومازلنا في هذا الصراع الخفي، يا سادتي نحن نعيش عصر الذئاب ...!!

***

من يوميات كاتب من قاع الريف

مجمد سعد عبد اللطيف - كاتب وباحث مصري

 

في السنتين الماضيتين وحتى الآن كان الأستاذ ماجد الغرباوي- المفكر العراقي المعروف، يعاني مر الشكوى من سرقة "صحيفة المثقف" من على الفيس بوك وعدم تفعيلها حتى الآن، وكنا نحاول أن نبذل جهدا لمعرفة الأسباب التي أدت إلى ذلك، وحتى الآن لم نعرف السبب .

وقد علمت مؤخرا أن هناك شركات كبيرة جدا في عالم البرمجة تحاول أن تسرق الصحف من على الفيس بوك وقنوات اليوتيوب، فلم يعد الأمر قاصرا على قيام شخصا ما بإرسال هكر، بل وجدنا شركات متخصصة في شكل منظمة، وهذه المنظومة تستهدف الجرائد العملاقة والقنوات الكبيرة الضخمة التي تقدم محتوي متنوع وعالي الجودة على اليوتيوب.

وما حدث مع صحيفة المثقف، حدث أيضا في الأيام الماضية مع الأستاذ اليوتيوبر محمد ممدوح- صاحب قناة سمري Summary، حيث فوجئا اختفاء تلك قناته من على اليوتيوب  بشكل مفاجئ وبدون سابق إنذار، مع العلم بأن هذه القناة كانت واحدة من أكثر القنوات المصرية المؤثرة ثقافيا ومعرفيا على اليوتيوب العربي واختفائها يمثل خسارة كبيرة لكل متابعيها .

لقد كنت واحدا من متابعيها، فلم تفتني أي حلقة من حلقاتها وكنت أنتظر الأستاذ ممدوح بفارغ، حيث كانت القناة بلا شك تقدم محتوى مختلف ومفيد جدا، وأشهد الله أن هذه القناة كان لها دورا كبير في تبسيط الأخبار، والأحداث التي تحدث صباح مساء في عالم السياسة والثقافة والاقتصاد والمعرفة بكافة أشكالها، وكانت بالفعل تمثل أنموذجا لقناة ناجحة بنسبة 100 % .

أجمل ما في قناة سمري أنها كانت تنوع المحتوى والذي كان يقدمه صاحبها الأستاذ محمد ممدوح والذي يعد بحق شخصية موسوعية، وذلك لكونه يغطى موضوعات كثيرة جدا، كالسياسة والأحداث العالمية والقضايا الاجتماعية بشكل محايد بعيدا عن أي توجه ؛ علاوة على أسلوبه الرائع في عرض المحتوى بشكل مشوق للمشاهد العربي من الشرق للغرب، ومن المحيط للخليج، وهذا الأمر جعل الكثيرين حتى غير المتخصصين يتابعونه عن كثب بسبب قدرة صاحبها على تبسيط المعلومات وتوصيلها بطريقة بسيطة وخفيفة للناس وهذا يمثل قمة التنوير الذي نناشده ونعضده.

لقد فوجئت أن قناة سمري قد سرقت، وذلك بعد تجاوز مستمعيها ومتابعيها حولي مليونين، والسؤال الآن كيف سُرقت تلك القناة؟

للأسف فإن سرقة اليوتيوب أضحت ظاهرة سيئة منتشرة خلال تلك الأيام، وذلك لأسباب عديدة؛ منها: ضعف في الحماية، حيث نفاجئ أن هناك متابعين كُثر لا يُفعلون المصادقة الثنائية، وهذا يجعل الحساب الخاص بالقناة سهل الاختراق، على الضغط على روابط غريبة، حيث أحيانا يفاجئ اليوتيوبر بأن تأتيه رسالة من إيميل أو رسالة فيها لينك وبمجرد الضغط على القناة يتم إغلاقها على الفور، علاوة على اختراق الإيميل الأساسي المربوط بالقناة وهذا ما يجعل القناة تختفي من على اليوتيوب، وكذلك تحميل برامج مشبوهة .

والسؤال الآن: كيف نحمى قنواتنا على اليوتيوب ؟

سمعت من بعض المتخصصين في عالم البرمجة أن هناك عدة خطوات يمكن أن تقلل فرص سرقة المحتوى، مثل: تفعيل المسابقة الثنائية على كل حساباتك، وكن حذر جدا من أي رسالة أو لينك ليس واضحا مصدره، وحاول تغيير اليوزر نيم والباسوورد بحيث تكون معقدة، وتأكد من كل التطبيقات التي لديك ولا تسمح لأي تطبيق أنت لا تعرفه، أو لا تثق فيه ..

إنني أعلم جيدا أن الأمان الإلكتروني مهمل إلى حد كبير، وقناة سمري على ما يبدو أنها قد اختفت فجأة، وربما يكون هذا رجعا لعدم تأمين الحساب بشكل قوي، ولكن أثق في عدالة الله أن القناة سوف تعود في القريب العاجل، وأدعوا أهل الفضل الوقوف سويا من أجل عودة تلك القناة .. وسوف تعود .. سوف تعود بإدن الله. وللحديث بقية..

***

الأستاذ الدكتور محمود محمد على

أستاذ بجامعة أسيوط المصرية – كلية الآداب.

 

عزيزي أنا،

أعلم أنك متضايق مني، لكن دعني أشرح لك، لست الوحيد الذي يعاني، فعام 2024 الذي نودعه يبدوا أكثر خذلانا مني، وكأنه لوحة امتزج فيها الضوء والظلال، الفرح والحزن، الأمل واليأس. العالم، الذي ما زال يتعافى من أزمات السنوات الماضية، وجد نفسه أمام مشهد جديد من الأحداث التي شكلت ملامحه، ففي السياسة شهد العالم استمرارًا لتحولات جيوسياسية معقدة. تعاظمت المنافسة بين القوى الكبرى بينما تصاعدت التوترات السياسية بسبب الانقسامات الاقتصادية والبيئية، ليستمر الصراع الروسي الاوكراني كجرح نازف في قلب أوروبا، يبحث عن سلام يبدو كسراب.

على المستوى البيئي لم تهدأ الطبيعة في 2024، بل صرخت بصوتٍ عالٍ يحذر البشرية. ضربت الأعاصير غير المسبوقة شواطئ الكاريبي، بينما شهدت القارة الآسيوية أسوأ موجة حرارة في تاريخها الحديث. تجمدت أنهار الجليد أكثر من أي وقت مضى، فيما باتت مشاهد حرائق الغابات في أستراليا وأمريكا الجنوبية أشبه بكوابيس مستمرة. في انتظار أن تسارع الدول الكبرى باتخاذ خطوات جريئة للحد من انبعاثات الكربون.

في مجال التكنولوجيا التي تجلت كقوة مهيمنة، شهد العالم طفرة هائلة في مجال الذكاء الاصطناعي. باتت الروبوتات أقرب إلى البشر في تفاعلها، وأخذت تقنيات الواقع الافتراضي والواقع المعزز تفتح أبوابًا جديدة أمام التعليم والترفيه. ومع ذلك، تصاعدت المخاوف الأخلاقية بشأن الخصوصية وتأثير الذكاء الاصطناعي على سوق العمل.

وكان للفضاء نصيبه من الإنجازات، حيث أطلقت وكالة ناسا وشركاؤها مهمة "أفق القمر"، التي أعادت الإنسان إلى سطح القمر بعد عقود. وفي الوقت نفسه، واصلت الصين تطوير محطتها الفضائية، مما زاد من المنافسة على الهيمنة في الفضاء. بدا أن الكون، رغم اتساعه، يحمل مفتاحًا لمستقبل البشرية المليء بالأسرار.

على المستوى الرياضي كانت أولمبياد باريس 2024 فرصة للعالم للاحتفاء بالروح الإنسانية، حيث اجتمع الرياضيون من مختلف البلدان لإظهار قوة الإرادة والتفاني، بالرغم من اشكالية تجسيد "العشاء الأخير" في الافتتاح. وفي السينما، استمرت الأعمال الفنية في استكشاف القضايا المعاصرة، مع تركيز خاص على البيئة والهوية والعدالة الاجتماعية.

لكن ربما الحدث الأبرز لهذا العام هو صمود الإنسانية. برغم الأزمات الاقتصادية والاضطرابات السياسية والاختلالات الاجتماعية، صمود هش خلفه نوايا لليأس، مفارقات عديدة تجعلنا نفكر في إشكاليات الأنا والأخر والوجود، وربما هي مناسبة للاعتذار كذلك من "الأنا" التي أفتقدها، أفتقد تلك النسخة مني التي كانت تعيش الحياة ببراءة وسعادة، كنت واثقًا، جريئًا، ممتلئًا بالأحلام والطموحات. والآن، وأنا أكتب هذه الكلمات، لا أستطيع سوى أن أشعر بالندم العميق لأنني لم أكن يومًا وفيًا لنفسي كما تستحق.

أنا آسف.

لكن هذه الكلمة، رغم عمقها، لا تحمل الثقل الكافي لتعويض ما فات. أعلم كم مرة توسلت إليَّ أن أحبك، أن أراك كما أنت حقًا، أن أقدّر قيمتك. وبدلًا من أن أفتح لك ذراعي، أغلقت قلبي في وجهك. كنت أسمع صرخاتك، لكنني كنت أصمّ عن آلامك. وعندما تركك الآخرون محطمًا، لم أكن هناك لجمع شتاتك. كنت جزءًا من الجروح التي حملتها، ولم أكن البلسم الذي تحتاجه. كرهتك، لأنني كنت ضعيفًا أمام مواجهة حقيقتك، لأنني لم أفهم أن قوتك كانت كامنة في ضعفك.

قالت ماري أنجيلو ذات مرة: "لن يذكرك الناس بما قلت أو فعلت، لكنهم سيذكرون كيف جعلتهم يشعرون". وأنا الآن أفكر، كيف جعلتك تشعر طوال تلك السنوات؟ هل شعرت يومًا بأنك محبوب، أو أنك تستحق السعادة؟ أعلم أنني خذلتك مرات لا تحصى، لكن اليوم أكتب لك ليس فقط للاعتذار، بل لأعدك بأنني سأغير كل شيء.

لقد استغرق الأمر مني سنوات لأفهم أنك كنت دائمًا تستحق الحب، بكل عيوبك وبكل ما كنت تراه نقصًا فيك. الألم الذي شعرت به لم يكن مجرد عقبة في طريقك؛ كان درسًا علمني أن قوتك الحقيقية تكمن في بقائك. كل من جعلك تشعر بأنك لا تستحق، لا يستحقون مكانًا في قلبك. وكل من رحل وتركك وحيدًا، لم يكن يستحق البقاء.

عندما كنت تسقط، كنت أنا أول من يحكم عليك بدلًا من أن يمد يده ليساعدك. عندما كنت تبكي، كنت ألومك بدلًا من أن أمسح دموعك. عندما كنت تفقد الأمل، كنت أذكّرك بأخطائك بدلًا من أن أذكّرك بإنجازاتك. لكنني اليوم أدرك أنني كنت أعمى. أدرك أنني كنت أراك من خلال أعين الآخرين، وليس من خلال قلبي.

وأعلم أن الابتسامة التي كانت تضيء وجهك قد رحلت، وأن التعب صار مرسومًا على ملامحك. لكني أعدك، سأعيد تلك الابتسامة. سأكون سندًا لك، سأحبك بكل ما أنت عليه، بكل نقائصك وقوتك، بكل ماضيك ومستقبلك.

قال ألبرت كامو: "في أعماق الشتاء، اكتشفت أن بداخلي صيفًا لا يُقهر". وأنت، يا عزيزي، ذلك الصيف. حتى وإن بدا كل شيء قاتمًا الآن، هناك ضوء بداخلك لن يخبو. أنا هنا لأعيد إشعال ذلك الضوء، لأحبك كما كنت تستحق دائمًا.

وأتمنى ألا يكون الأوان قد فات.

***

الأستاذ محمد إبراهيم الزموري

"إغمض عينيك حتى تراني"

أمامي كتاب عن أشعار الحب والغزل ومن بين الشعراء المذكورين فيه "مجنون ليلى"، (قيس بن الملوح)، تأملت أشعاره، دون شعراء الحب المعروفين (جميل بثينة، عمر بن أبي ربيعة، عباس بن الأحنف، كُثير عزة). وتبين بأنها أساطير أوهام لا غير، فما كان يرى ليلى التي هي كأي فتاة في زمانها، وربما ذات بياض ناصع وعيون كعيون المها لا غير، بل كان يرى ما قدحته في مخيلته من صور، فراح يطارد وهمه.

وتسميته بالمجنون منصفة وصحيحة، لأن أوهامه عبر عنها بأشعاره، فلا توجد إمرأة كما وصفها شعره.

فمهما بلغت المرأة من الجمال، فستكون ضحية لعوامل التعرية الزمنية، فقد تبدو رائعة الجمال لفترة ما من عمرها، لكنها كأي البشر مصيرها الذبول والإندثار.

فلماذا هام بها إلى هذا الحد، وحسبت الأجيال أن ما قاله تعبير عن الحب والغزل الرائع، وما هو إلا تصريح بأوهام إستحوذت عليه، وأردته في رمضاء الجنون وحيدا شريدا.

الوهم عندما يتغلب على وعي البشر يمتلكه ويسخره لغاياته القاسية المروعة.

ولكل وهم أدواته، وصاحب الوهم قد يكون مجرما، أو عاشقا مفتونا بأوهامه الملونة والمتلآلئة في فضاءات ما يرى ويحس.

والأوهام بأنواعها لذيذة وتستلب الألباب وتسخر المبتلين بها للعمل بموجبها.

ومصيبة الدنيا بما يعتري قادتها ورموزها من أوهام ورؤى وتصورات تبلغ حد القداسة، وتخضع لها النواهي والنفوس، ويكون العمل بموجبها أمرا محسوما وضروريا لتواصل الدنيا وتقدم الحياة.

وكل في أوهامهم يعمهون!!

***

د. صادق السامرائي

 

البشرية لديها معتقدات راسخة متنوعة، ومَن يقترب منها بعقله ورأيه يُحسب من أعدائها، والمناوئين لنواميس الوجود الفاعلة في المخلوقات فوق التراب.

والقوى المتمكنة المهيمنة توظف الأديان لتأمين مصالحها بتكاليف زهيدة.

"سنصنع لهم دينا يحقق أهدافنا كلها بأيديهم"!!

فأي دين يمكن إعادة تصنيعه وتصديره للمجتمعات المُستهدفة به، وهذا ما جرى في واقع الأمة، حيث صارت تستورد دينها وفقا لآليات التسويق المعاصرة المتطورة، مما جعلها تندفع نحو حتفها بإيمان عنيف، وتحسب ما تقترفه من الجرائم والآثام من طقوس دينها المرهونة برموزه، الذين يوهمونها بأنهم يمثلون الدين القويم وغيره دين رجيم، فصار المنتمون لذات الدين يتقاتلون بشراسة ويفتكون ببعضهم بضراوة فائقة.

فالعلاقة بين الدين والكرسي سلبيةً، وتوفر فرصا للطامعين بالبلاد والعباد لتسخيره لتأمين مصالحهم، ويكون ذلك بنشر أسباب الفرقة والإنتقام بين أبناء الدين الواحد، فكل دين قابل للتشظي والإنقسام، وذلك بطرح فكرة وإقرانها بعمل عاطفي شديد الإنفعال، مما يؤدي إلى تعطيل العقول، وشحذ النفوس لتكون منطلقا للدمار الذاتي والموضوعي، وما أخطر الدين عندما يتحول إلى آفة!!

فالطبع البشري ميال للتخاصم والإفتراق، ويبتعد عن التوائم والإنسجام والإرتفاق!!

الأديان خامات فكرية يمكن إستيلادها أفكارا لا تعد ولا تحصى، ولهذا تنتشر المدارس والفرق والجماعات والمذاهب في كل دين، ولا يوجد دين متماسك، ما دامت عقول الناس كبصمات أصابعهم.

وهذه الثغرات التفاعلية تؤدي إلى نتائج خطيرة تجعل أي دين يبدو وكأنه من وسائل سفك الدماء وقتل الأبرياء، وفقا لتوجهات يتمسك بها الفاعلون ويتحررون بموجبها من مساءلة الضمير،  فما يقومون به تنفيذا لما يأمرهم به الذين يرون أنفسهم الممثلين للدين.

وواقعنا المأساوي يزدحم بالتفاعلات المنبثقة من تباين الرؤى والتصورات، وحسبان الذي لا يتوافق مع غيره عدوه، فأما أن تكون معي أو أنت عدوي، وإن لم تؤمن بما أرى فأنت من الذين يحق لي إبادتهم، وتطهير الدنيا من وجودهم، فديني هو الدين وغيره لا دين.

وما تساءلوا ما معنى وقيمة الدين في الحياة إذا كان مشروعا للقتل والإجرام!!

فهل أن رب الدين معادي لخلقه أجمعين؟!!

***

د. صادق السامرائي

 

أولا: الطبيب عبد السلام العُجَيْلي!!

عبد السلام العُجيلي (1918 - 2006) كاتب سوري من مدينة الرقة، ولد فيها ومارس الطب والكتابة بعيادته، وتوفي بمدينته التي عشقها وترجم أحوالها في قصصه.

تعرفتُ عليه بواسطة أحد البارزين في ميدان الثقافة، فنصحني أن أقرأ له، وكنتُ حينها في المرحلة المتوسطة، وما أن إقتنيت كتبه حتى إلتصقت بها وقرأتُ عددا من قصصه ولأكثر من مرة، فأسلوبه السردي يسحرني والموضوعات التي يتناولها تشدني، وكنت أقلده في محاولاتي القصصية، ومضيت أتابعه، وأتخيل بأني سأكون مثله، كاتب قصة وطبيب، يعيش في مدينته ولا يفارقها، لكنها الأيام بما ترسمه وتصنعه بالبشر، فوجدتني أحن لمدينتي كحنين السمك للماء!!

كان العُجيلي صاحب فكر إستنهاضي منير، يعبر عنه بكلمات واضحة وقصص ممتعة، ويجيد مهارات توطين الأفكار في عبارات مؤثرة.

ثانيا: الطبيب صبري القباني!!

صبري القباني (1908 - 1972)، عرفته عن طريق مجلته "طبيبك" التي أصدرها سنة (1956)، وإقتنيت كتابه الضخم "الغذاء لا الدواء"، وكتابه " حياتنا الجنسية"، وكتاب " أطفال تحت الطلب"، و"قلوب الأطباء"، هذه الكتب كانت في مكتبتي المتواضعة، وبعضها إستعارها الأصدقاء وما أعادوها.

وتعلمت منه الكتابة بالعربية في الموضوعات الطبية، ونشرت عددا من المقالات العلمية في حينها، وكان لي زميل أستاذ يحثني على تأليف الكتب الطبية، ومثالي في ذلك، الدكتور صبري القباني، وشاءت الظروف أن يُترك الجمل بما حمل، وتذهب المشاريع والأحلام أدراج الأيام.

أسلوب الدكتور صبري القباني، بليغ وبسيط وواضح ويجتذب القراء، فمجلة طبيبك كانت واسعة الإنتشار، والإقبال على كتبه منقطع النظير، وهو الذي أثرى الثقافة الطبية العربية، وساهم في تطوير الوعي الصحي في مجتمعاتنا.

ويتميز بالجرأة وتقديم الحقائق العلمية بلا خوف أو تردد، وتفاعلت مع كتبه وإصداراته بمتابعة دائبة، وتفهم لأفكاره ومنطلقاته التنويرية في ميادين الصحة، وكيف يكون الطبيب جماهيريا، وقريبا من المريض ومتحدثا بلغة مجتمعه، وما يُمَكّن المواطن من التفاعل الإيجابي مع الطبيب.

***

د. صادق السامرائي

 

منح الله تعالى الإنسان الحرية في التميز لكل ما يدور من حوله من مخلوقات في الأرض وملكوت السموات وتجليات الكون التي خلقها ويسر أمرها له في الاختيار وحثه على الأخذ بالأصلح لحياته عن طريق الجوهرة التي منحها الله تعالى له وهي العقل ليكون خليفة في الأرض لبني جنسه يتبوأ منها ما يشاء وليرتقي منزلة عن باقي المخلوقات التي تشاركه حياته وأعطاه حرية التعبير لما يراه مناسبا لفهم العلاقات الإنسانية والأخلاقية والعبادية (ولقد خلقنا الإنسان من علق) العلق 2 ولقد شرع له الشرائع والسنن للعيش في مجتمعه البسيط آنذاك وتوسع معه بتوسع الحياة الجديدة المتطورة للإنسان على مر العصور وحسب تعقيدات حياته في منهاج موحد وصراط مستقيم فيه هدى ونور وتبيان لكل شيء حسب الحاجة لها في كتاب متسلسل في تشريعاته منذ نوح عليه السلام لخاتم النبيين محمد بن عبد الله صلوات الله عليه (كذلك نفصل الآيات لقوم يتفكرون) يونس 24 و(وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون) النحل 44 ووجهه على الاعتماد المجرد والواعي في فهم حياته وربه وديانته وتعامله في المجتمع بعيدا عن التدخلات الغير لأنه سيكون هو الوحيد المسئول عن تصرفاته الشخصية وطريقة تعبده التي تودي به إلى الجنة أو النار عن طريق الثواب أو العقاب ولهذا سبحانه تعالى يخاطب الإنسان دوما في القرآن الكريم ب(يا ذو الألباب – أفلا يتدبرون – أفلا يقلون – أفلا يتفكرون) طالما أن العقل يميل إلى الحرية في التفكير ويؤمر بالعمل به ومن أهم هذه الحريات حرية اعتناق الدين وحرية العمل والتعامل مع أبناء جنسه الذي يعيش معهم حيث قال الحق تعالى (لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي) البقرة 256 و(أمرهم شورى بينهم) الشورى 38 وكذلك (وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر...) الكهف 29 و(أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين) يونس 99 .

أن الخطاب الموجه للإنسان دائما ما يكون عن طريق الاعتماد الكلي على العقل بعيدا عن التسلط الفكري للغير فأن الحرية المطلقة له في التفكير والتدبر والتمعن في اتخاذ القرارات وخصوصا المصيرية من حياته فقد وصف الله تعالى الذين لا يمنحون لعقولهم الحرية كالأنعام بل هم أضل سبيلا وسيكون ردهم يوم الحساب (وكنا نخوض مع الخائضين) المدثر 45 فكل من لديه القدرة على فهم القرآن وآياته له الحرية الفكرية المنضبطة في التحري والتدبر لآياته ومعرفة مرادها والعمل بها ومعرفة سبل الهداية والصراط المستقيم الذي يوصله السمو ومعرفة الله عز وجل وإتباع عقيدته الدينية ومنهجها والتفقه بها والتحرر من عقلية الأموات الذين عاشوا زمانهم ومكانهم كما قال الله تعالى (وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون) التوبة 122 ولهذا يحثنا الله أن تكون عقولنا مدربة على الفهم والاستنباط والمعرفة الذاتية بوسائط معرفية لا تخرج عن النص المقدس الذي أنزل إلينا من ربنا لنكون بعيدين عن ما يملى علينا من الآخرين المعاصرين والماضين).

***

ضياء محسن الاسدي

 

في زمن الشاشة والكي بورد وسيادة الصورة والفلم التسجيلي بالهواتف النقالة، صار الإنتباه لحظيا، والإستماع مملا، فالكل لديه ما يقوله، ومن الصعب أن تجد مَن يقرأ ويستمع!!

فلماذا نكتب؟

وكيف نكتب؟

سؤالان يستحقان النظر والتأمل البعيد، لأن الكتابة كانت بوصلة السلوك البشري قبل زمننا المعاصر، الدفاق المتوثب المزدحم بعجائب الإبتكارات.

الذي يكتب لنفسه لا يُقرأ، والذي يكتب للآخرين عليه أن يستحضر مهارات الكتابة المعاصرة، ليفوز بشيئ من الإهتمام.

كتب القصص القصيرة والروايات ودواوين الشعر لا تجد قراءً لها، بل تنام على أرصفة الشوارع، أو ربما تنتهي إلى سلال المهملات!!

لماذا نقرأ دواوين أصحاب المعلقات ولا نأبه للدواويين الحداثية؟

مَن منا يقرأ رواية ببضعة مئات من الصفحات؟

ذلك الزمن ولى دون رجعة، وزمننا الحالي مرهون بإرادة التسارع الوثاب، فما فيه يتقافز ولايعرف معنى الخطو والسير المعتاد.

ولكي نكتب علينا أن نتعلم كيف نضغط العبارات ونجيد مهارات، ما قل ودل، وكيف للفكرة أن تتوطن بضعة كلمات.

فما عادت القابليات البشرية ذات قدرة على السكون ومن حولها الأشياء تمضي بتسارع شديد.

هل يطيق الجيل الجديد الإستماع لأغنية طويلة من أغاني القرن العشرين؟

معظم الأغاني المعاصرة بطول بضعة دقائق، ومهما كانت كلماتها وألحانها، فأنها إن طالت ستجلب الملل للمستمعين.

فالمطلوب الإختصار، وإختيار المفردات الدالة بعناية ودراية، وتقييم التأثير النفسي للمكتوب على القارئ، وكيف يتحقق جذبه، وتزويده بالمتعة المعرفية الأصيلة.

وعلى عاتق ذوي الأقلام يقع العمل الشاق والإبتكار التواق لصناعة جيل عصري الإشراق؟

***

د. صادق السامرائي

 

هطلت دموعه وهو يتأمل مكتبته التي جمع فيها مئات الكتب على مدى سنوات العمر، وكانت موطنه الذي يأخذه إلى بحار العلم، ومحيطات المعرفة، وفضاءات العقول.

تتصاعد زفرات الحسرات من صدره، وعيونه مغرورقة، ويتساءل عن مصير الكتب التي جمعها، وما دورها وتأثيرها على الآخرين، وهو يفقد قدرات التواصل معها لما أصابه من ضعف وعوق وهزال.

كم من أمثاله يواجهون مكتباتهم وهم في خريف العمر؟

الكتب تبكي بحرقة، لأنها بلا قُرّاء، والأبناء لا يقدّرون قيمتها وربما لا يجيدون لغتها، وسترمى على قارعة طريق المهملات، أو ستأكلها النيران والعدوان، لأنها تشغل حيزا في المكان.

أصحاب المكتبات الشخصية الكبيرة في محنة، لأن التكونولوجيا المعاصرة إستطاعت أن تضع مكتبة ضخمة في قرص بحجم الإصبع، وتجد المئات من الكتب على شبكات الإنترنيت متاحة لمن يرغب بقراءتها، فالورقي صار عبئا، والرقمي يسود ويطغى على الأجيال.

لا أعرف جوابا، لكن مكتبتي تصاغرت مع الزمن، ورغم حرصي على ما فيها من كتب، فالوقت الذي أمضيه معها، أقل من الوقت الذي أواجه به الشاشة قارئا وكاتبا وباحثا، فالإنترنيت وفرت مصادر للبحث والدراسة، ووضعت أمامك المعلومات طازجة، وتجد لكل سؤال جواب، وعليك أن تمحص وتميز وتختار.

في السابق عندما نريد كتابة بحث نذهب إلى المكتبة لنستعين بالكتب والمصادر الأخرى، واليوم، المراجع بأنواعها حاضرة على الشاشة، فاسأل ما تريد وستأتيك الأجوبة بسرعة.

تلك معضلة أجيال ترعرعت مع الورق والقلم، وأصبحت على هامش عصر سيغيب فيه الورق والقلم.

إنه الألم، والتوهم بأن الكتاب إنجاز معرفي مِقدام، ويحافظ على الدور والمقام، في زمن تحول الكتاب فيه إلى بضاعة، والناشرون يتاجرون وما يعنيهم الربحية فقط، فما عادت دور النشر كما كانت في القرن العشرين.

فهل سنجد حلا لمكتباتنا المرتجفة، برفوفها المرعوبة، وكتبها المركونة، التواقة للتصفح والإهتمام؟!!

عالم يتغير وكتب تتحيّر، وهل لنا أن نتخيّر؟!!

***

د. صادق السامرائي

رغم اندلاع الثورة الفكرية مُبكِرًا في الوطن العربي.. إلا أن المشهد الثقافي العربي كان ولا يزال مُشوَّهًا بسبب أيديولوجيات الحكم المكبلة للمدارك والعقول..!؟، فللأسف ورغم كون ليبيا من أوائل الدول العربية التي شهدت نهضة ثقافية وصحفية وإعلامية وكانت باكورتها صحيفة " المنقب الإفريقي" عام 1827م الصادرة باللغة الفرنسية من قبل القناصل الأوربيين الجاثمين فوق أرض ليبيا الحبيبة، ثم توالت هذه النهضة الفكرية بصدور صحيفة " طرابلس الغرب " الصادرة باللغتين العربية والتركية والتي كانت بأمر من الوالي التركي الحاكم بأمر الباب العالي في أسطنبول العاشقة لرياض أرضنا وسمار خيراتها، وتوالت الإصدارات للصحف والمجلات وتطورت بحيث كانت تعبر عن الأفكار النمطية التي كانت نتيجة توالي السلطات وفقًا لإعادة تدوير الإرادة، إلى أن أصبح النمط يُمثل النفط والثروات التي حباها الله لأرضنا الغالية، وتحولت الجرائد والصحف والمجلات والمنابر الإعلامية إلى مستودعٍ لبقايا موارد بشرية مهدورة ومأجورة، تجمع كل ناشط لا يعرف وجهته إلى أين..؟ وكل كاتب كتب حرفين..!! أو سياسي صدَّقه أثنين..!!! ولا تعبر إلا عن مُخَيِّلةِ صانعها، وأضحى الكاتب والشاعر والأديب والصحفي وما يسمى بالناشط يعملون بطرق وآليات حديثة منها "الدفع المسبق" و"الولاء والبراء"، وأمسى هذين المُعْتَقَدَين هما ديدن أغلب الصحفيين والإعلاميين والمُؤَرِّخين والكتاب والشعراء والأدباء في الوطن العربي، حتى بات وصفهم في ذاكرتي لا يعدو كونهم " غواني ما قبل الحروب.. وسبايا ما بعد الخراب "، وخير دليل على ذلك هو إزدواجية المعايير لديهم وإنسلاخهم المتتالي والمتوالي من جلودهم التي تحمل بصمات أرباب النعم والعطايا وأختام الذِلَّةِ والخنوع، في حين أكتسب المشهد الثقافي في ليبيا وفي الوطن العربي تطورًا ملحوظًا، وصار في أوج رقيه بدخول عصر الأنترنت وبفضل منصات التواصل الإجتماعي.. بعيدًا عن مماليك الثقافة والإعلام وقياصرة النِّخاسة وبطولاتهم الوهمية.

***

بقلم الكاتب الليبي

محمد علي أبو رزيزة

 

يُعد الشيخ محمد الغزالي أحد أبرز رجال الدعوة الإسلامية في العصر الحديث، وله تأثير عميق على قطاع واسع من الناس، من المواطنين البسطاء والدعاة والعلماء، بل وحتى السياسيين، وقد امتد تأثيره إلى ما بعد وفاته بسنوات. لا يزال أسلوبه الدعوي وأفكاره حية في الأذهان، لا سيما في الجزائر التي ارتبط بها ارتباطًا وثيقًا...

امتاز أسلوبه الدعوي بالعبارة المؤثرة، والعاطفة المتأججة، واللغة الواضحة، والدعوة الى الوحدة والتماسك والأخذ بالعلم والسنن الكونية للتقدم والخروج من التخلف والتبعية والتحرر...

وقد ارتبط بالجزائر وتفاعل مع مجتمعها وتاريخها وتقاليدها، فأحبها وأحب أهلها، وأحب مدينة قسنطينة وسكانها، مدينة الجسور المعلقة؛ مدينة الثقافة والفكر...

كما ارتبط في الذاكرة الجماعية لنا نحن كجزائريين بدروسه الأسبوعية على شاشة التلفزيون الوطني حديث الاثنين...

كان غزير الإنتاج في التأليف، إذ كتب عن كل القضايا التي تهم الأمة في حاضرها ومستقبلها بأسلوب واضح ولغة سلسة وإيمان قوي، وبالطبع تعرضت بعض كتبه للنقد من طرف المثقفين أو الدعاة ورجال الدين، وكان يتنازل عن حقوقه في التأليف لصالح القارئ الجزائري، كما كان يُكتب على أغلفة كتبه !..

كما أنه كان محاضرا أساسيا في المؤتمرات الفكر الإسلامي التي كانت تُعقد كل عام بشكل دوري في مدينة من مدن بلدنا الحبيب..

ولا ننسى دوره في تأسيس جامعه الأمير عبد القادر الإسلامية بمدينة قسنطينة سنة 1984 .

كان الشيخ الغزالي محترما ومكرماً من طرف الجميع؛ من المواطن البسيط، ومن الطالب الجامعي، ومن طرف رجال السياسة، بل ومن طرف الرئيس الراحل الشاذلي بن جديد نفسه ...

كان في كتبه ناقدا للتغريبيين، والسلفيين، والقوميين والإخوان المسلمين ولليبراليين بأسلوبه الهادئ، القائم على الحجة والبيان الواضح البيان، وكان يدعو دائما الى الوحدة بين الشعوب العربية والإسلامية ونبذ الفرقة داخل الأمة الواحدة ...

احترق ألماً بسبب الأحداث التي عصفت بالجزائر مع بداية التسعينات، اذ كان يعتبرها بلده الثاني...أحداث العنف والإرهاب التي أعقبتْ أحداث الثامن أكتوبر سنة 1988، وحرب الخليج في بداية التسعينات...

تُوفي سنة 1996، وهو يُلقي محاضرة حول العلم في الرياض بالمملكة العربية السعودية، ودُفن بمقبرة البقيع بالمدينة المنورة، تاركا وراءه ثروة علمية وفكرية كبيرة، تجاوزت الخمسين كتابا، والعديد من المحاضرات والمقالات والحصص التلفزيونية حيث يحرصُ كل أديب آو فقيه أو داعية أن يستزيد منها، حتى أولئك الذين يختلفون معه، لأنه قلمٌ صادق !..

وحتى اليوم لا يزال له مكان في قلوب الجزائريين .... الذين يكنون له محبة وتقديرًا كبيرين...

***

بقلم عبد القادر رالة

يا صغيري ذهبت بسلام، لست سوى قطعة جامدة، لكنني اكثر جموداً لو أهملت ذكرك بين هذه السطور ربما لو كنت موجوداً لما تحملتني مثل ثلاث: نفسي، المرآة، والورقة.

أود أن أختتم هذا العام بصورتك فأنت أمنية، والأماني تأتي وترحل تولد وتموت، إذن السماح والغفران وكل من عليها فان، فكل شيء يفنى والله وحده يبقى، ربما صورتك ليست الأجمل كما أنها ليست واضحة المعالم لكنها الأقرب إلى قلبي لذا أعرب عن اسفي وأعترف بخطأي، فالاعتراف بالخطأ فضيلة وطلب الغفران أخلاق حميدة يجب أن نتحلى بها، أختتم هذا العام بأمنية رحلت وحلم يتحقق وأمل على قيد الحياة.

في تجربة إيجاد السكون لأنفسنا نجد أشياء بسيطة تغذي راحتنا ونكتشف أشياءً تسعدنا مثل النظر في وجه الوالدين، تقبيل يد والدتك او خديها، اللعب مع أطفال اخيك، محادثة قصيرة مع صديق مخلص، الضحك مع شخص محب لك، الكتابة على أوراق دفترك او تدوين مذكراتك، ارتشاف فنجان من القهوة وتدخين سيجارة بطعم الكاكاو بعيداً عن الطاقة السلبية التي تحيط بالجميع…

بعيداً عن أمنية مستحيلة أو مؤجلة

بعيداً عن حب زائف، علاقة فاشلة، شخصية مسمومة

بعيداً عن الوجع، الفجع، والدمع

بعيداً عن القلق، السأم، والانتظار إلى السلام نقلع

بعيداً عن الاحزان والعداوة وبالتي هي احسن ندفع

بعيداً عن الخيبات والنفاق والخيانات وضرب الحظ وقراءات الأبراج والودع

بعيداً عن قطع الوعود دع الأقدار تبدع

وبعيداً عن شرور الدنيا بالعام الجديد خيراً نتوقع .

***

ابتهال العربي

غرناطة كانت آخر المعاقل التي غنمتها ممالك الشمال بعد حروب الإسترداد، التي إستمرت لأربعة قرون أو أكثر، وكان آخر أيام العرب المسلمين فيها يوم (2\1\1492).

وقد إتحدت مملكة ليون وقشتالة مع مملكة أريغون، وإستطاع (الملك فرناندو والملكة إيزابيلا) دخولها، ويُقال أن شهر عسلهما كان في قصر الحمراء، وهو القصر الذي غادره (أبو عبدالله الصغير) (1460 - 1533) منكسرا متحسرا باكيا، ووبخته أمه بقولها " إبكي كالنساء على ملك لم تصنه كالرجال"، أو " أجل عليك أن تبكي بكاء النساء على ما عجزت أن تدافع عنه دفاع الرجال" !!

ذهب وعائلته إلى فاس المغربية وعاش فيها حزينا فقيرا (898 - 940) هجرية.

والذي يتجول في قصر الحمراء يقرأ على جدرانه "لاغالب إلا الله"، وهو شعار أبو عبد الله الصغير الذي أزاح والده من الحكم لأنه رفض دفع الجزية لفرناندو.

فالسبب الجوهري لذهاب الأندلس وسقوطها، التناحر الدامي بين أهلها في ممالك ودويلات محقت بعضها البعض، فجاءها المفترس الذي يتربص بها فأنهى وجودها بالكامل.

وقد إستمر ذلك التفاعل التآكلي لقرون، فلم يتحقق الإنهيار في ليلة وضحاها، وإنما تواصل حتى بلغ ذروته بسقوط غرناطة.

والزائر لإسبانيا تشخص أمامه معالم الاندلس بثورتها العمرانية والمعرفية، وقد حافظ الإسبان على الشواهد العربية في بلادهم، وجنوا أرباحا طائلة منها لأنها جذابة للسياح من أنحاء العالم.

ويكفيها قصر الحمراء، والجامع الكبير، وجامع قرطبة وقصور الأمراء، والآثار المتنوعة التي لا تزال زاهية بصيانة وحرص أهل البلاد الذين حافظوا عليها بغيرة وطنية عالية.

فهل أن أحوال دولنا تشابه ما جرى في بلاد الأندلس؟!!

***

د. صادق السامرائي

تسود في كتاباتنا المفردات الماضوية المأسورة بخيمة "كان"، وتقل المفردات المضارعة الدالة على الحاضر والمستقبل، وهي ظاهرة تكبلنا ولا نستطيع التحرر من أصفادها، فالماضي البعيد والقريب يعتقلنا.

مَن لا يتفق مع ما تقدم، عليه أن يقرأ أي منشور ويحصي عدد مفردات الماضي ويقارنها بعدد مفردات الحاضر والمستقبل، ليرى بوضوح هيمنة الفعل الماضي على وعينا الجمعي، وإمتلاكه لعقلنا الإبداعي بأنواعه.

والمفردة الماضوية تقترن بمفردات اليأس والبؤس والبكاء، ويفوح من طيات عباراتها الأنين والتوجع والتشكي المرير، وتُرفع في ميادينها رايات المظلومية والقهر والجور، الذي إرتكبته أساطين المجهول المتخيل أو المعلوم لكنه مقرون بالخوف والوعيد.

كل شيء في ديارنا مضى وما إنقضى، وما فات حي يرزق ويتحكم بوجودنا، وعلى هدي دموعه تتحرك الأجيال وتتواصى بالإنفعال والإنتماء إلى سرابات العصور، وظلمات الدهور، وكل منها يصول على غيره كأنه أسد هصور، والطامعون بهم بديارهم تدور.

لماذا الفعل الماضي يقودنا؟

لماذا حاضرنا مهلهل وسرادق بهتان؟

هل لأننا ننكر أيامنا ونعادي عصرنا، وننتمي إلى ما نتخيله من بعيد الأزمان، التي تقدست رموزها، وخرجت من كونها من بني الإنسان؟

الماضي مقدس والحاضر مدنس!!

وبموجب ذلك لا نكون، وبأجمعنا نهون، فتحولت بلداننا إلى مقابر وسجون، فلنغادر عصرنا ونتوطن أوهامنا المبجلة، ونقلد رموزنا المنزه من الخطأ والخطيئة، والتي تحسب الملائكة جنودها، وأنها تتوطن عرش اليقين!!

فهل حق الحق وزهق الباطل المشين؟!!

و"تلك أمة خلت...."

***

د. صادق السامرائي

 

دائما سألت نفسي: ما الذي يجعل شابا، يحمل قلما وفكرا ودرجة علمية مرموقة، يجاهد في جعل رواد الثقافة والفنون والصحافة في العراق، رموزا يذكر بعطائهم المسؤولين، ساعيا الى الالتفات اليهم، وفي مساء يوم الاثنين المنصرم، اطلق مشروعا امام رئيس البرلمان العراقي د. محمود المشهداني، وبحضور عشرات من مبدعي بلدي من الصحفيين والفنانين، يقضي بسن قانون خاص يدعم الرواد ماديا ومعنويا، ويعطيهم الاولوية في الرعاية الصحية والمادية والمعنوية وانجاز المعاملات في مؤسسات الدولة، مما يسهم في ازاحة كاهل الحياة عنهم.

لكن سؤالي هذا تداعى، حينما تيقنت ان مؤسسة خطى التي يقود سفينتها الاعلامي القدير الشاب د. علاء الحطاب، والتي انبثقت قبل سنوات قليلة، آلت على نفسها رفع راية رعاية رواد الصحافة والفن والادب من اجل ان يكونوا مثالا مجتمعيا ..

رعاية المبدعين من الرواد مطلب مجتمعي كبير المعنى وهو سلوك اعتمدته عدة دولة، ومعيار موجود في المجتمعات البشرية، ويعدّ مفهومًا مركزيًا في الأنثروبولوجيا، كونه يشمل نطاق الظواهر التي تنتقل من خلال التعلم الاجتماعي الشامل، فالرائد في الاعلام او الفن او الفكر، هو من يحمل شعاع البناء لكل الاجيال ..ويترك بصمته في الحياة بطرق لا حصر لها، ويساعد في تشييد مجتمعات شاملة، مبدعة وقادرة على التأقلم مع كل المتغيرات بوعي وثبات .

اعرفُ ان الريادة المفعمة بالعطاء، هي من تحكم هوية الأفراد وتصوراتهم ووعيهم، وتوجههم في منطلقات رحيبة. وهي تتشكل من نسيج متكامل تتداخل فيه كل الوان المجتمع وما يحيط به من مظاهر الحياة، وما تحتويه من ارث مادي ومعنوي . وبهذه الالوان تضع الريادة بصمتها في الشعب، وتتجذر في أعماقه وتسكن في أركانه.

ان د. الحطاب الذي سعدتُ بمعرفته قبل نحو 12 عاما، حين كان مؤسسا ومديرا لوكالة (خبر) من خلال دعوته لتكريمي في حفل كبير بفندق المنصور ميليا مع عدد من الزملاء الرواد، وجدتُ فيه نموذجا للأخلاق العالية، والنبل ونكران الذات .. وتواصلت معرفتي به، ولا زالت تحت خيمة الاحترام والتقدير..

وامانة اقول، اني لم ار الحطاب يوما، يغتب احدا، حتى لمن اساء اليه .. وكنت دائما اقول انه يحمل "خرزة محبة " فما ان تتعرف اليه، حتى يدخل وجدانك مثل العطر الزكي، وقد عبر لي كثير من الاصدقاء الذين اسعدني انني عرفتهم عليه، بسرور بتلك المعرفة، حتى باتوا من المقربين اليه .. وكثيرا ما رأيته يقدّم احتياجات الآخرين على احتياجاته، وبذلك يربط سعادته الذاتية بإيثار الآخرين.

  ان الإنسان الكامل هو دائم التفكير في غيره، ومحبة غيره، وصالح غيره، أما ذاته فيضعها أخر الكل، أو يضعها خادمة للكل، ولاحظت انه يشعر بسعادة عميقة كلما أسعد إنسانًا، وبصدق كامل، اذكر إنه شمعة تذوب لكي تضيء للآخرين... لا يفكر في ذاته .

ختاما اقول: كن على اطمئنان صديقي العزيز إن أنجح الناس في المجتمع هم الأشخاص المنكرون لذواتهم، وأكثر الناس فشلًا هم الأنانيون.. هنيئا لنا بك، وليكرهني من يريد بعد ان اعلنت محبتي للحطاب جهارا.

***

زيد الحلي

إقترن الكرسي بإسم "الله" مع تسلم المعتصم للخلافة بعهدة من أخيه المأمون، الذي حجبها عن إبنه، ربما لعذاب الضمير الذي أصابه بسبب مقتل أخيه الأمين!!

والبعض يرى أنه توسم فيه الشجاعة والقدرة على إخماد الثورات التي عجز عن القضاء عليها، كحركة بابك الخرمي.

ومنذ ذلك الحين وأسماء خلفاء بني العباس ترتبط بإسم "الله"، حتى آخرهم.

قبل المعتصم بالله، كان السفاح، المنصور، المهدي، الهادي، الرشيد، الأمين والمأمون، فثامنهم إقترن إسمه بالله وتواصل الخلفاء من نسله، وما كان الرشيد يخطر على باله أن المعتصم المدلل بإسراف سيكون خليفة!!

وكأن معنى هكذا إقران أنهم وضعوا الله في الكرسي، فأصبح الخليفة ممثله وصوته، ومَن يخالفه يكون كافرا بالله، وعليه أن ينال عقابه الشديد واوله القتل.

فالخليفة يترجم إرادة رب العالمين على عباده أجمعين.

السمع والطاعة قانون، والنقد وإبداء الرأي جنون، والمدح والتبجيل فنون، ولابد للتأريخ على مشيئته يكون ، فاكتبوا ما يرفع من شأن الخليفة المَصون، وإن خالفته فهو كالحمأ المسنون.

كلهم يمثلون الله، وغيرهم من أتباع الشيطان الرجيم، ولكي تكون من الصالحين، عليك أن تراهم حاكمين، وعلى العباد متسلطين، وبهم تتقرب زلفى إلى رب العالمين.

عجائب سلوكية تسببت بتداعية مأساوية، فتحول الخلفاء إلى رموز مجمدة في أوعية الكراسي، وبإسمهم يتحكم غيرهم بالأناسي، فانتقلت صرامة الإنتماء، إلى حواشي الإبتلاء.

ولهذا أصبحت الخلافة من ورق، وفي الدولة دول ودول، حكّامها يفعلون ما يشاؤون، وفي خطبهم للخليفة يذكرون، وهكذا تكالبت الأعداء وتسيّد الغباء، وإنتهى عهد الخلفاء، وما عاد الله رفيقهم بعد الفناء.

فهل حقا أجادوا الحكم بإتقان أمين؟!!

***

د. صادق السامرائي

المقصود بها تقديس الأشخاص وإتباعهم بعمياوية سافرة، وإعتبارهم لا ينطقون عن الهوى، وكأنهم ليسوا بشرا، مما يتسبب بتفاعلات خسرانية فادحة.

ويحصل السلوك في المجتمعات الفاشلة المأسورة بالكراسي وبالأشخاص، فدولها لا تعرف الدستور ولا القانون، ويكون تداول السلطة فيها دمويا مروعا.

يتحدثون عن الأشخاص وما يتصل بهم من حالات، ويمعنون بتجاهل الوطن وقهر المواطنين، فالمهم الشخص المعني، فأما أن تكون تابعا له أو أنت عدوه، وعليك يقع القصاص القاضي بمحقك.

الشخصانوية لعبت دورها الآثم في مسيرة الأمة، وتأكدت في أنظمة حكمها منذ أمدٍ بعيد، وهي لا تختلف عن أي نظام حكم منذ فجر التأريخ.

الخلفاء مشخصنون، وفترات حكم واحدهم مرهونة به، فما يقوله ويقرره الحق وسواه باطل، فهو الذي يحكم ويحاسب وينفذ أمر ربه الأعلى، ولا يوجد مَن يسائله ويذكّره بأنه بشر من طين وسيأكله التراب ويغيب بعد حين.

ويبدو أن البشر ميال لإخراج ذوي القوة والسلطان من كينونتهم الآدمية، وتحويلهم إلى رموز معبرة عما يعتمل في أعماقه، ليتبعهم باطمئنان وأمان ويتحرر من المسؤولية، فهذه الظاهرة ليست جديدة أو طارئة، وإنما مترسخة في السلوك البشري عير العصور، ولا تزال فاعلة في مجتمعات الأمة التواقة للشخص المنقذ لها من الوجيع الرابض على صدور أجيالها.

وبتوافر وسائل التواصل الحديثة وتسارع التفاعلات بين الناس، أصبحت آليات التعظيم والتفخيم والتقديس متنوعة، وذات تأثيرات كبيرة على مسيرة الحياة في المجتمعات المتأخرة عن غيرها.

وتجد بعضها وكأنها كينونات قطيعية مرهونة بشخص ما أضفت عليه ما ليس فيه، وربما حسبته أحد أسلافه الذين برزوا في مسارٍ ما، فالحالة ذات توريث وتفعيل يظهر على الأحفاد بتأثير الأجداد وما قبلهم.

وهذه مأساة تفاعلية بين الأجيال، لأنها ستكون مرهونة بمدارات ضيقة وبإنفعالية عالية، تساهم في تعطيل العقول وتـاجيج نوازع النفوس، وتحويل الناس إلى تابعين خانعين قابعين في ميادين المرهونية بهذا الشخص أو ذاك، فيتحولون إلى أرقام، تتعامل معهم أقلام المستعبدين والأقزام.

فهل يوجد مخلوق آدمي لا ينتمي لجنس البشر؟!!

***

د. صادق السامرائي

هو حالة قد تواجه الفرد او المجموعة او الدولة، الأمر الذي يضع الانسان او الدولة امام معضلة المأزق اذا ما كان صعباً أو وخيما وجد فيه الفرد او الدولة نفسها امام حالة من الصعب اجتيازها وكلفها باهظة وتداعياتها خطيرة وتردداتها من الصعب احتوائها.. فما هو المأزق وكيف يعالجه الانسان او الدولة؟

وقبل الذهاب لمعرفة المأزق يتوجب معرفة كيف اكتشف الانسان او الدولة انها ساقطة في مأزق او تواجه مأزقاً عسيراً؟

فالمأزق ليس شكلا واحدا وليس له بعد واحد ومدخلاته ومخرجاته لم تكن واحدة تنطبق عليها صفات وشروط مواجهة الحلول ما إذا كانت جذرية أو مؤقتة سطحية ام عميقة مقبولة من لدن الجميع او مفصلة على نفر قليل من البشر او الدول.

والمأزق قد يكون نفسيا او شخصيا او عائليا او اجتماعيا او إقليميا أو دوليا.. وقد يكون سياسيا او اقتصاديا او امنيا او عسكريا.. وقد يكون مناخيا او بيئيا كارثياً.. والتنوع في توصيفات المأزق ليس المقصود الخوض فيها إنما الأخذ بالجانب السياسي والاقتصادي والأمني والاجتماعي نظراً لتداخل هذه التوصيفات مع بعضها بشكل يدعو الى الترابط بينها والتحليل على قاعدة وضع الحلول الممكنة بعد تفكيك عناصر المأزق والتعرف على مضامينه وتشخيصه بصورة دقيقة:

- تجاهل الواقع، وترجيح أيديلوجيا الدين على استراتيجية الدولة... هو في حقيقته مأزق.

- إقحام الدين بالدولة، وإقحام الدولة بالدين... هو في حقيقته مأزق.

- تجاهل الهوية القومية وترجيح الهوية الدينية... هو في حقيقته مأزق.

- ترجيح قومية على قومية أو ترجيح دين على دين... هو في حقيقته مأزق.

- تفضيل الثانوي من الأشياء على الرئيسي... هو في حقيقته مأزق.

- انعدام التخطيط المركزي على مستوى الزراعة والصناعة وتكنولوجيا الغذاء والدواء والبيئة... هو في حقيقته مأزق.

- انعدام التخطيط على المستوى التربوى – المدارس الابتدائية والاعدادية والكليات والمعاهد المهنية... هي في حقيقتها مأزق.

- انعدام التخطيط على مستوى العلاقات الخارجية والعربية والاقليمية والدولية... هي في حقيقتها مأزق.

والمأزق ليس فقط ينحصر بحكومة ما، إنما يتعدى ذلك إلى شعبها ودولتها.. فإن تلافي السقوط في المأزق يتوجب التخطيط لكي تتم الولادة الطبيعية، دونما حاجة إلى جراحة قيصرية قد تؤدي إلى العوق أو الاجهاض.

***

د. جودت صالح

29/12/2024

 

لا أعرف ما هي المعايير التي حددها الكتاب الصادر عن جهات حكومية مسؤولة في بلاد الرافدين، والذي يطلب من الجهات القضائية ومعها " المدعي العام " – والحمد لله اكتشفنا ان لدينا من يتولى منصب المدعي العام – وهذا انجاز تاريخي، واعود لكتاب " التهديد والوعيد " الذي يطالب اصحابه من القضاء أن يتابع أي نشاط لموظفي الدولة في مواقع التواصل الاجتماعي تحت عنوان برّاق " القواعد الاساسية للاستخدام الشخصي لمنصات التواصل الاجتماعي "، حيث نقرأ طلباً غريبا وعجيبا من قبل الموظف أن يتوخى الحذر عند النشر او التعليق.. ولم يكتف اصحاب الكتاب " القرقوشي " بذلك بل قرروا أن يطاردوا " اللايكات" في مواقع التواصل الاجتماعي من خلال هذه الفقرة الكوميدية: " تنطبق عمليات اعادة النشر والتفاعل والمتابعة او عند ضغط زر الاعجاب او التعليقات ". ويختتم الكتاب وصاياه للموظفين بان يخبرهم ان جميع صفحاتهم الشخصية تحت المجهر.

ما تضمنته لائحة مطاردة اللايكات والتعليقات، هو عملية إجهاز بشكل كامل على مفهوم حقوق الشعب في دساتير الأمم، والسعي لتحويل الموظف إلى مجرد كائن " لا يرى..لا يسمع.. لا يتكلم"، كائن منتهى حلمه أن تسمح الجهات الرسمية بأن يتجول الناس داخل صفحات الفيسبوك وتويتر، وقبل هذا عدم الاقتراب من المدعو" لايك " لأنه يشجع على الخراب.

هنا تصبح شعارات مثل الحرية والديمقراطية والتغيير وحقوق الإنسان، مجرد مفردات تلاحق من يرددها وتنعته بالمخرِّب، إن لم تلصق به العبارة الشهيرة "أجندات أجنبية".

كان من السهل على أصحاب لائحة مطاردة مواقع التواصل الاجتماعي أن يوضحوا للناس حقوقهم في العدالة الاجتماعية والأمان الصحي والتعليم الجيد، والسكن اللائق، وأن يشرحوا لنا أن المهم هو السعي لبناء العراق كدولة للحرية والكرامة الإنسانية والديمقراطية، بلا وضع فقرات تطارد العميل الامبريالي المدعو " لايك ". وإذا كان من حق الأجهزة االحكومية أن تحاسب من يسيء إلى كيان الدولة، فأعتقد أنه من المضحك منع الناس من التجول بحرية في صفحات مواقع التواصل الاجتماعي الخاصة بهم.

والعجيب والغريب أنه من أجل حماية العملية السياسية كما يقولون، تستبيح الدولة للاسف ومعها خبراؤها الأشاوس كل شيء، فبعد الاصرار على قانون حرية التعبير داخل قبة البرلمان، جاء الدور على التصدّي للسيد فيسبوك ومعاونيه، لأنهم كشفوا زيف الديمقراطية في العراق، ولان المسؤولين انتابتهم حالة الرعب، من أنّ الفيسبوك ينقل بالصوت والصورة ما يجري داخل بلاد الرافدين.

كيف يسقط كبار الساسة في أوروبا وأمريكا ويذرفون الدموع أمام الفضائيات؟، بسلاح اسمه مواقع التواصل الاجتماعي، وليس بإصدار قوانين تحسب على الناس عدد اللايكات.

***

علي حسين

 

لم تمضِ ساعات على الحملة الثورية التي نفذتها محافظة كربلاء ضد اشجار اعياد الميلاد، وقرار مجلس المحافظة بمحاسبة كل من تسول له نفسه الاحتفال بنهاية عام واستقبال عام جديد، حتى خرج علينا إمام " جامع أبو حنيفة" عبد الستار عبد الجبار يطالبنا بعدم المشاركة في اي احتفال يقيمه المسيحيون لانها حسب قوله لا تتماشى مع تعاليم الإسلام، ولم ينس الشيخ ان يحدثنا عن تسامحه مع الاديان الاخرى وانه يحترمها، لكنك ايها المواطن المسلم لا تقترب من المسيحيين ولا تشاركهم افراحهم، ولا تسول لك نفسك الامارة بالسوء وتنظر إلى الاشجار التي يزينونها بهذه المناسبة لأنها تبعدك عن ذكر الله .

ربما نسي الشيخ وهو يلقي خطبته الحماسية ان الاخوة المسيحيين في العراق على قلتهم بعد ان تم تهجيرهم، هم ايضا يعبدون الله وليسوا بكفار قريش حتى نعلن مقاطتنا لهم . يواصل الشيخ بعد ان يتمنطق باحاديث عن التسامح ولكم دينكم ولي ديني، بالصراخ محذرا من هذه الاعياد لانها تبث الموسيقى وايضا لأن البعض يشعل الشموع، والشيخ يخاف على العراقيين من ان يصابون تلاحقهم حروق الدنيا والاخرة .

في الأيام الماضية سمعنا خطب واناشيد عن المسيحيين وذهبت افواج المسؤولين والسياسيين لتحتفل معهم، لكن في الوقت نفسه سمعنا وشاهدنا ايضا مسؤولين ورجال دين يشنون هجوما كاسحا على هذه الاعياد ويعتبرونا " رجس من عمل الشيطان "، ووجدنا من يحذر الشعب من غواية الميلاد، ويسعى الى قصف ادمغة الناس البسطاء بخطابات عنصرية تكره الآخر، يعتقد اصحابها انهم وحدهم يملكون الحقيقة .

إن حديث امام جامع " ابو حنيفة " عن حرمة الاحتفال باعياد رأس السنة والقرارات القرقوشية لبعض المحافظين، يفضح كل ما كان مخفيا تحت شعارات مزيفة عن احترام الاديان والتعايش بين ابناء الوطن الواحد .

للاسف يحاول البعض ان يختطف مناسبة يحتفل بها العالم اجمع ليعيد تسويقها للمواطن العراقي على أنها قضية " الدين في مواجهة الكفر " أو وفقا لما قاله امام جامع ابي حنيفة، من ان هذا الاحتفال " حرام " شرعا و" لا يجوز في ضوء تعاليم الدين " حسبما جاء في خطبته الاخيرة .

و أظن أنها منتهى الإنسانية والرحمة من الشيخ عبد الستار أنه لم يفرض " الجزية " على المسيحيين الذين قرروا البقاء فى العراق .. كما أن إمام جامع " ابو حنيفة " كان كريما ومتسامحا ولم يطلب تجريدهم هم ومن يحتفل معهم من الجنسية العراقية لأنهم لا يريدون تنفيذ وصاياه .

***

علي حسين

 

يُقال والعهدة على مَن قال، أن الخليفة المهتدي بالله (255 - 256) هجرية، عندما تنازل المعتز بالله (252 - 255) هجرية، عن الخلافة، بذريعة أنه غير قادر عليها، بعد ان أذاقه أعوان (صالح بن وصيف) أنواع العذاب والمذلة والإمتهان، وأشبعوه ضربا وركلا وتركوه في الشمس الحارقة ومنعوا عنه الماء، وأهانوه وهو الإبن المدلل للمتوكل (232 - 247) هجرية.

قال المهتدي بالله لسجاني ومعذبي إبن عمه المعتز بالله: "ما جُمِعَ في غمدٍ سيفان"، وفي ذلك إشارة إلى الأمر بقتله، وبعد خمسة أيام من الخلع، ومرارات التعذيب، أدخلوه الحمام وقد أشرف على الموت من العطش، وبعد أن أخرجوه سقوه ماءً مثلجا فسقط ميتا، حسب ما يُروى.

وكان المهتدي مبعدا من سامراء إلى بغداد بأمر من المعتز، فأحضروه منها وبايعوه، وبرغم ما يُذكر عنه من تدين، إلا أنه إنتهى قبل أن يكمل سنة في الخلافة، حيث تم القبض عليه بعد قتال مرير راح ضحيته أربعة آلاف شخص، وتم عصر خصيتيه حتى مات، من قبل جنود (موسى بن بغا الشرابي الكبير)، والذي قضى على (صالح بن وصيف) بقطع رأسه، وكان المهتدي متهم بالتواصل معه.

و(صالح بن وصيف) هو الذي قتل المعتز ونفى أمه قُبيحة إلى مكة مع إبنه عبدالله بن المعتز (247 - 296) هجرية، وعادت به في زمن المعتمد على الله (256 - 279) هجرية، وإستحوذ على ذخيرة قُبيحة من الجواهر والذهب، وخاطب أم المعتز بالله بقوله : " قبحك الله ما فديتي إبنك بخمسين ألف دينار ولديك كل هذا المال"، ذلك أن سبب خلعه خواء خزينة الدولة، ومطالبة الجنود بالمرتبات، فأجابهم بعدم قدرته على دفعها، فسحلوه وضربوه وإعتقلوه وأذلوه، وما من ناصر له ولا معين، حتى أمه المتسيدة على الخلافة لم تنجده بمالها، وتخلصه من المصير الأليم.

هذا التفاعل القاسي بين الأقارب على الخلافة تسبب بتداعيات مروعة، فما كانت خلافات بني العباس بهيجة ومريحة، بل تكتنفها المخاطر والقلق والشكوك والخوف من أقرب الناس، حتى من الجواري، ولا يُعرف كيف كانوا يستطيعون النوم.

ويبدو وكأنهم كانوا في حرب عائلية متواصلة قضت عليهم، خصوصا بعد مقتل المتوكل، وتحولهم إلى رموز محنطة في دار الخلافة، تعبث بمصيرهم القوى المتنفذة خصوصا الأتراك والآخرين من غير العرب.

فالدولة العباسية منذ نشأتها لم تعتمد تماما على العرب، وإنطلقت شرارتها من خراسان، بقيادة أبو مسلم الخراساني (100 - 137) هجرية، الذي قتله أبو جعفر المنصور (95 -158) هجرية، وقصته معروفة.

وهكذا فالصراع الداخلي وأطماع الطامعين، قضت على دولة بني العباس، بعد أن أهلتها لتتلقى الضربة القاضية!!

***

د. صادق السامرائي

 

أظهرت نتائج التعداد السكاني في العراق لعام 2024 ميلادي بعض الإحصائيات الملفتة للنظر منها التي وثقت عدد سكان الريف نسبة حوالي 29% وهذه النسبة تؤكد على أن الريف وسكانه أخذ يفقد بريقه وتركيبته المجتمعية وبداية للذوبان التدريجي في المجتمع المدني العراقي بكل ما يحمله من موروث وعادات وتقاليد وأسلوب عيش ونمط في التفكير لإدارة المجتمع الريفي التي تميزه عن المجتمع المدني وإذا أردنا وفق هذه الأمور أن نلخص السلبيات المهمة منها:

أولا: أن هجرت أبناء الريف إلى المدينة لها مؤشرات سلبية في المستقبل القريب والبعيد منها أن المجتمع الريفي سيذوب في المدينة تحت وطأة مغريات المدينة الغريبة على أبنائه ومعيشتهم البسيطة وستكون أحلامهم وتطلعاتهم كثيرة ومعقدة والحصول عليها في زحمة المدينة وصعوباتها وتعقيداتها ليس بالسهل اليسير وقد يتطلب منه الكثير من الأساليب الغير مشروعة للحصول عليها في وسط هذا الزخم الهائل من التحديات التي تعيشها المدينة وسعت مجتمعها وأسلوب عيشها المعقد .

ثانيا: ستكون هذه الهجرة سببا في النقص للمجتمع الريفي وتغير ديموغرافي لسكان العراق وله تداعيات خطيرة على الزراعة الذي يؤثر على الأمن الاقتصادي والغذائي للعراق كونه الشريان الرئيسي في جسم المجتمع العراقي وهذا يعد خطأ وقعت فيه الحكومات العراقية وخصوصا في السنوات الأخيرة والتي شجعت ودعمت بطرق وأساليب على أفراغ الريف من أهله وأجبرتهم على ترك ثروتهم الإستراتيجية وحولت المجتمع الريفي إلى نصف مدني والآخر أضاع خصوصيته الاجتماعية لأنه ليس من السهولة أن يتخلى كلا عن أسلوب عيشه .

ثالثا: ان كثيرا من سكان الريف سعى جاهدا على فرض أسلوب حياته بالقوة تارة وبالهيمنة تارة أخرى ليشكل ضغطا ليتسلط على مقدرات البلد سياسيا واقتصاديا واجتماعيا والدليل على ذلك أن أغلب الحكومات والبرلمانات العراقية أصبح يشكل فيه نسب كبيرة من شيوخ ووجهاء العشائر أو مدعومين من قبلهم وأبعدت العقول الأكاديمية والعلمية والمدنية عن الساحة السياسية حيث شُكلت حكومات عرجاء في الأداء المؤسساتي وغير مثمرة للمواطن العراقي بعيدة عن طموحات المجتمع ومشلولة في السير بعجلة التطور التي تحضا به الدول الأخرى المجاورة لنا. ومن جراء ذلك اوجد اختلاف في التركيبة الاجتماعية بين المدينة والقرية منها زيادة في أعداد الباحثين عن العمل في المدن على حساب سكانها مما يسبب مشاكل اجتماعية كثيرة وكذلك أوجدت هذه الهجرة فراغا في المنظومة المجتمعية الريفية على حساب نقصان في الثروة الحيوانية وإهمال الأراضي الزراعية الصالحة للزراعة وتراجع في الاقتصاد التي تعتمد عليه هذه الأراضي .

رابعا: محاولة فرض قوانين وسنن العشائر على المجتمع المدني وتراجع في تطبيق الكثير من القوانين المؤسساتية في ظل غياب تطبيق القوانين الحكومية مما جعل من المواطن العراقي إلى اللجوء للعشائر لفض الكثير من النزاعات الأسرية والوظيفية والمجتمعية ومن هذا الاتجاه جعل الهيمنة والكلمة العليا للعشائر الكبيرة والذات حضوه مجتمعية وفرض سيطرتها وسيطرة أفرادها مما سبب تفاوت في الأمن على الصعيد الشخصي للمواطن والمجتمع.

***

ضياء محسن الاسدي

هذا الخليفة الصبي أخرجوه من السجن الذي وضع فيه منذ أن إعتلى أخوه المنتصر بالله  قاتل أبيه عرش الخلافة ستة أشهر (247-248) هجرية، ونصبوه خليفة وهو إبن التاسعة عشر من العمر (252-255)  هجرية، وأرغموه على خلع عمه المستعين بالله (248-252) هجرية، الذي هرب إلى بغداد، ودارت حرب بينهما إستمرت أشهرا دُمرت فيها بغداد، ومن ثم أجبر المستعين على التنازل، وتم قتله بأمر من الخليفة الرهينة، والذي أجبر على قتل أخيه المؤيد أيضا، ومن ثم إنتهى به الأمر أن قُتِل شرَّ قتلة في سامراء، وعمره لم يتجاوز الثالثة والعشرين، وقد أنجب (إبن المعتز) من جارية، وهو في سن الخامسة عشرة.

أي أنه أمضى خمسة عشر سنة في كنف أبيه المتوكل، وبعدها خمسة سنوات في السجن، بعد أن خلعه المنتصر بالله من ولاية العهد ووضعه وأخاه المؤيد في السجن، وأقل من أربعة سنوات خليفة.

وكما جاء في تاريخ الخلفاء للسيوطي عن المستعين بالله " ولما تنكر له الأتراك خاف وإنحدر من سامراء إلى بغداد، فأرسلوا إليه يعتذرون ويخضعون له  ويسألونه الرجوع، فامتنع فقصدوا الحبس، وأخرجوا المعتز وبايعوه، وخلعوا المستعين، ثم جهز المعتز جيشا كثيفا لمحاربة المستعين، وإستعدَ أهل بغداد للقتالل مع المستعين، ووقعت بينهما وقعات، ودام القتال أشهرا وكثر القتل، وغلت الأسعار، وعظم البلاء، وإنحل أمر المستعين...."

ومضى المستعين محبوسا حتى أمر إبن أخيه المعتز بذبحه وهو إبن إحدى وثلاثين سنة.

"وفي سنة 251 هجرية وقعت فتنة عظيمة بين جند بغداد وجند سامراء، ودعا أهل سامراء إلى بيعة المعتز وكان مسجونا فأخرج، وإستقر أمر أهل بغداد على بيعة المستعين، فصارت بغداد بجانب المستعين وسامراء بجانب المعتز، وأمر المستعين محمد بن عبدالله بن طاهر أن يحصن بغداد، وأدير حولها السور وحفرت الخنادق ونصب على السور المجانيق وأسلحة كثيرة عظيمة،......وإنضم الأتراك إلى معسكر المعتز، وجرت بينهما حروب طويلة وفتنة مهولة جدا، ولما تفاقم الضغط على المستعين  جعل إبن طاهر يضغط على المستعين حتى خلع نفسه"

فأصاب بغداد ما أصابها من الخراب والإضطراب، وعانى الناس من شظف العيش والفحش والغلاء، وما هدأت الأحوال وإستقرت لحين، إلا بعد أن خُلع المستعين بالله، وتمت الخلافة للمعتز بالله إبن المتوكل من محبوبته (قُبيحة)، التي تسيدت على أركان الدولة، وما أنقذت ولدها من الموت، فاستولى على ثروتها القادة الأتراك المتنفذون وعلى رأسهم (صالح بن وصيف)، وأبعدوها وإبن المعتز إلى مكة.

وهكذا أتلفت النزاعات العائلية معالم الدولة العباسية في بغداد وسامراء!!

فهل من دراسات للصراعات بين خلفاء بني العباس؟!!

***

د. صادق السامرائي

 

قيمة الأوطان تتناسب طرديا مع قيمة الإنسان، أي كلما زادت قيمة المواطن إرتقى وطنه، وتُعرف حالة أي وطن من قيمة الإنسان فيه.

ويمكن رؤيتها بوضوح من معاينة الرعاية الصحية والتعليم والأمن . وتأمين متطلبات العيش الأساسية، كالطعام والماء الصالح للشرب، والسكن والكهرباء والنقل وغيرها.

وبفحص هذه المفردات، وتقدير نسبة وجودها وفاعليتها في المجتمع، تتضح قيمة الإنسان.

فالمواطن العالي القيمة، يكون وطنه كبيرا في نظره وعيون الآخرين، والعكس صحيح.

وعندما نعاين قيمة المواطن في دول الأمة، تبدو وكأنها معدومة أو متدنية، مما يعني أنها بلا قدرة على تحقيق الأمن والسيادة.

بعض الحكومات طرحت شعار الإنسان قيمة عليا في المجتمع في سبعينيات القرن العشرين، فتغيرت ودُفِعَت إلى حروب عبثية لا تنتهي ، حتى إنمحقت قيمة الإنسان، وتحول إلى أضعف رقم على يسار رقم الكرسي الحنفيشي الطباع.

إن الأقلام بما تجود به وتستهلك وقتها فيه، تغفل قيمة الإنسان المفقودة، وتحسب ما تنشره سينفع، وهذا محض ثريد حول صحون الويلات والتداعيات.

فالإنسان الفاقد لقيمته لا يقرأ، ولا يهتم بالموضوعات التي نسميها فكرية، تنويرية، ثقافية، لأنها لا تساهم بإسترداد عزته وكرامته، ولا تمنحه الشعور بوجوده، ودوره في صناعة الحياة، فالواقع يملي عليه آليات الإستعباد والإستبعاد، والقهر بالحرمان من أبسط الحاجات، ولا يوفر له ما يستحقه من الرعاية والحقوق الإنسانية المشروعة.

بل أن العديد من مجتمعاتنا تُهلك المواطنين، وتهدر طاقاتهم، وترى بتخنيعهم وإذلالهم وسيلة للبقاء في الحكم، فتلوي رقابهم وتسحق رؤوسهم، وتزدري المواطن، وتحطم إرادته وتصادر طموحاته وتطلعاته.

ولكي نكون ونستفيق من رقدة العدم، علينا بإعلاء قيمة الإنسان، وإلا فأن ما تقدمه النخب هذيان بلا عنوان!!

فهل سنرى الإنسان؟!!

***

د. صادق السامرائي

 

لكل مدينة في الدنيا مؤرخون من أبنائها، يدوّنون ماضيها وحاضرها، ومدن الأمة معظمها بلا مؤرخين متخصصين بشؤونها، وهذه ظاهرة مدمرة للانتماء، ولاغية للإرادة الحضارية والمعرفية، فالذي لا يعرف مدينته يجهل وطنه.

في بلادنا مدن أسهمت في مسيرة الإنسانية، ولا تحفل بمؤرخين لها من أبنائها، كالبصرة والكوفة وسامراء والنجف وبغداد.

سيقول قائل ما هذا الكلام، أن المدن التي أشرت إليها كُتب عنها الكثير، والسؤال، هل يوجد فيها أعلام متخصصون بتأريخها الغابر والمعاصر، كما في مدينة الموصل – على سبيل المثال-

الموصل مدينة عريقة فيها مواطنون ينتمون إليها بصدق، وأوجدت مؤرخين بارعين ومتميزين، لا مثيل لهم في مدننا الأخرى.

ومدينة تأريخية كسامراء لا يوجد فيها مؤرخون معاصرون يكتبون بعمق ودراية وبحث علمي مستفيض.

وعلى شاكلتها مدن البلاد التي فيها لمسات الحضارات القديمة الأصيلة.

المطلوب من الأجيال الحالية أن تركز على مدنها، وتستثمر طاقاتها فيها لكي تكون بها، وتتطور بهم، ومن أهم الخطوات أن ينتشر الوعي في مجتمع المدينة عن تأريخ مدينتهم ودورها الحضاري والإنساني، وما عليها أن تتطلع به وتكون متألقة برسالتها، وأبنائها الغيارى على مسيرتها المتوثبة نحو العلاء.

فأين ثقافة المدينة ووعي تأريخها؟.

***

د. صادق السامرائي

يخبرنا التأريخ بأن تقسيم الأمة إلى دول بعد سقوط الدولة العثمانية، كان مثلبة ستراتيجية، تم التشافي منها بتأهيل الكراسي وتدمير الدولة، فالذين حكموها كانوا رجال كراسي لا رجال دولة. وهذا يفسر الإنحطاط المُستدام، وتداعيات التبعية والإنهزام.

بعض دول الأمة حظيت برجال دولة ومعظمها كان قادتها ينتمون للكراسي ويهملون البلاد والعباد، خصوصا أنظمة الحكم الإنقلابية والعسكرية، التي توطنت الكراسي وتخلت عن الوطن والمواطنين، فالذي يعنيها البقاء في كرسي السلطة أطول مدة ممكنة.

وهذه الظاهرة مستفحلة ومتكررة، ولا تزال ترقد على صدر الأمة، وتدمر وجودها، وتمنعها من إستنشاق هواء العصر والتطلع إلى مستقبل زاهر، وتفاعل إيجابي ظافر بين دولها، لأنها في حقيقتها ليست دولا وإنما كراسي.

فهل وجدتم أن الكراسي تتآلف؟

الكراسي تتعادى وتتماحق وتتآمر على بعضها، وتتسبب بنزاعات وصراعات ومغامرات لا تحمد عواقبها، فما يعنيها وجودها في سدة الحكم، وليصيب المواطن ما يصيبه، فهو العدو الأول والطامع بالكرسي دوما.

الأمة تمثل (22) كرسي، وعندما تفتش عن دولها المرهونة بالكراسي، تجدها هباءً منثورا، وعصفا مأكولا، وأدوات بيد الطامعين الساعين للإفتراس الشديد.

الكراسي لا تنفع البلاد والعباد، لغوصها في الأنانية، وتدثرها بالمخاوف والشكوك والظن المتحفز بالسوء، فإستجاباتها تكون عدوانية وإنفعالية ذات إنعكاسية شرسة، ينجم عنها تفاعلات تدميرية قاسية، لجوهر القيادة وذات الحكم، ولهذا فأنها تنهار بعد فترة وجيزة مهما تمادت في جبروتها، وتوهمت بقوتها وقدرتها على لوي أعناق الرجال وخلع أكتافهم.

فالكراسي ضد الشعب ولهذا تتهاوى، ما دامت بلا سند شعبي، وهي كالبالونات الفارغة المحلقة في فضاءات الهذيان، ويمكن تفجيرها عندما يحين الأوان.

الشعب مع رجال الدولة وضد رجال الكراسي، وهذه محنة أمة في دولها، التي تسلطت عليها الكراسي وجردتها من ملامحها الوطنية والحضارية المعاصرة.

فهل لنا أن نبني دولنا، ونتحرر من قبضة الكراسي القاسية؟!!

***

د. صادق السامرائي

ارتبط تاريخ نقابة المحاميين العراقيين ارتباطاً قوياً بأسماء كبار رجال القانون، فكان اول من جلس على رئاسة كرسي النقابة ناجي السويدي الذي جاء من رئاسة الوزراء الى نقابة المحاميين، وعندما نقلب كتابات مؤرخ العراق الاكبر عبد الرزاق الحسني سنقرأ في سيرة السويدي رفضه اثناء توليه رئاسة الوزراء ان يعين شقيقه عارف السويدي رئيسا لمحكمة التمييز، خوفا من اتهامه بمحاباة شقيقه.

ربما سيبتسم القارئ الكريم ابتسامة ساخرة من هذا الاستذكار ونحن نعيش في زمن العوائل السياسية التي تحارب حتى اخر لحظة من اجل امتيازات الاقارب والاحباب، وقد احتفلنا في اليومين الاخيرين بعودة " الشبل " يزن الى حضن " الأسد " مشعان، بريئا منعما، وقد يتصور البعض أنني أنوي إعادة البلاد إلى أيام الملكية . كلا. ياسادة، فانا كمواطن احاول أنأ وأستذكر ما مر من احداث في هذه البلاد العجيبة التي يريد لها البعض ان تبقى اسيرة المحاصصة وخطابات التخوين وقرارت مطاردة الاصوات التي ترفض التدجين . ولهذا تجدني اضرب اخماساً في اسداس وانا اقرأ القرار" الثوري " الذي اصدرته نقابة المحاميين العراقيين والمتضمن رفع اسم المحامية زينب جواد من جدول المحاميين، والسبب كما يقول كتاب النقابة ان هذه المحامية خالفت " قواعد السلوك المهني للنقابة "، طبعا لا أحد يعرف ما هي قواعد السلوك المهني التي تتبعها النقابة، وهل يحق لها ان تتجسس على مكالمات شخصية بين المحاميين؟ .

سيقول البعض يا رجل هل استمعت الى تسجيل المكالمة الذي تبرعت الجيوش الالكترونية بنشره والخوض في اخلاق السيدة زينب جواد ؟، واقول هل يحق لنا ان نحاسب الناس على مكالمات شخصية لا علاقة لها بالعمل او السياسة او مصالح العباد ؟. واذا كنا نحسب على الناس مكالماتهم الهاتفية، لماذا لم نحاسب النائب محسن المندلاوي عندما وقف فوق منصة مجلس النواب وكان يتولى منصب رئيس البرلمان بالوكالة، واطلق آنذاك سيلاً من الشتائم والكلمات الفاحشة بحق احد النواب؟، واعتقد ان السيدة نقيبة المحاميين شاهدت اللقاء التلفزيزني للنائبة حنان الفتلاوي والذي قالت فيه ان احد قيادات ائتلاف ادارة الدولة رفض وجود نساء داخل الائتلاف والسبب كما اخبرتنا النائبة ان القيادي يريد ان يبقى القادة لوحدهم " يسولفون ويفشرون " .

طبعا لا أحد يستطيع أن يصادر حرية البعض في الدفاع عن قيم المجتمع، او ضوابط المهنة كما سماها كتاب نقابة المحاميين، كما لا يحق لأحد أن يسأل السيدة نقيبة المحاميين لماذا تأخذ موقفا مساندا لتعديل قانون الاحوال الشخصية، وتطارد كل محامي يرفض هذه التعديلات التي تسيء للمرأة العراقية؟.

***

علي حسين

 

المواطنة هي علاقة مقدسة بين الفرد والوطن، وطالما هي مقدسة فيجب ان يسودها الصدق في التبادل وان لا تكون مجرد شعارات فحسب، بل انتماء وجداني للوطن ومشاركة جدية في بنائه والدفاع عن استقلاله وصيانة مصالحه، وهذا لا يتحقق عن طريق اطلاق الشعارات المنافقة والاستعراضات الفارغة انما يتم من خلال العمل الجاد والمخلص في الحفاظ على سيادته واستقلاله والوقوف بوجه كل المحاولات الرامية الى استباحته وتخريبه، كما ان المواطنة هي المشاركة الفاعلة في البناء والتنمية، فهناك من يجسد المواطنة من خلال العمل على تقديم كل ما يرفع من شأن الوطن وتقدمه لا ان يجعل منه ساحة للقتل والتخريب ونهب المال العام، في زياراتنا لعدد من الدول لمسنا المواطنة تجسدها ممارسات يومية عابرة تتمثل في حرص المواطن على نظافة بلاده والحفاظ على المرافق العامة والالتزام بالمواعيد والصدق في التعامل وهو ما حفزني للخوض في هذا الموضوع، ففي العاصمة الأرمينية  (يريفان ) هناك مبادرة تجسد صورة جميلة للمواطنة الحقة، ففي واحدة من ساحاتها الرئيسية هي "ساحة الجمهورية " التي تعد الفضاء المدني الأهم في العاصمة وواحدة من أبرز معالم هذه المدينة الساحرة بطبيعتها الجميلة حيث تجد عندها الماء والخضرة والوجه الحسن، وبالقرب من هذه الساحة التي صارت قبلة السائحين ينبسط بارك جميل هو هدية من مواطنين ارمنييين مغتربين هما الأخوان (ميكائيل وكارين فارتانيان) قدما هذا البارك هدية بمناسبة مرور 2800 عام على تأسيس مدينة (يريفان) وقد تم افتتاحه في 10 مايس من العام 2019، ضم البارك 250 شجرة من 70 نوع و2800 رأس نافورة وسبعة تماثيل برونزية ــ تمثل تقاليد الشعب ــ وسبع زوالي من الحجر الكرانيت تتوسطها خارطة يريفان من الحجر الكوارتز، كما تعهد الأخوان برعاية وترميم البارك لمدة 99 عاما بكلفة 2 مليون دولار . وهذا الانجاز لم يكن دعاية انتخابية ذلك ان الأخوين لم يكونا من السياسيين وانهما يعيشان خارج بلادهم أرمينيا وما دفعهم لهذه المبادرة حسهم الوطني العالي وارتباطهم الصادق بأرضهم، هذه المبادرة قد تكون نادرة ولكن عندنا في العراق كان الزعيم عبد الكريم قاسم سباقا في تجسيد المواطنة الحقة فقد أعطى للوطن من ماله الخاص ولم يأخذ مقابل عطاءه وذلك عندما قام بالتيرع ببيت والده في مدينة (الصويرة) وشيد على ارضه ثانوية للبنات ماتزال قائمة تحكي قصة مسؤول أعطى ولم يأخذ، وشتان ما بينه وبين المسؤولين الذين تقاضوا الأموال الطائلة هم وعائلاتهم مقابل ما اسموها بـ (الخدمة الجهادية) .

***

ثامر الحاج امين

 

ما قدمته نخب الأمة لم يصنع حياةً، بل كرّس واقعا سقيما وأسهم بتثمير الأوجاع وتراكم التداعيات وتواصل الويلات، والعلة تكمن في التنظير الفارغ والإستنزال لأفكار خيالية لا رصيد لها في الواقع المعاش.

فما هي الحلول التي إستحضرتها الأقلام المفكرة؟

الأفكار خائبة مصفوفة والمشاريع معصوفة مرفوفة، يعشعش في طيات كتبها الظلام ويدثرها النسيان، وتجد بين آونة وأخرى مَن يقلب صفحاتها ويضيف عليها ما يزايد الأحزان ويعبّد دروب الخسران.

هل شاركوا في القضاء على الفقر وتدارسوا آليات التحرر من قيده الثقيل؟

هل إبتكروا ما يمنع الجوع؟

هل خلّصوا المجتمعات من الجهل والأمية؟

هل قدموا حلولا ذات قيمة لمحاربة البطالة؟

هذه الأركان الأساسية لصناعة الحياة مغفولة، وما يهم أن يكتبوا عن موضوعات ممعنة بالغموض والرمزية، ليعززوا التجهيل والتدمير المجتمعي.

حتى الشعراء ما عاد لهم دور إستنهاضي يقظوي، وساروا في طريق التعقيد والتنفير من أسباب الحياة الحرة الكريمة، فما يكتبونه لا يُقرأ ولا يُفهم، ولا يُعطي أُكله المفيد.

مفكرونا وكتابنا كأنهم يناهضون الحياة ويهللون للموت، فيبدعون بالرثائيات وتسطير البكائيات التي تخاطب العواطف وتخمّد العقول، وتتجاهل المعقول.

إن صناعة الحياة بحاجة لهذه المرتكزات الأربعة، وعلى الحكومات أن تعمل بنشاط ومثابرة للوقاية من مآلاتها الأليمة، القاضية بالضياع والإنصياع للإنهيارات ومناهضة المعاني الراعية للإنطلاق الممهور بالعطاء، والحريص على المصلحة العامة وبناء الوطن الحر السعيد.

فنجاح أي حكومة مرهون بقدرتها على وضع الحلول المناسبة لمواجهة المركزات الآنفة، وبدونها لا قيمة لحكومة تتناول رموزها خطابات نظرية فارغة.

فهل توجد قدرة على التعامل العلمي مع الواقع؟!!

***

د. صادق السامرائي

 

من حقي ان افرح بتقليد المفكر الدكتور عبد الحسين شعبان قلادة الابداع التي خصصها رئيس مجموعة الاعلام المستقل الاستاذ سعد البزاز للمبدعين العراقيين ، فهو استحقاق وتكريم للفكر التنويري الذي انتهجه د. شعبان طوال اكثر من نصف قرن وعبر ما يزيد عن 80 كتابا في الفكر والادب والشعر والتاريخ والسياسة، فمرحى للمكرم وللمُكرم.

 لعل في وصف الاستاذ البزاز، المفكر شعبان بالقول أنه: (يستحق التكريم والاشادة لأنه صبور وعراقي مخلص ومبدع جدير بالتقدير) الكثير من المعاني، ابرزها إن تكريم المبدعين الأحياء يعد نبراساً ودافعا قويا لمزيد من الانتاج و العطاء ليكون قدوة لغيره، كما ان تسليط ضوء التكريم للمبدع وهو على قيد الحياة يعد مسلكاً حضارياً راقياً، ووقفة نبل ووفاء.

كان حفل التكريم الذي جرى الخميس المنصرم في اربيل، وسط جو من الفرح والالق وبحضور عربي وعراقي كبير، حيث زينت قلادة الابداع صدر د. شعبان، التي وضعها نيابة عن الاستاذ البزاز، الدكتور احمد عبد المجيد رئيس تحرير صحيفة " الزمان " طبعة بغداد.

من خلال متابعاتي للعطاء الفكري الذي فاض به د. شعبان لمستُ بأن تأكيده المستمر في كتاباته، وكتبه على ان الثقافة الوطنية التنويرية؛ تعني الانخراط في زمن الحداثة وعدم التخلي عن النقد لكل ما يسلب الانسان حريته وكرامته، ومعنى هذا أن كل ما انتجه من كتابات فكرية وبحثية كانت هي الاكثر تعبيراً عن التحرر والتطور الرامي الى ترسيخ المعرفة النيرة، وتعزيز قيم المواطنة والديمقراطية، والدفاع عن العقل، ومواجهة العنف والارهاب، والغلو الديني، والتوظيف السياسي للدين.

ان دول العالم المتحضر تعتز بأصحاب الإسهامات الأدبية والثقافية والفكرية والإعلامية والعلمية، وترعاها وتحتويها وتحتضنها، لأنها ثروة ثمينة ربما لا تتكرر؛ ووجودها يغني ويثري ويعطي سمعةً للبلد الذي تنتمي إليه أو تعيش على أرضه، فليس غريباً ولا مفاجئاً أن يجد أهلُ الفكر والإبداع الرعايةَ والتكريم في بلاد الخير والإنسانية والعطاء، والتي راكمت رصيدَها الإنساني ووصل عطاؤها إلى أقصى بقاع المعمورة، ما جعلها تحظى بتقدير واحترام كل شعوب العالَم.

 انا مع فكرة التكريم، والاحتفاء بالمبدعين، فهم منارة لصوت العقل وللثقافة الإنسانية.

***

زيد الحلي

 

بعض دول العالم ترى أن حماية شعبها وارضها ومصالحها لا يتم إلا من خلال تحقيق المجال الحيوي في خارج رقعتها الإقليمية، وهذه الدول قليلة جداً ومعروفة يؤشر تاريخها احداث لها نتائج معروفة.

فما هو مفهوم المجال الحيوي وما علاقته بأمن الدولة؟ وهل هناك من حدود تفصل بين مفهوم المجال الحيوي ومفهوم أمن الدولة؟

المجال الحيوي - هو شعور قيادة دولة ما بضرورة السيطرة على الجوار والهيمنة على الاراضي والموارد من اجل تحقيق أمنها القومي- كوكل-.

إذاً، أن تحقيق الأمن تربطه تلك الدولة بالمجال الحيوي أي أن أمنها القومي لن يتحقق إلا بالسيطرة على المجال الحيوي.. ويعد هذا المفهو معضلة في علم السياسة الإستراتيجية.. فلماذا تؤمن دولة ما بهذا المفهوم؟ هل انها مهددة بالاجتياح؟ وهل هي تستشعر خطراً وشيكا أو داهماً أو متوقعاً؟ فإذا لم يكن هناك من خطر يهددها فلماذا تتبنى في عقيدتها القتالية هذا المفهوم؟ ألى يعني ان العكس هو الصحيح، أي انها تعكس الخوف من تهديد الخارج لتقوم هي بالزحف والسيطرة على المحيط الخارجي، وهي إستراتيجية تؤكد على نقل الفعل الحربي الى خارج اراضيها بدواعي تجنب الحرب؟ فإذا لم يكن هناك ما يهدد أمن دولة ما فما الحاجة إلى هذا المفهوم؟ فالكيان الصهيوني لا يهدده احد ومع ذلك يتبنى مشروع توسعي من النيل الى الفرات، وكذلك دولة ما يتضمن برنامجها السياسي مفهوم المجال الحيوي ومع ذلك لا يهددها أحد لا من جيرانها ولا من غيرهم.

فالمشاريع تتصادم، والمصالح هي الأخرى تتصادم، عندئذ تبرز مسألة الأمن ويظهر مفهوم المجال الحيوي لدى البعض في استراتيجتهم ذات الأبعاد التوسعية بمدلول استخدام القوة.

فالمجال الحيوي ليس طبيعيا ولا مثاليا إنما صيغة إستعمارية لا أحد يتقبلها بل يقاومها بكل الوسائل والامكانات المتاحة والممكنة.

والتساؤل هنا هل خلقت الدولة لتكون إستعمارية؟ وهل مسموح لدولة كبيرة ان تتدخل في شؤون دولة صغيرة وهل ان دولة كبيرة وفقيرة مسموح لها ان تتدخل في شؤون دولة صغيرة وغنية، على اساس مفهوم المجال الحيوي.؟

***

د. جودت صالح

21/12/2024

بابك الخرمي (798 - 838) ميلادية، يدين بالمزدكية، ومؤسس الحركة الخرمية، ويقال أنها أول حركة شيوعية في تأريخ الإسلام لأنها تشجع المشاعية، أعدم في سامراء على يد المعتصم بالله سنة 223 هجرية، بعد إخماد ثورته التي ظهرت في زمن المأمون (198 - 218) هجرية، سنة 201 هجرية بعد مصرع أبو مسلم الخراساني وإستمرت أكثر من عشرين سنة، وقتلت ما يزيد عن ربع مليون مسلم، وعجز المأمون عن إخمادها.

وفي زمن المعتصم (218 -227) هجرية، (833 - 842) ميلادية، قاد الأفشين (حيدر بن كاوس) حملته ضده مع القائد (بغا)، فدحره سنة 222 هجرية، 837 ميلادية  في أذربيجان، ولديه تمثال فيها، وقبض عليه وجيئ به إلى المعتصم، وصلب في سامراء، بعد تعذيبه وتقطيع أوصاله والتحقيق القاسي معه.

وعلى الأرجح مدفون في مدينة سامراء، ولا يُعرف مكان قبره، ولا توجد دراسات وبحوث آثارية ذات قيمة معرفية عن فترة ومكان مكوثه في المدينة، والتي إستمرت لبضعة أشهر أو أسابيع على ما يبدو قبل قتله.

هذه الحركة تخبرنا بأن إتساع الدولة يتسبب بثورات وتوجهات لتأسيس الحكومات في ربوعها المترامية، وذلك ما جرى للدولة العباسية.

كما تشير إلى أن البشر ميال للإتباع حالما تظهر قوة لها القدرة على السيطرة والمجابهة، فينضوي تحت لوائها بنزعة قطيعية عارمة.

أضف إلى ذلك، الإندفاع نحو الخرافات والأساطير، وتسويغ نزعات النفس الأمارة بالسوء لتحقيق الرغبات المطمورة والمفلوتة، التي تجد لها ما يمكّنها من الوصول إلى ذروة مبتغاها.

وتأتي التأويلات والإدعاءات الفادحة من ذوي التأثير والكارزما الجذابة للآخرين، من أصحاب الظن بالسوء وإمتلاك اليقين.

والحركة تعطي مثلا على أن البشر يمكن برمجته وتوظيفه لصالح فكرة ما يموت في سبيلها، وكأنها الأفيون الذي سرى في عروقه وأجهز على دماغه، وكذلك تتشكل الأحزاب والمجاميع والفئات، ويموت البشر بالمفرد والجملة في متاهات التصورات المحسوبة على أنها تمثل الحقيقة المطلقة المنشودة، وتلغي أي رأي لا يتطابق معها، فالبشر كأنه ميال للتحجر والتقوقع في متاريس صلدة، يفنى في ظلماتها، ولا يرغب بالنظر إلى أنوار الحياة الساطعة.

فهل إنتهت أساليب وآليات التخرّم والإنشطار في دنيانا الحافلة بالصراعات الدامية؟!!

***

د. صادق السامرائي

 

لا يمكن الجزم بأن المنطقي يجب أن يكون صحيحا، بل لكل منطق عناصره المكانية والزمانية، ولا يوجد منطقي مطلق الصوابية. فلماذا ننخدع بما هو منطقي؟

المنطق نسبي الإستنتاج والخلاصات، والعقل مهما توهمنا فهو محدود القدرات، وبحاجة لمجاهدة قاسية للإرتقاء إلى بعض المدارات الإدراكية، والتواصل مع الوعي الكوني الفاعل في الوجود المتسع الأبعاد.

يتحدثون عن المنطق، وعن إعمال العقل في كذا وكذا، والنتيجة معطيات متباينة كأنها بصمات الأصابع العقلية، المعبرة عن كينونتها الذاتية، وتفاعلاتها ذات الطاقات المنحسرة.

يفكرون وكل على طاقته، ويتمنطقون وفقا لمفردات مكونات أدمغتهم، والناتج الإجمالي لن يكون مطلقا، أو رأيا فصلا في الأمور والتحديات.

علينا أن نتفاعل لكي نقترب من الصواب، فالعقول المتفردة قاصرة ومحاصرة في ظلمات الجمجمة التي تحتويها.

ويبدو أن المجتمعات الواعية أدركت حقيقة التفاعلات العقلية، وأهميتها في وضع الأجوبة الصالحة لولادات ذات قيمة حضارية إنسانية واعدة بالمزيد من المعطيات المشرقة.

والمجتمعات المغفلة تميل إلى التفرد والشخصنة فتميت الأجيال بفرد مستبد متسلط.

فالقول بإمتلاك ما هو مطلق هراء مبين، فلا توجد فكرة مطلقة، أو معتقد يمتلك صحيح الأجوبة عن كل شيئ، فالبشر مخلوق محدود القدرات، ومُستعبد بالأفكار التي تتفاعل وتتخلق في بودقة الأيام، فتنجب ما لا يخطر على بال، ولا يتسعه الخيال.

الأبواب والنوافذ يجب أن تفتح ليدخل الهواء النقي، القادر على تحفيزنا للإتيان بما ينفع ويساهم في تصنيع المفيد.

أما التخندق في الرؤى والتصورات فهو الإعدام الظالم للأفكار القادرة على صناعة الأفضل.

فهل سندرك أحجامنا ومحدودية إقتدارنا الفردي؟!!

"وما أوتيتم من العلم إلا قليلا"!!

***

د. صادق السامرائي

 

بعد السلام، هل نتعظُ بعد كل ما حدث بنا من مآسي، أم ننتظر يوم القيامة لنعترف بأننا أخطأنا بحق الوطن، وبحق أنفسنا؟

هل نعيد حساباتنا، أم أن الاعتراف بالخطأ ليس من شيمنا أبدا؟

كنا ننكر الواقع، ونتدعي التميز، ولكن الكارثة سقطت فوق رؤوسنا، فهل نصدق الواقعة، أم نمعن بالسير نحو الهاوية الأخيرة بمن بقي منا، من مثقوبي الرؤوس، ومسمولي العيون، وفاقدي السمع والبصر، والعاطلين عن العقل، العاطلين عن القلب.

هل أيقنا بأننا لم نقم دولا، ولا بنينا مجتمعات، وأننا ما زلنا حتى الساعة نصفق للأقوى، ونسحق الضعيف بلا رحمة، وأننا حتى السُّكر وبعد ألف كأس لا نريد الاستفاقة من الكارثة؟

هل نتخلى أخيرا عن عبادة الأصنام، الدين الوحيد الراسخ بلا نفاق في مورثاتنا منذ الجاهلية الأولى، هل نكفُّ عن الادعاء بحرية تأييد حاكم لا نملك خيار الاعتراض على أي أمر يصدره، ولا نملك أصلا إلا حرية التعبير في التهليل له وذبح الأبناء على عتباته ليرضى؟

هل نعترف بأننا طائفيون عند اللزوم، وعنصريون متى شئنا، واقليميون حين تخمش أظافرنا، وقُطريون يوم يأمر هذا أو ذاك، ولكننا عاجزون أن نرجع إنسانيين كما يجب أن نكون؟

ندَّعي الفضائل كلها، صحة الفكر والمعتقد والدين، فإن كنا واثقين إلى هذا الحدِّ فلمَ نخاف النقاش ونغلق أبوابه بالإرهاب الفكري دوما، وبالسكين وحتى المدفع إن لزم الأمر؟

إلى أين نمضي، ونحن نستيقظ كل يوم، وقبل أن تطأ أقدامنا الأرض نحلم بعيون مفتوحة أنَّ بلادنا صارت غير البلاد وعباد الله في هذه الأرض أصبحوا لا يشبهون أنفسهم بالأمس، وحين نجرجر أرجلنا على أرض الواقع ندرك أن لا شيء، لا شيء قد تغيَّر إلا إلى الأسوأ.

في السياسة، نحن اقصائيون، في العمل، نحن متكبرون، نصبح سادة أي مهنة لا نتقنها، نتعالى على من يعمل، وحين يبلغ الفشل مداه نتقاعد، ونورث ذات المهنة لأبنائنا.

عندما نخسر في أي مواجهة للمرة الألف، لا نراجع ولو لمرة يتيمة أفعالنا، ونضع اللوم على الغير.

***

فراس ميهوب

24/05/2021

 

قرأت قولا مفاده أن العرب إنشغلوا في سؤال "كيف ننهض" وتعددت أجوبتهم وعبرت عن العلة والعاهة المستديمة.

والواقع أن العرب بنخبهم المفكرة إنشغلوا بسؤال: " لماذا لم ننهض"، وغاصوا في تبريرات وتأويلات لا قيمة لها، ولا أثر سوى الترسيخ وإستلطاف ما هو قائم، وخلاصتها أو إستنتاجها " أن ليس في الإمكان خير مما كان"، وهذه رؤية عطلت الجهود الإبداعية في مجتمعات الأمة.

لو أن النخب فعلا تساءلت " كيف ننهض"، لوضعت الخرائط اللازمة لتأمين مسيرة النهوض المعبرة عن جوهر الأمة.

لا يوجد في كتابات المفكرين على مدى القرن العشرين كلمة "كيف"، بل أن كلمة "لماذا" هي السائدة والمحركة لمشاريعهم، وهم في حقيقتهم نباشون قبور لا مفكرون.

وبسبب ذلك إستنقعت الأمة وما تحرر من ويلاتها المأساوية إلا مَن رحم ربي!!

المفكرون يرسخون ولا يعالجون، ويؤكدون الأحوال، ويخشون التقرب من أنظمة الحكم وإنتقاد الحكام، فالعلة في الرأس المنخور بالخطايا والآثام.

هل يوجد رأس عزيز كريم يحكم بلاده في دول الأمة؟

الرؤوس أعداء أبدانها!!

نعم مشكلة الأمة في رؤوسها الخانعة التابعة المعطلة للعقول والمؤكدة للتجهيل والتعضيل، وإستنزاف الطاقات وتبديدها بإلهاء المواطنين بالركض المرهق وراء توفير لقمة العيش.

ولهذا فكلمة " لماذا"، تفتح للنخب مساحات أوسع للكتابة والهذربة، بينما كلمة " كيف" تتطلب إعمالا مخلصا صادقا للعقل، ووضع الخرائط العملية للوصول إلى أهداف معلومة.

فالنخب أذيال الرؤوس المألوسة، وأبواق الكراسي المحروسة، ومنهجهم تبريري لتسويغ الجرائم وتأمين الفساد، والإمتهان والإستبداد!!

فأين " كيف" يا أمة " لماذا"؟!!

***

د. صادق السامرائي

كعادتي كل صباح اقرأ عمود الكاتب الصحفي سمير عطا الله في الشرق الأوسط، وهو يجمع بين السياسة والأدب والفلسفة، وفي عموده قبل يومين تناول موضوعة القادة الذين يتوهون ان عقولهم ارقى واهم من عقول مواطنيهم، هؤلاء الذين امتلأت بهم حياتنا يصدرون لنا خطبا فارغة ولهم مدرسة واحدة يحددها سمير عطا الله بانها " مدرسة السطوة "، وهؤلاء يوهمون شعوبهم بانهم " أعظم الأدمغة " في البلاد.

في موسوعته الشهيرة " صعود وسقوط الإمبراطورية الرومانية " يكتب المؤرخ إدوارد غيبون انه كلما عاد قائد من قواد الامبراطورية الرومانية منتصرا في الحروب وهرعت الناس لاستقباله، يتقدم الجموع الخطيب والفيلسوف سينيكا ليقول له بصوت واضح: تذكّر أنك بشر.

تسقط الدول والانظمة حين يختلّ فيها ميزان العدالة، فالقانون في الأمم المتحضرة هو عنوان التوازن في العلاقة بين الحاكم والناس، فالـمالك الدائم للبلاد هو المواطن، أما المسؤول فهو صاحب وظيفة ذات مسؤولية محددة وواضحة هي: الحماية من الخلل في كل أبواب العمل، في العدل أولًا، وفي معيشة الناس ثانيًا، لأنّ بهذين العدلين وحدهما تستقيم العلاقة بين المسؤول والمواطن.

كان الإمام علي اثناء توليه الخلافة يتفقد الناس في الأسواق فشاهد ذات يوم تاجراً يهودياً يبيع درعاً حربياً، نظر الإمام إلى الدرع جيداً، تعرف عليه، هو درعه الذي فقد منه في إحدى المعارك، ولم يجده بعدها أبداً، قال لليهودي: هذا الدرع درعي. رد اليهودي: لا ليس لك، وإذا أردت أن تشتريه فاشتره. وعندما اصر الخليفة ان الدرع ملكه طلب التاجر أن يحتكما إلى القضاء، وفي دار القضاء أمر القاضي شريح، الخليفة أن يقف إلى جانب خصمه وقال له: ما هي قضيتك ؟. قال الامام: ان هذا الدرع سقط مني يوما. رد اليهودي: لا، هذا الدرع أنا اشتريته، وأريد أن أبيعه. قال القاضي: يا أمير المؤمنين، أعندك من يشهد لك. قال الامام: نعم، عندي ولدي الحسن. رد القاضي: لا نقبل شهادة الولد لأبيه، هل عندك شاهد آخر؟ قال: لا. قرر القاضي ان الدرع ملك للتاجر اليهودي. انتهت الحكاية وذهب القاضي الى بيته آمنا، فيما التاجر لم يصدق ان خصمه خليفة للمسلمين، وان القاضي يحكم له وليس لصالح الخليفة.

كان العراقيون ينتظرون نهاية حقبة الدكتاتورية، كي يخرجوا إلى النور، فقد أرهقتهم الحروب والمقابر الجماعية، وبلغت أثمان القادة العباقرة مئات الآلاف من الضحايا، فإذا بهم يجدون أن الوطن يختطف من قبل ساسة مصرّين على أنهم الأوصياء على أحوال الأمة والعباد وان عقولهم " توزن بالذهب

***

علي حسين

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم